بسم الله الرحمن الرحيم
(8) سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام. الوصية الثامنة:
{العدل في الأحكام وفي الشهادة حتى
وإن كان أحد الخصمين من الأقارب}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مراجعة سيف بن دورة الكعبي.
جمع وتأليف سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية الثامنة:
{العدل في الأحكام وفي الشهادة حتى وإن كان أحد الخصمين من الأقارب}
{العدل لغةً}
العدل خلاف الجور، وهو القصد في الأمور، وما قام في النفوس أنه مستقيم …
{الصحاح في اللغة} للجوهري ..
{العدل اصطلاحًا}
العدل هو: {أن تعطي من نفسك الواجب وتأخذه}
{الأخلاق والسير} لابن حزم [ص (81)].
ووردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تأمر بالعدل وترغب فيه، وتمدح من يقوم به.
يقول ابن القيمرحمه الله:
إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات، فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان؛ فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخصَّ طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له}
{الطرق الحكمية} [ص (19)].
قال ابن كثيررحمه الله:
وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ [وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ]} [المائدة:8]،
وكذا التي تشبهها في سورة النساء [الآية:135]، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال، على القريب والبعيد، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد، في كل وقت، وفي كل حال.
وقوله: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا}
قال ابن جرير: يقول وَبِوَصِيَّة الله التي أوصاكم بها فأوفوا.
وإيفاء ذلك: أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله، وذلك هو الوفاء بعهد الله.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يقول تعالى: هذا وصاكم به، وأمركم به، وأكد عليكم فيه {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي: تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا، وقرأ بعضهم بتشديد “الذال”، وآخرون بتخفيفها.
[تفسير القرآن العظيم]
قال صديق بن حسن خان. رحمه الله:
{وإذا قلتم} بقول في خبر أو شهادة أو جرح أو تعديل {فاعدلوا} فيه وتحروا الصواب ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو، بل سووا بين الناس فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به {ولو كان} الضمير راجع إلى ما يفيده {وإذا قلتم} فإنه لا بد للقول من مقول فيه أو مقول له أو مقول عليه أي ولو كان المقول فيه أو له أو عليه {ذا قربى} أي صاحب قرابة لكم، وقيل إن المعنى ولو كان الحق على مثل قراباتكم، والأول أولى، ومثل هذه الآية قوله: {ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}.
[فتحُ البيان في مقاصد القرآن]
قال ابن سعدي رحمه الله:
{وَإِذَا قُلْتُمْ} قولا تحكمون به بين الناس، وتفصلون بينهم الخطاب، وتتكلمون به على المقالات والأحوال {فَاعْدِلُوا} في قولكم، بمراعاة الصدق في من تحبون ومن تكرهون، والإنصاف، وعدم كتمان ما يلزم بيانه، فإن الميل على من تكره بالكلام فيه أو في مقالته من الظلم المحرم.
بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع، فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبُعدها منه.
وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين، في لحظه ولفظه.
{وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد من القيام بحقوقه والوفاء بها، ومن العهد الذي يقع التعاقد به بين الخلق. فالجميع يجب الوفاء به، ويحرم نقضه والإخلال به.
{ذَلِكُمْ} الأحكام المذكورة {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ما بينه لكم من الأحكام، وتقومون بوصية الله لكم حق القيام، وتعرفون ما فيها، من الحكم والأحكام.
ولما بين كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمة، أشار إليها وإلى ما هو أعم منها فقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} أي: هذه الأحكام وما أشبهها، مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر.
{فَاتَّبِعُوهُ} لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح.
{وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} أي: تضلكم عنه وتفرقكم يمينا وشمالا فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم.
{ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم علما وعملا صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين، ووحد الصراط وأضافه إليه لأنه سبيل واحد موصل إليه، والله هو المعين للسالكين على سلوكه.
قال الشيخ ابن عثيمين: رحمه الله:
الوصية الثامنة: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}
فالواجب على العبد إذا قال قولاً أن يعدل في قوله ومن باب أولى وأحرى إذا فعل فعلاً أن يعدل في فعله حتى لو كان مع ذي قربى.
لو أن أباك وهو من أقرب الناس إليك أخطأ على شخص هل تقول لأبيك: إنك أخطأت؟
الجواب:
نعم هذا هو العدل: ” وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى “.
لو أن صديقك أخطأ هل تقول: أخطأت؟ نعم لأن الله يقول: ” وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى “.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
قال الشيخ ربيع المدخليحفظه الله:
ثم يقول تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا}
انظروا! الآية السابقة في الفعل وهنا في القول؛ إذا قلت فاعدل سواء في الإخبار والأخبار أو في الشهادة، أو في الجرح والتعديل، أيّ قول تقوله فاعدل فيه، تكليف من الله تبارك وتعالى بهذا العدل، الذي قامت عليه السماوات والأرض، فلابد من العدل؛ إذا قلت فاعدل، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا} (النساء: 135)
الله أكبر! فالعدل في القريب والبعيد، العدل في القول في أيّ مقام من المقامات وفي أيّ حال من الأحوال، بالنسبة للعدو والصديق، والكافر والمسلم، لابد من العدل، فإن العدل واجب في كل حال، وعلى كل حال، ولكل أحد وعلى كل أحد.
العدل أمر عظيم، لا يحملنّك شفقة على قريب أو التعصب له أن تقول غير العدل، ولا يحملنّك شدّة العداوة والشنآن للعدوّ أن تتجاوز العدل، لابد من العدل، وإذا ظلمتَ كافرا، فاسقا، مجرما لإجرامه، واستجزتَ أن تظلمه ولا تقيم فيه ميزان الله العدل فإنك تحاسب على هذا؛ لأن الله هو العدل سبحانه وتعالى، الذي تنزه عن الظلم، ولا يرضى أن تظلم أحدا مهما كان، لا بقول ولا بفعل، لا في مال ولا في عرض.
تشهد على قريبك ولو كان أبوك، تقوم بالقسط، وتشهد للعدو إذا كان له حقّ مهما بلغ بالعداوة إذا كنت تعرف أن له حقّا على شخص وطُلب منك الشهادة، عليك أن تدلي بهذه الشهادة على وجه العدل ولو كان على أبيك.
الظلم للناس في أموالهم وأعراضهم هذا ديوان لا يترك، ذنب لا يُغفر وهو الشرك، وذنب لا يُترك وهو تظالم العباد فيما بينهم، حتى لو جاز المسلمون الصراط؛ المؤمنون الناجون لو جاوزوا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار ليؤخذ لبعضهم البعض، فالله لا يترك هذا، ويأتي الإنسان بحسنات أمثال الجبال وهو المفلس، سماه رسول الله المفلس؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أتدرون ما المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار هذا هو المفلس، فليصن الإنسان لسانه من الغيبة والنميمة والظلم وقول الباطل وشهادة الزور، كل هذه الأشياء تنافي العدل الذي شرعه الله تبارك وتعالى في القول.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
[أقسام العدل]
والعدل ضربان:
(1) مطلق: يقتضي العقل حسنه، ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخًا، ولا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، وكفِّ الأذية عمن كفَّ أذاه عنك.
(2) وعدل يعرف كونه عدلًا بالشرع، ويمكن أن يكون منسوخًا في بعض الأزمنة، كالقصاص وأروش الجنايات، وأصل مال المرتد.
ولذلك قال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة:194]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى:40]، فسمي اعتداء وسيئة، وهذا النحو هو المعني بقوله: {إِنَّ اللّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان} ِ [النحل:90]
فإنَّ العدل هو المساواة في المكافأة، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، والشرَّ بأقلَّ منه)
{مفردات ألفاظ القرآن} للراغب الأصفهاني [ص (552)]
[صور العدل]
العدل له صور كثيرة، تدخل في جميع مناحي الحياة، نقتصر على ذكر أهمها، فمنها:
(1) عدل الوالي:
والوالي سواء كانت ولايته ولاية خاصة أو عامة يجب عليه أن يعدل بين الرعية.
وأن يستعين بأهل العدل.
قال ابن تيمية، بعد أن ذكر عموم الولايات وخصوصها، كولاية القضاء، وولاية الحرب، والحسبة، وولاية المال قال:
{وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأيُّ مَن عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل، وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكانفهو من الأبرار الصالحين، وأيُّ مَن ظلم وعمل فيها بجهل، فهو من الفجار الظالمين}.
{مجموع الفتاوى} (28/ 68)
(2) العدل في الحكم بين الناس:
سواء كان قاضيًا، أو صاحب منصب، أو كان مصلحًا بين الناس، وذلك بإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، قال تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58].
(3) العدل مع الزوجة أو بين الزوجات:
بأن يعامل الزوج زوجته بالعدل سواء في النفقة والسكنى والمبيت، وإن كن أكثر من واحدة، فيعطي كلًّا منهنَّ بالسوية.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3].
أما إذا كان له ميل قلبيٌّ فقط إلى إحداهن، فهذا لا يدخل في عدم العدل، قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:129].
قال ابن بطال: قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}
أي: لن تطيقوا أيها الرجال أن تسووا بين نسائكم في حبهنَّ بقلوبكم حتى تعدلوا بينهنَّ في ذلك؛ لأنَّ ذلك مما لا تملكونه وَلَوْ حَرَصْتُمْ يعنى ولو حرصتم في تسويتكم بينهن في ذلك.
قال ابن عباس: لا تستطيع أن تعدل بالشهوة فيما بينهنَّ ولو حرصت.
قال ابن المنذر: ودلت هذه الآية أن التسوية بينهنَّ في المحبة غير واجبة}.
(4) العدل بين الأبناء:
قال صلى الله عليه وسلم : {فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم}
رواه البخاري {(2587)} من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
ويكون العدل بين الأولاد في العطية، والهبة، والوقف، والتسوية بينهم حتى في القُبَل، فعن إبراهيم النخعي قال: {كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل}.
[تنبيه:]
في حالة النفقة الواجبة يعطي الوالد كل واحد من الأولاد ما يحتاجه، فلو احتاج أحد أبنائه إلى الزواج، زوجه ودفع له المهر؛ لأن الابن لا يستطيع دفع المهر، ولا يلزم أن يعطي الآخرين مثل ما أعطى لهذا الذي احتاج إلى الزواج؛ لأن التزويج من النفقة، كذلك النفقة على الدراسة، إلى غير ذلك.
[الشرح الممتع] لابن عثيمين (11/ 80).
(5) العدل في القول:
فلا يقول إلا حقًّا، ولا يشهد بالباطل، قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام:152].
(6) العدل في الكيل والميزان:
قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام:152]
قال ابن كثير رحمه الله:
يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعَّد على تركه في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين} َ [المطففين: 1 6] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان}.
{تفسير القرآن العظيم} (3/ 364).
(7) العدل مع غير المسلمين:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون} َ [المائدة: 8].
وفي كون العدل مع الأعداء الذين نبغضهم أقرب للتقوى احتمالان:
الأول: أن يكون أقرب إلى كمال التقوى، وذلك لأنَّ كمال التقوى يتطلب أمورًا كثيرة، منها هذا العدل، والأخذ بكلِّ واحد من هذه الأمور يقرب من منطقة التقوى الكاملة.
الثاني: أن يكون أقرب إلى أصل التقوى فعلًا من ترك العدل مع الأعداء، ملاحظين في ذلك مصلحة للإسلام وجماعة المسلمين، وذلك لأنَّه قد يشتبه على ولي الأمر من المسلمين في قضية من القضايا المتعلقة بعدو من أعدائهم، هل التزام سبيل العدل معه أرضى لله؟
أو ظلمه هو أرضى لله باعتباره معاديًا لدين الله؟ وأمام هذا الاشتباه يعطي الله منهج الحل، فيقول: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]
أي: مهما لاحظتم أنَّ ظلمه لا يتنافى مع التقوى، فالعدل معه أقرب للتقوى.
ولا يخفى أن من ثمرات هذا العدل ترغيب أعداء الإسلام بالدخول فيه، والإيمان بأنَّه هو الدين الحقُّ، وكم من حادثة عدل حكم فيها قاضي المسلمين لغير المسلم على المسلم اتباعًا للحق، فكانت السبب في تحبيبه بالإسلام ثم في إسلامه)