89 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
وتعليقاتي ميزتها ب (*)
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال البخاري في كتاب العلم من صحيحه:
باب التناوب في العلم
89 – حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح قال أبو عبد الله وقال ابن وهب أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس عن عمر قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره وإذا نزل فعل مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال لا فقلت الله أكبر
——–
فوائد الباب:
1 – قوله (باب التناوب في العلم) أي لا ينبغي التعذر بالانشغال، فيقتطع جزءا من وقته لحضور مجالس العلم، وما لم يتمكن من حضوره يطلبه ممن حضره.
2 – حديث ابن عباس عن عمر أخرجه البخاري ومسلم والترمذي، – والنسائي 2132 مختصرا وليس فيه موضع الشاهد لكنه قال وساق الحديث – عن ابن عباس.
3 – زاد في أوله البخاري 2469 من طريق عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} فحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة فتبرز حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} فقال وا عجبي لك يا ابن عباس عائشة وحفصة”.
4 – قول عمر رضي الله عنه (كنت أنا وجار لي من الأنصار) هكذا كان الجيران من الصحابة يتعاونون على البر والتقوى، فيطلب أحدهم العلم ثم ينقله لجاره. وسيأتي في آخر البحث الخلاف في اسم هذا الجار
5 – قال الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ” هذه الزيادة التي في أوله ((كنت وجار لي إلخ لم يروها عن الزهري إلا شعيب (والله أعلم) ” وقال في الفتح نص على ذلك الذهلي والدارقطني والحاكم وغيرهم. انتهى
فإن كان المقصود مقارنة برواية يونس المعلقة وقد وصله ابن حبان في صحيحه 4187 وأبو نعيم في مستخرجه فنعم وإلا فقد أخرجها البخاري في صحيحه 2468 من طريق عقيل عن الزهري، وأخرجها مسلم في صحيحه 3688 من طريق معمر عن الزهري، وأخرجها البزار في مسنده 206 من طريق صالح بن كيسان عن الزهري.
6 – قوله (ينزل يوما وأنزل يوما) كي لا تتعطل المصالح بنزولهما معا.
7 – قوله (فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره) خص الوحي لأنه الأصل وأما غيره من الأحداث فبالتبع.
8 – قوله (وإذا نزل فعل مثل ذلك) أي صاحبي وهذا هو الشاهد التناوب في طلب العلم.
9 – فيه: الحرص على طلب العلم قاله ابن بطال.
10 – وفيه: أن لطالب العلم أن ينظر فى معيشته وما يستعين به على طلب العلم. قاله ابن بطال.
11 – حرص الصحابة على مشافهة النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم فإذا فاتهم شيء للضرورة أخذوه من غيرهم، ومن أدلة حرصهم على مشافهة النبي صلى الله عليه وسلم ما تمناه عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، من ترك ناقته؛ قالَ: دَخَلْتُ عَلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وعَقَلْتُ ناقَتِي بِالبابِ، فَأتاهُ ناسٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ فَقالَ: «اقْبَلُوا البُشْرى يا بَنِي تَمِيمٍ»، قالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنا فَأعْطِنا، مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ ناسٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ، فَقالَ: «اقْبَلُوا البُشْرى يا أهْلَ اليَمَنِ، إذْ لَمْ يَقْبَلْها بَنُو تَمِيمٍ»، قالُوا: قَدْ قَبِلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ، قالُوا: جِئْناكَ نَسْألُكَ – عَنْ هَذا الأمْرِ؟ قالَ: «كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ، وكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وخَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ» فَنادى مُنادٍ: ذَهَبَتْ ناقَتُكَ يا ابْنَ الحُصَيْنِ، فانْطَلَقْتُ، فَإذا هِيَ يَقْطَعُ دُونَها السَّرابُ، فَواللَّهِ لَوَدِدْتُ أنِّي كُنْتُ تَرَكْتُها أخرجه البخاري ((3191)).
وكذلك ابن مسعود رضي الله عنه أخذ سبعين سورة في فيِّ النبي صلى الله عليه وسلم عن شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ، قالَ: خَطَبَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقالَ: «واللَّهِ لَقَدْ أخَذْتُ مِن فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِضْعًا وسَبْعِينَ سُورَةً، واللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أصْحابُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنِّي مِن أعْلَمِهِمْ بِكِتابِ اللَّهِ، وما أنا بِخَيْرِهِمْ»، قالَ شَقِيقٌ: فَجَلَسْتُ فِي الحِلَقِ أسْمَعُ ما يَقُولُونَ، فَما سَمِعْتُ رادًّا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ أخرجه البخاري 5000
12 – وفيه: قبول خبر الواحد قاله ابن بطال.
13 – فيه السؤال قائما كما عند البخاري من طريق عقيل ” ثم قلت وأنا قائم”.
14 – زاد البخاري 2468 من طريق عقيل عن الزهري ” وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني فقلت خابت من فعل منهن بعظيم ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل فقالت نعم فقلت خابت وخسرت أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكين لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه واسأليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عائشة وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال”.
15 – قوله (فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بابي ضربا شديدا فقال أثم هو) وهذا منه رضي الله عنه حرص على ما اتفقا عليه.
16 – قال عمر (ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم) ولم يذكر هذا الأمر هنا وذكره من طريق عقيل عن الزهري وفيه “قلت ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه “.
فيه أن شؤون النبي صلى الله عليه وسلم وهمومه أعظم من غزو جيش لهم.
17 – قوله (قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري) فيه موعظة الرجل ابنته لحال زوجها قاله البخاري، وتثبته في معرفة الخبر منها.
18 – زاد البخاري 2468 من طريق عقيل عن الزهري ” قال قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت ما يبكيك أولم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال أذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم طلقت نساءك فرفع بصره إلي فقال لا ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال أوفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة
موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسعا وعشرين قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال إن الله قال {يا أيها النبي قل لأزواجك إلى قوله عظيما} قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة”.
19 – قوله (ثم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت وأنا قائم أطلقت نساءك قال لا فقلت الله أكبر) أحب قبل الجلوس التأكد من الخبر لعظمه.
20 – قوله (الله أكبر) فيه التكبير عند الفرح.
21 – … فيه باب الغرفة والعلية المشرفة وغير المشرفة في السطوح وغيرها قاله البخاري وأخرجه 4913 من طريق عبيد بن حنين عن ابن عباس ” فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة له يرقى عليها بعجلة” وأخرجه أيضا من حديث أنس 2469 وفيه ” فجلس في علية له”.
22 – فيه “البيان بأن المرء جائز له أن يؤدب امرأته بهجرانها مدة معلومة” قاله ابن حبان في صحيحه.
23 – قال ابن بطال في «شرح صحيح البخارى» (1/ 169):فيه: أن الصحابة كان يخبر بعضهم بعضا بما يسمع من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ويقولون: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويجعلون ذلك كالمسند، إذ ليس فى الصحابة من يكذب، ولا غير ثقة.
هذا قول طائفة من العلماء، وهو قول من أجاز العمل بالمراسيل، وبه قال أهل المدينة، وأهل العراق. وقالت طائفة: لا نقبل مرسل الصاحب، لأنه مرسل عن صاحب مثله، وقد يجوز أن يسمع ممن لا يضبط كوافد وأعرابى لا صحبة له، ولا تعرف عدالته، هذا قول الشافعى، واختاره القاضى ابن الطيب. اهـ
24 – قال صاحب «الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري» (1/ 197):
فيه أن الكذب من غير قصد لا يقدح في العدالة.
وفيه جواز دخول أبي المرأة عليها من غير إذن الزوج إذا عَلِم أنه لا يغيظه ذلك؟
وفيه جواز البكاء على أمر ديني. اهـ
25 – قال ابن العثيمين في التعليق على البخاري: فيه التكبير عند سماع ما يسر، التكبير عند سماع ما يسر كما أن فيه، فيه أيضا أدلة أخرى تدل على التكبير فيما يسوء فقد قالوا: (يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو اسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) فالتكبير يكون عندما يسر، عند الذي يسر وعند الذي يسوء، ويكون عند الذي يتعجب منه الإنسان. اهـ
26 – بكاء حفصة من الشائعات، وخوفها من فراق النبي صلى الله عليه وسلم.
27 – قوله (عن عبيد الله) وعند البخاري من طريق عقيل ” أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور”
28 – اسم الجار المذكور أوس بن خولي بن عبد الله بن الحارث الأنصاري قاله الحافظ ابن حجر في الفتح كما في كتاب النكاح.
* قال ابن حجر: سماه ابن سعد من وجه آخر عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكر حديثا وفيه: وكان عمر مؤاخيا أوس بن خولي لا يسمع شيئا إلا حدثه ولا يسمع عمر شيئا إلا حدثه فهذا هو المعتمد وأما ما تقدم في العلم عمن قال إنه عتبان بن مالك فهو من تركيب ابن بشكوال فإنه جوز أن يكون الجار المذكور عتبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عمر، لكن لا يلزم من الإخاء أن يتجاورا والأخذ بالنص مقدم على الأخذ بالاستنباط. …
ويؤيد ذلك أن في رواية عبيد بن حنين (وكان لي صاحب من الأنصار) انتهى
* لكنه من طريق محمد بن عمر وهو الواقدي شيخ ابن سعد قال ابن سعد: أخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: [ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ذَبْحًا فَأمَرَنِي فَقَسَمْتُهُ بَيْنَ أزْواجِهِ فَأرْسَلَ إلى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِنَصِيبِها فَرَدَّتْهُ فَقالَ: زِيدُوها ثَلاثًا. كُلَّ ذَلِكَ تَرُدُّهُ. فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أقْمَأتْ وجْهَكَ حِينَ تَرُدُّ عَلَيْكَ الهَدِيَّةَ. فَقالَ: أنْتُنَّ أهْوَنُ عَلى اللَّهِ مِن أنْ تُقْمِئْنَنِي. واللَّهِ لا أدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْرًا]. فاعْتَزَلَ فِي مَشْرُبَةٍ. وكانَ عُمَرُ مُؤاخِيًا أوْسَ بْنَ خَوْلِيٍّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا إلا حَدَّثَهُ ……
رأي العلماء في الواقدي:
اختلف علماء الحديث حول الواقدي اختلافًا كبيرًا، بين معدِّل له وبين مجرِّح، وقد حكى الخطيب البغدادي أقوالهم على اختلافها، وملخصها أن الإمام مالك بن أنس وغيره كانوا يثقون به
أما الذين طعنوا عليه فمنهم، علي بن محمد المديني، ومن أقواله فيه: «عند الواقدي عشرون ألف حديث لم يسمع بها». وقال عنه يحيى بن معين: «أغرب الواقدي على رسول الله – – عشرين ألف حديث». وقال عنه أحمد بن حنبل: «الواقدي يركب الأسانيد».
ونقل الخطيب أن مطاعن المحدثين عليه من ناحتين:
الأولى: أنه كان يأخذ من الصحف، ويعتمد على الكتب، وثقات المحدثين كانوا يكرهون تلك الطريقة أشد الكراهية، ويرون أنه لا يصح للمحدث أن يحدث بحديث إلا إذا كان قد سمعه بأذنه ممن روى عنه.
الثانية: أنه كان يجمع الأسانيد المختلفة ويجيء بالمتن واحدًا.
واعتذر الواقدي عن جمعه الأسانيد أن أفراد كل رواية بأسنادها مما يطول.
لكن من طعنوا فيه اعتبروا حديثه وسبروه فوجدوه يبدل يونس في حديث رواه يونس عن الزهري فيجعله معمر عن الزهري. وهكذا
قال عنه الخطيب البغدادي: «وهو ممن طبق شرق الأرض وغربها ذكره، ولم يخف على أحد عرف أخبار الناس أثره، وسارت الركبان بكتبه في فنون العلم؛ من المغازي والسير والطبقات، وأخبار النبي – – والأحداث التي كانت في وقته، وبعد وفاته – – وكتب الفقه، واختلاف الناس في الحديث وغير ذلك
تاريخ بغداد ترجمه رقم 1255
قال ابن كثير: “الواقدي عنده زيادات حسنة، وتاريخ محرر غالبًا، فإنه من أئمة هذا الشأن الكبار، وهو صدوق في نفسه مكثار”.
وقال الذهبي: “الواقدي، المديني، القاضي، صاحب التصانيف والمغازي، العلامة، الإمام، أبو عبد الله، أحد أوعية العلم على ضعفه، المتفق عليه، وجمع فأوعى، وخلط الغث بالسمين، والخرز بالدر الثمين، فاطرحوه لذلك، ومع هذا، فلا يستغنى عنه في المغازي، وأيام الصحابة، وأخبارهم”.
وقال أيضا:
والواقدي وإن كان لا نزاع في ضعفه فهو صادق اللسان كبير القدر. وقال بعد أن استعرض أقوال العلماء فيه: “وقد تقرر أن الواقدي ضعيف يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر؛ فهذه الكتب الستة، ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء، بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا، مع أن وزنه عندي أنه مع ضعفه يكتب حديثه ويروى، لأني لا أتهمه بالوضع، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أنه لا عبرة بتوثيق من وثقه -وهم تمام عشرة محدثين-، إذ انعقد الإجماع اليوم على أنه ليس بحجة، وأن حديثه في عداد الواهي».
سير أعلام النبلاء ((9) / (454))].
وقال ابن تيمية في الصارم المسلول ((2) / (155)) عن رواية الواقدي لقصة كعب بن الأشرف: وما ذكره الواقدي عن أشياخه يوضح ذلك ويؤيده، وإنْ كان الواقدي لا يحُتجُّ به إذا انفرد، لكن لا ريب في علمه بالمغازي، واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته … .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية ((8) / (325)): (أفرد الإخباريون لقتال أهل الردة كتبا سموها كتب الردة والفتوح مثل كتاب الردة لسيف بن عمر والواقدي وغيرهما يذكرون فيها من تفاصيل أخبار أهل الردة وقتالهم ما يذكرون كما قد أوردوا مثل ذلك في مغازي رسول الله وفتوح الشام فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة ومنه ما نقله الثقات ومنه أشياء مقاطيع ومراسيل يحتمل أن تكون صدقا وكذبا ومنه ما يعلم أنه ضعيف وكذب)
وقال عنه ابن سيد الناس، «إن سعة العلم مظنة لكثرة الإغراب، وكثرة الإغراب مظنة للتهمة، والواقدي غير مدفوع عن سعة العلم، فكثرت غرائبه» عيون الأثر 1/ 26
ويلخص لنا باحث درجة مرويات الواقدي في خاتمة بحثه:
الواقدي وكتابه المغازي منهجه ومصادره
المؤلف/ المشرف:
عبدالعزيز بن سليمان السلومي
عمادة البحث العلمي – الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الطبعة: الأولى سنة الطبع: (1425) هـ
الخاتمة: وبعد دراستي للواقدي وكتابه المغازي توصلت إلى نتائج عدة منها ما يلي:
(1) – أن القول الراجح في مولد الواقدي أنه ولد سنة ثلاثين ومائة للهجرة.
(2) – أن الواقدي يعتبر من بحور العلم وأحد الحفاظ المشهورين، ولذلك يمكن أن يقال أنه أحد الموسوعات العلمية في تاريخ الإسلام.
(3) – ظهر لي من خلال الكلام على مصنفات الواقدي، أن كتاب المغازي هو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من كتب الواقدي وما عداه فقد سبق الإشارة إلى عدم صحة ثبوت نسبتها إليه.
(4) – أن الواقدي يعتبر ضعيفا في الحديث، ولكن يكتب حديث ويروي، وقول من أهدره فيه مجازفة من بعض الوجوه، كما أن الظاهر عدم اتهامه بالوضع كما قال الذهبي.
(5) – أن للواقدي منهجا خاصا في الرواية التاريخية يختلف من منهج أئمة الحديث، فلا مانع عنده من أن يروي عن شخص مجهول إذا كان الحديث وقع في سلفه أو أحد أفراد عشيرته، أما أئمة الحديث فلا يروون إلا عن الثقة المعروف بالعدالة والصدق، ولعل هذا من أسباب تضعيفه عند المحدثين.
(6) – إن استخدام الإسناد الجمعي لم ينفرد به الواقدي بل عمل به غيره، ولكن الواقدي أكثر منه، فلعل هذه الكثرة هي التي أوثقته أحيانا بما نسب إليه من تركيب الأسانيد كما سبق بيان ذلك.
(7) – إن الواقدي يعتبر إماما ورأسا في المغازي والسير لا يستغنى عنه في هذا الباب، فهو أحد أئمة هذا الشأن الكبار، وهذا محل إجماع بين أهل السير والتراجم.
(8) – ظهر لي عدم صحة اتهام الواقدي بالتشيع.
(9) – تبين لي أن الواقدي كتب مغازيه في المدينة النبوية قبل انتقاله إلى بغداد وصلته الوثيقة ببعض خلفاء بني العباس، وهذا يسقط ما زعمه هوروفتس من تأثير هذه الصلة على مروياته في المغازي.
(10) – أن القول الراجح في تاريخ وفاة الواقدي هو ما ذكره تلميذه ابن سعد حيث قال عنه: «فلم يزل قاضيا حتى مات ببغداد ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين ودفن يوم الثلاثاء في مقابر الخيزران، وهو ابن ثمان وسبعين سنة»
(11) – إن كتاب المغازي يعتبر مصدرا مهما من مصادر السيرة النبوية.
(12) – عدم صحة تهمة سطو الواقدي على سيرة ابن إسحاق.
(13) – جودة عرض الواقدي للمادة العلمية وتنظيمها في كتابه المغازي.
(14) – ضبط الواقدي لتاريخ الغزوات والسرايا النبوية.
(15) – إن الواقدي قام بتحديد موقفه عند كثير من مسائل الخلاف بذكر الراجح عنده.
(16) – اهتمام الواقدي بالدراسة الميدانية للمواقع الجغرافية في المغازي والسرايا النبوية مما يجعله مصدرا مهمًا في هذا المجال.
(17) – إيراد الواقدي بعض الإضافات العلمية في كتابه المغازي وقد عقدت لإبرازها فصلًا كاملًا مما يدل على سعة علمه وتنوع ثقافته.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نتائج البحوث وخواتيم الكتب (2) / (72) — مجموعة من المؤلفين