6779 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي ، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
صحيح مسلم، 25 – باب: مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ أَوْ دَعَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ أَهْلاً لِذَلِكَ كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً.
6779 – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ فَكَلَّمَاهُ بِشَىْءٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ، فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ قَالَ: ((وَمَا ذَاكِ))، قَالَتْ: قُلْتُ لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: ((أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَىُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)).
6780 – حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ح وَحَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ عِيسَى: فَخَلَوَا بِهِ فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا وَأَخْرَجَهُمَا.
6781 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً)).
6782 – وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ: ((زَكَاةً وَأَجْرًا)).
6783 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلاَهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِإِسْنَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ مِثْلَ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عِيسَى جَعَلَ ((وَأَجْرًا)) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ ((وَرَحْمَةً)) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ.
6784 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، – يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ – عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَىُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً، تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
6785 – حَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: ((أَوْ جَلَدُّهُ)). قَالَ أَبُو الزِّنَادِ وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ ((جَلَدْتُهُ)).
6786 – حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ .
6787 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ؛ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
6788 – حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
6789 – حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
6790 – حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَىُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)).
6791 – حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، ح وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ .
6792 – حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ – وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ – قَالاَ حَدَّثَنَا عُمَرُ، بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: ((آنْتِ هِيَهْ لَقَدْ كَبِرْتِ لاَ كَبِرَ سِنُّكِ)). فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ؟! قَالَتِ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَىَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنِّي، فَالآنَ لاَ يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا – أَوْ قَالَتْ قَرْنِي -، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟!)) فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟! قَالَ: ((وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟!)) قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لاَ يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلاَ يَكْبَرَ قَرْنُهَا. – قَالَ – فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ ((يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي، أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وَقَالَ أَبُو مَعْنٍ: يُتَيِّمَةٌ، بِالتَّصْغِيرِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلاَثَةِ مِنَ الْحَدِيثِ.
6793 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، – وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى – قَالاَ حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ، – قَالَ – فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، وَقَالَ: ((اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ)). قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. – قَالَ – ثُمَّ قَالَ لِيَ: ((اذْهَبْ وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ)). قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ. فَقَالَ: ((لاَ أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ)). قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى، قُلْتُ لأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَالَ: قَفَدَنِي قَفْدَةً.
6794 – حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ. فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
==========
التمهيد: ” لما بينت الشريعة الإسلامية حرمة السب واللعن والدعاء على المسلمين، ولما كان بعض ذلك قد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم، وجه صلى الله عليه وسلم هذا الذي وقع منه بأنه من خصائصه؛ وأن ربه سبحانه وتعالى جعل هذا الذي يقع منه في حق من لا يستحق رحمة ومغفرة وطهارة وأجرا.
وخفي هذا عن بعض المسلمين حتى عن أقرب الناس إليه عائشة رضي الله عنه،ا فسألته عن بعض ما وقع منه ففسره لها، ومن المقربات إليه أم سليم أم أنس رضي الله عنهما فسألته عما سمعته من أمثال هذا، فوضح لها أن الله وعد نبيه أن يجعل ما يصدر منه من هذا رحمة ومغفرة صلى الله عليه وسلم”. [فتح المنعم].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٢٥) – (بابٌ مَن لَعَنَهُ النَّبِيُّ – ﷺ – أوْ سَبَّهُ، أوْ دَعا عَلَيْهِ، ولَيْسَ هُوَ أهْلًا لِذَلِكَ، كانَ لَهُ زَكاةً، وأجْرًا، ورَحْمَةً)
الأول:
[٦٥٩١] (٢٦٠٠) – (حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ،
عَنْ أبِي الضُّحَي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: دَخَلَ عَلى رَسُولِ اللهِ – ﷺ –
رَجُلانِ، فَكَلَّماهُ بِشَيْءٍ لا أدْرِي ما هُوَ، فَأغْضَباهُ، فَلَعَنَهُما، وسَبَّهُما، فَلَمّا خَرَجا
قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، مَن أصابَ [الحاشية: وفي نسخة: «لمن أصاب»] مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا ما أصابَهُ هَذانِ، قالَ: «وما ذاكِ؟»، قالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُما، وسَبَبْتَهُما، قالَ: «أوَ ما عَلِمْتِ ما شارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنَّما أنا بَشَرٌ، فَأيُّ المُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أوْ سَبَبْتُهُ، فاجْعَلْهُ لَهُ زَكاةً، وأجْرًا»).
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأنه مسلسل بالكوفيين، غير شيخه،
فبغداديّ، (فَلَمّا خَرَجا قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، مَن أصابَ) وفي بعض النسخ: «لَمَن
أصاب» (مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا ما) نافية، (أصابَهُ هَذانِ)؛ أي: لَمْ يصب هذان
الرجلان من الخير شيئًا، قال القرطبيّ – رحمه الله -: هذا الكلام من السهل الممتنع، وذلك أن معناه: أن هذين الرجلين ما أصابا منك خيرًا، وإن كان غيرهما قد أصابه، لكن تنزيل هذا المعنى على أفراد ذلك الكلام فيه صعوبة، ووجه
التنزيل يتبيّن بالإعراب، وهو أن اللام في «لمن» هي لام الابتداء، وهي متضمنة للقَسَم، و«مَن» موصولة في موضع رَفْع بالابتداء، وصِلتها «أصاب»،
وعائدها المضمَر في «أصاب»، وما بعدها متعلق به، وخبره محذوف، تقديره: والله لرجلٌ أصاب منك خيرًا: فائزٌ، أو ناجٍ، ثم نَفَت عن هذين الرجلين إصابةَ ذلك الخير بقولها:»ما أصابه هذان«، ولا يصح أن يكون ما أصابه خبرًا
لـ»مَن«المبتدأِ؛ لخلوّه عن عائد يعود على نفس المبتدأ، وأما الضمير في »أصابه«فهو للخير، لا لـ»مَن«، فتأمله يصحّ لك ما قلناه، والله تعالى أعلم.
انتهى كلام القرطبيّ – رحمه الله – [»المفهم” ٦/ ٥٨٣]، وهو مفيد.
(إنَّما أنا بَشَرٌ) ذَكَره تمهيدًا لِمَعْذرته فيما يندُر عنه – صلوات الله وسلامه عليه –
يعني: فيصدر مني ما يصدر من البشر، فأغضب نادرًا في بعض الأحيان بحكم
البشرية،
قال القرطبيّ – رحمه الله -: ظاهر هذا أنه خافَ أن يصدر عنه – ﷺ – في حال غضبه شيء من تلك الأمور، فيتعلق به حقّ مسلم…. فأجاب الله تعالى طَلِبَةَ نبيّه – ﷺ -، ووعده بذلك، فلزم ذلك بوعده الصدق، وقولِهِ الحقّ، وعن هذا عبّر النبيّ – ﷺ – بقوله:»شارطت ربي«، و»شرط عليّ ربي«، و»اتخذت عنده عهدًا لن يُخلفنيه« لا أن الله تعالى يُشتَرط عليه شرطٌ، ولا يجب عليه لأحد حقّ، بل ذلك كلّه بمقتضى فضْله، وكَرَمه، على حَسَب ما سبق في علمه.
[فإنْ قيل]: فكيف يجوز أن يصدر من النبيّ – ﷺ – لَعْنٌ، أو سبّ، أو جلدٌ
لغير مستحقّه، وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب، والرضا؛ لأنّ كلّ ذلك محرّم وكبيرة، والأنبياء – عليهم السلام – معصومون عن الكبائر، إما بدليل العقل، أو بدليل الإجماع، كما تقدَّم؟
[قلت]: قد أشكل هذا على العلماء، ورامُوا التخلص من ذلك بأوجه متعددة، أوضحها وجه واحد، وهو أن النبيّ – ﷺ – إنما يغضب لِما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغَضَبُه لله تعالي، لا لنفسه، فإنّه ما كان يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وقد قرّرنا في الأصول أن الظاهر من غضبه – ﷺ – تحريم الفعل المغضوب من أجله، وعلى هذا فيجوز له أن يؤدّب المخالِف له باللعن، والسبّ، والجلد، والدعاء عليه بالمكروه، وذلك بحسب مخالفة المخالِف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة، أوْجبتها غفلة، أو غلبة نفس، أو شيطان، وله فيما بينه وبين الله تعالى عمل خالص، وحالٌ صادق، يدفع الله عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبيّ – ﷺ – له من ذلك القول، أو الفعل، وعن هذا عبّر النبيّ – ﷺ – بقوله: »فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة، ليس لها بأهل أن تجعلها له
طهورًا، وزكاةً، وقربةً تقرّبه بها يوم القيامة«؛ أي: عَوِّضه من تلك الدعوة بذلك، والله تعالى أعلم.
قال القرطبيّ – رحمه الله -: وقد يدخل في قوله:»أيّما أحد من أمتي دعوت عليه« الدعوات الجارية على اللسان من غير قَصْد للوقوع؛ كقوله:»تربت يمينك«، و»عقري، حلقى«، ومن هذا النوع قوله لليتيمة:»لا كَبِرَ سنّك«، فإنّ هذه لَمْ تكن عن غضب، وهذه عادات غالبة في العرب، يَصِلُون كلامهم بهذه الدعوات، ويجعلونها دِعامًا لكلامهم، من غير قَصْد منهم لمعانيها، وقد قدمنا في»كتاب الطهارة«في هذا كلامًا للبديع، وهو من القول البديع، وبما ذكرناه يرتفع
الإشكال، ويحصل الانفصال. انتهى كلام القرطبيّ – رحمه الله – [»المفهم”٦/ ٥٨٤ – ٥٨٥]، انتهى.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة – رضي الله عنها – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (منها): بيان أن النبيّ – ﷺ – بشر من بني آدم، فله صفات بني آدم، فيغضب كما يغضبون، ويأسف كما يأسفون، ولكن الله – سبحانه وتعالى – عصمه من الوقوع في المعاصي، وإن وقع منه بعض ما يعاتَب عليه، فقد ينبّهه الله تعالى، فيرجع في الحال.
٢ – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ – ﷺ – من كمال الشفقة، وشدّة
الرحمة، فإذا حصل له شيء من الصفات التي لا يخلو البشر عنها، من الغضب
على بعض الناس لسوء أدبه، فسبّه، أو لعنه، أو نحو ذلك، فإنّه دعا الله تعالى أن يجعل ذلك له زلفى إلى الله تعالي، وصلاة وزكاة، وهذا مصداق قوله – سبحانه وتعالى -: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)﴾ [الأنبياء ١٠٧].
وقال في «الفتح»: وفي الحديث كمالُ شفقته – ﷺ – على أمته، وجميل خُلُقه، وكرم ذاته، حيث قَصَد مقابلة ما وقع منه بالجبر، والتكريم، وهذا كلّه في حقّ معيَّن في زمنه واضح، وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معيَّن، حتى يتناول من لَمْ يُدرك زمنه – ﷺ -، فما أظنه يشمله، والله أعلم. انتهى [«الفتح» ١٤/ ٣٩٨، كتاب «الدعوات» رقم (٦٣٦١)].
وقال النوويّ – رحمه الله -: هذه الأحاديث مُبَيّنة ما كان عليه – ﷺ – من الشفقة على أمته، والاعتناء بمصالحهم، والاحتياط لهم، والرغبة في كلّ ما ينفعهم، وهذه الرواية المذكورة آخرًا – يعني: رواية: «وليس لها بأهل» – تبيّن المراد بباقي الروايات المطلقة، وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمةً، وكفارةً، وزكاةً، ونحو
ذلك، إذا لَمْ يكن أهلًا للدعاء عليه، والسبّ، واللعن، ونحوه، وكان مسلمًا، وإلا فقد دعا – ﷺ – على الكفار، والمنافقين، ولم يكن ذلك لهم رحمةً.
[فإن قيل]: كيف يدعو على من ليس هو باهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه، ونحو ذلك؟
[فالجواب]: ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان:
أحدهما: أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى، وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له – ﷺ – استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلًا لذلك، وهو – ﷺ – مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبّه، ودعائه، ونحوه، ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصْل كلامها بلا نيّة؛ كقوله:»تربت يمينك«، و»عقرَي، حلقى«، وفي هذا الحديث»لا كَبِرت سنُّك«، وفي حديث معاوية: »لا أشبع الله بطنه«، ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف – ﷺ – أن يصادف شيء من ذلك ساعة إجابة، فسأل ربه – سبحانه وتعالى -، ورَغِب إليه
في أن يجعل ذلك رحمةً، وكفارةً، وقربةً، وطَهورًا، وأجرًا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذّ من الأزمان، ولم يكن – ﷺ – فاحِشًا، ولا متفحشًا، ولا
لعّانًا، ولا منتقمًا لنفسه، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا: ادع على دوس، فقال:»اللَّهُمَّ اهد دوسًا«، وقال:»اللَّهُمَّ اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون«، والله أعلم. انتهى [»شرح النوويّ” ١٦/ ١٥١ – ١٥٣].
عن (سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(اللهم فأيما مؤمن سببته) الفاء جزائية والشرط محذوف يدل عليه السياق أي إن كنت سببت مؤمنًا،
وقوله ( ليس لها بأهل ) أي عندك في باطن أمره لا في ظاهر ما يظهر منه حين دعائي عليه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان متعبدًا بالظواهر وحساب الناس في البواطن إلى الله تعالى. وفي الحديث كمال شفقته على أمته وجميل خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزاه عنا أفضل الجزاء بمنه وكرمه وأماتنا على محبته وسنته. انظر شرح القسطلاني ( 9/ 207)
3 – ( ومنها ) بيان أن تلك الكفارة والقربة التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم لمن سبه وهو ليس لها أهل أنه خاص بالمؤمنين .
4 – (ومنها): بيان فضل هذه الأمة المحمّديّة، حيث جعلها الله تعالى أمة لهذا النبيّ الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، فإذا حصل لها شيء من التقصير حصل لها منه – ﷺ – فضل كبير، حيث يدعو عليها، فتكون تلك الدعوة لها قربةً إلى الله تعالى، بخلاف الأمم السابقة، فإنها إذا أساءت إلى أنبيائها دعوا عليها، فهلكت، اللَّهُمَّ لك الحمد على هذه النعماء، ولك الشكر على مزيد الآلاء، اللَّهُمَّ أوزعنا شكرك، وألهمنا ذِكرك، ولا تجعلنا من الغافلين، آمين.
الحديث الثاني: .
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأنه مسلسل بالكوفيين إلى الأعمش،
والباقيان مدنيّان، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه -.
(فَأيُّما رَجُلٍ) وفي الرواية الآتية: «فأيّ المؤمنين»، والفاء جواب الشرط المحذوف؛ لدلالة السياق عليه؛ أي: إن كنت سببت، أو لعنت، أو جلدت، فأيما رجل … إلخ، وقوله: (مِنَ المُسْلِمِينَ) بيان لـ «أيّما رجل»، (سَبَبْتُهُ، أوْ لَعَنْتُهُ، أوْ جَلَدْتُهُ، فاجْعَلْها لَهُ زَكاةً) منصوب على أنّه مفعول ثان لـ «اجعل»؛ أي: طهارةً، وقيل: نُمُوًّا في الجَنَّة، وقيل: صلاحأ، قاله في «العمدة»[»عمدة القاري«٢٢/ ٣١٠].
وقال في «المشارق»: زكاةً؛ أي: تطهيرًا وكفارةً، كما قال تعالى: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ﴾ [التوبة ١٠٣]، وكذلك قوله: «أنت خير من زكّاها»؛ أي: طهَّرها، وهو أحد معاني الزكاة للمال، أنه طُهْرته، وقيل: طُهرة صاحبه، وقيل: سبب نمائه، وزيادته، والزكاة: النماء، وقيل: تزكية صاحبه، ودليل إيمانه، وزكاتِهِ عند الله تعالي، وفي التشهد: «الزاكيات لله»؛ أي: الأعمال الصالحة لله. انتهى [»مشارق الأنوار«١/ ٣١٠].
(ورَحْمَةً) بالنصب عطفًا على»زكاةً«.
قال في»العمدة«: قيل: إذا كان مستحقًّا للسبّ لَمْ يكن قربة له.وأجيب بأن المراد به: غير المستحقّ له، بدليل الروايات الأُخَر الدّالة عليه كذا قاله الكرمانيّ. انتهى [»عمدة القاري” ٢٢/ ٣١٥].
وقال المازريّ: إن قيل: كيف يدعو – ﷺ – بدعوة على من ليس لها بأهل؟
قيل: المراد بقوله: «ليس لها بأهل» عندك في باطن أمره، لا على ما يظهر مما يقتضيه حاله، وجنايته حين دعائي عليه، فكأنه يقول: من كان باطن أمره عندك
أنه ممن ترضى عنه، فاجعل دعوتي عليه التي اقتضاها ما ظهر لي من مقتضى حاله حينئذ طَهورًا، وزكاةً، قال: وهذا معنى صحيح، لا إحالة فيه؛ لأنه – ﷺ – كان متعبَّدًا بالظواهر، وحساب الناس في البواطن على الله تعالى. انتهى [«إكمال المعلم» ٣/ ١٦٨].
قال الحافظ: وهذا مبنيّ على قول من قال: إنه كان يجتهد في الإحكام، ويحكم بما أدّى إليه اجتهاده، وأما من قال: كان لا يحكم إلّا بالوحي، فلا يتأتى منه هذا الجواب. [«الفتح» ١٤/ ٣٩٨، كتاب «الدعوات» رقم (٦٣٦١)].
ثم قال المازريّ [«إكمال المعلم» ٣/ ١٦٨]: فإن قيل: فما معنى قوله – ﷺ -: «وأغضب كما يغضب البشر»؟ فإن هذا يشير إلى أن تلك الدعوة وقعت بحكم سَوْرة الغضب، لا أنّها على مقتضى الشرع، فيعود السؤال.
فالجواب: أنه يَحْتَمِل أنه أراد أنّ دَعْوته عليه، أو سبّه، أو جَلْده، كان مما خُيِّر بين فعله له عقوبةً للجاني، أو تَرْكه والزجر له بما سوى ذلك، فيكون الغضب لله تعالى، بَعَثَه على لَعْنه، أو جَلْده، ولا يكون ذلك خارجًا عن شَرْعه.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون ذلك خرج مخرج الإشفاق، وتعليم أمته الخوف من تعدّي حدود الله، فكأنه أظهر الإشفاق من أن يكون الغضب يحمله على زيادة في عقوبة الجاني، لولا الغضب ما وقعت، أو إشفاقًا من أن يكون الغضب يحمله على زيادة يسيرة في عقوبة الجاني، لولا الغضب ما زادت،
ويكون من الصغائر على قول من يُجَوِّزها، أو يكون الزجر يحصل بدونها.
ويَحْتَمِل أن يكون اللعن، والسب، يقع منه من غير قَصْد إليه، فلا يكون في ذلك؛ كاللعنة الواقعة رغبة إلى الله، وطلبًا للاستجابة.
وأشار عياض إلى ترجيح هذا الاحتمال الأخير، فقال: يَحْتَمِل أن يكون
ما ذَكَره من سبّ ودعاء غير مقصود، ولا منويّ، لكن جرى على عادة العرب
في دَعْم كلامها، وصِلة خطابها عند الحرج، والتأكيد للعتب، لا على نية وقوع
ذلك؛ كقولهم: عَقْرَي، حَلْقَي، وتربت يمينك، فأشفق من موافقة أمثالها القدَرَ، فعاهد ربه، ورَغِب إليه أن يجعل ذلك القول رحمةً، وقربة. انتهى.
قال الحافظ: وهذا الاحتمال حسنٌ، إلّا أنه يَرِد عليه قوله: «جلدته»،
فإن هذا الجواب لا يتمشى فيه؛ إذ لا يقع الجَلْد عن غير قصد، وقد ساق الجميع مساقًا واحدًا، إلّا إن حُمِل على الجلدة الواحدة، فيتجه.
ثم أبدى القاضي احتمالًا آخر، فقال: كان لا يقول، ولا يفعل – ﷺ – في
حال غضبه إلّا الحقّ، لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه، وترك الإغضاء، والصفح، ويؤيِّده حديث عائشة – رضي الله عنها -: «ما انتَقَم لنفسه قطّ، إلّا أن تُنتَهَك حُرُمات الله»، وهو في «الصحيح».
قال الحافظ: فعلى هذا، فمعنى قوله: «ليس لها بأهل»؛ أي: من جهة تعيّن التعجيل. انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» ١١/ ١٧٢]، وهو تحقيق مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متَّفقٌ عليه.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ (أنّ النَّبِيَّ – ﷺ – قالَ: «اللَّهُمَّ) أصله يا الله،
فعُوّضت الميم من حرف النداء، ولا يُجمع بينهما إلّا نادرًا، كما قال في »الخلاصة”:
والأكْثَرُ اللَّهُمَّ بِالتَعْوِيضِ … وشَذَّ يا اللَّهُمَّ فِي قَرِيضِ.
(إنِّي أتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا)؛ أي: وعدًا، وعَبَّر به عنه تأكيدًا، وإشعارًا بأنه من المواعيد التي لا يَتطَرَّق إليها الخُلف؛ كالمواثيق، ولذا استعمل فيه الخُلف، فقال: (لَنْ تُخْلِفَنِيهِ) للمبالغة، وزيادة التأكيد، ذَكَره القاضي، وقال التُّوربشتيّ: العهد هنا الأمان؛ أي: أسألك أمانًا لن تجعله خلاف ما أرتجيه، فوضَع الاتخاذ موضع السؤال؛ تحقيقًا للرجاء.
وقال الطيبيّ: أصله: طلبت منك حاجة، تُسعفني إياها، ولا تخيّبني فيها، فوقع العهد الموثَّق محلَّ الحاجة؛ مبالغةً في تحقيق قضائها، ووضع «لن تخلفنيه» محل لا تُخَيبني؛ نظرًا إلى أن الالوهية منافية لِخُلف الوعد.[»فيض القدير«٢/ ١٥٣].
، قوله: (يَتِيمَةٌ) لم يُعرف اسمها، قاله صاحب»التنبيه«[«تنبيه المعلم» ص ٤٣٢]، واليتيمة: الصغيرة التي مات
أبوها، قال الفيّوميّ رحمه الله: اليُتم في الناس من قِبَل الأب، ، وفي غير الناس مِن قِبَل الأمّ،
فالصغير: لَطِيمٌ، وإن ماتت أمه فقط، فهو عَجِيٌّ. انتهى [«المصباح المنير» ٢/ ٦٧٩].
(أوْ قالَتْ) «أو» هنا للشكّ من الراوي فيما ذكرت الجارية، هل قالت:
سنّي، أو قالت: (قَرْنِي) قال القرطبيّ رحمه الله: هو بفتح القاف، وتعني به السنّ، وهو شكّ عَرَض لبعض الرواة، وأصله أن من ساوى آخر في سنّه كان قَرنُ
رأسه محاذيًا لقرنه، وقرن الرأس: جانبه الأعلى، وهذا يدلّ على أن إجابة دعوات رسول الله – ﷺ – كانت معلومة بالمشاهدة عند كبارهم وصغارهم؛ لكثرة
ما كانوا يشاهدون من ذلك، ولعِلمهم بمكانت – ﷺ -. انتهى [«المفهم» ٦/ ٥٨٦].
وقال النوويّ رحمه الله: قولها:»قَرْني«بفتح القاف، وهو نظيرها في العمر،
قال القاضي: معناه: لا يطول عمرها؛ لأنه إذا طال عمرها طال عُمُر قرنها.
وتعقّبه النووي، قائلًا: وهذا الذي قاله فيه نظرٌ؛ لأنه لا يلزم من طول
عُمُر أحد القرنين طول عُمُر الآخر، فقد يكون سنّهما واحدًا، ويموت أحدهما
قبل الآخر.
قال: وأما قوله – ﷺ – لها:»لا كبر سنك«، فلم يُرِد به حقيقة الدعاء، بل
هو جارٍ على ما قدّمناه في ألفاظ هذا الباب. انتهى[ «شرح النوويّ» ١٦/ ١٥٤ – ١٥٥].
(مُسْتَعْجِلَةً، تَلُوثُ خِمارَها)؛ أي: تديره على رأسها، وعُنُقها،
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ – (منها): بيان ما كان عليه النبيّ – ﷺ – من الخُلُق الكريم، حيث كان يلاطف الصغار، ويؤانسهم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ [القلم ٤].
٢ – (ومنها): بيان الحثّ على الرحمة، والشفقة على اليتامى، والحنوّ عليهم، فقد انزعجت أم سليم – رضي الله عنها – بسبب بكاء يتيمتها، حتى جاءت النبيّ – ﷺ -،
واستثبتت الخبر منه، فأزال بها من القلق والانزعاج.
٣ – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ – ﷺ – من كمال الشفقة على أمته،
حيث شارط ربه على أن من دعا عليه من أمته ممن لا يستحقّ الدعاء عليه أن
يجعل ذلك له صلاة، وزكاة، وقربة إليه سبحانه وتعالى، وهو مصداق قوله عز وجل: ﴿وما أرْسَلْناكَ إلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)﴾ [الأنبياء ١٠٧]، والله تعالى أعلم.
قال الجامع [أي: الأثيوبي] عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ من أنه لم يجد «قفد»
بمعنى «حطأ» فيه نظر لا يخفى، فقد قال المرتضى في «التاج»: قَفَدَه كضَرَبَه:
صَفَع قَفاه، وفي «الأفْعال» لابن القطّاع: ضَرَب رأْسَه بِباطِنِ كَفِّه. انتهى، فهذا
قريب منه معنى الحطأة، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
قال: وهذا الضرب من النبيّ – ﷺ – لابن عبّاس تأديب له، ولعله لأجل
اختفائه منه ؛ إذ كان حقّه أن يجيء إليه، ولا يفرّ منه.
ويحْتَمِل أن يكون هذا الضرب بعد أن أمَره أن يدعو له معاوية – رضي الله عنه -، فلم
يؤكّد على معاوية الدعوة، وتراخى في ذلك، ألا ترى قوله في المرتين: هو يأكل، ولم يزد على ذلك، وكان حقّه في المرة الثانية أن لا يفارقه حتى يأتي
يه، والله تعالى أعلم. انتهى [«المفهم» ٦/ ٥٨٧ – ٥٨٨].
قال النوويّ رحمه الله: وقوله: «حطأةً» بفتح الحاء، وإسكان الطاء، بعدها همزة، وهو الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، وإنما فَعَل – ﷺ – هذا بابن
عباس – رضي الله عنهما – ملاطفةً، وتأنيسًا، وأما دعاؤه على معاوية – رضي الله عنه – أن لا يشبع حين
تأخر ففيه جوابان:
أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد.
والثاني: أنه عقوبة له لتأخره، وقد فَهِم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن
معاوية لم يكن مستحقًّا للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره
من مناقب معاوية – رضي الله عنه -؛ لأنه في الحقيقة يصير دعاءً له. انتهى.
وترجم البخاري علي في صحيحه ( قوله باب قول النبي صلى الله عليه و سلم من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة ) ثم أورد حديث أبي هريرة
٦٣٦١ – عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ فَأيُّما مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ»
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عبّاس – رضي الله عنهما – هذا من أفراد المصنّف: رحمه الله.
[تنبيه]: أخرج هذا الحديث العقيليّ في»الضعفاء الكبير«(٣/ ٢٩٩) في
ترجمة أبي حمزة القصّاب، وقال: عن ابن عبّاس، لا يتابع على حديثه، ولا
يُعرف إلا به. انتهى.
(المسألة الثانية): في فوائده:
١ – (منها): جواز ترك الصبيان يلعبون بما ليس بحرام؛ لتنشط نفوسهم،
وتتقوّى أعضاؤهم، وتشتد أرجلهم.
٢ – (ومنها): مشروعيّة الاعتماد على الصبي فيما يُرسَل فيه، من دعاء
إنسان، ونحوه، من حَمْل هدية، وطلب حاجة، وأشباه ذلك.
٣ – (ومنها): جواز إرسال صبيّ غيره ممن يُدِلّ عليه في مثل هذا، ولا
يقال: هذا تصرف في منفعة الصبيّ؛ لأن هذا قَدْر يسير، ورَدَ الشرع بالمسامحة
به؛ للحاجة، واطّرَد به العُرف، وعَمَلُ المسلمين به.
٤ – (ومنها): جواز تأديب الصغار بالضرب الخفيف، الذي يليق بهم،
وبحسب ما يصدر عنهم، والله تعالى أعلم.
[انظر: البحر المحيط الثجاج ، بتصرف يسير واختصار ].
====
====
====
ملحقات:
( المسألة الأولى )
* قال السيوطي في الحاوي (1/460-461): ” مسألة: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” «اللهم من دعوت عليه بشيء أو سببته أو نحو ذلك فاجعله رحمة له» ” وما التوفيق بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ” «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق اللهم عليه» ” فإنه ينحل ويؤول إلى الدعاء لهم لا عليهم، وهو لا يدعو لمن يؤذي المسلمين ويشق عليهم.
الجواب: الحديث صحيح أخرجه الشيخان بلفظ: ” «اللهم إني أتخذ عندك عهدا أن لا تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» ” وأخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة رجلا وقال: احتفظي به، فغفلت عنه ومضى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قطع الله يدك ” ففزعت فقال: ” إني سألت ربي تبارك وتعالى أيما إنسان من أمتي دعوت الله عليه أن يجعلها له مغفرة» قال ابن العاص من أصحابنا وتبعه إمام الحرمين: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له الدعاء على من شاء بغير سبب، ويكون فيه من الفوائد ما أشار إليه في الحديث، وبهذا يعرف أنه لا تنافي بين هذا الحديث والحديث المذكور في السؤال؛ لأن الدعاء على الوالي إذا شق ونحوه دعاء بسبب، فلم يدخل في ذلك الحديث، وأيضا فالمقصود بالأول الدعاء على معين وهذا على مبهم
قلت سيف بن دوره :
وعندي اعتراض على قول إمام الحرمين :
من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له الدعاء على من شاء بغير سبب . انتهى
فكل القضايا التي وقع منه صلى الله عليه وسلم فيها سب هي قليلة ولها أسباب.
فقضية الرجلين اللذين سبقا للماء إنما سبهما لأنهما خالفا أمره في عدم أخذ شيء من الماء حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو فيه بالبركة .
وقضية يتيمة أم سليم سيأتي ذكرها
وقد اعترض علينا معترض أن كونه يقع منه سب ولعن مخالف لنصوص القرآن وأنه على خلق عظيم
فالجواب :
ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) لذا بوب ابن حبان عليه أن الإستغفار ثلاثا لا لمعنى أنه لا يجوز الزيادة.
وحمل معنى استغفار النبي ﷺ على وجهين: إما لتعليم الأمة، والثاني: لما قد يقع منه من تقديم طاعة على طاعة أولى منها انتهى بمعناه.
قلت: أو يقع منه اجتهاد فيسب أناسا يظن أنهم يستحقون أو بمقتضى طبيعته البشرية فيغضب وعلى هذه الأمور يحمل قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك (١) ووضعنا عنك وزرك) وقوله تعالى (عبس وتولى)،وحديث (إني دعوتُ ربي أيما مسلم سببته أو شتمته وهو ليس لها أهل أن يجعلها له زكاة) بمعناه وقوله ﷺ ليتيمة أم سلمة (كبرت لا كبر سنك)
ومثله قوله تعالى
(وَدَخَلَ ٱلۡمَدِینَةَ عَلَىٰ حِینِ غَفۡلَةࣲ مِّنۡ أَهۡلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیۡنِ یَقۡتَتِلَانِ هَـٰذَا مِن شِیعَتِهِۦ وَهَـٰذَا مِنۡ عَدُوِّهِۦۖ فَٱسۡتَغَـٰثَهُ ٱلَّذِی مِن شِیعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِی مِنۡ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَیۡهِۖ قَالَ هَـٰذَا مِنۡ عَمَلِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّهُۥ عَدُوࣱّ مُّضِلࣱّ مُّبِینࣱ قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ قَالَ رَبِّ بِمَاۤ أَنۡعَمۡتَ عَلَیَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِیرࣰا لِّلۡمُجۡرِمِینَ)
[سورة القصص 15 – 17]
قال الطبري (باختصار):
يقول تعالى ذكره مخبرا عن ندم موسى على ما كان من قتله النفس التي قتلها، وتوبته إليه منه ومسألته غفرانه من ذلك (رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتل النفس التي لم تأمرني بقتلها، فاعف عن ذنبي ذلك، واستره عليّ، ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه.
وقوله: (فَغَفَرَ لَهُ) يقول تعالى ذكره: فعفا الله لموسى عن ذنبه ولم يعاقبه به، (إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) يقول: إن الله هو الساتر على المنيبين إليه من ذنوبهم على ذنوبهم، المتفضل عليهم بالعفو عنها، الرحيم للناس أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد ما تابوا منها.
وقوله: (قالَ رَبِّ بِما أنْعَمْتَ عَلَيَّ) يقول تعالى ذكره: قال موسى ربّ بإنعامك عليّ بعفوك عن قتل هذه النفس (فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) يعني المشركين، كأنه أقسم بذلك.
ورد في ترتيب الإمامة بعد ذكر الأمور التي طعن فيها على عثمان وذكر عذره فيها وقال : وَلَنْ يَخْلُوَ أَحَدٌ مِنْ زَلَّةٍ وَغَفْلَةٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ نَذْكُرَ في أَصْحَابِ الرَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نسب الله إِلَيْهِمْ مِنَ الْقَدْرِ الْعَظِيمِ وَالسَّوَابِقِ الْقَدِيمَةِ وَالْمَنَاقِبِ، وَالثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالْمَحَاسِنِ الْمَشْهُورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ أَحْوَالَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ، وَأَضَافَ إِلَيْهِمْ بَعْضَ أَفَعالِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي دَاوُدَ: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] . فَعَلَّمَنَا الِاقْتِدَاءَ بِهُدَاهُمْ وَمَا مُدِحُوا بِهِ، وَأَنْ نُمْسِكَ عَنْ ذِكْرِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّلَلِ، فَكَذَلِكَ أَتْبَاعُ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْحَابِهِمْ إِنَّمَا نَذْكُرُ مَحَاسِنَهُمُ الَّتِي مُدِحُوا عَلَيْهَا وَمَرَاتِبَهُمُ الَّتِي أُنْزِلُوا عَلَيْهَا، وَنَسْكُتُ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الزَّلَلِ ثم تكلم على ما حصل من الخير والفتوحات في عصره وما حصل من الفتن بقتله . انتهى باختصار
والأنبياء يتكلمون بما يستحقه الشخص في حال خطئه ولا يعلمون ما يؤول إليه أمره إلا ما يعلمهم به الله عزوجل . ومنه :
قول يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوانه (أَنتُمۡ شَرࣱّ مَّكَانࣰاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ)
[سورة يوسف 77] )
فاستحقاقهم للصفات السيئة والتقبيح قبل توبتهم أما بعد توبتهم فلا يستحقون .
وقد تابوا أخيرا بل قيل إنهم أنبياء أو علماء أولياء أبرار
والنبي صلى الله عليه وسلم كل من سبه كان قبل أن يتوب المسبوب . أو يستبين أنه لا يستحق
و لم يلعن ولم يسب أحدا إلا وهو يستحق في ظاهر الأمر. لكنه لا يعلم ما في القلوب .
وأما قصة اليتيمة فليس فيه لعن ، وربما دخلت عليه بغير استئذان بعد أن كبرت في السن.
==============
(المسألة الثالثة ): رحمة النبي صلى الله عليه وسلم. (وقد مضى ذكر شيء من ذلك في الباب السابق، في الحديث الأخير).
“إن من أعظم الصفات التي كان نبينا العظيم صلى الله عليه وسلم يتصف بها الحلم والأناة وعفة اللسان ، وصفه بذلك الله الخالق عز وجل في محكم التنزيل فقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .
وجاء وصفه بذلك في الكتب السابقة كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه :
” وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ … لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ” رواه البخاري (2125) .
وعرفه الصحابة رضوان الله عليهم بذلك أيضا في سيرته العطرة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ” لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا ، وَلَا فَحَّاشًا ، وَلَا لَعَّانًا ، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ – أي عند العتاب – : مَا لَهُ ! تَرِبَ جَبِينُهُ ” رواه البخاري (6031) .
حتى رفض صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال أن يدعو على المشركين مع استحقاقهم ذلك اللعن : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ؟
قَالَ : (إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً) ” رواه مسلم (2599)”.
(المسألة الرابعة ): فيما يتعلق بالصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه.أولاً:
“بعض فضائل معاوية –رضي الله عنه-.
أ- إن لهذا الصحابي الجليل منـزلة ومكانة عند أهل السنة والحق، وله قبل ذلك منـزلة عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- منها أنه صاحبه وصهره، ومنها أنه من كتاب وحيه المأمونين.
ب- لقد دعا له النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوة عظيمة، فعن عبد الرحمن بن أبي عميرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لمعاوية: “اللهم اجعله هاديا مهديا وأهد به” ، أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” (4/216)، والترمذي في “سننه” حديث (3842)، وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” رقم (1969)، ساقه من طرق إلى سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن العرباض بن سارية –رضي الله عنه- قال سمعت رسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: “اللهمَّ عَلِّمْ مُعَاوِيَةَ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ وَقِهِ الْعَذَابَ” ، أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” حديث (4/127)، وفي “فضائل الصحابة” حديث (1748)، وأورده الألباني في “السلسلة الصحيحة” حديث رقم (3227)
وذكر أن جماعة من الصحابة رووا هذا الحديث وهم عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أبي عميرة المزني،ومسلمة بن مُخلَّد، ثم ذكر مع روايات هؤلاء مرسل شُريح بن عُبيد، ومرسل حَرِيز بن عثمان.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: نَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الْأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا فَقَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ، فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ”، أخرجه البخاري في “صحيحه” حديث (2799)، ومسلم حديث (1912).
قال الحافظ ابن حجر: “قال المهلب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر” ، “الفتح” (6/102).
أخرج الإمام البخاري في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه:
باب ذكر معاوية رضي الله عنه
3764 – حدثنا الحسن بن بشر حدثنا المعافى عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
3765 – حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر حدثني ابن أبي مليكة قيل لابن عباس هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال أصاب إنه فقيه
3766 – حدثني عمرو بن عباس حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت حمران بن أبان عن معاوية رضي الله عنه قال إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنهما يعني الركعتين بعد العصر
ثم أورد بعد ذلك مناقب الأنصار وفيه إشارة إلى أن من تقدم ذكرهم هم من المهاجرين والله أعلم
* ولمعاوية جهاد عظيم لإعلاء كلمة الله وفتوحات ومزايا أخرى، منها السماحة والكرم والحلم والأناة والعدل، ولو لم يكن له إلا فضل الصحبة لكفاه.
قال أحمد -رحمه الله- في “أصول السنة” (ص62) بعد أن ذكر فضل الخلفاء الراشدين:
” ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرة، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يروه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال، كان هؤلاء الذين صحبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأوه وسمعوا منه ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل لصحبته من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير”.
وسُئل عبد الله بن المبارك عن معاوية -رضي الله عنه- فقال: “ما أقول في رجل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سمع الله لمن حمده، فقال خلفه: ربنا ولك الحمد، فقيل له: أيهما أفضل ؟ هو أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز” ، “تأريخ دمشق” (59/207)، و”البداية والنهاية” (8/148)”. [انظر: بيان مناقب معاوية -رضي الله عنه- والذب عن صحيح مسلم وعن العلماء الذين أجمعوا على صحته وتلقوه بالقبول والاحترام، للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، الموقع الرسمي].
ثانيًا: هل دعا النبي عليه الصلاة والسلام على معاوية؟
1) ذكر “البلاذري في كتابه ” جمل من أنساب الأشراف ” ( 5 / 1978 ) قال:
” وحدثني إسحاق وبكر بن الهيثم قالا حدثنا عبد الرزاق بن همام أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ” كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي ) ، قال : وكنت تركت أبى قد وضع له وَضُوء , فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء قال : فطلع معاوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا هو ) ” .
نعم ، هكذا روى البلاذري هذا الحديث في كتابه السابق ؛ لكن ليس كل حديث يروى يكون صحيحا ، فإذا نظرنا في كتاب البلاذري هذا ، فسوف نرى قبل هذا الحديث وبعده عدة أحاديث تصرّح أن معاوية رضي الله عنه من أهل الجنة !!
قال ابن الجوزي في كتابه ” العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ” ( 1/ 280 ) بعد أن ذكر عدة أحاديث تنص أن معاوية من أهل الجنة وضعّفها : ” وقد روي عنه وأنه من أهل النار ، وذلك محال أيضا ” انتهى .
فالعبرة إذاً بصحة الإسناد .
وهذا الحديث في سنده عبد الرزاق الصنعاني ، وإن كان إماما من الأئمة ، إلا أن العلماء لم يوثقوه في كل ما حدث به ؛ بل استثنوا ماحدث به من حفظه وليس من كتابه ، وكذا ما حدث به بعد أن عمي ، وبعض ما حدث به في المناقب والمثالب ، كهذا الحديث ، فقد كان فيه تشيع .
قال ابن عدي في كتابه ” الكامل ” ( 6/ 545 ) :
” ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم ، وكتبوا عنه ولم يروا بحديثه بأسا ، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث ، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق : فأرجو أنه لا بأس به ، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ، ومثالب آخرين مناكير ” انتهى ـ .
وهذا الحديث مما يدخل في هذا الباب .
وقال عنه الدراقطني : ” ثقة ، يخطئ على معمر في أحاديث لم تكن في الكتاب “.
انتهى من ” سؤالات أبي عبد الله بن بكير وغيره لأبي الحسن الدارقطني ” (ص 35) .
ولعل هذا منها ، خاصة أن عبد الرزاق لم يذكر هذا الحديث في مصنفه ، كما أشار إلى ذلك محقق كتاب البلاذري .
وقال ابن حبان في كتابه ” الثقات ” ( 8/ 412 ) : ” وكان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر ، وكان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه ، على تشيع فيه ” انتهى .
وقال الإمام أحمد: ” عبد الرزاق لا يعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره ، كان يلقَّن أحاديث باطلة ” انتهى من ” شرح علل الترمذي ” لابن رجب ( 2/577-578 ).
وقال ابن رجب : ” وقد ذكر غير واحد أن عبد الرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي وأهل البيت ، فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عمي ، كما قال الإمام أحمد .. وقال النسائي : عبد الرزاق ما حُدِّث عنه بآخرة ففيه نظر ” انتهى من ” شرح علل الترمذي ” ( 2/580 ).
وقد وقع اضطراب في سند هذا الحديث كما في ” المنتخب من علل الخلال ” لابن قدامة (228):
” وسألت أحمد ، عن حديث شريك ، عن ليث ، عن طاوس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يطلع عليكم رجل من أهل النار ” فطلع معاوية .
قال : إنما رواه ابن طاوس ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أو غيره ، شك فيه .
قال الخلال : رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس قال : سمعت فُرخاش يحدث هذا الحديث عن أبي عن عبد الله بن عمرو ” انتهى.
ومع هذا الاضطراب في السند وقع اضطراب آخر في متنه ؛ ففي هذه الرواية عند البلاذري جاء فيها أنه يطلع رجل من أهل النار وفيها أن الطالع هو معاوية رضي الله عنه ، وفي مسند أحمد (11/71 ) ” ليدخلن عليكم رجل لعين ” ، وكان الداخل الحكم.
وفي رواية أخرى ذكرها الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (1/147 ) ونسبها للطبراني في الكبير وفيها ” ليطلعن عليكم رجل يبعث يوم القيامة على غير سنتي ، أو على غير ملتي ” ولم يعين فيها الطالع”.
2) فيما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورد عليه من كتاب “ابن المطهر” الرافضي.
“قال شيخ الإسلام :
” وَأَمَّا قَوْلُهُ: ” وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ” يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَمُوتُ عَلَى غَيْرِ سُنَّتِي ” فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ. وَقَامَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – خَطِيبًا، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ بِيَدِ ابْنِهِ يَزِيدَ وَخَرَجَ وَلَمْ يَسْمَعِ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ” لَعَنَ اللَّهُ الْقَائِدَ وَالْمَقُودَ، أَيُّ يَوْمٍ يَكُونُ لِلْأُمَّةِ مَعَ مُعَاوِيَةَ ذِي الْإِسَاءَةِ ” .
فَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: أَوَّلًا: نَحْنُ نُطَالِبُ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ الِاحْتِجَاجَ بِالْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُنَاظَرَةِ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ كَذِبٌ.
وَيُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْكَذِبِ الْمَوْضُوعِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ، وَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الَّتِي يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ، وَلَا لَهُ إِسْنَادٌ مَعْرُوفٌ . وَهَذَا الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ إِسْنَادًا.
ثُمَّ مِنْ جَهْلِهِ أَنْ يَرْوِيَ مِثْلَ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ ثَلْبِ الصَّحَابَةِ، وَأَرْوَى النَّاسِ لِمَنَاقِبِهِمْ، وَقَوْلُهُ فِي مَدْحِ مُعَاوِيَةَ مَعْرُوفٌ ثَابِتٌ عَنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ. قِيلَ لَهُ: وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَسْوَدَ مِنْ مُعَاوِيَةَ …” اهـ من “منهاج السنة النبوية” (4/443) .
وقال أيضا :
” هَذَا الْحَدِيثُ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ بِمِثْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ مُعَاوِيَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ ” الْمَوْضُوعَاتِ ” : ” قَدْ تَعَصَّبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَدَّعِي السُّنَّةَ، فَوَضَعُوا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَحَادِيثَ لِيَغِيظُوا الرَّافِضَةَ، وَتَعَصَّبَ قَوْمٌ مِنَ الرَّافِضَةِ فَوَضَعُوا فِي ذَمِّهِ أَحَادِيثَ، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْخَطَأِ الْقَبِيحِ “. اهـ من “منهاج السنة النبوية” (4/446) ، وينظر : “الموضوعات لابن الجوزي” (2/15) .
راجع في:
[الرد على مزاعم الرافضي عن معاوية من أنه كَانَ بِالْيَمَنِ يَوْمَ الْفَتْحِ يَطْعَنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ]
«منهاج السنة النبوية» (4/ 434):
وقد مضى الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه (2604 ) 🙁 لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ) .
فهذا الحديث لا يشين معاوية رضي الله عنه بل هو معدود في فضائله:
أ- هذا الحديث يثبت مدى قرب مجلس معاوية من النبي صلى الله عليه وسلم بحيث كان يرسل في طلبه وقد كان من كُتَّابه .
ب- النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع على معاوية بشيء يمس دينه وآخرته ، بل كان دعاؤه عليه بشيء يمس دنياه ، والدنيا ليس هي مطلب المؤمن ومبتغاه بل الآخرة .
ج- قال الحافظ الذهبي : ” لعلَّ أن يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ! من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ) ” انتهى من ” سير أعلام النبلاء ” ( 14/130).
وقال الشيخ الالباني رحمه الله تعالى : ” وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ؛ ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك ؛ كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟! ولذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16/349/2 ) : ” إنه أصح ما ورد في فضل معاوية ” .وأتبع الإمام مسلم هذه الحديث بحديث معاوية ، وبه ختم الباب ، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد ، وفي معنى واحد، فكما لا يضرُّ اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليها – بل هو لها زكاة وقربة-؛ فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ” انتهى من ” سلسلة الأحاديث الصحيحة ” (1/ 165-166 )”. باختصار
(المسألة الخامسة ): “بيان مناقب معاوية -رضي الله عنه- والذب عن صحيح مسلم وعن العلماء الذين أجمعوا على صحته وتلقوه بالقبول والاحترام”.
قال الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله في مقاله الموسوم: “بيان مناقب معاوية -رضي الله عنه- والذب عن صحيح مسلم وعن العلماء الذين أجمعوا على صحته وتلقوه بالقبول والاحترام”:” بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:فقد اطلعتُ على مقال للدكتورة سهيلة زين العابدين نشرته “جريدة المدينة” يوم الثلاثاء، الموافق (10/4/1432هـ)، تحت عنوان: ” معاوية رضي الله عنه المفترى عليه “1-2”
هل يُعقل أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام يلعن أحد كتاب وحيه وصحابته، وهو ناهٍ عن سبهم؟”
وهذا العنوان غلط، فالإمام مسلم –رحمه الله- لم ينقل حديثاً فيه لعن من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-لمعاوية -رضي الله عنه-.
وقبل مناقشة هذه الكاتبة ينبغي أن ننقل هنا بعض فضائل معاوية –رضي الله عنه-.
[سبق نقل هذه الفضائل]
قال الشيخ ربيع بعد أن ساق الفضائل: “فكان على الكاتبة أن تذكر فضائل الصحابي الجليل معاوية -رضي الله عنه-، وترد رداً علمياً على ما طعن به أخو الروافض فيه -رضي الله عنه-، لكنها مع الأسف لم تفعل ذلك،بل لم تنقل حديثا واحداً في فضائله ولا أثراً واحدا عن السلف في فضائله….
وعند التأمل يدرك المنصف أن معاوية لم يأمر سعداً بسب علي -رضي الله عنه-، وهو يدرك أن سعداً -رضي الله عنه- لن يسب علياً.
وعبارة معاوية كما هنا في “صحيح مسلم”، وفي جامع الترمذي: “ما يمنعك أن تسب أبا تراب”.
والظاهر أنه قد بلغ معاوية أن سعداً يروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض فضائل علي -رضي الله عنه-، فأراد بهذا السؤال أن يسمع هذه الفضائل من سعد -رضي الله عنه-.
فروى له هذه الفضائل العظيمة، فأقره معاوية، والظاهر أن هذا كان على مسمع من ملإٍ من الناس، فسؤال معاوية -رضي الله عنه- أدى إلى هذه النتيجة الطيبة لعليّ -رضي الله عنه-، ولو ساءته لعارض سعداً، ولم ينقل أحد استياءه ولا معارضته -رضي الله عنهما- وعن أصحاب محمد أجمعين.
وما أعتقد في الإمام مسلم إلا أنه يفهم هذا الفهم، وحاشاه أن يقصد برواية هذا الحديث التأليب على معاوية -رضي الله عنه-، بل قصده بيان فضائل علي -رضي الله عنه-.
أما حديث لا أشبع الله بطنه الذي اعتبرته الكاتبة لعنا :
فيرى الفطن أن الإمام مسلماً قد ربط ربطاً محكماً بين هذه الأحاديث التي ساقها مسلم قبل هذا الحديث ، وبين الحديث الذي فيه الدعاء على معاوية –رضي الله عنه-، والذي مؤداه الدعاء له، كما أن له -صلى الله عليه وسلم- دعوات أخرى صريحة لمعاوية
وهذا النووي يترجم للباب الذي ورد فيه الدعاء على معاوية -رضي الله عنه- بقوله: “باب من لعنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلاً لذلك، كان له زكاة وأجراً ورحمة”.
فلم تستفد الكاتبة من هذه الترجمة، ولم تنـزجر.
فمعاوية -رضي الله عنه- إنما يدخل فيمن دعا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع أن هذا الدعاء في صالحه إذ يستفيد منه زكاة وأجراً ورحمة وطهورا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
25/5/1433هـ “.
المسألة السادسة :
تنبيه راجع لشرح أحاديث مسلم التي في الباب :
شرح الصحيح المسند برقم
الصحيح المسند
1560- قال الإمام أحمد رحمه الله : ثنا يحيى عن بن أبي ذئب قال حدثني محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة عن عائشة قالت دخل على النبي صلى الله عليه و سلم بأسير فلهوت عنه فذهب فجاء النبي صلى الله عليه و سلم فقال ما فعل الأسير قالت لهوت عنه مع النسوة فخرج فقال مالك قطع الله يدك أو يديك فخرج فآذن به الناس فطلبوه فجاؤوا به فدخل على وأنا أقلب يدي فقال : مالك أجننت . قلت : دعوت علي فأنا أقلب يدي أنظر أيهما يقطعان فحمد الله وأثنى عليه ورفع يديه مدا وقال اللهم اني بشر اغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه فاجعله له زكاة وطهورا .
هذا حديث صحيح .
وقد تقدم في مسند أنس أنه وقع لحفصة مثل ما وقع لعائشة ، فالظاهر أن القصة تعددت ؛ لأن مخرج الحديث ليس بواحد .
وكذلك راجع حديث عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند :
مسند أحمد
22510 – حدثنا عارم، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، حدثنا السميط، عن أبي السوار، حدثه أبو السوار، عن خاله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأناس يتبعونه فأتبعته معهم قال: ففجئني القوم يسعون قال: وأبقى القوم فأتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربني ضربة إما بعسيب أو قضيب أو سواك أو شيء كان معه قال: فوالله ما أوجعني. قال: فبت بليلة. قال: أو قلت: ما ضربني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لشيء علمه الله في. قال: وحدثتني نفسي أن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبحت قال: فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنك راع فلا تكسر قرون رعيتك». قال: فلما صلينا الغداة، أو قال: أصبحنا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن أناسا يتبعوني، وإني لا يعجبني أن يتبعوني. اللهم فمن ضربت أو سببت، فاجعلها له كفارة وأجرا» أو قال: «مغفرة ورحمة». أو كما قال
قلت سيف : على شرط المتمم على الذيل
للاختلاف في سميط
تنبيه :
في متن الحديث (قال وأبقى القوم)
لعل الصحيح
( قَالَ : وَاتَّقَى الْقَوْمُ بِي )
كما جاء في الطبقات لابن سعد ومشكل الآثار للطحاوي
والله أعلم