(80) (955) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
الصحيح المسند 955
عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله (إن لكل نبي حواريا، وإن حواري الزبير بن العوام)
وعن زر استأذن ابن جرموز على عليٍّ فقال: من هذا؟ فقال: ابن جرموز يستأذن. قال: ائذنوا له، ليدخل قاتل الزبير النار، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبيٍّ حواري، وحواري الزبير)
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
أخرجه الترمذي (المرفوع منه فقط)، والإمام أحمد في مسنده 681وابن أبي عاصم في السنة 1389 من طريق زائدة، وأخرجه أحمد في مسنده 799و813، وأبو بكر ابن أبي عاصم في السنة1388 والحاكم في المستدرك 5579 من طريق حماد بن سلمة، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده 680 وأبو داود الطيالسي في مسنده من طريق شيبان، وأخرجه الدينوري في المجالسة452 والمخلص في المخلصيات من طريق أبي الأحوص، وأبو بكر الشافعي في الفوائد من طريق أبي معاوية، والطبراني في الأوسط7072 من طريق الحسين بن واقد، وأخرجه الحاكم 5580 والطبراني في الكبير228 وأبو نعيم في فضائل الخلفاء من طريق الثوري وشريك وزاد الطبراني وأبو نعيم في حديثهما فقالا وأبو بكر بن عياش، وأخرجه اللالكائي في شرح أصول أهل السنة من طريق سنان بن عبد الرحمن كلهم عن عاصم وهو ابن بهدلة عن زر بن حبيش به
وأخرجه الضياء في المختارة وحسن إسناده، وكذا قال الترمذي حسن صحيح
وأورده الدارقطني في العلل 361 وقال والمحفوظ حديث زر أي حديثنا هذا.
وأخرج أحمد 14374 حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي، وَحَوَارِيَّ مِنْ أُمَّتِي ” قال محققوا المسند إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وخرجه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1877 وقال: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وذكر الخلاف فيه ورجح هذه الطريق.
قلت (سيف): قلنا في تخريج مسند أحمد: على شرط المتمم على الذيل للصحيح المسند مما ليس في الصحيحين.
أخرجه البخاري 2846، ومسلم 2415من طريق سفيان، عن ابن المنكدر به، لكن زاد ابومعاوية (الزبير ابن عمتي) وتوبع انتهى كلامي
صفيَّة بنت عبد المطَّلب الهاشميَّة القرشيَّة عمَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمُّها، هالة بنت وهبٍ أخت آمنة بنت وهب والدة الرَّسول صلى الله عليه وسلم .
وزوجها الأوَّل، الحارث بن حرب أخو أبي سفيان ابن حرب زعيم بني «أميَّة»، وقد توفِّي عنها.
وزوجها الثَّاني، العوَّام بن خويلد أخو خديجة بنت خويلد سيِّدة نساء العرب في الجاهليَّة، وأولى أمَّهات المؤمنين في الإسلام.
وابنها الزُّبير بن العوَّام حواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت سيف: أسلم وهو ابن خمسة عشر سنة وقيل أصغر من ذلك، وهاجر الهجرتين وشهد المشاهد كلها آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين ابن مسعود وكان أخا للنبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وكان من الستة أهل الشورى، ومن العشرة المبشرين بالجنة، وجمع له النبي صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: ارم فداك أبي وأمي، وكان تاجرا موفقا، واختلف هل قتله ابن جرموز ام اشترك معه آخران وهما فضالة بن حابس ونفيع وراجع أسد الغابة حيث رجح الاشتراك، وكان سنه يوم قتل سبعا وستين سنة
قال عثمان لما قيل استخلف الزبير قال: أما إنه لأخيرهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه أحمد والبخاري
وكان قليل الحديث وسأله ابنه عبدالله عن قلة حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان بيني وبينه من القرابة والرحم ما قد علمت لكن خشية حديث (من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وراجع الإصابة، وكذلك هو من الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما أصابهم القرح
وراجع الرياض النضرة في مناقب العشرة للتوسع.
وارجح الأقوال أنه لم يتأخر عن البيعة (نظر أبوبكر في الناس فلم يره فأرسل إليه، فقال: ابن عمة رسول الله تريد أن تشق عصى المسلمين، فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايع وكذلك علي). كما في الصحيح المسند 427 وقد كانا انشغلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل أن علي بن أبي طالب جدد البيعة بعد ستة أشهر انتهى كلامي
قال القاضي عياض في إكمال المعلم:
وقوله: ” لكل نبى حوارى، وحوارى الزبير “: أى خاصتى والمفضل عندى وناصرى. قال الأزهرى: [يقال لكل ناصر نبيه: حوارى، تشبيها بحوارى عيسى عليه السلام. قال ابن الأنبارى: وحوارى عيسى هم المفضلون عنده وخاصته. وقال الأزهرى]: الحواريون: خلصان الأنبياء عليهم السلام. وتأويله: الذين أخلصوا واتقوا من كل عيب. والدقيق الحوارى: الذى سبك ونخل، قال ابن ولاد: حوارى الرجل: خلصانه وخاصته. ورجل حوارى: أى نظيف. وسمى القصار حوارا؛ لتنظيفه الثياب. قال الهروى: وسمى خبز الحوارى؛ لأنه أشرف الخبز وأنقاه. اهـ
قال القسطلاني في إرشاد الساري:
(لكل نبي حواري) بفتح الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الراء وتشديد التحتية ناصر (وحواري) ناصري (الزبير). والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على سائر أقرانه لا سيما في ذلك اليوم وإلاّ فكل أصحابه كانوا أنصارًا له عليه الصلاة والسلام. اعـ
قال محمد بن علي في مشارق الانوار: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيَّ) أي خاصّةً، وناصرًا مخلصًا، وذكر البخاريّ رحمه الله تعليقًا: وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: هو حواريّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وسُمّي الحواريّون لبياض ثيابهم. انتهى، قال في “الفتح”: وصله ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس به، وزاد “أنهم كانوا صيّادين”، وإسناده صحيح إليه، وأخرج عن الضحّاك أن الحواريّ هو الغَسّال بالنبطيّة، لكنهم يجعلون الحاء هاء، وعن قتادة أن الحواريّ هو الّذي يصلح للخلافة، وعنه هو الوزير، وعن ابن عيينة هو الناصر، أخرجه الترمذيّ وغيره عنه، وعند الزُّبير بن بكّار من طريق مسلمة بن عبد الله ابن عروة مثله، وهذه الثّلاثة الأخيرة متقاربة، وقال الزُّبير عن محمّد بن سلام: سألت يونس بن حبيب عن الحواريّ، قال: الخالص. انتهى
وقال السنديّ رحمه الله: قوله: “حواري” بكسر الراء، وتشديد الياء، لفظه مفرد بمعنى الخالص والناصر، والياء فيه للنسبة، وأصل معناه البياض، فهو منصرف منوّنٌ. انتهى
قال النووي رحمه الله: قال القاضي عياض: اختُلف في ضبطه، فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء من الثّاني، كمُصْرِخيَّ، وضبطه أكثرهم بكسرها، والحواريّ: الناصر، وقيل: الخاصّة. انتهى.
قال بعض العلماء المعاصرين في شرحه لسنن ابن ماجه:
والحواري: هو الناصر والمحب، فحواري عيسى ابن مريم عليه السلام أصحابه، فقوله: (لكل نبي حواري) يعني: صاحب وناصر، (وإن حواري الزبير) وذلك لأن الزبير رضي الله عنه كان شجاعاً مقداماً، قوله: (من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير: أنا، فقال: من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير: أنا ثلاث مرات)، هذا يدل على الشجاعة، فهو لا يبالي أن يدخل في العدو ويأتي بخبره، وهذا فيه خطورة وفيه مخاطرة، وليس كل أحد يقدم على هذا، بأن يدخل على اليهود ويأتي بخبرهم. اهـ
قلت سيف: وقع الخلاف فابن عيينه يروي أن انتداب الزبير وقع يوم الخندق، والثوري يروي أن الانتداب وقع يوم قريظة.
قال أبوزرعة: الثوري أثبت من ابن عيينة (علل ابن أبي حاتم 2631)
قال الحافظ في الفتح:
قوله لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم قال بن بطال معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا من الفريقين كان يتأول أنه على الصواب وقال بن التين معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقال الكرماني إن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين قلت ويحتمل أن تكون أو للشك من الراوي وأن الزبير إنما قال أحد اللفظين أو للتنويع والمعنى لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل له الشهادة وظن على التقديرين أنه يقتل مظلوما إما لاعتقاده أنه كان مصيبا وإما لأنه كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع علي وهو قوله لما جاءه قاتل الزبير بشر قاتل بن صفية بالنار ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد وغيره من طريق زر بن حبيش عن علي بإسناد صحيح ووقع عند الحاكم من طريق عثام بن علي عن هشام بن عروة في هذا الحديث مختصرا قال والله لئن قتلت لأقتلن مظلوما والله ما فعلت وما فعلت يعني شيئا من المعاصي قوله وإني لا أراني بضم الهمزة من الظن ويجوز فتحها بمعنى الاعتقاد وظنه أنه سيقتل مظلوما قد تحقق لأنه قتل غدرا بعد أن ذكره علي فانصرف عن القتال فنام بمكان ففتك به رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي فروى بن أبي خيثمة في تاريخه من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى قال إنا لمع علي لما التقى الصفان فقال أين الزبير فجاء الزبير فجعلنا ننظر إلى يد علي يشير بها إذ ولى الزبير قبل أن يقع القتال وروى الحاكم من طرق متعددة أن عليا ذكر الزبير بأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال له لتقاتلن عليا وأنت ظالم له فرجع لذلك وروى يعقوب بن سفيان وخليفة في تاريخهما من طريق عمرو بن جاوان بالجيم قال فانطلق الزبير منصرفا فقتله عمرو بن جرموز بوادي السباع قوله وإن من أكبر همي لديني في رواية عثام انظر يا بني دَيْنِي فإني لا أدع شيئا أهم إلي منه. اهـ
فوائد:
فيه منقبة للزبير رضي الله عنه
صلة الرحم بين علي والزبير، قوله (ابن صفية) أي ابن عمتي صفية بنت عبد المطلب.
الحديث عام مخصوص بقوله (ويأت النبي وليس معه أحد).
العدل والصدق في الخبار والحكام من صفات المؤمنين، وفيه منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه.
لا تغتر بانتساب بعض المبتدعة لحد الصحابة أو العلماء، وإنما الشأن ماذا يقول الصحابي أو العالم في ذلك الشخص.
موالاة أهل اليمان بعضهم بعضا.
ونقل لنا صاحبنا أحمد بن علي هذه الفتوى:
سأل بعض لجان الفتوى:
أريد معرفة بعض الحقائق حول معركة الجمل والإلمام بمغزاها ولماذا تقاتل الصحابة رضوان الله
عليهم فيما بينهم وهل نعتبر كتاب ابن العربي مرجعا لنا؟ أريد رداً من فضلكم.
جزاكم الله خيرا.
الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن معتقد أهل السنة والجماعة الإمساك عما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والترضي عنهم جميعاً، واعتقاد أنهم مجتهدون في طلب الحق، للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر واحد.
ولما كانت كتب التاريخ مشحونة بكثير من الأخبار المكذوبة التي تحط من قدر هؤلاء الأصحاب الأخيار، وتصور ما جرى بينهم على أنه نزاع شخصي أو دنيوي، لما كان الأمر كذلك فإننا نسوق إليك جملة من الأخبار الصحيحة حول هذه المعركة، وبيان الدافع الذي أدى إلى اقتتال الصحابة الأخيار رضي الله عنهم.
أولاً: بويع علي رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وكان كارهاً لهذه البيعة رافضاً لها، وما قبلها إلا لإلحاح الصحابة عليه، وفي ذلك يقول رضي الله عنه: (ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاءوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة”، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى). رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
ثانياً: لم يكن علي رضي الله عنه قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان رضي الله عنه لعدم علمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادهم للقتال، وقد بلغ عددهم ألفي مقاتل كما في بعض الروايات، كما أن بعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي.
وقد كان كثير من الصحابة خارج المدينة في ذلك الوقت، ومنهم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، لانشغال الجميع بالحج، وقد كان مقتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة، سنة خمسة وثلاثين على المشهور.
ثالثاً: لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي دون أن ينفذ القصاص خرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، واتفق رأيهم على الخروج إلى البصرة، ليس لهم غرض في القتال، وذلك تمهيداً للقبض على قتلة عثمان رضي الله عنه، وإنفاذ القصاص فيهم.
ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد في المسند والحاكم في المستدرك: أن عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: “كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب”. فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس.
قال الألباني: إسناده صحيح جداً، صححه خمسة من كبار أئمة الحديث هم: ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 474).
رابعاً: وقد اعتبر علي رضي الله عنه خروجهم إلى البصرة واستيلاءهم عليها نوعاً من الخروج عن الطاعة، وخشي تمزق الدولة الإسلامية فسار إليهم رضي الله عنه (وكان أمر الله قدراً مقدوراً).
خامساً: وقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس.
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: فرجع إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيباً، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال: ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا، ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء … وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا: ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غداً يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم.
فقال الأشتر: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا … ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس، ولا تدعوهم يجتمعون … ) انتهى كلام ابن كثير.
وذكر ابن كثير أن علياً وصل إلى البصرة، ومكث ثلاثة أيام، والرسل بينه وبين طلحة والزبير، وأشار بعض الناس على طلحة والزبير بانتهاز الفرصة من قتلة عثمان فقالا: إن علياً أشار بتسكين هذا الأمر، وقد بعثنا إليه بالمصالحة على ذلك.
ثم قال ابن كثير: (وبات الناس بخير ليلة، وبات قتلة عثمان بشر ليلة، وباتوا يتشاورن، وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس، فنهضوا من قبل طلوع الفجر، وهم قريب من ألفي رجل، فانصرف كل فريق إلى قراباتهم، فهجموا عليهم بالسيوف، فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم، وقام الناس من منامهم إلى السلاح، فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً، وبيتونا وغدروا بنا، وظنوا أن هذا عن ملأ من أصحاب علي، فبلغ الأمر علياً فقال: ما للناس؟ فقالوا: بيتنا أهل البصرة، فثار كل فريق إلى سلاحه، ولبسوا اللأمة، وركبوا الخيول، ولا يشعر أحد منهم بما وقع الأمر عليه في نفس الأمر، وكان أمر الله قدراً مقدراً، وقامت على الحرب على ساق وقدم، وتبارز الفرسان، وجالت الشجعان، فنشبت الحرب، وتواقف الفريقان، وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً، والتف على عائشة ومن معها نحوا من ثلاثين ألفاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والسابئة أصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل، ومنادي علي ينادي: ألا كفوا ألا كفوا، فلا يسمع أحد … ) انتهى كلام ابن كثير رحمه الله.
سادساً: وإن أهم ما ينبغي بيانه هنا، ما كان عليه هؤلاء الصحابة الأخيار من الصدق والوفاء والحب لله عز وجل رغم اقتتالهم، وإليك بعض النماذج الدالة على ذلك:
1 روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن الحسن بن علي قال: (لقد رأيته يعني علياً حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة أو سنة).
2 وقد ترك الزبير القتال ونزل وادياً فتبعه عمرو بن جرموز فقتله وهو نائم غيلة، وحين جاء الخبر إلى علي رضي الله عنه قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار. وجاء ابن جرموز معه سيف الزبير، فقال علي: إن هذا السيف طال ما فرج الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 وأما طلحة رضي الله عنه، فقد أصيب بسهم في ركبته فمات منه، وقد وقف عليه علي رضي الله عنه، فجعل يمسح عن وجهه التراب، وقال: (رحمة الله عليك أبا محمد، يعز علي أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري، والله لوددت أني كنت مت قبل لهذا اليوم بعشرين سنة). وقد روي عن علي من غير وجه أن قال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير وعثمان ممن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].
4 وقيل لعلي: إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وأن يخرجهما من ثيابهما.
5 وقد سألت عائشة رضي الله عنه عمن قتل معها من المسلمين، ومن قتل من عسكر علي، فجعلت كلما ذكر لها واحداً منهم ترحمت عليه ودعت له.
6 ولما أرادت الخروج من البصرة، بعث إليها علي بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيرَّ معها أخاها محمد بن أبي بكر وكان في جيش علي وسار علي معها مودعاً ومشيعاً أميالاً، وسرَّح بنيه معها بقية ذلك اليوم.
7 وودعت عائشة الناس وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار، فقال علي: صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.
8 ونادى مناد لعلي: (لا يقتل مدبر، ولا يدفف على جريح، ومن أغلق باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن). وأمر علي بجمع ما وجد لأصحاب عائشة رضي الله عنها في العسكر، وأن يحمل إلى مسجد البصرة، فمن عرف شيئاً هو لأهلهم فليأخذه.
فهذا وغيره يدل على فضل هؤلاء الصحابة الأخيار ونبلهم واجتهادهم في طلب الحق، وسلامة صدورهم من الغل والحقد والهوى، فرضي الله عنهم أجمعين.
وأما الكتب التي ينصح بقراءتها في هذا الموضوع فمنها كتاب (العواصم من القواصم لابن العربي)، ومنها (منهاج السنة لابن تيمية)، (والبداية والنهاية لابن كثير) والله أعلم. انتهى
وبالنسبة لمقتل عثمان، وبراءة الصحابة منه راجع التعليق على حديث رقم 915 من الصحيح فقد لخصنا رسالة من مجلدين.