823 – 824 تعليق على الصحيح المسند؛
(للأخ؛ سيف الكعبي)
(بالتعاون مع مجموعة السلام العلمية)
من عنده تعقيب أو تنبيه فليفدنا
——-
مسند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
الصحيح المسند
823 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله ان النبي صلى الله عليه و سلم قال لرجل لولا انك رسول لقتلتك.
هذا حديث حسن.
* وقال أبو يعلى رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن الحجاج حددثنا سلام أبو المنذر حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أن مسيلمة بعث رجلين أحدهما ابن أثال بن حجر: فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أتشهدان أن محمدا رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم: آمنت بالله ورسله! لو كنت قاتلا وفدا قتلتكما
فبينما ابن مسعود بالكوفة إذ رفع إليه الرجل الذي مع ابن أثال – وهو قريب له – فأمر بقتله فقال للقوم: هل تدرون لم قتلت هذا؟ قالوا: لا ندري فقال: إن مسيلمة بعث هذا مع ابن أثال بن حجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: أتشهدان أن محمدا رسول الله؟ قالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال النبي صلى الله عليه و سلم: آمنت بالله ورسله لو كنت قاتلا وفدا قتلتكما.
قال: فلذلك قتلته قال أبو وائل: وكان الرجل يومئذ كافرا.
* قال عبدالرزاق رحمه الله: عن بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاء رجل إلى بن مسعود فقال إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يقرؤون شيئا لم ينزله الله الطاحنات طحنا العاجنات عجنا الخابزات خبزا اللاقمات لقما قال فقدم ابن مسعود، ابن النواحة أمامهم فقتله واستكثر البقية فقال لا أجزرهم اليوم الشيطان سيروهم إلى الشام حتى يرزقهم الله توبة أو يفنيهم الطاعون.
قال وأخبرني إسماعيل عن قيس أن بن مسعود قال إن هذا لابن النواحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه إليه مسيلمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت قاتلا رسولا لقتلته.
هذا حديث صحيح.
* قال أبو داود رحمه الله: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحق عن حارثة بن مضرب
أنه أتى عبد الله فقال ما بيني وبين أحد من العرب حنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا بالسوق.
هذا حديث صحيح.
—————————-
ورد عن ابي داود 2763 – من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ مُسَيْلِمَةُ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ وَقَدْ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىِّ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَى كِتَابَ مُسَيْلِمَةَ «مَا تَقُولاَنِ أَنْتُمَا» قَالاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ.
قَالَ «أَمَا وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنَّ الرُّسُلَ لاَ تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا». حسنه البخاري في ترتيب العلل 715
قال الخطابي: ويشبه أن يكون مذهب بن مسعود في قتله من غير استتابة أنه رأى قول النبي صلى الله عليه و سلم لولا أنك رسول لضربت عنقك حكما منه بقتله لولا علة الرسالة فلما ظفر به ورفعت العلة أمضاه فيه ولم يستأنف له حكم سائر المرتدين انتهى.
وقال في “معالم السنن” 2/ 319: ومعلوم أن هؤلاء لا يمكنهم إظهار الكفر بالكوفة في مسجدهم وهي دار الإسلام، وإنما كانوا يستبطنون الكفر، ويسرون الإيمان بمسيلمة، فاطلع على ذلك منهم حارثة، فرفعهم إلى عبد الله، وهو والي عليها، فاستتاب قوماً منهم، وحقن بالتوبة دماءهم، ولعلهم قد كانت داخلتهم شبهة في أمر مسيلمة، ثم تبينوا الحق، فراجعوا الدين، فكانت توبتهم مقبولة عند عبد الله، ورأى أن أمر ابن النواحة بخلاف ذلك، لأنه كان داعيةً إلى مذهب مسيلمة فلم يعرض عليه التوبة، ورأى الصلاح في قتله.
قلت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوفي بالعهود: ففي الصحيح المسند 1222 عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىِّ بْنِ أَبِى رَافِعٍ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ أَخْبَرَهُ قَالَ بَعَثَتْنِى قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أُلْقِىَ فِى قَلْبِىَ الإِسْلاَمُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى وَاللَّهِ لاَ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنِّى لاَ أَخِيسُ بِالْعَهْدِ وَلاَ أَحْبِسُ الْبُرُدَ وَلَكِنِ ارْجِعْ فَإِنْ كَانَ فِى نَفْسِكَ الَّذِى فِى نَفْسِكَ الآنَ فَارْجِعْ». قَالَ فَذَهَبْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَسْلَمْتُ. قَالَ بُكَيْرٌ وَأَخْبَرَنِى أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ قِبْطِيًّا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا كَانَ فِى ذَلِكَ الزَّمَانِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ يَصْلُحُ.، وكذلك لما صالح قريش رد أبا بصيره وأبا جندل، وعن حذيفه كما في مسلم 1787 قال (ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل قال فأخذنا كفار قريش قالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر فقال انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم).
والحديث فيه من الفوائد: ـ
أن على الإمام أن يقطع دابر الفتنه، وعليه أن يوضح ما قد يساء فهمه، وأن الوالي ينوب عن الإمام في إقامة الحدود والتعزيرات، والحذر من دعات الضلاله، ونفي أصحاب الشبه، قبول توبة من ظن فيه الصدق، قتل دعاة الفتنه، وأن الرسل لا تقتل.
::::::::::::::::::::::::::
824 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا معاوية حدثنا زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن شقيق عن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول صلى الله عليه وسلم ان من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد.
هذا حديث حسن.
————————————
قال ابن حجر في الفتح: قال ابن بطال هذا وإن كان لفظه لفظ العموم فالمراد به الخصوص ومعناه أن الساعة تقوم في الأكثر والأغلب على شرار الناس بدليل قوله (لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة) فدل هذا الخبر أن الساعة تقوم أيضا على قوم فضلاء قلت: ولا يتعين ما قال فقد جاء ما يؤيد العموم المذكور كقوله في حديث ابن مسعود أيضا رفعه (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) أخرجه مسلم، ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة رفعه (أن الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته) وله في آخر حديث النواس بن سمعان الطويل في قصة الدجال وعيسى ويأجوج ومأجوج (إذ بعث الله ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة) وقد اختلفوا في المراد بقوله يتهارجون فقيل يتسافدون وقيل يتثاورون والذي يظهر أنه هنا بمعنى يتقاتلون أو لأعم من ذلك ويؤيد حمله على التقاتل حديث الباب ولمسلم أيضا (لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله) وهو عند أحمد بلفظ (على أحد يقول لا إله إلا الله) والجمع بينه وبين حديث (لا تزال طائفة) حمل الغاية في حديث (لا تزال طائفة) على وقت هبوب الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى إلا الشرار فتهجم الساعة عليهم بغتة.
أما عن إتخاذ القبور مساجد فقد لخَّصْة كتاب الشيخ الألباني، تحذير الساجد عن إتخاذ القبور مساجد وهو كتاب قيم وإن شاء الله أنزل التلخيص هنا؛ لكن لا بأس أن نذكر نبذه عن محتوى الكتاب؛ فقد ذكر الشيخ أحاديث لعن اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور صالحيهم مساجد، وأنهم شرار الخلق حيث صوروا في كنائسهم صور الصالحين، ثم ذكر أن معنى اتخاذها مساجد يشمل السجود عليها أو إليها أو البناء عليها وذكر الأدلة على ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم كلام العلماء، ثم بين أن البناء على القبور من الكبائر وذريعه للشرك ونقل أقوال الأئمة، ثم ذكر استغلال الإستعمار لمثل هذه الخرافات، وبين مجرد وجود البناء يعتبر ذريعة للشرك ولو لم يكن أحد مدفون، لأن الناس تتوجه له بالدعاء، ثم ذكر شبه المجيزين وردها فمنها؛ زعمهم أن قوله تعالى (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) دليل على جواز البناء على القبور؛ والجواب: أن هذا شرع من قبلنا، أو نقول: لا دليل أن الذين غلبوا كانوا مسلمين، وإذا سلمنا أنهم مسلمون فقد يكونون ممن حرفوا دين أنبيائهم.
ومن شبههم أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؛ فالجواب: أنه لم يكن كذلك إنما دفن في غرفة عائشة خشية أن يتخذ مسجدا، وفي الحديث قالت عائشة لما نقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعنة الله على اليهود والنصارى أتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر مما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا)، إنما أدخل الوليد بن عبدالملك الغرف لما أراد توسعة المسجد، ونقل استنكار بعض التابعين، ومع ذلك أحيط بجدران بحيث لا يتمكن أحد من الصلاة إليه. وفضيلة الصلاة في المسجد النبوي ثابته.
ومن شبههم أن قبر إسماعيل في المسجد الحرام، وهذه دعوى لا دليل عليها ولا يصح ذالك، وكذلك أن مسجد الخيف قبر فيه سبعين نبيا؛ لا يصح، ولو صح فهي قبور اندثرت فلا تحرم الصلاة.
مختصر (تحذير الساجد عن اتخاذ القبور مساجد للشيخ الالباني رحمه الله)
ـ الفصل الأول:
أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد:
– عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الذي لم يقم منه:” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد “. قالت: فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجداً. رواه البخاري ومسلم- أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل، والمراد الدفن خارج بيته، كذا في ” فتح الباري “.
فائدة: قول عائشة هذا، يدل دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجد، فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه وسلم في البيت، يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل، لأن السنة الدفن في المقابر.
– عن عائشة وابن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: ” لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. تقول عائشة يحذر مثل الذي صنعوا ” رواه البخاري ومسلم. الخميصة: ثوب خز أو صوف معلم. كذا في ” النهاية “.
– عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما كان مرض النبي- صلى الله عليه وسلم- تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: مارية وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت: [فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه] فقال: ” أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله [يوم القيامة] “. رواه البخاري ومسلم
قال الحافظ ابن رجب في ” فتح الباري “: ” هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها، كما يفعله النصارى
(ووردت مثل هذه الأحاديث عن صحابه آخرين مثل أبي هريرة وجندب بن عبدالله البجلي والحارث النجراني وأسامة بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وزيد بن ثابت وعبدالله بن مسعود وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم)
ـ الفصل الثاني:
معنى اتخاذ القبور مساجد
الذي يمكن أن يفهم من هذا الاتخاذ، إنما هو ثلاث معان:
الأول: الصلاة على القبور، بمعنى السجود عليها.
الثاني: السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء.
الثالث: بناء المساجد عليها، وقصد الصلاة فيها.
أقوال العلماء في معنى الاتخاذ المذكور:
وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء، وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
فيشهد للمعنى الأول أحاديث منها: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور، أو يقعد عليها، أو يصلى عليها “. رواه أبويعلى في مسنده وإسناده صحيح
وأما المعنى الثاني: فقال- صلى الله عليه وسلم-:” لا تجلسوا على القبور، و لا تصلوا إليها ” رواه مسلم.
وأما المعنى الثالث: فيشهد له حديث” فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ”
أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح، وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها.
وقد قال بشمول هذه المعاني الثلاثة الإمام الشافعي رحمه الله ففي كتاب الأم 1/ 246 ما نصه: وأكره أن يبنى على القبر مسجد، وان يسوى، أو يصلى عليه، وهو غير مسوى (يعني أنه ظاهر معروف) أو يصلى إليه وكذلك صنع المحقق الشيخ علي القارئ نقلا عن بعض الحنفية.
الفصل الثالث
اتخاذ المساجد على القبور من الكبائر
وقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك، ومنهم من صرح بأنه كبيرة:
1 – مذهب الشافعية انه كبيرة
قال ابن حجر الهيتمي في ” الزواجر عن اقتراف الكبائر (1/ 120): ” الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها ”
وكذلك صرح العراقي بتحريم البناء على القبور.
وعلى هذا يحمل قول الشافعي ” وأكره أن يبنى على القبر مسجدا – أي على الكراهة التحريمية – لأن السلف أكثر ما يطلقون الكراهة ويريدون بها كراهة التحريم، وهو أسلوب القرآن قال تعالى: ” وكَرَّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان” الحجرات
2 مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه ” الآثار ” (ص 45):
” لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً “.
والكراهة عند الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم.
3 – مذهب المالكية التحريم
وقال القرطبي في تفسيره (10/ 38) بعد أن ذكر الحديث الخامس:
” قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد “.
4 – مذهب الحنابلة التحريم
ومذهب الحنابلة التحريم أيضاً كما في ” شرح المنتهى ” (1/ 353) وغيره، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور، ووجوب هدمها، فقال ابن القيم في ” زاد المعاد ” … (3/ 22) بعد أن ذكر قصة مسجد الضرار وكيف أنه صلى الله عليه وسلم هدمه وحرقه قال: وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله، إما بهدم أو تحريق، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار؛ فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك، وأوجب.
قلت: مفهوم هذا أن ذلك لا يجب على غير الإمام، ومثله من ينوب عنه، وهذا هو الذي يقتضيه النظر الصحيح، لأنه لو قام به غيره لترتب على ذلك مفاسد وفتن بين المسلمين قد تكون أكبر من المصلحة التي يراد جلبها.
وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بما نصه:
” هل تصح الصلاة في المسجد إذا كان فيه قبر؛ والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا؟ وهل يمهد القبر، أو يعمل عليه حاجز أو حائط؟ فأجاب:
الحمد لله، اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهاكم عن ذلك “. وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيّر، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه ” كذا في الفتاوى له (1/ 107، 2/ 192).
وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه، فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد، فليراجعها من شاء في ” مجلة الأزهر ” (ج 112 ص 501 – 503) وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبور مطلقا فانظر (مجلد سنة 1930 ص 359 و364).
وقال ابن تيمية في ” الاختيارات العلمية ” (ص 52): ” يحرم الإسراج على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وبينها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ”
وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم، والخروج عن طريقتهم، خشية أن يشملهم وعيد قوله عز وجل “ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا “.
ـ الفصل الرابع:
شبهات وجوابها:
أولاً: قوله تعالى في سورة الكهف” قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً ”
ثانياً: كون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده الشريف.
ثالثاً: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف مع أن فيه قبر سبعين نبياً كما قال صلى الله عليه وسلم!
رابعاً: ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام.
خامساً: بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
سادسا: زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبور مساجد إنما كان لعلة خشية الإفتتان بالمقبور، ثم زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين، فزال المنع
الجواب عن الشبهة الأولى:
أما الشبهة الأولى فالجواب عنها من ثلاثة وجوه:
الأول: أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا.
الثاني: هب أن الصواب قول من قال: ” شريعة من قبلنا شريعة لنا ” فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، والأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق.
الثالث: أن الآية ” لنتخذن عليهم مسجداً ” ليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين، متمسكين بشريعة نبي مرسل، بل الظاهر خلاف ذلك، قال الحافظ ابن رجب في ” فتح الباري في شرح البخاري ” (65/ 280) من ” الكواكب الدراري ” … (58) حديث ” لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد “.
” وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث، وهو قول الله عزوجل في قصة أصحاب الكهف: ” قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً ” فجعل اتخاذ (المساجد على القبور) (1) من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى.
ثم إن الاستدلال المذكور أي بالآية إنما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين، الذين يكتفون بالقرآن فقط ديناً، ولا يقيمون للسنة وزناً، وأما طريقة أهل السنة والحديث الذين يؤمنون بالوحيين، مصدقين بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: ” ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه “. وفي رواية: ” ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله “. فهذا الاستدلال عندهم! باطل ظاهر البطلان، لأن الرد وقع في السنة المتواترة كما سبق.
الجواب عن الشبهة الثانية:
وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده
فالجواب: أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم دفنوه في حجرته، ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم ذلك أن الوليد بن عبدالملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حُجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة، فصار القبر بذلك في المسجد ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجدا وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه
ولما احتيج في عصر التابعين إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر
في المسجد، فيصلي إليه العوام، ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني ____________________________
(1) في الأصل (القبور على المساجد)
القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر (2).
قلت: ومما يؤسف له أن هذا البناء -أي حجرة عائشة -قد بني عليها منذ قرون إن لم يكن قد أزيل تلك القبة الخضراء العالية، وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف، وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه وسلم
” فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائط، يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي مخالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه وسلم
الجواب عن الشبهة الثالثة
وأما الشبهة الثالثة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبيا
فالجواب: من وجهين:
الأول: أننا لا نسلم صحة الحديث المشار إليه، لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح، ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه فإن في إسناده من يروي الغرائب وهو ابن طهمان وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلات وكذلك عيسى بن شاذان يغرب لكنه توبع وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرف على أحدهما والعهده على ابن طهمان فقال:” قبر” بدل “صلى” لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث فعن ابن عباس مرفوعا:” صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا … ” ولا شك في حسن الحديث عندي أي بلفظ (صلى)، فقد وجدت له طريقا أخرى.
الثاني: أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف، فلا محظور في الصلاة فيه البتة، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد.
___________________________
(1) وفي هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد والأبواب لا يزيل المحذور، كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلام في مسجد بني أمية في دمشق وحلب والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والإستغاثه به من دون الله، وغير ذلك مما لا يرضاه الله.
الجواب عن الشبهة الرابعة:
وأما ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول: أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن اسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام وغاية ما روي في ذلك من آثار معضلات، بأسانيد واهيات موقوفات
ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الآثارالواهية على جواز الصلاة في المقبرة بقصد الاستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته إليه لا للتعظيم له والتوجه نحوه! وهذا مع أنه لا دليل فيها على ما زعمه من الجواز، فهو مخالف لعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في المقبرة وما شابهها من المساجد المبنية على القبور.
قال الصنعاني في ” سبل السلام ” (2/ 214) معتقباً عليه:
” قوله: (لا للتعظيم له) يقال: قصد التبرك به تعظيم له، ثم أحاديث النهي مطلقة، ولا دليل على التعليل بما ذكر، والظاهر أن العلة سد الذريعة، والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان، الذين يعظمون الجمادات، التي لا تنفع ولا تضر، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير، الخالي عن النفع بالكلية، ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله، ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر “.
الوجه الثاني: أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة، ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى، فلا ضرر من وجودها في بطن أرض المسجد
الجواب عن الشبه الخامسة:
أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فشبهه لا تساوي حكايتها والجواب عنها بأننا لا نسلم بثبوت البناء المزعوم من أصله، لأن ليس له إسناد تقوم الحجة به، بل هو من رواية موسى بن عقبة، كما صرح به ابن عبد البر، لم يجاوزه، وابن عقبه لم يسمع أحداً من الصحابة، فهذه الزيادة اعني قوله (وبنى على قبره مسجداً) معضلة، بل هي عندي منكرة.
الجواب عن الشبهة السادسة: وهي الزعم بأن المنع إنما كان لعلة، وهي خشية الافتتان بالمقبور، وقد زالت، فزال المنع.
فالجواب أنني لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إلى القول بهذه الشبهة ونقول في رد هذه الشبهة:
إن كثيرا من جهال المسلمين واقعين في الشرك في الألوهية، ثم أحاديث النهي عن اتخاذ المساجد على القبور ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – في آخر حياته، والصحابة إنما دفنوه – صلى الله عليه وسلم – في حجرة عائشة خشية أن يتخذ من بعدهم قبره مسجدا فهذا دليل أنهم كانوا لا يرون زوال العلة المستلزم زوال الحكم، ثم إن العمل استمر من السلف على هذا الحكم حيث كانوا يأمرون بتسوية القبور وإزالة الخيام المشيدة عليها.
حكمة تحريم بناء المساجد على القبور:
من الثابت في الشرع أن الناس منذ أول عهدهم كانوا امة واحدة على التوحيد الخالص، ثم طرأ عليهم الشرك، والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى: (كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)، (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً)
وجاء في صحيح البخاري (8/ 543) عن ابن عباس: (أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عبدت).
فاقتضت حكمة الإله تبارك وتعالى أن ينهى عن كل الوسائل التي يخشى أن تكون ذريعة- ولو بعد حين- لوقوع الناس في الشرك فلذلك نهى عن بناء المساجد على القبور، لا سيما عند انطفاء العلم، وكثرة الجهل وقلة الناصحين، وتعاون شياطين الجن والإنس على إضلال الناس، فيتحقق بذلك أمره تعالى بدعائه وحده في قوله: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً).
وأين النية الطيبة يا قوم من أناس كلما وقعوا في ضيق جاءوا إلى ميت يرونه صالحاً فيدعونه من دون الله ويستغيثون به، ويطلبون منه العافية والشفاء وغير ذلك مما لا يطلب إلا من الله، وما لا يقدر عليه إلا الله؟! بل إذا زلت قدم دابتهم نادوا: (يا الله يا بدوي أو يا عيدروس أو يا مكاشفي)! مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم – سمع يوماً بعض الصحابة يقول له: ما شاء الله وشئت! فقال: أجعلتني لله نداً؟!
كراهية الصلاة في المساجد المبنية على القبور:
ذكرنا فيما سبق أن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها، والنهي في مثل هذا الموضع يقتضي البطلان، وقد قال ببطلان الصلاة فيها الإمام أحمد وغيره. وقال الإمام أحمد أيضاً: (لا يصلي في مسجد بين المقابر إلا الجنائز لأن الجنائز هذه سنتها) وكذلك فعله الصحابه
واعلم أن كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطردة في كل حال، سواء كان القبر أمامه أو خلفه، يمينه أو يساره. على أن بعض العلماء قالوا بالمنع من الصلاة حول القبر مطلقاً: أي ولو عند قبر ليس عليه مسجد، وهذا هو اللائق بباب سد الذرائع لقوله صلى الله عليه وسلم: ( … فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه …. )
الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي:
ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد، لعموم الأدلة، فلا يستثنى من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف؛ لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شئ من المساجد المبنية على القبور وذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإنه أفضل)
ولقوله- صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة))
ثم وجدت ابن تيمية صرح بهذا، فقال في كتابه (الجواب الباهر في زور المقابر (ص 22/ 1 – 2): (والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقاً، بخلاف مسجده- صلى الله عليه وسلم، فإن الصلاة فيه بألف صلاة، فإنه أسس على التقوى، وكانت حرمته في حياته- صلى الله عليه وسلم وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه، وإنما أدخلت بعد انقراض عصر الصحابة)
اختصره سيف بن دوره الكعبي