(74) (948) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(بإشراف: سيف بن دورة الكعبي)
يشرحه مجموعة عبدالحميد البلوشي.
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
الصحيح المسند 948
قال الامام أبوبكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج12 ص 378): حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: حدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، قَالَ: جَاءَ أَبُو الْعَالِيَةِ إِلَيَّ وَإِلَى صَاحِبٍ لِي، فَقَالَ: هَلُمَّا فَإِنَّكُمَا أَشَبُّ مِنِّي، وأَوْعَى لِلْحَدِيثِ مِنِّي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ اللَّيْثِيَّ، فقال أَبُو الْعَالِيَةِ: حَدِّثْ هَذَيْنِ حَدِيثَكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا عٌُقْبَةُ بْنُ مَالِكِ اللَّيْثِيُّ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، فَأَغَارَتْ عَلَى الْقَوْمِ، فَشَذَّ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ السَّرِيَّةِ مَعَهُ سَيْفٌ شَاهِرٌ، فَقَالَ الشَّاذ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَلَمْ يَنْظُرْ فِيمَا قَالَ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، فَنمى الْحَدِيثُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً شَدِيدًا، فَبَلَغَ الْقَاتِلَ، فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، إِذْ قَالَ الْقَاتِلُ: وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللهِ، مَا قَالَ الَّذِي قَالَ إِلاَّ تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَعَمَّنْ يَلِيهِ مِنَ النَّاسِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، فَلَمْ يَصْبِرْ أَنْ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، تُعْرَفُ الْمَسَاءَةُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ ذَلِكَ.
هذا حديث صحيح.
ل وقال الامام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم, قال حدثنا سليمان, عن حميد بن هلال, عن بشر بن عاصم, قال: حدثنا عقبة بن مالك الليثي, قال: يينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب اذ قال القائل يا رسول الله, والله ما قال الذي قال الا تعوذا من القتل. فذكر قصته فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرف المساءة في وجهه, ثم قال ((ان الله عز وجل أبى علي من قتل مؤمنا)) قالها ثلاث مرات.
حدثنا يونس, حدثنا حماد يعني ابن سلمة , عن يونس بن عبيد, عن حميد بن هلال, قال: جمع بيني وبين بشر بن عاصم رجل فحدثني عن عقبة ابن مالك , أن سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم غشوا أهل ماء صبحا، فبرز رجل من أهل الماء، فحمل عليه رجل من المسلمين فقال: اني مسلم. فقتله, فلما قدموا أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك , فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال ((أما بعد: فما بال المسلم يقتل الرجل وهو يقول: اني مسلم؟)) فقال الرجل: إنما قالها متعوذا فصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ومد يده اليمنى فقال ((أبى الله عليَّ من قتل مسلما)) ثلاث مرات.
هذا حديث صحيح.
لللللللل
مشاركة مجموعة عبدالحميد البلوشي:
صححه محققو المسند (28/ 221) وقالوا: صحيح وفي الباب عن أسامه بن زيد عند البخاري وسيأتي نقل لفظه، وأيضاً عن المقداد بن الأسود عند البخاري 4019 وسيأتي كذلك.
وفي لفظ ((أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة)) الصحيحة 689
ل شرح الحديث وفوائده:
1 وجاء بنحو هذا الحديث قصة أسامة بن زيد في الصحيحين قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهـم ولحقت أنا ورجل من النصار رجل منهم، فلما غشيناه قال: ل إله إل الله، فكف عنه النصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ” يا أسامة، أقتلته بعد ما قال: ل إله إل الله؟ ” قال: قلت: يا رسول الله، إنما كان متعوذا، قال: فقال: «أقتلته بعد ما قال ل إله إل الله؟» قال: فما زال يكررهـا علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ”
2 فيه التعامل مع الناس بما ظهر منهم ليس لنا البحث فيما خفي عنا.
3 فيه شناعة و جرم قتل المسلم.
4 فيه أن في الدين يؤخذ بالظاهر ولا يؤخذ بما في القلوب، أما في الآخرة فيؤخذ بما في القلوب ولا يؤخذ بما في الظاهر
لقوله تعالى «(إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)» [سورة الطارق 8 9]
و قوله تعالى «(أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)»
[سورة العاديات 9 10]
5 فيه أنه يجب على الإنسان في الأمور الهامه أن يدعو الناس إلى الإجتماع ليحدثهم و يبين لهم
6 وفيه أيضا أن يتبادل الناس اطراف الحديث و لا يختص بالحديث رجل واحد
7 فيه الرد على الخوارج الذين قتلوا المسلمين و استباحوا دماءهم مع ان المسلمين يقولون لا إله إلا الله, لكن الخوارج من ملتهم و نحلتهم أن فاعل الكبيرة كافر, ولو قال لا إله إلا الله.
8 قال ابن تيمية: وما حرمه الله تعالى من البغي والقتل وغير ذلك إذا فعله الرجل متأول مجتهدا معتقدا أنه ليس بحرام لم يكن بذلك كافرا ول فاسقا، بل ول قود في ذلك ول دية ول كفارة كما قال الزهـري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فهو هـدر. (جامع المسائل).
قال النووي: وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يوجب على أسامة قصاصا ول دية ول كفارة فقد يستدل به لسقاط الجميع ولكن الكفارة واجبة والقصاص ساقط للشبهة فإنه ظنه كافرا وظن أن إظهاره كلمة التوحيد في هـذا الحال ل يجعله مسلما وفي وجوب الدية قولن للشافعي وقال بكل واحد منهما بعض من العلماء ويجاب عن عدم ذكر الكفارة بأنها ليست على الفور بل هـي على التراخي وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز على المذهـب الصحيح عند أهـل الصول وأما الدية على قول من أوجبها فيحتمل أن أسامة كان في ذلك الوقت معسرا بها فأخرت إلى يساره.
9 قال القرطبي في تكريره ذلك والعراض عن قبول العذر زجر شديد عن القدام على مثل ذلك (الفتح).
10 و قال القرطبي وفيه إشعار بأنه كان استصغر ما سبق له قبل ذلك من عمل صالح في مقابلة هـذه الفعلة لما سمع من النكار الشديد وإنما أورد ذلك على سبيل المبالغة.
(الفتح)
11 ” اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَبُول تَوْبَةِ قَاتِل النَّفْسِ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا تَوْبَةً كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ؛ لِلنُّصُوصِ الْخَاصَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَالنُّصُوصِ الْعَامَّةِ الْوَارِدَةِ فِي قَبُول تَوْبَةِ كُل النَّاسِ، مِنْهَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان/68 70.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء /93، فَيُحْمَل مُطْلَقُ هَذِهِ الايَةِ عَلَى مُقَيَّدِ آيَةِ الْفُرْقَانِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، إِلاَّ مَنْ تَابَ.
وَلأِنَّ تَوْبَةَ الْكَافِرِ بِدُخُولِهِ إِلَى الاسْلاَمِ تُقْبَل بِالاجْمَاعِ، فَتَوْبَةُ الْقَاتِل أَوْلَى.
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُول هَذِهِ التَّوْبَةِ وَمَا يَسْقُطُ بِهَا:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِل بِالاِسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ فَقَطْ، بَل تَتَوَقَّفُ عَلَى إِرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول، فَإِنْ كَانَ الْقَتْل عَمْدًا فَلاَ بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنَ الْقَصَاصِ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ أَرَادُوا عَفَوْا عَنْهُ، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ وَيَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا.
وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْقَوْل فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل الْعَمْدِ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ الْقَتْل ظُلْمًا، وَبِالْقَوَدِ أَوِ الْعَفْوِ لاَ تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، مَعَ بَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِتَوْبَةٍ صَحِيحَةٍ، وَمُجَرَّدُ التَّمْكِينِ مِنَ الْقَوَدِ لاَ يُفِيدُ إِلاَّ إِنِ انْضَمَّ إِلَيْهِ نَدَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةِ، وَعَزْمٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَقْتُول فِي الاخِرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، فَعَلَى هَذَا يَاخُذُ الْمَقْتُول مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِل بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ.
فَإِنِ اقْتُصَّ لِلْمَقْتُول مِنَ الْقَاتِل أَوْ عَفَى وَلِيُّهُ عَنِ الْقَصَاصِ فَهَل يُطَالِبُهُ الْمَقْتُول فِي الاخِرَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا صَاحِبُ الْفُرُوعِ.
وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْجُمْهُورَ فِي قَبُول تَوْبَةِ الْقَاتِل، فَذَهَبَا إِلَى أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِل عَمْدًا ظُلْمًا لاَ تُقْبَل؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، فَقَدْ سُئِل ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَل لِمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَال: لاَ إِلاَّ النَّارَ، فَقَرَأَ الايَةَ السَّابِقَةَ وَهِيَ آخِرُ مَا نَزَل فِي هَذَا الشَّانِ وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ، وَلأِنَّ لَفْظَ الايَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالاخْبَارُ لاَ يَدْخُلُهَا نَسْخٌ وَلاَ تَغْيِيرٌ؛ لأِنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَكُونُ إِلاَّ صِدْقًا “.
انتهى من “الموسوعة الفقهية” (41/ 30 31) باختصار.
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله:
” وأما قوله: (فجزاؤه جهنم خالدًا فيها) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه:
1 فقال بعضهم معناه: فجزاؤه جهنم، إن جازاه.
وممن قال ذلك أبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو صالح.
2 وقال آخرون: عُنِي بذلك رجل بعينه، كان أسلم فارتدّ عن إسلامه، وقتل رجلا مؤمنًا، قالوا: فمعنى الآية: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا مستحلا قتلَه، فجزاؤه جهنم خالدًا فيها.
حكاه عكرمة مولى ابن عباس.
3 وقال آخرون: معنى ذلك: إلا من تاب.
وممن قاله مجاهد بن جبر.
4 وقال آخرون: ذلك إيجاب من الله الوعيدَ لقاتل المؤمن متعمّدًا، كائنًا من كان القاتل، على ما وصفه في كتابه، ولم يجعل له توبة من فعله، قالوا: فكل قاتل مؤمن عمدًا، فله ما أوعده الله من العذاب والخلود في النار، ولا توبة له، وقالوا: نزلت هذه الآية بعد التي في”سورة الفرقان”.
وممن روي عنه ذلك ابن مسعود وابن عباس وزيد بن ثابت والضحاك بن مزاحم.
قال ابن جرير:
” وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا، فجزاؤه إن جزاه جهنم خالدًا فيها، ولكنه يعفو ويتفضَّل على أهل الإيمان به وبرسوله، فلا يجازيهم بالخلود فيها، ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار، وإما أن يدخله إيّاها ثم يخرجه منها بفضل رحمته، لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) الزمر/ 53 “.
انتهى باختصار من “تفسير الطبري” (9/ 61 69).
وقال ابن كثير رحمه الله:
” والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها: أن القاتل له توبة فيما بينه وبين ربه عز وجل، فإن تاب وأناب وخشع وخضع، وعمل عملا صالحا، بدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن طلابته ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (2/ 380).
وانظر: “مدارج السالكين” (1/ 392 399)، “تفسير ابن كثير” (6/ 124 130).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” فإن قلت: ماذا تقول فيما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن القاتل ليس له توبة؟!
فالجواب: من أحد الوجهين:
إما أن ابن عباس رضي الله عنهما استبعد أن يكون للقاتل عمدا توبة، ورأى أنه لا يوفق للتوبة، وإذا لم يوفق للتوبة، فإنه لا يسقط عنه الإثم، بل يؤاخذ به.
وإما أن يقال: إن مراد ابن عباس: أن لا توبة له فيما يتعلق بحق المقتول “.
انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (8/ 222).
وقد صح عن ابن عباس ـ أيضا ـ أن له توبة؛ فروى الطبري (9/ 67) عنه قال: ” ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله “.
قال الشيخ الألباني رحمه الله: ” أخرجه ابن جرير بسند جيد، ولعله يعني أنه لا يغفر له، على قوله الأول، ثم استدرك على نفسه فقال: ” إلا أن يستغفر الله ” انتهى من “السلسلة الصحيحة” (6/ 298).
قلت سيف تتمات:
وكذلك أرشد ابن عباس رجلا قتل أن يبرَّ بأمه
مما يدل أنه تراجع
ورد في ذم القتل أحاديث جمعها أصحاب كتاب نضرة النعيم: منها:
عن أنس بن مالكرضي الله عنهعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النّفس، ……. ) أخرجه البخاري (6871) واللفظ له. ومسلم (88).
(عن المقداد بن عمرو الكنديّرضي الله عنهوكان شهد بدرا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: يا رسول الله، إن لقيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسّيف فقطعها ثمّ لاذ بشجرة وقال: أسلمت لله، آقتله بعد أن قالها؟ ….. قال: «لا، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته الّتي قال») أخرجه البخاري (6865) واللفظ له ومسلم
قال الخطابي: الخوارج ومن يذهب مذاهبهم في التكفير بالكبائر يتأولونه على أنه بمنزلة الكفر، وهذا تأويل فاسد. وإنما وجهه أنه جعله بمنزلته في إباحة الدم. لأن الكافر قبل أن يُسلم مباح الدم بحق الدين، فإذا أسلم فقتله قاتل، فإن قاتله مباحُ الدم بحق القصاص.
وغير ذلك من الأحاديث …
وجمع باحث الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس مع أحاديث توضح المقصود وأضفت بعض الأحاديث، ولداعي الإختصار ذكرت بعض الأحاديث بالمعنى. فمن الأخطاء:
المسارعة إلى تصحيح الخطأ وعدم إهماله
معالجة الخطأ ببيان الحكم. ومنه حديث (غط فخذك فإنها من العورة) وحديث (أئذني له فإنه عمك تربت يمينك)
رد المخطئ إلى الشرع وتذكيرهم بالمبدأ الذي خالفوه؛ ومنه حديث الرجل المهاجري الذي كسع انصاري فثاب لكل منهم رجال وقول النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها فإنها خبيثة
تصحيح التصور الذي حصل الخطأ نتيجة لاختلاله ومنه حديث الرهط الثلاثة الذين تقالوا عبادة النبي صلى الله عليه وسلم وقول النبي صلى الله عليه وسلم أما إني أصوم وأفطر …
معالجة الخطأ بالموعظة وتكرار التخويف ومنه حديث الرجل الذي قتل رجلا بعد أن قال لا إله إلا الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة … وكررها النبي صلى الله عليه وسلم
إظهار الرحمة بالمخطئ، ومنه قصة الرجل الذي ظاهر من امرأته في رمضان، فرأى خلخالها في ضوء القمر فأتاها، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بعرق فيه تمر للكفارة فقال: على أفقر منا، والله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أطعمه أهلك. البخاري
عدم التسرع في التخطئة ومنه قصة عمر مع هشام بن حكيم بن حزام حين اختلفت قراءتهما فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم بالقراءة فصوبهما؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
الهدوء في التعامل مع المخطئ ومنه قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، وقصة الأعرابي الذي جبذه بردائه وقال: أعطني من مال الله …
وقصة الرجل الذي يطالبه بالسداد واشتد عليه.
بيان خطورة الخطأ، ومنه قصة المنافقين حين طعنوا في القراء ونزل فيهم ما نزل
بيان مضرة الخطأ ومنه حديث (أرأيتم تفرقم في هذه الشعاب فإنه من الشيطان)
تعليم المخطأ عمليا ومنه حديث لا تبدأ بفيك فإن الكافر يبدأ بفيه يعني حين الوضوء … الصحيحة 2820ومعناه أن الكافر لا يغسل يديه قبل إدخالها في الإناء
لكن صورته الإرسال وإن كان يحتمل احتمال كبير ان جبير إنما أخذه من أبيه، واعتمد الشيخ الألباني الغلبة في سماعه فصحح الحديث. والحديث ذكره أبوزرعة في الفوائد المعللة
تقديم البديل الصحيح ومنه حديث لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله ….
الإرشاد إلى ما يمنع من وقوع الخطأ ومنه حديث ( …. علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت … )
عدم مواجهة بعض المخطئين بالخطأ والاكتفاء بالبيان العام ومنه حديث (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم … )
تجنب إعانة الشيطان على المخطئ، ومنه قول رجل لرجل يلقب حمار حيث كثيرا كان يؤتى به في الخمر: أخزاه الله، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عون الشيطان على اخيكم أخرجه البخاري
طلب الكف عن الفعل الخاطئ ومنه قول عمر: لا وأبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يكف فقال مه: من حلف بشئ دون الله فقد أشرك أخرجه أحمد
وصححه الألباني ومحققو المسند
إرشاد المخطئ إلى تصحيح خطأه ومنه حديث المسئ صلاته، وحديث (حج مع امرأتك فإنه لا يحل لامرأة تسافر إلا مع ذي محرم) وحديث الرجل الذي أراد الجهاد دون إذن والديه (إرجع إليهما فاضحكهما كما ابكيتهما)
إنكار موضع الخطأ وقبول الباقي وقول الجاريتين (وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعى هذا وقولي الذي كنت تقولين لي)
إعادة الحق لأصحابه وحفظ مكانة المخطئ ومنه حديث (دعوا لي أصحابي) حين قال الرجل لخالد بن الوليد: هل أنجزت لك ما وعدتك
توجيه الكلام إلى طرفي النزاع في الخطأ المشترك عاتب خالد لأذيته عبدالرحمن بن عوف وقال: لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله
والحديث أعله أبوحاتم بالإرسال وكذلك الذهبي تعقب الحاكم ورجح انه عن الشعبي مرسلا. نقل تعليلهما الشيخ مقبل في أحاديث معلة 186. وراجع علل ابن أبي حاتم 2585
ولفظة سيف من سيوف الله هي في البخاري 3757 ( …. حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)
مطالبة المخطئ بالتحلل ممن أخطأ عليه: وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر حينما قالا لمن يخدمهما: نؤوم، فقالا: فاستغفر لنا، فقال: هو فليستغفر لكما الصحيحة 2608
وأعله عدة باحثين بمرسل لابن أبي ليلى، وراوي المرسل عفان أوثق ممن وصله وهو عباد بن الوليد الغبري، ونقل أن اباحاتم قال عنه: صدوق لكن باحث ذكر أن أباحاتم قال عن الغبري شيخ إنما الذي قال عنه صدوق هو: ابن أبي حاتم.
وقد ذكر صاحبنا أبوصالح: مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى علقه الضياء في المختارة 1697
ونقله العلامة اللباني في الصحيحة 2608
لكنه طبع هكذا “عبد الرحمن بن أبي يعلى”
وهو خطأ من الطابع.
وقال الباحث أن المرسل وصله أبوالقاسم الاصبهاني في الترغيب والترهيب
تذكير المخطئ بفضل من أخطأ في حقه، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق أبي بكر حين خاصمه عمر: دعوا لي صاحبي قلتم: كذبت، وقال: صدقت.
عتاب المخطئ ومنه معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب حين كتب كتابا لقريش يخبرهم ببعض خبر النبي صلى الله عليه وسلم
لوم المخطئ ومنه لوم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة حين قتل شارفين لعلي بن أبي طالب
هجر المخطئ، كما في هجر الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك
الدعاء على المخطئ المعاند، ومنه الدعاء على الذي يأكل بشماله وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كل بيمينك، قال: لا استطيع، قال: لا استطعت.
الإعراض عن بعض الأخطاء تكرما لما جرت الإشارة إليه ومنه قوله تعالى (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض … )
إعانة المسلم على تصحيح خطأه، ومنه إعانة المجامع بسبب الظهار في الإطعام
مراعاة ما هو مركوز في الطبيعة والجبلة البشرية، ومنه مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لغيرة أمهات المؤمنين في بعض أخطائهن
إقناع المخطئ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للذي يريد الزنا: أترضاه لأمك
مصارحة المخطئ بخطئه ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أفنلت من أمه
ملاقاة ومجالسة المخطئ لمناصحته ومنه مناصحته صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو وكان كثير الصلاة والصوم
الإعراض عن المخطئ ومنه حديث الباب
التولي عن المخطئ وترك جداله كما في قصة أيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة، وقول علي رضي الله عنه: إن أنفسنا بيد الله، فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا)
إظهار الغضب من المخطئ، كما في حديث دخول النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة وهم يتجادلون في آية فتمعر وجهه وهو يقول: أبهذا أمرتم ….
التدخل لتسكين الثائرة بين المخطئين، حين قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ من يعذرني من رجل بلغ أذاه أهلي، فقال أسيد بن حضير: أنا أعذرك يا رسول الله، إن كان من الاوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا فضربنا عنقه، فقال سعد بن عبادة وكان رجلا صالحا، لكن أخذته الحمية: كذبت، فقال أسيد: إنك منافق تدافع عن المنافقين، فثار الحيان، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكنهم.