71 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وعبدالله المشجري وإبراهيم المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
71 – قال الإمام البزار رحمه الله (ج 1 ص 236): حدثنا محمد بن معمر ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن ثابت وقتادة وحميد عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر: {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* جاء في علل ابن أبي حاتم 334- وسألت أبي عن حديث ؛ رواه روح ، وعارم ، ويحيى بن إسحاق السالحيني ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، وقتادة ، وحميد ، والبتي ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر ورواه أبو سلمة ، عن حماد ، عن ثابت ، وقتادة ، وحميد ، والبتي ، عن أنس ، موقوفا.
قال أبي : موقوفا أصح.
لا يجيء مثل هذا الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (3/150) برقم 1160 ” أخرجه البزار في ” مسنده ” (61 – زوائده) حدثنا محمد بن معمر حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وقتادة عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم…. وقال: ” صحيح “.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين غير حماد بن سلمة فهو على شرط مسلم وحده لكنه غريب من رواية ثابت عن حميد، فلعل الأصل: ” وحميد “. والله أعلم.
* أخرج البخاري في صحيحه برقم 736 عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، قَالَ: قُلْنَا لِخَبَّابٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ؟، قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: «بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ»
* جاء في الصحيح المسند برقم 200 عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما.
– وجاء من مسند ابن عباس برقم 593 – قال أبو داود رحمه الله (ج 3 ص 26): حدثنا زياد بن أيوب أخبرنا هشيم أنبأنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا.
هذا حديث صحيحٌ. وحصين هو ابن عبد الرحمن السلمي.
قال أبو عبد الرحمن الوادعي: ابن عباس رضي الله عنه يخبر عن نفسه أنه لا يدري، وقد أثبت القراءة غيره، ومن علم حجة على من لم يعلم.
– وجاء عنه رضي الله عنهم في الحديث الذي يليه 594- قال أبو داود رحمه الله (ج 3 ص 24): حدثنا مسدد أخبرنا عبد الوارث عن موسى بن سالم أخبرنا عبد الله بن عبيد الله قال: دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم فقلنا لشاب منا سل ابن عباس أكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ في الظهر والعصر فقال لا لا فقيل له فلعله كان يقرأ في نفسه فقال: خمشًا هذه شر من الأولى كان عبدًا مأمورًا بلغ ما أرسل به وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال أمرنا أن نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمار على الفرس.
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات.
والقراءة ثابتة في حديث ابي قتادة اخرجه البخاري 759 ومسلم 451، وحديث خباب بن الارت.
فقيل هذا وهم من ابن عباس، وقيل أنه تراجع (شرح العيني على سنن أبي داود)، وقيل يحمل على الجهر في الأوليين أو على ما زاد على الفاتحة (تنقيح التحقيق)”.
انتهى كلام سيف بن دوره
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1- تبويبات الأئمة على الحديث:
* أورد البخاري في صحيحه حديث خباب في أربعة مواضع، وبوب عليها مرة بَابُ رَفْعِ البَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ، بَابُ القِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ، بَابُ القِرَاءَةِ فِي العَصْرِ، بَابُ مَنْ خَافَتَ القِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، ومن الأحاديث التي أوردها في القراءة في الظهر والعصر غير حديث خباب رضي الله عنه:
- عن أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ».
* بوب أبو داود في سننه باب مَا جَاءَ فِى الْقِرَاءَةِ فِى الظُّهْرِ، وأورد تحته غير حديث خباب رضي الله عنه:
- عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِى كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَلَيْنَا أَخْفَيْنَا عَلَيْكُمْ. [صححه الألباني]
- حديث أبي قتادة المتقدم في البخاري بعدة روايات.
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُومُ فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ. [صححه الألباني]
ثم بوب أبو داود باب تَخْفِيفِ الأُخْرَيَيْنِ، وأورد تحته:
- عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ قَدْ شَكَاكَ النَّاسُ فِى كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى فِى الصَّلاَةِ. قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِى الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِى الأُخْرَيَيْنِ وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ.
- عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلاَثِينَ آيَةً قَدْرَ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الأُخْرَيَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِى الأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.
ثم بوب باب قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِى صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وأورد تحته:
- حديث جابر بن سمرة الذي في الصحيح المسند وقال الألباني حسن صحيح وفيه قراءة الطارق والبروج.
- عن جَابِر بْنَ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَقَرَأَ بِنَحْوِ مِنْ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وَالْعَصْرَ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَاتِ كَذَلِكَ إِلاَّ الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُهَا. [صححه الألباني]
* قال الترمذي في جامعه باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر وقد أورد حديث جابر بن سمرة، قال بعده: ” وَفِي البَابِ عَنْ خَبَّابٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالبَرَاءِ،: «حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ» وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قَرَأَ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ تَنْزِيلِ السَّجْدَةِ» وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً» وَرُوِي عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى: «أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ المُفَصَّلِ»، ” وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ القِرَاءَةَ فِي صَلَاةِ العَصْرِ كَنَحْوِ القِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ المَغْرِبِ: يَقْرَأُ بِقِصَارِ المُفَصَّلِ ” [ص:112] وَرُوِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «تَعْدِلُ صَلَاةُ العَصْرِ بِصَلَاةِ المَغْرِبِ فِي القِرَاءَةِ» وقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «تُضَاعَفُ صَلَاةُ الظُّهْرِ عَلَى صَلَاةِ العَصْرِ فِي القِرَاءَةِ أَرْبَعَ مِرَارٍ» ”
* بوب الدارمي في سننه باب قدر القراءة في الظهر، وأورد تحته من الأحاديث غير ما ذكر:
- عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان «يقوم في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين على قدر النصف من ذلك، وفي العصر على قدر الأخريين من الظهر، وفي الأخريين على قدر النصف من ذلك». [ صحح إسناده محقق سنن الدارمي ]
ثم بوب الدارمي باب كيف العمل بالقراءة في الظهر والعصر، وأورد تحته حديث أبي قتادة المتقدم.
* بوب ابن خزيمة في صحيحه باب ذكر قراءة القرآن في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، وأورد تحته:
- أورد حديث جابر بن سمرة المتقدم برواية أخرى وفيها كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الظهر والعصر: بـ (والليل إذا يغشى)، (والشمس وضحاها) ونحوها، ويقرأ في الصبح بأطول من ذلك. [صحح إسناده الأعظمي]
- عن بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ (إذا السماء انشقت) ونحوها. [صحح إسناده الأعظمي]
* ابن الأثير في جامع الأصول (5/338) في السور في صلاة الظهر والعصر أورد بعض الأحاديث منها:
- أورد روايات حديث أبي قتادة المتقدم: ( خ م د س ) أبو قتادة – رضي الله عنه – «أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر في الأُولَيَيْنِ : بأُمِّ الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأُخرَييْنِ بأمِّ الكتاب ، ويُسمِعُنَا الآية أحيانا، ويطِيلُ في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية ، وهكذا في العصر ، وهكذا في الصبح».وفي رواية «كذلك» هذه رواية البخاري ومسلم.
وفي رواية أبي داود ، والنسائي قال : «كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بنا ، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوُليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، ويسمعنا الآيةَ أحيانا وكان يُطَوِّلُ الركعة الأولى من الظهر ويُقَصِّرُ الثانية ، وكذلك في الصُّبح». ولم يذكر مُسِّدد «فاتحة[ص:339] الكتاب وسورة» وفي أخرى لأبي داود ببعض هذا ، وزاد في الأُخريين بفاتحة الكتاب ، قال : «وكان يُطَوِّل في الركعة الأولى ما لا يطوِّل في الثانية ، وهكذا في صلاة العصر ، وهكذا في صلاة الغداة».
زاد في رواية : «فظننا أنه يريد بذلك : أن يُدْرِك الناسُ الركعة الأولى» وفي أُخرى للنسائي قال : «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي بنا الظهر ، فيقرأُ في الركعتين الأوليين ، يُسْمِعُنا الآية كذلك ، وكان يُطِيل الركعة الأولى في صلاة الظهر ، والركعة الأولى يعني : في الصُّبح».
- ( م د س ) جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال : «كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الظهر بـ { الليل إذا يغشى } وفي العصر نحوَ ذلك ، وفي الصبح أطولَ من ذلك».
وفي أخرى «كان يقرأُ في الظهر بـ{ سبِّح اسم ربِّك الأعلى } وفي الصبح بأطولَ من ذلك». أخرجه مسلم وأبو داود ، وأخرج النسائي الأولى.
- ( س ) البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال : «كنا نصلي خلْفَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- الظهرَ ، فنسمع منه الآية بعد الآيات من { لقمان } و{ الذاريات}» أخرجه النسائى. الصحيح المسند 140 .
الضعيفة 4120 . وسبب اختلافهم أن في التصحيح تمشية تدليس أبي إسحاق أو لا . وكذلك هل اختلاطه مؤثر أم لا .
- ( س ) أنس بن مالك – رضي الله عنه – صلى الظهر ، فلما فرغ قال : إني صليتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الظهر فقرأ بهاتين السورتين :[ص:343] بـ { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى } و { هَلْ أَتَاكَ حديثُ الغَاشِيَةِ } أخرجه النسائى.
- ( د ) عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – : أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سجد في صلاة ثم قام فركع ، فرأَوْا أنه قرأ { تنزيل السجدة } أخرجه أبو داود.
2- شرح الحديث:
* قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/205) في باب القراءة في الظهر والعصر: وقد أورد أثر ابن عباس رضي الله عنه الذي فيه نفي القراءة في الظهر والعصر: ” فذهب قوم إلى هذه الآثار التي رويناها , فقلدوها , وقالوا لا نرى أن يقرأ أحد في الظهر والعصر ألبتة. ورووا ذلك أيضا عن سويد بن غفلة كما حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي قال: ثنا شجاع بن الوليد , عن زهير بن معاوية , عن الوليد بن قيس قال: سألت سويد بن غفلة أيقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: «لا» فقيل لهم: ما لكم فيما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما حجة , وذلك أن ابن عباس رضي الله عنهما قد روي عنه خلاف ذلك …” ثم ذكر أثر ابن عباس الذي فيه شك ابن عباس رضي الله عنه وعدم تحققه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر أو لا ولفظه: «قد حفظت السنة غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا» قال الطحاوي بعد ذلك: ” فهذا ابن عباس رضي الله عنهما يخبر في هذا الحديث أنه لم يتحقق عنده , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ فيهما , وإنما أمر بترك القراءة فيما تقدمت روايتنا له عنه , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم , لم يكن يقرأ في ذلك. [ص:206] فإذا انتفى أن يكون قد تحقق ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم , انتفى ما قال من ذلك ; لأن غيره قد تحقق قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما , مما سنذكره في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى. مع أنه قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما من رأيه ما يدل على خلاف ذلك كما حدثنا علي بن شيبة , قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد عن العيزار بن حريث عن ابن عباس رضي الله عنهما , قال: «اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر» … ثم أورد روايات عن ابن عباس ثم قال أبو جعفر: ” فهذا ابن عباس رضي الله عنه قد روي عنه من رأيه أن المأموم يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر , وقد رأينا الإمام تحمل عن المأموم , ولم نر المأموم تحمل عن الإمام شيئا. فإذا كان المأموم يقرأ , فالإمام أحرى أن يقرأ مع ما قد روينا عنه أيضا من أمره بالقراءة فيهما.”
* قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (4/417): ” وذكر الترمذي – تعليقاً – أن عمر كتب إلى أبي موسى ، يأمره أن يقرأ بأوساط المفصل .
وهو قول طائفة من أصحابنا .
وقال إسحاق : الظهر تعدل في القراءة بالعشاء . لكنه يقول : إن الظهر يقرأ فيها بنحو الثلاثين آية .
وحديث جابر بن سمرة الذي خرجه مسلم كما تقدم : يدل على أن قراءة الظهر أقصر من قراءة الصبح .
وقال طائفة : يقرأ في الظهر بطوال المفصل كالصبح ، وهو قول الثوري والشافعي وطائفة من أصحابنا كالقاضي أبي يعلي في ( ( جامعه الكبير ) ) ، لكنه خصه بالركعة الأولى من الظهر.
وروى وكيع بإسناده ، عن عمر ، أنه قرأ في الظهر ب ( ق ) ( والذاريات ) .
وعن عبد الله بن عمرو ، أنه قرأ في الظهر ب ( كهيعص ) .
وروى حرب بإسناده ، عن ابن عمر ، أنه كانَ يقرأ في الظهر ب ( ق )
( والذاريات ) .
وخرجه ابن جرير ، وعنده : ب ( ق ) ( والنازعات ) .
قالَ : وكان عمر يقرأ ب ( ق ) .
وروى عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كانَ يقرأ في الظهر ب ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) [ محمد : 1 ] و ( إِنَّا فَتَحْنَا لَك ) [ الفتح : 1 ] .
وممن رأى استحباب القراءة في الظهر بقدر ثلاثين آية : إبراهيم النخعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق .
وقال الثوري وإسحاق : كانوا يستحبون أن يقرأوا في الظهر قدر ثلاثين في الركعة الأولى ، وفي الثانية بنصفها – زاد إسحاق : أو أكثر .
وظاهر كلام أحمد وفعله يدل على أن المستحب أن يقرأ في الصبح والظهر في الركعة الأولى من طوال المفصل ، وفي الثانية من وسطه .
وروي عن خباب بن الأرت ، أنه قرأ في الظهر ب ( إِذَا زُلْزِلَتِ ) [ الزلزلة : 1 ].
قالَ أبو بكر الأثرم : الوجه في اختلاف الأحاديث في القراءة في الظهر أنه كله جائز ، وأحسنه استعمال طول القراءة في الصيف ، وطول الأيام ، واستعمال التقصير في القراءة في الشتاء وقصر الأيام ، وفي الأسفار ، وذلك كله معمول به . انتهى .
ومن الناس من حمل اختلاف الأحاديث في قدر القراءة على أن النبي ( كانَ يراعي أحوال المأمومين ، فإذا علم أنهم يؤثرون التطويل طول ، أو التخفيف خفف ، وكذلك إذا عرض لهُ في صلاته ما يقتضي التخفيف ، مثل أن يسمع بكاء صبي مع أمه ، ونحو ذَلِكَ .
وفي حديث أبي قتادة : يطول الركعة الأولى على الثانية .
وقد ذهب إلى القول بظاهره في استحباب تطويل الركعة الأولى على ما بعدها من جميع الصوات طائفة من العلماء ، منهم : الثوري وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن ، وطائفة من أصحاب الشافعي ، وروى عن عمر – ( – .
وقد خرج الإمام أحمد وأبو داود حديث أبي قتادة ، وزاد فيهِ : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى .
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري ، قالَ : لقد كانت صلاة الظهر
تقام ، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ، ثم يتوضأ ، ثم يأتي ورسول الله ( في الركعة الأولى ؛ مما يطولها .
وقد سبق حديث أبي سعيد الذي خرجه مسلم ، أن قراءته في الثانية كانت على النصف من قراءته في الأولى .
وخرج الإمام أحمد من حديث شهر بن حوشب ، عن أبي مالك الأشعري ، أن النبي ( كانَ يسوي بين الأربع ركعات في القراءة والقيام ويجعل الركعة الأولى هي أطولهن ، لكي يثوب الناس .
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يطيل سوى الركعة من الفجر ؛ لأنه وقت غفلة ونوم ، ويسوي بين الركعات في سائر الصلوات .
وقال مالك والشافعي : يسوى بين الركعتين الأولتين في جميع الصلوات واستدل لذلك بقول ( سعد ) : ( ( أركد في الأوليين ) ) ، وليس بصريح ولا ظاهر في التسوية بينهما .
واستدل أيضاً – بحديث أبي سعيد ، أنهم حزروا قيام النبي ( في الظهر في الركعتين الأوليين قدر قراءة ثلاثين آية ، وقد سبق .
ولكن في رواية أحمد وابن ماجه : أن قيامه في الثانية كانَ على النصف من ذَلِكَ ، وهذه الرواية توافق أكثر الأحاديث الصحيحة ، فهي أولى .
واستدل لهم بقراءة النبي ( : ( ( سبح ) ) و ( ( الغاشية ) ) و ( ( الجمعة ) ) و ( ( المنافقين ) ) و ( ( تَنزِيُلُ السجدة ) ) و ( ( هلُ أَتَى ) ) و ( ( ق ) ) و ( ( اقتْرَبَتْ ) ) ، هي سور متقاربة .
وأما تطويل الركعة الثالثة على الرابعة ، فالأكثرون على أنه لا يستحب ، ومن الشافعية من نقل الاتفاق عليهِ ، ومنهم من حكى لأصحابهم فيهِ وجهين .
وهذا إنما يتفرع على أحد قولي الشافعي باستحباب القراءة في الأخريين بسور مع الفاتحة .
وقد خرج البزار والبيهقي من حديث عبد الله بن أبي أوفي ، قالَ : كانَ رسول الله ( يطيل الركعة الأولى من الظهر ، فلا يزال يقرأ قائماً ما دام يسمع خفق نعال القوم ، ويجعل الركعة الثانية أقصر من الأولى ، والثالثة أقصر من الثانية ، والرابعة أقصر من الثالثة وذكر مثل ذَلِكَ في صلاة العصر والمغرب وفي إسناده : أبو إسحاق الحميسي ، ضعفوه.
وقد خرجه بقي بن مخلد في ( ( مسنده ) ) بإسناد أجود من هذا ، لكن ذكر أبو حاتم الرازي أن فيهِ انقطاعاً ، ولفظه في الظهر : ويجعل الثانية أقصر من الأولى ، والثالثة أقصر من الثانية ، والرابعة كذلك ، وقال في العصر : يطيل في الأولى ، ويقصر الثانية والثالثة والرابعة كذلك . وقال في المغرب : يطيل في الأولى ، ويقصر في الثانية والثالثة . وهذا اللفظ لا يدل على تقصير الرابعة عن الثالثة .
* ينظر شرح الصحيح المسند برقم 1250 عن أبي هـريرة قال ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان فصلينا وراء ذلك الإنسان وكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف في الأخريين ويخفف في العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاهـا وأشباهـها ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين.
ومما جاء فيه من الفوائد:
أما عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة في الصلوات الخمس فهي كالتالي:
القراءة في”صلاة الظهر والعصر”
فقد دل حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر ويخفف في الأخريين, ويخفف القراءة في صلاة العصر.
وجاء في صحيح مسلم (460) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بسبح اسم ربك الأعلى وفي العصر نحو ذلك.
وورد بسند حسن عن جابر بن سمرة عند الترمذي (307) أنه كان يقرأ في الظهر والعصر {والسماء ذات البروج} و {والسماء والطارق} وشبههما.
وجاء في الصحيح المسند (71) عن أنس أنه كان يقرأ في الظهر والعصر ب {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}
وورد أيضاً في الصحيح المسند (140) عن البراء قال (كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآيات من سورة لقمان والذاريات}
وورد في مسلم (452) أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر خمسة عشر آية أو قال: نصف ذلك , وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشر آية وفي الأخريين قدر نصف ذلك) وفي رواية قدر (الم) السجدة بدل ثلاثين آية.
لذا قال بعض الباحثين: الأولى فعلُ هذا مرة وهذا مرة حتى يصيب السنة.
وقد تبين من الأحاديث السابقة أن القراءة في صلاة العصر على النصف من صلاة الظهر.
* وينظر عون الصمد 62 شرح حديث ابن عباس قال: قد حفظت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف {وقد بلغت من الكبر عتيا} أو عسيا.
* قال الشيخ الألباني في صفة الصلاة: ” و” كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الركعتين الأوليين بـ: {فاتحة الكتاب} وسورتين، ويُطَوِّلُ في الأولى ما لا يُطَوِّل في الثانية ” وكان – أحياناً – يطيلها، حتى إنه ” كانت صلاة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، [ثم يأتي منزله] ، ثم يتوضأ، ثم يأتي ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الركعة الأولى؛ مما يُطَوِّلُها ” و ” كانوا يظنون أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى “.
و” كان يقرأ في كل من الركعتين قدر ثلاثين آية؛ قدر قراءة {الم.تَنْزِيلُ} : {السَّجْدَة} (22: 30) وفيها {الفَاتِحَة} ” و ” كانوا يسمعون منه النَّغْمَةَ بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (87: 19) ، و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ} (88: 26) ” وكان أحياناً يقرأ بـ: {السَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ} (85: 22) ، وبـ: {السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} (86: 17) ونحوهما من السور ” (1).
وأحياناً ” يقرأ بـ: {اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (92: 21) ونحوها ” {وربما ” قرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ} ، ونحوها ” (1) } .
و” كانوا يعرفون قراءته في الظهر والعصر باضطراب لحيته ” . و” كان يسمعهم الآية أحياناً ”
قراءته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آياتٍ بعدَ {الفَاتِحَة} في الأخِيرَتَيْنِ
و” كان يجعل الركعتين الأخيرتين أقصر من الأُولَيين قدر النصف؛ قدر خمس عشرة آية ” و ” ربما اقتصر فيهما على {الفَاتِحَة} ” وقد أمر (المسيء صلاته) بقراءة {الفَاتِحَة} في كل ركعة، حيث قال له بعد أن أمره بقراءتها في الركعة الأولى: ” ثم افعل ذلك في صلاتك كلها (وفي رواية: كل ركعة) ”
صلاة العصر (*)
و” كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الأُوليين بـ: {فاتحة الكتاب} ، وسورتين؛ وُيطَوِّلُ في الأولى ما لا يُطَوِّلُ في الثانية ” ، و ” كانوا يظنون أنه يريد بذلك أن يدركَ الناسُ الركعةَ ” . و” كان يقرأ في كل منهما قدر خمس عشرة آية؛ قدر نصف ما يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأُولَيين في الظهر “. و” كان يجعل الركعتين الأَخيرتين أقصر من الأُولَيين؛ قدر نصفهما ” . و” كان يقرأ فيهما بـ: {فاتحة الكتاب} . و” كان يُسمعهم الآية أحياناً ” . ويقرأ بالسور التي ذكرنا في (صلاة الظهر) .
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود عن حديث أبي قتادة: ” أورد هنا أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: [ وكان -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ]، وذلك لانتظار الداخل كما جاء في بعض الآثار كما سيذكره المصنف فيما بعد، وأيضاً لكون المصلي في أول صلاته يكون عنده من النشاط ما لا يكون عنده بعد ذلك، فكان يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيله في الثانية، وكذلك يفعل في صلاة الغداة، وهي صلاة الفجر، فكان يطيل الركعة الأولى فيها، ويطيل القراءة فيها أيضاً، وتكون الثانية أقل منها، ولعل ذلك للسببين المشار إليهما آنفاً، وكان يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وقد جاء في بعض الروايات التي ستأتي عند المصنف أنه كان يقرأ -أيضاً- في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر غير الفاتحة، وذلك في الحديث الذي سيأتي من أنهم حزروا قراءته فكانت ثلاثين آية في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وهذا في الظهر، وفي العصر في الركعتين الأوليين على النصف من الركعتين الأخريين في الظهر، أي: مقدار خمس عشرة آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وذلك يعني أنه يسوغ للإنسان أن يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بغير فاتحة الكتاب أيضاً ”
– وقال في شرح حديث خباب رضي الله عنه ” أورد أبو داود رحمه الله حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه سئل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قيل: بم كنتم تعرفون ذلك مع أنّ الصلاة سرّية؟ قال: باضطراب لحيته، وهذا دليل آخر يدل على القراءة في الصلاة السرية. إذاً: مرّ بنا دليلان على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة السرية، الدليل الأول: أنه كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ فيها، وهذا كما مرّ سابقاً. والدليل الثاني هو هذا الحديث، وهو أنهم كانوا يستدلون على ذلك باضطراب لحيته، فهم يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم الصلاة السرية كالظهر والعصر فيعلمون أنه يقرأ باضطراب لحيته، فبسبب تحريك شفتيه في القراءة تضطرب اللحية يميناً وشمالاً، فيظهر شعر لحيته ويبدو من الجانبين فيرونه يتحرك فيعلمون أنه يقرأ، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم- من العناية والاهتمام بتتبع أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة السنن التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنهم ينظرون إليه وهو يصلي بهم الصلاة السرية، فيفهمون من تحرك لحيته واضطرابها أنه يقرأ. فهذا فيه دليل على القراءة في الصلاة السرية، ويدلنا -أيضاً- على أن القراءة لا بد فيها من تحريك الشفتين، وأن الإنسان لا يكفي أن يقرأ وهو مطبق شفتيه؛ لأن الاستذكار في القلب لا يقال له قراءة، وإنما تكون القراءة بتحريك اللسان والشفتين، ولهذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16] ، ….. والحديث يدل -أيضاً- على أنه صلى الله عليه وسلم كان صاحب لحية، وأن لحيته كانت كثة، وذلك أنهم كانوا يرون الشعر من جوانبه وهم من ورائه. “.
* قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/261): ” [باب قراءة السورة بعد الفاتحة]
قوله: (الأوليين) بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين. قوله: (وسورتين) أي في كل ركعة سورة. ويدل على ذلك ما ثبت من حديث أبي قتادة في رواية للبخاري بلفظ: «كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة» وفيه دليل على إثبات القراءة في الصلاة السرية. وقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه سئل أكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الظهر والعصر فقال: لا. لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه فقال خمشا: هذه أشد من الأولى فكان عبدا مأمورا بلغ ما أرسل به، الحديث وهو كما قال الخطابي: وهم من ابن عباس وقد أثبت القراءة في السرية أبو قتادة وخباب بن الأرت وغيرهما والإثبات مقدم على النفي
وقد تردد ابن عباس في ذلك فروى عنه أبو داود أنه قال: لا أدري أكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الظهر والعصر أم لا.
وفي هذه الرواية دليل على أنه اعتمد في الأول على عدم الدراية لا على قرائن دلت على ذلك. قوله: (ويسمعنا الآية أحيانا) فيه دلالة على جواز الجهر في السرية وهو يرد على من جعل الإسرار شرطا لصحة الصلاة السرية وعلى من أوجب في الجهر سجود السهو. وقوله: أحيانا يدل على أنه تكرر ذلك منه. قوله: ” ويطول في الركعة الأولى ” استدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية سواء كان التطويل بالقراءة أو بترتيلها مع استواء المقروء في الأوليين. وقد قيل: إن المستحب التسوية بين الأوليين، فاستدلوا بحديث سعد عند البخاري ومسلم وغيرهما وسيأتي وكذلك استدلوا بحديث أبي سعيد الآتي عند مسلم وأحمد «أنه كان – صلى الله عليه وسلم – يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية» ، وفي رواية لابن ماجه إن الذين حزروا كانوا ثلاثين من الصحابة، وجعل صاحب هذا القول تطويل الأولى المذكور في الأحاديث بسبب دعاء الاستفتاح والتعوذ
وقد جمع البيهقي بين الأحاديث بأن الإمام يطول في الأولى إن كان منتظرا لأحد وإلا سوى بين الأوليين، وجمع ابن حبان بأن تطويل الأولى إنما كان لأجل الترتيل في قراءتها مع استواء المقروء في الأوليين. قوله: (وهكذا في الصبح. . . إلخ) فيه دليل على عدم اختصاص القراءة بالفاتحة وسورة في الأوليين وبالفاتحة فقط في الأخريين والتطويل في الأولى بصلاة الظهر، بل ذلك هو السنة في جميع الصلوات. قوله: (فظننا أنه يريد. . . إلخ) فيه أن الحكمة في التطويل المذكور هي انتظار الداخل. وكذا روى هذه الزيادة ابن خزيمة وابن حبان. وقال القرطبي: لا حجة فيه لأن الحكمة لا تعلل بها لخفائها وعدم انضباطها. والحديث يدل على مشروعية القراءة بفاتحة الكتاب في كل ركعة. وقد تقدم الكلام عليه وعلى قراءة سورة مع الفاتحة في كل واحد من الأوليين، وعلى جواز الجهر ببعض الآيات في السرية”.
المسائل الأخرى:
* ينظر جزء القراءة خلف الإمام للبخاري رحمه الله.
* قال ابن رجب في فتح الباري (4/392): عن حديث خباب رضي الله عنه: ” فهذا فِيهِ دليل عَلَى أن المأموم ينظر إلى إمامه ، ويراعي أقواله فِي قيامه ؛ لأنهم إنما شاهدوا اضطراب لحية النَّبِيّ ( فِي صلاته بمدهم بصرهم إليه فِي قيامه .
وهذا قَدْ يقال : إنه يختص بالصلاة خلف النَّبِيّ ( ، لما يترتب عَلَى ذَلِكَ من معرفة أفعاله فِي صلاته فيقتدي بِهِ ، فأما غيره من الأئمة فلا يحتاج إلى النظر إلى لحيته ، فالأولى بالمصلى وراءه أن ينظر إلى محل سجوده ، كما سبق”.
* قال الشيخ ابن باز في مجموع فتاواه (11/239): ” إذا قرأ بعض الأحيان في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة فهو حسن ; لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : « كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأوليين من الظهر قدر ألم تنزيل السجدة وفي الأخريين على النصف من ذلك وفي الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك » (2) وهذا محمول على أنه كان صلى الله عليه وسلم يفعله بعض الأحيان في الأخريين من الظهر جمعا بين الحديثين. ”
– وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في نور على الدرب (8/68): ” وكان يقرأ في الظهر والعصر من أوساط المفصل، لكن العصر أخف، وفي المغرب من قصار المفصل، وربما قرأ من طواله كـ (الطور) وغيرها، وربما قرأ بـ (المرسلات)، عليه الصلاة والسلام، فتارة يطيل في المغرب، وتارة يقصر في المغرب، عليه الصلاة والسلام، وفي العشاء بأوساط المفصل، مثل: (هل أتاك حديث الغاشية) ومثل: (والفجر)، ومثل: (سبح)، ومثل: (والسماء ذات البروج)، وفي الفجر يقرأ بطوال المفصل، مثل: (الذاريات)، و: (ق والقرآن المجيد)، ومثل: (الطور)، ومثل: (اقتربت الساعة)، ومثل: (تبارك الذي بيده الملك)، وأشباه ذلك. ”
* قال محققو المسند (5/209) في تخريج حديث: عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمْ يَكُنِ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: ” قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ أَنْ يَسْكُتَ فِيهِ، قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] “: ” إسناده صحيح على شرط البخاري، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عكرمة، فمن رجال البخاري… وقوله: “وسكت فيما أمر”، قال الخطابي في “أعلام الحديث” 1/502: يريد أنه أسَر القراءة، لا أنه تركها، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يزال إماماً، فلابد له من القراءة سراً أو جهراً. وقال الحافظ في “الفتح” 2/254 بعد إيراد البخاري حديث ابن عباس هذا من طريق مسدد، عن إسماعيل، عن أيوب، به: وقال الإسماعيلي: إيراد حديث ابن عباس هنا يغاير ما تقدم من إثبات القراءة في الصلوات؛ لأن مذهب ابن عباس كان تركُ القراءة في السرية.
وأجيب بأن الحديث الذي أورده البخاري ليس فيه دلالة على الترك، وأما ابن عباس فكان يشك في ذلك تارة، وينفي القراءة أخرى، وربما أثبتها، أما نفيه، فرواه أبو داود (808) وغيره من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عمه أنهم دخلوا عليه، فقالوا له: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا، قيل: لعله كان يقرأ فى نفسه؟ قال: هذه شر من الأولى، كان عبداً مأموراً بَلغ ما أمر به.
وأما شكه، فرواه أبو داود أيضاً (809) ، والطبري من رواية حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أدري أكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الظهر والعصر أم لا.
قلنا: وقد أثبت قراءتَه فيهما غيرُ واحد من أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم أبو قتادة عند البخاري (759) ، ومسلم (451) ، وصححه ابن حبان (1829) ، وخباب عند البخاري (760) و (761) ، وصححه ابن حبان (1826) ، وأبو سعيد الخدري عند مسلم (452) ، وصححه ابن حبان (1828) ، وجابر بن سمرة عند مسلم (459) ، وابن حبان (1827) ، والبراء بن عازب عند النسائي 2/163، وأنس عند ابن حبان (1824) ، فروايتهم مقدمة على من نفى، فضلاً على من شك، قال الحافظ: ولعل البخاري أراد بإيراد هذا إقامة الحجة عليه، لأنه احتج بقوله تعالي: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ، فيقال له: قد ثبت أنه قرأ، فيلزمك أن تقرأ، والله أعلم. وقد جاء عن ابن عباس إثبات ذلك أيضاً رواه أيوب، عن أبي العالية البَراء قال: سألت ابن عباس: أقرأ في الظهر والعصر؟ قال: هو إمامك، اقرأ منه ما قل أو كثر. أخرجه ابن المنذر والطحاوي 1/206 وغيرهما.
قال الخطابي: ومعنى قوله: (وما كان ربك نَسِياً) وتمثله به في هذا الموضع، هو أنه لو شاء أن يُنَزَل ذِكْرَ بيان أفعال الصلاة وأقوالها وهيئاتها، حتى يكون قُرآناً مَتْلُواً، لَفَعل، ولم يترك ذلك عن نسيان، لكنه وكل الأمر في بيان ذلك إلى رسوله، ثم أمر بالإقتداء به، والائْتِساء بفعله، وذلك معنى قوله: (لِتُبَين للناس ما نُزِّل إليهم) ، وهذا من نوع ما أنزل من القرآن مجملا ًكالصلوات التي أجمل ذكر فرضها ولم يبين عدد ركعاتها وكيفية هيئاتها، وما تُجْهَرُ القراءة فيه مما تُخافت، فتَولَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيان ذلك، فاستند بيانه إلي أصل الفرض الذي أنزله الله عز وجل، ولم تختلف الأمة في أن أفعال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي هي بيانُ مُجمَلِ الكتابِ واجبة.