79 – فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
79 – قال الامام ابويعلى رحمه الله {ج7ص17}: حدثنا عبد الأعلى حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا هشيم: سمعت عبد العزيز بن صهيب يحدث عن س: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ثلاث لا يزلن في أمتي حتى تقوم الساعة: النياحة و المفاخرة في الأنساب و الأنواء
هذا حديث صحيح
………………………..
قال محققو المطالب العالية (5/378) :
الإِسناد حسن من أجل زكريا بن يحيى فإِنه صدوق، وهشيم وإن كان مدلسًا لا يقبل حديثه إلا مصرحًا بالسماع، فقد جاء السند في المقصد العلي (429: مصرحًا بالسماع فقد قال هشيم: سمعت عبد العزبز بن صهيب يحدث عن أنس.
والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 11)، والمقصد العلي (429)، وقال في المجمع: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
وذكره البوصيري في الإِتحاف (1/ 125/ ب)، وعزاه لأبي يعلى والبزار وسكت عليه. وحسّنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (4/ 409: 1799).اهــ
قال الحافظ في الفتح : أخرجه أبو يعلى بإسناد قوي .
قال الضياء المقدسي في المختارة (3/17) : إسناده حسن .
أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء. قاله ابن عبد البر في الاستذكار، وكذا قال نحوه ابن الملقن في التوضيح.
قالت اللجنة الدائمة :
ج2: لا تجوز النياحة ولا الندب، والندب هو: تعداد محاسن
الميت، ومما يدل على التحريم حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة، أخرجه أبو داود، والنوح هو رفع الصوت بتعديد شمائل الميت ومحاسن أفعاله، وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننوح متفق عليه.
والحديثان دالان على تحريم النياحة وتحريم استماعها، إذ لا يكون اللعن إلا على محرم، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية، وفيهما أيضًا: من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا بريء ممن حلق وسلق وخرق، والحلق: حلق الشعر عند
المصيبة، والسلق: رفع الصوت بالبكاء عند المصيبة، والخرق: خرق الثياب عند المصيبة، ومثل ذلك شقها، وفي الباب غير ذلك.اهــ
النياحة من أمر الجاهلية:
عن أبي مالك الإشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة و قال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة و عليها سربال من قطران و درع من جرب] انفرد باخراجه مسلم
النياحة من الشيطان: وعن عبيد بن عمير عن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة قلت: غريب و في أرض غريبة لأبكينه بكاء يتحدث عنه فكنت قد تهيات للبكاء عليه إذا أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال: أتريدين أن يدخل الشيطان بيتا أخرجه الله منه مرتين؟] فكففت عن البكاء فلم أبك انفرد بإخراجه مسلم
النياحة من الكبائر:
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: النياحة على الميت من أمر الجاهلية فإن النائحة إذا لم تتب قبل أن تموت فإنها تبعث يوم القيامة عليها سربال من قطران ثم يعلى عليها بدرع من لهب النار] رواه ابن ماجة من رواية عمر بن راشد اليمامي و قد ضعفه غير واحد و قد روي في صحيح مسلم بأتم من هذا وأبين
[وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الخامشة وجهها و الشاقة ثوبها و الداعية بالويل و الثبور] رواه ابن ماجة و الثبور: الهلاك ومنه قوله تعالى: {دعوا هنالك ثبورا} أي صاحوا: وا هلاكاه
[و عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم النائحة و المستمعة] رواه أبو داود
والفخر بمجرد النسب لا يجوز، وقد ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا … أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ”. فالفخر بالأحساب من أمور الجاهلية
“أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ”
“مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ”
فمع أن هذا الشرف لم ينفع بقية قبيلته كأعمامه الذين حرموا من متابعته ومنهم: عمه أبو لهب –
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في القول المفيد : والأنواء: هي منازل القمر، وهي ثمان وعشرون منزلة، كل منزلة لها نجم تدور بمدار السنة. وهذه النجوم بعضها يسمى النجوم الشمالية، وهي لأيام الصيف، وبعضها يسمى النجوم الجنوبية، وهي لأيام الشتاء، وأجرى الله العادة أن المطر في وسط الجزيرة العربية يكون أيام الشتاء، أما أيام الصيف; فلا مطر.
فالعرب كانوا يتشاءمون بالأنواء، ويتفاءلون بها; فبعض النجوم يقولون: هذا نجم نحس لا خير فيه، وبعضها بالعكس يتفاءلون به فيقولون: هذا نجم سعود وخير، ولهذا إذا أمطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، ولا يقولون: مطرنا بفضل الله ورحمته، ولا شك أن هذا غاية الجهل.
ألسنا أدركنا هذا النوء بعينه في سنة يكون فيه مطر وفي سنة أخرى لا يكون فيه مطر؟ ونجد السنوات تمر بدون مطر مع وجود النجوم الموسمية التي كانت كثيرا ما يكون في زمنها الأمطار.
فالنوء لا تأثير له; فقولنا: طلع هذا النجم، كقولنا: طلعت الشمس; فليس له إلا طلوع وغروب، والنوء وقت تقدير، وهو يدل على دخول الفصول فقط.
وفي عصرنا الحاضر يعلق المطر بالضغط الجوي والمنخفض الجوي، وهذا وإن كان قد يكون سببا حقيقيا، ولكن لا يفتح هذا الباب للناس، بل الواجب أن يقال: هذا من رحمة الله، هذا من فضله ونعمه، قال تعالى:{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } 1 وقال تعالى:{ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ
فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ } 1.
فتعليق المطر بالمنخفضات الجوية من الأمور الجاهلية التي تصرف الإنسان عن تعلقه بربه.
فذهبت أنواء الجاهلية، وجاءت المنخفضات الجوية، وما أشبه ذلك من الأقوال التي تصرف الإنسان عن ربه – سبحانه وتعالى -. نعم، المنخفضات الجوية قد تكون سببا لنزول المطر، لكن ليست هي المؤثر بنفسها، فتنبه. انتهى
الاسقاط النجمي
قال بعض الباحثين : فمصطلح “الإسقاط النّجمي” ظهر لي -بعد التأمّل والشّرح الوارد في السؤال- أنّه علمٌ فلسفيٌّ؛ أي: مِن علوم الفلاسفة؛ لأنّ مداره على النفس وقدراتها واتصالها بالبدن وانفصالها عنه، وهذه النّفس هي: الروح التي خلقها الله، وجعلها قوامًا لحياة البدن، ويسمّيها الفلاسفةُ “النفسَ الناطقة”، وهي عندهم من المجرّدات التي لا تقوم بها أيُّ صفة.
ولعلَّ هذا المصطلح -الإسقاط النجمي- يمزج بين علم التنجيم الذي يقوم على تأثير النجوم والأحوال الفلكيّة في الحوادث الأرضيّة، وعلم الرُّوحانيّة، الذي يُعنى به الفلاسفة. ولا ريب أنّ ما ذُكر في السؤال عما يُسمَّى بالإسقاط النجمي فيه حقٌّ وباطل، ويحصل الفرقان في ذلك بمعرفة ما قامت عليه الأدلّة مِن الكتاب والسنّة والعقل والفطرة، فكل ما وافقها: فهو حقٌ، وكل ما ناقضها: فهو باطل، وما ليس مِن هذا ولا هذا: فهو محلّ نظرٍ وتردد.
وقد دلّ الكتاب والسنّة على أنّ الإنسان مركّبٌ مِن جسمٍ وروح، فالجسم: هو بدنه المحسوس المشاهد، وهو الذي خلقه الله أطوارًا: نطفة، فعلقة، فمضغة، حتى يكتمل خلقه وتصويره، قال تعالى: }وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{[المؤمنون:12-14]، وقال تعالى: }هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ{[آل عمران:6] كل هذا يتعلّق بالجسم المحسوس المشاهد.
وأمّا الرّوح: فهي المخلوقة التي تُنفخ في هذا الجسم بفعل ملَك الأرحام؛ كما دلّ على ذلك حديث ابن مسعود في الصحيحين، قال صلّى الله عليه وسلّم بعد ذكر أطوار تكون الجسم: (ثمّ يُرسلُ إليه الملكُ فينفخُ فيه الرّوحَ)، وبنفخ الرّوح في الجسم: يصير حيًا ويحصل له الإحساس والحركة، وكان قبل ذلك ميتًا لاحسّ ولا حركة، وهذه الروح مع قربها واتّصالها ببدن الإنسان هي مِن عالم الغيب، لا يعرف النّاس مِن حالها إلّا ما دلّت عليه النّصوص، وما يظهر مِن آثارها على البدن.
وقد علم بدلالة الكتاب والسنّة أنّ الروح تتصل بالبدن وتنفصل عنه، فأوّل اتّصال هو ما يكون بنفخ الملك، وأعظم انفصال هو ما يكون بالموت، ودونه ما يكون بالنوم، وهو ما تشير إليه الآية الواردة في السؤال: ﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ﴾[الزمر: 42] الآية.
ومما تقدّم يُعلم أنّ القول بأنّ الإنسان مركبٌ مِن جسمٍ مادي -وهو بدنُه- ومِن نفسٍ -وهي الروح-: أنّ هذا القول حقٌ، وهي مرتبطة بهذا البدن، أمّا تسميتها “بالجسم النّجمي” فهي تسميةٌ ترجع إلى اعتقاد باطل، وهو أنّ هذه النّفس تنشأ مِن إسقاط النّجم، وهذا يتفق مع ما يزعمه المنجِّمون مِن أنّ لكلّ إنسان نجمًا، وهي: الطوالع، فهذا طالعه سَعد، وهذا طالعه نَحس! وهو زعمٌ باطل، فالرّوح تحلّ في بدن الجنين بنفخ الملك كما تقدّم، ولا أثر للنجوم في وجود بدن الإنسان ولا نفسه.
ومِن الباطل مما ذُكر في شرح مصطلح “الإسقاط النجمي، والجسم النجمي” الأمور الآتية:
١- أن الجسم النجمي -كما يسمونه- مرتبط بالجسم المادي بخيط فضي! فهذا محضُ زعمٍ وخيال.
٢- دعوى أن الإنسان يتحكم في مفارقة روحهِ -الجسم النجمي- لبدنه، وأنّها إذا فارقت البدن تتنقَّلُ في أرجاء العالم وفي الفضاء وبين المجرات! وكلّ هذا بزعمهم حقيقة لا في نوم ولا خيال، بل هذا الزعم هو الباطل والخيال، والحقُّ: أن الرّوح لا تفارق البدن إلا بالموت أو النوم، ففي الموت يكون الفراق كليًا، وفي النوم تفارقه نوعًا وقدْرًا مِن المفارقة، وبهذا يُعلم أنّ ما يُسمَّى: بعلم “الإسقاط النجمي” مزيجٌ من الكذب والخيال، ومن بعض مذاهب الفلاسفة والمنجمين، ومِن الباطل العملي المتعلق بمفارقة الروح ما ذُكر عن بعض المدربين من الوسائل التي تساعد بزعمهم على مفارقة الروح للبدن، وهي أشبه ما تكون بطرائق السّحرة والمشعوذين.
٣- دعوى بعضهم أن قصة عمر المشهورة مع القائد سارية هي مِن قبيل تصرف الروح “الجسم النجمي” عند مفارقتها الجسم المادي! وهذا يناقض ما عليه علماء الإسلام، فعندهم أنّ قصة عمر هذه مِن قبيل كرامات الأولياء، مِن نوع الخارق الكشفي البصري والسّمعي؛ فعمر رأى، وسارية سمع، مع بُعد ما بينهما، وقد أصبح ذلك واقعًا بالتجربة كما في وسائل الاتصال والتواصل البصري والسّمعي في هذا العصر.
٤- دعوى بعضهم أن الإسراء والمعراج هو كذلك مِن مفارقة الروح للبدن، وعليه فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- إّنما أُسري وعُرِج بروحه، والصّواب عند المحققين أنّ الإسراء والمعراج كانا يقظةً لا منامًا، وكان بشخصه -صلّى الله عليه وسلّم- بروحه وجسده؛ كما قال تعالى: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ{[الإسراء:1]، و”العبد”: اسم لمجموع الرّوح والبدن، وهذا أدل على القدرة الإلهّية والفضيلة النّبوية.
إذا عُلِمَ ما تقدّم؛ فإني أقول: لا يجوز تعلُّم هذا العلم الذي يسمى “الإسقاط النّجمي”، ولا تعليمُه، ولا ممارسته، ومَن يفعل ذلك فهو مِن المفسدين، ويجب الإنكار على محترفيه والداعين إليه، والله أعلم .
وفي كتاب ” حركة العصر الجديد ” ص419 : الخروج من الجسد Out of body experience
ينبني الاعتقاد بالخروج من الجسد – أو ما يطلق عليه الطرح الروحي ، أو الإسقاط النجمي (Astral projection) على الاعتقاد بجسم نجمي أو أثيري غير الجسم المادي للإنسان ، و بعالم أثيري يتحول فيه ذلك الجسم ، حتى أن الإنسان ليرى جسده الذي خرج منه ، وزواياه من منزله لا يمكنه رؤيتها من موضع جسده . ويرى الممارسون للخروج من الجسد أنها تجربة روحانية رهيبة يتحرر فيها الإنيان من قيود المادة ، ويعيدونها ( عليميًا إلى مايسمى التجارب المقاربة للموت (Near Death Experience ) حيث يحكي أناس شارفوا على الموت قصصًا عن خروج أرواحهم من أبدانهم ومرورهم بتجارب روحانية جميلة ثم عودتها إلى الأبدان مرة أخرى ، وهذه الظاهرة –بالطب- يعتمد ثبوتها كليا على روايات المجربين ، وهي – إن صدقت رواياتهم – لا بد أن تكون خيالات أو صور عقلية ربما أثارتها التجربة العنيفة ، وذلك أن تلك الروايات لا تتوافق مع ما ثبت بالنصوص الشرعية عن قبض الأرواح و عالم البرزخ ، أو حتى مقدماته ، و رغم أن جل ما سجلت رواياتهم هم من غير المسلمين ، إلا أن كثيرا منهم يصفون تجاربهم بالمتعة و النعيم ، وهو مالا يتصور عند قبض روح الكافر و لا مقدماته .
وهذا المعتقد تابع – في الأصل – من فلسفة اليوغا الهندوسية ، ويدعيه أهل التصرف و أصحاب الخطوة ، قتجد نساك هؤلاء و أولئك يزعمون التنقل إلى أماكن بعيدة في أوقات قصيرة ، و أن بعضهم يشاهد في مكانين في الوقت ذاته ، ويرون ؟إمكانية تحصيل هذه القدرة الخارقة بفعل رياضات متقدمة و تدريبات دقيقة . و له أصول في الفلسفات الباطنية الغربية كالهرمسية و الأفلاطونية المحدثة و الثيوصوفي ، و إن كان التنقل في تلك التيارات هو في أبعاد غير مادية ، بينما الممارسات الحديثة تتيح التنقل في العالم المادي بالإضافة إلى العوالم غير المادية . كما يوجد ذكر الخروج من الجسد في الديانات المصرية القديمة ، و إمكانية الخروح من الجسد ((للحكماء المستنيرين)) أمر موجود في المعتقدات الطاوية كذلك .
غير أن الذي ابتدأها بصورتها الحالية هي مدام بلافاتسكي و فلسفتها في الثيوصوفي . كما اشتهر كل من إيمانيول سيودنبرغ و ألستر كرولي بممارسة الخروج من الجسد . وهي ممارسة منتشرة بين أتباع حركة (( العصر الجديد )) ويتعبر أوشو من كبار المروجين لها .
لما انتقلت هذه الفلسفة إلى العالم الإسلامي ، طبقت على المفاهيم الشرعية ، ولويت أعماق النصوص لتتمشى مع فلسفات الشرق الباطنية ، ففسر الجسم الأثيري (( بالروح )) أو (( النفس )) و استدل على إمكانية خروج الروح من البدن في ما دون الموت بحالها عند النوم ، كما في قوله تعالى : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)(الرمز، آية 42) ، و حديث النبي صلى الله ليه و سلم لما نام الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة : إن الله قبض أرواحكم حين شاء ، و ردها حين شاء ، فقاسوا خروج (( الجسم الأثيري )) من البدن يروح و يجيء و يتحول بمحض إرادته حيث أراد ، على قبض روح الإنسان عند المنام . و القبض في اللغة ضد البسط ، و يأتي بمعنى المسك و الحبس ، قال القرطبي في تفسير الآية : (( فقيل : يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها ( ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ) وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها )) ، فالروح المقبوضة ناقصة التصرف ، وليست زائدة فيه .
ربما تكون المدربة مها هاشم أبرز من تحدث عن ظاهرة الإسقاط النجمي – أوأقام لها دورات تدريبية في المملكة العربية السعودية، ولها دورة إلكترونية عبر الشبكة يمكن الاطلاع على أجزاء منها في موقعها الرسمي، تؤكد فيها أن الخروج من الجسد ليس نتيجة للإيحاء ، وإنما هو خروج حقيقي، وانفصال موقت الجسم الأثيرية عن الجسم المادي، مشبهة هذا الخروج بقبض الروح عند المنام . كما تبین مها هاشم أن الإسقاط النجمي بحصل بإرادة الشخص المجردة دون الاستعانة بالجن، أو العقاقير المهلوسة ولا بقراءة الترنيمات الشركية وعندما بفصل الجسم الأثيركي بنقل من العالم المشهود إلى عالم الأفكار ” . ولا نعلم ما هو عالم الأفكار هذا ، إذ لم يثبت وجوده بالشرع ولا بالحس و سياقه يوحي بان المقصود به هو الوعي الصرف، لاسيما مع الإحالات الصريحة للفلسفة الشرقية ومفاهيم اليوغا التي تهدف إلى التحقق من وحدة الوجود .
تقول مها هاشم في وصفها الخطوات العملية للخروج من الجسد: الترنيمة تستخدم طاقة الحرف في التأثير على الشكرات، لتساعد الشخص على تذكر و استرجاع الأحلام ، وهي شكرة العين الثالثة، وشكرة التاج. وهي ترنيمة تقال عقليا أي غير منطوقة يقولها الشخص… فتزيد قدرته على تذكر الأحلام .الترنيمة تكون نطق حرف الميم عقليا بشكل متصل، وكالصدى تبدا عادية و تتتدرج في الخفوت إلى أن تنتهي منها ، تعيدها عدة مرات للتأثير على الشكرات العلوية .
إن دعاوى القدرة على الخروج من الجسد و التجول في أرجاء العالم المشهود أو غيره تفتقر إلى أي دليل حسي ، وهي في الوقت ذاته تقوم على فلسفات غيبية لا أصل لها في الشرع ، بل أصولها جميعا تلجأ إلى الديانات الشرقية و الفلسفات الباطنية ، وفي مقابل الخطر الذي تشكله هذه الممارسة المزعومة ، لا يكاد يكون لها نفع يذكر ، سوى ما يدعيه أصحابها من الإحساس بالحرية واللذة .
أما إذا أردنا تفسير ما قد يظنه بعض الممارسين من نوع من الخروج من الجسد، فإنه يكون أحد الاحتمالات التالية :
- أن يكون من الرؤى و المنامات ، التي قد تكون من الله ، وقد تكون من الشيطان فالغالب من هذه الممارسات يحصل في المنام أو في حالة قريبة منه .
- أن يكون نتيجة لبعض الأمراض العقلية أو النفسية التي تجعل الإنسان بمعزل عن الواقع ، لا يمكنه التمييز بين مخادعة عقله و الواقع الحسي .
و ربما استدل بعضهم بحادثة الإسراء و المعراج على إمكانية الخروج من الجسد وهو أمر مردود بأمور :
أن القلة الذين قالوا أن الإسراء و المعراج كانا بالروح فقط ، ذكروا بأن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه و سلم و معجزاته ، و أنه غيره لا يمكن أن تتجول أرواحهم خارج أجسادهم ، ولا تفارقها – في غير القبض – إلا عند الموت .
قال ابن أبي العز : (( أراد أن الروح ذاتها أسري بها ، ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، و يجعلان هذا من خصائصه ، فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .
أن الراجح الذي عليه الدليل ، أن الإسراء و المعراج كانا بالروح و الجسد معا ، لا بالروح فقط . و من الأدلة على ذلك مايلي :
– قول الله تعالى : سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الإسراء و كلمة العبد إنما تصدق على مجموع الروح و الجسد معا ، فلا يصح أن يقال : عبد على مجرد الروح منفردة ، و كذل لا يصح أن تطلق الجسد ؛ لأن الجسد بلا روح هو جثى عبد و ليس عبدًا .
– أن ركوب النبي صلى الله عليه و سلم على البراق يدل على أن الإسراء كان بجسده عليه الصلاة والسلام . لأن الروح ليس من شأنه الركوب على الدواب كما هو معروف
و غير ذلك من الأدلة المعروفة في كتب التوحيد .ا.هـ
ومن كلام شيخ الاسلام في نقض هذه الخرافة : ولهذا يأمر مثل هؤلاء أن يجمع الإنسان همّته على أي شيء كان، ويقولون: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به، وقد يأمرون بالعشق ليجتمع قلب العاشق على شيء، وإن كان ذلك المعشوق لا ينفع، ولا يضر، وكذلك يعبدون ما لا ينفع، ولا يضر، فمقصودهم جمع الهمّة على شيء، حتى تثبت النفس .
” قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وبين عبادات أهل الشرك والنفاق ”
وانظر كتاب ” الرقية الشرعية أصول ومسائل ” للشيخ جاسم العبيدلي .