8 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
قال البخاري:
باب
8 – حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ”
——-”——-”——–
فوائد الباب:
1 – هو كالفصل للذي قبله وتعلقه به ظاهر فقد وصل الحديث الذي علقه في الترجمة.
2 – حديث ابن عمر رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وفي الباب عن جرير بن عبد الله وابن عباس رضي الله عنهم.
3 – قوله (بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ) “دعائم” كما رواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وعند مسلم من طريق سعد بن عبيدة ” على خمسة” فتحمل على أنها أركان، وترجم عليه ابن حبان في صحيحه فقال “ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ اسْمَانِ لِمَعْنًى واحد”. أي أن الإسلام داخل في الإيمان وله دعائم وأركان يرتكز عليها هذا البناء، فدل على تبعضه.
4 – قال محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة له” دَلَّ ذَلِكَ مَنْ عَقَلَ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ كَثِيرٌ، لِأَنَّ الْبُنْيَانَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَصْلِ، إِنَّمَا هُوَ بَيَاضٌ، وَالْبُنْيَانُ يَكُونُ الْحِيطَانَ وَالْبُيُوتَ وَالْعَلَالِيَ وَالْغُرُفَ وَالْأَبْوَابَ وَالْجُذُوعَ وَالصَّفَائِحَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ”.
5 – قوله (شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) وهي قول، فهي عبادة قولية، وفي رواية – ظاهرها التعليق لقوله وزاد عثمان بن صالح وإنما هو شيخه- عند البخاري 4514 ” إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ” – وبهذا يُعلم أنَّ الإيمان باللهِ ورسوله داخل في ضمن الإسلام قاله ابن رجب في جامع العلوم والحكم- وفي رواية عند مسلم 19″ عَلَى أَنْ يُوَحَّدَ اللهُ” وفي رواية عند مسلم أيضا 20″ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللهُ، وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ”.
6 – فالتوحيد هو الأساس بل هو أعلى شعب الإيمان، فهو نفي وإثبات أي لا معبود تصلح له العبودة إلا الله تعالى، أو لا معبود حق إلا الله. والشهادة لنبينا صلى الله عليه وسلم بالرسالة وتتضمن تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
7 – والتوحيد أهم الدعائم بل لا يقوم البنيان إلا به، ويمكن تشبيهه بالعمود وسط الخيمة بالنسبة إلى بقية الدعائم في أركانها فإذا سقط سقطت الخيمة.
8 – قوله (وإقام الصلاة) فالصلاة أعظم الأركان العملية وهي عبادة بدنية، من تركها فقد كفر، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة، فالمساجد بنيت للصلاة، والأذان شرع للدعوة إليها، والطهارة شرط في صحتها، وقد أفردها المصنف بترجمة مستقلة في هذا الكتاب فقال:”باب الصلاة من الإيمان وقول الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) يعني صلاتكم عند البيت” وسيأتي شرحه هناك بإذن الله تعالى.
9 – قوله (وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) وهي عمل وهي عبادة مالية، من تركها زجره الحاكم وأخذها منه، وقد أنكر أبو بكر الصديق على من منع الزكاة في أول خلافته وقاتلهم عليها، وقد أفردها البخاري بترجمة مستقلة في هذا الكتاب فقال:” بَابٌ: الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلاَم وَقَوْلُهُ: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5] ” ويأتي شرحه هناك بإذن الله تعالى.
10 – قوله (والحج) وعند البخاري من طريق نافع ” وَحَجِّ البَيْتِ» “وهي عمل، وهي عبادة بدنية مالية. وعند البخاري من طريق نافع في أوله ” أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا، وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ، قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ”
11 – عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} يَقُولُ: مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ, فَلَمْ يَرَ حَجَّهُ بِرًّا، وَلاَ تَرَكُهُ مَاثَمًا. رواه الطبري في تفسيره 7512 وابن المنذر في تفسيره 754 وابن أبي حاتم في تفسيره 3872 والبيهقي في شعب الإيمان 3685 وفي السنن الكبرى 8606، وثبت عن مجاهد نحوه أخرجه سعيد بن منصور في التفسير من سننه 516والفاكهي في أخبار مكة 787 وابن جرير في تفسيره 7509 و7510.
12 – قوله (وَصَوْمِ رَمَضَانَ) وهو من التروك، وهي عبادة بدنية، وقد أفردها البخاري بترجمة مستقلة فقال: بَابٌ صوم رمضان احتسابا من الإيمان.
13 – فائدة: زاد مسلم من طريق سعد بن عبيدة ” فَقَالَ رَجُلٌ: الْحَجُّ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، قَالَ: «لَا، صِيَامُ رَمَضَانَ، وَالْحَجُّ» هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”. فدل على أنه روي ههنا بالمعنى.
14 – وزاد الإمام أحمد من طريق يزيد بن بشر ” فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْجِهَادُ حَسَنٌ، هَكَذَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.
15. فيه … تنويع العبادات إلى عبادات بدنية ومالية، ومجموعة بدنية مالية فيعتبر رحمه من الله. فمن لم يستطع عبادة لعجزه أو لفقره عوض بعبادة أخرى.
16 – قوله (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) تابعه عبد الله بن نمير كما عند مسلم 22، وتابعه وكيع كما عند الترمذي 2609،وتابعه المعافى بن عمران كما عند النسائي 5001،وتابعه إسحاق بن سليمان الرازي كما عند أبي عبيد في الإيمان له، وتابعه عبد الله بن وهب كما عند ابن حبان في صحيحه.
17 – قوله (أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) وعند مسلم من طريق عبد الله بن نمير “حدثنا حنظلة”
18 – قوله (عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ) وعند مسلم ” سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ”، تابعه نافع عند البخاري 4513، وتابعه سعد بن عبيدة عند مسلم 19ومحمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة 413،وتابعه مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ كما عند مسلم 21، وتابعه حَبيِبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ كما عند الترمذي 2609، وتابعه يزيد بن بِشْر عند الإمام أحمد في مسنده 4798،وتابعه أبو سويد العبدي عند الإمام أحمد في مسنده 5672
نقولات لأهل العلم:
19. في قوله (لا؛ الصيام والحج)
قال القاضي عياض في إكمال المعلم 1/ 225:
يحتمل أن يكون مشاحة ابن عمر فى هذا لأنه كان لا يرى نقل الحديث بالمعنى وإن أداه بلفظ يحتمل، أو يكون يرى الواو توجب الترتيب كما قال بعضهم، فيجب التحفظ على الرتبة المسموعة من النبى صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد يتعلق بذلك أحكام …
وأما فى أداء الرواية فآكد، وقد ذكرنا أنه مذهب مالك فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يتحرى فيه الفاء والواو، وروى مثله عن أمثاله، وقد قال عليه السلام-: ” نضر الله امرأ سمع مقالتى، فأداها كما سمعها ” …
وقد يكون رد ابن عمر على الرجل إلى تقديم رمضان لتقدم فريضة رمضان على فريضة الحج، فجاء بالفرائض على نسقها فى التاريخ، والله أعلم. اهـ
20.قال النووي في شرح مسلم 1/ 178:
وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى محافظة بن عمر رضي الله عنهما على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه عن عكسه تصلح حجة لكون الواو تقتضي الترتيب وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من النحويين ومن قال لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله أن يقول لم يكن ذلك لكونها تقتضي الترتيب بل لأن فرض صوم رمضان نزل في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فريضة الحج سنة ست وقيل سنة تسع بالتاء المثناة فوق ومن حق الأول أن يقدم فى الذكر على الثانى فمحافظة بن عمر رضي الله عنهما لهذا وأما رواية تقديم الحج فكأنه وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى. اهـ
21. قال ابن بطال في شرح البخاري 1/ 59:
قال المهلب: فهذه الخمس هى دعائم الإسلام التى بها ثباته، وعليها اعتماده، وبإدامتها يعصم الدم والمال. اهـ
22. قال ابن عبد البر في الاستذكار:
حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال أخبرنا محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثني علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء سعيد بن حفص البخاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن بن عباس ولا أظنه إلا رفعه قال عرى الإسلام ثلاث بني الإسلام عليها من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان
قال بن عباس نجده كثير المال ولا يزكي فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه
ونجده كثير المال ولا يحج فلا يكون بذلك كافرا ولا يحل دمه. …
ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة
23. وجاء عن حذيفة أنه قال الإسلام ثمانية أسهم الشهادة سهم والصلاة سهم والزكاة سهم وحج البيت سهم وصوم رمضان سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم وقد خاب من لا سهم له
رواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن حذيفة.
24. قال ابن رجب في فتح الباري 1/ 22:
وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمس أركان، وهذا يدل على أن البخاري يرى أن الإيمان والإسلام مترادفان.
وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان. وقد روي في لفظ: ” بني الإسلام على خمس دعائم “. خرجه محمد بن نصر المروزي.
وأما هذه الخمس، فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء هل يزول الاسم بزوالها أو بزوال واحد منها؟ أم لا يزول بذلك؟ أم يفرق بين الصلاة وغيرها فيزول بترك الصلاة دون غيرها؟ أم يختص زوال الإسلام بترك الصلاة والزكاة خاصة … اهـ
25. قال العثيمين في شرح رياض الصالحين الحديث الثالث:
يَقُوْلُ بُنِيَ الإِسْلامُ:
الذي بناه هو الله عزّ وجل، وأبهم الفاعل للعلم به، كما أُبهم الفاعل في قوله تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) (النساء: الآية28) فلم يبين من الخالق، لكنه معلوم، فما عُلم شرعاً أو قدراً جاز أن يبنى فعله لما لم يسم فاعله …
فصارت هذه الحكمة العظيمة في أركان الإسلام أنها:
بذل المحبوب، والكف عن المحبوب، وإجهاد البدن، كل هذا امتحان.
بذل المحبوب: في الزكاة، لأن المال محبوب إلى الإنسان.
والكف عن المحبوب: في الصيام كما جاء في الحديث القدسي: يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِيْ
فتنوعت هذه الدعائم الخمس على هذه الوجوه تكميلاً للامتحان، لأن بعض الناس يسهل عليه أن يصوم، ولكن لا يسهل عليه أن يبذل قرشاً واحداً، وبعض الناس يسهل عليه أن يصلي، ولكن يصعب عليه أن يصوم. اهـ