75 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند.
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة –
———-
12 – * (عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: أنّ نفرا كانوا جلوسا بباب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال بعضهم ألم يقل الله كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا وكذا؟ فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج كأنّما فقاء في وجهه حبّ الرّمّان، فقال: «بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ إنّما ضلّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنّكم لستم ممّا ههنا في شيء، انظروا الّذي أمرتم به فاعملوا به، والّذي نهيتم عنه فانتهوا»)
الترمذي (2133)، وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات وابن ماجة (85)،، وأحمد (2/ 192) واللفظ له وقال الشيخ أحمد شاكر (11/ 73) ح 6845: إسناده صحيح.
هو في الترمذي برقم 2133 عن أبي هريرة وقال أبو عيسى في الباب عن عمر وعائشة وأنس وهـذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هـذا الوجه من حديث صالح المري وصالح المري له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها. وقال الشيخ الألباني: حسن، المشكاة (98 و 99)
قلت سيف: حديث عبدالله بن عمرو هو على شرط المتمم على الذيل.
حسنه محققو المسند، فعمرو بن شعيب عن ابيه عن جده اسناد حسن. وقال الشيخ مقبل في نشر الصحيفة: هذا حديث حسن وعزاه لابن ماجه. ومرة عزاه للإمام احمد 2/ 195
—–
الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة
قوله (فَقَالَ: بِهَذَا أُمِرْتُمْ أَوْ بِهَذَا بُعِثْتُمْ). قلت: لفظ ابن ماجه: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ) فلعل المراد بالبعث: الخلق، والإحداث من العدم من خلقكم، أو هو الذي وقع التكليف به حتى اجترأتم عليه يريد أنه ليس بشيء من الأمرين فأي حاجة إليه.
قوله (هَذَا يَنْزِعُ آيَةً) أي: يجرها إلى نفسه، ويستدل بها على مقصوده. مسند الإمام أحمد بحاشية السندي
مسألة الجدال و أحكامه من المسائل التي ينبغي معرفتها، فأحببت أن أبين أحكامه وما يتعلق في هذا الباب لكي يعرفها طالب العلم، وقمت بجمع أقوال الأئمة الأعلام للتسهيل والمراجعة، وجمعت كلام أهل العلم فيما يخص الجدال والمناظرة؛ لأن البعض فتح باب جدال مع أهل البدع عبر التواصل كالواتس والفيس وهذا خلاف ما عليه السلف رحمهم الله، و قد يكون ضعيفاً أمامهم فيقوى الباطل وتستقر الشبه في القلوب، فلهذا عزمت أن أنقل كلام العلماء متى تجوز المناظرة ومتى لا تجوز؟ وشروطها، وكذلك لابد أن نعلم الحق المفصل لنتبعه و نعلم الباطل لنحذره، نسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، و أن يثبتنا على الحق و أن يرينا الحق فنتبعه ويرينا الباطل فنجتنبه.
الجدل: الجَدَل وهو شدَّة الخصومة وفي الحديث ما أُوتَي الجَدَل قومٌ إِلاَّ ضَلُّوا الجَدَل مقابلة الحجة بالحجة والمجادلة المناظرة والمخاصمة والمراد به في الحديث الجَدَلُ على الباطل وطَلَبُ المغالبة به لا إَظهار الحق فإِن ذلك محمود لقوله عز وجل وجادلهم بالتي هي أَحسن ويقال إِنه لَجَدِل إِذا كان شديد الخِصام. (لسان الميزان، 11/ 103).
النصوص التي ورد فيها ذم الجدل
قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ).
وكذلك قوله تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ.
[لا تجادلوا في القرآن فإن جدالا فيه كفر]. (صحيح)
ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: نهى عن الجدال في القرآن. رواه السجزي كما في الجامع الصغير.
ويشهد له أيضا حديث أبي هريرة مرفوعا: المراء في القرآن كفر. أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في المشكاة 236.
عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن» أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم «
عن أبي أمامة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدال ثم قرأ (ما ضربوه لك إلا جدلا) إسناده حسن. ظلال الجنة للشيخ الالباني.
وفي الحديث [أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه]. السلسلة الصحيحة برقم (273).
أقوال السلف في الخصومات
- عن سفيان الثوري عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال: سمعت عبد الله ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول: ‘ إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة، ولكن الشيطان يحدث له بدعاً حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة، والصيام، والحلال والحرام، ويتكلمون في ربهم عز وجل، فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب. قيل: يا أبا عبد الرحمن فإلى أين؟ قال: إلى لا أين يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحداً من أهل البدع ‘. الحجة في بيان المحجة
2. عن عمر بن الأشج أن عمر – رضي الله عنه – قال: ‘ سيأتي أناس سيجادلونكم بشبهات القرآن خذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله عز وجل ‘. الحجة في بيان المحجة
3. قال علي – رضي الله عنه -: ‘ سيأتي قوم يجادلونكم فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله ‘.الحجة في بيان المحجة.
4. قال الأحنف ابن قيس: ‘ كثرة الخصومة تنبت النفاق في القلب ‘. الحجة في بيان المحجة
5. قال معاوية بن قرة يقول: ‘ إياكم وهذه الخصومات فإنها تحبط الأعمال ‘الحجة في بيان المحجة
6. عن مسلم بن يسار أنه كان يقول: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته. الشريعة للاجري.
7. عن أيوب قال: كان أبو قلابة يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم؟ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يلبسوا عليكم في الدين بعض ما لبس عليهم. الشريعة للاجري.
8. عن هشام – يعني ابن حسان – قال: جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد، تعال حتى أخاصمك في الدين، فقال الحسن: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه. الشريعة للاجري - قال محمد بن الحسين (الآجري): من كان له علم وعقل، فيرى جميع ما تقدم ذكري له من أول الكتاب إلى هذا الموضع، علم أنه محتاج إلى العمل به، فإن أراد الله عز وجل به خيراً لزم سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان من أئمة المسلمين رحمة الله عليهم في كل عصر، وتعلم العلم لنفسه، لينتفي عنه الجهل، وكان مراده أن يتعلمه لله عز وجل، ولم يكن مراده، أن يتعلمه للمراء والجدال والخصومات، ولا لدنيا.
ومن كان هذا مراده سلم إن شاء الله تعالى من الأهواء والبدع والضلالة، واتبع ما كان عليه من تقدم من أئمة المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم، وسأل الله تعالى أن يوفقه لذلك.
فإن قال قائل: وإن كان رجل قد علمه الله عز وجل علماً، فجاءه رجل يسأله عن مسألة في الدين، ينازعه ويخاصمه، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة، ويرد على قوله؟
قيل له: هذا الذي نهينا عنه، وهو الذي حذرناه من تقدم من أئمة المسلمين.
فإن قال قائل: فماذا نصنع؟.
قيل له: إن كان الذي يسألك مسألته، مسألة مسترشد إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده بأرشد ما يكون من البيان بالعلم من الكتاب والسنة، وقول الصحابة، وقول أئمة المسلمين. وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك، فهذا الذي كره لك العلماء، فلا تناظره، واحذره على دينك، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين إن كنت لهم متبعاً.
فإن قال: ندعهم يتكلمون بالباطل، ونسكت عنهم؟
قيل له: سكوتك عنهم وهجرتك لما تكلموا به أشد عليهم من مناظرتك لهم، كذا قال من تقدم من السلف الصالح من علماء المسلمين. الشريعة، ص 59
والحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث [ص (71)] حيث قال: (ويرون ترك الخصومات والمراء في القرآن وغيره، لقول الله عز وجل: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} [سورة غافر، الآية: 4] يعني يجادل فيها تكذيبا بها، والله أعلم).
قال الموفق رحمه الله: [ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم، وترك الجدال والخصومات في الدين].لمعة الاعتقاد.
قال ابن تيمية: ومن تبين له الحق ثم عَنِدَ عنه فهو ظالم معاند يستحق العقوبة، قال شيخ الإسلام في قوله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت:46]، (فإن الظالم باغ معتد مستحق للعقوبة، فيجوز أن يقابل بما يستحقه من العقوبة، لا يجب الاقتصار معه على التي هي أحسن، بخلاف من لم يظلم، فإنه لا يجادل إلا بالتي هي أحسن … ، والظالم يكون ظالمًا بترك ما تبين له من الحق واتباع ما تبين له أنه باطل، والكلام بلا علم فإذا ظهر له الحق فَعنِدَ عنه كان ظالمًا)، وقال أيضا في الآية السالفة الذكر: (فهو أمر للمؤمنين أن يقولوا الحق الذي أوجبه الله عليهم، وعلى جميع الخلق ليرضوا به الله، وتقوم به الحجة على المخالفين، فإن هذا من الجدال بالتي هي أحسن، وهذا أن تقول كلامًا حقًا يلزمك، ويلزم المنازع لك أن يقوله، فإن وافقك وإلا ظهر عناده وظلمه).”الجواب الصحيح” (3/ 82.73.72).
قال ابن تيمية في الحموية: “والمراء والجدال في الدين بدعة”
قال الشيخ حمود التويجري: وقوله: “والمراء والجدال في الدين بدعة”. نعم، إذا كان هذا الجدال وهذا المراء يقصد منه التعنت والانتصار للباطل نعم والانتصار للنفس فهذا مذموم، وهذا ما ورد عن السلف في ذم الجدال والمراء يحمل على هذا النوع، النقاش الذي يسمى بلغة اليوم “الجدال البيزنطي”، الذي لا ينتهي صاحبه إلى نتيجة، أو يكون الحامل على هذا النقاش الهوى وحب الانتصار للنفس، لكن إذا كان هذا الجدال لأجل إحقاق الحق وإظهار الحق فهذا أمر محمود بل أمر مطلوب شرعا؛ لأنه من باب إنكار المنكر، ومن باب التعاون على البر، ومن باب نشر العلم الشرعي، نعم. شرح الفتوى الحموية.
قال ابن تيمية: فَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ الْحَقَّ وَإِظْهَارَ الصَّوَابِ اكْتَفَى بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمَنْ كَانَ قَصْدُهُ الْجِدَالَ وَالْقِيلَ وَالْقَالَ وَالْمُكَابَرَةَ لَمْ يَزِدْهُ التَّطْوِيلُ إلَّا خُرُوجًا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. {المجموع، ج4 ص7}.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ آفَاتِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَوْ بِغَيْرِ الْحَقِّ. وَهُوَ الْكَلَامُ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَرُدُّ بَاطِلًا بِبَاطِلِ وَبِدْعَةً بِبِدْعَةِ. المجموع، 16/ 241
الجدال منه ما هو محمود ومنه ماهو مذموم
قال النووي: واعلم أن الجدال قد يكون بحقّ، وقد يكون بباطل، قال اللّه تعالى: {وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إِلاَّ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [العنكبوت: 41] وقال تعالى: {وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] وقال تعالى: {ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلاَّ الَّذِينَ كَفَروا} [غافر: 4] فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محموداً، وإن كان في مدافعة الحقّ أو كان جدالاً بغير علم كان مذموماً، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطاً في تهذيب الأسماء واللغات. الاذكار للنووي ص 469
قال الشيخ ابن عثيمين: المجادلة والمناظرة نوعان:
النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء ويجاري العلماء ويريد أن ينتصر قوله فهذه مذمومة.
النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه فهذه محمودة مأمور بها، وعلامة ذلك ـ أي المجادلة الحقة ـ أن الإنسان إذا بان له الحق اقتنع وأعلن الرجوع، أما المجادل الذي يريد الانتصار لنفسه فتجده لو بان أن الحق مع خصمه، يورد إيرادات يقول: لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال: لو قال قائل، ثم إذا أجيب قال: لو قال قائل، ثم تكون سلسلة لا منتهى له، ومثر هذا عليه خطر ألا يقبل قلبه الحق، لا بالنسبة للمجادلة مع الآخر ولكن في خلوته، وربما يورد الشيطان عليه هذه الإيرادات فيبقى في شك وحيرة، كما قال الله تبارك وتعالى) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الأنعام:110) وقال الله تعالى) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) (المائدة: من الآية49). فعليك يا أخي بقبول الحق سواء مع مجادلة غيرك أو مع نفسك، فمتى تبين لك الحق فقل: سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا.
ولهذا تجد الصحابة يقبلون ما حكم به الرسول عليه الصلاة والسلام أو ما أخبر به دون أن يوردوا عليه الاعتراضات.
فالحاصل أن المجادلة إذا كان المقصود بها إثبات الحق وإبطال الباطل فهي خير، وتعودها وتعلمها خير لا سيما في وقتنا هذا، فإنه كثُرَ فيه الجدال والمراء، حتى أن الشيء يكون ثابتاً وظاهراً في القرآن والسنة ثم يورد عليه أشكالات.
وهنا مسألة: وهي أن بعض الناس يتحرج من المجادلة حتى وإن كانت حقاً استدلالاً بحديث:”وأنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً”فيترك هذا الفعل.
فالجواب: من ترك المراء في دين الله فليس بمحق إطلاقاً؛ لأن هذا هزيمة للحق، لكن قد يكون محقًّا إذا كان تخاصمه هو وصاحبه في شيء ليس له علاقة بالدين أصلاً، قال: رأيت فلاناً في السوق، ويقول الآخر: بل رأيته في المسجد، ويحصل بينهما جدال وخصام فهذه هي المجادلة المذكورة في الحديث، أما من ترك المجادلة في نصرة الحق فليس بمحق إطلاقاً فلا يدخل في الحديث. كتاب العلم
حكم مناظرة المبتدعة
وقد نهى السلف قديما وحديثا عن مناظرة المبتدعة ومجالستهم الا لمن كان قويا في العلم، و عنده القدرة على المناظرة ودحض الشبهة وهذه بعض الاقوال على ذمهم للمناظرة.
قال الحافظ أبو القاسم هبة الله (اللالكائي): فما جني على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمدا ودرداً ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلا حتى كثرت بينهم المشاجرة وظهرت دعوتهم بالمناظرة وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة حتى تقابلت الشبه في الحجج وبلغوا من التدقيق في اللجج فصاروا أقرانا وأخدانا وعلى المداهنة خلانا وأخدانا 77 وانا بعد أن كانوا في الله أعداء وأضدادا وفي الهجرة في الله أعوانا يكفرونهم في وجوههم عيانا ويلعنونهم جهاراً وشتان ما بين المنزلتين وهيهات ما بين المقامين
نسأل الله أن يحفظنا من الفتنة في أدياننا وأن يمسكنا بالإسلام والسنة ويعصمنا بهما بفضله ورحمته. اهـ شرح أصول أعتقاد اهل السنة والجماعة (1/ 2)
قال الحافظ ابن عبد البر: وقد أجمع أهل العلم بالسنن والفقه وهم أهل السنة عن الكف عن الجدال والمناظرة فيما سبيلهم اعتقاده بالأفئدة مما ليس تحته عمل وعلى الإيمان بمتشابه القرآن والتسليم له ولما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث الصفات كلها وما كان في معناها وإنما يبيحون المناظرة في الحلال والحرام وما كان في سائر الأحكام يجب العمل بها
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال سمعت مالك يقول إن أهل بلدنا يكرهون الجدال والكلام والبحث والنظر إلا فيما تحته عمل وأما ما سبيله الإيمان به واعتقاده والتسليم له فلا يرون فيه جدالا ولا مناظرة. (الاستذكار،2/ 513).
قال الشيخ ربيع حفظه الله معلقا على كلام الامام الصابوني: منهم دعاة لا يجالسون ولا يناظرون إلا في حال الضرورة وإلا للمصلحة، فلا يجوز أن تدخل معهم في جدال، لا يجوز أن تدخل مع الروافض في جدال خاصة إذا كنت ضعيفا ً، لا تدخل مع الصوفي في جدال خاصة ً إذا كنت ضعيفا ً، إلا إذا كان رجل متمكن من العلم والدين وقيام الحجة، وعنده ذكاء ونباهة، ورأى مصلحة في مناظرتهم فيناظرهم ((وجادلهم بالتي هي أحسن)) فهناك جدال مشروع، الله ماسد الأبواب مائة بالمائة، فإذا كانت لنا طريق إلى إقامة الحجة وهداية الناس إلى الخير فنسلكها، وهذا الذي تناظره قد لا يستفيد لكن غيره قد يستفيد. وأما الضعفاء فلا، وحتى من العلماء من يكون ضعيفا ً ومن تخطفه الشبهةوهو عالم، يكون عالما ً لكن شخصيته ضعيفة فيضعف أمام أهل البدع ولو كانوا أصغر منه وأقل منه علما ً! وقد حصل لكثير من المنتمين إلى السنة والحديث من التغير بسبب ضعفهم ومخالفتهم لمنهج السلف، فمثلا ً:
-عبدالرزاق كان من كبار أهل الحديث، إنخدع بجعفر بن سليمان الضبعي فأوقعه في التشيع!
البيهقي كذلك، من كبار أهل الحديث وعلمائهم، إنخدع ببعض الأشاعرة كابن فورك وأمثاله فوقع في الأشعرية!
أبو ذر الهروي، كان من كبار أهل الحديث، ومن الرواة لصحيح البخاري، وله عناية عظيمة بالحديث، وألف الإلزامات على الصحيحين وهو تلميذ الدارقطني، سمع الدارقطني رحمه الله يثني على الباقلاني فاغتر به فأحبه، فوقع في شيء من الأشعريات، فذهب بها ونشرها في المغرب – وكان في مكة –فانتشرت العقيدة الأشعرية في المغرب عن طريقه!
هذه بعض الأمثلة وإلا فهي كثيرة جدا.
وفي هذا العصر! كم ضاع من الشباب على أيدي أهل البدع؟! كم من الشباب ومن الكهول ومن خريجي الجامعات انخدعوا بأهل البدع فوقعوا في أحضانهم؟! انخدعوا بالأحزاب فوقعوا في أحضانهم! لماذا؟ لأنهم ما أخذوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)).
القوي يدعو أهل البدع يدعو النصارى، لا بد من الدعوة إلى الله عز وجل، لا بد أن يكون علماء أقوياء ينشرون دين الله وإذا دعت الحاجة للمناظرة يناظرون حتى تقوم الحجة وينتفع من ينتفع. وأما الضعفاء فلا، والله لو كان عالما ً وهو ضعيف يجب عليه أن يتجنب أهل البدع.
ولهذا قال المصنف رحمه الله (الصابوني) ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم) على التفصيل الذي ذكرته لكم، قد تدعو الحاجة والمصلحة إلى المناظرة فيناظر، والقرآن بيّن ذلك ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
لكن من هؤلاء؟ هم الأكفاء وليس كل من هب ودب، فكثير من الناس ينخدع بنفسه ويقول: أنا أدخل مع هؤلاء القوم لأصلحهم! ثم لا تراه إلا وقد جرفوه وصار معهم! كثير كثير! فهذه الأصناف لا تتصدى لمناظرة أهل البدع، لأنهم يغلبونهم بالشبه والحيل والمكر والكيد وحتى بالإغراء بالمال!) أهـ (شرح عقيدة أصحاب الحديث).
والله تعالى أعلم.
محمد بن هادي المدخلي قال الشيخ
نرى اليوم مشاهد في كثيرٍ من إخواننا وأبنائنا طلبة العلم للأسف! وإذا نهيتهم عن مجالسة أهل الأهواء وأهل التحزبات السياسية، والدعوات البدعية الماكرة تذرَّع المسكين بأن عنده علم، وتذرَّع المسكين بأنه يُجالسهم ليُناظرهم، وما يعلم المسكين إلا وقد تحول في صفهم أو أمرضوه فأصبح متزلزلًا مضطربًا شاكًا فيما عند شيوخ أهل السنة مترددًا في ذلك؛ لأنه أسلم سمعه الذي هو الطريق إلى قلبه أسلمه لأصحاب الخصومات فشككوه فيما عليه أهل السنة؛ فأصبح في حيرة بعد أن كان مستبينًا هذا الأمر، على يقينٍ وثباتٍ فيه.
وهذه والله بئست الثمرة, والسلف الصالح رحمهم الله كانوا يخافون على أنفسهم مع رسوخهم في العلم, فكيف بهؤلاء المساكين؟! ولهذا نحن نقول لأبنائنا اقرأوا هذه الكتب فإن لكم فيها الأسوة، وبأصحابها بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة, فلقد كانوا على كشف الشبه أقوى، وهم بمعرفة عوارها أولى؛ ولكنهم كانوا يصونون دينهم عن هذا كله لأنهم يعلمون أن القلوب ضعيفة, والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن فهي أشد تقلبًا من القدر استجمعت غليانه. شرح الابانة الصغرى، الدرس 2.
جواز المناظرة لمن كان اهلا لها
ما ورد عن الانبياء في مناظرتهم مع خصومهم منها قال ابن رجب: جدال نوح عليه السلام: قال: (استغفِرُوا رَبِّكُم إنَّه كانَ غفاراً. يرسلِ السماءَ عليكُم مدراراً. ويمددكم بأموال وبنينَ ويجعلْ لكُم جناتٍ ويجعلْ لكم أنْهاراً. ما لكُم لا ترجونَ للَّهِ وقاراً. وقد خلقكُمْ أطواراً. ألمْ تَرَوا كيفَ خلقَ اللُهُ سبعَ سماواتٍ طباقاً. وجعل القَمر فيهنَّ نوراً وَجَعَلَ الشمسَ سِرَاجاً. واللهُ أنَبَتكُم مِنَ الأرضِ نباتاً. ثم يُعيدُكم فيها ويخرِجُكُم إخراجاً. والُلهُ جَعَلَ لكُم الأرض بِسَاطاً لِتسلكُوا منها سُبُلاً فِجاجاً (، وقال تعالى: (ولقدْ أرسلْنَا نوحاً إلى قومِهِ إني لكُم نذيرٌ مبينٌ. أن لا تعبُدُوا إلاَّ الله إني أخَافُ عليكُم عَذَابَ يومٍ أليم. فقال الملأ الذينَ كفرُوا مِنْ قومِهِ ما نراكَ إلا بَشَراً مِثْلَنَا وما نَرَاكَ اتِّبعكَ إلاَّ الذينَ هُمْ أراذِلُنَا باديَ الرأي وما نَرَى لكُم عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بلْ نَظُنٌّكُم كاذبين (أجابهم نوح عليه السلام بالحجةِ العظمى فقال: (يا قومِ أرأيتُم إنْ كنتُ على بيِّنةٍ من ربِّي) إلى هنا هي الحجة العظمى، وهذه الحجة العظمى هي التي أضافها الله عز وجل إلى نفسه في قوله: (وتلكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيمَ على قومِهِ) وقد أشبعنا القول فيها في كتاب الحجة العظمى. (قالوا يَا نوحُ قد جادلْتَنَا فأكثرتَ جدالَنَا فأتِنا بِمَا تَعِدُنَا إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقين). جدالُ إبراهيمَ وحجاجه وله ثلاثة مقامات “الأول”: مع نفسه. “الثاني”: مع أبيه. “الثالث”: مع نمرود وقومه. (استخراج الجدال من القران الكريم).
قال ابن كثير: وكان موقف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكذا الداعون بدعوتهم مواجهتهم بالحق المؤيد من الله تعالى فيما أنزل عليهم من الهدى والنور والدلائل القطعية التي تفوق احتجاج البشر ومنطقهم. (البداية والنهاية، 3/ 60).
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: ” تلك إشارة إلى جميع احتجاجاته حتى خاصمهم وغلبهم بالحجة ” الجامع لاحكام القرآن، 7/ 30
قال الشيخ حافظ الحكمي: ” ومناظرة الرسل لأعداء الله يطول ذكرها , ومقامات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع هذه الأمة أشهر من أن تذكر , فمن شاءها فليقرأ المصحف من فاتحته إلى خاتمته ” (معارج القبول، 1/ 68)
وقد أورد ابن كثير رحمه الله عدداً من مجادلات المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت باب سماه: ” باب مجادلة المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإقامة الحجة الدامغة عليهم واعترافهم في أنفسهم بالحق وإن أظهروا المخالفة عناداً وحسداً وبغياً وجحوداً “. (البداية و النهاية، 3/ 60).
قال ابن تيمية: وأما ما في القرآن من ذكر أقوال الكفار وحججهم وجوابها فهذا كثير جدا فإنه يجادلهم تارة في التوحيد وتارة في النبوات وتارة في المعاد وتارة في الشرائع بأحسن الحجج وأكملها كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً وَلا يَاتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} وقد أخبر الله تبارك وتعالى عن أولي العزم من الرسل بمجادلة الكفار فقال تعالى عن قوم نوح: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا}.
وقال عن الخليل: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ} إلى قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} وأمر الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالمجادلة بالتي هي أحسن وذم سبحانه من جادل بغير علم أو في الحق بعدما تبين ومن جادل بالباطل فقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
وقال تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}.
وقال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.
وهذا هو الجدال المذكور في قوله: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}.الجواب الصحيح، 2/ 118 – 119
فتبين من كلام شيخ الاسلام رحمه الله الناس اصناف في الجدال
1. الجدال بعد معرفة الحق لقوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ}.
2. ذم الجدال بالباطل لرد الحق لقوله تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.
3. ذم الجدال بغير علم لقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ.
4. ذم الجدال في آيات الله على وجه الاعتراض و المخاصمة لقولى تعالى {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
فكل هذه الاصناف من اتصف بها صاحبها فهو آثم
قال الاجري: وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فيما بينهم وتناظروا وتجادلوا لكن كان على وجه المشاورة والمناصحة. (الشريعة، ص 66).