6758 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، والكربي
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وخميس العميمي وآخرين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم
20 – باب تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ
6758 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ، حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ” أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ “. قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ” ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ “. قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ ” إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ “.
==========
التمهيد: “حماية لعرض المسلم من الذم في غيبته، وسدا لباب البغض والتدابر والتحاقد، نهت الشريعة أن يذكر المسلم أخاه المسلم بشيء يكرهه وهو غائب عنه؛ يقول الله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه} [الحجرات 12] “. [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قوله:» أتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ «) بكسر الغين المعجمة، قيل: معناه: أتعلمون ما جواب هذا السؤال ، والأظهر أن يقال: أتدرون ما الغيبة التي ذكرها الله تعالى في قوله: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات (12)] قاله القاري [» المرقاة” (8) / (571)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: كأن هذا السؤال صدر عنه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن جرى ذِكر الغيبة، ولا يبعد أن يكون ذلك بعد نزول قوله تعالى: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، ففسّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الغِيبة المنهيّ عنها، ووَزْنها فِعْلةٌ، وهي مأخوذة من الغيبة، بفتح الغين مصدر غاب؛ لأنّها ذِكر الرجل في حال غَيبته بما يكرهه لو سمعه،
– (ذِكْرُكَ)؛ أي: بلفظ، أو كتابة، أو رمز، أو إشارة، أو محاكاة، (أخاكَ) في الدِّين في غَيْبته (بِما يَكْرَهُ)؛ أي: بالشيء الذي يكرهه أخوك لو بلغه في دِينه، أو دنياه، أو خَلْقه، أو خُلُقه، أو أهله، أو خادمه، أو ماله، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك، مما يتعلق به.
(فَقَدْ بَهَتَّهُ») بفتح الهاء المخففة، وتشديد التاء، على الخطاب؛ أي: قذفته بالباطل، وافتريت عليه، وهو أشدّ من الغيبة، يقال: بَهَتَه بَهْتًا،، والاسم: البُهتان، واسم الفاعل بَهُوتٌ، والجمع: بُهُتٌ،، والبَهْتَة مثلُ البهتان، أفاده الفيّوميّ رحمه الله [راجع: «المصباح المنير» (1) / (63)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: «فقد بهتّه» هو بتخفيف الهاء، وتشديد التاء؛ لإدغام تاء المخاطب في التاء التي هي لام الفعل، وكذلك رَوَيْتُه، ويجوز أن تكون مخففة على إسقاط تاء الخطاب، يقال: بَهَتَّه بَهَتًا، وبَهْتًا، وبُهتانًا؛ أي: قال عليه ما لم يَقُل، وهو بهّات، والمقول مبهوت، ويقال: بَهِت الرجل -بالكسر- إذا دُهش، وتحيّر، وبَهُت -بالضم- مثله، وأفصح منها: بُهِت، كما قال تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} [البقرة (258)]؛ لأنّه يقال: رجل مبهوت، ولا يقال: باهت، ولا بَهِيت، قاله الكسائيّ [«المفهم» (6) / (571)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير]
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في تعريف الغيبة:
قال في «الفتح»: قد اختُلِف في حدّ الغيبة، فقال الراغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير مُحْوِج إلى ذِكر ذلك.
قال النوويّ: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثيرٌ من الفقهاء في التصانيف، وغيرها؛ كقولهم: قال بعض من يَدَّعي العلم، أو بعض من يُنسب إلى الصلاح، أو نحو ذلك، مما يَفهَم السامعُ المراد به، ومنه قولهم عند ذِكره: الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة، ونحو ذلك، فكل ذلك من الغيبة.
والأرجح اختصاصها بالغَيبة؛ مراعاةً لاشتقاقها، وبذلك جزم أهل اللغة.
قال ابن التين: الغيبةُ: ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب، وكذا قيّده الزمخشريّ، وأبو نصر القشيريّ، في «التفسير» وابن خميس في جزء له مفرد في الغيبة، والمنذريّ، وغير واحد من العلماء، من آخرهم الكرمانيّ قال:
الغيبة أن تتكلم خلف الإنسان بما يكرهه لو سمعه، وكان صدقًا، قال: وحُكم الكناية، والإشارة مع النية كذلك، وكلام من أطلق منهم محمول على المقيّد في ذلك. انتهى [«الفتح» (13) / (606)].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قول من قال: إن الغيبة لا يُشترط فيها غَيبة الشخص هو الأظهر عندي؛ لظاهر حديث الباب، وأما تقوّل الحافظ خلافه بقول أهل اللغة، فليس مما ينبغي؛ لأن ظاهر النص لا يُعارَض إلا بمثله، أو بالإجماع، ولا يوجد هنا لا هذا، ولا هذا، فيترجّح القول بالإطلاق، فتأمل بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. [البحر المحيط الثجاج]
قلت سيف بن دوره: الرسول صلى الله عليه وسلم عربي ويخاطبهم بما يفهمون. فيرجع الكلام التالي في بيان الغيبة إلى ما تعارف عندهم. ولو كان يختلف لبينه النبي صلى الله عليه وسلم
فرع: الفرق بين الغِيبة وبعض الصِّفات
– الفرق بين الغِيبة والإِفك والبُهتان:
قال الحسن: (الغِيبة ثلاثة أوجه -كلها في كتاب الله تعالى-: الغيبة، والإفك، والبهتان. فأمَّا الغيبة، فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
وأما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان، فأن تقول فيه ما ليس فيه) [((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (16/ 335)].
وقال الجرجاني: (الغِيبة ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غِيبة.
والبهتان ذكر مساوئ الإنسان، وهي ليست فيه) [((التعريفات)) (ص 210)].
– الفرق بين الغِيبة والنَّمِيمَة والغمز واللمز:
(الغيبةُ: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض.
والنَّمِيمَة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه؛ لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها: أنَّ فلانًا يقصد قتلك في موضع كذا، أو يأخذ مالك في وقت كذا، ونحو ذلك؛ لأنَّه من النَّصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة.
والغمز: أن تعيب الإنسان بحضوره.
واللمز: بغيبته وقيل بالعكس) [((الذخيرة)) للقرافي (ص 241)]. [موسوعة الأخلاق]
(المسألة الثالثة): ذم الغِيبة والنهي عنها
أولًا: ذم الغِيبة والنهي عنها في القرآن الكريم:- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12].
قال الشوكاني: (فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مَثَل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا، فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين ! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميِّتًا ! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك) [((الفتح الرباني من فتاوى الشوكاني)) (11/ 5567 – 5568)].
– وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
قال مقاتل بن سليمان: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه) [((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 837)].
(وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم) [((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (8/ 481)].
– وقال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
– قال الرازي: (القفو هو البهت، وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه، وهو في معنى الغِيبة وهو ذكر الرجل في غَيبته بما يسوءه) [((مفاتيح الغيب)) (20/ 339)].
ثانيًا: ذم الغِيبة والنهي عنها في السُّنة النَّبَويَّة:- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتدرون ما الغيبة ….. )) رواه مسلم (2589).
وسبق شرحه
– وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثُمَّ قال: بلى، أمَّا أحدهما: فكان يسعى بالنَّمِيمَة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله، قال: ثُمَّ أخذ عودًا رطبًا، فكسره باثنتين، ثُمَّ غرز كل واحد منهما على قبر، ثُمَّ قال: لعله يُخفف عنهما مالم ييبسا .. )) [رواه البخاري (6052)، ومسلم (292)].
قال العيني: (الترجمة – يعني ترجمة البخاري لحديث الباب – مشتملة على شيئين: الغِيبة والنَّمِيمَة، ومطابقة الحديث للبول ظاهرة، وأما الغِيبة فليس لها ذكر في الحديث، ولكن يوجه بوجهين: أحدهما: أنَّ الغِيبة من لوازم النَّمِيمَة؛ لأنَّ الذي ينمُّ ينقل كلام الرَّجل الذي اغتابه، ويقال: الغِيبة والنَّمِيمَة أختان، ومن نمَّ عن أحد فقد اغتابه.
قيل: لا يلزم من الوعيد على النَّمِيمَة ثبوته على الغِيبة وحدها؛ لأنَّ مفسدة النَّمِيمَة أعظم وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق. قلنا: لا يلزم من اللحاق وجود المساواة، والوعيد على الغِيبة التي تضمنتها النَّمِيمَة موجود، فيصح الإلحاق لهذا الوجه.
الوجه الثاني: أنه وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغِيبة، وقد جرت عادة البخاري في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث) [((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (8/ 208)].
– وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفيَّة كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)). [رواه أبو داود (4875)، والترمذي (2502)، وأحمد (6/ 189) (25601) قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (118)، والشوكاني كما في ((الفتح الرباني)) (11/ 5593)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4875)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1615) وقال: على شرط الشيخين].
قال المناوي: (قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغِيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ) [((فيض القدير)) (2/ 411)].
(فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها) [((دليل الفالحين)) لابن علان (8/ 352)].
وقال ابن عثيمين: (معنى مزجته: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها، وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغِيبة) [((شرح رياض الصالحين)) (6/ 126)].
– وعن أبي بكرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر بمنى: ((إنَّ دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) [رواه البخاري (67)، ومسلم (1679)].
قال النووي: (المراد بذلك كله، بيان توكيد غلظ تحريم الأموال، والدماء، والأعراض، والتحذير من ذلك) [((شرح النووي على مسلم)) (11/ 169)].
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء في الغِيبة
– قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك) [((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/ 335 – 336)، بتصرف].
– وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على بغل ميِّت، فقال لبعض أصحابه: (لأنْ يأكل الرَّجل من هذا حتَّى يملأ بطنه، خيرٌ له من أنْ يأكل لحم رجل مسلم) [((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/ 329)] ..
– وعن يحيى بن الحصين عن طارق قال: (دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إنَّ ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي: عداوة وشر) [((عيون الأخبار)) للدينوري (2/ 16)، بتصرف].
– وقال محمد بن كعب القرظي: (إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد خيرًا زهده في الدنيا، وفقهه في الدِّين، وبصره عيوبه. قال: ثُمَّ التفت الفضيل إلينا، فقال: ربما قال الرَّجل: لا إله إلا الله؛ فأخشى عليه النار. قيل: وكيف ذاك ! قال: يغتاب بين يديه رجل، فيعجبه، فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها؛ إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه، ويقول له: اتق الله) [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (6/ 86)].
– وعن محمد بن سيرين أنه قال: (إنَّ أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكرًا لخطايا الناس) [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (6/ 86)].
– وعن الشَّعبي رحمه الله (أنَّ العَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: «يا بُنَيَّ، أرى أمِيرَ المُؤْمِنِينَ يُدْنِيكَ؛ فاحْفَظْ مِنِّي خِصالًا ثَلاثًا: لا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، ولا يَسْمَعَنَّ مِنكَ كَذِبًا، ولا تَغْتابَنَّ عِنْدَهُ أحَدًا») [((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (2/ 207)].
– وقال بعض الحكماء: (عاب رجلٌ رجلًا عند بعض أهل العلم فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس؛ لأنَّ الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها) [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (3/ 54)].
– وقال الأصمعي: (اغتاب رجلٌ رجلًا عند قتيبة بن مسلم، فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمَّظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام) [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (5/ 305)]. (تلمظ) إذا تتبع بلسانه بقية الطعام في فمه وأخرج لسانه فمسح به شفتيه. انظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص 285)
– وأتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام، قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًّا لما وعدته. فقال عمرو: (إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا؛ لأنَّه إن كان مستحقًّا كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًّا، فما زدت على أن أعلمتنا أنَّ لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا) [((المجالسة وجواهر العلم)) لأبي بكر الدينوري (3/ 56)].
– وقال أبو عاصم: (ما اغتبت أحدًا منذ علمت أن الغيبة تضرُّ بأهلها) [((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (ص 83)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (24/ 363)].
– وقال ابن الكواء للربيع بن خثيم: (ما نراك تعيب أحدًا ولا تذمه! فقال: ويلك يا بن الكواء، ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذنبي إِلى حديث الناس إن الناس، خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على نفوسهم) [((بغية الطلب فى تاريخ حلب)) لابن العديم (8/ 3584)].
– وقال ابن المبارك: (لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ لأنَّهما أحق بحسناتي) [((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 245)].
– وعن الحسن البصري أنَّ رجلًا قال له: إنك تغتابني، فقال: (ما بلغ قدرك عندي أن أُحكمك في حسناتي) [((الأذكار النووية)) (ص340)].
– وعن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1]. قال: (الذي يأكل لحوم النَّاس، واللُّمزة: الطَّعَّان) [((الزهد)) لوكيع بن الجراح (ص 212)].
– و (اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلًا: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها، فكيف أمحوها!
– وقد قيل للحسن: اغتابك فلان، فبعث إليه بطبق فيه رطب، وقال: أهديت إليَّ بعض حسناتك، فأحببت مكافأتك) [((فيض القدير)) للمناوي (3/ 166)].
– وقيل: (دُعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة، فحضر، فذكروا رجلًا لم يأتهم، فقالوا: إنَّه ثقيل. فقال إبراهيم: إنَّما فعل بي هذا نفسي، حيث حضرت موضعًا يُغتاب فيه الناس. فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام) [((الرسالة القشيرية)) لعبد الكريم القشيري (ص 194)]
(المسألة الرابعة) أقسام وأحكام الغيبة:
أولاً: في بيان حكم الغيبة: قال النوويّ رحمه الله: الغيبة من أقبح القبائح، وأكثرها انتشارًا في الناس، حتى لا يَسْلَم منها إلا القليل من الناس، وذِكرك أخاك بما يكرهه عامّ … وضابطه: أن كلَّ ما أفهمتَ به غيرك نقصان مسلم، فهو غيبة محرَّمة.
ومن ذلك المحاكاة، بأن يمشي متعارجًا، أو مطأطئًا، أو على غير ذلك من الهيئات، مريدًا حكاية هيئة من ينقصه بذلك. انتهى [«شرح النوويّ» (16) / (142)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: لا شك في أن الغيبة محرّمة، وكبيرة من الكبائر بالكتاب والسُّنَّة؛
فالكتاب قوله تعالى: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} الآية [الحجرات (12)]، وأما السُّنَّة فكثيرة مِن أنصّها: ما أخرجه أبو داود، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أكبر الكبائر استطالةَ المرء في عرض رجل مسلم بغير حقّ» [حديث ضعيف، رواه أبو داود برقم ((4877))]. وفي كتابه أيضًا من حديث أنس عنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لمّا عُرج بي مررت بقوم لهم أظفارُ نُحاس يَخْمِشون بها وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم» [حديث صحيح، رواه أبو داود برقم ((4878))]
قال في «الفتح»: وأما حُكمها فقال النوويّ في «الأذكار»: الغيبة والنميمة محرّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، وذكر في «الروضة» تبعًا للرافعيّ أنها من الصغائر، وتعقّبه جماعة، ونَقَل أبو عبد الله القرطبيّ في «تفسيره» الإجماع على أنها من الكبائر؛ لأن حدّ الكبيرة صادق عليها؛ لأنها مما ثبت الوعيد الشديد فيه، وقال الأذرعيّ: لم أر من صَرَّح بأنها من الصغائر إلا صاحب «العدة»، والغزاليّ، وصرّح بعضهم بأنها من الكبائر،
وإذا لم يثبت الإجماع فلا أقلّ من التفصيل، فمن اغتاب وليًّا لله، أو عالمًا ليس كمن اغتاب مجهول الحالة مثلًا، وقد قالوا: ضابطُها ذِكر الشخص بما يكره، وهذا يختلف باختلاف ما يقال فيه، وقد يشتدّ تأذّيه بذلك، وأذى المسلم محرّم.
وذَكر النوويّ من الأحاديث الدالة على تحريم الغيبة، حديث أبي هريرة، رفعه: «من أكل لحم أخيه في الدنيا، قُزب له يوم القيامة، فيقال له: كله ميتًا كما أكلته حيًّا، فيأكله، ويكْلَح [أي: يتكشر في عُبُوس]، ويصيح»، سنده حسن.
وفي «الأدب المفرد» عن ابن مسعود، قال: ما التقم أحد لقمة شرًّا من اغتياب مؤمن، الحديث.
وفيه أيضًا، وصححه ابن حبان، من حديث أبي هريرة، في قصة ماعز، ورَجْمه في الزنا، وأن رجلًا قال لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يَدَع نفسه حتى رُجم رجم الكلب، فقال لهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «كُلا من جيفة هذا الحمار -لحمار ميت- فما نِلتما من عِرض هذا الرجل أشدّ من أكْل هذه
الجيفة».
وأخرج أحمد، والبخاريّ في «الأدب المفرد» بسند حسن، عن جابر قال: كنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فهاجت ريح منتنة، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين».
وهذا الوعيد في هذه الأحاديث يدلّ على أن الغيبة من الكبائر، لكن تقييده في بعضها بغير حقّ قد يُخرج الغيبة بحقّ لِما تقرر أنها ذِكر المرء بما فيه، ذكره في «الفتح» [«الفتح» (13) / (607) – (608)].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر من الأدلّة أن القول الراجح أن الغيبة من كبائر الذنوب؛ لوضوح الأدلّة على ذلك، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط].قال ابن كثير: (والغِيبةُ محرَّمةٌ بالإجماع، ولا يُستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة) [((تفسير القرآن العظيم)) (7/ 380)].
واعتبر ابن حجر الهيتمي الغِيبة من الكبائر، حيث قال: (الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة، أنَّها كبيرة، لكنها تختلف عظمًا، وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النفس، بقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) [رواه مسلم (2564)]، والغصب والقتل كبيرتان إجماعًا، فكذا ثلم العرض) [((الزواجر)) (2/ 555)].
قال ابن القيم -وهو يتحدث عن الغِيبة-: (وإذا وقعت على وجه ذم أخيك، وتمزيق عرضه، والتفكه بلحمه، والغض منه، لتضع منزلته من قلوب الناس، فهي الداء العضال، ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب) [((الروح)) (ص 240)].
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز: “الغيبة والنميمة كبيرتان من كبائر الذنوب، فالواجب الحذر من ذلك، يقول الله سبحانه: وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا سورة الحجرات (12)، … [الموقع الرسمي لفضيلته، نور على الدرب، حكم الغيبة والنميمة]. [وانظر: رياض الصالحين، كتاب الأمور المنهي عنها 254 – باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان].
ثانيًا: في بيان حُكم سماع الغِيبةإن سماع الغِيبة والاستماع إليها لا يجوز، فقائل الغِيبة وسامعها في الإثم سواء.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة إجابة عن سؤال حكم سماع الغيبة: ((سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها)) [((فتاوى اللجنة الدائمة)) (26/ 18)].
و (قال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان: رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل، وهو يقع في آخر، فقال: لي: ويلك – ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها – نزِّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به؛ فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شرِّ ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها، كما شقي بها قائلها) [((ذم الغيبة والنَّمِيمَة)) لابن أبي الدنيا (ص 163)].
وكان ميمون بن سياه لا يغتاب، ولا يدع أحدًا يغتاب، ينهاه فإن انتهى، وإلا قام [((ذم الغيبة والنَّمِيمَة)) لابن أبي الدنيا (ص 164)].
قال الشاعر: فالسامع الذم شريك له ومطعم المأكول كالآكل [((الحيوان)) للجاحظ (1/ 16)]
وقال آخر: وسمعك صُنْ عن سماع القبيح كصون اللسان عن القول به فإنَّك عند استماع القبيح شريك لقائله فانتبه [((روضة العقلاء)) لابن حبان البستي (1/ 170)]
[وانظر: رياض الصالحين، 255 – باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه]
ثالثًا: فضل الدفاع عن عرض الآخرين
– عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ذبَّ عن عرض أخيه بالغِيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النَّار)). [رواه أحمد (6/ 461) (27650)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/ 176)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/ 67). وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 333)، والهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 95)، وصححه الألباني في ((غاية المرام)) (431)].
– وعن القاسم بن عبد الرحمن الشامي، قال: (سمعت ابن أم عبد، يقول: من اغتيب عنده مؤمن فنصره، جزاه الله بها خيرًا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرًّا، وما التقم أحد لقمة شرًا من اغتياب مؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته). [((الأدب المفرد)) للبخاري (320 – 321)].
رابًعا: في ذكر أقسام الغيبة وما يُستثنى منه: قال القرطبيّ رحمه الله: إذا تقررت حقيقة الغيبة، وأن أصلها على التحريم، فاعلم أنها قد تَخرج عن ذلك الأصل صُوَر، فتجوز الغيبة في بعضها، وتجب في بعضها، ويُندب إليها في بعضها:
فالأُولى: كغيبة المُعْلِن بالفسق، المعروف به، فيجوز ذكره بفسقه، لا بغيره، مما يكون مشهورًا به؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «بئس أخو العشيرة» كما يأتي، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا غيبة لفاسق» [حديث مُنكَر، بل قال بعضهم: باطل]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: («لَيُّ الواجد يُحِلّ عرضه، وعقوبته» [حديث صحيح].
والثاني: جرحُ شاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته، وجرح المحدِّث الذي يُخاف أن يُعمل بحديثه، أو يُروى عنه، وهذه أمور ضرورية في الدين معمول بها، مجمَع من السلف الصالح عليها، ونحو ذلك ذِكر عيب من استُنصِحتَ في مصاهرته، أو معاملته، فهذا يجب عليك الإعلام بما تعلم من هَناته عند الحاجة إلى ذلك على جهة الإخبار، كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «أما معاوية فصُعلوك، لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» [رواه مسلم].
وحيث حكمنا بوجوب النصّ على الغيبة، فإنما ذلك إذا لم نجد بُدًّا من التصريح والتنصيص، فأمّا لو أغنى التعريض، والتلويح، لَحَرُم التنصيص، والتصريح، فإنّ ذلك أمرٌ ضروريّ، والضرورة تُقدَّر بقدر الحاجة، والله تعالى أعلم. انتهى [«المفهم» (6) / (570) – (571)].
وقال النوويّ رحمه الله: تباح الغيبة لغرض شرعيّ، وذلك لستة أسباب: أحدها: التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان، والقاضي، وغيرهما، ممن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان، أو فعل بي كذا.
الثاني: الاستغاثة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك.
الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان، أو أبي، أو أخي، أو زوجي بكذا، فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه، ودَفْع ظلمه عني، ونحو ذلك، فهذا جائز؛ للحاجة، والأجود أن يقول فيه: رجل، أو زوج، أو والد، أو ولد، كان من أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز؛ لحديث هند، وقولها: إن أبا سفيان رجلٌ شحيحٌ.
الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ، وذلك من وجوه:
منها: جرح المجروحين من الرواة، والشهود، والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع، بل واجب؛ صونًا للشريعة.
ومنها: الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته.
ومنها: اذا رأيت من يشتري شيئًا مَعِيبًا، أو عبدًا سارقًا، أو زانيًا، أو شاربًا، أو نحو ذلك، تَذْكُره للمشتري، اذا لم يعلمه؛ نصيحةً، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
ومنها: إذا رأيت متفقهًا يتردد إلى فاسق، أو مبتدع، يأخذ عنه علمًا، وخِفْت عليه ضرره، فعليك نصيحته ببيان حاله؛ قاصدًا النصيحة.
ومنها: أن يكون له ولايةٌ لا يقوم بها على وجهها؛ لعدم أهليته، أو لِفِسقه، فيذكره لمن له عليه ولاية؛ ليستدلّ به على حاله، فلا يغتر به، ويُلزم الاستقامة.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه، أو بدعته؛ كالخمر، وجباية المكوس، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذِكره بما يُجاهر به، ولا يجوز بغيره، إلا بسبب آخر.
السادس: التعريف، فإذا كان معروفًا بلقب؛ كالأعمش، والأعرج، والأزرق، والقصير، والأعمى، والأقطع، ونحوها، جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقّصًا، ولو أمكن التعريف بغيره، كان أولى، والله أعلم. انتهى [شرح النوويّ» (16) / (142) – (143)]. [وانظر: رياض الصالحين، 256 – باب ما يباح من الغيبة].
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قد نظمت هذه المواضع، فقلت:
يا طالِبًا فائِدَةً جَلِيلَهْ … اعْلَمْ هَداكَ اللهُ لِلْفَضِيلَهْ
أنَّ اغْتِيابَ الشَّخْصِ حَيًّا أوْ لا … مُحَرَّمٌ قَطْعًا بِنَصٍّ يُتْلى
لَكِنَهُ لِغَرَضٍ صَحِيحِ … أُبِيحَ عَدَّها أُلُو التَّرْجِيحِ
فَذَكَرُوها سِتَّةً تَظَلَّمِ … واسْتَفْتِ واسْتَعِنْ لِرَدْعِ مُجْرِمِ
وعِبْ مُجاهِرًا بِفِسْقٍ أوْ بِدَعْ … بِما بِهِ جاهَرَ لا بِما امْتَنَعْ
وعَرِّفَنْ بِلَقَبٍ مَن عُرِفا … بِهِ كَقَوْلِكَ رَأيْتُ الأحْنَفا [«الأحنف»؛ هو: الأعرج، أو الذي يمشي على ظهر قدميه].
وحَذِّرَنْ مِن شَرِّ ذِي الشَّرِّ إذا … تَخافُ أنْ يُلْحِقَ بِالنّاسِ الأذى
وفِي سِوى هَذا احْذَرَنْ لا تَغْتَبِ … تَكُنْ مُوَفَّقًا لِنَيْلِ الأرَب [البحر المحيط].
قال ابن الأمير الصنعاني: الذم ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن طلب الإعانة في إزالة منكر [((سبل السلام)) لابن الأمير الصنعاني (4/ 194)].
فإذا وقعت الغِيبة على وجه النصيحة لله، ورسوله، وعباده المسلمين، فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات [((الروح)) لابن القيم (ص 240)]. [موسوعة الأخلاق]
خامسًا: أمورٌ ينبغي مراعاتها عند الغِيبة المباحةإن للغيبة المباحة -التي أباحها الشارع للضرورة- ضوابط ينبغي مراعاتها، ومن هذه الضوابط:
(1 – الإخلاص لله تعالى في النية، فلا تقل ما أبيح لك من الغِيبة تشفِّيًا لغيظ، أو نيلًا من أخيك، أو تنقيصًا منه.
2 – عدم تعيين الشخص ما أمكنك ذلك.
3 – أن تذكر أخاك بما فيه، بما يباح لك، ولا تفتح لنفسك باب الغِيبة على مصراعيه، فتذكر ما تشتهي نفسك من عيوبه.
4 – التأكد من عدم وقوع مفسدة أكبر من هذه الفائدة) [((حصائد الألسن)) (89 – 90)].
سادسًا: صور الغِيبة
الغِيبة تكون في جميع الصفات الخُلُقِيَّة والخِلْقِيَّة، وفي جميع أمور الدنيا والدين. (حدُّ الغِيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه .. حتى في ثوبه، وداره، ودابته.
وقال قوم: لا غيبة في الدِّين؛ لأنَّه ذم ما ذمه الله تعالى، فذكره بالمعاصي، وذمه بها يجوز، بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: ((هي في النار)) [رواه أحمد (2/ 440) (9673)، وابن حبان (13/ 76)، والحاكم (4/ 183) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصحح إسناده الحاكم، وصححه الذهبي. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 172): رجاله ثقات] [((آفات اللسان)) لأبي حامد الغزالي (156 – 157)].
فرع:
من صور الغِيبة التي يغفل عنها كثير من الناس
1 – الإصغاء للغيبة من باب التعجب من فعل الذي اغتيب.
2 – ذكر حال الذي اغتيب، وإظهار التألم والاستياء لحاله، والدعاء له أمام الآخرين.
3 – أن يقول المستمع للمغتاب اسكت، لكن المستمع لم ينكر ذلك في قلبه، وإنما هو مشتهٍ بذلك، فهذا قد وقع في الغِيبة ما لم يكرهه بقلبه.
4 – أن يذكر الإنسان شخص ما ويمدحه، ويذكر اهتمامه والتزامه بالدين، ثم يقول: لكنه ابتلي بما ابتلينا به كلنا من تقصير وفتور في بعض العبادات، وهو بهذا يستنقص من قدر الذي اغتيب، وبذلك وقع في الغِيبة.
5 – أن يتكلم الإنسان بألفاظ أو أسلوب يحاكي فيه الآخرين، بقصد غيبتهم.
6 – التشبه بالآخرين في مشيتهم بغرض السخرية منهم، كأن يمشي متعرجًا، أو يغمض أحد عينيه محاكاةً للأعور، وغيرها من الحركات التي توحي بالسخرية.
7 – أن (يغتاب الرجل أخاه، وإذا أنكر عليه، قال: أنا على استعداد للقول أمامه، ويرد على هذا بردود منها:
أ- أنَّك ذكرته من خلفه بما يكره بما فيه، وهذه هي الغِيبة.
ب- استعدادك للحديث أمامه، أمر آخر مستقل، لم يرد فيه دليل على أنه يسوغ لك أن تذكر أخاك من خلفه بما يكره.
8 – قول القائل في جماعة من الناس عند ذكر شخص ما: نعوذ بالله من قلة الحياء. أو نعوذ بالله من الضلال. أو نحو هذا، فإنه يجمع بين ذم المذكور ومدح النفس.
9 – قول القائل: فعل كذا بعض الناس، أو بعض الفقهاء، أو نحو ذلك، إذا كان المخاطب يفهمه بعينه، لحصول التفهيم.
10 – قول الشخص: فعل كذا الأفندي. أو: جناب السيد. ونحو ذلك، إن كان يقصد التنقيص منه.
11 – قولهم: هذا صغير تجوز غيبته. وأين الدليل على تجويز هذه الغِيبة، طالما وردت النصوص مطلقة !
12 – التساهل في غيبة العاصي؛ لأنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((الغِيبة ذكرك أخاك بما يكره))، يشمل المسلم الطائع، والعاصي.
13 – قولك: هذا هندي، أو مصري، أو فلسطيني، أو أردني، أو عجمي، أو عربي، أو بدوي، أو قروي، أو إسكاف، أو نجار، أو حداد، إن كان ذلك تحقيرًا أو انتقاصًا) [((حصائد الألسن)) (90 – 91) -بتصرف يسير-]. [موسوعة الأخلاق]
قال ابن تيمية
ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى.
• تارة في قالب ديانة وصلاح فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدا إلا بخير ولا أحب الغيبة ولا الكذب؛ وإنما أخبركم بأحواله. ويقول: والله إنه مسكين أو رجل جيد؛ ولكن فيه كيت وكيت. وربما يقول: دعونا منه الله يغفر لنا وله؛ وإنما قصده استنقاصه وهضم لجانبه. ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقا؛ وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه.
- ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان؛ لما بلغني عنه كيت وكيت ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده. أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم؛ وقصده مدح نفسه وإثبات معرفته وأنه أفضل منه.
•ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد. وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح أو في قالب حسد وفجور وقدح ليسقط ذلك عنه.
•ومنهم من يخرج الغيبة في قالب تمسخر ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزأ به.
•ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجب فيقول تعجبت من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت وكيف فعل كيت وكيت فيخرج اسمه في معرض تعجبه.
•ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول مسكين فلان غمني ما جرى له وما تم له فيظن من يسمعه أنه يغتم له ويتأسف وقلبه منطو على التشفي به ولو قدر لزاد على ما به وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به. وهذا وغيره من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقه.
•ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر. والله المستعان.
” المجموع” ((28) / (237) – (238))
سابعًا: أسباب الوقوع في الغِيبة توجد بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في براثن الغِيبة ومساوئها، ومن تلك الأسباب:
1 – كراهيته الباطنة لمن يغتاب، مع عدم رغبته بإظهار كراهيته؛ لئلا تتحول إلى عداوة ظاهرة.2 – المنافسة التي ولَّدت حسدًا، والحسود لا يحب أن يعرف عنه الحسد.
3 – الرغبة بأن يبرر المغتاب في نظر الناس ما عرفوه عنه من معايب وقبائح، فإذا ذكر أمامهم من يحترمونه بأن له من العيوب والقبائح مثل عيوبه وقبائحه، خف إنكارهم عليه.
4 – تشفي الغيظ، بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يهيجُ غيظه، فكلَّما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.
5 – موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم على الغِيبة، فإنه يخشى إن أنكر عليهم أن يستثقلوه.
6 – إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك.
7 – اللعب والهزل، فيذكر غيره بما يضحك له على سبيل المحاكاة.
8 – كثرة الفراغ، والشعور بالملل والسأم، فيشتغل بالناس وأعراضهم وعيوبهم.
9 – التقرب لدى أصحاب الأعمال، والمسئولين عن طريق ذم العاملين معه، ليرتقي لمنصب أفضل، أو ليقال عنه مواظب.
10 – الظهور بمظهر الغَضَب لله على من يرتكب المنكر، فيظهر غضبه ويذكر اسمه، مثل أن يقول: فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا، ويقع في عرضه بالغِيبة.
11 – إظهار الرحمة والتَّصنُّع بمواساة الآخرين، كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي.
12 – ضعف التربية الإيمانية، وعدم التنبه لعظمة من تعصي.
13 – جهل المغتاب بحكم الغِيبة، وعواقبها الوخيمة والسيئة، التي تورث غضب الله وسخطه.
14 – تنشئة الفرد تنشئة سيئة بعيدة عن الأخلاق والتعاليم الإسلامية.
15 – صحبة الأشرار، الذين هم بعيدون عن الآداب الإسلامية السليمة فالمرء على دين خليله.
16 – حضور المجالس والتجمعات التي تخلو من ذكر الله، ويكثر فيها الغِيبة والنَّمِيمَة.
17 – الطمع وحب الدنيا والحرص عليها. [انظر: موسوعة الأخلاق].
ثامنًا: التوبة من الغِيبة:
الغِيبة مُحرَّمة بإجماع العلماء، وهي من الكبائر، وتنازع العلماء في كفّارة المغتاب، ولكنهم اتفقوا جميعًا على توبته كخطوة أولى.
والتوبة شروطها ثلاثة:
(1) – الإقلاع عن المعصية.
(2) – أن يندم على فعلها.
(3) – العزم على ألاَّ يعود.
والتوبة من الغيبة تزيد شرطًا رابعًا؛ لأنّ المغتاب جنى جنايتين:
الأولى- على حقِّ الله تعالى، إذا فعل ما نهاه عنه، فكفّارته التوبة والندم.
الثاني- على محارم المخلوق.
فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه واستحلَّه، وأظهر له الندم على فعله.
وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له، لئلاَّ يُخبِره بما لا يعلمه فيُوغر صدره. [الغيبة ص (21)].
وقال ابن القيم: (والصَّحيح أنَّه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار، وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغِيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر؛ فإنَّ الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها، وإن شاء تصدَّق بها، وأما في الغِيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع … فإنَّه يوغر صدره، ويؤذيه، إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله، فإن الشارع الحكيم … لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه، ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها) [((الوابل الصيب)) (219)].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه “. رواه البخاري (2317).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومَن ظلم إنساناً فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبِل الله توبته، لكن إن عرف المظلومُ مكَّنه من أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد: أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك، وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته؛ كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته. [مجموع الفتاوى (3/ 291)].
تاسعًا: الوسائل المعينة على ترك الغِيبة (إنَّ الغِيبة مرض خطير، وداء فتَّاك، ومعول هدَّام، وسلوك يفرِّق بين الأحباب، وبهتان يغطِّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورًا بين المجتمع المسلم، وتقلِّب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلَّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنَّه تعرَّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله، وإعطاء حسناته من يغتابه، أو يحمل عنه أوزاره، وأنَّه يتعرَّض لهجوم من يغتابه في الدُّنيا، وقد يسلِّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفِّق للعلاج) ((نضرة النعيم)) (11/ 5164).
ومن الوسائل المعينة على ترك الغِيبة والبعد عنها ما يلي:
1 – التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
2 – زيادة الإيمان، وتقويته بالعلم النافع، والعمل الصالح.
3 – أن ينشغل الإنسان بالبحث عن عيوبه، ويكف عن عيوب الآخرين وتتبعها.
4 – اختيار الصحبة الصالحة التي تقربك من الله وتبعدك عن المعاصي والابتعاد عن رفاق السوء.
5 – تربية الفرد تربية إسلامية سليمة قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
6 – استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد ويقوي إيمانه، ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى، من طاعات، وعبادات، وعلم، وتعلم.
7 – قناعة الإنسان بما رزقه الله، وشكره على هذه النعم، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
8 – أن يضع الإنسان نفسه مكان الشخص الذي اغتيب، ليجد أنَّه لن يرضى هذا لنفسه.
9 – كظم الغيظ والصبر على الغَضَب؛ كي لا يكونا دافعًا للغيبة.
10 – الابتعاد عن كل ما يؤدي به إلى الغِيبة.
(المسألة: الخامسة): آثار الغيبة
أولاً: آثار الغِيبة على الفرد والمجتمع
إن للغيبة أضرار كثيرة في الدنيا والآخرة، وهذه الأضرار لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فلا بد من التنبيه عليها، والاطلاع على تبعاتها؛ كي نتجنبها ولا نقع فيها، ونحذر ارتكابها.
أضرارها على الفرد:
1 – الغِيبة تزيد في رصيد السيئات، وتنقص من رصيد الحسنات: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)).
(وهذا يدل على ما يلحق المغتاب من الإثم بسبب افتياته على خلق الله تعالى الذي حرم الغِيبة، وفي نفس الوقت افتات على حق الإنسان الذي اغتابه) [((إبراء الذمة من حقوق العباد)) لنوح علي سليمان (604)].
2 – صاحب الغِيبة مفلس يوم القيامة: عن أبى هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) [رواه مسلم (2581)].
4 – الغِيبة تسبب هجر صاحبها: قال ابن باز: (الواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين، عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) [رواه مسلم (49) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]. فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) [((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) لابن باز (ص 402)].
5 – الغِيبة تجرح الصوم: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة، في أن يدع طعامه وشرابه)) [رواه البخاري (1903) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم)) [رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151)].
6 – يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته: فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) [رواه أبو داود (4880)، وأحمد (4/ 420) (19791)، وأبو يعلى (13/ 419) (7423)، والبيهقي (10/ 247) (20953). والحديث سكت عنه أبو داود، وجوَّد إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 175)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 96): رجاله ثقات، وقال الألباني في ((4880)): حسن صحيح].
7 – عقوبة المغتاب النار.
8 – لا يغفر لصاحب الغِيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة.
9 – الغِيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية، بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته.
10 – الغِيبة تظهر عيوب الفرد المستورة، في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه.
11 – الغِيبة تدل على دناءة صاحبها، وجبنه، وخسَّته.
ثانيًا: أضرار الغيبة على المجتمع:1 – كشف عورات الآخرين، ونشر عيوبهم والاستهانة بها.
2 – الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله.
3 – نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع.
4 – إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات.
(المسألة: السادسة): موقف المسلم تجاه المغتاب
سبق أن مر بعض الأحكام المتعلقة بموقف المسلم عند سماعه.
وفي حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه – وهو ممَّن شهد بدرًا-، قال: ((كنت أصلِّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشقُّ عليَّ اجتيازه قبل مسجدهم، ….. فذكر طلبه من النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي في بيته. … فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبُّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله ، فقال: الله ورسوله أعلم. أمَّا نحن فو الله ما نرى ودَّه ولا حديثه إلَّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار من قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله)) [رواه البخاري (425)، ومسلم (33)].
وأخيرا:
يقول ابنُ القيم – رحمه الله -: “ومن العجب أنَّ الإنسانَ يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزِّنا، والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتَّى ترى الرجل يُشار إليه بالدِّين والزُّهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً، يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجلٍ مُتورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول”. اهـ.