74 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
وشاركه سيف بن غدير وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
——–
مسند ابي يعلى قال:
4566 – حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن شيبة الخضري أنه شهد عروة يحدث عمر بن عبد العزيز: عن عائشة عن النبي رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: (ثلاث أحلف عليهن لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له – وسهام الإسلام ثلاثة: الصوم والصلاة والصدقة – لا يتولى الله عبدا فيوليه غيره يوم القيامة ولا يحب قوما إلا جاء معهم يوم القيامة و الرابعة لو حلفت عليها لم أخف أن آثم: لا يستر الله على عبده في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة)
فقال عمر بن عبد العزيز: إذا سمعتن مثل هذا من مثل عروة فاحفظوه
4567 قال اسحاق: وحدثني عبدالله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
قلت سيف الاسناد الثاني لابي يعلى على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وصححه الألباني واعتبره فائدة عزيزة كما في الصحيحة 1387. وكذلك صححه محققو المسند 6/ 145 في تخريج حديث عائشة
——-
قال العَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الأَمِير الصَّنْعَانِيِّ التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ:
(ثلاث أحلف عليهن) ليقف المحلوف عليه لإعلام الله له به وفيه أنه لا بأس بالحلف على ما علم الحالف به وإن كان لا منكر لكلامه وإنما هو للتأكيد وإبانة شأن ما حُلف عليه وهذا إخبار بأنه يحلف عليهن لو طلب منه ذلك، واقتضاه الحال وليس في هذا الكلام خلف، إن أريد بأحلف الإخبار فيحتمل أنه للإنشاء وإنه حلف، ويحتمل أنه مقدر وإن قوله: (لا يجعل الله تعالى) جوابه أي والله لا يجعل … إلخ من قوله: (من له) سهم.
(في الإِسلام كمن لا سهم له) أي حظ له وشيء من أفعاله المعنية بقوله: (وأسهم الإِسلام ثلاثة) وحذف الحج والشهادة، أما الشهادة فلتضمن (الصلاة) لها وأما الحج فلأنه لا يعم وجوبه أو لندرة الإتيان به فإنه مرة في العمر بخلاف هذه الثلاثة فهي أمهات سهام الإِسلام.
(والصوم، والزكاة) أي أنه لا يسوي تعالى بين من أتى بالثلاث أو بأحدها وبين من لم يأت بشيء منها.
إن قلت: ما فائدة هذه الأخبار وهو معلوم من الشريعة {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: 35] بل ومن العقل؟
قلت: هذا الإخبار ونحوه، هو الذي صيره عندنا معلوماً وهو إخبار لمن لم يعرف الشريعة ولمن هو مدعو إليها من كفار عصره – صلى الله عليه وسلم – وغيرهم. (ولا يتولى الله عبدا في الدنيا) أي بتوفيقه له إلى فعل الخيرات وترك المنكرات.
(فيوليه غيره يوم القيامة) أي في المكافأة بل يتولاه هو سبحانه وتعالى ولا يكله إلى شفاعة شافع ولا غيره.
(ولا يحب) رجل (قوما) في الدنيا.
(إلا جعله الله معهم) في الآخرة أخياراً كانوا أو أشرارا وذلك أنه لا يحب أحدٌ أحداً إلا لمحبة ما اتصف به من خير أو شر فتجلبه محبته إلى الاتصال بهم.
(والرابعة لو حلفت عليها) في هذه الصيغة دلالة على تقدير القسم وأن المذكورات جواب له حيث لم يقل لو أحلف عليها.
(لرجوت) أي أملت.
(أن لا آثم) أي في حلفي عليها، فيه دلالة على أن الحلف على الأمر المظنون يخاف منه الإثم.
(لا يستر الله عبدا في الدنيا) أي يطلع تعالى عليه بمعصية فيستره عن عباده ولم يكشفه لهم.
(إلا ستره يوم القيامة) بالمغفرة له وعدم العقوبة على ذنبه، ووجه رجائه – صلى الله عليه وسلم – أنه تعالى ما ستر عبده في الدنيا إلا كرماً منه ورفقا به ورحمة له، وهو تعالى في الآخرة متصف بهذه الصفات على أتم وجوهها بل رحمته هنالك تسعة وتسعون رحمة وفي الدنيا رحمة واحدة.
من فوائد الحديث:
الحث على الستر.
فيه جواز الحلف بدون إستحلاف.
فيه الجزاء من جنس العمل.
فيه فضيلة العبادة.
فيه تفاضل العبادات.
فيه تفاوت مراتب الناس في الإسلام.
فيه حسن تعليم النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وذلك بذكر المعدود قبل العدد.
فيه إثبات ولاية الله لعباده المؤمنين.
فيه أن المرء مع من أحب وجاء فيه حديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – .
من اسماء الله تعالى الستير.
فوائد السَّتْرِ:
1 – نشر الحبِّ والألفة بين المؤمنين.
2 – أنه يعين العاصي على أن يتدارك نفسه، ويتوب إلى الله توبةً نصوحًا، وبالعكس فلو فُضِح وشُهِّر به، لكان في هذا إعانة للشَّيطان عليه، حيث يدفعه إلى مزيد من المعاصي والآثام.
3 – أنَّ فَضْح النَّاس -وخاصة أهل الفضل منهم إن بدت منهم زلَّة أو هفوة- قد يجرِّئ كثيرًا من عوام النَّاس على المعاصي.
4 – أنَّ نفس السَّاتر تزكو، ويرضى عنه الله، ويَسْتُره في الدُّنيا والآخرة.
متى ينبغي السَّتْر على المسلم؟
ينبغي على المسلم أن يَسْتر إخوانه المسلمين، وخاصَّةً إذا كانوا من ذوي الهيئات، وممَّن ليسوا معروفين بالأذى والفساد، أمَّا إذا كانوا معروفين بالفساد، ويجاهرون به، فلا يَسْتُر عليهم. يقول ابن تيمية: (فمن أظهر المنكر، وجب عليه الإنكار، وأن يُهْجَر ويُذَمَّ على ذلك. فهذا معنى قولهم: من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له. بخلاف من كان مُسْتَتِرًا بذنبه، مُسْتَخْفيًا، فإنَّ هذا يُسْتَر عليه؛ لكن يُنْصَح سِرًّا، ويَهْجُره من عرف حاله، حتَّى يتوب، ويَذْكر أمره على وجه النَّصيحة).
وقال النَّووي: (وأمَّا السَّتر المندوب إليه هنا، فالمراد به: السَّتر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممَّن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأمَّا المعروف بذلك، فيُسْتَحبُّ أن لا يُسْتَر عليه، بل تُرْفَع قضيته إلى وليِّ الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنَّ السِّتر على هذا يُطْمِعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. هذا كلُّه في سِتْر معصية وقعت وانقضت، أمَّا معصية رآه عليها، وهو بعد متلبِّسٌ بها، فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قَدر على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عجز، لزمه رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم تترتَّب على ذلك مفسدة، وأمَّا جَرْح الرُّواة والشُّهود والأُمناء على الصَّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فيجب جَرْحُهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السِّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة، وهذا مُجْمَعٌ عليه، قال العلماء في القسم الأوَّل -الذي يُسْتَر فيه-: هذا السِّتر مندوب، فلو رفعه إلى السُّلطان ونحوه، لم يأثم بالإجماع، لكن هذا خلاف الأولى، وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه، والله أعلم).
وقال ابن رجب: (واعلم أنَّ النَّاس على ضربين:
أحدهما: من كان مَسْتُورًا، لا يُعْرَف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هَفْوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التَّحدث بها؛ لأنَّ ذلك غيبة محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون} َ [النُّور: 19].
والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المسْتَتِر فيما وقع منه، أو اتُّهم به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك.
قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تَسْتُر العصاة، فإنَّ ظهور معاصيهم، عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستْر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّره، لم يُسْتَفْسَر، بل يؤمر بأن يرجع ويَسْتر نفسه، كما أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يَسْتَفْسر الذي قال: أصبت حدًّا، فأقمه علي. ومثل هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنَّه يُشْفَع له، حتَّى لا يبلغ الإمام.
والثَّاني: من كان مُشْتَهِرًا بالمعاصي، معلنًا بها، لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعْلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود. صرَّح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها)).
ومثل هذا لا يُشْفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يبلغ السُّلطان، بل يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ، لينكفَّ شرُّه، ويَرْتَدع به أمثاله. قال مالك: من لم يُعرف منه أذى للناس، وإنَّما كانت منه زلَّة، فلا بأس أن يُشْفع له، ما لم يبلغ الإمام، وأمَّا من عُرِف بشَرٍّ أو فساد، فلا أحبُّ أن يشفع له أحد، ولكن يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ. حكاه ابن المنذر وغيره.
وكره الإمام أحمد رَفْع الفُسَّاق إلى السُّلطان بكلِّ حال، وإنَّما كرهه؛ لأنَّهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجهها، ولهذا قال: إن عَلِمت أنَّه يقيم عليه الحدَّ فارفعه، ثمَّ ذكر أنَّهم ضربوا رجلًا، فمات، يعني: أنَّه لم يكن قَتْلُه جائزًا.
ولو تاب أحد من الضَّرب الأوَّل، كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى، ويَسْتُر على نفسه.
وأما الضَّرب الثَّاني، فقيل: إنَّه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام، ويقرَّ على نفسه بما يوجب الحدَّ، حتَّى يطهِّره).
السَّتْرُ لا يعني ترك إنكار المنكر:
لا يعني السَّتْر ترك الإنكار على من تَسْتُره فيما بينك وبينه، وإذا أنكرت عليه، ونصحته، فلم ينتهِ عن قبيح فعله، ثمَّ جَاهَر به جازت الشَّهاده عليه بذلك، كما ذكر ذلك العلماء، وقد فرَّق ابن حجر بين مَحَلِّ السَّتر والإنكار، قال: (والذي يظهر أنَّ السَّتر محلُّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حَصل التَّلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلَّا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة).
وينبغي أن تكون النَّصيحة سرًّا ولا تكون أمام الملأ.
يقول الشافعي في ذلك:
تَعَمَّدني بنصحك في انفرادي
وجنِّبني النَّصيحة في الجماعهْ
فإنَّ النُّصح بين النَّاس نوع من
التَّوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا
تجزع إذا لم تُعط طاعهْ.
سأل الفوزان:
السؤال: ما الضابط في المَحَبّة؟
الجواب: كما بيَّنتها الأدلة في هذا الكتاب، الضابط في المَحَبَّةِ: أنْ تُحِب غير الله مَحَبَّة عُبُودية بخُضُوعٍ، تُحِب المَخلوق مَحَبَّة خضوع وانقياد، هذه المَحَبَّة الشِّركيّة.
أمّا أنَّهُ يُحِبُّهُ ولا يخضع له فهذه طبيعية لا يُؤَاخَذ عليها، يُحِب الإنسان زوجته، ويحب ماله، ويحب ولده لكنه لا يخضع لهم، يُقَدِّم طاعتهم ويُقَدِّمهم على ما يُحِبّه الله ورسوله.
وقال في الفرق بين الموالاة المحرمة للكفار ومعاملتهم؟
الإسلام يجيز المعاملة مع الكفار مع بغضك لهم، الموالاة: حبهم، الموالاة هي: المودة والمحبة والتناصر معهم، على باطل تنصرهم، يعني إذا كان هذا الكافر تحت ذمتنا ويعتدي عليه المسلم يجب أن تنصره، ولو كان كافرا وهذا لا يعتبر من الموالاة، هذا من العدل الذي شرعه الله تبارك وتعالى، ومن الوفاء بالذمم والعهود التي يتحتم على المسلمين إذا أبرموا عهودا ومواثيق مع الكفار أن يفوا بها، عرفتم، فالتجارة: الرسول -كما عرفتم- مات ودرعه مرهون عند يهودي، وكان المعاملات بين نصارى الشام، بين المجوس وبين المسلمين يأتون إلى المدينة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولعلكم تقرؤون آخر سورة الجمعة وأن قافلة أقبلت من الشام بتجارة فانفض المسلمون ((وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما))، هذا أن قافلة قدمت بتجارة من الشام فسمع الناس بقدوم هذه القافلة وهم في أول الإسلام فخرجوا، وبقي مع الرسول عدد قليل عليه الصلاة والسلام، وإلى أن مات الرسول وفي أيام عمر تأتي التجارة من الكفار ولما فتحوا الدنيا استمر هذا التعامل مع الكفار، …. تأتي بكافر يساعدك على عدو خبيث تعجز عن مقابلته هذا ليس من الموالاة في شيء أبدا، فدعونا نفهم، كثير من الناس يعتبرون هذا من الموالاة، وهو خطأ في الفهم، وقصور في الفقه.
[شريط بعنوان: الاعتصام بالكتاب والسنة] للعلامة ربيع حفظه الله
حكم موالاة الكفار
ما هي الموالاة المنهي عنها شرعاً؟ للعلامة ابن باز رحمه الله
محبّة الكفار وإعانتهم على باطلهم، واتخاذهم أصحاباً وأخداناً ونحو ذلك من كبائر الذنوب، ومن وسائل الكفر بالله.
فإن نصرهم على المسلمين وساعدهم ضد المسلمين، فهذا هو التّولي، وهو من أنواع الردّة عن الإسلام؛ لقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [2]، وقال سبحانه: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [3] الآية. وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [4]. والله ولي التوفيق.
وقال ابن باز ايضا:
حكم التعامل مع الكفار بيعاً وشراء
الذين يعيشون في بلاد الكفر في أمريكا وبريطانيا وغيرها يتعاملون مع الكفار، ما أدري ما الحكم في ذلك؟
النبي صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهون عند يهودي، والمحرم الموالاة، أما البيع والشراء فما فيه شيء، اشترى صلى الله عليه وسلم من وثني أغناماً، ووزعها على أصحابه صلى الله عليه وسلم.
وإنما المحرم موالاتهم ومحبتهم، ونصرهم على المسلمين، أما كون المسلم يشتري منهم ويبيع عليهم، أو يضع عندهم حاجة، فما في ذلك بأس، حتى النبي صلى الله عليه وسلم أكل طعام اليهود، وطعامهم حل لنا، كما قال سبحانه: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ
قال ابن باز:
[الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم منه مودتهم و لا موالاتهم]
الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يلزم
منه مودتهم ولا موالاتهم، بل ذلك يقتضي الأمن بين الطرفين، وكف بعضهم عن إيذاء البعض الآخر وغير ذلك، كالبيع والشراء، وتبادل السفراء .. وغير ذلك من المعاملات التي لا تقتضي مودة الكفرة ولا موالاتهم. وقد صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ولم يوجب ذلك محبتهم ولا موالاتهم، بل بقيت العداوة والبغضاء بينهم، حتى يسر الله فتح مكة عام الفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وهكذا صالح النبي صلى الله عليه وسلم يهود المدينة لما قدم المدينة مهاجراً صلحاً مطلقاً، ولم يوجب ذلك مودتهم ولا محبتهم، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يعاملهم في الشراء منهم والتحدث إليهم، ودعوتهم إلى الله، وترغيبهم في الإسلام، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام اشتراه لأهله. ولما حصل من بني النضير من اليهود الخيانة أجلاهم من المدينة عليه الصلاة والسلام، ولما نقضت قريظة العهد ومالؤوا كفار مكة يوم الأحزاب على حرب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتلتهم، وسبى ذريتهم ونساءهم، بعدما حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم فحكم بذلك، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حكمه قد وافق حكم الله من فوق سبع سماوات.
وهكذا المسلمون من الصحابة ومن بعدهم، وقعت الهدنة بينهم – في أوقات كثيرة – وبين الكفرة من النصارى وغيرهم فلم يوجب ذلك مودة، ولا موالاة، وقد قال الله سبحانه: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [1]، وقال سبحانه: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَأَىءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [2]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [3]، وقال عز وجل: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [4] الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ومما يدل على أن الصلح مع الكفار من اليهود وغيرهم إذا دعت إليه المصلحة أو الضرورة لا يلزم منه مودة، ولا محبة ولا موالاة: أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر صالح اليهود فيها على أن يقوموا على النخيل والزروع التي للمسلمين بالنصف لهم والنصف الثاني للمسلمين، ولم يزالوا في خيبر على هذا العقد، ولم يحدد مدة معينة، بل قال صلى الله عليه وسلم: ((نقركم على ذلك ما شئنا))، وفي لفظ: ((نقركم ما أقركم الله)) فلم يزالوا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه، وروي عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنه لما خرص عليهم الثمرة في بعض السنين قالوا: (إنك قد جرت في الخرص، فقال رضي الله عنه: والله إنه لا يحملني بغضي لكم ومحبتي للمسلمين أن أجور عليكم، فإن شئتم أخذتم بالخرص الذي خرصته عليكم، وإن شئتم أخذناه بذلك). وهذا كله يبين أن الصلح والمهادنة لا يلزم منها محبة، ولا موالاة، ولا مودة لأعداء الله، كما يظن ذلك بعض من قل علمه بأحكام الشريعة المطهرة. وبذلك يتضح للسائل وغيره أن الصلح مع اليهود أو غيرهم من الكفرة لا يقتضي تغيير المناهج التعليمية، ولا غيرها من المعاملات المتعلقة بالمحبة والموالاة، والله ولي التوفيق.
ما هو ضابط الولاء والبراء مع أهل البدع؟ الجواب
أهل البدع يختلفون؛
· فمنهم الداعية إلى بدعته الجَلْد؛ فهذا له حالتان:
– إحداهما: أن تكون قوة الشوكة والصولة والكِفَّة الراجحة لأهل السنة فإنهم يغلظون القول فيهم ويهجرونهم ولا كرامة عين.
– أما إذا كانت المسألة عكسية فالصَوْلة والجولة والكفة وقوة الشوكة للمبتدعة فيكتفي أهل السنة برد البدع ولا يهجرون، نعم لك أن تهجره هجرًا وقائيًا في هذا الحال فلا تزوره ولا تستزيره وإذا لقيته مع ناس سَلّم عليه نعم وحتى لو لم تلقه مع ناس وكنت تخشى سطوته سَلِّم عليه ثم اذهب، وإذا مدّ يده إليك صافحه، وإذا دخلت وهو في المجلس صافحه ضمن الآخرين.
- الثاني: غير الداعية، بدعته في نفسه، فهذا أخف.
– الصنف الثاني من أهل البِدع، البِدع المُكفّرة: مثل وحدة الوجود والحلول والرَّفض، وأهل الباطنية، فهؤلاء يُهجَرون ولا كرامة عين، ولو أَدَّى الأمر أَنَّك تخرج من قريتك، أو تُصَلِّي في بيتك يكفي، لابد من هجرهم، نعم إن كنت تطمع في نصيحتهم، تقوى على أمرهم بالمعروف والنهي عن المُنكر، وقدرت على إقام الحُجّة فأقم عليه الحُجَّة، لعلَّ الله يهدي بك ضالًّا ويكون لك كما قال – صلّى الله عليه وسلّم –: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا)).
هل الولاء والبراء أصل من أصول السلفية؟
السؤال
* هل الولاء والبراء أصل من أصول السلفية، وهل يخرج الرجل من أهل السنة بترك هذا الأصل، جزاكم الله خيرا؟
الجواب
* من عقيدة أهل السنة والجماعة، الولاء والبراء، وهو على نوعين: النوع الأول: الولاء والبراء مع المسلمين. والنوع الثاني: الولاء والبراء مع الكافرين. بالنسبة للنوع الأول و هو الولاء والبراء مع المسلمين، فالمسلم يوالي كل مسلم يطيع الله، ويتبرأ من معصية الله، فيبغض المسلم إذا كان على معصية، ويحبه لإسلامه وطاعته. فهذا الولاء الذي يكون مع المسلم، إذ يجتمع في قلب المسلم لأخيه المسلم ولاء بمعنى المحبة والنصرة من أجل الإسلام والطاعة، وبغض وكره للمعصية والمخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، فنحن نحب المسلم الطائع لطاعته، ونبغض المسلم العاصي لمعصيته، ونقول: قد يجتمع في المسلم لأخيه المسلم، محبة من جهة وبغض من جهة، فهذا النوع الأول الذي يكون بين المسلم والمسلم. النوع الثاني: الولاء والبراء مع الكافر: وهذا على درجتين: الدرجة الأولى، مخرجة من الملة، و هي أن يوالي الإنسان الكافر، يعني يحبه وينصره من أجل دينه وعقيدته، فهو يحب دين الكافر و عقيدة المشركين، ويحب نصرة الكافر وعقيدة الكافر، وهذه الدرجة من الولاء مع الكفار مخرجة من الدين. والأصل أن ينعقد قلب المسلم على بغض الكفار والبراءة منهم.
الدرجة الثانية من الولاء والبراء مع الكفار، أن ينعقد قلب المسلم على بغض الكافر وعلى البراءة منهم، ولكن قد يحب الكافر لأمر من أمور الدنيا، أو يتعامل معه بمعاملة في الظاهر، كالمسلم يحب زوجته النصرانية أو اليهودية لأنها زوجته، أو المسلم يحب تاجرا كافرا من أجل صدقه وحسن بضاعته، وحسن بيعه وأمانته ونحو ذلك، أو يبيع ويشتري مع الكافر، فهذا النوع من الولاء لا يخرج من الملة، وهو يدور على الأحكام الشرعية الخمسة، تارة يكون واجبا، تارة يكون مستحبا، تارة يكون مباحا، تارة يكون محرما، تارة يكون مكروها؛ يكون واجبا كالبر بالوالدين، أو كالبر بالكافر من أجل تحقيق أمر فيه مصلحة عامة للمسلمين لا سبيل لها إلا ذلك، وكنصرة الزوجة الكتابية ممن يريدها بشر من الفساق والسفهاء. ويكون مستحبا بأن يوالي الإنسان الكافر الولاء الظاهر، مع انعقاد القلب على بغض الكافر و كره ما عليه دينه واعتقاده، رغبة في دعوته كما قال تعالى عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}، وكان الرسول يحب أن يسلم عمه أبوطالب. وقد يكون حراما كالتشبه بالكفار في ما هو من خصائصهم من أمر العادات، مع انعقاد القلب على بغضهم وكرههم. وقد يكون مكروها، كأن تستعمل العامل الكافر مع وجود مسلم يغني عنه. وقد يكون مباحا، في التعامل معه في الأمور الظاهرة، كالبيع والشراء، وقد مات رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي. أقول هذا الولاء وهذه أنواعه وهذه أحكامه وهذه درجاته، والولاء من عقيدة المسلمين ومنصوص عليه في كتب المسلمين، بل هو حقيقة الإسلام، فالإسلام وهو الاستسلام له بِالتَّوْحِيدِ وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وأهله. هذه هي عقيدة الإسلام، فلا يكون المرء مسلما إلا بذلك. وعليه؛ فإن تحقيق معنى الولاء والبراء على الترتيب السابق مع المسلم ومع الكافر على الصورة السابقة، من أصول السلفية.
وبالله التوفيق. (المصدر: شريط أصول وقواعد في المنهج)
القسم العقيدة والمنهج