78 – فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري وإبراهيم المشجري وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
78 – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج 1 ص 54): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ «لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا مَا وَارَى إِبِطُ بِلَالٍ».
هذا حديث صحيحٌ رجاله رجال الصحيح، إلا علي بن محمد شيخ ابن ماجه، ولابن ماجه شيخان كلاهما اسمه علي بن محمد، ولكن ابن ماجه بالرواية عن الطنافسي أشهر، فيحمل عليه عندما يهمله، والله أعلم.
الحديث أخرجه الترمذي (ج 7 ص 170) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 120) فقال: ثنا وكيع به.
وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 286) فقال: ثنا عفان، ثنا حماد بن سلمة به.
وأخرجه أبو يعلى (ج 6 ص 145) فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة به.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة (ج 14 ص 300) فقال رحمه الله: حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة به.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الترمذي في جامعه عقب الحديث 2472: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ “.
* قال البزار في مسنده 3205: ” وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس “.
* أورد الحديث المقدسي في المختارة (1633).
* صححه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجه 151، ويراجع «مختصر الشمائل» (116)، «الصحيحة» (2222).
* قال محققو سنن ابن ماجه (1/106): ” إسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (2640) من طريق روح بن أسلم، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. وقال: حديث حسن صحيح. وهو في “مسند أحمد” (12212)، و”صحيح ابن حبان” (6560)”.
* قال محقق مسند أبي يعلى 3433: ” إسناده صحيح ”
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1- تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب ابن ماجه على الحديث باب فضل سلمان وأبي ذر والمقداد، وأورد تحته من الأحاديث غير حديث الباب:
- عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ
- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: عَلِيٌّ مِنْهُمْ، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالْمِقْدَادُ” [ضعفه الألباني وضعف إسناده محققو سنن ابن ماجه]
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ، فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. [حسنه الألباني وحسن إسناده محققو سنن ابن ماجه ]
- عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ، أَنَّ شَاعِرًا مَدَحَ بِلَالَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ خَيْرُ بِلَالٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَذَبْتَ، لَا، بَلْ: بِلَالُ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرُ بِلَالٍ. [ ضعفه الألباني وضعف إسناده محققو سنن ابن ماجه]
تنبيه : هكذا وقع في سنن ابن ماجه هذا الحديث في فضائل سلمان وأبي ذر والمقداد، وربما حصل تقديم للحديث وإلا هو يخص الباب التالي وهو باب فضائل بلال.
* بوب ابن حبان في صحيحه (14/515) على هذا الحديث: ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه و سلم قد أوذي في إقامة الدين ما لم يؤذ أحد من البشر في زمانه.
* أورد ابن الأثير هذا الحديث تحت فصل فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه من الفقر، وأورد تحته من الأحاديث غير ما سبق:
- (خ م ت) عائشة – رضي الله عنها – : قالت : «كان يأتي علينا الشَّهرُ ما نُوقِدُ فيه نارا ، إنما هو التَّمر والماء ، إِلا أن يُؤتَى باللُّحَيمِ».
وفي رواية قالت: «ما شَبِعَ آلُ محمد من خُبزِ البُرِّ ثلاثا ، حتى مضى لسبيله».
وفي أخرى ، قالت: «ما شبع آلُ محمد مُنْذُ قَدِم المدينة من طعامٍ ثلاث ليالٍ تباعا حتى قُبِضَ».
وفي أخرى : «ما شبع آل محمد من خبز شعير يومين متتابعين حتى قُبِضَ رَسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-».
وفي أخرى ، قالت : «ما أَكلَ آلُ محمد أكلَتينِ في يومٍ واحدٍ إِلا وإِحداهما تمرٌ».
وفي أخرى : كانت تقول لعروة : «والله يا ابنَ أُختي ، إن كُنا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ ، ثم الهلالِ ، ثم الهلال – ثلاثة أَهلةٍ في شهرين – وما أُوقِدَ في أَبياتِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- نارٌ ، قال: قلتُ : يا خالةُ ، فما كان يُعِيشُكم ؟ قالت: الأسْوَدَان : التمر ، والماء ، إِلا أنه قد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- جيران من الأنصار، وكانت لهم مَنائِحُ ، فكانوا يُرْسِلُونَ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- من أَلبانها ، فَيسقِينَاهُ».
وفي أخرى قالت: «تُوفِّيَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حين شَبِعَ الناسُ من الأسودين : التمرِ والماء».
وفي رواية : «ما شَبِعْنا من الأسودين» هذه روايات البخاري ، ومسلم .
ولمسلم أيضا قالت: «لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبعَ من خبزٍ وزيتٍ في يوم واحد مرتين».
وأَخرج الترمذي، الرواية الأولى ، إلى قوله : «الماء» والرابعة.
وله في أُخرى عن مسروق، قال : «دخلتُ على عائشة ، فدعت لي بطعام فقالت: ما أَشْبَعُ فأشاء أَن أَبكيَ إِلا بكَيْتُ ، قلت: لِمَ ؟ قالت: أَذْكُرُ الحالَ التي فارق عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدنيا، والله ما شبع من خبزٍ ولحمٍ مرتين في يوم».
- (خ م ت) أبو هريرة – رضي الله عنه – :قال : «ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من طعامٍ ثلاثةَ أيام تِباعا ، حتى قُبِضَ».
وفي رواية ، قال أَبو حازم : «رأيت أبا هريرة يُشيرُ بإِصبَعِهِ مِرارا ، يقول : والذي نفس أبي هريرة بيده ، ما شبع نبيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام تِباعا من خبزِ حنطةٍ ، حتى فارق الدنيا».أخرجه البخاري، ومسلم .
وللبخاري : «أن أبا هريرة مرَّ بقوم بين أيديهم شاةٌ مَصْلِيَّةٌ ، فدعَوهُ ، فأبى أَن يأكلَ ، وقال : خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير».وأخرج الترمذي الرواية الثانية.
- (ت) أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه : سُمِع يقول : «ما كان يَفْضُلُ عن أَهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- خبزُ الشعير».أَخرجه الترمذي .
- (ت) عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : عنه قال : «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يَبيتُ اللياليَ المُتتابعةَ وأهلُه طاويا ، لا يجدون عَشاء، وإِنما كان أكثرُ خبزهم خبزَ الشعير».أخرجه الترمذي .
- (م ت) سماك بن حرب : سمع النعمان بن بشير – رضي الله عنه – يقول : «ألستم في طعامٍ وشرابٍ ما شئتم ؟ لَقد رَأَيت نبيَّكم وما يجد [من] الدَّقَلِ ما يَملأُ به بطنَه».أخرجه مسلم ، والترمذي .
- (م) النعمان بن بشير – رضي الله عنه – : قال : «ذَكَر عُمَرُ ما أصاب الناسُ من الدنيا، فقال: لقد رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَظَلّ اليوم يَلْتَوِي ، ما يجد من الدَّقَلِ ما يملأ به بطنه».أَخرجه مسلم، وقال فيه بعض الرواة : عن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فجعله من مسنده.
- (خ) قتادة : قال : «كنا نأْتي أَنس بن مالك – رضي الله عنه – وخَبَّازُهُ قائم ، فَيُقَدِّمُ إِلينا الطعام ، ويقول أنس : كلوا ، فما أعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رَغيفا مُرَقَّقا حتى لَحِقَ بالله، ولا رأَى شاة سَمِيطا بِعَينَيْهِ حتى لَحِقَ بالله».أخرجه البخاري.
- (خ) عائشة – رضي الله عنها – : قالت : «لَمَّا فُتحَت خيبرُ ، قلنا: الآن نَشْبعُ من التمر».أخرجه البخاري.
- (خ) عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : قال : «ما شَبِعْنَا من تمرٍ حتى فتحنا خيبر».أخرجه البخاري.
- (خ م ت) عائشة – رضي الله عنها – : قالت : «تُوفِّيَ رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ، وليس عندي شيء ذُو كَبِد ، إِلا شَطْرَ شعيرٍ في رَفّ لي ، فأَكلتُ منه ، حتى طال عليَّ فَكِلتُهُ ، فَفنِيَ».هذه رواية البخاري، ومسلم .
وفي رواية الترمذي، قالت: «تُوفِّيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندنا شَطرٌ من شعيرٍ في رفٍّ ، فأكلنا منه ما شاء الله ، ثم قلت للجارية : كِيلِيهِ ، فلم نَلبثْ أَن فَنِيَ ، فلو كنا تركناه لأكلنا منه أَكثر من ذلك».
- (خ م س) عائشة – رضي الله عنها – : قالت : «تُوفِّيَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودِرْعُهُ مَرهونةٌ عند يهوديٍّ في ثلاثين صاعا من شعير».أَخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
- (خ ت س) أنس بن مالك – رضي الله عنه – : قال : «رهن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- دِرْعَهُ بشعير، ومشَيْتُ إِلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بخُبزِ شَعِيرٍ وإِهالةٍ سَنِخَةٍ، ولقد سمعتُه يقول : ما أصبح لآل محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- إِلا صاعٌ ، ولا أمسي ، وإنهم لَتِسعَةُ أبيات».أَخرجه البخاري، والترمذي.
وفي رواية النسائي عن أنس : «أَنه مشى إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- بخبز شعير وإهالةٍ سَنِخة ، قال : ولقد رَهَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- دِرْعا له عند يهودي بالمدينة، فأخذ منه شعيرا لأهله».
- (ت) علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – : قال : «لقد خَرجتُ في يومٍ شاتٍ من بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقد أَخذتُ إهابا مَعْطونا، فَجَوَّبتُ وَسطَهُ فأدخلتُه عُنُقي ، وشَدَدَتُ وَسَطي ، فحزمتهُ بخُوص النخل ، وإني لَشديدُ الجوع ، ولو كان في بيت رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- طعامٌ لَطَعِمتُ منه ، فخرجت ألتمسُ شيئا ، فمررتُ بيهودي في مال له ، وهو يَسقي ببَكرة له : فاطلعت عليه من ثُلْمَةِ الحائط ، فقال : مالك يا أعرابي؟ هل لك في دَلْوٍ بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتحِ الباب حتى أَدخلَ ، ففتح فدخلتُ ، فأعطاني دلوه ، فكلما نزعت دَلْوا أعطاني تمرة، حتى إِذا امتلأت كفِّي أَرسلتُ دَلْوَه ، وقلتُ : حَسبْي ، فأكلتها ، ثم جَرَعت من الماء فشَرِبتُ ، ثم جئتُ المسجدَ فوجدتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فيه».أخرجه الترمذي.
- (م ط ت) أبو هريرة – رضي الله عنه – : قال : «خرج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ذاتَ يومٍ – أو ليلة – فإذا هو بأبي بكر ، وعمر، فقال : ما أَخرجكما من بيوتِكما هذه الساعة؟ قالا: الجوعُ يا رسولَ الله ، قال : وأَنا ، والذي نفسي بيده ، لأخرَجَني الذي أخرجكما، قوموا ، فقاموا معه ، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأةُ ، قالت: مَرحبا وأهلا، فقال لها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : أين فلان؟ قالت: ذهبَ يَستعْذِبُ لنا الماءَ، إذ جاء الأنصاريُّ، فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحِبَيْهِ ، ثم قال: الحمد لله ، ما أحدٌ اليومَ أكرمَ أضْيَافا مني، قال : فانطلق فجاءهم بعِذْقٍ فيه بُسْرٌ، وتمرٌ ، ورُطَبٌ ، فقال : كلوا ، وأخذ المُدْيَةَ ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إِيَّاكَ والحَلُوبَ ، فذبح لهم ، فأَكلوا من الشاة ، ومن ذلك العِذْقِ ، وشربوا ، فلما أَن شَبِعوا ورَوُوا ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر ، وعمر : والذي نفسي بيده ، لَتُسْألُنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة ، أَخرجكم من بيوتكم الجوعُ ، ثم لم ترجعوا حتى أَصابكم هذا النعيمُ».هذه رواية مسلم .
وفي رواية الموطأ ، قال : «بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[ص:692] دخل المسجد، فوجد أَبا بكر وعمر، فسألهما عن خروجهما؟ فقالا له : أَخرجنا الجوعُ ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : وما أخرجني إِلا الجوعُ ، فذهبوا إلى أَبي الهيثم بن التَّيْهَانِ ، فأمر لهم بشعيرٍ عندهم ، فَعُمِلَ ، وقام يذبح شاة ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : نَكِّبْ عن ذَاتِ الدَّرِّ ، فذبح شاة ، واستعذب لهم ماء مُعَلقا في نخلة ، ثم أتُوا بذلك الطَّعامِ ، فأَكلوا منه ، وشربوا من ذلك الماء ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لَتُسألُنَّ عن نعيم هذا اليوم».
وفي رواية الترمذي ، قال : «خرج النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في ساعة لا يخرج فيها ، ولا يلقاه فيها أحدٌ ، فأتاه أبو بكر ، فقال : ما جاء بك يا أبا بكر؟ قال: خرجتُ ألقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنظر في وجهه، والتسليمَ عليه ، فلم يلبَثْ أن جاء عمر، فقال : ما جاء بك يا عمر؟ قال : الجوع يا رسول الله ، قال : وأنا قد وجدت بعض ذلك ، فانطلقوا إلى منزل أَبي الهيثم بن التَّيْهان الأنصاريِّ ، وكان رجلا كثيرَ النخل والشاء ، ولم يكن له خدم، فلم يجدوه ، فقالوا لامرأته: أين صاحِبُكِ ؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء ، ولم يلبثوا أَن جاء أَبو الهيثم بقِرْبة يَزْعَبُها فوضعها ، ثم جاء يَلْتَزِمُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ، ويَفديه بأبيه وأُمِّه ، ثم انطلق بهم إلى حديقته ، فبسط لهم بِسَاطا ، ثم انطلق إِلى نخلة فجاء بِقِنْوٍ ، فوضعه ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : أَفلا تَنَقَّيْتَ لنا من رطبه؟ فقال: يا رسول الله ، إني أردت أَن [تختاروا – أو قال:] تَخَيَّروا – من رُطبه وبُسْرِهِ ،[ص:693] فأكلوا وشربوا من ذلك الماء ، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : هذا – والذي نفسي بيده – من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة : ظِلٌّ بَارِدٌ ، وَرُطَبٌ طَيِّبٌ ، وماءٌ باردٌ ،فانطلق أبو الهيثم ليصنع [لهم] طعاما ، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم- : لا تَذْبَحَنَّ ذَات دَرٍّ فذبح لهم عَناقا، أو جَدْيا ، فأتاهم بها ، فأكلوا ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : هل لك خادم ؟ قال : لا ، قال : فإِذا أَتانا سَبْيٌ فائتِنا ، فأُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : اخْتَرْ منهما، فقال : يا نبي الله ، اخْتَرْ لي ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن المُسْتَشَارَ مُؤتَمَنٌ ، خُذْ هذا ، فإني رَأَيتُه يُصلي ، واستَوصِ به معروفا ، فانطلق أبو الهيثم إِلى امرأته ، فأخبرها بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت امرأته : ما أنت بِبَالِغٍ فيه ما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلا أن تَعْتِقَه ، قال : فهو عتيق، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن الله لم يبعث نَبيّا ولا خليفة إِلا وله بِطَانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تأْلُوهُ خَبَالا ، ومن يُوقَ بطانةَ الشَّرِّ فقد وُقيَ».
- (خ) أبو هريرة – رضي الله عنه – : كان يقول : «اللهِ الذي لا إِلهَ إِلا هو إنْ كنتُ لأعْتَمِدُ بِكَبِدِي على الأرض من الجوع ، وإن كنتُ لأشُدُّ الْحَجَرَ على بطني من الجوع ، ولقد قعدتُ يوما على طريقهمْ الذي يخرجون منه ، فمرَّ أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله تعالى ، ما سألته إلا لِيَسْتَتْبِعَنِيِ ، فمرَّ ، فلم يفعل، ثم مرَّ عمر ، فسألته عن آيةٍ من كتاب الله ، ما سألته إلا ليستتبعني ، فمرَّ ، فلم يفعل»، ثم مرَّ بي أَبو القاسم -صلى الله عليه وسلم- ، فتبَسَّمَ حين رآني، وعرف ما في وجهي، وما في نَفْسي ، ثم قال : «يا أَبا هِرّ»، قلتُ : لَبَّيْكَ[ص:696] يا رسول الله ، قال : «الْحَقْ ، ومضى ، فاتَّبَعْتُهُ»، فدخل ، فاسْتَأْذَنَ ، فأُذِنَ لي، فدخل ، فوجد لبنا في قَدَحٍ، فقال: من أَين هذا اللبن؟ قالوا: أَهدَاهُ لك فُلانٌ ، أو فلانة ، قال : يا أبا هِرّ ، قلتُ : يا رسول الله ، قال : الْحَقْ إلى أَهل الصُّفَّة ، فادْعُهُم لي … وذكر الحديث بطوله ، وسيجيء في المعجزات من «كتاب النبوة» من حرف النون .
وفي رواية أخرى مختصرا ، قال : «أَصابني جَهْدٌ شديد، فلقِيتُ عمر بن الخطاب، فاسْتَقْرَأْتُهُ آية من كتاب الله ، فدخل دارَه وفتحها عَلَيّ، فمشَيْتُ غير بعيد ، فَخَرَرْت لوجْهي من الجوع ، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ على رأْسي، فقال : يا أبا هِرٍّ ، قلتُ : لبيك يا رسول الله، وسَعْدَيك ، فأخذ بيدي فأقامَنِي ، وعرف الذي بي ، فانطلق بي إلى رَحْلِهِ ، فأمر لى بِعُسٍّ من لبنٍ ، فشربتُ منه ، ثم قال لي : عُدْ يا أَبا هِرٍّ ، فَعُدْتُ فشربت، ثم قال : عُدْ فعدتُ فشربت ، حتى استوى بطني، فصار كالقِدْح ، قال : فلقيتُ عمر بعد ذلك ، وذكرت له الذي كان من أمري، وقلت له : فَوَلَّى الله ذلك مَنْ كان أَحَقَّ به منك يا عمر ، والله لقد اسْتَقْرأتُكَ الآية ولأنا أَقرأُ لها منك ، قال : عمر : والله ، لأن أَكونَ أَدْخَلْتُكَ أَحبُّ إِليَّ من أن يكون لي مثلُ حُمْرِ النَّعَمِ».أخرجه البخاري.
- (خ ت) أبو هريرة – رضي الله عنه – : قال : «إِن الناس كانوا يقولون : أَكْثَرَ أَبو هريرة ، وإِني كنت أَلْزَمُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لِشَبعِ بَطني ، حين لا آكُلُ الخَميرَ ، ولا ألبسُ الحرير، ولا يَخْدُمني فلانٌ وفلان ، وكنت أُلْصِقُ بَطني بِالحَصْبَاءِ من الجوع ، وإِن كنتُ لأستَقْرِىءُ الرجلَ الآية هي معي، كي يَنقَلِبَ بي فَيُطْعِمَني ، وكان خيرَ الناس للمساكين جَعْفَرُ بن أبي طالب، كان ينقلبُ بنا فَيُطْعِمُنا ما في بيته ، حتى إن كان لَيُخْرِجُ إلينا العُكَّةَ التي ليس فيها شيء ، فيشُقُّها فَنَلْعَقُ ما فيها».هذه رواية البخاري.[ص:698]
وفي رواية الترمذي ، قال : «إن كنتُ لأسألَ الرجل من أصحاب رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عن الآيات من القرآن ، أنا أَعلم بها منه ، ما أَسأله إِلا ليُطعِمَني شيئا ، وكنت إِذا سألت جعفر بن أَبي طالب لم يُجبني حتى يذهب بي إلى منزله ، فيقول لامرأته: يا أسماءُ أَطْعِمينا ، فإذا أطْعَمَتْنا أجابني ، وكان جعفر يُحِبُّ المساكين ، ويجلس إليهم، ويُحَدِّثُهم ، ويُحَدِّثُونه ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُكَنِّيهِ بأبي المساكين».
هذا الحديث قد أَخرجه الحميديُّ في كتابه مفردا في أَفراد البخاري، والذي قبله أَيضا مفردا في أفراد البخاري، وكلاهما يشتركان في معنى واحد، وقد كان الأَولى به أَن لا يفرقهما في موضعين ، اللَّهمَّ إِلا أَن يكون قد أَدرك فيهما ما أَوجب تفريقهما ، وما أظنه إِلا ذِكْر جعفر ابن أبي طالب ، والله أعلم .
- (ت) أبو هريرة – رضي الله عنه – : قال : «إِنَّهُم أَصابهم جوعٌ ، فأعطاهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- تَمْرَة تَمرة» أخرجه الترمذي.
- (م ) عتبة بن غزوان – رضي الله عنه – : قال : «لقد رأيتُني سابِعَ سَبْعَةٍ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ما طَعَامُنا إِلا وَرقُ الحُبْلَةِ ، حتَى قَرَحَتْ أشْدَاقُنا».أَخرجه مسلم.
- (ت) أبو طلحة – رضي الله عنه – : قال : «شَكَوْنا إِلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجوعَ، ورفعنا ثِيَابَنا عن حَجَرٍ حَجَرٍ إلى بُطونِنا ، فرفع رسول الله -صلى اللهعليه وسلم – عن حَجَرَيْنِ».أخرجه الترمذي.
- (خ م ت د س) خباب بن الأرت – رضي الله عنه – :قال : «هاجَرْنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَلْتَمِسُ وَجْهَ الله، فَوَقَعَ أَجْرُنا على الله ، فَمِنَّا مَنْ ماتَ لم يَأْكُلْ من أَجْرهِ شيئا، منهم مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ ، قُتِلَ يومَ أُحُدٍ ، فلم نَجِدْ ما نُكَفِّنُهُ به ، إِلا بُرْدَة إِذا غَطَّيْنَا بها رأْسَه خرجت رِجلاه ، وإذا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خرج رأسُهُ ، فأَمَرَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَن نُغَطِّيَ رأْسَهُ ، وأَن نجعل على رِجْلَيْهِ من الإذْخِر ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَه ثمرتُه ، فهو يَهْدِبُها».أخرجه [البخاري] ومسلم والترمذي.
وعند أبي داود قال : «مصعب بن عمير قُتِلَ يومَ أُحدٍ ، ولم يكن له إِلا نَمِرَةٌ، كنا إذا غَطَّيْنا بها رأسه … وذكر الحديث ، إلى قوله : من الإذخر».وأخرجه النسائي أَيضا.
- (خ) أبو هريرة – رضي الله عنه – : قال : «لقد رأيتُ سبعين من أَصحابِ الصُّفَّةِ ، ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ ، إِما إِزارٌ ، وإِما كِسَاءٌ ، قد رَبطُوا في أعناقهم ، منها ما يبلغ نصف السَاقَيْنِ ، ومنها ما يبلغ الكعبين ، فيجمعه بيده ، كَرَاهِيَةَ أن تُرَى عورتُه».أَخرجه البخاري.
- (ط) أنس بن مالك – رضي الله عنه – :قال : «رأيتُ عمر وهو يومئذ أميرُ المؤمنين ، وقد رَقَع بين كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ، لَبَّدَ بعضها على بعض».أخرجه الموطأ.
- (ت) عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – : قال : «أخبرني عمر بن الخطاب ، قال : دخلتُ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فإذا هو مُتَّكِىءٌ على رَمْلِ حَصِيرٍ ، فرأَيت أَثَرَه في جَنْبِهِ».وفي الحديث قصة .
هذا لفظ الترمذي ، والقصة : هي حديث إِيلاء النبي -صلى الله عليه وسلم- من أَزواجه، وهو مذكور في كتاب تفسير القرآن، في سورة التحريم من حرف التاء ، وقد أخرجه بطوله البخاري، ومسلم، ولم يُخَرِّج الترمذي [منه] إِلا هذا الفصل .
- (ت) عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – : قال : «ابتُلينَا مع رسولِ الله-صلى الله عليه وسلم- بالضَّرَّاء ، فصبرنا ، ثم ابتُلينا بعده بالسَّرَّاء فلم نَصْبِر».أَخرجه الترمذي.
- (خ ت) محمد بن سيرين : قال : «كُنَّا عند أبي هريرة – رضي الله عنه – ، وعليه ثوبان مُمَشَّقَانِ من كَتَّانٍ ، فتمخَّط، فقال : بَخٍ بَخٍ ، أبو هريرة يتمخط في الكَتان ، لقد رأيتُني وإني لأَخِرُّ فيما بين مِنْبَرِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حُجْرَةِ عائشة مَغْشِيا عليَّ ، فيجيءُ الجَائي ، فيضع رِجلَهُ على عُنُقي ، ويُرى أني مجنون، وما بي من جنون ، ما بي إلا الجوع».أَخرجه البخاري ، والترمذي.
- (ت) فضالة بن عبيد – رضي الله عنه – : «أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كان إِذا صَلَّى يَخِرُّ رجالٌ من قامتهم في الصلاة من الخَصَاصَة ، وهم أَصحابُ الصُّفَّة ، حتى يقول الأعراب: مجانين – أَو مَجَانُونَ – فإذا صلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- انْصَرَفَ إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله لأَحبَبتم أن تزدادوا فاقة وحاجة . قال فضالة : وأنا يومئذ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-». أخرجه الترمذي
2- شرح الحديث:
* قال الترمذي عقب إخراجه للحديث: ” وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ: حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ إِنَّمَا كَانَ مَعَ بِلَالٍ مِنَ الطَّعَامِ مَا يَحْمِلُهُ تَحْتَ إِبْطِهِ “.
* قال الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن (10/3317): ” قوله: ((لقد أخفت)) ((مظ)): وهو ماض مجهول من أخاف بمعنى خوف، يعني كنت وحيدا في ابتداء إظهاري الدين فخوفني في ذلك، وآذاني الكفار في الله أي في دين الله انتهى كلامه. وقوله: ((وما يخاف أحد)) حال أي خوفت في دين الله وحدي. وقوله: ((من بين ليلة ويوم)) تأكيد للشمول، أي ثلاثون يوما وليلة متواترات لا ينقص منها شيء من الزمان. و ((ذو كبد)) أي حيوان، أي ما معنا طعام، سواء كان ما يأكل الدواب أو الإنسان. “.
* قال المناوي في فتح القدير (5/278): ” (لقد أوذيت) ماض مجهول من الإيذاء (في الله) أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته (وما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) من الناس في ذلك الزمان بل كنت المخصوص بالإيذاء لنهي إياهم عن عبادة الأوثان وأمري لهم بعبادة الرحمن (وأخفت) ماض مجهول من الإخافة (في الله) أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل بسبب إظهار الدعاء إلى الله تعالى وإظهار دين الإسلام وقوله (وما يخاف أحد) حال أي خوفت في الله وحدي وكنت وحيدا في ابتداء إظهاري للدين فآذاني الكفار بالتهديد والوعيد الشديد فكنت المخصوص بينهم بذلك في ذلك الزمان ولم يكن معي أحد يساعدني في تحمل أذيتهم وقال ابن القيم: قوله في كثير من الأحاديث في الله يحتمل معنيين أحدهما أن ذلك في مرضاة الله وطاعته وهذا فيما يصيبه باختياره والثاني أنه بسببه ومن جهته حصل ذلك وهذا فيما يصيبه بغير اختياره وغالب ما مر ويجيء من قوله في الله من هذا القبيل وليست في هنا للظرفية ولا لمجرد السببية وإن كانت السببية أصلها ألا ترى إلى خبر دخلت امرأة النار في هرة كيف تجد فيه معنى زائدا على السببية فقولك فعلت كذا في مرضاتك فيه معنى زائد على فعلته لرضاك وإذا قلت أوذيت في الله لا يقوم مقامه أوذيت لله ولا بسببه وقد نال المصطفى صلى الله عليه وسلم من قريش من الأذى ما لا يحصى فمن ذلك ما في البخاري أنه كان يصلي في الحجر إذا قبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا بالغا وأخذ بعضهم بمجامع ردائه حتى قام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقام إليه مرة عقبة وهو يصلي عند المقام فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبته وتصايح الناس وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبعيه وفي مسند أبي يعلى والبزار بسند قال ابن حجر: صحيح لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله فنهوا عنه وفي البزار أن عليا خطب فقال: من أشجع الناس قالوا: أنت قال: أما إني بارزني أحد إلا انتصفت منه ولكنه أبو بكر لقد رأيت [ص:279] رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش هذا يجاذبه وهذا يكبكبه ويقولون أنت جعلت الآلهة إلها واحدا فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر ووضعوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد وغير ذلك مما يطول ذكره فليراجعه من السير من أراد (ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة) تأكيد للشمول أي ثلاثون يوما وليلة متواترات لا ينقص منها من الزمان (وما لي ولبلال يأكله ذو كبد) أي حيوان أي ما معنا طعام سواء كان ما يأكل الدواب أو الإنسان (إلا شيء يواريه إبط بلال) أي يستره يعني كان في وقت الضيق رفيقي وما كان لنا من الطعام إلا شيء قليل بقدر ما يأخذه بلال تحت إبطه ولم يكن لنا ظرف نضع فيه الطعام فيه قال ابن حجر: كان يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا كما في خبر الترمذي أنه عرض عليه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فأبى ”
* قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (1/67): ” قوله: (وما يؤذى) أي منكم ما أوذي فمقامه أرفع فأوذي على قدر مقامه قوله: (أخفت) على بناء المفعول من الإخافة أي خوفت في دين الله تعالى وما يخاف أحد مثل تلك الإخافة
قوله: (ولقد أتت علي ثالثة) أي ليلة ثالثة ولفظ الترمذي ولقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم وليلة قوله: (ذو كبد) بفتح فكسر أي يأكله حي قوله: (إلا ما وارى) من المواراة والحديث أخرجه الترمذي عنه في أواخر أبواب الزهد “.
* قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي في شرح سنن ابن ماجه (9/16): ” وهذا لا بأس بسنده، وكان بلال قد هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هارباً من مكة إلى الطائف.
ومما ورد في فضائل سلمان حديث: (سلمان منا أهل البيت) ولكن لم يذكره المصنف رحمه الله. “.
* قال الشيخ محمد علي آدام الإتيوبي في شرح سنن ابن ماجه (3/374): ” (عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: لَقَدْ أُوذِيتُ) بضمّ أوله، وكسر ثالثه، فعلٌ ونائب فاعله (في الله) أي في سبيل الدعوة إلى الله تعالى (وَمَا يُؤْذَى) بالبناء للمفعول (أَحَدٌ) أي منكم، وذلكَ لكون منزلته عند الله أرفع المنازله، فأُوذي على قدر رفعة منزلته، فقد أخرج الترمذيّ في “كتاب الزهد” (2322) والمصنّف في “كتاب الفتن” (4023) بإسناد صحيح، من طريق مُصْعَب بن سعد، عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أيُّ النَّاس أشد بلاءً؟، قال: الأنبياء، ثمّ الأمثل فالأمثل، يُبتَلى العبد على حسب دينه، فإن كان في دينه صلْبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رِقًّةٌ ابتُلي على حسب دينه، فما يَبْرَح البلاء بالعبد، حتّى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه من “خطيئة”. قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح.
(وَلَقَدْ أُخِفْتُ) فعل ونائب فاعله أيضًا (في الله، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَالِثَةٌ) أي ليلة ثالثة، ولفظ الترمذيّ: “ولقد أتت عليّ ثَلاثون ما بين يوم وليلة … ” (وَمَا لِي وَلبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كبِدٍ) بفتح، فكسر: أي يأكله حيّ (إِلَّا مَا وَارَى) من المواراة، أي إِلَّا ما أخفاه (إِبِطُ بِلَالٍ) بكسر الهمزة، وسكون الباء الموحدة: ما تحت الجناح، ويُذكّر ويؤنثُ، فيقال: هو الإبط، وهي الإبط، والجمع آباط، مثلُ حِمْلٍ وأَحْمال، ويزعُمُ بعض المتأخّرين أن كسر الباء لغةٌ، وهو غير ثابت. قاله الفيّوميّ (1).
قال: الإمام الترمذيّ رحمه الله بعد إيراد الحديث: ما نصّه: ومعنى الحديث هذا حين خرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هاربًا من مكّة، ومعه بلالٌ إنّما كان مع بلال من الطّعام ما يحمله تحت إبطه. انتهى (2)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.”
المسائل الأخرى:
* جاء في بعض الفتاوى المعاصرة (8/23): ” [السُّؤَالُ]
ـ[كيف نوفق بين قوله عليه الصلاة والسلام (ما أوذي نبي مثلما أوذيت) وبين بقاء نوح ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو قومه، وتحريق إبراهيم وبلاء أيوب بالأمراض الشديدة وسجن يوسف الطويل، وذبح يحيى – عليهم الصلاة والسلام جميعا، وغيرهم فقد يظهر لدى الإنسان غير المتبحر مثلي في العلم أنهم أشد بلاء من نبينا الكريم فكيف ترون ذلك ؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع بعد البحث على حديث بلفظ: ما أوذي نبي ….إلخ، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما أوذي أحد ما أوذيت. وفي رواية : ما أوذي أحد ما أوذيت في الله . رواهما أبو نعيم وحسنهما الألباني.
وقيل معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به.
ويحتمل أنه أراد أنه أوذي قبل أن يصل الأذى لأصحابه، ويؤيد ذلك ما في الحديث: لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد . رواه الترمذي وصححه الألباني .
قال المناوي في شرحه: (لقد أوذيت) ماض مجهول من الإيذاء (في الله) أي في إظهار دينه وإعلاء كلمته (وما يؤذى) بالبناء للمفعول (أحد) من الناس في ذلك الزمان؛ بل كنت المخصوص بالإيذاء لنهيي إياهم عن عبادة الأوثان وأمري لهم بعبادة الرحمن (وأخفت) ماض مجهول من الإخافة (في الله) أي هددت وتوعدت بالتعذيب والقتل بسبب إظهار الدعاء إلى الله تعالى وإظهار دين الإسلام. وقوله (وما يخاف أحد) حال أي خوفت في الله وحدي وكنت وحيدا في ابتداء إظهاري للدين فآذاني الكفار بالتهديد والوعيد الشديد فكنت المخصوص بينهم بذلك في ذلك الزمان ولم يكن معي أحد يساعدني في تحمل أذيتهم. اهـ
ويدل لكون الأنبياء نالهم من البلاء أكثر مما ناله صلى الله عليه وسلم واقعيا ما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة! فقال رجل: والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله! قال: فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟ قال: ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر.اهـ”. انتهى نقل الفتوى
لكن هل يمكن أن يحمل أنه صلى الله عليه وسلم. قاله تواضعا خاصة أن الله عزوجل نصر رسلة بالإهلاك لأقومهم أما من قتل من الأنبياء فيحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الأذية من غير القتل.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
وقد استشكل بما جاء من صفات ما اوذي به الصحابة كما سيأتي لو ثبت وهو محمول على معنى حديث أنس
وقيل معناه أنه أوحي إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به وروى بن إسحاق من حديث بن عباس وذكر الصحابة فقال والله ان كانوا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر ان يستوي جالسا من شدة الضر حتى يقولوا له اللات والعزى الهك من دون الله فيقول نعم وروى بن ماجة وبن حبان من طريق زر بن مسعود قال أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه و سلم فمنعه الله بعمه واما أبو بكر فمنعه الله بقومه واما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد وأوقفوهم في الشمس الحديث
وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه
واستشكل أيضا بما اوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى ويجاب بأن المراد هنا غير ازهاق الروح.
___________
وقال الإتيوبي رحمه الله في شرح سنن ابن ماجه:
(وَمَا يُؤْذَى) بالبناء للمفعول (أَحَدٌ) أي منكم. انتهى
________
على هذا فالمقصود بالخطاب هم الصحابة رضي الله عنهم .
وبوب ابن حبان في صحيحه (14/515) على هذا الحديث: ذكر البيان بأن المصطفى صلى الله عليه و سلم قد أوذي في إقامة الدين ما لم يؤذ أحد من البشر في زمانه
وقال أحد العلماء المعاصرين:
“ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد”
يعني كان عندهم شيء من الأمن لأن حكم العشائر عندهم قائم وكل عشيرة تذود عن أفرادها كل عشيرة تذود عن أفرادها وللعشائر أيضًا هيبة فلا يخاف أحد ولا يؤذى أحد تمنعه عشيرته إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن عشيرته تبرؤوا منه تبرؤوا منه بسبب مخالفته لهم في أصل الأصول في الاعتقاد في أصل الأصول وتبعًا لذلك آذوه وتركوه لمن يؤذيه -عليه الصلاة والسلام-
“ولقد أتت علي ثالثة وما لي” يعني آذوه وأخافوه مع وجود عمه الذي كف عنه وذاد عنه وحماه من من من قومه لكن لا يعني أن الرقيب لا يغفل حصل له الأذى مع وجود عمه، ولولا أن الله -جلَّ وعلا- قيض له هذا العم لكان الأذى أعظم وأشد.