79 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال البخاري رحمه الله تعالى في كتاب العلم من صحيحه:
باب فضل من علم وعلم
79 – حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به قال أبو عبد الله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت الماء قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض
فوائد الباب
1 – قوله (فضل من علم وعلم) “من” هنا بمعنى الذي أي هذا بيان فضل الذي تعلم العلم وعلمه غيره.
2 – حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي في السنن الكبرى.
3 – فيه ضرب الأمثال في الدين، والعلم، والتعليم قاله المهلب ونقله ابن بطال.
4 – هي أمثال ضربت لمن قبل الهدى وعلِم، ثم علّم غيره، فنفعه الله ونفع به، ولمن لم يقبل الهدى، فلم يَنتفع بالعلم ولم يُنتفع به. قاله الخطابي في أعلام الحديث.
5 – قوله (مثل ما بعثني الله به) وعند أبي يعلى وعنه ابن حبان في صحيحه حديث رقم 4 ” إن مثل ما آتاني الله من الهدى والعلم”.
6 – قوله (من الهدى والعلم) بالجر عطفًا على الهدى من عطف المدلول على الدليل، لأن الهدى هو الدلالة الموصلة للمقصد والعلم هو المدلول وهو صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض، والمراد به هنا الأدلة الشرعية قاله القسطلاني في إرشاد الساري.
7 – قوله (الإخاذات) والإخاذات مساكات الماء، واحدتها إخاذة قاله الخطابي في أعلام الحديث.
تنبيه (الإخاذات) غير موجودة في المطبوع لصحيح البخاري، لكن ذكرها ابن حجر لأنها موجودة في الرواية التي اعتمد عليها في الشرح.
قال ابن حجر: (إخاذات) كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها ألف جمع إخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء، وفي رواية غير أبي ذر وكذا في مسلم وغيره (أجادب) …. ثم ذكر أوجه لضبطها (راجع فتح الباري)
8 – قوله (فأنبتت الكلأ والعشب) هو من ذكر الخاص بعد العام قاله الحافظ ابن حجر في الفتح.
9 – ” جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مراتب أهل العلم دون أن يشذ منها شيء فالأرض الطيبة النقية هي مثل الفقيه الضابط لِمَا رَوَى الفَهِم للمعاني التي يقتضيها لفظ النص المتنبه على رد ما اختلف فيه الناس إلى نص حكم القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الأجادب الممسكة للماء التي يستقي منها الناس فهي مثل الطائفة التي حفظت ما سمعت أو ضبطته بالكتاب وأمسكته حتى أدته إلى غيرها غير مغير ولم يكن لها تنبه على معاني ألفاظ ما روت ولا معرفة بكيفية رد ما اختلف الناس فيه إلى نص القرآن والسنن التي روت لكن نفع الله تعالى بهم في التبليغ فبلغوه إلى من هو أفهم بذلك فقد أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا إذ يقول فرب مبلغ أوعى من سامع وكما روي عنه عليه السلام أنه قال فرب حامل فقه ليس بفقيه قال أبو محمد فمن لم يحفظ ما سمع ولا ضبطه فليس مثل الأرض الطيبة ولا مثل الأجادب الممسكة للماء بل هو محروم معذور أو مسخوط بمنزلة القيعان التي لا تنبت الكلأ ولا تمسك الماء. قاله ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام
10 – فمن استطاع منكم فليكن من أمثال الأرض الطيبة فإن حرم ذلك، فمن الأجادب، وليس بعد ذلك درجة في الفضل والبسوق، ونعوذ بالله من أن نكون من القيعان، لكن من استقى من الأجادب ورعى من الطيبة فقد نجا وبالله التوفيق قاله ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام.
11 – قال شيخ الإسلام رحمه الله:
ومن المستقر في أذهان المسلمين:
أن ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء هم الذين قاموا بالدين علما وعملا ودعوة إلى الله والرسول
فهؤلاء أتباع الرسول حقا وهم بمنزلة الطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير فزكت في نفسها وزكى الناس بها.
وهؤلاء هم الذين جمعوا بين البصيرة في الدين والقوة على الدعوة ولذلك كانوا ورثة الأنبياء الذين قال الله تعالى فيهم: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار}
فالأيدي القوة في أمر الله والأبصار البصائر في دين الله فبالبصائر يدرك الحق ويعرف وبالقوة يتمكن من تبليغه وتنفيذه والدعوة إليه.
وهؤلاء الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم {نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها؛ ثم أداها كما سمعها؛ فرب حامل فقه وليس بفقيه؛ ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه}.
وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة؛ وترجمان القرآن. مقدار ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ نحو العشرين حديثا الذي يقول فيه: ” سمعت ورأيت ” وسمع الكثير من الصحابة وبورك له في فهمه والاستنباط منه حتى ملأ الدنيا علما وفقها قال أبو محمد بن حزم: وجمعت فتواه في سبعة أسفار كبار وهي بحسب ما بلغ جامعها وإلا فعلم ابن عباس كالبحر وفقهه واستنباطه وفهمه في القرآن بالموضع الذي فاق به الناس وقد سمعوا ما سمع وحفظوا القرآن كما حفظه ولكن أرضه كانت من أطيب الأراضي وأقبلها للزرع فبذر فيها النصوص فأنبتت من كل زوج كريم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وهمة ابن عباس: مصروفة إلى التفقه والاستنباط وتفجير النصوص وشق الأنهار منها واستخراج كنوزها.
وهكذا ورثتهم من بعدهم: اعتمدوا في دينهم على استنباط النصوص لا على خيال فلسفي ولا رأي قياسي ولا غير ذلك من الآراء المبتدعات. لا جرم كانت الدائرة والثناء الصدق والجزاء العاجل والآجل: لورثة الأنبياء التابعين لهم في الدنيا والآخرة. فإن المرء على دين خليله {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}.
وبكل حال: فهم أعلم الأمة بحديث الرسول وسيرته ومقاصده وأحواله. ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا واتباعه باطنا وظاهرا وكذلك أهل القرآن.
وأدنى خصلة في هؤلاء: محبة القرآن والحديث والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما.
قاله في مجموع الفتاوى 4/ 92
وبنحوه كلام لابن القيم في الوابل الصيب 1/ 58
12 – وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضا:
-ثم القلب للعلم كالإناء للماء والوعاء للعسل والوادي للسيل، كما قال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} الآية
وقال النبي صلى الله عليه وسلم {إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا: فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير … }
وفي حديث كميل بن زياد عن علي رضي الله عنه قال: القلوب أوعية فخيرها أوعاها.
وبلغنا عن بعض السلف قال: القلوب آنية الله في أرضه فأحبها إلى الله تعالى أرقها وأصفاها.
وهذا مثل حسن فإن القلب إذا كان رقيقا لينا كان قبوله للعلم سهلا يسيرا ورسخ العلم فيه وثبت وأثر وإن كان قاسيا غليظا كان قبوله للعلم صعبا عسيرا.
ولا بد مع ذلك أن يكون زكيا صافيا سليما حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمرا طيبا وإلا فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفسد ذلك العلم وكان كالدغل في الزرع إن لم يمنع الحب من أن ينبت منعه من أن يزكو ويطيب وهذا بين لأولي الأبصار.
و تلخيص هذه الجملة أنه إذا استعمل في الحق فله وجهان:
إذا ما وضعت القلب في غير موضع
بغير إناء فهو قلب مضيع
فإنه لما أراد أن يبين حال من ضيع قلبه فظلم نفسه بأن اشتغل بالباطل وملأ به قلبه حتى لم يبق فيه متسع للحق ولا سبيل له إلى الولوج فيه ذكر ذلك منه فوصف حال هذا القلب بوجهيه ونعته بمذهبيه فذكر أولا وصف الوجود منه فقال: إذا ما وضعت القلب في غير موضع. يقول إذا شغلته بما لم يخلق له فصرفته إلى الباطل حتى صار موضوعا فيه. ثم الباطل على منزلتين:
إحداهما: تشغل عن الحق ولا تعانده مثل الأفكار والهموم التي في علائق الدنيا وشهوات النفس.
والثانية: تعاند الحق وتصد عنه مثل الآراء الباطلة والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع وشبه ذلك بل القلب لم يخلق إلا لذكر الله فما سوى ذلك فليس موضعا له.
ثم ذكر ” ثانيا ” وصف العدم فيه فقال بغير إناء ثم يقول: إذا وضعته بغير إناء ضيعته ولا إناء معك كما تقول حضرت المجلس بلا محبرة فالكلمة حال من الواضع. لا من الموضوع والله أعلم …..
قاله في مجموع الفتاوى. 9/ 314
13 – قال أيضاً:
فأخبر أن ما بعث به للقلوب كالماء للأرض
تارة تشربه فتنبت وتارة تحفظه وتارة لا هذا ولا هذا والأرض تشرب الماء وتغتذى به حتى يحصل الخير وقد أخبر الله تعالى أنه روح تحيا به القلوب فقال: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}.
قاله في مجموع الفتاوى.17/ 528
14 – أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين 2/ 411 – فصلا ذكر فيه جملة من الأمثال الواردة في الكتاب والسنة
قال رحمه الله: [من الأمثال التي ضربها اللَّه ورسوله]
وفي» الصحيحين:» مثلي ومثل ما بعثني اللَّه به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا، فكان منها طائفة قبلتِ الماءَ فأنبتتِ الكلأ والعُشْبَ الكثير، وكان منها أجادِبُ أمْسَكَت الماء، فنفع اللَّه بها الناس فشربوا وزرعوا وسَقَوا، وأصاب طائفةً أخرى منها إنما هي قيعانٌ، لا تمسك ماءً ولا تُنبت كلأ، فذلك مثل من فقُهَ في دين اللَّه ونفَعَه اللَّه بما بعثني به، فعَلِمَ وعَلَّم، ومثلُ مَن لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقْبل هدى اللَّه الذي أُرْسِلتُ به
وكذلك أورد فصلا فيه ذكر فيه مثلا للعلم والقلب؛ قال:
فصل [المثل المائي والناري في حق المؤمنين]
وقد ذكر اللَّه المثلين المائي والنّاري في سورة الرعد، ولكن في حق المؤمنين؛ فقال [تعالى]: {أنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رابِيًا ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ [ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والباطِلَ فَأمّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وأمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ] كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ} [الرعد (17)]، فشبه [سبحانه] الوحي الذي أنزله لحياة القلوب والأسماع والأبصار بالماء الذي أنزله لحياة الأرض بالنبات، وشبه القلوب بالأودية، فقلب كبير يسع علمًا عظيمًا كواد كبير يسع ماءً كثيرًا، وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير، فسالت أودية بقدرها، واحتملت قلوب من الهدى والعلم
بقدرها؛ وكما أن السيل إذا خالط الأرض ومرَّ عليها احتمل غثاءً وزبدًا فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوبَ أثار ما فيها من الشَّهوات والشُّبهات ليَقْلَعَها ويُذهبها، كما يثير الدواءُ وقتَ شُرْبه من البدن أخلاطَه [فيتكدَّر بها شاربه]، وهي من تمام نفع الدواء، فإنه أثارها ليذهَب بها، فإنه لا يجامعها ولا يساكنها؛ وهكذا يضرب اللَّه الحق والباطل.
ثم ذكر المثل الناري فقال: {ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ} وهو الخَبَثُ الذي يخرج عند سبك الذهب والفضة والنحاس والحديد فتُخرجُه النار وتميِّزه وتفصله عن الجوهر الذي ينتفع به فيُرمى ويُطرح ويذهب جُفاءً؛ فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار ذلك الزَّبدَ والغُثاءَ والخبث، ويستقر في قرار
الوادي الماءُ الصّافي الذي يستقي منه الناسُ ويزرعون ويسقون أنعامهم، كذلك يستقر في قرار القلب وجذره الإيمانُ الخالصُ الصّافي الذي يَنفع صاحبه ويَنْتفع به غيره؛ ومن لم
يفقه هذين المثلين ولم يتدبرهما ويعرف ما يُراد منهما فليس من أهلهما، واللَّه الموفق
15 – قال ابن القيم رحمه الله وهو يعدد أوجه فضائل العلم:
الوجه الثاني والاربعون
شبَّهَ -?-العلمَ والهدى الذي جاء به بالغيث؛ لِما يحصلُ بكلِّ واحدٍ منهما من الحياة والمنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد، فإنها بالعلم والمطر.
وشبَّه القلوبَ بالأراضي التي تقعُ عليها المطر؛ لأنها المحلُّ الذي يمسكُ الماء، فينبتُ سائر أنواع النبات النافع، كما أنّ القلوبَ تعي العلمَ فيثمرُ فيها ويزكو، وتظهرُ بركتُه وثمرتُه
ثمَّ قسَّم الناس إلى ثلاثة أقسام، بحسب قبولهم واستعدادهم لحفظه، وفهم معانيه، واستنباط أحكامه، واستخراج حِكَمه وفوائده:
أحدها: أهلُ الحفظ والفهم، الذين حَفِظُوه وعَقَلوه، وفهموا معانيه، واستنبطوا وجوهَ الأحكام والحِكَم والفوائد منه؛ فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قَبِلَت الماء، وهذا بمنزلة الحفظ. فأنبتت الكلأ والعشبَ الكثير، وهذا هو الفهمُ فيه والمعرفةُ والاستنباط؛ فإنه بمنزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء.
فهذا مثَلُ الحفّاظ الفقهاء، أهل الرواية والدراية ….. ثم ذكر بقية الأقسام
قاله في مفتاح دار السعادة 1/ 162
16 – قالَ القُرْطُبِيُّ وغَيْرُهُ ضَرَبَ النَّبِيُّ ? لِما جاءَ بِهِ مِنَ الدِّينِ مَثَلًا بِالغَيْثِ العام الَّذِي يَاتِي النّاس فِي حال حاجتهم إلَيْهِ وكَذا كانَ حال النّاسُ قَبْلَ مَبْعَثِهِ فَكَما أنَّ الغَيْثَ يُحْيِي البَلَدَ المَيِّتَ فَكَذا عُلُومُ الدِّينِ تُحْيِي القَلْبَ المَيِّتَ ثُمَّ شَبَّهَ السّامِعِينَ لَهُ بِالأرْضِ المُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَنْزِلُ بِها الغَيْثُ فَمِنهُمُ العالِمُ العامِلُ المُعَلِّمُ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ الأرْضِ الطَّيِّبَةِ شَرِبَتْ فانْتَفَعَتْ فِي نَفْسِها وأنْبَتَتْ فَنَفَعَتْ غَيْرَها ومِنهُمُ الجامِعُ لِلْعِلْمِ المُسْتَغْرِقِ لِزَمانِهِ فِيهِ غَيْرَ أنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِنَوافِلِهِ أوْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِيما جَمَعَ لَكِنَّهُ أدّاهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ الأرْضِ الَّتِي يَسْتَقِرُّ فِيها الماءُ فَيَنْتَفِعُ النّاسُ بِهِ وهُوَ المُشارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقالَتِي فَأدّاها كَما سَمِعَها ومِنهُمْ مَن يَسْمَعُ العِلْمَ فَلا يَحْفَظُهُ ولا يَعْمَلُ بِهِ ولا يَنْقُلُهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ الأرْضِ السَّبْخَةِ أوِ
المَلْساءِ الَّتِي لا تَقْبَلُ الماءَ أوْ تُفْسِدُهُ على غَيرها وإنَّما جمع فِي المَثَلَ بَيْنَ الطّائِفَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ المَحْمُودَتَيْنِ لِاشْتِراكِهِما فِي الِانْتِفاعِ بِهِما وأفْرَدَ الطّائِفَةَ الثّالِثَةَ المَذْمُومَةَ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِها واللَّهُ أعْلَمُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أنَّ فِي كُلِّ مَثَلٍ طائِفَتَيْنِ فالأوَّلُ قَدْ أوْضَحْناهُ والثّانِي الأُولى مِنهُ مَن دَخَلَ فِي الدِّينِ ولَمْ يَسْمَعِ العِلْمَ أوْ سَمِعَهُ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ ولَمْ يُعَلِّمْهُ ومِثالُها مِنَ الأرْضِ السِّباخُ وأُشِيرَ إلَيْها بِقَوْلِهِ ? مَن لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَاسًا أيْ اعْرِض عَنهُ فَلم ينْتَفع بِهِ ولا نَفَعَ والثّانِيَةُ مِنهُ مَن لَمْ يَدْخُلْ فِي الدِّينِ أصْلًا بَلْ بَلَغَهُ فَكَفَرَ بِهِ ومِثالُها مِنَ الأرْضِ الصَّمّاءِ المَلْساءِ المُسْتَوِيَةِ الَّتِي يَمُرُّ عَلَيْها الماءُ فَلا يَنْتَفِعُ بِهِ وأُشِيرَ إلَيْها بِقَوْلِهِ ? ولَمْ يَقْبَلْ هُدى اللَّهِ الَّذِي جِئْتُ بِهِ. قاله ابن حجر في الفتح
17 – وقالَ الطِّيبِيُّ بَقِيَ مِن أقْسامِ النّاسِ قِسْمانِ أحَدُهُما الَّذِي انْتَفَعَ بِالعِلْمِ فِي نَفْسِهِ ولَمْ يُعَلِّمْهُ غَيْرَهُ والثّانِي مَن لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي نَفْسِهِ وعَلَّمَهُ غَيْرَهُ قُلْتُ والأوَّلُ داخِلٌ فِي الأوَّلِ لِأنَّ النَّفْعَ حَصَلَ فِي الجُمْلَةِ وإنْ تَفاوَتَتْ مَراتِبُهُ وكَذَلِكَ ما تُنْبِتُهُ الأرْضُ فَمِنهُ ما يَنْتَفِعُ النّاسُ بِهِ ومِنهُ ما يَصِيرُ هَشِيمًا وأمّا الثّانِي فَإنْ كانَ عَمِلَ الفَرائِضَ وأهْمَلَ النَّوافِلَ فَقَدْ دَخَلَ فِي الثّانِي كَما قَرَّرْناهُ وإنْ تَرَكَ الفَرائِضَ أيْضًا فَهُوَ فاسِقٌ لا يَجُوزُ الأخْذُ عَنْهُ ولَعَلَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَن لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَاسًا واللَّهُ أعْلَمُ قاله ابن حجر في الفتح
18 – قال ابن المنير في «المتواري على أبواب البخاري» (ص60):
قلت: رضي الله عنك! إن قال قائل: ما موقع فضل العلم والتعلم من الحديث؟ وإنما هو تمثيل للحالين.
قيل له: قد شبه صاحب العلم في نفعه للخلق بالغيث، وشبه متحمل العلم في ذكائه بالأرض الطيبة المنبتة. وناهيك بهما فضلا. اهـ
19 – قال ابن العثيمين في «شرح رياض الصالحين» (2/ 295):
وفي هذا الحديث دليل على أن من فقه في دين الله، وعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعلم فإنه خير الأقسام …. إلى آخر كلامه رحمه الله
20 – قال ابن عثيمين أيضا:
وفي هذا الحديث دليل على حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام، ذلك بضرب الأمثال لأن ضرب الأمثال الحسية يقرب المعاني العقلية أي: ما يدرك بالعقل يقربه ما يدرك بالحس، وهذا مشاهد؛ فإن كثيراً من الناس لا يفهم، فإذا ضربت له مثلاً محسوساً فهم وانتفع، ولهذا قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (العنكبوت: 43) وقال تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (الروم: 58) فضرب الأمثال من أحسن طرق التعليم ووسائل العلم. والله الموفق. اهـ المصدر السابق
21 – قوله (قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي من الأرض)، عن ابن عباس، قوله (قَاعًا صَفْصَفًا) يقول: مستويا لا نبات فيه. أخرجه الطبري في تفسيره من طريق علي بن أبي طلحة عنه
22 – وفي الباب حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمه رواه البخاري وفي رواية له أيضا ” إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه”.
23 – وقف ابن حجر على شرح ابن رجب للبخاري فقال بعد أن بين ضبط لفظة (نقية): ثم قرأت في شرح ابن رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال: والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان بقية الناس، ومنه (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُو?لُوا? بَقِيَّة?) [سورة هود 116] انتهى
وهذا من القسم المفقود من فتح الباري لابن رجب ففي المطبوع حديث رقم 51 باب فضل من استبرأ لدينه ثم بدؤوا بكتاب الغسل
24 – قوله (حدثنا محمد بن العلاء) تابعه أبو بكر بن أبي شيبة، كما عند مسلم 2282 وأبو عامر الأشعري كما عند مسلم 2282
تابعه القاسم بن زكريا بن دينار كما عند النسائي في السنن الكبرى 5812
تابعه عبد الله بن محمد بن شاكر كما عند أبي عوانة في مستخرجه 10118
تابعه إسحق هو ابن راهويه كما ذكره البخاري في آخر الباب هنا.
25 – قوله (عن بريد بن عبد الله) وعند النسائي في السنن الكبرى ” حدثني يزيد بن عبد الله”.
26 – قوله (عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى) فيه رواية الرجل عن جده عن أبي جده.