8 – نفح الطيب في شرح أحاديث الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(8) – ((8)) [حسن] وعن أبي أمامة قال:
جاء رجلٌ إلى رسولِ الله فقال: أرأيتَ رجلًا غزا يلتمسُ الأجْرَ والذِّكْرَ؛ ما لَهُ؟ فقال رسولُ اللهِ :
» لا شيءَ له «، فأعادها ثلاث مِرارٍ، ويقولُ رسولُ اللهِ :» لا شيء له «، ثم قال:
» إن الله عز وجل لا يَقبلُ من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتُغيَ به وجهُهُ «.
رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد ((2))، وستأتي أحاديث من هذا النوع في» الجهاد «إن شاء الله تعالى.
———-
يبين الحديث أن الواجب على العبد أن يخلص لله في جميع عبادته، و لا يجوز له أن يعمل العبادة من أجل الدنيا، و بلاشك أن العبادة لها منافع وفوائد دنيوية، و لكن ان يجعل العبادة هي الأصل و ما ترتيب عليها من فوائد دنيوية تكون تبعا، كالذي يصوم من اجل نزول الوزن فهذا لا يثاب على صومه، فالصحيح أن يخلص النية لله في صيامه و ما ترتب من فوائد دنيوية تكون ضمنا و ليس أصلا … و سيأتي التوضيح في شرح العلماء للحديث.
قال الحافظ ابن رجب: وأمّا إنْ كانَ أصْلُ العَمَلِ لِلَّهِ، ثُمَّ طَرَأتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الرِّياءِ، فَإنْ كانَ خاطِرًا ودَفَعَهُ، فَلا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلافٍ، وإنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أمْ لا يَضُرُّهُ ذَلِكَ ويُجازى عَلى أصْلِ نِيَّتِهِ؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلافٌ بَيْنَ العُلَماءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكاهُ الإمامُ أحْمَدُ وابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، ورَجَّحا أنَّ عَمَلَهُ لا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وأنَّهُ يُجازى بِنِيَّتِهِ الأُولى وهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ وغَيْرِهِ. ويُسْتَدَلُّ لِهَذا القَوْلِ بِما خَرَّجَهُ أبُو داوُدَ فِي «مَراسِيلِهِ» عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ «أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ بَنِي سَلَمَةَ كُلَّهُمْ يُقاتِلُ، فَمِنهُمْ مَن يُقاتِلُ لِلدُّنْيا، ومِنهُمْ مَن يُقاتِلُ نَجْدَةً، ومِنهُمْ مَن يُقاتِلُ ابْتِغاءَ وجْهِ اللَّهِ، فَأيُّهُمُ الشَّهِيدُ؟ قالَ: كُلُّهُمْ إذا كانَ أصْلُ أمْرِهِ أنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيا». [جامع العلوم والحكم ((1) ((83))].
قال المناوي: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا) بأن لا يشرك العامل في عبادة ربه أحدا (وابتغى به وجهه) فمن أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والآخرة فحظه ما أراد وليس له غيره وسبب هذا الحديث أن أبا أمامة قال: يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال: لا شيء له فأعادها ثلاثا يقول لا شيء له ثم ذكره وبه نوزع كثيرون في قولهم لو أضاف إلى قصد إعلاء كلمة الله سببا من الأسباب الدنيوية لم يضر حيث وقع ضمنا لا مقصودا وقول الآخرين إذا كان أصل الباعث الإعلاء لا يضر العارض الطاراء.
قال ابن حجر: ويمكن حمل الحديث على من قصد الأمرين معا فلا يخالف ما ذكر وقد قال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد الإعلاء لم يضر ما انضاف إليه. فتح القدير ((2) / (275)).
و قال العلامة الشوكاني في النيل ((7) / (254)): فالحاصِلُ أنَّهُ إمّا أنْ يَقْصِد الشَّيْئَيْنِ مَعًا أوْ يَقْصِدَ أحَدَهُما فَقَطْ، أوْ يَقْصِدَ أحَدَهُما ويَحْصُلَ الآخَرُ ضِمْنًا، والمَحْذُورُ أنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الإعْلاءِ، سَواءٌ حَصَلَ الإعْلاءُ ضِمْنًا أوْ لَمْ يَحْصُلْ، ودُونَهُ أنْ يَقْصِدَهُما مَعًا فَإنَّهُ مَحْذُورٌ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أبِي أُمامَةَ والمَطْلُوبُ أنْ يَقْصِدَ الإعْلاءَ فَقَطْ سَواءٌ حَصَلَ غَيْرُ الإعْلاء ضِمْنًا أوْ لَمْ يَحْصُلْ.
قالَ ابْنُ أبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ المُحَقِّقُونَ إلى أنَّهُ إذا كانَ الباعِثُ الأوَّلُ قَصْدَ إعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ ما يَنْضافُ إلَيْهِ وعَلى هَذا يُحْمَلُ حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْناهُ، وأمّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو المَذْكُورُ فَلَيْسَ فِيهِ ما يَدُلُّ عَلى جَوازِ قَصْدِ غَيْرِ الغَزْوِ فِي سَبِيل اللَّه، لِأنَّ الغَنِيمَةَ إنّما حَصَلَتْ بَعْدَ أنْ كانَ الغَزْوُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ فِي الِابْتِداءِ، ولِهَذا قالَ فِي أوَّلِ الحَدِيثِ: «ما مِن غازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ» … إلَخْ. قالَ فِي الفَتْحِ: والحاصِلُ مِمّا ذُكِرَ أنَّ القِتالَ مَنشَؤُهُ القُوَّةُ العَقْلِيَّةُ والقُوَّة الغَضَبِيَّةُ والقُوَّةُ الشَّهْوانِيَّةُ ولا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلّا الأوَّلُ.
وقالَ ابْنُ بَطّالٍ: إنّما عَدَلَ النَّبِيُّ – – عَنْ لَفْظِ جَوابِ السّائِلِ لِأنَّ الغَضَبَ والحَمِيَّةَ قَدْ يَكُونانِ لِلَّهِ فَعَدَلَ النَّبِيُّ – – عَنْ ذَلِكَ إلى لَفْظٍ جامِعٍ، فَأفادَ رَفْعَ الِالتِباس وزِيادَةَ الإفْهامِ.
و قال العلامة محمد آدم الأتيوبي رحمه الله: وهذا الحديث يدلّ على أن المؤمن لا يُقبل منه عمل صالح إذا لم يقصد به وجه ربّه -عز وجل-، وهو معنى قوله تعالى: {فَمَن كانَ يَرْجُو لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا} [الكهف: (110)].
فإن كان هذا شأن المؤمن، فماذا يكون حال الكافر بربه، إذا لم يخلص له في عمله؟
الجواب في قوله تعالى: {وقَدِمْنا إلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنثُورًا} [الفرقان (23)]، وعلى افتراض أن بعض الكفّار يقصدون بعملهم الصالح وجه اللَّه تعالى على كفرهم، فإن اللَّه تعالى لا يُضيع ذلك عليهم، بل يُجازيهم عليها في الدنيا، وبذلك جاء النصّ الصريح عن رسول اللَّه – -، وهو قوله – -:» إن اللَّه لا يظلم مؤمنًا حسنةً، يُعطى بها -وفي رواية «يثاب عليها الرزق في الدنيا- ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها للَّه في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجزى بها». رواه مسلم (8) / (135) وأحمد (3) / (125).
وهذه هي القاعدة في هذه المسألة أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعًا في الدنيا، فلا تنفعه حسناته في الآخرة، ولا يُخفّف عنه العذاب بسببها، فضلًا عن أن ينجو منه.
وهذا في حسنات الكافر الذي يموت على كفره، كما هو ظاهر الحديث، وأما إذا أسلم، فإن اللَّه تبارك وتعالى يكتب له كلّ حسناته التي كان عمل بها في كفره، ويجازيه بها في الآخرة، كما جاء بذلك أحاديث كثيرة، كحديث أبي سعيد الخدريّ – رضي الله عنه – مرفوعًا: «إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، كتب اللَّه له كلّ حسنة كان أزلفها، ومُحيت عنه كلّ سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والسيّئة بمثلها إلا أن يتجاوز اللَّه عنها». حديث صحيح، أخرجه مالك في «الموطإ»، والنسائيّ، والبيهقيّ في «شُعَب الإيمان». [شرح المجتبى ((26) / (204))].
من أقوال السلف في الاخلاص وذم الرياء
قال الحافظ ابن رجب: وبِالجُمْلَةِ، فَما أحْسَنَ
قَوْلَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ: لَيْسَ عَلى النَّفْسِ شَيْءٌ أشَقَّ مِنَ الإخْلاصِ، لِأنَّهُ لَيْسَ لَها فِيهِ نَصِيبٌ.
وقالَ يُوسُفُ بْنُ الحُسَيْنِ الرّازِيُّ: أعَزُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيا الإخْلاصُ، وكَمْ أجْتَهِدُ فِي إسْقاطِ الرِّياءِ عَنْ قَلْبِي، وكَأنَّهُ يَنْبُتُ فِيهِ عَلى لَوْنٍ آخَرَ.
وقالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كانَ مِن دُعاءِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَغْفِرُكَ مِمّا تُبْتُ إلَيْكَ مِنهُ، ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ، وأسْتَغْفِرُكَ مِمّا جَعَلْتُهُ لَكَ عَلى نَفْسِي، ثُمَّ لَمْ أفِ لَكَ بِهِ، وأسْتَغْفِرُكَ مِمّا زَعَمْتُ أنِّي أرَدْتُ بِهِ وجْهَكَ، فَخالَطَ قَلْبِي مِنهُ ما قَدْ عَلِمْتَ. [جامع العلوم والحكم ((1) ((83))].
سئل العلامة ابن باز رحمه الله:
حكم عمل الخير لمقصد دنيوي
السؤال:
إذا كان الإنسان يعمل الخير، ويبتعد عن الشر، لمقصدٍ دنيوي، وذلك مثلًا: خوفًا من عقاب الله في الدنيا في صحته، أو ماله، أو ولده، أو تسليط من لا يعرف الله عليه، هل يثاب الإنسان على عمله هذا في الآخرة؟
الجواب:
لا، لابد أن يكون العمل لله، لوجه الله والدار الآخرة، والثواب منه سبحانه الذي وعد به عباده، في الدنيا والآخرة.
أما إذا كان عمله للدنيا فقط، فليس له عند الله من خلاق، نسأل الله العافية، لابد أن تكون العبادة إذا صلى، أو صام، أو تصدق، إنما قصده الدنيا فقط، والحظ العاجل، فهذا ليس له خيرٌ في الآخرة، كما قال سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [الشورى:20]، ويقول سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا [الإسراء:18] نسأل الله العافية.
فالمقصود أنه إذا عمل عملًا صالحًا؛ يقصد به الله والدار الآخرة، ومن ثواب الله له أنه ينفعه في الدنيا هذا العمل، هذا من ثواب الله، لكن لا يقصد الدنيا فقط، يقصد ما عند الله من المثوبة، التي منها أن الله يبارك له في أمواله، أن الله يكفيك شر الآفات، هذا من ثواب الله، لكن ما يقصد هذا فقط، يقصد ما وعد الله به المحسنين، المطيعين، ينفعه في الدنيا والآخرة.
[منقول من موقع العلامة ابن باز].