71 الفوائد المنتقاه من شرح مختصر صحيح مسلم -رقم 71
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
( ألقاه الأخ : سيف بن دورة الكعبي)
وممن شارك صاحبنا أحمد الغفلي وحسين البلوشي وآخرين بفوائد قيمة.
بالتعاون مع الإخوة في مجموعات السلام والمدارسة والتخريج رقم 1 ، والاستفادة
من عنده تعقيب أو تنبيه فليفدنا
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مختصر عبدالحق الأشبيلي
بَاب فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا
4214 – عن ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِمْ فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَعَلَا ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلَأَعْبُرَنَّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْبُرْهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنْ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا قَالَ فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ قَالَ لَا تُقْسِمْ
-وعَنْه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ بِمَعْنَى ما تقدم َ اسنده معمر بن راشد عن ابن عباس أو عن أبي هريرة. وكان يقول أحياناً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْيَانًا يَقُولُ عَنْ أَبِي هريرة. وأخرجه البخاري من حديث ابن عباس ونبه على الخلاف الذي صح في إسناده وهو حديث صحيح. وقال البخاري في حديثه :ثم يوصل، ولم يقل :له.
– عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه 🙁 من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له ). قال : فجاء رجل فقال : يا رسول الله إني رأيت ظلة… بنحو ما تقدم
——————-
تأصيلات في باب التعبير :
– تعريف التعبير : قال الراغب : عبر، أصل العَبْرِ: تجاوزٌ من حال إلى حال، فأمّا العُبُورُ فيختصّ بتجاوز الماء، وأما العِبَارَةُ فهي مختصّة بالكلام وَالاعْتبَارُ والعِبْرَةُ: بالحالة التي يتوصّل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد.
وَالتَّعْبِيرُ: مختصّ بِتَعْبِيرِ الرّؤيا، وهو العَابِرُ من ظاهرها إلى باطنها، نحو: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ
[يوسف/ 43] ، وهو أخصّ من التّأويل، فإنّ التّأويل يقال فيه وفي غيره. انتهى مختصرا.
– وتعبير الرؤى من نعم الله عزوجل على يوسف عليه السلام، فلهذا العلم مكانه. وأن علم التعبير من العلوم الشرعية وأنه يثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه، وأن تعبير الرؤيا داخل في الفتوى لقوله تعالى( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ). قرره السعدي.
تنبيه : لا يجوز لأحد أن يحكم بموت شخص يقينا أو دخوله النار، وأنه يموت كافراً، وأن تفسيره للرؤيا يقع لا محالة ؛ فأحكام الغيب لله وإنما جعلت الرؤيا بشارة ونذارة؛ ثم علم التعبير المجزوم به إنما كانت هذه آية ليوسف عليه الصلاة والسلام ، وإنما العالم بالتعبير يجتهد أن يقرب من الصواب أما ما نقل عن عن عمر أنه قال لرجل رأى أرضا أعشبت ثم أجدبت قال: تموت كافراً، وقال له( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )فلا يصح، فهو منقطع بين قتادة وعمر، وانظر كتاب الرؤيا للدينوري ص 284،
والذي صح ما أخرجه مسلم 567 باب نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوهما( أن عمر قال: إني رأيت كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات وإني لا أراه إلا حضور أجلي… ) فقال عمر رضي الله عنه : لا أراه، ولم يجزم، لكن فعلاً لم تأت عليه ثالثه إلا طعن كما في الحديث.
وقال بعض مشايخنا في إجابة من رأى امرأة تغتاب الناس أنها من أهل النار :إن هذا ليس حكماً نهائياً لكنه تحذير .
قلت :فهو ليس من العلم الذي يقطع به، لذا ابن سيرين يسئل عن مائة رؤيا فلا يجيب بشئ إلا أنه يقول : اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، ويقول : إنما أجيب بالظن والظن يخطئ ويصيب.
– الكذب في الرؤيا :
الكذب عموماً محرم وهو من الكبائر، وأعظمه الكذب على الله عز وجل، وكذلك الكذب في الرؤيا محرم فأخرج البخاري 7043 – عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ 🙁 إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ)
وأخرج أيضاً 7042 – عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ 🙁 مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ).
وقال الطبري فيما نقله عنه الحافظ في “الفتح” 12/428: إنما اشتد فيه الوعيد ُمع أن الكذبَ في اليقظة قد يكون أشد مفسدةً منه، إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، لقوله تعالى: (ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) الآية، وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث: “الرؤيا جزء من النبوة”، وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى. انتهى وعزاه إليه محققو المسند
كذلك الكذب على رسول الله شديد ففي الحديث (…من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) والتبوء يعني السكن وهذا الحديث أما بمعنى الخبر أو التهديد أو الدعاء على فاعل ذلك.
بل ورد ( إن من أعتى الناس على الله عز وجل من قتل غير قاتله أو طلب بدم الجاهلية من أهل الإسلام أو بصر عينيه في المنام ما لم تبصر )أحمد 4/32، والطبري 22/191، لكن أعله أبوحاتم كما في العلل 1340 وصوب أنه عن الزهري عن مسلم بن يزيد عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أعله البخاري كما في التاريخ الكبير 7/277.
ورواية مسلم بن يزيد تحتاج بحث في متابعاتها وشواهدها، وليس في روايته( أو بصر عينيه في المنام ما لم تبصر )
وورد حديث في تغليظ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا فقال( من كذب علي في حلمه كلف عقد شعيرة يوم القيامة ) أخرجه أحمد 2/105 وإسناده ضعيف فيه عبدالأعلى الثعلبي، والمشهور( من كذب في حلمه… )، لكن من المعلوم أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الكذب على غيره فقد ورد( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) وهذا عام
-ذكر بعض الباحثين أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تعابيره للرؤية غير معقدة وكذلك يوسف عليه السلام والصحابة وأئمة السلف.
– رؤيا الملائكة:
فأما على صورتهم الحقيقية ثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جبريل مرتين يقظة ، أما غير الأنبياء فلا يمكن أن يروا الملك على هيئته الحقيقية، إلا إذا تحول إلى صورة بشرية، وهذا حصل لمريم بنت عمران، وحصل لجمع من الصحابة وأكثر ما كان يأتي على صورة دحية فرؤية الملائكة في المنام جائزة كما ذكر ذلك البغوي وابن تيمية وهي حق؛ لأن الشيطان لا يتمثل بهم ،وأخرج البخاري 1121،3738 ومسلم
2479 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم قال وكنت غلاما شابا عزبا وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر وإذا فيها ناس قد عرفتهم فجعلت أقول أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار، قال: فلقيهما ملك فقال لي: لم ترع فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل، قال: سالم فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل الا قليلا) وهذا الحديث ذكره البخاري في قيام الليل وذكره أيضا هو ومسلم في مناقب ابن عمر.
-فيه استحباب السؤال عن الرؤيا خاصة عند صلاة الصبح. قال النووي : في الحديث الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها قال العلماء وسؤالهم محمول على أنه صلى الله عليه و سلم يعلمهم تأويلها وفضيلتها واشتمالها على ما شاء الله تعالى من الأخبار بالغيب
– الرؤيا منها ما هو ظاهر لا يحتاج لتأويل، ومنها ما يحتاج لتأويل، فمن الظاهر رؤيا إبراهيم عليه السلام، ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة قال: أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول هذه امرأتك… )أخرجه البخاري 3894 في عدة أبواب ومسلم2438 في فضل عائشة.
– قسم يحتاج لتعبير : مثل رؤيا يوسف عليه السلام
قال ابن تيمية : ” عِبَارَةُ الرُّؤْيَا ” هُوَ الْعُبُورُ مِنْ الشَّيْءِ إلَى مِثَالِهِ وَنَظِيرِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْمُقَايَسَةِ وَالِاعْتِبَارِ ؛ فَإِنَّ إدْرَاكَ الشَّيْءِ بِالْقِيَاسِ وَالِاعْتِبَارِ الَّذِي أَلِفَهُ الْإِنْسَانُ وَاعْتَادَهُ أَيْسَرُ مِنْ إدْرَاكِ شَيْءٍ عَلَى الْبَدِيهَةِ مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ مَعْرُوفٍ. مجموع الفتاوى 11/638
قال ابن القيم : فإنها مبنية على القياس والتمثيل، واعتبار المعقول بالمحسوس. إعلام الموقعين 1/290
قال ابن بطال: فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه( الفتح )
– يجب أن نفرق بين الحلم والرؤيا فالحلم من الشيطان أي تخويفه وتهويله فيظل الرائي متخوف، وهو لو طبق الآداب ولم يباله دحر الشيطان، كما قال أبوسلمة( إن كنت أرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث كنت لا أباليها )، أما الرؤيا فورد حديث( إن الرؤيا تقع على ما تعبر) صححه الشيخ الألباني 120، وكذلك صححها بعض الباحثين، وورد كذلك حديث( لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح )صححه الألباني الصحيحة 119
قال النووي :وأما كون لا يخبر بها من لا يحب فربما حمله الحسد والبغض على تفسيرها بمكروه، فقد يقع على تلك الصفة وإلا فيحصل له في الحال حزن ونكد من سوء تفسيرها.
قال الألباني في الصحيحة تحت حديث 120 : والحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر ، ولذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم ، لأن المفروض فيهما
أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك ، لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا و لو على وجه ، و ليس خطأ محضاً و إلا فلا تأثير له حينئذ و الله أعلم .
و قد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في ” كتاب التعبير ” من ” صحيحه “بقوله ( 4 / 362 ) :
” باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب ” .
ثم ساق حديث الرجل الذي رأى في المنام ظلة وعبرها أبو بكر الصديق ثم قال :فأخبرني يا رسول الله – بأبي أنت – أصبت أم أخطأت ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” أصبت بعضا ، و أخطأت بعضا “. انتهى كلام الألباني ثم ساق حديث تعبير أبي بكر وقول النبي صلى الله عليه وسلم له :أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً في الصحيحة 121 وهو متفق عليه.
تنبيه : ذهب بعض الباحثين لتضعيف حديث إن الرؤيا تقع على ما تعبر، وقال : لا يتقوى لمخالفته حديث الباب وقول النبي صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً، وقد نقل الشيخ الألباني تبويب البخاري الذي فيه الجمع بين النصوص.
أما الحديث الذي فيه أن أمرأة كان يسافر زوجها ويدعها حاملاً فترى في المنام أن سارية بيتها انكسرت وأنها ولدت ولداً أعور، فتأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول :خير، يرجع زوجك وتلدين ولداً باراً، فجاءت مرة ورسول الله غير موجود قالت عائشة :فسألتها عن حاجتها، فقالت : لا شئ كنت أرى الرؤيا فآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعبرها لي، قالت عائشة :فما زلت بها حتى أخبرتني بالرؤيا، فقلت : أن صدقت رؤياك، فسيموت زوجك وتلدين ولداً فاجراً، فجعلت تبكي، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ما بالها، فأخبرته فقال 🙁 مه يا عائشة إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على خير، فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها ) أخرجه الدارمي 2163وحسن إسناده ابن حجر ،لكن فيه عنعنة ابن إسحاق، ويونس بن بكير فيه كلام، بل قال أبوداود : ليس بحجة يوصل كلام ابن إسحاق بالأحاديث.
ولا يجوز تكلف تعبير الرؤى لتكون خيراً، فقد نقل عن ابن سيرين أنه قيل له : إنك تواجه الرجل بما يكره فقال : أتكلف التعبير. بمعنى كلامه.
لكن إن خشي فتنة فله أن يأمره بتقوى الله، فليس هو من العلم الذي يجب إبلاغه، والنبي صلى الله عليه وسلم حين قال أبو بكر : فوالله يا رسول الله لتحدثني ما الذي أخطأت؟ قال : لا تقسم؛ لأنه خشي فتنة من إخبارهم بالفتنة التي ستحصل في عهد عثمان بالتفصيل.
تنبيه :بوب أبوداود على الحديث باب في القسم هل يكون يمينا ولفظه عنده( أقسمت عليك ) وعند الطبراني( لتحدثني ما الذي أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :لا تقسم ) وتابع الزبيدي على لفظة( فوالله ) يونس كما عند البخاري 7046، ذكر ذلك البيهقي كما في السنن الكبرى 10/39
واستدل البغوي بهذا الحديث : بأن إبرار المقسم خاص في أمر يحِل ويمكن ويتيسر. ودلل الطحاوي بأدلة كثيرة من القرآن والسنة بأن أقسمت تعتبر يميناً (شرح معاني الآثار )
-بوب ابن حبان على الحديث باب إباحة إظهار المرء بعض ما يحسن من العلم إذا صحت نيته في إظهاره
– أقسام تعبير الرؤيا :
التأويل بدلالة القرآن : ذكر ابن القيم 2/323فصلاً من الإستفادة من الأمثال المضروبة في إعلام الموقعين ثم أتبعه بفصل في تأويل الرؤيا فقال : الاستفادة من ضرب الأمثال.
قالوا :قد ضرب الله سبحانه الأمثال وصرفها قدرا وشرعا ويقظة ومناما ودل عباده على الاعتبار بذلك وعبورهم من الشيء إلى نظيره واستدلالهم بالنظير على النظير بل هذا أصل عبارة الرؤيا التي هي جزء من أجزاء النبوة ونوع من أنواع الوحي فإنها مبنية على القياس والتمثيل واعتبار المعقول بالمحسوس
ألا تر أن الثياب في التأويل كالقمص تدل على الدين فما كان فيها من طول أو قصر أو نظافة أو دنس فهو في الدين كما أول النبي صلى الله عليه وسلم – القمص بالدين والعلم، والقدر المشترك بينهما أن كلَّاً منهما يستر صاحبه ويجمِّله بين الناس فالقميص يستر بدنه والعلم والدين يستر روحه وقلبه ويجمله بين الناس
ومن هذا تأويل اللبن بالفطرة
ومن هذا تأويل البقر بأهل الدين والخير الذين بهم عمارة الأرض
ومن ذلك تأويل الزرع والحرث بالعمل
ومن ذلك تأويل الخشب المقطوع المتساند بالمنافقين
وذكر مع كل واحد وجه التشابه ،وذكر أمثلة أخرى ثم قال:وبالجملة فما تقدم من أمثال القرآن كلها أصول وقواعد لعلم التعبير لمن أحسن الاستدلال بها وكذلك من فهم القرآن فإنه يعبر به الرؤيا أحسن تعبير، وأصول التعبير الصحيحة إنما أخذت من مشكاة القرآن فالسفينة تعبر بالنجاة لقوله تعالى( فأنجيناه وأصحاب السفينة) وتعبر بالتجارة، والخشب بالمنافقين والحجارة بقساوة القلب، والبيض بالنساء، واللباس أيضاً بهن …. إلى آخر ما قال رحمه الله.
2- التأويل بدلالة الحديث فالغراب يعبر بالرجل الفاسق والفأرة بالمرأة الفاسقة، والضلع يعبر بالمرأة، والقوارير بالنساء.
3 – التأويل بالأمثال : فيعبر طول اليد بصنائع المعروف يقال فلان أطول يداً، وفيه حديث أيضاً.
4- التأويل بالأسامي فإذا رأى رجلاً يسمى راشد يعبر بالرشد، وإن كان يسمى سالما يعبر بالسلامة، وسيأتينا في الباب التالي قول النبي صلى الله عليه وسلم( رأيت كأنا في دار عقبة بن رافع… وقال صلى الله عليه وسلم : فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة… ).
وقال : رأيت امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة فأولت وباء المدينة نقل إلى مهيعة وهي الجحفة، فاسم السوداء يدل على السوء والداء خاصة وأنها ثائرة الرأس( الفتح).
5- تأويل بدلالة المعاني :
قال السعدي : ومنها: أن فيها أصلا لتعبير الرؤيا، وأن علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله من يشاء من عباده، وإن أغلب ما تبنى عليه المناسبة والمشابهة في الاسم والصفة، فإن رؤيا يوسف التي رأى أن الشمس والقمر، وأحد عشر كوكبا له ساجدين، وجه المناسبة فيها: أن هذه الأنوار هي زينة السماء وجمالها، وبها منافعها، فكذلك الأنبياء والعلماء، زينة للأرض وجمال، وبهم يهتدى في الظلمات كما يهتدى بهذه الأنوار، ولأن الأصل أبوه وأمه، وإخوته هم الفرع، فمن المناسب أن يكون الأصل أعظم نورا وجرما، لما هو فرع عنه. فلذلك كانت الشمس أمه، والقمر أباه، والكواكب إخوته.
ومن المناسبة أن الشمس لفظ مؤنث، فلذلك كانت أمه، والقمر والكواكب مذكرات، فكانت لأبيه وإخوته،. ومن المناسبة أن الساجد معظم محترم للمسجود له، والمسجود [له] معظم محترم، فلذلك دل ذلك على أن يوسف يكون معظما محترما عند أبويه وإخوته.
ومن لازم ذلك أن يكون مجتبى مفضلا في العلم والفضائل الموجبة لذلك، ولذلك قال له أبوه: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث} [ص:408] ومن المناسبة في رؤيا الفتيين، أنه أول رؤيا، الذي رأى أنه يعصر خمرا، أن الذي يعصر في العادة، يكون خادما لغيره، والعصر يقصد لغيره، فلذلك أوَّله بما يؤول إليه، أنه يسقي ربه، وذلك متضمن لخروجه من السجن.
وأوَّل الذي رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه، بأن جلدة رأسه ولحمه، وما في ذلك من المخ، أنه هو الذي يحمله، وأنه سيبرز للطيور، بمحل تتمكن من الأكل من رأسه، فرأى من حاله أنه سيقتل ويصلب بعد موته فيبرز للطيور فتأكل من رأسه، وذلك لا يكون إلا بالصلب بعد القتل.
وأوَّل رؤيا الملك للبقرات والسنبلات، بالسنين المخصبة، والسنين المجدبة، ووجه المناسبة أن الملك، به ترتبط أحوال الرعية ومصالحها، وبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد، وكذلك السنون بها صلاح أحوال الرعية، واستقامة أمر المعاش أو عدمه.
وأما البقر فإنها تحرث الأرض عليها، ويستقى عليها الماء، وإذا أخصبت السنة سمنت، وإذا أجدبت صارت عجافا، وكذلك السنابل في الخصب، تكثر وتخضر، وفي الجدب تقل وتيبس وهي أفضل غلال الأرض. انتهى كلام السعدي
– كليات التعبير : قال القاري :الحاصل أن الرؤيا مختلفة باختلاف الرائي فإنه قد يكون سالكاً مسالك طريق الدنيا، وقد يكون سائراً في مسائر صراط العقبى، فكل تأويل يليق به، لذا لم يجعل السلف فيه تأليفاً مستقلاً إنما ذكروا ما وقع لهم.
قال صاحبنا أحمد الغفلي مثاله : أن يرى رجلين منادي الأذان فيحتمل لأحدهما إن كان صالحاً الأذان الشرعي وما يحتمله من التعبير الطيب ، ويحتمل لآخر إن كان رجل سوء منادي السرقة لقوله تعالى( ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ).
-قال البغوي : وقد يتغير التأويل عن أصله باختلاف حال الرائي كالغل مكروه في النوم لكن مرة صهيب رأى في يد أبي بكر غلاً على باب آبي الحشر رجل من الأنصار، قال أبوبكر : جمع لي ديني إلى يوم الحشر.
-قال البغوي : في تعبير أبي بكر للظلة التي تنطف عسلاً وسمنا هذه الرؤيا تشتمل على أشياء إذا انفرد كل واحد انصرف تأويله إلى وجه آخر.
– ذكر ابن القيم جملة من كليات التعبير : كل سقوط وخرور من العلو إلى سفل مذموم، وكل صعود فممدوح إذا لم يتجاوز العادة وكان يليق به، وكل زيادة في الجسم والقامة واللسان واللحية واليد والرجل فزيادة خير، وكل زيادة متجاوزة للحد في ذلك فمذمومة وشر وفضيحة.