(82) (957) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
شرح مجموعة عبدالحميد البلوشي وعبدالله الديني.
الصحيح المسند 957
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)
شرح مجموعة عبدالحميد البلوشي وعبدالله الديني.
وجاء الحديث في صحيح مسلم ذكر الدعاء دون تقييده بالوتر عن أبي هريرة، عن عائشة، قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك ل أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»
وقولها: (وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك. وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى في هذا معنى لطيف؛ وذلك أنه استعاذ بالله تعالى وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضاء والسخط ضدان متقابلان. وكذلك المعافاة والعقوبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير، ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه.
وقوله: لا أحصي ثناء عليك أي لا أطيقه ولا آتي عليه، وقيل: لا أحيط به، وقال مالك رحمه الله تعالى : معناه لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء بها عليك وإن اجتهدت في الثناء عليك.
وقوله: (أنت كما أثنيت على نفسك) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد للثناء إلى الجملة دون التفصيل والإحصار والتعيين، فوكل ذلك إلى الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه لأن الثناء تابع للمثنى عليه، وكل ثناء أثنى به عليه وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته أكبر وأكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى كما يضاف إليه الخير لقوله: أعوذ بك من سخطك ومن عقوبتك والله أعلم.
[أعوذ برضاك من سخطك)
هذا من باب التوصل برضاء الله أن يعيذك من سخطه، فأنت الآن استجرت من السيء بضده، فجعلت الرضاء وسيلة تتخلص به من السخط.
(وبمعافاتك من عقوبتك)
والمعافاة: أن يعافيك الله من كل بلية في الدين أو في الدنيا، وضد المعافاة: العقوبة.
والعقوبة لا تكون إلا بذنب، وإذا استعذت بمعافاة الله من عقوبته، فأنك تستعيذ من ذنوبك حتى يعفو الله عنك، إما بمجرد فضله، وإما بالهداية إلى أسباب التوبة.
(وبك منك)
لا يمكن أن يستعيذ من الله إلا الله، إذا لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فهو الذي يعيذني مما أراد بي من سوء.
ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد يريد بك سوءا، ولكن إذا استعذت به منك أعاذك، وفي هذا غاية اللجوء إلى الله، وأن الإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى.
(لا نحصي ثناء عليك)
أي لا ندركه ولا نبلغه ولا نصل إليه، والثناء هو: تكرار الوصف بالكمال.
فلا يمكن أن تحصي ثناء على الله أبداً ولو بقيت أبد الآبدين وذلك لأن أفعال الله غير محصورة وكل فعل من أفعال الله فهو كمال.
وغاية الإنسان أن يعترف بالنقص والتقصير (لا أحصي ثناء عليك).
(أنت كما أثنيت على نفسك)
أي: أنت يا ربنا كما أثنيت على نفسك، أما نحن فلا نستطيع أن نحصي الثناء عليك.
من كتاب \ الشرح الممتع على زاد المستنفع
لسماحة الشيخ \ محمد صالح العثيمين – رحمه الله. (بتصرف يسير).
O وقال ابن القيم رحمه الله: ” (وأعوذ بك منك): فاستعاذ بصفة الرضا من صفة الغضب، وبفعل العافية من فعل العقوبة، واستعاذ به منه باعتبارين؛ وكأن في استعاذته منه جمعاً لما فصله في الجملتين قبله؛ فإن الاستعاذة به منه ترجع إلى معنى الكلام قبلها، مع تضمنها فائدة شريفة، وهي كمال التوحيد، وأن الذي يستعيذ به العائذ، ويهرب منه: إنما هو فعل الله ومشيئته وقدره؛ فهو وحده المنفرد بالحكم؛ فإذا أراد بعبده سوءا لم يعذه منه إلا هو، فهو الذي يريد به ما يسوؤه، وهو الذي يريد دفعه عنه، فصار سبحانه مستعاذاً به منه باعتبار الإرادتين: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)؛ فهو الذي يمس بالضر، وهو الذي يكشفه، لا إله إلا هو، فالمهرب منه إليه، والفرار منه إليه، والملجأ منه إليه، كما أن الاستعاذة منه؛ فإنه لا رب غيره ولا مدبر للعبد سواه، فهو الذي يحركه ويقلبه ويصرفه كيف يشاء ” انتهى من “طريق الهجرتين وباب السعادتين” (1/ 431).
[4/ 4 1:34 م]
قال صاحبنا سيف بن غدير:
سُئل الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله.
معنى قوله: وبك منك
الجواب الرضا صفة من صفات الله، والسخط كذلك، فهو يستعيذ بصفة من صفة، وبمعافاتك لأنك أنت العفو وتحب العفو، فنتوسل إليك بعفوك من عقوبتك
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىل فَادْعُوهُ بِهَا ل)
ومن أسمائه العفو، فإنه من صفاته العفو، كما في الحديث [اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عنا]،فأنت تتوسل إلى الله بهذه الصفة التي هي من صفاته، وهو يحب العفو، فتستعيذ به مما ينافيها وهي العقوبة.
وأما قوله {وبك منك} معنى {وبك منك} يعني بصفةالرحمة من صفة الغضب ;لأنه له صفة غضب وصفة رحمة، فأنت تستعيذ بصفة الرحمة من آثار صفة الغضب هذا معنى أي لا ملجأ منك إلا إليك، يعني ما لك مفر ولا لك محيد من الله إلا إليه (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ل إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [سورة الذاريات 50] كما في الآية.
[الفتاوى والدروس في المسجد الكلام: ص285]
وللحديث عدة فوائد منها:
أولاً: دليل على أن بعض الصفات أفضل من بعض.
ثانياً: مشروعية الإستعاذة بالأسماء والصفات وأنها من أعظم أبواب التوسل.
ثالثاً: أننا لا نستطيع أن نعلم تمام مراد الله إلا من الله، ولا نستطيع أن نحصى ألفاظ الثناء على الله عز وجل مادام أعلم الخلق صلى الله عليه وسلم لا يستطيع ذلك فما بالك بنا نحن، ويعنى أيضاً أن هناك من الأسماء والصفات ما لا يعلمها إلا الله.
رابعاً: النفي هنا نفي كمال وليس نفي جنس حيث نفي الجنس هنا غير جائز.
أولاً: أن من الصفات ما هو أفضل من بعض:
أن صفات الله عز وجل كلها صفات كمال، والكمال بعضه فوق بعض ولذلك قال االنبي صلى الله عليه وسلم ” اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك ” فالرضا والسخط صفتان ثابتتان لرب العالمين ولكنه إستعاذ بالرضا على السخط، ولو كانا بمرتبة واحدة ما قدم أحدهما على الآخر. وكما في الحديث: [إن رحمتى سبقت غضبى] هذا السبق نوع من الأفضلية، وكذلك قول االنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الرجل يدعو فقال: إنه سأل الله بإسمه الأعظم الذي إذا دُعى به أجاب. أى أن بعض الأسماء أفضل من بعض، فلا يصح أن ينظر إلى شأن الله كما ينظر إلى شأن المخلوقين مهما علا شأنهم، فالله عز وجل في عُلاه ليس كمثله شيء، وشأنه جل وعلا لا ينظر إليه إلا بالعُلو (سبح إسم ربك الأعلى) فبعد أن ذكر أنه رب ذكر أنه أعلى، والعُلو في كل شيء في الذات والصفات والمكانة … والأفضلية بين الصفات لا تعنى نقص صفة عن أخرى بل هى كلها صفات عُلو وكمال، ولكن الكمال منه ما هو كمال فوق كمال، والمعلوم أن الصفات فرع عن الذات، فالإنسان ذاته ناقصة فلذلك صفاته ناقصة، أما الله عز وجل فذاته عالية ولذلك صفاته عالية حيث أن الصفات متناسبة مع الذات فالرضا والسخط كلاهما صفة كمال، وكلام الله عز وجل صفة وليس مخلوق بل هو كلام على الحقيقة تكلم به الرحمن بحق وصوت يليق به وبشأنه جل وعلا، وعلى هذا فكلامه أيضاً بعضه أفضل من بعض.
سؤال: من الذي يبين أفضلية صفة على صفة أو كلام على كلام؟
الإجابة: أنه هو سبحانه وتعالى الذي يفضل صفة عن صفة ويبين لنا ذلك من الكتاب والسنة، وعلى هذا فالسخط ليس صفة نقص بل هى في حق الله سبحانه وتعالى صفة كمال، وكما أن صفة الضحك والغضب والأسف الذي هو شدة الغضب في حق الله سبحانه وتعالى صفة كمال وإن كانت في المخلوق صفة نقص فذلك كما أوضحنا أن الصفات فرع عن الذات فلا يلتبس عليك الأمر لما نقول أن الصفات بعضها أفضل من بعض فظن أن الأفضل أعلى والمفضول أدنى، فهذا خطأ كبير، فالتناسب في الأفضلية في مطلق الكمال لا يدخل في دائرة النقص ولكن يأتى الخطأ بسبب التشبيه بين الخالق والمخلوق وأعتقاد أن الأفضلية في صفات الناقص كالأفضلية في حق صفات الله الكاملة. فأنتبه للفرق وأحمل كل مسألة عقائدية في ظل تسبيح رب العالمين. قال تعالى: (سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين).
سؤال: لماذا جمع هنا بين تسبيحه في هذه الآية وبين السلام على المرسلين؟
الإجابة: لأن أعظم قوم أنزلوا الله المنزلة التى تليق به هُم المرسلون، لذلك ذكر مكانته وذكر مكانتهم .. ولماذا سلام عليهم؟ لأنهم هم الذين أقاموا القضية على ما ينبغى فلم يُشبهوا ولم يُمثلوا ولم ينقصوا ولم يقدموا عقولاً .. إلخ بل أخلصوا له سبحانه، ولذلك يصفهم في قوله تعالى (إنه من عبادنا المخلصين)
ملحوظة: هناك صفات إن نُسبت لله بإطلاق كان ذلك نقص لا يجوز ولكن هى تذكر في مقابلة وليست مطلقة مثل (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال 30، (إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم) النساء 142، (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً) الطارق 15 و 16 والخديعة هى ستر أمور عن إنسان وهو لا يدركها، وظن المنافقون أنهم خدعوا الله لفرط جهلهم بالله وهو خادعهم، وكذلك قوله تعالى (نسوا الله فنسيهم) فهنا مقابلة لفعلهم، وكذلك الإنتقام صفة كمال ولأنه الإنتقام من الظالمين عدل مقابلة أفعالهم، لأن الجزاء من جنس العمل، فكانت صفات الخداع والمكر صفة كمال لأنها في مقابلة أفعالهم ..
لكن عندما ذكر الخيانة كما في الآية (إن يُريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم) الأنفال 71 لم يقل (فخانهم) لأن الخيانة خدعة في مقام الإئتمان وهى صفة ذم مُطلقاً سواء في مقابلة أو مُطلقة هى صفة ذم في كل الأحوال لذلك لم تكن من أفعال الله سبحانه وتعالى ..
ثانياً: الإستعاذة بالأسماء والصفات والتوسل بها:
الوسيلة: هى ما يُتقرب به إلى الله عز وجل من الواجبات والمستحبات (أصل ذلك الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم)
قلت سيف بن دورة: وهذه تتمات:
الحديث ذكر في كتاب الشيخ السعدي وجهوده في تقرير العقيدة: في تقرير توحيد الأسماء:
القاعدة السادسة:
(أسماء الله غير محصورة في عدد معين).
وهذه القاعدة دلت عليها نصوص كثيرة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم منها:
ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها
ووجه الدلالة في هذا الحديث “أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يحصي ثناء عليه، ولو أحصي جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها فكان يحصي الثناء عليه؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه”
ومنها: ما ورد في حديث الشفاعة الطويل أنه صلى الله عليه وسلم، قال “ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي”
ومنها: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضي في حكمك عدل في قضاؤك أسلك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل
الحديث ذكر في كتاب نضرة النعيم في خلق الخوف، والاستعاذة، والرضا.
هذا الدعاء من الأدعية الجامعه، وفي الأدعية التي فيها استعاذة من نقمة الله وسخطه ما ورد في مسلم (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك) ومنه (اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا، ولا تشمت بي عدوا حاسدا، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك» الصحيحة ((1540))
وحديث «رب أعني ولا تُعن علي، وانصُرني ولا تنصُر علي، وامكُر لي ولا تمكُر علي، واهدني ويسِّر الهدى لي، وانصُرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رهَّابًا، لك مِطواعًا، لك مُخبِتًا، إليك أوَّاهًا مُنِيبًا، رب تقبَّل توبتي، واغسل حَوبَتِي، وأجب دعوتي، وثبِّت حُجَّتي، وسدِّد لساني، واهد قلبي، واسلُل سخيمة صدري» قال الترمذي: حسن صحيح.
فيه فضيلة الشكر والثناء على الله عزوجل وجمع صاحبنا كتيب في ذلك
هذا الدعاء من أدعية السجود كما في رواية مسلم.
قول بعضهم دائما:
الله عزو وجل غفور رحيم لكنه شديد العقاب وكأن صفة الرحمة والمغفرة لله عز وجل لا تثبت استقلالا بل هي من الصفات المركبة كالنافع الضار والمانع المعطي ونحوها وهذا مع ما فيه من الجهل هو تعدٍ على الله عز وجل وصفاته فالله عز وجل له أكمل الصفات وأجلها وأعظمها وتقييد صفة الرحمة والمغفرة ونحوها من الصفات العظيمة لله عز وجل ولذلك نجد:
رحمة الله عز وجل تغلب غضبه وتسبقه.
و ارسل الرسل وأنزل الكتب ويسر جميع السبل للوصول إلى الهدى والدخول في رحمته.
و جعل أسباباً كثيرة للوصول إلى رحمته ومغفرته فالمرء حين يذنب ذنباً من ترك واجب أو فعل محرم فيكفره التوبة والاستغفار والوضوء والصلوات الخمس والجمعة وصلاة الجنازة والصوم والصدقة والحج والدعاء والذكر ودعاء الغير له والمصائب التي تصيب المرء مع أنها بقدر الله وسكرات الموت وضغطة القبر إلى غير ذلك من الأعمال ثم فوق هذا مغفرته سبحانه ورحمته تفضلاً منه.
وجعل رب العزة الحسنة بعشر أمثالها.
فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في باب الوتر وقيام الليل، والنوافل.
بعض أهل البدع استدل بالاستعاذة برضا الله من سخطه … على أنها استعاذة بمخلوق يريد أن يدفع استدلال الأئمة بحديث (أعيذكما بكلمات الله التامة ….. ) أن كلمات الله ليست مخلوقة.
فاستعاذَ النبي صلى الله عليه وسلمبالرِّضا والمُعافاة وهما مَخلوقان.
والجوابُ: أن هذا الاعتراضَ من فاسدِ الفهْم الذي أدخلَه عليهم الشيطانُ لعنه اللهوذلك أنَّهم حَسِبوا أنَّ الرِّضا والمعافاةَ من خَلْقه تعالى، جَرْياً على سُنَّتِهِم في أنَّ الله تعالى لا يقوم به اختيارٌ ولا مَشيئة، والرِّضا والمعافاةُ إنَّما يتعلَّقان بالمشيئةِ، وكلُّ ما تعلَّقَ بالمشيئة فهو مخلوقٌ.
وهذا الأصل الفاسِدُ جرَّهم إلى الوقوع في تعطيل جميعِ الصفاتِ الاختيارية، كالرِّضا، والغَضبِ، والرَّحْمةِ، والرَّأفةِ، والحُبِّ، والبُغْضِ، والإِنْعام، والانتقامِ، وغيرِها مَما يتعلَّقُ بمشيئتهِ تعالى واختيارهِ.
والحَقُّ الأبلجُ الذي يبهَرُ أبصارَ أهلِ البِدَع أنَّه تعالى تقومُ به الصِّفاتُ الاختياريةُ، كما سيأتي تقريره بأبسط من هَذا. والاستعاذة بالرضا والمعافاة، استعاذة بصفته تعالى
مكان هذا الدعاء:
استبعد ابن تيميه أنه كان يقوله في الوتر فقال في الفتاوى (17/ 91): ((وروى الترمذي أنه كان يقول ذلك في و تره لكن هذا فيه نظر))، فإذا كانت المواظبة على القنوت كل ليلة فيها إيهامٌ للعامة أنها السُّنَّة المستقرة، مع أن تركه أحياناً أفضل، فكيف بالمواظبة على دعاء معين في أوله وآخره؟!
واختلفت تبويبات الأئمة رحمهم الله:
أولا: حديث الباب
أبوداود (بَاب الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ)
الترمذي (بَابٌ فِي دُعَاءِ الْوِتْرِ)
النسائي في الكبرى (ما يقول في آخر وتره)
وفي الصغرى (بَاب الدُّعَاءِ فِي الْوِتْرِ) وذكر في الباب أيضاً حديث الحسن رضي الله عنه (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ)
ابن ماجه (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ)
الطبراني في الدعاء: (باب القول في قنوت الوتر)
ومعه حديث (اللهم اهدني فيمن هديت)
ابن أبي شيبة (مَا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ) وهذا مثل لفظ الحديث
أما البيهقي رحمه الله فقال
البيهقي (باب مَا يَقُولُ بَعْدَ الْوِتْرِ)
وفي الدعوات قال (باب القول والدعاء عقيب الوتر)
الثاني:
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِّيِّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ:
بِتُّ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ، إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، اللَّهُمَّ لاَ أَسْتَطِيعُ ثَنَاءً عَلَيْكَ، وَلَوْ حَرَصْتُ، وَلَكِنْ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.
رواه النسائي في الكبرى وفي عمل اليوم والليلة وابن السني والطبراني في الأوسط من طريق يزيد بن خصيفة عنه به.
قال الهيثمي رحمه الله: ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن عبد الله بن عبد القارئ وقد وثقه ابن حبان. اهـ
قال المزي رحمه الله في تهذيب الكمال: روى عن: على بن أبى طالب (سى): مرسل: ” بت عند النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فكنت أسمعه إذا فرغ من صلاته و تبوأ مضجعه يقول. . . الحديث “. اهـ
فمن حمل الحديثين على بعضهما كالعظيم آبادي رحمهما الله في آخرين فأوردوا احتمال كون الدعاء بعد السلام. بسبب الحديث الثاني إن صحّ.
توسط ابن القيم رحمه الله في الزاد فقال:… أنه قال ذلك في السجود، فلعله قاله في الصلاة وبعدها. اهـ
قال الألباني رحمه الله: ومن السنة أن يقول في آخر وتره (قبل السلام أو بعده) … قيام رمضان.
وللسندي احتمال آخر
قال رحمه الله في حاشيته على النسائي:
قَوْله (كَانَ يَقُول فِي آخِر وِتْره)
يَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي آخِر الْقِيَام فَصَارَ هُوَ مِنْ الْقُنُوت كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَام الْمُصَنِّف وَيَحْتَمِل أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قُعُود التَّشَهُّد وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. اهـ
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(يَقُولُ فِي آخِر وِتْره):
أَيْ بَعْد السَّلَام مِنْهُ كَمَا فِي رِوَايَة قَالَ مَيْرَك: وَفِي إِحْدَى رِوَايَات النَّسَائِيِّ كَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاته وَتَبَوَّأَ مَضْجَعه. اهـ
وقال بعضهم: ومما يقوي أنه في الدعاء:
قال الترمذي على حديث الحسن رضي الله عنه (اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ).
قال العيني: قال الترمذي ” وفي الباب عن علي رضي الله تعالى عنه ” أراد (أن النبي كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك)
فيكون مراده أن هذا الدعاء يقال في نفس دعاء الوتر.
ووافقه المباركفوري على أن المراد بحديث علي هو هذا.
ذكرت اللجنة الدائمة هذا الدعاء في دعاء القنوت سؤال رقم 7132 فقالوا: قراءة دعاء القنوت يكون بعد الركوع من آخر ركعة، وأحسن شئ ورد في دعاء القنوت ما رواه الخمسة عن الحسن بن علي رضي الله عنهما (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت … )
وما رواه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك … ) ابن باز، وعبدالله بن قعود والعفيفي والغديان.
أما ابن أبي شيبة رحمه الله أيضا بوب
(ما يدعو به الرجل في آخر وتره ويقوله)
وذكر معه سبحان الملك القدوس
ونقل عن أحمد أنه لم يصحح شئ في قنوت الوتر وكذلك ابن خزيمة وغيرهما. (راجع تحقيق البلوغ ط الآثار)
وقال صاحب المغني رحمه الله
(وَعَنْهُ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ بِحَالٍ.
وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ.
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ: كُنْت أَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ إنِّي قَنَتُّ، هُوَ دُعَاءٌ وَخَيْرٌ.
وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيٍّ، {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ}.
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: {اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ}.
وَكَانَ لِلدَّوَامِ،) انتهى