72 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري وإبراهيم المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
72 – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج 1 ص 414): حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِيدَ بِالْمُصَلَّى مُسْتَتِرًا بِحَرْبَةٍ.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ رجاله رجال الصحيح.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (1/ 154): ” هَذَا إِسْنَاد صَحِيح رِجَاله ثِقَات رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن يُونُس بن عبد الله عَن ابْن وهب وَلَيْسَ فِي روايتنا، وَله شَاهد من حَدِيث ابْن عمر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره “.
* صححه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجه 1306.
* قال محققو سنن ابن ماجه (2/340): إسناده صحيح.
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1- تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب ابن ماجه على هذا الحديث بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَرْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، وأورد تحته من الأحاديث غير حديث أنس رضي الله عنه:
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَالْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى، نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ فَضَاءً، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُسْتَتَرُ بِهِ» [أخرجه البخاري (973)]
- عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ أَوْ غَيْرَهُ، نُصِبَتِ الْحَرْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَالنَّاسُ مِنْ خَلْفِهِ» ، قَالَ نَافِعٌ: فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ.[صححه الألباني، وقال محققو سنن ابن ماجه: صحيح، سويد بن سعيد حسن الحديث، وباقي رجاله ثقات.وانظر ما قبله، وما بعده.]
بوب للشيخ مقبل في الجامع الصحيح باب الصلاة إلى سترة وذكر حديث أنس
أحاديث في الباب من الصحيح المسند
914 – روى الحاكم رحمه الله (ج 1 ص 254): عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي فمرت شاة بين يديه فساعاها إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة.
هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.
915 – روى الإمام أحمد رحمه الله (2095): ٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَجَاءَتْ جَارِيَتَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَخَذَتَا بِرُكْبَتَيْهِ فَفَرَّعَ بَيْنَهُمَا .
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
وقد أخرجه أبو داود والنسائي، كما في “تحفة الأشراف”.
2- شرح الحديث:
* قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (3/102): ” قوله ( مستترا بحربة ): أي متخذها سترة وفي الزوائد عزاه المزي في الأطراف للنسائي وليس في روايتنا وإسناد بن ماجه صحيح ورجاله ثقات .”
* ينظر عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند 19 في شرح حديث: أَبُي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَهُوَ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ، فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: ” لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ، فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي، فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ – الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا – وَلَوْلَا دَعْوَةُ أَخِي سُلَيْمَانَ، لَأَصْبَحَ مَرْبُوطًا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، يَتَلَاعَبُ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ أَحَدٌ فَلْيَفْعَلْ.
ومما جاء فيه:
حكم السترة:
اختلف أهل العلم في سترة المصلي على قولين:
- القول الأول: بالوجوب و هو قول الشوكاني و ابن حزم و الألباني والاتيوبي و هو الظاهر لقوة الأدلة
- و القول الثاني: هو قول الجمهور وقول ابن باز والعثيمين والعباد.
و من أدلة القول الأول:
عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعِ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، و صححه الألباني.
عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحدا يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله؛ فإن معه القرين» صحيح ابن خزيمة، وقال الألباني : سند جيد.
قال الشيخ علي القاري (1/ 491): ” واستفيد منه أن السترة تمنع استيلاء الشيطان على المصلي، وتَمَكُّنِهِ من قلبه بالوسوسة، إمَّا كُلاً أو بعضاً؛ بحسب صدق المصلي وإقباله في صلاته على الله تعالى، وأن يُمَكِّنُ الشيطانَ من إزلاله عما هو بصدده من الخشوع والخضوع وتدبره القراءة والذكر.
قلت: فانظر إلى متابعة السنة وما يترتب عليها من الفوائد الجمة “. انتهى.
و ” كان أحياناً يتحرى الصلاة عند الأُسْطُوَانَةِ التي في مسجده ” أخرجه البخاري (2/ 457)، ومسلم (2/ 59).
قال الشوكاني: وظاهر الأمر الوجوب فإن وجد ما يصرف هذه الأوامر عن الوجوب إلي الندب فذاك .
قال الألباني: وإن مما يؤكد وجوبها أنها سبب شرعي لعدم بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود كما صح ذلك في الحديث ولمنع المار من المرور بين يديه وغير ذلك من الأحكام المرتبطة بالسترة وقد ذهب إلى القول بوجوبها الشوكاني في ” نيل الأوطار ” (3/ 2) و ” السيل الجرار ” (1/ 176) وهو الظاهر من كلام ابن حزم في ” المحلى ” (4/ 8 – 15)، تمام المنة (300).
قال الشيخ محمد آدم الاثيوبي: الراجح عندي ما قاله القاضي عياض رحمه الله تعالى من أن الخط لا يكفي في السترة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بَيَّنَ أقل مقدار السترة لمَّا سئل عنها، فلو كان يكفي أقل من ذلك لبينه، فاتضح بذلك أن ما كان أقل من مؤخرة الرحل لا يعتبر ساترًا للمصلي. والله أعلم. شرح المجتبى (9/ 328).
ومن أدلة القول الثاني:
وحمله جمهور الفقهاء على الاستحباب، بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك عليّ أحد”. متفق عليه.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: المراد بقوله: “إلى غير جدار” إلى غير سترة. قال الحافظ رحمه الله: وسياق الكلام يدل على ذلك؛ لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته.
ويؤيده رواية البزار بلفظ: “والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة، ليس لشيء يستره”. اهـ “فتح”. جـ 1 ص 231.
قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في الفتح:
وقد قال الشافعي: قول ابن عباس: ((إلى غير جدار))، أراد – والله أعلم -: إلى غير سترة.
واستدل بذلك على أن السترة غير واجبة في الصلاة.
وحمله غيره على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي إلى عنزة، فإن هـذه كانت عادته في الأسفار، على ما يأتي – إن شاء الله تعالى.
فكلام البخاري قد يدل على هـذا؛ لإدخاله هـذا الحديث في أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
وحمله الإمام أحمد – في رواية ابن منصور والأثرم – على مثل هـذا.
لكن البخاري قد خرج الحديث، وفيه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى إلى غير جدار، كما تقدم، إلا أن يقال: لا يلزم من عدم الجدار نفي استتاره بحربة ونحوهـا.
وقد ذكر الأثرم أن ابن أخي الزهـري روى هـذا الحديث عن الزهـري، وذكر فيه: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى إلى غير سترة.
وقد روي عن الإمام أحمد مثل قول الشافعي، وأنه حمل الحديث على أن النبي – صلى الله عليه وسلم – صلى إلى غير سترة -: نقله عنه الحسن بن ثواب.)
الجواب الثالث: هذا في حالة التعذر قاله الاثرم كما سيأتي في النقل القادم.
قال الإمام ابن رجب رحمه الله في الفتح:
قال صاحب ((تهذيب المدونة)): ولا يصلي في الحضر إلا إلى سترة، ويصلي في السفر أو بموضع يأمن فيه مرور شيء بين يديه إلى غير سترة.
ويستدل لذلك بصلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – بمنى إلى غير جدار، كما تقدم في رواية مالك لحديث ابن عباس، وان الشافعي وغيره فسروه بصلاته إلى غير سترة بالكلية.
وقد قيل: إن فائدة السترة منع المرور بين يدي المصلي.
وقيل: كف النظر عما وراء السترة.
والأول أظهر وأشبه بظواهـر النصوص، والعنزة ونحوهـا لا تكف النظر.
وحيث تستحب الصلاة إلى السترة، فليس ذلك على الوجوب عند الأكثرين، وهـو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد.
ومنهم من قال: هـي واجبة، لكن لا تبطل الصلاة بتركها حتى يوجد المرور المبطل للصلاة الذي لأجله شرعت السترة.
وقال الأثرم: حديث ابن عباس في صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى غير سترة إن كان محفوظا فإنما وجهه إذا لم يجد سترة أجزأه.
فحمله على حالة تعذر وجود السترة، وفيه نظر؛ فان النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يتعذر عليه تحصيل ما يستتر به، وهـو بمنى أو بعرفة، ومعه الخلق العظيم .. )
قال الأتيوبي : حديث ابن عباس رضي الله عنهما لا يصلح لصرف الأمر إلى الاستحباب؛ لأن التفسير المذكور غير متفق عليه، حيث إن بعض أهل العلم فسره بأنه صلى إلى سترة غير جدار، وهو الذي يدل عليه عمل البخاري حيث استدل بالحديث على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وقد تبعه النووي فقال في شرح مسلم في كلامه على فوائد هذا الحديث: “فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه”.
وعندي أن حمل قول ابن عباس رضي الله عنهما: “إلى غير جدار” على ظاهره -كما فهمه البخاري- هو المتعين، فيكون المراد أنه صلى إلى سترة غير جدار، ولا تنافيه رواية البزار “إلى غير سترة” لإمكان حملها على سترة عريضة تستر الصفوف، أو هي رواية بمعنى ما فهمه الراوي.
انتهى
* قال الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: ” السترة ووجوبها؛
(البخاري وأحمد) و (كان صلى الله عليه وسلم يقف قريبا من السترة فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع)
(البخاري ومسلم) و (بين موضع سجوده والجدار ممر شاة)
(ابن خزيمة) وكان يقول: (لا تصل إلا إلى سترة ولا تدع أحدا يمر بين يديك فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين)
(أبو داود والبزار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي) ويقول: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)
و (كان – أحيانا – يتحرى الصلاة عند الاسطوانة التي في مسجده) (البخاري ومسلم) و (كان إذا صلى [في فضاء ليس فيه شيء يستتر به] غرز بين يديه حربة فصلى إليها والناس وراءه) وأحيانا (كان يعرض راحلته فيصلي إليها) وهذا خلاف الصلاة في أعطان الإبل فإنه (نهى عنها) وأحيانا (كان يأخذ الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته)
(مسلم وأبو داود) وكان يقول: (إذا وضع أحكم بين يديه مثل موخرة الرحل – فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك)
(النسائي وأحمد بسند صحيح) و (صلى – مرة – إلى شجرة)
(البخاري ومسلم وأبو يعلى) و (كان – أحيانا – يصلي إلى السرير وعائشة رضي الله عنهـ مضطجعة عليه [تحت قطيفتها] )
(ابن خزيمة في صحيحه والطبراني) وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع شيئا يمر بينه وبين السترة فقد (كان يصلي إذ جاءت شاة تسعى بين يديه فساعاها حتى ألزق بطنه بالحائط [ومرت من ورائه] ) (أحمد والدارقطني والطبراني بسند صحيح) و (صلى صلاة مكتوبة فضم يده فلما صلى قالوا: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء قال:
(لا إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي وأيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان لارتبط إلى سارية من سواري المسجد حتى يطيف به ولدان أهل المدينة [فمن استطاع أن لا يحول بينه وبين القبلة أحد فليفعل] )
وكان يقول:
(البخاري ومسلم) (إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره [وليدرأ ما استطاع] (وفي رواية: فليمنعه مرتين) فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)
(البخاري ومسلم) وكان يقول: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه)
——————
* جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (24/177) ست عشرة مسألة متعلقة بسترة المصلي:
المسألة الأولى: تعريف السترة:
السترة بالضم مأخوذة من الستر، وهي في اللغة ما استترت به من شيء كائنا ما كان، وكذا الستار والستارة، والجمع: الستائر والستر، ويقال: ستره سترا وسترا: أخفاه . وسترة المصلي في الاصطلاح: هي ما يغرز أو ينصب أمام المصلي من عصا أو غير ذلك ، أو ما يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بين يديه .
وعرفها البهوتي: بأنها ما يستتر به من جدار أو شيء شاخص. . . أو غير ذلك يصلى إليه . وجميع هذه التعريفات متقاربة.
المسألة الثانية: الحكم التكليفي:
يسن للمصلي إذا كان فذا (منفردا) أو إماما أن يتخذ أمامه سترة تمنع المرور بين يديه، وتمكنه من الخشوع في أفعال الصلاة، وذلك لما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدا يمر بين يديه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسهم ، وهذا يشمل السفر والحضر، كما يشمل الفرض والنفل.
والمقصود منها كف بصر المصلي عما وراءها، وجمع الخاطر بربط خياله كي لا ينتشر، ومنع المار كي لا يرتكب الإثم بالمرور بين يديه.
والأمر في الحديث للاستحباب لا للوجوب، قال ابن عابدين : صرح في المنية بكراهة تركها، وهي تنزيهية، والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما: قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة.
ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوتي : وليس ذلك بواجب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء ليس بين يديه شيء هذا، ويستحب ذلك عند الحنفية والمالكية في المشهور، للإمام والمنفرد إذا ظن مرورا بين يديه، وإلا فلا تسن السترة لهما . ونقل عن مالك الأمر بها مطلقا، وبه قال ابن حبيب واختاره اللخمي .
أما الشافعية فأطلقوا القول بأنها سنة، ولم يذكروا قيدا .
وقال الحنابلة: تسن السترة للإمام والمنفرد ولو لم يخش مارا .
أما المأموم فلا يستحب له اتخاذ السترة اتفاقا؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو لأن الإمام سترة له، على اختلاف عند الفقهاء . وسيأتي تفصيله.
المسألة الثالثة: ما يُجعل سترة:
اتفق الفقهاء على أنه يصح أن يستتر المصلي بكل ما انتصب من الأشياء كالجدار والشجر والأسطوانة والعمود، أو بما غرز كالعصا والرمح والسهم وما شاكلها، وينبغي أن يكون ثابتا غير شاغل للمصلي عن الخشوع .
واستثنى المالكية الاستتار بحجر واحد وقالوا: يكره به مع وجود غيره لشبهه بعبادة الصنم، فإن لم يجد غيره جاز، كما يجوز بأكثر من واحد .
أما الاستتار بالآدمي أو الدابة أو الخط أو نحوها فللفقهاء في ذلك تفصيل وخلاف، وبيانه فيما يلي:
المسألة الرابعة: الاستتار بالآدمي:
4 – ذهب جمهور الفقهاء: الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول عند الشافعية إلى صحة الاستتار بالآدمي في الصلاة ، وذلك في الجملة، لكنهم اختلفوا في التفاصيل.
فقال الحنفية والمالكية: يصح أن يستتر بظهر كل رجل قائم أو قاعد، لا بوجهه، ولا بنائم، ومنعوا الاستتار بالمرأة غير المحرم.
أما ظهر المرأة المحرم فاختلف الحنفية في جواز الاستتار به، كما ذكر المالكية فيه قولين أرجحهما عند المتأخرين الجواز .
والأوجه عند الشافعية عدم الاكتفاء بالسترة بالآدمي، ولهذا قرروا أن بعض الصفوف – لا يكون سترة لبعض آخر .
وفصل بعضهم فقالوا: لو كانت السترة آدميا أو بهيمة ولم يحصل بسبب ذلك اشتغال ينافي خشوعه فقيل يكفي، وإن حصل له الاشتغال لا يعتد بتلك السترة .
أما الحنابلة فقد أطلقوا جواز الاستتار بآدمي غير كافر .
وأما الصلاة إلى وجه الإنسان فتكره عند الجميع، لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله، فأنسل انسلالا. وروي أن عمر رضي الله عنه أدب على ذلك.
المسألة الخامسة: الاستتار بالدابة:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى جواز الاستتار بالدابة مطلقا ، قال المقدسي في الشرح الكبير على المقنع : لا بأس أن يستتر ببعير أو حيوان، فعله ابن عمر وأنس رضي الله تعالى عنهما، لما روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير.
ومنع المالكية الاستتار بالدابة، إما لنجاسة فضلتها كالبغل والحمار ونحوهما، وإما لعدم ثباتها كالشاة، وإما لكلتا العلتين كالفرس.
وقالوا: إن كانت فضلتها طاهرة وربطت جاز الاستتار بها .
أما الشافعية فالأوجه عندهم أنه لا يجوز الاستتار بالدابة كما لا يجوز بالإنسان. ولأنه لا يؤمن أن يشتغل به فيتغافل عن صلاته .
وفي قول عندهم: يجوز الاستتار بالبهيمة. قال محمد الرملي: أما الدابة ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وكأنه لم يبلغ الشافعي، ويتعين العمل به، وحمل بعضهم المنع على غير البعير .
المسألة السادسة: التستر بالخط:
إن لم يجد المصلي ما ينصبه أمامه فليخط خطا، وهذا عند جمهور الفقهاء: (الشافعية والحنابلة، والراجح عند متأخري الحنفية) لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه.
ولأن المقصود جمع الخاطر بربط الخيال كي لا ينتشر، وهو يحصل بالخط.
ورجح الكمال بن الهمام من الحنفية صحة التستر بالخط وقال: لأن السنة أولى بالاتباع.
وقاس الحنفية والشافعية على الخط المصلى، كسجادة مفروشة، قال الطحطاوي: وهو قياس أولى؛ لأن المصلى أبلغ في دفع المار من الخط. ولهذا قدم الشافعية المصلى على الخط وقالوا: قدم على الخط لأنه أظهر في المراد .
وقال المالكية: لا يصح التستر بخط يخطه في الأرض، وهذا قول متقدمي الحنفية أيضا واختاره في الهداية؛ لأنه لا يحصل به المقصود، إذ لا يظهر من بعيد .
المسألة السابعة: الترتيب فيما يُجعل سترة:
ذكر الشافعية لاتخاذ السترة أربع مراتب وقالوا: لو عدل إلى مرتبة وهو قادر على ما قبلها لم تحصل سنة الاستتار. فيسن عندهم أولا التستر بجدار أو سارية، ثم إذا عجز عنها فإلى نحو عصا مغروزة، وعند عجزه عنها يبسط مصلى كسجادة، وإذا عجز عنها يخط قبالته خطا طولا، وذلك أخذا بنص الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا، ثم لا يضره ما مر أمامه وقالوا: المراد بالعجز عدم السهولة .
وهذا هو المفهوم من كلام الحنفية والحنابلة أيضا وإن لم يصرحوا بالمراتب.
قال ابن عابدين: المفهوم من كلامهم أنه عند إمكان الغرز لا يكفي الوضع، وعند إمكان الوضع لا يكفي الخط .
وعبارة الحنابلة تفيد ذلك حيث قالوا: فإن لم يجد شاخصا وتعذر غرز عصا ونحوها، وضعها بالأرض، ويكفي خيط ونحوه. . فإن لم يجد خط خطا.
أما المالكية فقد تقدم أنهم لا يجيزون الخط .
المسألة الثامنة: مقدار السترة وصفتها:
يرى الحنفية والمالكية أنه إذا صلى في الصحراء أو فيما يخشى المرور بين يديه يستحب له أن يغرز سترة بطول ذراع فصاعدا. قال الحنفية: في الاعتداد بأقل من الذراع خلاف . والمراد بالذراع ذراع اليد، وهو شبران .
وقال الشافعية: طول السترة يكون ثلثي ذراع فأكثر تقريبا .
وقال الحنابلة: إن كان في فضاء صلى إلى سترة بين يديه مرتفعة قدر ذراع فأقل .
والأصل في ذلك حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه مرفوعا: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك.
ومؤخرة الرحل هي العود الذي في آخر الرحل يحاذي رأس الراكب على البعير. قال الحنفية: فسرت بأنها ذراع فما فوقه . وقال الحنابلة: تختلف، فتارة تكون ذراعا وتارة تكون دونه .
وأما قدرها في الغلظ فلم يحدده الشافعية والحنابلة، فقد تكون غليظة كالحائط والبعير، أو رقيقة كالسهم، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى إلى حربة وإلى بعير .
أما الحنفية فقد صرحوا في أكثر المتون بأن تكون السترة بغلظ الأصبع، وذلك أدناه لأن ما دونه ربما لا يظهر للناظر فلا يحصل المقصود منها . لكن قال ابن عابدين: جعل في البدائع بيان الغلظ قولا ضعيفا، وأنه لا اعتبار بالعرض، وظاهره أنه المذهب . ويؤيده ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: يجزئ من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة.
وقال المالكية: يكون غلظها غلظ رمح على الأقل، فلا يكفي أدق منه، ونقل عن ابن حبيب أنه قال: لا بأس أن تكون السترة دون مؤخرة الرحل في الطول ودون الرمح في الغلظ .
المسألة التاسعة: كيفية نصب أو وضع السترة:
اتفق الفقهاء على أنه يستحب في السترة أن تنصب أو تغرز أمام المصلي، وتجعل على جهة أحد حاجبيه، وهذا إذا كان غرزها ممكنا، وإلا بأن كانت الأرض صلبة مثلا، فهل يكفي وضع السترة أمام المصلي طولا أو عرضا؟ اختلف الفقهاء في ذلك: فقال الحنفية: يلقي ما معه من عصا أو غيرها طولا، كأنه غرز ثم سقط، وهذا اختيار الفقيه أبي جعفر، واختار بعضهم أنه لا يجزئ، وإن لم يجد ما ينصبه فليخط خطا بالعرض مثل الهلال، أو يجعله طولا بمنزلة الخشبة المغروزة أمامه . فيصير شبه ظل العصا، وهو اختيار المتأخرين من الحنفية .
ومثله ما ذكره الشافعية والحنابلة، يقول الخطيب الشربيني: إذا عجز عن غيره فليخط أمامه خطا طولا . وفي حاشية الجمل: هذا هو الأكمل ويحصل أصل السنة بجعله عرضا .
وعبارة الحنابلة: إن تعذر غرز عصا ونحوها يكفي وضعها بالأرض. . ووضعها عرضا أعجب إلى أحمد من الطول. فإن لم يجد خط خطا كالهلال لا طولا. لكن نقل البهوتي عن الشرح: وكيفما خط أجزأه .
أما المالكية فاشترطوا أن تكون السترة ثابتة ولا يجيزون الخط أصلا .
المسألة العاشرة: موقف المصلي من السترة:
يسن لمن أراد أن يصلي إلى سترة أن يقرب منها نحو ثلاثة أذرع من قدميه ولا يزيد على ذلك. لحديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته.
وعن سهل بن سعد قال: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة. وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع. وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة .،
وهو المفهوم من كلام المالكية لأن الفاصل بين المصلي والسترة يكون بمقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده؛ لأن الأرجح عندهم أن حريم المصلي هو هذا المقدار، سواء أصلى إلى سترة أم لا.
ويسن انحراف المصلي عن السترة يسيرا، بأن يجعلها على جهة أحد حاجبيه، ولا يصمد إليها صمدا أي لا يقابلها مستويا مستقيما، لما روي عن المقداد رضي الله عنه أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبيه الأيمن أو الأيسر، ولا يصمد له صمدا . وهذا إذا كانت السترة نحو عصا منصوبة أو حجر بخلاف الجدار العريض ونحوه، وبخلاف الصلاة على السجادة؛ لأن الصلاة تكون عليها لا إليها .
المسألة الحادية عشرة: سترة الإمام سترة للمأمومين:
اتفق الفقهاء على أن سترة الإمام تكفي المأمومين سواء أصلوا خلفه أم بجانبيه. فلا يستحب للمأموم أن يتخذ سترة . وذلك لما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأبطح إلى عنزة ركزت له ولم يكن للقوم سترة.
واختلفوا: هل سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو هي سترة له خاصة وهو سترة لمن خلفه، ففي أكثر كتب الحنفية والحنابلة أن سترة الإمام سترة لمن خلفه. وذكر المالكية وبعض الحنابلة الخلاف في ذلك . قال بعضهم: الخلاف لفظي والمعنى واحد. وقال آخرون: الخلاف حقيقي وله ثمرة، فإن قلنا: الإمام سترة لمن خلفه كما نقل عن مالك وغيره يمتنع المرور بين الإمام وبين الصف الذي خلفه كما يمنع المرور بينه وبين سترته؛ لأنه مرور بين المصلي وسترته فيهما، ويجوز المرور بين الصف الذي خلفه والصف الذي بعده لأنه قد حال بينهما حائل وهو الصف الأول، وإن قلنا: إن سترة الإمام سترة لهم كما يقول عبد الوهاب من المالكية وغيره فيجوز المرور بين الصف الأول والإمام لوجود الحائل وهو الإمام. قال الدسوقي: والحق أن الخلاف حقيقي والمعتمد قول مالك .
المسألة الثانية عشرة: المرور بين المصلي والسترة:
لا خلاف بين الفقهاء في أن المرور وراء السترة لا يضر، وأن المرور بين المصلي وسترته منهي عنه، فيأثم المار بين يديه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه.
ويرى جمهور الفقهاء: الحنفية والمالكية والحنابلة: أن المار بين يدي المصلي آثم ولو لم يصل إلى سترة . وذلك إذا مر قريبا منه، واختلفوا في حد القرب. قال بعضهم: ثلاثة أذرع فأقل . أو ما يحتاج له في ركوعه وسجوده . والصحيح عند الحنابلة تحديد ذلك بما إذا مشى إليه، ودفع المار بين يديه لا تبطل صلاته . والأصح عند الحنفية أن يكون المرور من موضع قدمه إلى موضع سجوده، وقال بعضهم: إنه قدر ما يقع بصره على المار لو صلى بخشوع، أي راميا ببصره إلى موضع سجوده .
وقيد المالكية الإثم بما إذا مر في حريم المصلي من كانت له مندوحة أي سعة المرور بعيدا عن حريم المصلي، وإلا فلا إثم، وكذا لو كان يصلي بالمسجد الحرام فمر بين يديه من يطوف بالبيت وقالوا: يأثم مصل تعرض بصلاته من غير سترة في محل يظن به المرور، ومر بين يديه أحد .
ونقل ابن عابدين عن بعض الفقهاء أن هنا صورا أربعا:
الأولى: أن يكون للمار مندوحة عن المرور بين يدي المصلي ولم يتعرض المصلي لذلك فيختص المار بالإثم إن مر.
الثانية: أن يكون المصلي تعرض للمرور والمار ليس له مندوحة عن المرور، فيختص المصلي بالإثم دون المار.
الثالثة: أن يتعرض المصلي للمرور ويكون للمار مندوحة، فيأثمان معا، أما المصلي فلتعرضه، وأما المار فلمروره مع إمكان أن لا يفعل.
الرابعة: أن لا يتعرض المصلي ولا يكون للمار مندوحة، فلا يأثم واحد منهما .
ومثله ما ذكره بعض المالكية .
أما الشافعية فقد صرحوا بحرمة المرور بين يدي المصلي إذا صلى إلى سترة وإن لم يجد المار سبيلا آخر، وهذا إذا لم يتعد المصلي بصلاته في المكان، وإلا كأن وقف بقارعة الطريق أو استتر بسترة في مكان مغصوب فلا حرمة ولا كراهة. ولو صلى بلا سترة، أو تباعد عنها، أو لم تكن السترة بالصفة المذكورة فلا يحرم المرور بين يديه، وليس له دفع المار لتعديه بصلاته في ذلك المكان .
هذا واستثنى الفقهاء من الإثم المرور بين يدي المصلي للطائف أو لسد فرجة في صف أو لغسل رعاف أو ما شاكل ذلك .
المسألة الثالثة عشرة: أثر المرور بين يدي المصلي في قطع الصلاة:
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن مرور شيء بين المصلي والسترة لا يقطع الصلاة ولا يفسدها، أيا كان، ولو كان بالصفة التي توجب الإثم على المار، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم
وقال الحنابلة مثل ذلك، إلا أنهم استثنوا الكلب الأسود البهيم فرأوا أنه يقطع الصلاة .
المسألة الرابعة عشرة: دفع المار بين المصلي والسترة:
لا خلاف بين الفقهاء في أن للمصلي أن يدفع المار من إنسان أو بهيمة إذا مر بينه وبين سترته أو قريبا منه، لما ورد فيه من أحاديث منها. ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان. قال الصنعاني: أي فعله فعل الشيطان في إرادة التشويش على المصلي، وقيل: المراد بأن الحامل له على ذلك شيطان، ويدل على ذلك ما في رواية مسلم: فإن معه القرين أي شيطان، والحديث دال بمفهومه على أنه إذا لم يكن للمصلي سترة فليس له دفع المار بين يديه. اهـ. وهو كذلك عند الشافعية .
المسألة الخامسة عشرة: [حكم هذا الدفع]:
واتفق الفقهاء على أن الدفع ليس واجبا، وكأن الصارف للحديث عن الوجوب شدة منافاته مقصود الصلاة من الخشوع والتدبر، وأيضا للاختلاف في تحريم المرور كما وجهه الشربيني من الشافعية . ومثله ما في كتب الحنفية والمالكية .
ثم اختلفوا في أفضلية الدفع، فقال الحنفية: رخص للمصلي الدفع، والأولى ترك الدفع لأن مبنى الصلاة على السكون والخشوع، والأمر بالدرء لبيان الرخصة، كالأمر بقتل الأسودين (الحية والعقرب) في الصلاة .
وقريب من الحنفية مذهب المالكية حيث قالوا: للمصلي دفع ذلك المار بين يديه دفعا خفيفا لا يشغله.
أما الشافعية فقالوا: يسن ذلك للمصلي إذا صلى إلى سترة من جدار أو سارية أو عصا أو نحوها، لما ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدم نصه .
وقال الحنابلة: يستحب أن يرد ما مر بين يديه من كبير وصغير وبهيمة ، لما ورد أنه صلى الله عليه وسلم رد عمر بن أبي سلمة وزينب وهما صغيران.
وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فمرت شاة بين يديه، فساعاها إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة.
المسألة السادسة عشرة: كيفية دفع المار بين يدي المصلي والسترة:
اختلفت عبارات الفقهاء في كيفية الدفع وما ينشأ عنه من ضمان، واتفقوا على أن يكون دفع بالتدريج، ويراعى فيه الأسهل فالأسهل .
قال النووي في المجموع: مذهب الشافعية استحباب التسبيح للرجل والتصفيق للمرأة، وبه قال أحمد وأبو حنيفة، وقال مالك: تسبح المرأة أيضا. أهـ .
وقال الحنفية: يدفعه بالإشارة أو التسبيح، وكره الجمع بينهما، ويدفعه الرجل برفع الصوت بالقراءة، وتدفعه المرأة بالإشارة أو التصفيق بظهر أصابع اليمنى على صفحة كف اليسرى ولا ترفع صوتها؛ لأنه فتنة، ولا يقاتل المار، وما ورد فيه من الحديث مؤول بأنه كان جواز مقاتلته في ابتداء الإسلام وقد نسخ. ولا يجوز له المشي من موضعه ليرده، وإنما يدفعه ويرده من موضعه؛ لأن مفسدة المشي أعظم من مروره بين يديه .
وقريب من الحنفية مذهب المالكية حيث قالوا: للمصلي دفع ذلك المار دفعا خفيفا لا يشغله عن الصلاة. فإن كثر أبطل صلاته .
المسائل الأخرى:
* ينظر في مقال منشور في الشبكة بعنوان: ” تنبيه الأخيار إلى استحباب الفقهاء جَعْل المُصلِّي سُترة صلاته على حاجبه الأيمن أو الأيسر ” لعبدالقادر الجنيد.
حيث بين ضعف الحديث : أخرجه أحمد (6/ 4 ــ رقم: 23872 ــ زوائد) واللفظ له، وابن عَدِيّ في “الكامل في ضعفاء الرجال” (7/ 80 أو 8/ 362 ــ ترجمة رقم: 2003)، مِن طريق بَقيَّة، حدثني الوليد بن كامل، عن الحُجْر أو أبي الحُجْر بن المهلَّب البَهْراني قال: حدثتني ضُبيعة بنت المقدام بن مَعْد يكرب، عن أبيها ــ رضي الله عنه ــ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى إِلَى عَمُودٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَجْعَلُهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ )).
وإسناد هذا الحديث ضعيف، وقد ضعَّفه جمع عديد مِن أهل العلم.
وممَّن ضعَّفه:
ابن عَدي، والبيهقي، وعبد الحق الأشبيلي، وابن القطان الفاسي، والنَّووي، وابن قيِّم الجوزية، والذهبي، وابن حجَر العسقلاني، والعَيني، والشوكاني، والألباني، والعثيمين، والعبَّاد.
وقال محدِّث الشافعية أبو زكريا النَّووي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الخلاصة” (1/ 519 ــ رقم:1737):
رواه أبو داود، وضعَّفه الحفاظ.اهـ
لكن فقه الحديث يقول به العلماء
قال الحافظ ابن عبد البَرِّ المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الاستذكار” (6/ 172-173):
وأمَّا استقبال السُّترة والصَّمْد لها ففي حديث المقداد بن الأسود قال: (( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى عود ولا إلى عمود ولا شجرة إلا جعله عن جانبه الأيمن أو الأيسر، ولا يَصمُد له صَمْدًا )).
وكلُّ العلماء يستحسنون هذا ولا يوجبونه خوفًا مِن الحدِّ في ما لم يُجزه الله ولا رسوله.اهـ
وقال القاضي عياض المالكي ــ رحمه الله ــ في كتابه “إكمال المعلم شرح صحيح مسلم” (2/ 422 ــ رقم:409):
واسْتَحب أهل العلم على ما جاء في الحديث ألا يَصمدها صمْدًا، بل يجعلها على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولعلَّ وجه هذا كان أوَّل الإسلام، وحيث كان قُرب الناس بعبادة الحجارة والأصنام.اهـ
قلت:
الذي عليه المذاهب الأربعة وغيرهم هو بقاء حكم استحباب الانحراف عن السُّترة إلى الحاجب الأيمن أو الأيسر.
وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ــ في كتابه “فتح الباري” (2/ 646):
وقد صرَّح أصحابنا وأصحاب الشافعي وغيرهم بأنَّه يُستحب لِمن صلَّى إلى سُترة منصوبة أنْ ينحرف عنها ولا يستقبلها، وصرَّح بذلك مِن أصحابنا: أبو بكر عبد العزيز، وابن بطة، والقاضي أبو يعلى، وأصحابه، وأخذوه مِن نصِّ الإمام أحمد: على أنَّ الإمام يقوم عن يمين طاق المحراب، وكذا قال النخعي.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ في كتابه “اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم” (1/ 220) عند كلامه على نَهي النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهة المشركين:
وكان فيه تنبيه على أنَّ كل ما يفعله المشركون مِن العبادات ونحوها مما يكون كفرًا أو معصية بالنِّية:
يُنهى المؤمنون عن ظاهره، وإنْ لم يقصدوا به قصد المشركين؛ سدًّا للذريعة، وحسمًا للمادة.
ومِن هذا الباب:
أنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى إلى عود أو عمود جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر، ولم يَصمُد له صمْدًا.
ولهذا نَهى عن الصلاة إلى ما عُبِدَ مِن دون الله في الجملة، وإنْ لم يكن العابد يَقصد ذلك، ولهذا يُنهى عن السجود لله بين يدي الرَّجُل، وإنْ لم يَقصد الساجد ذلك؛ لِما فيه مِن مشابهة السجود لغير الله، فانظر كيف قطعت الشريعة المشابهة في الجهات وفي الأوقات.اهـ
ثم نقل كذلك نقولات من كافة المذاهب