84 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري . وعبدالحميد البلوشي وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
٨٤ – قال الإمام أبو يعلى (ج ٦ ص ٥٨): حدثنا عبد الواحد حدثنا غسان بن برزين يعني الطهوي حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: غدا أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم فقالوا: يا رسول الله هلكنا ورب الكعبة فقال: «وما ذاك؟» قالوا: النفاق النفاق قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله؟» قالوا: بلى قال: «ليس ذاك النفاق» قال: ثم عادوا الثانية فقالوا: يا رسول الله هلكنا ورب الكعبة قال: «وما ذاك؟» قالوا: النفاق النفاق قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؟» [ص ٨١] قالوا: بلى قال: «ليس ذاك النفاق» قال: ثم عادوا الثالثة فقالوا: يا رسول الله هلكنا ورب الكعبة قال: «وما ذاك؟» قالوا: النفاق النفاق قال: «ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله؟» قالوا: بلى قال: «ليس ذاك
النفاق» قالوا: إنا إذا كنا عندك كنا على حال وإذا خرجنا من عندك همتنا الدنيا وأهلونا قال: «لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على الحال الذي تكونون عليه لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة».
هذا حديث حسنٌ. وعبد الواحد هو ابن غياث.
——–
دراسة الحديث رواية:
* الحديث أورده الهيثمي في المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي 28.
* أورد الحديث المقدسي في المختارة برقم 1762.
* الحديث في السلسلة الصحيحة برقم 2235 وله شواهد كثيرة و طرق عن أنس و غيره، وأرقامها في الصحيحة ( 1948 و 1963 و 1965 و 1976 ) .
* صحح إسناده محقق مسند أبي يعلى برقم 3304.
* قال الهيثمي في مجمع الزوائد 18219: ” رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير غسان بن برزين وهو ثقة “.
* أخرج عبد بن حميد في مسنده الحديث برقم 1377 ولكن بلفظ: ” عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره، فنخاف أن يكون ذلك النفاق، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم وربكم؟» قالوا: الله ربنا في السر والعلانية قال: «كيف أنتم ونبيكم؟» قالوا: أنت نبينا في السر والعلانية قال: «ليس ذاك النفاق»”.
وضعف إسناده محقق مسند عبد بن حميد بسبب الحارث بن عبيد ضعيف.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/185): ” رواه أبو يعلى والبزار إلا أن البزار قال : ” كيف أنتم وربكم ؟ ” قالوا : الله ربنا في السر والعلانية . ورجال أبي يعلى رجال الصحيح “.
روايات وشواهد الحديث وأحاديث في الباب:
في كتاب التنوير شرح الجامع الصغير
[الصنعاني] ٩/١٣٦
7401 – “لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على الحال الذي تكونون عليه لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة. (ع) عن أنس (ض) “.
(لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على الحال الذي تكونون عليه) من رقت القلوب وصفائها وإقبالها على الآخرة وإعراضها عن الدنيا. (لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة) إكراماً لكم وفيه أن المصافحة بين الصالحين سنة (ع (1) عن أنس) رمز المصنف لضعفه لكن قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير غسان بن برزين (2) وهو ثقة (3).
قال السيوطي في جامع الأحاديث ج١٨/١٠٣
إذا خرجتم من عندى تكونون على الحال الذى تكونون عليه لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة (أبو يعلى عن أنس)
أخرجه أبو يعلى (6/58، رقم 3304) وفيه قصة. قال الهيثمى (10/310) : رجاله رجال الصحيح غير غسان بن برزين، وهو ثقة.
وللحديث أطراف منها: “لو تدومون على ما تكونون عندى لصافحتكم الملائكة”.
ورد في صحيح مسلم
2- عن حنظلة الأسيديّ- رضي الله عنه- وكان من كتّاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- قال: لقينى أبوبكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكّرنا بالنّار والجنّة. حتّى كأنّا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عافسنا الأزواج والأولاد والضّيعات فنسينا كثيرا. قال أبو بكر:
فو الله، إنّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتّى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة، يا رسول الله…….فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، (ساعة وساعة) » ثلاث مرّات)
مسلم (2750)
وفي الباب ورد في الصحيح المسند 1358
أخرجه الإمام أحمد رحمه الله : ثنا أبو كامل وأبو النضر قالا ثنا زهير ثنا سعد الطائي قال أبو النضر سعد أبو مجاهد ثنا أبو المدلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول قلنا صلى الله عليه وسلم يا رسول الله انا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال لو تكونون أو قال لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم قال قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك الاذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب عز و جل وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين .
هذا حديث صحيح .
وفي الباب :
قصة ابي الدرداء مع سلمان الفارسي وقول سلمان أن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا…… وقول النبي صلى الله عليه وسلم صدق سلمان
وقصة عبدالله بن عمرو وكان يصوم الدهر ويقوم الليل فارشده النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يشدد على نفسه
—
دراسة الحديث دراية:
1- معاني المفردات :
( شممنا ) أي لاعَبْناَ الأهلَ وعاشَرْناهُنَّ .
( وملاطها ) بكسر الميم أي ما بين اللبنتين موضع النورة في النهاية الملاط الطين الذي يجعل بين سافي البناء يملط به الحائط أي يخلط .
( المسك الأذفر ) أي الشديد الريح .
( وحصباؤها ) الحَصْباء هو الْحصَى الصِّغار .
أي حصباؤها الصغار التي في الأنهار قاله القاري . وقال صاحب أشعة اللمعات أي حصباؤها التي في الأنهار وغيرها . قلت : الظاهر هو العموم
—-
2 – شرح:
– وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير:
7418 – (لو أنكم تكونون على كل حال على الحالة التي أنتم عليها عندي) إشارة إلى أن الدوام على الحالة (((الآتية )))) عزيز وأن عدم دوام العبد على تلك الحالة لا يوجب معتبة لما طبع عليه البشر من الغفلة (لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم) قال في البحر: معناه لو أنكم في معاشكم وأحوالكم كحالتكم عندي لأظلتكم الملائكة لأن حال كونكم عندي حال مواجيد وكان الذي يجدونه معه خلاف المعهود إذا رأوا الأموال والأولاد ومعه ترون سلطان الحق وتشاهدونه وترق أنفسكم. قال أنس: ما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا والذي زال عنهم هو سلطان النبوة القاهر لكل عدو ألا ترى إلى قصة الرجل الذي باع أبا جهل إبلا فمطله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعط هذا حقه فأرعد وأجاب وهو عدوه الأكبر فهذا من سلطان النبوة وقهر الحق للأعداء ولم تصافحهم الملائكة عنده لأنها لم تكن حالتهم لكنها حالة الحق ولو كان ما يجدونه حالهم لكانت حالة ثابتة لهم ولكانت موهبة الله والله لا يرجع في هبته ولا يسلب كرامته إلا بالتقصير في واجباته (ولو لم يذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم) فيتوب عليهم وينيلهم جنته وإنما يخلي الله بين المؤمن والذنب ليبلغه هذه الدرجة ولو لم يخل بينه وبينه وسعى العبد في محاب الله كلها وتجنب مساخطه كلها ربما وجد نفسه قائمة بوظائف الله وساعية في طاعة ويرى لسانه ذاكرا فأعجبته نفسه واستكثر فعله واستحسن عمله فيكون قد انصرف عن الله إلى نفسه العاجزة الحقيرة الضعيفة القوة الدنية الصفة الأمارة بالسوء اللوامة التي هي معدن الآفات ومحل الهلكات
(حم ت عن أبي هريرة) قال: قلنا يا رسول الله إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد فذكره
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين ٢/٢٣٥-٢٣٦:
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم) أي من شدة اليقين تصافحكم إكراما لكم وتثبيتا لكم؛ لأنه كلما
زاد يقين العبد، فإن الله سبحانه وتعالى يثبته ويقويه، كما قال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (محمد: 17) ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة، ساعة وساعة. ساعة وساعة) يعني ساعة للرب عز وجل، وساعة مع الأهل والأولاد، وساعة للنفس حتى يعطي الإنسان لنفسه راحتها، ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم.
وهذا من عدل الشريعة الإسلامية وكمالها، أن الله عز وجل له حق فيعطي حقه عز وجل، وكذلك للنفس حق فتعطى حقها، وللأهل حق فيعطون حقوقهم، وللزوار والضيوف حق فيعطون حقوقهم، حتى يقوم الإنسان بجميع الحقوق التي عليه على وجه الراحة، ويتعبد لله عز وجل براحة، لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها مل وتعب، وأضاع حقوقا كثيرة.
وهذا كما يكون في العبادة وفي حقوق النفس والأهل والضيف، يكون كذلك أيضا في العلوم، فإذا طلب الإنسان العلم ورأى في نفسه مللا في مراجعة كتاب ما، فلينتقل إلى كتاب آخر، وإذا رأى من نفسه مللا من دراسة فن معين، فإنه ينتقل إلى دراسة فن آخر، وهكذا يريح نفسه، ويحصل علما كثيرا. أما إذا أكره نفسه على الشيء حصل له من الملل والتعب ما يجعله يسأم وينصرف، إلا ما شاء الله؛ فإن بعض الناس يكره نفسه على المراجعة والمطالعة والبحث مع التعب، ثم يأخذ عليه ويكون هذا دأبا له، ويكون ديدنا له، حتى إنه إذا فقد هذا الشيء ضاق صدره، والله يؤتي فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وفي كتاب زيادة الإيمان ونقصانه للشيخ عبد الرزاق العباد ص٩٦ – ٩٨:
فقول حنظلة رضي الله عنه”نافق حنظلة”لا يلزم منه وقوع النفاق فيه، لأن ذلك وقع منه على سبيل المبالغة والورع والتقوى وقوة المراقبة وشدة الخوف، كما هو شأن باقي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي مليكة رحمه الله:”أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل”.
وإنما معنى كلامه هو أنه خاف من النفاق حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ويظهر مع شدة المراقبة والتفكر والإقبال على الآخرة وهذا زيادة في الإيمان، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا، فيكون إيمانه في هذه الحالة أضعف مما هو عليه عندما يكون في مجلس الذكر. وهذا نقص في الإيمان، فهو رضي الله عنه حسب أن هذا نفاق، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس نفاقا وأنه لا يستطيع أن يداوم على درجة واحدة من الإيمان، لأن الإيمان يتفاوت فيزيد إذا حصلت أسباب الزيادة وينقص إذا حصلت أسباب النقص. كما قال عمير بن حبيب الخطمي رضي الله عنه:”الإيمان يزيد وينقص، قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيعنا ونسينا، فذلك نقصانه”.
وبهذا يتبين وجه دلالة الحديث على زيادة الإيمان ونقصانه، والله أعلم.
……
3 – الفوائد :
1 ) فيه فضل دوام الذكر والفكر فى أمور الاَخرة ، والمراقبة ، وجواز
ترك ذلك فى بعض الأوقات ، والاشتغال بالدنيا .
2 ) فيه أن مثل هذا ليس بنفاق ، لهذا أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الحال التى وجدوها من أنفسهم عنده لو كانوا ملازمين لها لصافحتهم الملائكة فى الطريق .
3 ) لصافحتكم الملائكة قيل أي علانية وإلا فكون الملائكة يصافحون أهل الذكر حاصل . وقال ابن حجر : أي عيانا في سائر الأحوال .
4 ) فيه أن مصاحبة أهل العلم والصلاح مما يزيد الإيمان ، ويذكر بالآخرة .
5 ) قال الطيبي في شرح حديث لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم الحديث : ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله ، فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب ، بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة . والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسيئين وقد دل على ذلك غير واحد من أسمائه الغفار الحليم التواب العفو ، ولم يكن ليجعل العباد شأنا واحدا كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلى الهوى متلبسا بما يقتضيه ثم يكلفه التوقي عنه ويحذره من مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء ، فإن وفى فأجره على الله ، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة ، فإن الغفار يستدعي مغفورا كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا .
6 – قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم:
ولما تقرَّر عند الصحابة – رضي الله عنهم – أنَّ النفاق هو اختلافُ السرِّ والعلانية خشي بعضهم على نفسه أنْ يكونَ إذا تغير عليه حضورُ قلبه ورقتُه وخشوعه عندَ سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أنْ يكونَ ذلك منه نفاقاً، كما في ” صحيح مسلم ” عن حنظلة الأسيدي أنَّه مرَّ بأبي بكر وهو يبكي، وفيه -: ((لو تَدُومونَ على الحال التي تقومون بها من عندي، لصَافَحَتكُم الملائكة في مجالسكم وفي طُرُقِكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً)) .
وفي ” مسند البزار ”
عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله، إنا نكونُ عندك على حالٍ، فإذا فارقناك كُنّا على غيره، قال: ((كيف أنتم وربكم؟)) قالوا: الله ربُّنا في السرِّ والعلانية، قال: ((ليس ذاكم النفاق)) .
ورُوي من وجه آخر عن أنس قال: غدا أصحابُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: هلكنا، قال: ((وما ذاك؟)) قالوا: النفاق، النفاق، قال: ((ألستم تَشهدون أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله؟)) قالوا: بلى، قال: ((فلَيسَ ذلك بالنِّفاق)) ثم ذكر معنى حديث حنظلة كما تقدَّم.
7 – في كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٧/٤٠٢:
قال في المفاتيح: أي لا يكون الرجل منافقا بأن يكون في وقت على غاية الحضور وصفاء القلب وفي الذكر وفي وقت لا يكون بهذه الصفة، بل لا بأس بأن يكون ساعة في الذكر وساعة في الاستراحة والنوم والزراعة ومعاشرة النساء والأولاد وغير ذلك من المباحات.
8-فائدة:
بوب البخاري صحيح البخاري
كتاب الإيمان
بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»
وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4] {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَوْلُهُ: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا [ص:11] الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: 124] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران: 173] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَالحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ ” وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: «إِنَّ لِلْإِيمَانِ فَرَائِضَ، وَشَرَائِعَ، وَحُدُودًا، وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ» وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي» وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: «اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً» وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «اليَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لاَ يَبْلُغُ العَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا» سَبِيلًا وَسُنَّةً
وتوسعنا في بيان ان الإيمان قولا وعمل واعتقاد ورد شبه من أخرج العمل عن مسمى الإيمان في شرح البخاري رياح المسك العطرة
—-
4 – ملحق: حول تعريف النفاق وأنواعه وخطره:
أولًا: تعريف النفاق لغة وشرعًا:
* النفاق لغة:
اختلف علماء اللغة في أصل النفاق:
فقيل: إن ذلك نسبةً إلى النفق وهو السرب في الأرض، لأن المنافق يستر كفره ويغيبه، فتشبه بالذي يدخل النفق يستتر فيه.
وقيل: سمي به من نافقاء اليربوع، فإن اليربوع له جحر يقال له: النافقاء، وآخر يقال له: القاصعاء، فإذا طلب من القاصعاء قصع فخرج من النافقاء، كذا المنافق يخرج من الإيمان من غير الوجه الذي يدخل فيه، وقيل: نسبة إلى نافقاء اليربوع أيضاً، لكن من وجه آخر وهو إظهاره غير ما يضمر، وذلك: أنه يخرق الأرض حتى إذا كاد يبلغ ظاهر الأرض ترك قشرة رقيقة حتى لا يعرف مكان هذا المخرج، فإذا رابه ريب دفع ذلك برأسه، فخرج، فظاهر جحره تراب كالأرض، وباطنه حفر، فكذلك المنافق ظاهره إيمان وباطنه كفر.
يراجع في المعنى اللغوي: معاجم اللغة؛ مادة (نفق): ((لسان العرب)) (10/ 358)، و((تاج العروس)) (13/463)، و((معجم مقاييس اللغة)) (5/454)، و((مفردات القرآن)) (ص819). وانظر معنى النفاق في: ((شرح السنة النبوية)) للبغوي (1/71، 72)، و((تفسير القرطبي)) (1/195)
* النفاق في اصطلاح الشرع:
* قال الجرجاني رحمه الله : ” المنافق هو الذي يضمر الكفر اعتقادا ، ويظهر الإيمان قولا ” انتهى .” التعريفات” (ص / 298)
* قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/48): “النفاق: هو إظهار الخير، وإسرار الشرّ، وهو أنواع: اعتقاديٌّ، وهو الذي يخلّد صاحبه في النار، وعمليٌّ وهو أكبر من الذنوب، قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله، وسرّه علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه”.
* أما الزنديق: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (4/471): “الزنديق في عُرْف الفقهاء، هو المنافق الذي كان على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو أن يُظهر الإسلام، ويُبطن غيره، سواء أبطن ديناً من الأديان، كدين اليهود والنصارى أو غيرهم، أو كان معطِّلاً جاحداً للصانع، والمعاد، والأعمال الصالحة.
ومن الناس من يقول: الزنديق هو الجاحد المعطِّل، وهذا يُسمَّى في اصطلاح كثير من أهل الكلام والعامة، ونقلة مقالات الناس، ولكن الزنديق الذي تكلم الفقهاء في حكمه هو الأوّل؛ لأن مقصودهم هو التمييز بين الكافر، وغير الكافر، والمرتدّ وغير المرتدّ، ومن أظهر ذلك أو أسرَّه.
وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفّار، والمرتدّين، وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة؛ فإن الله أخبر بزيادة الكفر، كما أخبر بزيادة الإيمان بقوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} (3) , وتارك الصلاة وغيرها من الأركان، أو مرتكبي الكبائر، كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفّار على بعض في الآخرة بقوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} فهذا أصل ينبغي معرفته؛ فإنه مهمٌّ في هذا الباب؛ فإن كثيراً ممن تكلّم في ((مسائل الإيمان والكفر)) لتكفير أهل الأهواء لم يلحظوا هذا الباب، ولم يُميِّزوا بين الحكم الظاهر والباطن، مع أن الفرق بين هذا وهذا ثابت بالنصوص المتواترة، والإجماع المعلوم، بل هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، ومن تدبَّر هذا علم أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع قد يكون: مؤمناً مخطئاً، جاهلاً ضالاً عن بعض ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – وقد يكون منافقاً زنديقاً يظهر خلاف ما يبطن”.
* وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في طريق الهجرتين ص374 في بيان مراتب المكلفين في الدار الآخرة وطبقاتهم: ” الطبقة الخامسة عشر: طبقة الزنادقة، وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسله، وهؤلاء المنافقون، وهم في الدرك الأسفل من النار”.
ثانيًا: أنواع النفاق:
النفاق: نفاقان: نفاق دون نفاق، أو نفاق مُخْرِجٌ من الملّة، ونفاق لا يُخرج من الملّة.
1- النفاق الأكبر:
وهو أن يُظهر الإنسان الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويُبطن ما يُناقض ذلك كلّه أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذمِّ أهله وتكفيرهم، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار.
ينظر: جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب رحمه الله تعالى، 2/ 480، وانظر: صفات المنافقين لابن القيم، ص4.
* ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعض صور النفاق الأكبر في مجموع الفتاوى (28/434) فقال: ” فمن النفاق ما هو أكبر يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أُبيٍّ وغيره، بأن يُظهر: تكذيب الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو جحود بعض ما جاء به، أو بُغضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرّة بانخفاض دينه، أو المساءَة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله، وهذا القدر كان موجوداً في زمن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومازال بعده، بل هو بعده أكثر منه على عهده – صلى الله عليه وسلم – … )).
* وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في مجموعة التوحيد ص 7: ” … فأما النفاق الاعتقاديّ فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو بغض الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو بغض ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو المسرّة بانخفاض دين الرسول – صلى الله عليه وسلم -، أو الكراهية بانتصار دين الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدّرك الأسفل من النار”.
فيتحصل مما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبدالوهاب أنواعٌ أو صفاتٌ للنفاق الأكبر، وهي على النحو الآتي:
1 – تكذيب الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
2 – تكذيب بعض ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
3 – بغض الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
4 – بغض بعض ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
5 – المسرَّة بانخفاض دين الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
6 – الكراهية لانتصار دين الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
7 – عدم اعتقاد وجوب تصديقه – صلى الله عليه وسلم – فيما أخبر به.
8 – عدم اعتقاد وجوب طاعته – صلى الله عليه وسلم – فيما أمر به.
2- النفاق الأصغر:
1 – أن يحدّث بحديث لمن يصُدّقه به، وهو كاذبٌ له.
2 – إذا وعد أخلف، وهو على نوعين:
- النوع الأول: أن يعِدَ ومن نيّته أن لا يفي بوعده، وهذا أَشرُّ الخلف، ولو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى، ومن نيّته أن لا يفعل كان كذباً وخُلْفاً. قاله: الأوزاعي.
- النوع الثاني: أن يعِدَ ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له، فيخلف من غير عذر له في الخلف.
3 – إذا خاصم فجر، ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمداً حتى يصير الحق باطلاً، والباطل حقاً، وهذا مما يدعو إلى الكذب.
4 – إذا عاهد غدر ولم يفِ بالعهد، والغدر حرام في كل عهدٍ بين المسلمين وغيرهم، ولو كان المعاهَد كافراً.
5 – الخيانة في الأمانة، فإذا اؤتمن المسلم أمانة، فالواجب عليه أن يؤدّيها.
وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كُلّه يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية، واختلاف القلب واللسان، واختلاف الدخول والخروج؛ ولهذا قالت طائفة من السلف: خشوع النفاق: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع.
وهذا النفاق لا يُخرج من الملّة، فهو ((نفاق دون نفاق))؛ لحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أربعٌ من كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر))؛ ولحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان)).
* قال شيخ الإسلام رحمه الله :
” وَالنِّفَاقُ يُطْلَقُ عَلَى النِّفَاقِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ إضْمَارُ الْكُفْرِ ، وَعَلَى النِّفَاقِ الْأَصْغَرِ الَّذِي هُوَ اخْتِلَافُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فِي الْوَاجِبَاتِ … وهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ . وَبِذَلِكَ فَسَّرُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ) وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ . وَحَكَوْهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ . وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ ” كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ ، وَنِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ ، وَشِرْكٌ دُونَ شِرْكٍ ” .
“مجموع الفتاوى” (11 /140)
* وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
” والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر ، وإظهار الخير وإبطان خلافه ، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين : أحدهما النفاق الأكبر ، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار . والثاني النفاق الأصغر ، وهو نفاق العمل ، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك .
وحاصل الأمر : أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية ، كما قاله الحسن . والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ، كما أن المعاصي بريد الكفر ، وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت ؛ كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا ، وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟ قال : ومن يأمن على نفسه النفاق ؟ وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقا ، وروى نحوه عن حذيفة ” انتهى ملخصا.
“جامع العلوم والحكم” (ص430-434)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في موقعه:
” النفاق نفاقان: نفاق أكبر ونفاق أصغر، النفاق الأكبر: كون الإنسان يتعاطى الدين ويتظاهر بالدين وهو يكذب، لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا يؤمن بالدين، ولكن يصلي مع الناس أو يذكر الله مع الناس رياءً، كفعل المنافقين في عهد النبي ﷺ وإلا لا يؤمن بالدين ولا يؤمن بالجنة ولا بالنار ولا بتوحيد الله؛ هذا كافر كفر أكبر، أعظم من الكفار من اليهود والنصارى، قال الله في حقهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، نسأل الله العافية.
وهناك نفاق أصغر وهو من صفات المنافقين، قاله النبي ﷺ: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان هذه من صفات المنافقين، وقال ﷺ: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا -نفاق عمليًا يعني-: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر هذه من أعمالهم التي تجعله نفاقًا أصغر، كذلك: التكاسل عن الصلاة، وعدم الإكثار من ذكر الله، من خصال المنافقين، كما قال تعالى: إنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142]، هذه من خصالهم.
لكن هذا يسمى النفاق الأصغر، ما يخرج من الإسلام، مسلم لكن ناقص الإيمان ناقص التوحيد، فهو مسلم لكن يعتبر بهذه الخصال منافقًا نفاقًا أصغر، نسأل الله العافية، ويخشى عليه من النفاق الأكبر”.
ثالثاً: الفروق بين النفاق الأكبر والأصغر:
1 – النفاق الأكبر يُخرج من الملّة، والأصغر لا يُخرج من الملّة.
2 – النفاق الأكبر يُحبط جميع الأعمال.
3 – النفاق الأكبر اختلاف السرّ والعلانية في الاعتقاد، والأصغر اختلاف السرّ والعلانية في الأعمال دون الاعتقاد.
4 – النفاق الأكبر يُخلّد صاحبه في النار إذا مات عليه، والأصغر لا يُخلده.
5 – النفاق الأكبر لا يصدر من مؤمن، أما النفاق الأصغر فقد يصدر من المؤمن.
6 – النفاق الأكبر في الغالب لا يتوب صاحبه، وإذا تاب فقد اختلف في توبته في الظاهر عند الحاكم؛ لكون ذلك لا يُعلَم، إذْ هم دائماً يُظهرون الإسلام.
رابعًا: صفات المنافقين:
* يراجع رسالة لابن القيم بعنوان: “صفات المنافقين”.
* صفات المنافقين كثيرة، منها على سبيل المثال ما يأتي:
أولاً: قال الله – عز وجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} إلى قوله تعالى: {إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1)، فظهر في هذه الآيات أن من صفات المنافقين هذه الخصال القبيحة الآتية:
1 – يقولون آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ.
2 – يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا.
3 – فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ.
4 – وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ.
5 – وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ.
6 – وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى كبرائهم ورؤسائهم قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ.
7 – يشترون الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ.
ثانياً: قال الله – عز وجل -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} (2)، فظهر من صفات المنافقين في هذه الآيات ما يأتي:
1 – حُسن القول المُعجب الذي يكون له وقع في القلوب.
2 – توسيط الله بجعله شاهداً على هذا القول، وموثقاً له، وهذا من أعظم الجناية على الله – عز وجل -.
3 – المهارة في الجدل، وقوة الإقناع؛ لقمع كل معارضة تقف أمامه.
4 – إذا اختفى عن الناس وذهب عنهم وانصرف، اجتهد في عمل المعاصي التي هي فساد في الأرض.
5 – إذا أُمر بتقوى الله تكبّر، وأخذته العزّة بالإثم، فجمع بين العمل بالجرائم والتكبر.
ثالثاً: قال الله – عز وجل -: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لله جَمِيعًا} (1) , فمن صفات المنافقين في هاتين الآيتين ما يأتي:
1 – أنهم يوالون الكفار، ويحبّونهم وينصرونهم.
2 – يعتزّون بالكفّار، ويستنصرون بهم.
رابعاً: قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاءِ وَمَن يُضْلِلِ الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} (2) , فظهر في هاتين الآيتين أن من صفات المنافقين ما يأتي:
1 – يخادعون الله، وهو خادعهم.
2 – إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
3 – يراؤن الناس بأعمالهم.
4 – لا يذكرون الله إلا قليلاً.
5 – متردِّدون بين فريقٍ من المؤمنين وفريقٍ من الكافرين.
خامساً: قال الله تعالى في شأن المنافقين: {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (1) , فظهر في هاتين الآيتين صفات قبيحة من صفات المنافقين، هي على النحو الآتي:
1 – وصفهم الله بالفسق فقال: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
2 – كفروا بالله وبرسوله.
3 – لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى.
4 – لا ينفقون إلا وهم كارهون.
وفي هذه الصفات غاية الذمّ للمنافقين ولمن فعل فعلهم، فينبغي لكل أحد أن يبتعد عن الفسق، ويُؤمن بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، ويأتي الصلاة وهو نشيط البدن والقلب، ويُنفق وهو مُنشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبّه بالمنافقين.
سادساً: قال الله – عز وجل -: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُون * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} (1) , فالمنافقون يستهزئون بالله ورسوله، والمؤمنين، وقد فضحهم الله – عز وجل – وبيّن صفاتهم للمؤمنين.
سابعاً: قال الله – عز وجل -: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (2) , فظهر في هاتين الآيتين بعض صفات المنافقين الآتية:
1 – المنافقون بعضهم من بعض: يتولّى بعضهم بعضاً.
2 – يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
3 – يقبضون أيديهم عن الصدقة وطرق الإحسان، فهم من أبخل الناس.
4 – نسوا الله فلا يذكرونه إلا قليلاً، فنسيهم من رحمته، فلا يوفّقهم لخير.
5 – إن المنافقين هم الفاسقون.
ثامناً: قال الله – عز وجل -: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (1)، فالمنافقون ظهر لهم صفات في هاتين الآيتين، منها ما يأتي:
1 – يلمزون المطوّعين في الصدقات: يلمزون المكثر في الصدقة فيقولون: قصد بنفقته الرياء، والسّمعة، ويلمزون المقلّ الفقير فيقولون: إن الله غنيٌّ عن صدقة هذا.
2 – السخرية بالمؤمنين.
3 – كفروا بالله ورسوله.
تاسعاً: قال الله – عز وجل -: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ الله قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} (2) , فالمنافقون إذا أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض جازمين على ترك العمل بها، وينتظرون الفرصة في الاختفاء عن أعين المؤمنين، ثم انصرفوا مُتسلّلين، وانقلبوا مُعرضين، فجازاهم الله بعقوبةٍ من جنس عملهم، فكما انصرفوا عن العمل صرف الله قلوبهم، وصدّها عن الحق، وخذلها بأنهم قوم لا يفقهون فقهاً ينفعهم؛ فإنهم لو فقهوا، لكانوا إذا أُنزلت سورة آمنوا بها، وانقادوا لأمرها (3) , كما قال – عز وجل -: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ الله عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (1).
وقال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (2).
عاشراً: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)) (3) , فظهر في هذا الحديث صفتان من صفات المنافقين، هما:
1 – تأخير الصلاة عن وقتها.
2 – ينقر الصلاة، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً.
الحادي عشر: قال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوها ولو حبواً … )) (4).
* فظهر أن صفات المنافقين إجمالاً على النحو الآتي:
1 – يدَّعون الإيمان، وهم كاذبون.
2 – يخادعون الله والذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم.
3 – في قلوبهم مرض، فزادهم الله مرضاً.
4 – يدَّعون الإصلاح، وهم المفسدون.
5 – يرمون المؤمنين بالسَّفَه.
6 – يستهزئون بالمؤمنين، ويسخرون منهم.
7 – يشترون الضلالة بالهدى.
8 – قولهم حسن، وهم ألدُّ الخصام.
9 – يُشهدون الله على ما في قلوبهم، وهم كاذبون.
10 – ماهرون في الجدل بالباطل.
11 – إذا اختفوا عن الناس اجتهدوا في الباطل.
12 – إذا قيل لهم اتّقوا الله أخذتهم العزة بالإثم.
13 – يوالون الكفار، وينصرونهم، ويخدمونهم.
14 – يعتزّون بالكفار، ويستنصرون بهم.
15 – إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
16 – يراؤن الناس بأعمالهم.
17 – لا يذكرون الله إلا قليلاً.
18 – متردِّدون بين الكفار والمؤمنين.
19 – يكفرون بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.
20 – المنافقون هم الفاسقون.
21 – لا ينفقون إلا وهم كارهون.
22 – المنافقون يتولّى بعضهم بعضاً.
23 – يقبضون أيديهم فلا ينفقون في طرق الخير.
24 – يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
25 – نسوا الله فنسيهم.
26 – يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات.
27 – يؤخّرون الصلاة عن وقتها.
28 – ينقرون الصلاة، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً.
29 – أثقل الصلوات عليهم العشاء والفجر.
30 – يتأخّرون عن صلاة الجماعة.
31 – قلوبهم قاسية، وعقولهم قاصرة.
32 – لم يرضوا بالإسلام ديناً.
33 – يأخذون من الدين ما وافق رغباتهم.
34 – يقولون ما لا يفعلون.
35 – يُظهرون الشجاعة في السلم، وجبناء في الحرب.
36 – لا يتحاكمون إلى الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.
37 – يجدون الحرج والضيق في أنفسهم من حكم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.
38 – يُخذِّلون المؤمنين عن الجهاد.
39 – ييأسون من رحمة الله، وينقطع أملهم في نصره.
40 – يقصدون بجهادهم الدنيا، وإذا يئسوا من ذلك تثاقلوا.
41 – يفجرون في المخاصمة.
42 – يحاربون الإسلام وأهله عن طريق الخفية والتسمِّي به.
43 – لا يهمّهم إلا مصالحهم الذاتية.
44 – يطعنون في العلماء المخلصين بالكذب وتغيير الحقائق.
45 – يُثيرون الشبهات حول الإسلام، ليصدّوا الناس عن الدخول فيه.
46 – يُبغضون أنصار الدين.
47 – يكذبون في الحديث.
48 – يخونون الله ورسوله والمؤمنين.
49 – يُخلفون الوعد.
50 – لكل واحد منهم وجهان: وجه للمؤمنين، ووجه لأعداء الدين.
51 – لا يعقلون ما ينفعهم، ولا يسمعون ما يُفيدهم، ولا ينظرون إلى آيات الله التي تدلّ على قدرته.
52 – تسبق يمين أحدهم كلامه لعلمه أن قلوب المؤمنين لا تطمئن إليه.
53 – قلوبهم عن الخير لاهية، وأجسادهم إليه ساعية.
54 – أخبث الناس قلوباً، وأحسنهم أجساماً.
55 – يُسِرُّون سرائر النفاق، فأظهرها الله على وجوههم وألسنتهم.
56 – ينقضون العهد من أجل الدنيا.
57 – يسخرون بالقرآن الكريم.
خامسًا: آثار النفاق وأضراره:
1 – النفاق الأكبر يسبّب الخوف والرّعب في القلوب، قال الله – عز وجل -:
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} (1).
2 – النفاق الأكبر يُوجب لعنة الله تعالى، قال الله – عز وجل -: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (2).
وقال سبحانه: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} (3).
3 – النفاق الأكبر يُخرج صاحبه من الإسلام؛ لأنه إسرار الكفر، وإظهار الخير، بل هو أشدُّ من الكفر الظاهر، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (4).
4 – النفاق الأكبر لا يغفره الله إذا مات عليه صاحبه؛ لأنه أشدُّ من الكفر الظاهر الذي قال الله تعالى في أصحابه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرًا} (1).
5 – النفاق الأكبر يوجب لصاحبه النار، ويُحرِّم عليه الجنة، قال الله – عز وجل -: {إِنَّ الله جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (2).
6 – النفاق الأكبر يُخلِّد صاحبه في النار، فلا يخرج منها أبداً؛ لقول الله – عز وجل -: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} (3).
7 – النفاق الأكبر يُسبّب نسيان الله لصاحبه، قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4).
8 – النفاق الأكبر يُحبط جميع الأعمال، قال الله – عز وجل -: {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (5).
9 – النفاق الأكبر يُطفئ الله نور أصحابه يوم القيامة، قال الله – عز وجل -: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (1).
10 – النفاق الأكبر يَحرِمُ العبد دعاء المؤمنين والصلاة عليه عند موته، قال الله – عز وجل -: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} (2).
11 – النفاق الأكبر يُسبّب عذاب الدنيا والآخرة, قال الله تعالى: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (3).
12 – النفاق الأكبر إذا أظهره صاحبه وأعلنه كان مرتدّاً عن الإسلام، فيكون حلال الدم والمال، وتُطبّق عليه أحكام المرتدّ، إلا أن قبول توبته عند الحاكم فيها خلاف في الظاهر؛ لأن المنافقين يُظهرون الإسلام دائماً (4).
أما إذا أخفى المنافق نفاقه وكفره؛ فإنه معصوم الدم والمال بما أظهر من الإيمان، والله يتولى السّرائر (5).
13 – النفاق الأكبر إذا أظهر صاحبه كفره يُوجب العداوة بين صاحبه والمؤمنين، فلا يُوالونه ولو كان أقرب قريب، وأما إذا لم يُظهر كفره فيُعامل بالظاهر، والله يتولَّى السّرائر.
14 – النفاق الأصغر، وهو النفاق العملي، ينقص الإيمان ويضعفه، ويكون صاحبه على خطر من عذاب الله تعالى.
15 – النفاق الأصغر صاحبه على خطر؛ لئلا يجرّه إلى النفاق الأكبر
_____
توبة الزنديق:
قبول توبة الزنديق لها معنيان :
المعنى الأول : قبول توبة الزنديق ؛ بمعنى عدم معاقبته في الدنيا بالقتل .
فهذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن يمسكه ولي الأمر قبل توبته ، فيصرح بالتوبة بعد القدرة عليه :
فهذه الحالة محل خلاف بين أهل العلم ، والأشهر في ذلك قولان :
القول الأول : أنه يقتل ، ولا تقبل توبته .
وعمدة أصحاب هذا القول أن إظهاره للتوبة بعد القدرة عليه : لا يفيد أنه تاب حقيقة ، لأن الأصل فيه أنه يخفي عقيدته ولا يظهرها ، فتوبته هذه لا يوثق بها ، كما أن قبول توبته يجعله يأمن القتل ، وهذا يدفعه للاستمرار في زندقته ، وكلما قبض عليه أظهر التوبة .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
” … فالكافر كان معلنا لكفره غير مستتر به ولا مخف له ، فإذا أسلم تيقنا أنه أتى بالإسلام رغبة فيه ، لا خوفا من القتل .
والزنديق بالعكس : فإنه كان مخفيا لكفره ، مستترا به ، فلم نؤاخذه بما في قلبه إذا لم يظهر عليه ، فإذا ظهر على لسانه وآخذناه به ، فإذا رجع عنه ، لم يرجع عن أمر كان مظهرا له غير خائف من إظهاره ، وإنما رجع خوفا من القتل …
وأيضا : فإن الزنديق هذا دأبه دائما ، فلو قبلت توبته ، لكان تسليطا له على بقاء نفسه بالزندقة والإلحاد ، وكلما قُدِر عليه ، أظهر الإسلام وعاد إلى ما كان عليه ، ولا سيما وقد علم أنه آمن بإظهار الإسلام من القتل ، فلا يزعه خوفه من المجاهرة بالزندقة ، والطعن في الدين ، ومسبة الله ورسوله ، فلا ينكف عدوانه عن الإسلام إلا بقتله …
وهذا مذهب أهل المدينة ، ومالك وأصحابه ، والليث بن سعد ، وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، نصرها كثير من أصحابه ، بل هي أنص الروايات عنه ” انتهى من ” اعلام الموقعين ” (4 / 547 – 549) .
والرواية الثانية لاحمد : تقبل توبته كغيره من المرتدين، وهو ظاهر كلام الخرقي،
واختيار الخلال وآخر قولي الإمام أحمد؛ كما تجده في: “الروايتين”(2/305)، “المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين” (2/ 305)، “التمام للروايتين” (2/200)، “المغني”(12/269)، “إعلام الموقعين”(3/131، 132)، “الفروع” (6/170)، وغيرها.
القول الثاني : قبول توبته ، فإذا أظهر التوبة رفع القتل عنه .
وعمدة أصحاب هذا القول هو عموم النصوص الشرعية التي تفيد قبول توبة الكافر ولو ظُنّ أنه أسلم خوفا من القتل ، ومن ذلك : عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين الذين أظهروا الإسلام ، وقبوله لعلانيتهم .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
” واختلفوا في الزنديق يُظهر عليه ، هل يستتاب أم يقتل ، ولا يقبل منه الرجوع ؟
فقالت طائفة : تقبل توبته إن تاب ، ويقتل إن لم يتب ، يُروى هذا القول عن علي بن أبي طالب ، وبه قال عبيد الله بن الحسن ، والشافعي .
قال أبو بكر – أي ابن المنذر – : كما قال الشافعي أقول . وقد احتج بقول الله تعالى في المنافقين : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) قال : وهذا يدل على أن إظهار الأيمان جُنّة – أي وقاية – من القتل .
وقال المقداد لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرأيت إن اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين بالسيف ، فضربني فقطع يدي ، فلما أهويت إليه لأقتله قال : لا إله الله ، أأقتله أم أدعه ؟ قال : بل دعه ) ” انتهى من ” الإشراف على مذاهب العلماء ” (8 / 64) .
الحالة الثانية : أن يبادر الزنديق بالتوبة طوعا قبل القدرة عليه .
فالظاهر أنه تقبل توبته عند أهل العلم فلا يقتل .
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله تعالى :
” كتب الخلافيات لم يذكر أربابها أن أصحاب القول الأول : لا يقبلون توبة الزنديق إذا تاب قبل القدرة عليه . وإنما يحكون الخلاف في (استتابته بعد القدرة عليه) . وقد استقصى الحافظ ابن حجر الخلاف في المسألة ولم يذكر ذلك عن أي من المخالفين ” .
انتهى من ” الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ” (ص 454) .
بل نص ابن القطان على عدم وجود خلاف في هذا ؛ حيث قال رحمه الله تعالى :
” وإذا ارتد المسلم ولحق بدار الحرب ، وراجع الإسلام : قبلت توبته .
وكذلك الزنديق ؛ ولا أعلم بين الناس في ذلك خلافًا ” .
انتهى من ” الإقناع في مسائل الإجماع ” (2 / 271) .
المعنى الثاني : قبول توبة الزنديق عند الله تعالى .
والأدلة الشرعية صريحة في قبول توبة الكفار حتى وإن كانوا منافقين أو مرتدين ؛ ومن ذلك :
قول الله تعالى :
( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران /86 – 89 .
وقال الله تعالى :
( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء /145 – 146 .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى :
” فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم – أي الزنديق ومن تكررت ردته – في الظاهر من أحكام الدنيا ، من ترك قتلهم ، وثبوت أحكام الإسلام في حقهم ؛ وأما قبول الله تعالى لها في الباطن ، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا ، فلا خلاف فيه ” .
انتهى من ” المغني ” (12 / 271) .
وبين في “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف”(27/ 138-140)
أن معنى عدم قبول التوبة يعني في الظاهر لنا؛ بمعنى أنه يقتل على كل حال وأمره إلى الله إن كان صادقًا أو كاذبًا؛ فقال: “محل الخلاف المتقدم، في عدم قبول توبتهم وقبولها، في أحكام الدنيا؛ من ترك قتلهم، وثبوت أحكام الإسلام، فأما في الآخرة، فإن صدقت توبته، قبلت، بلا خلاف؛ ذكره ابن عقيل، والمصنف، والشارح، وجماعة. وقدمه في “الفروع”، وفي “إرشاد ابن عقيل” رواية، لا تقبل توبة الزنديق باطنًا، وضعفها، وقال: كمن تظاهر بالصلاح، إذا أتى معصية وتاب منها”. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” وأما الذنوب التي يطلق الفقهاء فيها نفي قبول التوبة ، مثل قول أكثرهم : لا تقبل توبة الزنديق ، وهو المنافق … فهذا إنما يريدون به رفع العقوبة المشروعة عنهم ، أي : لا تقبل توبتهم بحيث يُخَلَّى بلا عقوبة ، بل يعاقَب : إما لأن توبته غير معلومة الصحة ، بل يظن به الكذب فيها ، وإما لأن رفع العقوبة بذلك يفضي إلى انتهاك المحارم ، وسد باب العقوبة على الجرائم ، ولا يريدون بذلك : أن من تاب من هؤلاء توبة صحيحة ، فإن الله لا يقبل توبته في الباطن ؛ إذ ليس هذا قول أحد من أئمة الفقهاء . بل هذه التوبة لا تمنع إلا إذا عاين أمر الآخرة ” .
انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (18 / 189 – 190) .
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي :
[الخلاف في قبول توبة الزنديق]
اختلف العلماء على ثلاثة أقوال: القول الأول: مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي، وهو قول لـ أبي حنيفة: أن توبته لا تقبل، يعني: في الدنيا، فإذا عرف أنه منافق فلابد أن تقطع رقبته، وإن قال: تبت.
وألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كتاباً في هذا وسماه (الصارم المرسول على شاتم الرسول)
القول الثاني: أن توبته تقبل، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد، وقول في مذهب أبي حنيفة، أي: إذا أخذناه فقال: أنا تائب، فإننا نتركه، ولا نقتله ومن تاب تاب الله عليه.
القول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن أخذ قبل التوبة ثم ادعى التوبة لا تقبل توبته، بل لابد أن تقطع رقبته، أما إذا تاب وسلم نفسه، فإنها تقبل توبته؛ لأنه ما سلم نفسه إلا لأنه تائب.
وهذا القول لعله أعدلها، فإنه إذا سلم نفسه كان مثل المحاربين .
شرح كتاب الايمان الأوسط لابن تيمية