72 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
————————
مسند احمد 5608 – حدثنا بهز، وحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال بهز في حديثه، عن حماد: قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله، عن عبيد الله بن مقسم، عن عبد الله بن عمر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وهو على المنبر: ” {والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} “، قال: يقول الله عز وجل: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا المتعالي، يمجد نفسه “. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرددها حتى رجف به المنبر، حتى ظننا أنه سيخر به
—–
قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم، حماد بن سلمة من رجاله، وباقي رجاله رجال الشيخين.
ولخرجه ابن خزيمة في “التوحيد” (95) من طريق بهز بن أسد وحده، بهذا الإسناد. وقد سلف برقم (5414).
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
أخرجه البخاري 7412، ومسلم 2788 لكن لفظ أحمد أطول. ذكر ذلك ابن كثير عندما ذكر الحديث في سورة الزمر آية رقم 67 ففيه زيادات
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
الحديث بين عظمة الله تعالى وقدرته الباهرة، والسموات بحجمها وكبرها وسعتها فهي لعظمة الله لا شيء، والحديث يرد على من أول اليد بالقدرة، وسيأتي رد ذلك لاحقا.
قال الشيخ الراجحي في شرح سنن ابن ماجة:
وفيه إثبات عظمة الرب عز وجل، وأن هذه المخلوقات العظيمة لا تساوي شيئاً بالنسبة لعظمة الله، وجاء في الحديث الآخر: (أن الله تعالى يجعل السماوات يوم القيامة على أصبع، والأرضين على أصبع، والماء والثرى على أصبع، والجبال على أصبع، وسائر خلقه على أصبع، ثم يهزهن بيده، ويقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟).
وفي الحديث الآخر: (ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)، والخردلة هي الحبة الصغيرة.
قال العلامة الشنقيطي: وما ذكره من كون السموات مطويات بيمينه في هذه الآية ـ جاء في الصحيح أيضاً عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا مراراً أن الواجب في ذلك إمراره كما جاء، والتصديق به مع اعتقاد أن صفة الخالق أعظم من أن تماثل صفة المخلوق. أضواء البيان
وفيه فوائد:
1 – إثبات صفة الكلام لله جل وعلا، و كلامه:
قال ابن تيمية في الواسطية: ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود وأن الله تكلم به حقيقة وأن هذا القرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه و سلم هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله تعالى حقيقة فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا وهو كلام الله حروفه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف.
2 – و فيه: إثبات صفة اليدين لله جل وعلا.
قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/ 263): “إن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله”، توصف يد الله عَزَّ وَجَلَّ بأنها يمين، وهذا ثابت بالكتاب والسنة كما في قوله سبحانه: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً: ” … ويطوي السماء بيمينه … ” رواه البخاري (7382)، ومسلم (2787)
قال ابن رجب: لفظ اليمينُ في قولِه سبحانَه وتعالى: (وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ) حقيقة.
وهو دالٌّ على الصفةِ الذاتيةِ. تفسير ابن رجب (2/ 225).
قال العلامة العباد: واليمين ثابتة لله في القرآن والسنة، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر:67)، وفي هذه الآية رد بين على المعطلة الذين قالوا إن إثبات اليد لله يلزم منه تشبيه الله بالخلق. فيقال لهم: كيف يفهم عاقل تأمل هذه الآية أنه يلزم من إثبات اليد لله حقيقة تشبيه الله بالمخلوق وقد وصفت يده سبحانه بهذه العظمة والكمال.
[الرد على من أوّل صفة اليد الى القدرة]
ويرد عليهم بأنه لا يلزم من اتفاق الشيئين في الاسم أن يتفقا في الحقيقة والمسمى، هذا بين المخلوق والمخلوق، فكيف بين الخالق والمخلوق؟ (وكلتا يديه). وفيه إثبات اليدين لله حقيقةً على الوجه اللائق به، وهذا التنصيص بأن له يدين جاء في القرآن والسنة، قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة: من الآية64).
وفي الحديث: “يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض”. رواه البخاري ومسلم.
وهذه الآية والحديث من أقوى الأدلة في الرد على من قال يده قدرته، فيقال لهم: هل لله قدرتان؟ وبإجماع أهل الإسلام أنه ليس لله قدرتان، وتفسيرها بالنعمة أيضا مردود؛ لأنه لا يقول أحد إن لله نعمتين بل نعمه كثيرة، وماذا يقول هؤلاء في الحديث؟ هل يقولون وبقدرته الأخرى أو بنعمته الأخرى أو ماذا يقولون؟!
ولا يعارض ثبوت اليدين لله أن اليد قد جائت في بعض النصوص بصيغة الجمع كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} (يّس:71)
وكذلك جائت مفردة كما في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الملك:1)
لأن لغة العرب تتسع للأخبار عن المثنى بالجمع أو المفرد، وقد ورد ذلك في القرآن كما في قوله تعالى: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) (التحريم: من الآية4)،وما زال العرب يقولون رأيتك بعيني، وسمعتك بأذني، والمراد عينيَّ وأذنيَّ، فلا تعارض إذاًَ بين الألفاظ الواردة. ومثله تماماً في قول العين.
(وكلتا يديه بالفواضل) الفواضل جمع فاضلة، وهو الخير والجود والكرم والعطاء، قال الله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة: من الآية64)
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا”.
التحفة السنية في شرح منظومة ابن ابي داود الحائية
3 – فيه اثبات اسم الجبار، واسم المتكبر، و اسم الملك لله جل جلاله.
قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
وقال قتادة: الجبار: الذي جبر خلقه على ما يشاء.
وقال ابن جرير: الجبار: المصلح أمور خلقه، المتصرف فيهم بما فيه صلاحهم.
وقال قتادة: المتكبر: يعني عن كل سوء. ” تفسير ابن كثير” 8/ 80.
4 – أن اثبات اسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، فالله جل وعلا أمرنا التعبد بأسمائه الحسنى صفاته العليا، وأن ندعوا الله بما يناسب مثاله: أن تقول يا جبار السموات والارض انتقم من الظالمين، ولا يجوز ان تقول يارحيم أو يا غفور انتقم من الظالمين، وانما تقول يا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ويا تواب تب علينا.
للمزيد انظر شرح القواعد المثلى للعلامة العثيمين، والصفات الالهية للعلامة الجامي رحمهما الله.
5 – ينبغي للعبد أن يتواضع لله جل وعلا، وأن يتواضع للخلق وللحق، وأن يحذر العبد من التكبر والتعاظم على عباد الله
عن أبي هريرة , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال فيما يحكي عن ربه – جل وعلا – ((الكبرياء ردائي , والعظمة إزاري , فمن نازعني واحدا منهما؛ قذفته في النار)). صحيح لغيره – ((الصحيحة))
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ».رواه مسلم
البطر: التكبر على الحق فلا يقبله.
الغمط: الاحتقار والاستهانة
شرح النووي على مسلم – (ج 1 / ص 194)
قال ابن القيم: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: التكبر شر من الشرك فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى والمشرك يعبد الله وغيره
قلت: ولذلك جعل الله النار دار المتكبرين كما قال الله تعالى في سورة الزمر وفي سورة غافر: (فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين) غافر: الزمر: 72 وفي سورة النحل: فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوي المتكبرين النحل: 29 وفي سورة تنزيل: أليس في جهنم مثوى للمتكبرين الزمر: 60
وأخبر أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع الله على قلوبهم فقال تعالى كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار غافر: 35 وقال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر رواه مسلم. مدارج السالكين (2/ 332)
و قال في نونيته:
وسل العياذ من التكبر والهوى … فهما لكل الشر جامعتان
وهما يصدان الفتى عن كل طر … ق الخير إذ في قلبه يلجان
فتراه يمنعه هواه تارة … والكبر أخرى ثم يشتركان
والله ما في النار إلا تابع … هذين فاسأل ساكني النيران
والله لو جردت نفسك منهما … لأتت إليك وفود كل تهان
قال العلامة ابن باز في المجموع (9/ 57): إياك والتكبر والتعاظم في نفسك والعجب، وعليك بالتواضع وعدم التكبر.
قال العلامة العثيمين:
التكبر كمال للخالق ونقص للمخلوق، لأنه لا يتم الجلال والعظمة إلا بالتكبر حتى تكون السيطرة كاملة ولا أحد ينازعه .. ولهذا توعد الله تعالى من ينازعه الكبرياء والعظمة، قال: “من نازعني واحداً منهما عذبته”. شرح العقيدة الواسطية (43).
قال العلامة الفوزان: وهذه سنة الله جل وعلا، أن من تكبر عن الحق ولم يقبله إذا بلغه، فإنه يبتلى بفساد القلب؛ عقوبة له. ” شرح المسائل الجاهلية ” ص 92