82 جامع الأجوبة الفقهية
بإشراف ناصر الريسي وسعد الجابري وسيف الكعبي
———-
مسألة 3: حكم المضمضة والاستنشاق ص133
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
♢-مشاركة مجموعة ناصر الريسي :
♢-اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال:
♢-القول الأول:
المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل مسنونان في الوضوء وهو مذهب الحنفية.
♢-قلت (سعيد ) وبه قال سفيان الثوري وأبو حنيفة.
♢-القول الثاني:
مسنونان في الوضوء والغسل، وهو مذهب المالكية والشافعية.
♢-قلت :(سعيد ) به قال الليث بن سعد والاوزاعي وجماعة.
♢-القول الثالث :
واجبان في الوضوء والغسل، وهو مذهب الحنابلة.
♢-قلت :(سعيد ) وبه قال عطاء وابن جريج وابن المبارك وإسحاق ورواية عن أحمد وهو مشهور مذهب الحنابلة.
♢-القول الرابع :
♢-قلت :(سعيد ) والصحيح أن نقول: الاستنشاق واجب في الوضوء دون الغسل. والمضمضة مسنونان فيهما وهي رواية عن أحمد. قوله صلى الله عليه وسلم :(ﺇﺫا ﺗﻮﺿﺄ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻓﻠﻴﺴﺘﻨﺸﻖ ﺑﻤﻨﺨﺮﻳﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺛﻢ ﻟﻴﻨﺘﺜﺮ) رواه مسلم
♢-القول الخامس:
الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل، والمضمضة سنة فيهما .
♢-قلت :(سعيد ) وبه قال : أحمد -في رواية-، وأبو عبيد وأبو ثور وطائفة من أهل الحديث، واختاره ابن المنذر.
♢-المرجع:
بدائع الصنائع (1/ 34)
ومواهب الجليل (1/ 313) ، والمجموع (1/ 396) والإنصاف(1/ 152 – 153).
♢-أدلة (القول الأول)
القائلين بأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل مسنونان في الوضوء.
♢-الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (المائدة، آية: 6)
♢-وجه الاستدلال:
أن الله سبحانه وتعالى أمر بتطهير جميع البدن من المكلف، فيدخل كل ما يمكن الإيصال إليه إلا ما كان فيه حرج ومشقة كداخل العينين، والقلفة، لنفي الحرج عن هذه الملة ولا حرج فى داخل الفم والأنف، فشملهما نص الكتاب من غير معارض، ولهذا افترض غسلهما عن النجاسة الحقيقية، فيفترض أيضاً في غسل الجنابة والحيض.
♢-انظر الهداية مع شرح وفتح القدير (1/ 65)،
وبدائع الصنائع (1/ 34).
♢-الدليل الثاني:
قالوا: الفم والأنف عضوان يجب غسلهما من النجاسة، فكذا من الجنابة كما في الأعضاء.
♢-وأجيب بما يلي:
قال النووي: هذا منتقض بداخل العين، أما قولهم: داخل الفم والأنف في حكم ظاهر البدن، بدليل عدم الفطر، ووجوب غسل نجاستهما.
♢-فجوابه: أنه لا يلزم من كونهما في حكم الظاهر في هذين الأمرين أنه يجب غسلهما، فإن داخل العين كذلك بالاتفاق، فإنه لا يفطر بوضع طعام فيها، ولا يجب غسلها في الطهارة، ويحكم بنجاستها بوقوع نجاسة فيها.
وأما قول: لا تنجس العين عند أبي حنيفة، فإنه لا يوجب غسلها.
قال الشيخ أبو حامد: قلنا هذا غلط، فإن العين عنده تنجس، وإنما لا يجب غسلها عنده لكون النجاسة الواقعة فيها لا تبلغ قدر درهم …… إلخ كلامه رحمه الله كما في المجموع (1/ 403).
♢-أدلة (القول الثاني)
القائلين بأن المضمضة والاستنشاق سنة في الغسل.
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (النساء آية (43)). ولم يذكر مضمضة ولا استنشاقاً.
♢-الدليل الثاني:
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين الطويل للرجل الذي أصابته جنابة ولا ماء: فناوله الرسول صلى الله عليه وسلم ماء، وقال له: اذهب فأفرغه عليك.
(رواه البخاري).
♢-الدليل الثالث:
عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين. (رواه مسلم ).
♢-الدليل الرابع:
عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً:
الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته.
السلسلة الصحيحة برقم (7/65)
ولم يطلب مضمضة ولا استنشاقاً.
وإذا كان الوضوء ليس واجباً في الطهارة الكبرى، فكذلك المضمضة والاستنشاق لأنهما جزء منه.
ولا يقال: إذا وجبت المضمضة والاستنشاق في الطهارة الصغرى وجبت في الطهارة الكبرى من باب أولى، لأن هناك فروضاً في الطهارة الصغرى لا تجب في الكبرى كالترتيب، والموالاة.
♢-أدلة (القول الثالث)
القائلين: بوجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل.
الدليل الأول:
عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء. قال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. (رواه أبو داود)
الشاهد قوله : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما.
♢-الدليل الثاني:
أحاديث الأمر بالاستنشاق، هي دليل على وجوب الاستنشاق صراحة والمضمضة ضمناً، لأنهما كالعضو الواحد. فإيجاب أحدهما إيجاب للآخر.
ألا ترى أنه لا يفصل بين المضمضة والاستنشاق، ومن عادة الأعضاء المستقلة في الوضوء ألا ينتقل إلى عضو حتى يفرغ من العضو الذي قبله، بخلاف المضمضة والاستنشاق فإنه يمضمض ثم يستنشق ثم يرجع إلى المضمضة فالاستنشاق وهكذا.
فهذا يدل على أنهما في حكم العضو الواحد، فالأمر بأحدهما أمر بالآخر.
♢-ومن الأحاديث الآمرة بالاستنشاق والاستنثار:
عن أبي هريره أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:
إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده. (رواه البخاري )
2- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – فذكر أحاديث منها وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر. (رواه مسلم ).
وأراد النووي رحمه الله أن يحمل الأمر على الاستحباب، مع أنه خلاف الأصل، فقال: من لم يوجبه حمل الأمر على الندب، بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق، فإن قالوا: ففي الرواية الأخرى: إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر، فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب، لأن حمله على الندب محتم ليجمع بينه وبين الأدلة الدالة على الاستحباب.
♢-وتعقب الشوكاني في (نيل الأوطار (1/ 177)
دعوى النووي حكاية الإجماع على أن الانتثار ليس بواجب؛ فقال: ذهب أحمد، وإسحاق، وأبو عبيد وأبو ثور، وابن المنذر، ومن أهل البيت الهادي، والقاسم، والمؤيد بالله إلى وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار، وبه قال ابن أبي ليلى، وحماد بن سليمان”.
ثم قال الشوكاني: “وما نقل من الإجماع على عدم وجوب الاستنثار متعقب بهذا.
♢-دليل (القول الرابع)
القائلين بوجوب الاستنشاق في الوضوء والغسل دون المضمضة.
ما ورد عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم لينثر.
(رواه البخاري ومسلم ).
♢-قال ابن المنذر: والذي به نقول: إيجاب الاستنشاق خاصة دون المضمضة، لثبوت الأخبار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر بالاستنشاق، ولا نعلم في شيء من الأخبار أنه أمر بالمضمضة. الأوسط (1/ 379).
وقال ابن عبد البر: وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها، وأفعاله مندوب إليها، ليست بواجبة إلا بدليل، وفعل الاستنثار وأمر به، وأمره على الوجوب أبداً، إلا أن يتبين غير ذلك من مراده. اهـ.
(التمهيد كما في فتح البر )
(3/ 208).
♢-دليل (القول الخامس)
القائلين بأن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء، سنة في الغسل.
أدلة هذا القول مركبة من أدلة قولين قد سبقا.
فأدلتهم على وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء هي أدلة الحنابلة، وأدلتهم على كونها سنة في الغسل هي أدلة المالكية والشافعية.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
♢-جواب سعيد الجابري
المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء- في أصح أقوال العلماء، وذلك لما يأتي :
١ – أن الله تعالى قد أمر بغسل الوجه والفم والأنف منه، ولا موجب لتخصيصه بظاهره دون باطنه فإن الجميع في لغة العرب يسمى وجها،
فإن قلت: قد أطلق على خرم الفم والأنف اسم خاص فليسا في لغة العرب وجها؟!
قلنا: وكذلك أطلق على الخدين والجبهة وظاهر الأنف والحاجبين وسائر أجزاء الوجه أسماء خاصة، فلا تسمى وجها! وهذا في غاية السقوط لاستلزامه عدم وجوب غسل الوجه.
انظر نيل الأوطار (١/ ١٧٤) وأحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٥٦٣). وتوضيح الأحكام للبسام (٢٠٢\١)
٢ – أن الله تعالى أمر بغسل الوجه مطلقا وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وتعليمه، فمضمض واستنشق في كل وضوء توضأه، ولم ينقل عنه أنه أخل به أبدا مع اقتصاره على أقل ما يجزئ، وفعله صلى الله عليه وسلم إذا خرج امتثالا لأمر كان حكمه حكم ذلك الأمر في اقتضاء الوجوب .
شرح العمدة لابن تيمية (١/ ١٧٨)، والتمهيد لابن عبد البر (٤/ ٣٦).
٣ – أنه ثبت الأمر بالاستنشاق والاستنثار من قوله صلى الله عليه وسلم:
(أ) من توضأ فليستنثر» وفي رواية: إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر .
(متفق عليه ).
(ب) إذا توضأ أحدكم فليستنشق …)
(أخرجه مسلم )
(جـ) (… وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. (رواه ابوداود والترمذي وابن ماجه وكما هو في المسند الصحيح ).
♢-قال شيخ الإسلام في شرح العمدة (١/ ١٧٩ – ١٨٠):
(….وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الاستنشاق بالأمر، لا لأنه أولى بالتطهير من الفم، كيف والفم أشرف لأنه محل الذكر والقراءة، وتغيره بالخلوف أكثر؟ لكن يشبه -والله أعلم- أن الفم لما شرع له التطهير بالسواك وأوكد أمره، وكان غسله بعد الطعام مشروعا، وقبل الطعام على قول، علم اعتناء الشارع بتطهيره بخلاف الأنف فإنه ذكر لبيان حكمه خشية أن يهمل اهـ.
٤ – أنه قد جاء الأمر بالمضمضة كذلك في أحاديث، أحسنها حالا: حديث لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأت فمضمض. (صحيح)
أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
♢-( فائدة )
ومن قال ان المضمضة والاستنشاق مستحبان فقط.
ودليلهم: ما جاء في الحديث: عشر من الفطرة … )
[رواه مسلم (٢٦١)]،
ومنها الاستنشاق، والسنة غير الواجب.
وهذا الاستدلال ضعيف جدا، فإن السنة في الحديث هي الطريقة، لا أنها العمل الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه؛ فإن هذا الاصطلاح أصولي متأخر.
كما استدلوا بآية المائدة، وهو استدلال فيه نظر؛ لأن الفم والأنف من مسمى الوجه.
وذهب الإمام أحمد: إلى وجوب المضمضة والاستنشاق؛ وهو مذهب ابن أبي ليلى، وإسحاق، وغيرهما.
(توضيح الأحكام )
♢-قلت: ولو قال قائل بأن أدلة إيجاب المضمضة والاستنشاق مصروفة إلى الندب بحديث رفاعة بن رافع في قصة المسيء صلاته أنه صلى الله عليه وسلم قال للمسيء: «إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين …» الحديث .( صحيح): أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم.
فلم يذكر المضمضة أو الاستنشاق فيما أمر الله به، فوافق الآية الكريمة، وذكر الوجه فيهما ليس مجملا حتى يقال إنه مبين بالسنة. فهذا أيضا قول قوي ومتجه والله أعلم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
مشاركة سيف :
حديث لقيط ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) اخرجه الاربعة فهو في الصحيح المسند 1062 أما زيادة أبي داود ( إذا توأضأت فمضمض ) فشاذة فقد تفرد بها ابوعاصم النبيل وخالفه من هو اوثق منه وراجع فتح العلام شرح بلوغ المرام ، وتخريج البلوغ ط الآثار
المهم القول بوجوب المضمضة والاستنشاق عندي قوي