(83) (958) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
شرح مجموعة سيف بن غدير النعيمي
958 الصحيح المسند
عن علي بن أبي طالب (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِحَرَّةِ السُّقْيَا الَّتِي كَانَتْ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتُونِي بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَكَ وَخَلِيلَكَ وَدَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَرَكَةِ وَأَنَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ أَدْعُوكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ مِثْلَيْ مَا بَارَكْتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ).
مجموعة سيف بن غدير النعيمي:
صححه الشيخ الألباني رحمه الله: في صحيح الترمذي برقم (3073)
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (1/ 105 106 ح 2090 ك الوضوء، ب استحباب الوضوء للدعاء … ) من حديث شعيب بن الليث عن سعيد بن أبي سعيد به، قال محققه: إسناده صحيح.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه (الإحسان 9/ 61 ح 3746) من طريق ابن خزيمة به. قال محققه: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وأخرجه الضياء المقدسي (المختارة 2/ 164 166ح 543 و544) من طرق عن الليث، قال محققه في الموضعين: إسناده صحيح.
بوب الترمذي رحمه الله: على هذا الحديث بقوله: (باب في فضل المدينة) في كتاب الفضائل.
قوله (حتى إذا كان بحرة السقيا) بضم السين المهملة وسكون القاف موضع بين المدينة ووادي الصفراء، والحرة بفتح المهملة أرض ذات حجارة سود
(ائتوني بوضوء) بفتح الواو أي بماء الوضوء
(إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأنه (ودعا لأهل مكة بالبركة) بقوله وارزقهم من الثمرات الاية (وأنا عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه خليل أيضا تواضعا ورعاية للأدب مع أبيه
(أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما بركة (مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك أن تضاعف لهم البركة ضعفي ما باركته لأهل مكة بدعاء إبراهيم.
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد قوي كذا في الترغيب وأخرجه أيضا أحمد.
قوله (وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن زيد وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما حديث عبد الله بن زيد وهو بن عاصم فأخرجه مسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر من أبواب الدعوات.
[تحفة الاحوذي.]
تنبيه:
قوله [حتى إذا كان بحرة السقيا]
قال محقق التاريخ الكبير:
كذا في الاصل، والصواب: بحرة السقياء، كما هو عند الترمذي في جامعه في المناقب في فضل المدينة ص [554]،
والسقيا قرية جامعة من عمل الفرع بينهما مما يلى الجحفة تسعة عشر ميلا وقيل تسعة وعشرون ميلا، وقيل السقيا من اسافل اودية تهامة، والسقيا بئر بالمدينة يقال منها كان يستقى لرسول الله ل، راجع معجم البلدان [ج 5 ص 94 و 95.]
ملخص الشرح من فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني:
قوله: (اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة) أي:
(1) من بركة الدنيا بقرينة قوله في الحديث الآخر ” اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا ”
(2) ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك، لكن يستثنى من ذلك ما خرج بدليل، (كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة)،
(3) واستدل به عن تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة، لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق.
وقال ابن حزم:
تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة.
وقال النووي:
الظاهر أن البركة حصلت في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها.
وقال القرطبي:
إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص، والله أعلم.
قال الامام بدر الدين العيني في عمدة القاري:
وقال ابن حزم:
روى القطع بتفضيل مكة على المدينة عن سيدنا رسول الله، ل، جابر وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وعبيد الله بن عدي، منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة، قال: وهو قول جميع الصحابة وجمهور العلماء، واحتج مقلد ومالك بأخبارثابتة منها، قوله، ل: «إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم، عليه الصلاة والسلام».
قال: ولا حجة لهم فيه، إنما فيه أنه حرمها كما حرمها إبراهيم، وبقوله: «أللهم بارك لنا في تمرنا ومدنا»،
وبقوله: «اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة»، قال: ولا حجة لهم فيهما، إنما فيهما الدعاء للمدينة وليس من باب الفضل في شيء، وبقوله: المدينة كالكير»، ولا حجة لهم، لأن هذا إنما هو في وقت دون وقت، وفي قوم دون قوم، وفي خاص دون عام، انتهى.
واحتج بعضهم على تفضيل المدينة على مكة بقوله: «كما ينفي الكير خبث الحديد»، ولا حجة في ذلك، لأن هذا في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ للْمَدِينَةِل مَرَدُوا عَلَى للنِّفَاقِ} (التوبة: 101).
والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلّم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون، وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس، ووقت دون وقت.
[عمدة القاري 10/ 234]
سؤال يتبادر إلى الذهن؟
هل دعاء النبيل بالبركة لأهل المدينة في مدهم و صاعهم يختص بالمد و الصاع اللذين كانا في زمن النبي
أم يشمل المد الذي يسمى المد الهاشمي الذي استحدث بعد ذ لك و غيره من المكاييل التي يكال بها في زماننا مثل الكيلوجرام أو الأوقية و غيرها؟
الجواب:
قال ابن المنير: يحتمل أن تختص هذه الدعوة بالمد الذي كان حينئذ حتى لا يدخل المد الحادث بعده ويحتمل أن تعم كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد، قال والظاهر الثاني، كذا قال، وكلام مالك يجنح إلى الأول وهو المعتمد.
وقد تغيرت المكاييل في المدينة بعد عصر مالك وإلى هذا الزمان، وقد وجد مصداق الدعوة بأن بورك في مدهم وصاعهم بحيث اعتبر قدرهما أكثر فقهاء الأمصار ومقلدوهم إلى اليوم في غالب الكفارات، وإلى هذا أشار المهلب والله أعلم.
قال القاضي عياض:
قوله ل: «اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم»
البركة هنا بمعنى النمو والزيادة وتكون بمعنى الثبات واللزوم، قال فقيل: يحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهي ما تتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكاة والكفارات، فتكون بمعنى الثبات والبقاء لها كبقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها، ويحتمل أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدر بهذه الأكيال حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها أو تكون الزيادة فيما يكال بها لاتساع عيشهم وكثرته بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم وملكهم من بلاد الخصب والريف بالشام والعراق ومصر وغيرها حتى كثر الحمل إلى المدينة واتسع عيشهم حتى صارت هذه البركة في الكيل نفسه، فزاد مدهم وصار هاشمياً مثل مد النبيلمرتين أو مرة ونصفاً، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته صلى الله عليه وسلّم وقبولها، هذا آخر كلام القاضي، والظاهر من هذا كله أن البركة في نفس المكيل في المدينة بحيث يكفي المد فيها لمن لا يكفيه في غيرها والله أعلم.
شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 113
تعليق:
قلت: من الواضح أن الإمام مالك و الإمام النووي و الحافظ ابن حجر يرجحون أن يكون الدعاء بالبركة للمد و الصاع اللذان كانا في زمن النبي لو لا يدخل في هذه الدعوة ما استحدث من مكاييل بعد ذلك و لكن لا أرى ما يدعو لرد كلام الامام ابن المنير و القاضي عياض بل ما يؤكد رأيهما قول النبي ل [اللهم بارك لهم في مكيالهم] [أي أهل المدينة] و المكيال هنا لفظ عام يشمل كل مكيال لأهل المدينة إلى الأبد كما قال ابن المنير، و دعوة النبي ل تتضمن عطف الخاص على العام و الخاص هو مدهم و صاعهم اللذان كانا في زمن النبيل و العام هو مكيالهم على مدى الزمن و العصور و الذي يتغير بتغير الزمان و هذا أولى بثبوت تحقق دعوته لأهل المدينة إلى أن تقوم الساعة كما هي دعوة إبراهيم عليه السلام لأهل مكة إلى يوم الدين.
تعريف الخلة:
قال ابن منظور:
الخلة الصَّداقة، يقال: خالَلْت الرجلَ خِلالاً.
والخليل الصَّدِيق، فَعِيل بمعنى مُفَاعِل، وقد يكون بمعنى مفعول، قال: وإِنما قال ذلك لأَن خُلَّتَه كانت مقصورة على حب الله تعالى، فليس فيها لغيره مُتَّسَع ولا شَرِكة من مَحابِّ الدنيا والآخرة.
وعن ابن دريد قال الخَلِيل الذي أَصْفى المودّة وأَصَحَّها، قال: ولا أَزيد فيها شيئاً لأَنها في القرآن، يعني قوله: واتخذ الله إِبراهيم خَلِيلاً.
{لسان العرب}
والخُلة: هي غاية المحبة وكمالها، وهى ثابتة لله على وجه يليق به.
قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَليلا
قال ابن كثير رحمه الله:
اِتَّخَذَ اللَّه إِبْرَاهِيم خَلِيلًا ” َهَذَا مِنْ بَاب التَّرْغِيب فِي اِتِّبَاعه لِأَنَّهُ إِمَام يُقْتَدَى بِهِ حَيْثُ وَصَلَ إِلَى غَايَة مَا يَتَقَرَّب بِهِ الْعِبَاد لَهُ فَإِنَّهُ اِنْتَهَى إِلَى دَرَجَة الْخُلَّة الَّتِي هِيَ أَرْفَع مَقَامَات الْمَحَبَّة وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ طَاعَته لِرَبِّهِ كَمَا وَصَفَهُ بِهِ فِي قَوْله وَإِبْرَاهِيم الَّذِي وَفَّى.
[تفسير ابن كثير2/ 423]
الفرق بين المحبة والخلة:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
الخلة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه، ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب فإنهم يقولون قلب متيم إذا كان متعبدا للمحبوب، والتيم التعبد، وتيم الله عبده، وهذا أعلى الكمال حصل لإبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلمولهذا لم يكن له من أهلا لأرض خليل، إذ الخلة لا تحتمل الشركة فإنه كما قيل في المعنى
قد تخللت مسلك الروح منى … وبذا سمى الخليل خليلا بخلاف أصل الحب فإنه صلى الله عليه وسلم قد قال في الحديث الصحيح في الحسن وأسامة: اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما;، وسأله عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك؟ قال ;عائشة. قال: فمن الرجال؟ قال; أبوها وقال لعلى رضى الله عنه: ;لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وأمثال ذلك كثير.
وقد أخبر تعالى أنه يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب المقسطين ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، وقال: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، فقد أخبر بمحبته لعباده المؤمنين ومحبة المؤمنين له حتى قال {والذين آمنوا أشدحبا لله}.
[في رسالته العبودية]
وقال رحمه الله:
الخليلين هما أكمل خاصة الخاصة توحيدا فلا يجوز أن يكون في أمة محمد ل من هو أكمل توحيدا من نبي من الأنبياء فضلا عن الرسل فضلا عن أولي العزم فضلا عن الخليلين وكمال توحيدهما بتحقيق إفراد الألوهية وهو أن لا يبقى في القلب شيء لغير الله أصلا بل يبقى العبد مواليا لربه في كل شيء يحب ما أحب ويبغض ما أبغض ويرضى بما رضي ويسخط بما سخط ويأمر بما أمر وينهى عما نهى.
[منهاج السنة النبوية 5/ 355]
وقال ابن القيم رحمه الله الخُلّة:
هي توحيد المحبة، فالخليل هو الذي توحد حبه لمحبوبه وهي رتبة لا تقبل المشاركة، ولهذا اختص بها العالم الخليلان إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما قال تعالى: (واتَخَذَ اللهُ إبراهيم خليلاً)
وصح عن النبيل أنه قال: [إنّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً] وقال ل: [لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن]، وقالل: [إني أبرأ إلى كل خليل من خلته.
وقيل: لما كانت الخلّة مرتبة لا تقبل المشاركة امتحن الله سبحانه نبيه إبراهيم الخليل بذبح ولده لما أخذ شعبة من قلبه، فأراد سبحانه أن يخلّص تلك الشعبة ولا تكون لغيره، فامتحنه بذبح ولده والمراد ذبحه من قلبه لا ذبحه بالمدية، فلما أسلما لأمر الله، وقدّم إبراهيم عليه السلام محبة الله تعالى على محبة الولد، خلص مقام الخلة، فدي الولدُ بالذبح انتهى.
[روضة المحبين56]
الاقتصار على قول محمد حبيب الله فيه قصور:
قال عليه الصلاة و السلام: إني أبرأ من الله أن يكون لي منكم خليل، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وبالحديث الآخر: لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكرا خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن فهذان الحديثان يبطلان قول من قال: الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد عليهما الصلاة والسلام
قال شيخ الإسلام رحمه الله:
وقول بعض الناس إن محمدا حبيب الله وإبراهيم خليل الله، وظنه أن المحبة فوق الخلة، قول ضعيف، فإن محمدا أيضا خليل الله، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة اهـ.
[مجموع الفتاوى 10/ 204]
وقال ابن القيم رحمه الله:
وقد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل، وقال: محمد حبيب الله، وإبراهيم خليل الله.
وهذا باطل من وجوه كثيرة:
منها: أن الخلة خاصة، والمحبة عامة.
فإن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وقال في عباده المؤمنين: [يحبهم ويحبونه].
ومنها: أن النبي نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة، ومن الرجال أبوها.
ومنها: أنه قال: [إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا].
ومنها: أنه قال: [لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته] اهـ.
[روضة المحبين 57]
وقال ايضا وأما ما يظنه بعض الغالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله فمن جهله؛ فإن المحبة عامة والخلة خاصة، والخلة نهاية المحبة وقد أخبر النبي ل أن الله اتخذه خليلًا ونفى أن يكون له خليل غير ربه مع إخباره بمحبته لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم،
وأيضا فإن الله سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الصابرين ويحب المحسنين ويحب المتقين ويحب المقسطين وخلته خاصة، والشاب التائب حبيب الله وإنما هذا من قلة العلم والفهم عن الله ورسوله.
[الداء والدواء ص/447]
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
النبي ل حبيب الله لا شك فهو حاب لله ومحبوب لله، ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل لله، فالرسول ل خليل الله كما قال ل: ” إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً.
والخلة هي كمال المحبة.
ولهذا من وصفه بالمحبة فقط فإنه نزله عن مرتبته، فالخلة أعظم من المحبة وأعلى، فكل المؤمنين أحباء الله، ولكن الرسول ل في مقام أعلى من ذلك وهو الخلة فقد اتخذه الله خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، لذلك نقول: إن محمداً رسول الله لخليل الله، وهذا أعلى من قولنا: حبيب الله لأنه متضمن للمحبة، وزيادة لأنه غاية المحبة.”
[مجموع الفتاوى1/ 319]
وعلق الشيخ الالباني على قوْل صاحب الطحاوية وحبيب رب العالمين فقال رحمه الله:
بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قالل: ” إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ” ولذلك لم يثبت في حديث أنه لحبيب الله.
[تخريج الطحاوية 1/ 39]
وقال الشيخ الفوزان حفظه الله:
حبيب رب العالمين هذه العبارة فيها مؤاخذة؛ لأنه لا يكفي قوله: حبيب، بل هو خليل رب العالمين؛ والخلة أفضل من مطلق المحبة؛ فالمحبة درجات، أعلاها الخلة، وهي خالص المحبة، ولم تحصل هذه المرتبة إلا لاثنين من الخلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد أخبر بذلك فقال: إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا.
فلا يقال: حبيب الله؛ لأن هذا يصلح لكل مؤمن، فلا يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا ميزة، أما الخلة فلا أحد يلحقه فيها. اهـ]
[التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاويةص63]
وقال الشيخ صالح عبد العزيز ال شيخ حفظه الله:
والمحبة، محبة رب العالمين، محبة الله لنبيه هذه متحققة، وإنما نُظِرَ في مسألة الخُلَّة.
والمحبة لفظ عام يدخل تحته مراتب في اللغة، وأعلى مراتب المحبة الخلّة.
فالتعبير بـ (حَبيبُ ربِّ العالَمين) عند المصنف مال إليه لأجل ما ورد في بعض الأحاديث (أنّ إبراهيم عليه السلام خليل الله ومحمد حبيب رب العالمين)
والجواب أنَّ الاقتصار على مرتبة المحبة العامة للنبي هذا قصور؛ لأنَّهُ هو حبيب رب العالمين وهو خليل رب العالمين أيضاً.
فإبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كما قال لوَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًال وكذلك محمد خليل الله كما ثبت ذلك في السنة، قال (لَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً أحدًا خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، إِنّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرحمن أو قال خَلِيلُ اللّهِ) فدل هذا مع أحاديث أُخَرْ في الباب على أنَّ المحبة ثابتة للنبي، وفوقها مرتبة الخلة ثابتة له.
[الشريط السابع (مفرغ) من شرح الشيخ على الطحاوية.]
وعلق الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله قائلا: ” وحبيب رب العالمين “:
يعني نبينا صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين، بل خليل رب العالمين، لو قال الشيخ الطحاوي: “وخليل رب العالمين” لكان أولى؛ لأن الخلة أكمل من المحبة، ثبتت له عليه الصلاة والسلامالخلة كما ثبتت لإبراهيم.
قال عليه الصلاة والسلام: إني أبرأ من الله أن يكون لي منكم خليل، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وبالحديث الآخر: لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكرا خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن يعني نفسه.
فإذن الخلة ثابتة لنبينا، والخلة أعلى مقامات المحبة، أعلى مقامات المحبة، والمحبة ثابتة لغير الخليل قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
هذه المحبة ثابتة لهم، لكن الخلة فوق ذلك، والخلة لم تكن إلا لاثنين: لإبراهيم ومحمد عليهم السلام، فهما الخليلان.
وأما ما يقوله بعض الناس ويزعمه من أن الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد، ويقول: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله.
هذا باطل، بل محمد أيضا خليل الله.
ويروى في ذلك حديث رواه الترمذي: إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر هذا حديث ضعيف، لا يصح، رواه الترمذي: إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخرهذا حديث ضعيف، في سنده ضعيفان: زمعة بن صالح، وسلمة بن وهران، وهما ضعيفان؛ فلا يصح الحديث.
والصواب أن محمدا خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله، فقول الشيخ: “هو حبيب الرحمن” يوهم أنه لا يثبت الخلة لمحمد، لو قال: “وخليل الرحمن” “وخليل رب العالمين” كان أحسن، لو قال الطحاوي بدل “وحبيب رب العالمين”: “وخليل رب العالمين” لكان أحسن؛ حتى يثبت الخلة، فالخلة ثابتة لاثنين: لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
[شرح الطحاوية من موقع الشيخ.]
انحراف الصوفية في محبة الله تعالى:
وهذا القول أن المحبة أعلى من الخلة قاله بعض الصوفية لأنهم يتعلقون بكلمة المحبة.
ومنهم من أحب ا الله لذاته لاخوفا من ناره ولا طمعا في جنته ولقبوا بزنادقة الزهاد ومن هؤلاء رابعة العدوية ورياح بن عمرو القسي وابن جبان الحريري ومنهم من تركوا الواجبات واستحلوا المحرمات بحجة ان الحبيب لايعذب حبيبه لان القلب مشغول بحبه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” ولهذا قد وجد في نوع من المتأخرين من أنبسط في دعوى المحبة حتى أخرجه ذلك إلى نوع من الرعونة والدعوى التي تنافي العبودية “، وقال أيضا: ” وكثير من السالكين سلكوا في دعوى حب الله أنواعا من الجهل بالدين، إما من تعدي حدود الله، وإما من تضييع حقوق الله.
وإما من إدعاء الدعاوى الباطلة التي لا حقيقة لها “، وقال أيضا: ” والذين توسعوا من الشيوخ في سماع القصائد المتضمنة للحب والشوق واللوم والعذل والغرام كان هذا أصل مقصودهم ولهذا أنزل الله آية المحبة محنة يمتحن بها المحب، فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
فلا يكون محبّا لله إلا من يتبع رسوله، وطاعة الرسول ومتابعته لا تكون إلا بتحقيق العبودية، وكثير ممن يدعي المحبة يخرج عن شريعته وسنته، ل، ويدعي من الخيالات ما لا يتسع هذا الموضوع لذكره، حتى يظن أحدهم سقوط الأمر وتحليل الحرام له “،
وقال أيضا:
” وكثير من الضالين الذين اتبعوا أشياء مبتدعة من الزهد والعبادة على غير علم ولا نور من الكتاب والسنة وقعوا فيما وقع فيه النصارى من دعوى المحبة لله مع مخالفة شريعته وترك المجاهدة في سبيله ونحو ذلك. انتهى.
[حقيقة التصوف للعلامة صالح الفوزان ص8 9]
وجاء في رسالة حقيقة التصوف للعلامة الفوزان عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله قال:
ومن هؤلاء من يحتج بقوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَاتِيَكَ الْيَقِينُ} ‘. ويقول معناها: اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبة من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض وارتكاب المحارم انتهى
نفي الجهمية والمعتزلة للمحبة والخلة.
وأنكر المعتزلة والجهمية ومن نحا نحوهم الخلة جرياً على مذهبهم في نفي الصفات فنفوا المحبة بمعناها الظاهر ومايكون من مراتبها فنفوا حقيقة محبة الله لعبده ونفوا حقيقة اتخاذ الله لعبده خليلاً.
وأول من نفى الصفات الجهد بن درهم وأول ما أنكره صفتان: صفة الخلة والكلام، فزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه لم يكلم موسى تكليماً وضحى به خالد القسري أمير العراق فقتله في يوم عيد الأضحى.
قال بعض العلماء المعاصرين حفظه الله وأوَّلوا ذلك.
و أنكروا حقيقة المحبة والخلة من الجانبين من جانب الله ومن جانب العبد، قالوا: شبهتهم في ذلك المحبة لا تكون إلا لمشاكلة ومناسبة بين الحب والمحبوب، هذه شبهة لا تكون إلا لمناسبة لمشاكلة ومناسبة بين الحب والمحبوب ولا مناسبة بين القديم والمحبوب توجب المحبة، لا مناسبة بين المخلوق والخالق،
وقالوا إن معنى الخليل ليس معناها المحب، معنى الخليل الفقير المحتاج، ولا شك في فساد هذا التأويل، إذ لا يكون حينئذ لتخصيص إبراهيم بالخلة معنى، فإن الفقر والاحتياج وصف لازم لجميع الخلق لزوما ذاتيا لا يمكن الانفكاك عنه، لو كان معنى الخلة الفقر كان كل الناس فقراء إلى الله، ما في أحد ما هو فقير كل المخلوقات، وبذلك يكون وصف الخلة متناولا لجميع الناس حتى عبدة الأوثان الذين هم ألد أعداء الرحمن فقراء إلى الله انتهى.
[شرح الطحاوية من موقع الشيخ]
مشاركة سيف بن دورة الكعبي: في الحديث أدب من آداب الدعاء وهو التوضأ واستقبال القبلة، وهذه جملة من آداب الدعاء نقلها باحث:
أولاً:
إن الله تعالى يحب أن يُسأل، ويُرغبَ إليه في كل شيء، ويغضب
على من لم يسأله، ويستدعي من عباده سؤاله، قال الله تعالى: (وقال ربكم ادعوني
أستجب لكم) غافر/60.
وللدعاء من الدين منزلة عالية رفيعة، حتى قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) رواه الترمذي (3372) وأبو داود (1479)
وابن ماجه (3828) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” (2590).
ثانياً:
آداب الدعاء:
1. أن يكون الداعي موحداً لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه
وصفاته، ممتلئاً قلبه بالتوحيد، فشرط إجابة الله للدعاء: استجابة العبد لربه
بطاعته وترك معصيته، قال الله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة
الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) البقرة/186.
2. الإخلاص لله تعالى في الدعاء، قال الله تعالى: (وما أمروا
إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/5،
والدعاء هو العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فالإخلاص شرط لقبوله.
3. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى: (
ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف/180.
4. الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، روى الترمذي
(3476) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ:
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ
فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ
ادْعُهُ) وفي رواية له (3477): (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَا
بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ). قَالَ:
ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ) صححه
الألباني في “صحيح الترمذي” (2765، 2767).
قلت سيف: وهو في الصحيح المسند 1064
5. الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله
عليه وسلم: (كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم) رواه
الطبراني في “الأوسط” (1/ 220)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح الجامع” (4399).
قلت سيف: واعتبره الألباني إذا كانت طرقه لا تتقوى في حكم المرفوع، ونقل باحث أن كل طرقه شديدة الضعف لا تتقوى، وراجع الإرواء 2/ 177 و432 مع أن العراقي اعتبره في حكم المرفوع، ونقل أن الحاكم وابن عبدالبر يذكرون والقاضي ابن العربي تعبير في حكم المرفوع في الأحاديث التي يقولها صحابي معروف بالصحبة ولا سبيل للرأي فيه.
6. استقبال القبلة، روى مسلم (1763) عن عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ
وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ
فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي،
اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ
مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ) فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ
مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ
مَنْكِبَيْهِ. . . الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ اِسْتِحْبَاب
اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ.
7. رفع اليدين، روى أبو داود (1488) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله
عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ
رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا
رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)، وصححه الشيخ
الألباني في “صحيح أبي داود” (1320).
قلت سيف: ورجح بعض مشايخنا أنه موقوف.
ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير
المنتظر أن يُعْطَى، روى أبو داود (1486) عن مَالِكِ بْنَ يَسَارٍ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا
سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلا تَسْأَلُوهُ
بِظُهُورِهَا)، وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داود” (1318).
قلت سيف: وممن حسنه ابن القطان أما عبدالحق فرجح دعاء الاستسقاء.
المهم صلاة الاستسقاء مستثناه
وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة؟
نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (4/ 25) أنها
تكون مضمومة. ونص كلامه: ” وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في
السنة ولا في كلام العلماء ” انتهى.
8. اليقين بالله تعالى بالإجابة، وحضور القلب؛ لقول النبي صلى
الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ،
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي (3479)، وحسنه الشيخ الألباني في “صحيح الترمذي” (2766).
قلت سيف: احد اسانيده فيه صالح المري متروك والآخر فيه ابن لهيعة
9. الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا
والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ،
مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ
: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي،
فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ) رواه البخاري (6340)
ومسلم (2735).
10. الجزم فيه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا
يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ
لَهُ) رواه البخاري (6339) ومسلم (2679).
11. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: (ادعوا
ربكم تضرعاً وخفية) الأعراف/55، وقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا
رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/60، وقال: (
واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) الأعراف/20.
12. الدعاء ثلاثاً، روى البخاري (240) ومسلم (1794) عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: (بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ
لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلا جَزُورِ بَنِي فُلانٍ فَيَاخُذُهُ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ، فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَأَخَذَه فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ.
وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظهر َرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَاسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاثًا، وَإِذَا سأَلَ سَأَلَ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ فَوَالَّذِي بَعَثَ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ
الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ).
13. إطابة المأكل والملبس، روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ
يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) قال ابن رجب رحمه الله:
فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا. هـ.
14. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: (ادعو ربكم
تضرعا وخفية) الأعراف/55، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا
عليه السلام بقوله: (إذ نادى ربه نداءً خفياً) مريم/3. انتهى
ولعلنا نتوسع في مكان آخر في أسباب موانع الدعاء والأوقات التي يستحب فيها الدعاء وغير ذلك