6759 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وموسى ونوح الصوماليين وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
كتاب البر والصلة
21 – باب: بِشَارَةِ مَنْ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَيْبَهُ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ. {21}
6759 – حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، – يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ – حَدَّثَنَا رَوْحٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
6760 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
==========
التمهيد: “خُلق الستر من أجلّ الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم، لما فيه من حفظٍ للأعراض وعدم إشاعة الفاحشة بين الناس، والستر مشتق من اسم الله الستار، فسبحانه ستيرٌ يحب الستر”، و”كل ابن آدم خطاء، وليس من أحدٍ إلاَّ وله خطأ لا يحب أن يَطَّلِع عليه أحد من الناس، ولذلك كان السَّتْر على الناس خلق وهدي نبوي، فالمؤمن يستُر وينصَح، ولا يهتك ويفضح … ومن صفات الله عز وجل أنه ستِّير، يستر الذنوب والعيوب، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يحب الحياء والسِّتْر) رواه أبو داود وصححه الألباني، أي: يحب السترَ لعباده المؤمنين، ستر عوراتهم، وستر ذنوبهم، فيأمرهم أن يستروا عوراتهم، وأن لا يجاهروا بمعاصيهم في الدنيا، وهو يسترها عليهم في الآخرة، قال ابن القيم:
وَهُو الْحَييُ فَلَيْسَ يَفْضَحُ عَبْدَهُ … عِنْدَ التَّجَاهُرِ مِنْهُ بِالْعِصْيَانِ
لَكِنَّهُ يُلْقِي عَلَيهِ سِتْرَهُ … فَهُو السَّتِير وَصَاحِبُ الغُفْرَانِ”
“وكان رسول الله صلى الله عليه يدعو إلى الستر وعدم المجاهرة بالمعصية، وكان صلوات ربي عليه إذا أتاه من أذنب أو ارتكب فاحشة كان يتركه مرة واثنتين وثلاثة دون أن يرد عليه لعله يرجع ويستر نفسه”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال النووي في رياض الصالحين: “باب ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة”. أي: من خوف أن يتسلط على إيذاء الغير والتعرض لإضرارهم (قال الله تعالى): {إن الذين يحبون أن تشيع} أي: تفشو وتظهر (الفاحشة) الفعل القبيح المفرط القبح.
وقيل الفاحشة في هذه الآية القول السيء {في الذين آمنوا} قال القرطبي في المحصنين والمحصنات، والمراد بهذا اللفظ العام عائشة وصفوان، {لهم عذاب أليم} والآية في العصبة الذين جاءوا بالإفك، والمصنف أوردها لما يقتضيه عموم لفظها من حصول العذاب لمن أحب إشاعة الفاحشة في المؤمنين، {في الدنيا} بالحد بالقذف (و) (الآخرة) بالنار لحق الله.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: لا يستر عبد) أي إنسان ولو كان مكلفاً (عبداً) أي: من ذوي الهيئات غير معروف بالشر والأذى على ذنب مضى منه (في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) إذا شاء، وهذا القيد ضروري فكثير ممن يسترهم الله في جرائمهم في الدنيا يكشفهم ويفضحهم يوم القيامة.
وهذا الحديث يشير إلى حديث: أن الله يدني المؤمن يوم القيامة فيقرره بذنوبه بينه وبينه حتى إذا ظن أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم.
قال القاضي يحتمل وجهين: أحدهما: أن يستر معاصيه وعيوبه عن إذاعتها في أهل الموقف.
الثاني: ترك محاسبته عليها وترك ذكرها قال، والأول أظهر.
قوله: (في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) وذلك إما بأن يمحو ذنبه ولا يسأله عنه ابتداء أو يسأله عنه من غير أن يطلع عليه أحداً من الخلق كما في حديث ابن عمر في ذلك في الصحيح ثم يعفو عنه، وكان الجزاء بالستر ليوافق الجزاء العمل الصالح، والنعم الصادرة منه عز وجل أعلى وأتم، ولا شك أن الستر في ذلك اليوم أكثر عدداً وأعظم جرماً.
(لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) وهذا أيضا ليس على إطلاقه بل لا بد من تقييده بالمشيئة وهذا الحديث شبيه بالحديث السابق قبل خمسة أبواب ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة.
[دليل الفالحين شرح رياض الصالحين، كتاب المقدّمات، باب: ستر عورات المسلمين والنهي عن إشاعتها لغير ضرورة، حديث رقم 240، وفتح المنعم، والموسوعة الحديثية].
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): تعريف السَّتْر.
1) معنى السَّتر لغةً واصطلاحًا:
معنى السَّتر لغةً: السَّتْرُ: تَغَطية الشَّيء، وهو مَصْدَرُ سَتَر الشَّيء يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْرًا وسَتَرًا، أي: غَطَّاهُ أو أخفاهُ.
وكلُّ شَيْء سَتَرْتَه فالشَّيء مَسْتُور، والذي تَسْتُرُه به سِتْرٌ له.
والسِّتْرُ والسُّتْرَةُ والمسْتَرُ والسِّتَارُ والسِّتَارَةُ: ما يُسْتَتَرُ به، قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا [الكهف: 90]
فهو مصدر قولهم سترت الشّيء أستره وأستره إذا غطّيته، وهذا المصدر مأخوذ من مادّة (س ت ر) الّتي تدلّ على التّغطية أو الغطاء، قال ابن فارس: السّين والتّاء والرّاء كلمة تدلّ على غطاء.
وقال الرّاغب: السّتر تغطية الشّيء، يقال: سترت الشّيء فاستتر أي غطّيته فتغطّى، كما يقال: تستّر أي تغطّى (في هذا المعنى) ويقال أيضا: ستر الشّيء سترا وسترا: أخفاه، أنشد ابن الأعرابيّ: ويسترون النّاس من غير ستر والسّتر والسّترة ما يستتر به، قال تعالى: (لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) [الكهف: 90]، وجمع السّتر أستار، وستور، وستر، ويقال امرأة ستيرة أي ذات ستارة، وجارية مستّرة أي مخدّرة، وقول اللّه- عزّ وجلّ-: (حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء: 45] أي حجابا على حجاب، والأوّل مستور بالثّاني يراد بذلك كثافة الحجاب، ويقال إنّه مفعول بمعنى فاعل أي ساتر كما في قوله سبحانه: (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَاتِيًّا) [مريم: 61] أي آتيا. وفي الحديث الشّريف: «إنّ اللّه حييّ ستير يحبّ السّتر» فعيل هنا بمعنى فاعل أيضا، أي من شأنه وإرادته، حبّ السّتر والصّون.
والسّترة: ما استترت به من شيء كائنا ما كان وهو أيضا السّتار والسّتارة والجمع السّتائر.
والسّترة والمستر، والسّتارة، والإستار كالسّتر، وفي الحديث: «أيّما رجل أغلق بابه على امرأة، وأرخى دونها إستارة فقد تمّ صداقها»، الإستارة من السّتر، قيل: لم تستعمل إلّا في هذا الحديث، أو لم تسمع إلّا فيه، والسّتر أيضا: الحياء، يقال: ما لفلان ستر ولا حجر، فالسّتر الحياء، والحجر العقل.
[انظر: ((المفردات في غريب القرآن)) للراغب الأصفهاني (1/ 396)، ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (1/ 392)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (12/ 265)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/ 132)، ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (8/ 465، 466)، ((مختار الصِّحاح)) للرازي (1/ 142)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 343، 344)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1/ 404)، ((تاج العروس)) للزبيدي (11/ 498)].
ب. معنى السَّتر اصطلاحًا: المراد بالسَّتْر هنا (السَّتْرُ على المسلم إن وقع في معصية، شريطة أن لا يعلنها ويجهر بها) [انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 117)، و ((التَّرغيب والتَّرهيب)) للمنذري (3/ 237)].
وقيل: (السَّتْرُ هو: إخفاء العيب، وعدم إظهاره، فمن كان معروفًا بالاستقامة، وحصل منه الوقوع في المعصية، نُوصِح وسُتِر عليه) [((فتح القوي المتين)) للشيخ عبد المحسن العباد (ص 122)].
قال المنذريّ: السّتر على المسلم تغطية عيوبه، وإخفاء هناته.
وقال ابن حجر: معنى قوله «ستر مسلما» أي رآه على قبيح فلم يظهره للنّاس، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه فيما بينه وبينه، ومن السّتر أيضا: أن يستتر الإنسان إذا وقع منه شيء.
قال ابن حجر: والّذي يظهر أنّ السّتر محلّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التّلبّس بها فيجب عليه الإنكار وإلّا رفعه إلى الحاكم. [الترغيب والترهيب (3/ 237)، وفتح الباري (5/ 117) (حديث 2442)].
وقال الإمام النّوويّ: المراد بالسّتر السّتر على ذوي الهيئات ونحوهم ممّن ليس معروفا بالأذى والفساد، فأمّا المعروف بذلك، فيستحبّ ألّا يستر عليه إلى وليّ الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنّ السّتر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد … وأمّا جرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فلا يحلّ السّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليّته، وليس هذا من الغيبة المحرّمة بل من النّصيحة الواجبة. [صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 135)، وانظر الآداب الشرعية (1/ 235)].
فرع: الفرق بين الغُفْران والسَّتر والإنكار
1) الفرق بين الغُفْران والسَّتر
(أنَّ الغُفْران أخصُّ، وهو يقتضي إيجاب الثَّواب. والسَّتْر: ستْرُك الشَّيء بسِتْرٍ، ثم استعمل في الإضراب عن ذِكْر الشَّيء، فيقال: سُتِر فلانٌ، إذا لم يُذْكر ما اطُّلِع عليه من عثراته. وسَتَر الله عليه، خلاف فضحه. ولا يقال لمن يُسْتر عليه في الدُّنيا إنَّه غُفِر له؛ لأنَّ الغُفْران يُنبئ عن استحقاق الثَّواب على ما ذكرنا، ويجوز أن يُستر في الدُّنيا على الكافر والفاسق) [((الفروق اللغوية)) للعسكري (1/ 236)].
وقال أبو البقاء الكفوي: (الغُفْران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثَّواب، ولا يستحقُّه إلَّا المؤمن، ولا يُستعمل إلَّا في البارئ تعالى. والسَّتْرُ: أخص من الغُفْران إذ يجوز أن يَسْتر ولا يَغْفر) [((الكليات)) للكفوي (1/ 666)].
قال ابن تيمية:
فالِاعْتِرافُ بِالخَطِيئَةِ مَعَ التَّوْحِيدِ إنْ كانَ مُتَضَمِّنًا لِلتَّوْبَةِ أوْجَبَ المَغْفِرَةَ؛ وإذا غُفِرَ الذَّنْبُ زالَتْ عُقُوبَتُهُ؛ فَإنَّ المَغْفِرَةَ هِيَ وِقايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ. ومِن النّاسِ مَن يَقُولُ: الغَفْرُ السَّتْرُ ويَقُولُ: إنّما سُمِّيَ المَغْفِرَةَ والغَفّارَ لِما فِيهِ مِن مَعْنى السَّتْرِ، وتَفْسِيرُ اسْمِ اللَّهِ الغَفّارِ بِأنَّهُ السَّتّارُ وهَذا تَقْصِيرٌ فِي مَعْنى الغَفْرِ؛ فَإنَّ المَغْفِرَةَ مَعْناها وِقايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ بِحَيْثُ لا يُعاقَبُ عَلى الذَّنْبِ فَمَن غُفِرَ ذَنْبُهُ لَمْ يُعاقَبْ عَلَيْهِ. وأمّا مُجَرَّدُ سَتْرِهِ فَقَدْ يُعاقَبُ عَلَيْهِ فِي الباطِنِ ومَن عُوقِبَ عَلى الذَّنْبِ باطِنًا أوْ ظاهِرًا فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ وإنَّما يَكُونُ غُفْرانُ الذَّنْبِ إذا لَمْ يُعاقَبْ عَلَيْهِ العُقُوبَةَ المُسْتَحَقَّةَ بِالذَّنْبِ. وأمّا إذا اُبْتُلِيَ مَعَ ذَلِكَ بِما يَكُونُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ لِزِيادَةِ أجْرِهِ فَهَذا لا يُنافِي المَغْفِرَةَ.
مجموع الفتاوى 10/ 317
قال ابن القيم:
فالِاسْتِغْفارُ المُفْرَدُ كالتَّوْبَةِ، بَلْ هُوَ التَّوْبَةُ بِعَيْنِها، مَعَ تَضَمُّنِهِ طَلَبَ المَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ، وهُوَ مَحْوُ الذَّنْبِ، وإزالَةُ أثَرِهِ، ووِقايَةُ شَرِّهِ، لا كَما ظَنَّهُ بَعْضُ النّاسِ أنَّها السَّتْرُ، فَإنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ عَلى مَن يَغْفِرُ لَهُ ومَن لا يَغْفِرُ لَهُ، ولَكِنَّ السَّتْرَ لازِمُ مُسَمّاها أوْ جُزْؤُهُ، فَدَلالَتُها عَلَيْهِ إمّا بِالتَّضَمُّنِ وإمّا بِاللُّزُومِ.
وحَقِيقَتُها وِقايَةُ شَرِّ الذَّنْبِ، ومِنهُ المِغْفَرُ، لِما يَقِي الرَّاسَ مِنَ الأذى، والسَّتْرُ لازِم
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1) / (314) —
2) الفرق بين السّتر والإنكار: قال ابن حجر: والّذي يظهر أنّ السّتر محلّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التّلبّس بها، فيجب عليه الإنكار وإلّا رفعه إلى الحاكم. [الترغيب والترهيب (3/ 237)، وفتح الباري (5/ 117) (حديث 2442)].
3).”الفرق بين الغطاء والستر:
أن الستر ما يسترك عن غيرك وإن لم يكن ملاصقا لك مثل الحائط والجبل والغطاء لا يكون إلا ملاصقا ألا ترى أنك تقول تستري بالحيطان ولا تقول تغطيت بالحيطان وإنما تغطيت بالثياب لأنها ملاصقة لك والغشاء أيضا لا يكون إلا ملاصقا.
4) الفرق بين الستر والحجاب والغطاء:
أنك تقول حجبني فلان عن كذا ولا تقول سترني عنه ولا غطاني وتقول احتجبت بشيء كما تقول تسترت فالحجاب هو المانع والممنوع به والستر هو المستور به ويجوز أن يقال حجاب الشيء ما قصده ستره ألا ترى أنك لا تقول لمن منع غيره من الدخول إلى الرئيس داره من غير قصد المنع له إنه حجبه وإنما يقال حجبه إذا قصد منعه … وفرق آخر أن الستر لا يمنع من الدخول على المستور والحجاب يمنع”. اهـ. [الحاوي في تفسير القرآن الكريم].
(المسألة الثانية): ما ورد في (السَّتْر) من الآثار
أولًا: ما جاء في القرآن الكريم:
لقد حثَّ الإسلام على السَّتْر، ورغَّب فيه، واتَّخذ وسائل من أجل ذلك، فشرع حدَّ القذف؛ حتَّى لا يُطْلِق كلُّ أحد لسانه، وكذا أمر في إثبات حدِّ الزِّنى بأربعة شهود، ونهى عن أن يتجسَّس المسلم على أخيه، كما توعَّد بالعذاب لكلِّ من يشيع الفاحشة في المؤمنين:
– قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النُّور: 19].
قال ابن كثير: (أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا} أي: بالحدِّ، وفي الآخرة بالعذاب) ((تفسير ابن كثير)) (6/ 29).
– وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
عن مجاهد في قوله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} قال: (خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما سَتَر الله) ((تفسير الطَّبري)) (21/ 375).
وقال الطَّبري: (وقوله: {وَلا تَجَسَّسُوا} يقول: ولا يتتبَّع بعضكم عَوْرة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظُّهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذمُّوا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره) ((تفسير الطَّبري)) (21/ 375).
– وقال تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [فصِّلت: 22].
قال القرطبي: (معنى تَسْتَتِرُونَ: تستخفون، في قول أكثر العلماء، أي: ما كنتم تستخفون من أنفسكم حذرًا من شهادة الجوارح عليكم، ولأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يُخفِي من نفسه عمله، فيكون الاستخفاء بمعنى ترك المعصية) ((تفسير القرطبي)) (15/ 352).
وقال البيضاوي: (أي: كنتم تَسْتَتِرون عن النَّاس عند ارتكاب الفواحش، مخافة الفضيحة، وما ظننتم أنَّ أعضاءكم تشهد عليكم بها، فما اسْتَتَرْتم عنها. وفيه: تنبيه على أنَّ المؤمن ينبغي أن يتحقَّق أنَّه لا يمرُّ عليه حال إلا وهو عليه رقيب. {وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [فصِّلت: 22] فلذلك اجترأتم على ما فعلتم) ((تفسير البيضاوي)) (5/ 70).
ثانيًا: ما ورد في السُّنة النَّبَويَّة:
كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن الرَّجل الشَّيء، لم يقل: ما بال فلان يقول ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وهذا مشهور عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة [انظر صحيح البخاري (456، 750)].
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) [رواه البخاري (6069) واللَّفظ له، ومسلم (2990)].
قال ابن الجوزي: (المجَاهرون: الذين يجاهرون بالفواحش، ويتحدَّثون بما قد فعلوه منها سرًّا، والنَّاس في عافية من جهة الهمِّ مستورون، وهؤلاء مُفْتَضحون) [((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 397)].
قال العيني: (أنَّ ستْر الله مستلزم لستْر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجَاهرة، فقد أغضب الله تعالى فلم يَسْتُره، ومن قصد التَّسَتُّر بها حياءً من ربِّه ومن النَّاس، مَنَّ الله عليه بِسِتره إيَّاه) [((عمدة القاري)) للعيني (22/ 138)].
– وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كُرْبة من كُرَب الآخرة، ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) رواه مسلم (2699).
قال المباركفوري: (من سَتَر مسلمًا، أي: بَدَنه أو عيبه بعدم الغيبة له، والذَّبِّ عن معائبه، وهذا بالنِّسبة إلى من ليس معروفًا بالفساد، وإلَّا فيُستحب أن تُرْفع قصَّته إلى الوالي، فإذا رآه في معصية، فينكرها بحسب القدرة، وإن عَجز، يرفعها إلى الحاكم إذا لم يترتَّب عليه مفسدة) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (4/ 574).
– وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبع الله عَوْرته، ومن يتَّبع الله عَوْرته يفضحه في بيته)) [رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791)، وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/ 250)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4880): حسن صحيح].
– وفي قصَّة ماعز بن مالك الأسلمي، عندما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترف على نفسه بالزِّنى، وسأله أن يقيم عليه الحدَّ ليطهِّره، فأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم برجمه. [حديث مشهور في ((صحيح البخاري)) (7/ 46) و ((صحيح مسلم)) (3/ 1328) عن جابر ابن عبد الله، و ((صحيح البخاري) (7/ 46) عن أبي هريرة، و ((صحيح مسلم)) (3/ 1320) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنهم جميعًا-].
فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله مع من زنيت، وكذلك المرأة الغامديَّة [صحيح مسلم (3/ 1321) (1695)]، عندما أقرَّت على نفسها، لم يسألها النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
– وفي إحدى روايات حديث ماعز، أنَّه جاء إلى أبي بكر الصِّديق، فقال له: ((إنَّ الآخر زنى -يريد نفسه- فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري فقال: لا. فقال له أبو بكر: فتُب إلى الله، واسْتَتِر بسِتر الله؛ فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده. فلم تُقْرِره نفسه، حتَّى أتى عمر بن الخطَّاب، فقال له مثل ما قال لأبي بكر، فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تُقْرِره نفسه حتَّى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: إنَّ الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرَّات، كلُّ ذلك يُعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى إذا أكثر عليه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: أيشتكي، أم به جِنَّة فقالوا: يا رسول الله، والله إنَّه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبِكْر أم ثيِّب فقالوا: بل ثيِّب، يا رسول الله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرُجِم)) [رواه مالك في ((لموطأ)) (5/ 1196)، واللَّفظ له، والنَّسائي في ((السُّنن الكبرى)) (4/ 281) (7178)، والبيهقي (8/ 228) (17455) من حديث سعيد بن المسيب. قال ابن حزم في ((المحلَّى)) (11/ 146)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (12/ 125): مرسل. وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (6/ 470): رُوي متَّصلًا من وجوه].
قال ابن عبد البر: (وفي هذا الحديث من الفقه: أنَّ السَّتْر أولى بالمسلم على نفسه -إذا وقَّع حدًّا من الحدود- من الاعتراف به عند السُّلطان، وذلك مع اعتقاد التَّوبة والنَّدم على الذَّنب، وتكون نيَّته ومعتقده ألَّا يعود، فهذا أولى به من الاعتراف، فإنَّ الله يقبل التَّوبة عن عباده، ويحبُّ التَّوَّابين) [((التمهيد)) (23/ 119)].
– وفي رواية: ((أنَّ رجلًا اسمه هَزَّال، هو الذي أشار على ماعز أن يأتي النَّبي صلى الله عليه وسلم فيخبره، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)) [رواه مالك في ((الموطأ)) (5/ 1198)، والنَّسائي في ((السُّنن الكبرى)) (4/ 306) (7277). من حديث سعيد بن المسيب. قال ابن حزم في ((المحلَّى)) (11/ 146)، والزَّيلعي في ((نصب الرَّاية)) (4/ 75): مرسل. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (23/ 125): [مرسل] وهو يستند من طرق صحاح].
قال أبو الوليد الباجي: (وقوله صلى الله عليه وسلم لهَزَّال ((يا هَزَّال، لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). هَزَّال هذا هو: هَزَّال بن رئاب بن زيد بن كليب الأسلمي. ويريد بقوله: ((لو سَتَرْته بردائك، لكان خيرًا لك)). يريد: ممَّا أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النَّبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر به، فكان ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى: أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه، وتسبَّب إلى إقامة الحدِّ عليه، والله أعلم وأحكم) [((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (7/ 135)].
وقال ابن الأثير: (ومنه حديث ماعز ((ألَا سَتَرْته بثوبك يا هَزَّال)). إنما قال ذلك حبًّا لإخفاء الفضيحة، وكراهيةً لإشاعتها) [((النِّهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 341)].
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء:- وعن أبي الشَّعثاء قال: (كان شُرَحْبِيل بن السِّمْط على جيشٍ، فقال لجيشه: إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب- يعني الخمر- فمن أصاب منكم حدًّا فليأتنا، فنطهِّره، فأتاه ناس، فبلغ ذلك عمر بن الخطَّاب، فكتب إليه: أنت- لا أمَّ لك – الذي يأمر النَّاس أن يهتكوا سِتْر الله الذي سَتَرَهم به) ((مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني)) (5/ 197) (9371)، و ((الزهد)) لهناد بن السري (2/ 646).
– وعن المعْرُور بن سُوَيْد، قال: (أُتي عمر بامرأة راعية زنت، فقال عمر: ويح المرِّيَّة، أفسدت حَسَبَها، اذهبا بالمرِّيَّة فاجلداها، ولا تخرقا عليها جلدها، إنَّما جعل الله أربعة شهداء سترًا ستركم به دون فواحشكم، ولو شاء لجعله رجلًا صادقًا أو كاذبًا، فلا يطَّلعنَّ سِتْر الله منكم أحد) ((مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني)) عن الثوري عن واصل الأحدب عن المعرور به (7/ 374) (13530)، و ((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 65).
وصححه صاحب كتاب ما صح من آثار الصحابة في الفقه
(قال الشافعى): ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقى اللَّه ولا يعود لمعصية اللَّه فإن اللَّه يقبل التوبة عن عباده.
– وعن الشَّعبي: أنَّ رجلًا أتى عمر بن الخطَّاب، قال: (إنَّ ابنة لي أصابت حدًّا، فعَمَدت إلى الشَّفْرة، فذبَحَت نفسها، فأدركتُها، وقد قطعت بعض أوداجها، فداويتها فبرأت، ثم أنَّها نَسَكت، فأقبلت على القرآن، فهي تُخْطب إليَّ، فأخبر من شأنها بالذي كان، فقال له عمر: تعمد إلى سِتْر سَتَره الله فتكشفه ! لئن بلغني أنَّك ذكرت شيئًا من أمرها، لأجعلنَّك نَكالًا لأهل الأمصار، بل أنكِحها نكاح العفيفة المسلمة) [رواه عبدالرزاق في ((المصنَّف)) (6/ 246)، وهناد في ((الزهد)) (1409)، والحارث في ((بغية الباحث)) (507) واللَّفظ له. قال ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 393): فيه انقطاع. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (4/ 272): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فإنَّ رواية الشَّعبي عن عمر مرسلة.].
قلت سيف بن دوره: وفي رسالة قرأتها قديما لبعض الباحثين ذكر له متابعة يتقوى والآن لم أجد الرسالة.
– وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ثلاث أحلف عليهنَّ، والرَّابعة لو حلفت لبَررْت: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولَّى اللهَ عبدٌ في الدُّنيا فولَّاه غيره يوم القيامة، ولا يحبُّ رجل قومًا، إلا جاء معهم يوم القيامة، والرَّابعة التي لو حلفت عليها لبَررْت: لا يَسْتُر الله على عبد في الدُّنيا، إلَّا سَتَر عليه في الآخرة) [رواه عبدالرزاق في ((المصنَّف)) (6/ 246)، وهناد في ((الزهد)) (1409)، والحارث في ((بغية الباحث)) (507) واللَّفظ له. قال ابن كثير في ((مسند الفاروق)) (1/ 393): فيه انقطاع. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (4/ 272): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع، فإنَّ رواية الشَّعبي عن عمر مرسلة].
فقال عمر بن عبد العزيز: إذا سمعتن مثل هذا من مثل عروة فاحفظوه
(4567) قال اسحاق: وحدثني عبدالله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله.
قلت سيف الاسناد: أهرجه أبو يعلى وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند.
وصححه الألباني واعتبره فائدة عزيزة كما في الصحيحة (1387). وكذلك صححه محققو المسند (6) / (145) في تخريج حديث عائشة
– وعن مريم بنت طارق: (أنَّ امرأة قالت لعائشة -رضي الله عنها-: يا أمَّ المؤمنين، إنَّ كَرِيًّا أخذ بساقي وأنا مُحْرِمَة، فقالت -رضي الله عنها-: حِجْرًا حِجْرًا حِجْرًا، وأعرضت بوجهها، وقالت بكفِّها، وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكنَّ ذنبًا، فلا تخبرنَّ به النَّاس، ولتستغفر الله تعالى، ولتتب إليه؛ فإنَّ العباد يُعَيِّرُون ولا يُغَيِّرُون، والله تعالى يُغَيِّر ولا يُعَيِّر) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (1/ 153) (451).
والكري: الذي يكري دابته. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (15/ 219).وحجرا: أي: سترا وبراءة من هذا الأمر. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 167)
– وعن أبي عثمان النَّهدي، قال: (إنَّ المؤمن ليُعطى كتابه في سِتْرٍ من الله تعالى، فيقرأ سيِّئاته فيتغيَّر لونه، ثمَّ يقرأ حسناته فيرجع إليه لونه، ثمَّ ينظر، وإذا سيِّئاته قد بُدِّلت حسنات، فعند ذلك يقول: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ} [الحاقة: 19]) [((الزهد والرقائق)) لابن المبارك (1/ 497) (1415)].
– وقال الحسن البصري: (من كان بينه وبين أخيه سِتْر فلا يكشفه) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (1/ 149) (441).
– وعن إبراهيم بن أدهم، قال: (بلغني أنَّ عمر بن عبد العزيز قال لخالد ابن صفوان: عِظْني وأوجز. قال: فقال خالد: يا أمير المؤمنين، إنَّ أقوامًا غرَّهم سِتْر الله عزَّ وجلَّ، وفتنهم حُسْن الثَّناء، فلا يغلبنَّ جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالسِّتْر مغرورين، وبثناء النَّاس مسرورين، وعمَّا افترض الله متخلِّفين مقصرين، وإلى الأهواء مائلين. قال: فبكى، ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتِّباع الهوى) [((الزهد الكبير)) للبيهقي (1/ 187) (449)].
– وقال العلاء بن بدر: (لا يعذِّب الله عزَّ وجلَّ قومًا يسترون الذُّنوب) ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (1/ 153) (450).
– وعن محمود بن آدم، قال: سمعت سفيان بن عيينة، يقول: (لولا ستْر الله عزَّ وجلَّ ما جالسَنا أحدٌ) ((شعب الإيمان)) للبيهقي (6/ 290) (4203).
– وعن شُبَيْل بن عوف الأَحْمَسِي، قال: (كان يقال: من سمع بفاحشة، فأفشاها، كان فيها كالذي بدأها) ((الزهد)) لوكيع (1/ 768) (450).
– وعن عبد الله بن المبارك، قال: (كان الرَّجل إذا رأى من أخيه ما يكره، أمره في سِتْر، ونهاه في سِتْر، فيُؤجر في سِتْره، ويُؤجر في نهيه، فأمَّا اليوم فإذا رأى أحدٌ من أحدٍ ما يكره، استغضب أخاه، وهتك سِتْره) ((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (1/ 196).
– وقال الفضيل بن عياض: (المؤمن يَسْتر وينصح، والفاجر يهتِك ويُعيِّر) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/ 225).
– وعن عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي، قال: (من رأيته يطلب العثرات على النَّاس، فاعلم أنَّه معيوب، ومن ذكر عَورات المؤمنين، فقد هتك سِتْر الله المرخَى على عباده) ((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 101) (232).
– وقال ابن رجب: (رُوي عن بعض السَّلف أنَّه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب النَّاس، فذكر النَّاس عيوبهم. وأدركت أقوامًا، كانت لهم عيوب فكَفُّوا عن عيوب النَّاس فنُسيت عيوبهم) ((جامع العلوم والحكم)) (2/ 291).
وقال ابن القيِّم: (وأمَّا اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزِّنا، ففي غاية الحِكْمة والمصلحة؛ فإنَّ الشَّارع احتاط للقصاص والدِّماء، واحتاط لحدِّ الزِّنا، فلو لم يقبل في القتل إلَّا أربعة لضاعت الدِّماء، وتواثب العادون، وتجرَّءوا على القتل؛ وأمَّا الزِّنا فإنَّه بَالَغَ في سِتْره، كما قدَّر الله سِتْره، فاجتمع على ستْره شرع الله وقدره، فلم يقبل فيه إلَّا أربعة يصِفُون الفِعْل وصف مشاهدة، ينتفي معها الاحتمال؛ وكذلك في الإقرار، لم يكتف بأقلَّ من أربع مرَّات، حرصًا على سِتْر ما قدَّر الله ستْره، وكَرِه إظهاره، والتَّكلُّم به، وتوعَّد من يحبُّ إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم، في الدُّنيا والآخرة) ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (2/ 50).
وقال أيضًا: (للعبد سِتْرٌ بينه وبين الله، وسِتْرٌ بينه وبين النَّاس، فمن هتك السِّتْر الذي بينه وبين الله، هتك الله السِّتْر الذي بينه وبين النَّاس) ((الفوائد)) (1/ 31).
وقال أيضًا: (ومن النَّاس من طبعه طبع خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه [قَمَّه]، وهكذا كثير من النَّاس، يسمع منك، ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ، فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطة، أو كلمة عَوْراء، وجد بغيته، وما يناسبها، فجعلها فاكهته ونقله) ((مدارج السالكين)) (1/ 406).قم الشيء قما: كنسه، وقم الرجلُ: أكل ما على الخوان. انظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (12/ 493)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (1151)
وقال أبو البركات الغزي العامري في كلامه عن آداب العِشْرة بين المسلمين: (ومنها: الاجتهاد في سِتْر عَورَات الإخوان وقبائحهم، وإظهار مناقبهم، وكونهم يدًا واحدةً في جميع الأوقات). ((آداب العشرة)) لأبي البركات الغزي العامري (1/ 53).و عن عثمان بن أبي سودة، قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر اللّه تعالى، قيل: وكيف يهتك ستر اللّه ! قال: يعمل الرّجل الذّنب فيستره اللّه عليه فيذيعه في النّاس. [مكارم الأخلاق (504)].
وعن علّام بن مسقين، قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد: «رجل علم من رجل شيئا، أيفشي عليه ، قال: يا سبحان اللّه! لا. [مكارم الأخلاق (489)].
(المسألة الثالثة): فوائد السَّتْرِ
1 – نشر الحبِّ والألفة بين المؤمنين.
2 – أنه يعين العاصي على أن يتدارك نفسه، ويتوب إلى الله توبةً نصوحًا، وبالعكس فلو فُضِح وشُهِّر به، لكان في هذا إعانة للشَّيطان عليه، حيث يدفعه إلى مزيد من المعاصي والآثام.
3 – أنَّ فَضْح النَّاس -وخاصة أهل الفضل منهم إن بدت منهم زلَّة أو هفوة- قد يجرِّئ كثيرًا من عوام النَّاس على المعاصي.
4 – أنَّ نفس السَّاتر تزكو، ويرضى عنه الله، ويَسْتُره في الدُّنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “وهو سبحانه وتعالى: رحيم يحب الرحماء، وإنما يرحم من عباده الرحماء، وهو ستير يحب من يستر على عباده، وعفو يحب من يعفو عنهم، وغفور يحب من يغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم، وبر يحب البر وأهله، وعدل يحب العدل، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً. فمن عفا: عفا عنه، ومن غفر غفر له، ومن سامح سامحه، ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاق الله تعالى به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة. فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه، ولهذا جاء في الحديث: من ستر مسلماً ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه، ومن أقال نادماً أقال الله تعالى عثرته، ومن أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه؛ لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر، ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الأداء، مع عسرته وعجزه: نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش.” انتهى من (الوابل الصيب: 35).
مسألة: متى ينبغي السَّتْر على المسلم أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بالستر عامة والستر على ذوي العثرات من أصحاب الفضل والخير خاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة) رواه مسلم،
التجاوز عن عثرات أأئمة أهل السنة قال الصنعاني رحمه الله تعالى: (وليس أحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب) اهـ.
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – (ذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة)
قال النووي: “وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد”، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود) رواه أبو داود وصححه الألباني، قال ابن القيم في قوله صلى الله عليه وسلم: (ذوي الهيئات): “الظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تُقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم، وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد”.
، أمَّا إذا كانوا معروفين بالفساد، ويجاهرون به، فلا يَسْتُر عليهم. يقول ابن تيمية: (فمن أظهر المنكر، وجب عليه الإنكار، وأن يُهْجَر ويُذَمَّ على ذلك. فهذا معنى قولهم: “من ألقى جلباب الحياء، فلا غيبة له”. بخلاف من كان مُسْتَتِرًا بذنبه، مُسْتَخْفيًا، فإنَّ هذا يُسْتَر عليه؛ لكن يُنْصَح سِرًّا، ويَهْجُره من عرف حاله، حتَّى يتوب، ويَذْكر أمره على وجه النَّصيحة) ((مجموع الفتاوى)) (28/ 220).
وقال النَّووي: (وأمَّا السَّتر المندوب إليه هنا، فالمراد به: السَّتر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممَّن ليس هو معروفًا بالأذى والفساد، فأمَّا المعروف بذلك، فيُسْتَحبُّ أن لا يُسْتَر عليه، بل تُرْفَع قضيته إلى وليِّ الأمر، إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأنَّ السِّتر على هذا يُطْمِعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله. هذا كلُّه في سِتْر معصية وقعت وانقضت، أمَّا معصية رآه عليها، وهو بعد متلبِّسٌ بها، فتجب المبادرة بإنكارها عليه، ومنعه منها على من قَدر على ذلك، ولا يحلُّ تأخيرها، فإن عجز، لزمه رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم تترتَّب على ذلك مفسدة، وأمَّا جَرْح الرُّواة والشُّهود والأُمناء على الصَّدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم، فيجب جَرْحُهم عند الحاجة، ولا يحلُّ السِّتر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة، وهذا مُجْمَعٌ عليه، قال العلماء في القسم الأوَّل -الذي يُسْتَر فيه-: هذا السِّتر مندوب، فلو رفعه إلى السُّلطان ونحوه، لم يأثم بالإجماع، لكن هذا خلاف الأولى، وقد يكون في بعض صوره ما هو مكروه، والله أعلم) ((شرح النَّووي على مسلم)) (16/ 135).
وقال ابن رجب: (واعلم أنَّ النَّاس على ضربين: أحدهما: من كان مَسْتُورًا، لا يُعْرَف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هَفْوة، أو زلَّة، فإنَّه لا يجوز كشفها، ولا هتكها، ولا التَّحدث بها؛ لأنَّ ذلك غيبة محرَّمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النُّور: 19]. والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن المسْتَتِر فيما وقع منه، أو اتُّهم به وهو بريء منه، كما في قصَّة الإفك. قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تَسْتُر العصاة، فإنَّ ظهور معاصيهم، عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستْر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقرَّ بحدٍّ، ولم يفسِّره، لم يُسْتَفْسَر، بل يؤمر بأن يرجع ويَسْتر نفسه، كما أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامديَّة، وكما لم يَسْتَفْسر الذي قال: أصبت حدًّا، فأقمه علي. ومثل هذا لو أُخِذ بجريمته، ولم يبلغ الإمام، فإنَّه يُشْفَع له، حتَّى لا يبلغ الإمام.
والثَّاني: من كان مُشْتَهِرًا بالمعاصي، معلنًا بها، لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعْلن، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره؛ لتقام عليه الحدود. صرَّح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت، فارجمها)) [رواه البخاري (6827، 6828)، ومسلم (1697، 1698) من حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما-] ومثل هذا لا يُشْفَع له إذا أُخِذ، ولو لم يبلغ السُّلطان، بل يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ، لينكفَّ شرُّه، ويَرْتَدع به أمثاله. قال مالك: من لم يُعرف منه أذى للناس، وإنَّما كانت منه زلَّة، فلا بأس أن يُشْفع له، ما لم يبلغ الإمام، وأمَّا من عُرِف بشَرٍّ أو فساد، فلا أحبُّ أن يشفع له أحد، ولكن يُتْرك حتَّى يُقَام عليه الحدُّ. حكاه ابن المنذر وغيره.
وكره الإمام أحمد رَفْع الفُسَّاق إلى السُّلطان بكلِّ حال، وإنَّما كرهه؛ لأنَّهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجهها، ولهذا قال: إن عَلِمت أنَّه يقيم عليه الحدَّ فارفعه، ثمَّ ذكر أنَّهم ضربوا رجلًا، فمات، يعني: أنَّه لم يكن قَتْلُه جائزًا.
ولو تاب أحد من الضَّرب الأوَّل، كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى، ويَسْتُر على نفسه.
وأما الضَّرب الثَّاني، فقيل: إنَّه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام، ويقرَّ على نفسه بما يوجب الحدَّ، حتَّى يطهِّره) [((جامع العلوم والحكم)) (2/ 292 – 293)].تنبيه: قول الحافظ ابن رجب السابق: ” قال بعض الوزراء الصَّالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تَسْتُر العصاة، فإنَّ ظهور معاصيهم، عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستْر العيوب “.وهذا فيه تنبيه لمن يغفل عند نشره لمعايب المسلمين في وسائل التواصل الاجتماعي، والبعض لا يفكر إلا فيما يزيد من عدد المشاهدين، حتى لو في نشر المعائب! فيقع فيما يشوه صورة الإسلام، وأهله!
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في قصة ماعز رضي الله تعالى عنه: “وَيُؤْخَذُ مِنْ قَضِيَّتِهِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَقَعَ فِي مِثْلِ قَضِيَّتِهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسْتُرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَذْكُرُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ، كَمَا أَشَارَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله تعالى عنهما عَلَى مَاعِزٍ رضي الله تعالى عنه. وَأَنَّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ يَسْتُرُ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَفْضَحُهُ، وَلَا يَرْفَعُهُ إِلَى الْإِمَامِ، كَمَا قَالَ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: «يا هَزَّالُ! لو سَتَرْتَه بثوبِكَ كان خيرًا لكَ» صححه الألباني في (صحيح الجامع:7990). وَبِهَذَا جَزَمَ الشَّافِعِيُّ رحمه اللَّهُ تعالى فَقَالَ: أُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ، وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ مَاعِز مَعَ أبي بكر وَعمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وَقَالَ ابن الْعَرَبِيِّ رحمه الله تعالى: هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُتَظَاهِرًا بِالْفَاحِشَةِ مُجَاهِرًا فَإِنِّي أُحِبُّ مُكَاشَفَتَهُ وَالتَّبْرِيحَ بِهِ لِيَنْزَجِرَ هُوَ وَغَيْرُهُ ” انتهى بتصرف يسير من (فتح الباري:12/ 124).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: ” والمراد بالستر: هو إخفاء العيب، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده، فمثلاً: المجرم؛ إذا أجرم: لا نستر عليه إذا كان معروفاً بالشر والفساد، ولكن الرجل الذي يكون مستقيماً في ظاهره، ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوباً؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره، والإنسان المستقيم في ظاهره، ولكن جرى منه ما جرى: هذا هو الذي يسن ستره ” انتهى من (شرح الأربعين النووية:1/ 172).
مسألة: شروط الستر:
إذا أراد المسلم أن يستر أخاه، فإن هناك شروطًا لابد أن يراعيها عند ستره؛ حتى يحقق الستر الغرض المقصود منه، وأهم هذه الشروط:
1) أن يكون الستر في موعده المحدد له؛ فيستر المسلم أخاه عند فعله للمعصية وبعدها، بألا يتحدث للناس بأن فلانًا يرتكب المعاصي.
2) أن تكون المعصية التي فعلها المسلم لا تتعلق بغيره ولا تضر أحدًا سواه، أما إذا وصل الضرر إلى الناس فهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
3) أن يكون الستر وسيلة لإصلاح حال المستور بأن يرجع عن معصيته ويتوب إلى الله -تعالى-، أما إذا كان المستور ممن يُصِرُّ على الوقوع في المعصية، وممن يفسد في الأرض، فهنا يجب عدم ستره حتى لا يترتب على الستر ضرر يجعل العاصي يتمادى في المعصية.
4) ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور واستغلاله وتعييره بذنوبه.
5) ألا يمنع الستر من أداء الشهادة إذا طلبت، {ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} [البقرة: 283].
6) الستر مرهون برد المظالم، فإذا لم ترد فالساتر شريك للمستور عليه في ضياع حق الغير.
تنبيه: السَّتْرُ لا يعني ترك إنكار المنكر: لا يعني السَّتْر ترك الإنكار على من تَسْتُره فيما بينك وبينه، وإذا أنكرت عليه، ونصحته، فلم ينتهِ عن قبيح فعله، ثمَّ جَاهَر به جازت الشَّهادة عليه بذلك، كما ذكر ذلك العلماء، وقد فرَّق ابن حجر بين مَحَلِّ السَّتر والإنكار، قال: (والذي يظهر أنَّ السَّتر محلُّه في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حَصل التَّلبُّس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلَّا رفعه إلى الحاكم، وليس من الغيبة المحرَّمة، بل من النَّصيحة الواجبة) ((فتح الباري)) لابن حجر (5/ 97).
وينبغي أن تكون النَّصيحة سرًّا ولا تكون أمام الملأ.
يقول الشافعي في ذلك:
تَعَمَّدني بنصحك في انفرادي وجنِّبني النَّصيحة في الجماعهْ
فإنَّ النُّصح بين النَّاس نوع من التَّوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تُعط طاعهْ
((ديوان الشافعي)) (ص 85).
قال الشيخ صالح آل الشيخ في (شرح الأربعين النووية): ” ((ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة من ستر مسلما مسلم)): هنا -أيضا- تعم جميع المسلمين سواء أكانوا مطيعين صالحين، أم كانوا فسقة، فإن الستر على المسلم من فضائل الأعمال، بل جعله طائفة من أهل العلم واجبا، فإن المسلم الذي ليس له ولاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب عليه أن يستر أخاه المسلم، أو يتأكد عليه أن يستر، فإذا علم منه معصية كتمها، وإذا علم منه قبيحا كتمه، وسعى في مناصحته وتخليصه منه.
وأما أهل الحسبة، أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنهم يجوز لهم أن يعلموا هذا فيما بينهم، لكن لا يجوز لهم أن يتحدثوا بما قد يقترفه بعض المسلمين من الذنوب والآثام والقاذورات والمعاصي؛ لأن هذا -أيضا- داخل في عموم الستر من ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة لكن الحاجة إلى تأديبه قائمة، فهؤلاء لهم أن يتداولوا أمره بحسب الحاجة الشرعية، وهذا ينبغي التنبيه عليه كثيرا لمن يلي مثل هذه الأمور، في أنهم قد يتوسعون في الحديث عن أهل العصيان، وعمن يقبضون عليه ممن يرتكب جرما، أو يرتكب ذنبا، أو معصية في تأديبه، رحمة به، فمثل هؤلاء ينبغي لهم أن يكتموا القضايا التي يتداولونها فيما بينهم، وألا يذكروا شيئا منها إلا لمحتاج إلى ذلك لحاجة الشرع.”. انتهى.
وسأل ابن عثيمين:
كيف نجمع بين حديث: (من ستر مسلما ستره الله) وبين الأمر بالمعروف والنهي المنكر
السؤال: حديث: «من ستر على أحد ستر الله عليه» هل يجوز لنا أن نستر على الزاني وشارب الخمر وإذا كان الجواب: بنعم فكيف ننكر المنكر وهل نتغاضى إذا رأينا منكراً أفيدونا حفظكم الله.
الجواب: أما إذا بلغت الأمور إلى المسئولين فلا يجوز التستر، لكن قبل ذلك ينظر: هل هذا الرجل كان مستقيماً وحصلت منه فلتة، وربما إذا نصح يتوب إلى الله -عزّ وجلّ-، فهذا الأولى أن يستر، وأما إذا كان لو ستر لتمرد وازداد شره، فهذا لا يجوز ستره، بل يجب أن يرفع إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه ما يجب عليه من العقوبة.
[المصدر: من فتاوى اللقاء الشهري، لقاء رقم (74)].
(المسألة الرابعة): صور السَّتْرِ
1 – ستر المسلم نفسه: المسلم عليه أن يستر نفسه، فلا يُشْهر خطاياه أمام الخَلْق، ولا يذكر زلَّاته أمام النَّاس، ولو كانوا أصدقاءه، إلَّا على وجه السُّؤال والفتيا، دون تحديد أنَّه الفاعل، سيَّما عند من يعرفه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، وإنَّ من المجَاهرة أن يعمل الرَّجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يَسْتُره ربُّه، ويصبح يكشف سِتْر الله عنه)) [1608] رواه البخاري (6069) واللَّفظ له، ومسلم (2990). .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أيُّها النَّاس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئًا، فليَسْتَتر بسِتْر الله)) [1609] رواه مالك في ((الموطأ)) (5/ 1205)، والبيهقي (8/ 326) (18029) من حديث زيد بن أسلم رضي الله عنه. قال الشافعي في ((الأم)) (7/ 367): منقطع، ليس مما يثبت به هو نفسه حجة. وقال البيهقي في ((السُّنن الصغير)) (3/ 345): مرسل، وقد أُسند آخره عن ابن عمر مرفوعًا. وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (6/ 504)، وابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/ 303): مرسل.
تنبيه: ومن الأخطاء التي يبثها القصاصون أنهم يطلبون من التائب في محاضراتهم أن يرووا ما فعلوه في المحافل وأمام جميع الناس قبل التوبة!
2 – ستْر المسلم لإخوانه المسلمين: وكما يَسْتُر المسلم نفسه، عليه أن يَسْتُر إخوانه المسلمين، إذا رأى منهم عيبًا أو خطأً، قال صلى الله عليه وسلم: (( …. ومن سَتَر على مسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)) [1610] رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 – ستْر الميِّت: إذا غسَّل المسلم ميِّتًا، فرأى فيه شيئًا معيبًا، فعليه أن يَسْتره، ويكتم أمره، قال صلى الله عليه وسلم: ((من غسَّل ميِّتًا، فكتم عليه، غَفَر الله له أربعين مرَّةً)) [1611] رواه الطبراني (1/ 315) (929)، والبيهقي (3/ 395) (6900) واللَّفظ له. قال المنذري في ((التَّرغيب والتَّرهيب)) (4/ 257): رواته محتج بهم في الصحيح. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)): رجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 163): حسن غريب. وصحَّحه الألباني في ((صحيح التَّرغيب والترهيب)) (3492).
(المسألة: الخامسة): الستر له أنواع كثيرة، منها:
1) ستر العورات: المسلم يستر عورته، ولا يكشفها لأحد لا يحل له أن يراها.
قال الله -تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 5 – 6].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة) [مسلم].
2) الستر عند الاغتسال: يجب على المسلم إذا أراد أن يغتسل أو يستحم أن يستتر؛ حتى لا يطَّلع على عورته أحد لا يحق له الاطلاع عليها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل استتر عن الناس، ثم اغتسل.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) [أبوداود والنسائي وأحمد].
3) الستر عند قضاء الحاجة: إذا أراد المسلم أن يقضي حاجته من بول أو غائط (براز)، فعليه أن يقضيها في مكان لا يراه فيه أحد من البشر.
4) ستر أسرار الزوجية: المسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله،.
قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفْضِي إلى امرأته، وتُفْضِي إليه ثم يَنْشُرُ سرها) [مسلم وأبوداود].
5) ستر الصدقة: المسلم لا يبتغي بصدقته إلا وجه الله -سبحانه-، لذا فهو يسترها ويخفيها حتى لا يراها أحد سوى الله -عز وجل-، وقد قال الله -تعالى-: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274].
كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أَحَدَ السبعة الذين يظلُّهم الله في ظله يوم القيامة رجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
6) ستر الرؤيا السيئة: إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة يكرهها فليتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا، ولا يذكرها لأحد، وليعلم أنها من الشيطان، ولا تضره.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان؛ فإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ، وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله) [متفق عليه].
7) ستر وساوس الشيطان: إذا تحدث المؤمن في نفسه بشَرٍّ، أو نوى أن يقوم بمعصية، لكنه عاد إلى رشده؛ فإن عليه ألا يذكر ما جال بخاطره وما حدثتْه به نفسه من الشر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- تجاوز لأمتي عما حدثتْ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به) [متفق عليه].8) ستر المسلم على نفسه إذا وقع في معصيه أو وقع غيره من المسلمين.
فالستر الذي حث عليه شارع عامٌّ لا يتقيَّد بالستر البدني فقط، أو الستر المعنوي فقط، بل يشملهما جميعًا
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز: “هذا عامٌّ، “يستر” عامٌّ، يعمّ الستر الحسي والستر المعنوي، والستر المعنوي أهم وأكبر، فالستر الحسي أن تجده عاريًا فتكسوه -تجد أخاك عاريًا فتكسوه- كسوةً من عندك، أو نقودًا يشتري بها كسوةً، فهذا يدخل في الحديث، لكن أعظم من ذلك ستر عورته الدينية التي هي معصية، فتستره ولا تفضحه، ولا تخزه، هذا أعظم من ذلك.
فإذا سترت أخاك، وجدتَه على معصيةٍ فسترت عليه، ونصحته، وحذَّرته من مغبَّتها، ولكن لم تُحدّث بها الناس، فأنت بهذا فزتَ بهذا الجزاء العظيم، والله يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور:19].
فالستر على أخيك إن وجدتَه في بيت تهمةٍ، وجدته يستتر بالدخان، يستتر بشرب المسكر، وجدتَه على معصيةٍ أخرى مُستترًا بها، فسترتها عليه، ولم تذعه عند الناس تقول: وجدتُ فلانًا كذا ….. هذا لك فيه أجرٌ عظيمٌ: ستره الله في الدنيا والآخرة، لكن لا يمنع هذا من النَّصيحة، فتستره وتنصحه وتُوجهه إلى الخير، وتحذّره من مغبَّة هذا الشيء”.
وقال أيضًا: “المشروع إذا رأى الإنسان من أخيه في الله أو أخته في الله عورة -يعني: معصية- فلا يفضحه ولا ينشرها بين الناس، بل يستر عليه وينصحه، ويوجهه إلى الخير، ويدعوه إلى التوبة إلى الله من ذلك، ولا يفضحه بين الناس، ومن فعل هذا وستر على أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
أما الذين يظهرون المعاصي ولا يستحون ويظهرونها بين الناس فهؤلاء فضحوا أنفسهم فليسوا محلًا للستر كالذي يشرب الخمر بين الناس في الأسواق وفي المحلات والاجتماعات هذا قد فضح نفسه -نسأل الله العافية- وهكذا من يعمل المعاصي الأخرى جهرة ولا يبالي، هذا يرفع بأمره إلى ولاة الأمور إذا كانوا يردعون مثله ويقيمون عليه الحد، يرفع في أمره، وليس محل الستر من أظهر فاحشته وأعلنها -نسأل الله العافية-. نعم.”.
[الموقع الرسمي، فتاوى الدروس، معنى حديث “من ستر مسلماً ستره الله .. “، نور على الدرب معنى حديث: (من ستر على مسلم … )].
(المسألة السادسة): الوسائل المعينة على اكتساب صفة السَّتْر:
1 – أن تعلم فضل السَّتْر، وأنَّ من سَتَر أخاه المسلم، سَتَره الله في الدُّنيا والآخرة.
2 – أن تستشعر معنى أخوة الإيمان، فقد قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في تَوَادِّهِم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عُضْو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى)) [1612] رواه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللَّفظ له.
3 – أن تضع نفسك مكان أخيك الذي أخطأ وزلَّ، فهل تحبُّ أن تُفْضَح أم تُسْتَر فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم، حتَّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه)) [1613] رواه البخاري (13) واللَّفظ له، ومسلم (45)، وعن عكرمة أنَّ ابن عبَّاس، وعمَّارًا، والزُّبير -رضي الله عنهم جميعًا- أخذوا سارقًا، فخلوا سبيله، فقلت لابن عبَّاس: (بئسما صنعتم حين خلَّيتم سبيله، قال: لا أمَّ لك، أما لو كنت أنت، لسرَّك أن يُخَلَّى سبيلك) [1614] رواه ابن أبي شيبة في ((المصنَّف)) (28084)، وصحح إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/ 90). .
4 – أن ينشغل العبد بإصلاح نفسه: قال الحسن البصري: (يا ابن آدم، لن تنال حقيقة الإيمان حتَّى لا تعيب النَّاس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك، فتصلحه، فما تصلح عيبًا إلَّا ترى عيبًا آخر، فيكون شغلك في خاصَّة نفسك). وقيل لربيع بن خُثَيْم: ما نراك تعيب أحدًا، ولا تذمُّه! فقال: ما أنا على نفسي براضٍ، فأتفرَّغ من عيبها إلى غيرها) [1615] ((موارد الظمآن)) لعبد العزيز السلمان (1/ 377). .
(المسألة السابعة): الستر في كتب الفقه:
ففي أخصر المختصرات:
فصل
وشرط كون مدع ومنكر جائزي التصرف وتحرير الدعوى وعلم مدعى به الا فيما نصححه مجهولا كوصية
فان ادعى عقدا ذكر شروطه او وارثا ذكر سببه او محلا باحد النقدين قومه بالآخر او بهما فبأيهما شاء
واذا حررهـا فان اقر الخصم حكم عليه بسؤال مدع وان انكر ولا بينة فقوله بيمينه فإن نكل حكم عليه بسؤال مدع فب مال وما يقصد به
*ويستحلف في كل حق ادمي سوى نكاح ورجعة ونسب ونحوهـا لا في حق الله كحد وعبادة.*
واليمين المشروعة بالله وحده او بصفته. انتهى
فقوله: (ويستحلف في كل حق ادمي سوى نكاح ورجعة ونسب ونحوهـا لا في حق الله كحد وعبادة) يعني أن من قيل إنه زنا أو لم يصل أو لم يصم … وقال هو: لم ازن أو صليت أو صمت … فإذا لم تكن بينة فإن القاضي يكتفي بقوله ولا يستحلفه.
(المسألة الثامنة): أقوال ابن تيمية و بعض الفتاوى حول موضوع الستر:
قال ابن تيمية:
والرقيق إذا زنا علانية وجب على السيد إقامة الحد عليه، وإن عصى سرا فينبغي ألا يجب عليه إقامته، بل يخير بين ستره أو استتابته بحسب المصلحة في ذلك، كما يخبر الشهود على من وجب عليه الحد بين إقامتها عند الإمام وبين الستر عليه، واستتابته بحسب المصلحة في ذلك؛ فإنه يرجح أن يتوب إن ستروه، وإن كان في ترك إقامة الحد ضرر على الناس كان الراجح فعله
المستدرك من الفتاوى 5/ 107
وسأل ابن تيمية:
عَنْ شارِبِ الخَمْرِ هَلْ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وهَلْ إذا سَلَّمَ رُدَّ عَلَيْهِ وهَلْ تُشَيَّعُ جِنازَتُهُ وهَلْ يَكْفُرُ إذا شَكَّ فِي تَحْرِيمِها
فَأجابَ:
الحَمْدُ لِلَّهِ، مَن فَعَلَ شَيْئًا مِن المُنْكَراتِ كالفَواحِشِ والخَمْرِ والعُدْوانِ وغَيْرِ ذَلِكَ فَإنَّهُ يَجِبُ الإنْكارُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ كَما قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ {مَن رَأى مِنكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمانِ} فَإنْ كانَ الرَّجُلُ مُتَسَتِّرًا بِذَلِكَ؛ ولَيْسَ مُعْلِنًا لَهُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ سِرًّا وسُتِرَ عَلَيْهِ كَما قالَ النَّبِيُّ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ {مَن سَتَرَ عَبْدًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ} إلّا أنْ يَتَعَدّى ضَرَرُهُ والمُتَعَدِّي لا بُدَّ مِن كَفِّ عُدْوانِهِ وإذا نَهاهُ المَرْءُ سِرًّا فَلَمْ يَنْتَهِ فَعَلَ ما يَنْكَفُّ بِهِ مِن هَجْرٍ وغَيْرِهِ إذا كانَ ذَلِكَ أنْفَعَ فِي الدِّينِ. وأمّا إذا أظْهَرَ الرَّجُلُ المُنْكَراتِ وجَبَ الإنْكارُ عَلَيْهِ عَلانِيَةً ……
مجموع الفتاوى 28/ 217
وقال:
وأكثر المسلمين إذا فعل أحدهم فاحشةً باطنةً، تاب منها ومن إعلانها. [يتشبه] (1) النّاس بعضهم ببعض في ذلك.
فلهذا نهى الله عن فعلها، وعن التكلّم بها؛ صدقًا، وغير صدق؛ فإنّها إذا فُعِلَتْ، وكُتِمَتْ، خَفَّ أمْرُها، وإذا أُظْهِرَتْ، كان فيها مفاسد كثيرة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ابتُلي من هذه القاذورات بشيء، فليستتر بستر الله؛ فإنّ مَن يُبْدِ لَنا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عليه كتاب الله» (2)، وقال: «كلّ أمتي معافى، إلا المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يبيت الرجل على الذنب قد ستره الله، فيُصبح يقول: يا فلان فعلتُ البارحة كذا، وكذا» (3).
فقد نهى الله تعالى صاحبها أن يظهرها ويعلنها، فكيف القاذف
بخلاف ما إذا أقرّ بها عند ولي أمر، ليقيم عليه الحد، أو يشهد بها نصاب تامّ لإقامة الحدّ (4)، فذاك فيه منفعة وصلاح.
وقد يُخبر بها بعض الناس سرًا؛ لمن يعلمه كيف يتوب ويستفتيه، ويستشيره فيما يفعل فعلى ذلك المفتي والمشير أن يكتم عليه ذلك، ولا يشيع الفاحشة. وبسط هذا له موضع آخر
النبوات لابن تيمية (2) / (819)
وقال:
فَبين صلى الله عليه وسلم قال أنه من ضمن لَهُ هذَيْن ضمن لَهُ الجنَّة وهَذا يَقْتَضِي أن من هذَيْن يدْخل النّار ولِهَذا حرم الله الفَواحِش ما ظهر مِنها وما بطن وحرم أيْضا انتهاك الأعْراض وجعل فِي القَذْف بالفاحشة من العقُوبَة المقدرَة وهِي حد القَذْف ثَمانِينَ جلدَة
وبَين صلى الله عليه وسلم أن الزِّنا من الكَبائِر وأن قذف المُحْصنات الغافِلات من الكَبائِر وهُوَ وهُوَ من نوع الكَبائِر إذْ لم يَاتِ عَلَيْهِ
القاذِف بأرْبعَة شُهَداء وإن كانَ قد وقع فَإنَّهُ أظهر ما يحب الله إخفاؤه
كَما قالَ تَعالى {إن الَّذين يحبونَ أن تشيع الفاحِشَة فِي الَّذين آمنُوا لَهُم عَذاب ألِيم فِي الدُّنْيا والآخِرَة} [سُورَة النُّور (19)]
وفِي الحَدِيث الصَّحِيح قالَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- كل أمتِي معافى إلّا المجاهرين ….. ثم ذكر أحاديث أخرى في الستر وحديث مناجاة الله عزوجل لعبده وستره لذنوبه
الاستقامة 1/ 453
وفي فتاوى اللجنة الدائمة:
ج: أولا: إذا كان الواقع ما ذكر من حملها قبل أن يتزوج بها
المذكور- فالولد ولد زنا، ولا يلحق بمن زنا بها نسبا، وإنما ينسب لأمه، والنكاح باطل، وعليهما تجديده بالوجه الشرعي إذا كان كل واحد منهما يرغب في صاحبه. ثانيا: على المذكورين أن يتوبا إلى الله ويستغفراه، والتوبة الصادقة تجب ما قبلها، …. فذكروا نصوص قبول التوبة ثم ذكروا نصوص فضيلة الستر.
من الفتاوى المعاصرة:
هل يجوز إخبار زوجي عن العلاقة بين والدي كيف كانت وعن بعض المشاكل بينهما ومن السبب فيها وعن طباع كل منهما بصدق وعن بعض الأسرار فى الماضي، مع العلم بأني لا أعرف هل يجوز ذلك أم لا، وما الحكم فيه ]ـ
^الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الأسئلة لا فائدة منها، ولا ينبغي لك أن تجيبي زوجك عنها، خاصة إذا تعلق الأمر بمعاصي وآثام ارتكبت
في الماضي، لأن المسلم مأمور بأن يستر على نفسه إذا وقع في معصية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه. رواه البخاري ومسلم.
والمسلم مأمور أيضًا بالستر على غيره من المسلمين وعلى والديه من باب أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم، ولأن من برهما عدم ذكرهما بما يكرهان.
ثم إن كشف ما ستره الله تعالى من الذنوب قد يكون سببًا في كشفها يوم القيامة، وعدم سترها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة. رواه مسلم.
أصحاب الهيئة إذا وجدا شاب وشابة في خلوة: (فتاوى معاصرة)
الافضل الستر للمفاسد التي تترتب من رفع امرهما خاصة انهما لم يقعا في الزنا. وهذا إنما هو فيمن ليس معروفًا بالمعصية، وأما لو كانا معروفين بمثل هذا الفعل، فالصواب عدم الستر عليهما
ولو وجه رجل الهيئة إلى الشابين النصائح والتوجيهات بأسلوب حكيم وبطريقة لبقة -كما ذكرت- لكان ذلك أحسن، وهو ما يأمر به ديننا الحنيف في سبيل الدعوة إلى الله. قال تعالى: ادْعُ إلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ
ستر الأخت التي زلت فزالت بكارتها: (فتاوى معاصرة)
فيجب عليك ستر أختك وألا تخبري أحدا بما حدث، لا والديك ولا غيرهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال الذي أشار على ماعز عندما وقع في الزنا أن يظهر أمره للنبي، فقال له النبي: يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك. صححه الألباني. فعليك أيتها السائلة بإخفاء الأمر عن الجميع.
وأما بالنسبة لأمر البكارة فعليها أن تُعرِّض لزوجها وتوري عنه في الكلام؛ لأن البكارة تزول بأسباب كثيرة منها الوثبة الشديدة والحيضة الشديدة وغير ذلك. فعليها أن توري عليه بسبب من هذه الأسباب.
اعترفت لزوجها بأنها كانت على علاقة قبل الزواج: (فتاوى معاصرة)
اعترفت له بأنها كانت على علاقة مع رجل قبل الزواج وقد زنت وهو في حيرة من أمره هل يطلقها أم يستر عليها أفيدونا الجواب: الواجب على الإنسان ذكرًا كان أو أنثى أن لا يتحدث عن ماضيه السيئ وأن يستتر بستر الله تبارك وتعالى ما دام أنه قد تاب ورجع إلى جادة الصواب وهذا الأمر أشد تأكيدًا في حق الزوجين فلا ينبغي أن يتحدثا بما ارتكبا من المعاصي قبل الزواج لما في ذلك من ضرر بليغ على حياتهما الزوجية ولا ينبغي لأحد من الزوجين البحث في ماضي الآخر لأن العبرة بما عليه صاحبه الآن فما دام مستقيمًا وملتزمًا بدين الله فهذا هو المطلوب بغض النظر عما ارتكب
من المعاصي في حياته السابقة فقد يكون الإنسان كافرًا ثم يسلم فإن الإسلام يجب ما قبله والتوبة الصادقة تجب ما قبلها والواجب عليهما أن يبقيا المعاصي السالفة طي الكتمان ولا يفضحا نفسيهما فالمسلم إذا عصى الله تبارك وتعالى سرًا فلا يصح له أن يخبر عن ذلك وقد ورد في الحديث عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله رضي الله عنه يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين
قال الإمام النووي: [قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا المجاهرين) هم الذين جاهروا بمعاصيهم، وأظهروها، وكشفوا ما ستر الله تعالى عليهم، فيتحدثون بها لغير ضرورة ولا حاجة] شرح النووي على صحيح مسلم (6) / (412)
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدًا، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي
يجاهر يفوته جميع ذلك] فتح الباري (10) / (598) – (599).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فاقض في ما شئت فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت نفسك قال فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا دعاه وتلا عليه هذه الآية {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} فقال رجل من القوم يا نبي الله هذا له خاصة، قال بل للناس كافة) رواه مسلم
والواجب عليك أيا الزوج أن تستر على زوجتك ما دام أنها قد تابت وتقول بأنها زوجة صالحة محافظة على صلاتها وأخلاقها فاستر عليها حتى يستر الله عليك في اليوم الآخر
هل يتزوج بمن زنا بها خوفا من الفضيحة وسترا لها ولأهلها: (فتاوى معاصرة)
ولا يجب على الزاني أن يتزوج ممن زنى بها، وليس هذا شرطا في التوبة، لكن إن تابا إلى الله تعالى، ورأيا أن يتم الزواج بينهما فلا حرج في ذلك.
ولهذا ينبغي أن ينظر قريبك في حال الفتاة وحال أهلها، فإن رآها مناسبة لها، وعلم أنها تابت واستقامت، فليستخر الله تعالى وليتزوجها، وفي ذلك إحسان إليها؛ وهو أولى الناس بذلك الإحسان، لأنها إن كانت قد أساءت وأذنبت، فهو شريكها في ذلك كله، وربما كان بدعوته هو وتزيينه؛ فليتحمل معها ما اشتركا فيه، بل لو لم يكن شريكها في ذلك، وعلم أنها تابت وصدقت توبتها، وأراد أن يتزوجها ليعفها ويستر عليها، كان قصدا نبيلا يؤجر عليه إن شاء الله …..
والمرأة إذا تابت من الزنا، لم يلزمها إخبار المتقدم إليها بشأن بكارتها، بل لا يلزمها إخباره لو سألها، لأنها مأمورة بستر نفسها، والبكارة لا تذهب بالزنا فقط، بل يمكن أن تزول بالحيضة الشديدة، والوثبة ونحو ذلك
(المسألة: التاسعة): فوائده:
1 – من أسمائه سبحانه الستِّير وهو يحب الستر على عباده.
2 – فضل الستر على المسلم.
3 – الستر على أهل الصلاح والتقوى.
4 – السّتر صفة في الإنسان يحبّها اللّه- عزّ وجلّ-.
5 – العبد إذا فعل المعصية واسترجع ستره اللّه في الدّنيا، وذكّره بها في الآخرة ثمّ عفا عنه.
6 – السّاتر لعيوب غيره و عيوب نفسه يسلم من ألسنة النّاس وسخط اللّه- عزّ وجلّ-.
7 – السّتر يثمر حسن الظّنّ باللّه تعالى وبالنّاس.
8 – من ستر عيب غيره ستره اللّه في الدّنيا والآخرة. [الستر].
9 – سئل العلامة الإمام صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله هل ما يقوم به أحد طلبة العلم من تتبع أخطاء بعض الدعاة وجمعها وإخراجها في أشرطة، بحيث يخصص لكل داعية شريطا يذكر فيه أخطائه وهفواته، فهل هذا من المنهج الصحيح
الجواب: إذا كان القصد من هذا بيان الحق وبيان الخطأ فهذا طيب، وهذا من تنقية الدعوة إلى الله أننا نبين الأخطاء من أجل ألا يقع الناس فيها، أما إذا كان القصد من ذلك التشهي والتشفي من الشخص والتنقص للشخص فهذا لا يجوز.
[الإجابات اعلى الشبهات الحاصلة (ص 122)]
[انظر: موسوعة الأخلاق، الستر، بتصرف يسير]
10 – الجزاء من جنس العمل. وذكر ابن تيمية حديث من ستر مسلما. … مع نصوص أخرى وقال: ومِثْلُ هَذا فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ كَثِيرٌ يُبَيِّنُ فِيهِما أنَّ الجَزاءَ مِن جِنْسِ العَمَلِ.
مجموع الفتاوى (6) / (483)
وراجع كذلك بيان ان الجزاء من جنس العمل
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (1) / (104)
وقال ابن القيم:
فَمن أثنى على رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وسلم جزاه الله من جنس عمله بِأن يثني عَلَيْهِ ويزِيد تشريفه وتكريمه
فصح ارتباط الجَزاء بِالعَمَلِ ومشاكلته لَهُ ومناسبته لَهُ كَقَوْلِه من يسر على مُعسر يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَة ومن ستر مُسلما ستره الله فِي الدُّنْيا والآخِرَة ومن نفس عَن مُؤمن كربَة من كرب الدُّنْيا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم القِيامَة والله فِي عون العَبْد ما كانَ العَبْد فِي عون أخِيه ومن سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ علما سهل الله لَهُ طَرِيقا إلى الجنَّة
ومن سُئِلَ عَن علم يُعلمهُ فكتمه ألْجم يَوْم القِيامَة بلجام من نار // حَدِيث صَحِيح // ومن صلى عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلم مرّة صلى الله عَلَيْهِ بها عشرا ونظائره كَثِيرَة
جلاء الأفهام (1) / (164) — ابن القيم
وراجع أيضا إعلام الموقعين:1/ 150
11 – الشر درجات
قال ابن تيمية:
ولا ريب أن الكفر والفسوق والعصيان درجات كما أن الإيمان والعمل الصالح درجات
فالمتخذ خدنا من الرجل والنساء أقل شرا من المسافح لأن الفساد في ذلك أقل والمستخفي بما يأتيه أقل إثما من المجاهر المستعلن كما في الحديث عن
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من ابتلي من هذه القاذورات بشيء فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله»
وقد قال: «من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة».
وفي الحديث: «إن الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت الجماعة».
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يبيت الرجل على الذنب وقد ستره الله فيصبح فيتحدث بذنبه ويقول يا فلان فعلت الليلة كيت وكيت» أو كما قال
فالإقلال والاستخفاء خير من هذه الوجوه ولكن قد يقترن بها ما يكون أعظم من بعض المسافحة والمجاهرة وهي المحبة والتعظيم التي توجب محبة ما يحبه الخدن وتعظيم ما يعظمه وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه والاستسرار بذلك والنفاق فيه فقد تكون في هذه الموالاة والمعاداة والنفاق من العدوان والضرر على المسلمين أعظم مما في المجاهرة والمسافحة ويكون ذلك بمنزلة الكافر المعلن كفره وهذا بمنزلة المنافق فأما إذا لم يكن عدوان على الناس وتضييع لحقوقهم لانتفاء المحبة أو لغير ذلك فالأول أخبث وأفحش وتفاوت الشرور في القدر والصفة كثير كما يتفاضل الخير أيضا في القدر والوصف والواجب استعمال الكتاب والسنة في جميع الأمور
قاعدة في المحبة 1/ 116