: 92 جامع الأجوبة الفقهية ص 139
بإشراف ناصر الريسي وسعيد الجابري وسيف الكعبي.
-كتاب الطهارة
-مسألة: غسل ما استرسل من اللحية.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-مشاركة مجموعة ناصر الريسي، وأبي الربيع:
-اختلف العلماء في حكم غسل ما استرسل من اللحية على ثلاثة أقوال:
-القول الأول: يجب غسل ظاهره.
وهذا القول المشهور من مذهب المالكية، والحنابلة، وعليه أكثر الشافعية
-رجح هذا القول المجد وشيخ الاسلام ابن تيمية وابن عثيمين رحمهما الله.
– (انظر: حاشية الدسوقي (1/ 85)
والمجموع (1/ 414)
والمغني (1/ 81)
والموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 229).
-قال الشافعي في الأم:
وأحب أن يمر الماء على جميع ما سقط من اللحية عن الوجه، وإن لم يفعل فأمرَّه على ما على الوجه، ففيها قولان:
أحدهما: لا يجزيه؛ لأن اللحية تنزل وجهًا.
والآخر: يجزيه إذا أمره على ما على الوجه منه. اهـ
-القول الثاني: لا يجب بل يسن.
وهو مذهب الحنفية،
والمالكية في قول، وأحد قولي الشافعية.
-واختار هذا القول من المحققين الحافظ ابن رجب رحمه الله.
– (انظر: بدائع الصنائع) (1/ 4)،
والمجموع (1/ 414)
والموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 229)
-وقال في بدائع الصنائع:
ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية عندنا، وعند الشافعي يجب. اهـ
-قال ابن عابدين في حاشيته (1/ 97): لا يجب غسل المسترسل ولا مسحه؛ بل يسن.
-القول الثالث: لا يشرع غسله،
-وهو اختيار ابن حزم رحمه الله.
– (انظر: المحلى في مسألة 198).
-أدلة أصحاب القول الأول، الذين قالوا بالوجوب:
-الدليل الأول:
من الكتاب: عمومُ قول الله عزَّ وجلَّ: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}
[المائدة: (6)]
-وجه الدَّلالة:
أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أمر بغسل الوجه أمرًا مطلقًا، ولم يخصّ صاحِبَ لِحية من أمردَ؛
فكلُّ ما وقع عليه اسمُ الوجه فواجبٌ غسلُه.
-الدليل الثاني:
-أنَّ الوجه اسمٌ لِما وقعت به المواجهةُ؛ فدخل ما استرسلَ من اللِّحية في اسمه.
– (اعتراض):
قالوا: لا يكفي في الوجوب، فالرقبة تحصل بها المواجهة ولا يجب غسلها، فكيف بالشعر النازل عن حد الرقبة.
-الدليل الثالث:
من القواعد الفقهية:
(التابع تابع) وذلك أن المستَرسِلَ تابِعٌ لما اتَّصل، وَالتَّبَعُ حكمُه حكمُ الأصلِ.
– (اعتراض):
قالوا: لا يكفي في الوجوب كونه تابع، فالرقبة متصلة بالوجه، ولا يجب غسلها، فكيف بالشعر النازل عن حد الرقبة.
-الدليل الرابع:
-القياس على اللحية النابتة على الخد، فإذا وجب غسل النابت على الخد، وجب غسل النابت على الذقن مطلقًا، سواء نزل على الصدر أم لم ينزل.
-أدلة أصحاب القول الثاني: الذين قالوا: يسن غسلها.
-الدليل الأول:
لأنَّه شعرٌ خارج عن محلِّ الفرضِ، فأشبهَ ما نزَل مِن شعرِ الرأسِ عنه
-والدليل الثاني:
-ما أخرجه البخاري في صحيحة من حديث ابن عباس رضي الله عنه وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وكان في قوله – أن قال ثم أخذ كفاً من ماء وغسل وجهه وتقدم معنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية حتى أنه بعض المأمومين يرى لحيته-صلى الله عليه وسلم- إذا قرأ القرآن من خلفه وكانت لحيته كثه – صلى الله عليه وسلم – ولم يأخذ لها إلا كفاً واحدة للوجه فإن هذه الكف لا تستوعب غسل جميع ما استرسل.
-الدليل الثالث:
-الحديث الذي رواه مسلم، عن أبي أمامة، قال: قال عمرو بن عبسة السلمي: ما منكم رجل يقرب وضوءه، فيتمضمض، ويستنشق فينتثر، إلا خرت خطايا وجهه وفِيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله، إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء … الحديث.
-وجه الدلالة:
-قوله: من أطراف لحيته مطلق، يشمل اللحية المسترسلة وغيرها.
-قال المجد ابن تيمية: فهذا يدل على أن غسل الوجه المأمور به يشتمل على وصول الماء إلى أطراف اللحية. (المنتقى)
-الدليل الرابع:
-إنما يواجه إلى المتَّصل عادةً لا إلى المسترسلِ، فلم يكن المسترسلُ وجهًا، فلا يجب غَسلُه.
-الدليل الخامس:
قالوا: أن القول بالاستحباب هو من باب الاحتياط وخروجًا من الخلاف، خاصة أنه يوجد من الأدلة ما يدل على غسل ظاهر اللحية.
-أدلة القول الثالث:
لا يشرع غسل المسترسل
-الدليل الأول:
الأصل المأمور بغسله: هو بشرة الوجه، وإنما وجب غسل اللحية بدلاً من البشرة حين نبتت فوق الوجه، وما انسدل من اللحية على الصدر ليس تحته ما يلزم غسله فيكون غسل اللحية بدلاً منه.
-الدليل الثاني:
القياس على الرأس، فكما أن جلد الرأس مأمور بمسحه، فلما نبت عليه الشعر ناب مسح الشعر عن مسح الرأس، وما انسدل من الرأس سقط، فليس تحته بشرة يلزم مسحها، ومعلوم أن الرأس سمي رأسًا لعلوه ونبات الشعر فيه، وما سقط من الشعر وانسدل فليس برأس، فكذلك ما انسدل من اللحية فليس بوجه.
– (اعترض):الأقرب في ذلك الوجوب،
قالوا: بأن هناك فرق بين اللحية وبين الرأس: أن اللحية وإن طالت تحصل بها المواجهة؛ فهي داخلة في حد الوجه، أما المسترسل من الرأس فلا يدخل في الرأس، لأنه مأخوذ من الترؤس وهو العلو، وما نزل عن حد الشعر، فليس بمترئس. انظر: الشرح الممتع (1/ 172).
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-جواب سعيد الجابري:
-قلت: وأما حكم ما استرسل من اللحية: فعند أبي حنيفة ورواية عن أحمد أنه لا يجب غسل المسترسل منها، وإنما يكفيه غسل ما كان على حد الوجه، لأن المراد بالوجه البشرة فقط.
– ( … وروى بكر بن محمد، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله أيما أعجب إليك غسل اللحية أو التخليل؟ فقال: غسلها ليس من السنة، وإن لم يخلل أجزأه.
-قلت: وأما قول الإمام أحمد (غسلها ليس من السنة،)
-قال ابن قدامة: وقول أحمد في نفي الغسل، أراد به غسل باطنها، أي غسل باطنها ليس من السنة، (المغني)
-قلت: وعند الشافعي وظاهر مذهب أحمد أنه يجب غسل المسترسل مهما كان، لأنه نابت في محل الفرض فيدخل في مسماه ظاهرا،
-قال قدامة-: وظاهر مذهب أحمد الذي عليه أصحابه، وجوب غسل اللحية كلها مما هو نابت في محل الفرض، سواء حاذى محل الفرض أو تجاوزه، وهو ظاهر كلام الشافعي. (المغني)
-قلت: القول بوجوب غسل المسترسل من اللحية هو الأظهر. والله أعلم.
-تنبيه:
-بعض الفقهاء يستدل بحديث ضعيف، أن اللحية من الوجه؛ ولأنه نابت في محل الفرض يدخل في اسمه ظاهرا، فأشبه اليد الزائدة؛ ولأنه يواجه به، فيدخل في اسم الوجه، ويفارق شعر الرأس، فإن النازل عنه لا يدخل في اسمه،
-قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة:والحديث؛ قد ذكر في بعض كتب الشافعية بلفظ: أنه-صلى الله عليه وسلم رأى رجلا غطى لحيته في الصلاة، فقال: اكشف لحيتك؛ فإنها من الوجه.
-فقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 56): لم أجده هـكذا. نعم؛ ذكره الحازمي في تخريج أحاديث «المهذب فقال: هـذا الحديث ضعيف، وله إسناد مظلم، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء».
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
مشاركة سيف وصاحبه:
قال في “زاد المستقنع”: ” ويغسل وجهه من منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا، وما فيه من شعر خفيف، والظاهرَ الكثيف مع ما استرسل منه ” انتهى.
قوله: ” مع ما استرسل منه “: “استرسل” أي: نَزَلَ ” انتهى من “الشرح الممتع” (1/ 212).
قال ابن عبد البر في الاستذكار:
من جعل غسل ما انسدل من اللحية واجبا جعلها وجها والله قد أمر بغسل الوجه أمرا مطلقا لم يخص صاحب لحية من أمرد فكل ما وقع عليه اسم وجه فواجب غسله لأن الوجه مأخوذ من المواجهة وغير ممتنع أن تسمي اللحية وجها فوجب غسلها لعموم الظاهر.
ومن لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله بشرة الوجه وإنما وجب غسل اللحية لأنها ظهرت فوق البشرة حائلة دونها وصارت البشرة باطنا وصار الظاهر هو شعر اللحية فوجب غسلها بدلا من البشرة وما انسدل من اللحية ليس لحية فما يلزم غسله فيكون غسل اللحية بدلا منه كما أن جلد الرأس مأمور بغسله أو مسحه فلما نبت الشعر ناب مسح الشعر عن مسح جلدة الرأس لأنه ظاهر فهو بدل منه وما انسدل من الرأس وسقط فليس تحته بشرة يلزم مسحها ومعلوم أن الرأس المأمور بمسحه ما علا ونبت فيه الشعر وما سقط من شعره وانسدل فليس برأس وكذلك ما انسدل من اللحية ليس بوجه والله أعلم
ولأصحاب مالك أيضا في هذه المسألة قولان كأصحاب الشافعي. انتهى من الاستذكار
فأنت ترى قوة الخلاف فالأحوط أن تغسل.