6701 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم،
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
كتاب البر والصلة والآداب،
9 – باب تَحْرِيمِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ وَالتَّنَافُسِ وَالتَّنَاجُشِ وَنَحْوِهَا
6701 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)).
6702 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، – يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ – عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ تَهَجَّرُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا “.
6703 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)).
6704 – حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ، قَالاَ حَدَّثَنَا وَهْبُ، بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ: ((لاَ تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ)).
6705 – وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَنَافَسُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)).
==========
تمهيد:
هدي نبوي كريم، وتشريع سماوي حكيم، يحذرنا من ظن السوء ومن الاتهام بغير تحقق وبغير دليل «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» وينهانا عن أن نتبع خاطر السوء أو نحاول أن نتحقق الظن السيئ بأية حاسة من حواسنا، «ولا تحسسوا ولا تجسسوا»، ويرشدنا إلى الابتعاد عن كل ما يحدث الشقاق والضغائن لا ترفعوا ثمن السلعة لإيقاع الغير من غير رغبة لكم في شرائها، ولا تتمنوا زوال نعمة إخوانكم؛ فإن تمنيكم لن يزيلها، ولن يثمر هذا الحسد إلا تآكلا في قلب الحاسد وإلا أسى في نفسه وكمدا، وابتعدوا عن أسباب التباغض وعن أسباب التقاطع، وتمسكوا بأواصر المحبة وتآلف القلوب؛ فإنكم جميعا عباد الله، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها بالإسلام، وكنتم أعداء فأصبحتم بنعمة الإيمان إخوانا، فلا ترتدوا بعد هذا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، واتقوا الله إن الله تواب رحيم. [المنهل الحديث في شرح الحديث].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته: بعد ما انتهى المصنف رحمه الله في سرد الأحاديث الواردة فيما يتعلق فيما يجب على المسلم نحو أخيه المسلم، وما يجب أن يجتنب، كما بدأ بـ (ـباب النَّهْىِ عَنِ التَّحَاسُدِ، وَالتَّبَاغُضِ، وَالتَّدَابُرِ)، ثم (باب تَحْرِيمِ الْهَجْرِ فَوْقَ ثَلاَثٍ بِلاَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ)، ثم أتى بالأحاديث الواردة فيما يتعلق (باب تَحْرِيمِ الظَّنِّ وَالتَّجَسُّسِ وَالتَّنَافُسِ وَالتَّنَاجُشِ وَنَحْوِهَا).
قال النووي رحمه الله: ((9)) – (بابُ تَحْرِيمِ الظَّنِّ، والتَّجَسُّسِ، والتَّنافُسِ،
والتَّناجُشِ، ونَحْوِها) وقال القرطبي في المفهم: ” باب النهي عن التجسس، والتنافس، والظن السيئ، وما يحرم على المسلم من المسلم”.
قوله َ: «إيّاكُمْ والظَّنَّ)؛ أي: باعدوا أنفسكم عن ظنّ السوء، فـ» إياكم «منصوب على التحذير،
قال القرطبيّ رحمه الله: الظن هنا هو التهمة، ومحلّ التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتّهم شخصًا بالفاحشة، أو بشرب الخمر، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك، ودليل كون الظنّ هنا بمعنى التهمة؛ قوله بعد هذا:» ولا تجسّسوا، ولا تحسّسوا «، وذلك أنّه قد يقع له خاطر التهمة ابتداءً، فيريد أن يتجسّس خبر ذلك، ويبحث عنه، ويتبصّر، ويتسمّع؛ ليحقق ما وقع له من تلك التهمة، فنهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، قال الله تعالى: {وظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا}
[الفتح (12)]، قال قتادة: وذلك أن المنافقين تطيّروا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأصحابه حين انصرفوا إلى الحديبية، فقالوا: إن محمّدًا وأصحابه أكلة رأس، ولن يرجعوا إليكم أبدًا، فذلك ظنّهم السيّئ الذي وبّخهم الله تعالى عليه، وهو من نوع ما نَهى الشرع عنه، إلا أنّه أقبح النوع.
فأما الظن الشرعيّ الذي هو تغليب أحد المجوّزين، أو بمعنى اليقين، فغير مراد من الحديث، ولا من الآية يقينًا، فلا يُلتفت لمن استدلّ بذلك على إنكار الظنّ الشرعيّ، كما قرّرناه في الأصول. انتهى [» المفهم «(6) / (534) – (535)]
وقال النوويّ: المراد: النهي عن ظن السوء، قال الخطابيّ: هو تحقيق الظنّ، وتصديقه دون ما يهجس في النفس، فإن ذلك لا يُمْلَك، ومراد الخطابيّ أن المحرَّم من الظنّ ما يستمرّ صاحبه عليه، ويستقرّ في قلبه، دون ما يَعْرِض في القلب، ولا يستقرّ، فإن هذا لا يكلَّف به كما سبق في حديث:» تجاوز الله تعالى عما تحدثت به الأمة، ما لم تتكلم، أو تعمل «، وسبق تأويله على الخواطر التي لا تستقرّ، ونقل القاضي عن سفيان أنه قال: الظن الذي يأثم به هو ما ظنَّه، وتكلَّم به، فإن لم يتكلم لم يأثم، قال: وقال بعضهم: يَحْتَمِل أن المراد: الحكم في الشرع بظنٍّ مجرَّد من غير بناء على أصل، ولا نَظَرٍ واستدلال، وهذا ضعيف، أو باطل، والصواب الأول. انتهى. [» شرح النوويّ «(16) / (118) – (119)]
وقال في» الفتح «: قال الخطابيّ [» الأعلام” (3) / (1974) و (2189)] وغيره: ليس المراد ترك العمل بالظنّ الذي تُناط به الأحكام غالبًا، بل المراد: ترك تحقيق الظنّ الذي يضرّ بالمظنون به، وكذا ما يقع في القلب بغير دليل، وذلك أن أوائل الظنون إنما هي خواطر، لا يمكن دَفْعها، وما لا يُقْدَر عليه لا يكلَّف به، ويؤيده حديث: «تجاوز الله للأمة عما حدّثت به أنفسها»، وقد تقدّم شرحه.
وقال القرطبيّ: وهذا الحديث يوافق قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ ولا تَجَسَّسُوا ولا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات (12)]، فدل سياق الآية على الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة؛ لِتقدُّم النهي عن الخوض فيه بالظن، فإن قال الظانّ: أبحث لأتحقق، قيل له: ولا تجسسوا، فإن قال: تحققت من غير تجسس، قيل له: ولا يغتب بعضكم بعضًا. انتهى [«الفتح» (13) / (625) – (626)، كتاب «الأدب» رقم ((6064))]
(فَإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ) قد استُشكِل تسمية الظنّ حديثًا، وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع، سواء كان قولًا أو فعلًا، ويحْتَمِل أن يكون المراد: ما ينشأ عن الظنّ، فوصف الظنّ به مجازًا. (ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا) قال النوويّ: الأول بالحاء، والثاني بالجيم، قال بعض العلماء: التحسس بالحاء: الاستماع لحديث القوم، وبالجيم: البحث عن العورات، وقيل: بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرّ، والجاسوس صاحب سرّ الشرّ، والناموس صاحب سرّ الخير، وقيل: بالجيم أن تَطلبه لغيرك، وبالحاء أن تطلبه لنفسك، قاله ثعلب، وقيل: هما بمعنًى، وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة، والأحوال. انتهى [«شرح النوويّ» (16) / (119)]
وقال في «الفتح»: قوله: «ولا تحسسوا، ولا تجسسوا» إحدى الكلمتين بالجيم، والأخرى بالحاء المهملة، وفي كل منهما حذف إحدى التاءين تخفيفًا، وكذا في بقية المناهي التي في حديث الباب، والأصل: تتحسسوا، قال الخطابيّ: معناه: لا تبحثوا عن عيوب الناس، ولا تتبعوها، قال الله تعالى حاكيًا عن يعقوب عليه السلام: {يابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأخِيهِ} الآية [يوسف: (87)]، وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسّة، إحدى الحواسّ الخمس، وبالجيم من الجسّ، بمعنى: اختبار الشيء باليد، وهي إحدى الحواسّ، فتكون التي بالحاء أعمّ، وقال إبراهيم الحربيّ: هما بمعنى واحد، وقال ابن الأنباريّ: ذُكِر الثاني للتأكيد، كقولهم: بُعْدًا، وسحقًا، وقيل: بالجيم البحث عن عوراتهم، وبالحاء استماع حديث القوم، وهذا رواه الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير، أحد صغار التابعين، وقيل: بالجيم البحث عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرّ، وبالحاء البحث عما يُدرك بحاسة العين والأذن، ورجح هذا القرطبيّ، وقيل: بالجيم تتبّع الشخص لأجل غيره، وبالحاء تتبّعه لنفسه، وهذا اختيار ثعلب.
ويُستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعيَّن طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلًا، كأن يخبر ثقةٌ بأن فلانًا خلا بشخص ليقتله ظلمًا، أو بامرأة ليزني بها، فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك؛ حَذَرًا من فوات استدراكه، نَقَله النوويّ عن «الأحكام السلطانية» للماورديّ، واستجاده، وأن كلامه ليس للمحتسِب أن يبحث عما لم يظهر من المحرّمات، ولو غلب على الظنّ استسرار أهلَها بها، إلا هذه الصورة. انتهى [«الفتح» (13) / (625) – (626)]
(ولا تَنافَسُوا)؛ أي: لا تتبارَوْا في الحرص على الدنيا، وأسبابها، وأما التنافس في الخير فمأمور به، كما قال تعالى {وفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ} [المطففين (26)]؛ أي: في الجنة وثوابها، وكأنّ المنافسة هي الغبطة، وقد أبعد من فسّرها بالحسد، لا سيما في هذا الحديث، فإنه قد قَرَن بينها وبين الحسد في مساق واحد، فدلّ على أنهما أمران متغايران. انتهى. [«المفهم» (6) / (535)]
وقال النوويّ: المنافسة، والتنافس معناهما الرغبة في الشيء، وفي الانفراد به، ونافسته منافسةً: إذا رَغْبتَ فيما رَغِب فيه، قيل: معنى الحديث: التباري في الرغبة في الدنيا، وأسبابها، وحظوظها. انتهى. [«شرح النوويّ» (16) / (119)]
(ولا تَحاسَدُوا) قد تقدّم أن الحسد تمنّي زوال النعمة عن مستحقّ لها إلى آخِر ما سبق. (ولا تَباغَضُوا)؛ أي: لا تتعاطوا أسباب البغض، (ولا تَدابَرُوا)؛ أي: لا تفعلوا فِعل المتباغضَين اللذين يُدبر كلّ واحد منهما عن الآخر؛ أي: يولّيه دُبُره فِعْل المُعْرِض، (وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا») أي: كونوا كإخوان النَّسب في الشفقة والرحمة، والمودّة، والمواساة، والله تعالى أعلم.
فائدة: حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هذا متّفقٌ عليه. [البحر الثجاج، بتصرف].
[(6516)] ( … ) – (حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ -يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «لا تَهَجَّرُوا [1]، ولا تَدابَرُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا»). [1] وفي نسخة: «لا تهاجروا».
قال الأثيوبي: هذا الإسناد هو الذي مرّ قبل حديث.
وقوله: (لا تَهَجَّرُوا) كذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها: «لا تهاجروا»، وهما بمعنى واحد، وكلاهما بفتح التاء، حُذف منهما إحدى التاءين، كما تقدّم البحث فيه، والمراد: النهي عن الهِجْرة، ومقاطعة الكلام، وقيل: يجوز أن يكون: لا تَهْجُروا: أي: لا تتكلموا بالهُجْر، بضم الهاء، وهو الكلام القبيح.
وقوله: (ولا يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلى بَيْعِ بَعْضٍ) قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قد تكاثر النهي عن ذلك، ففي «الصحيحين» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يبيع المؤمن على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه»، وفي رواية لمسلم: «لا يَسُم المسلم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته»، وخرّجاه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له»، ولفظه لمسلم، وخرّج مسلم من حديث عقبة بن عامر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه، حتى يَذَرَ».
قال: وهذا دليل على أن هذا حقّ المسلم، فلا يساويه الكافر في ذلك، بل يجوز للمسلم أن يبتاع على بيع الكافر، ويخطب على خِطبته، وهو قول الأوزاعيّ، وأحمد، كما لا يثبت للكافر على المسلم حقّ الشفعة عنده، وكثير من الفقهاء ذهبوا إلى أن النهي عامّ في حقّ المسلم والكافر، واختلفوا هل النهي للتحريم، أو التنزيه؟ فمن أصحابنا -يعني: الحنبليّة- من قال: هو للتنزيه دون التحريم، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه للتحريم، واختلفوا هل يصح البيع على بيع أخيه، والنكاح على خطبته، فقال أبو حنيفة؟ والشافعيّ، وأكثر أصحابنا: يصحّ، وقال مالك في النكاح: إنه إن لم يدخل بها فُرِّق بينهما، وإن دخل بها لا يفرّق، وقال أبو بكر من أصحابنا في البيع والنكاح:
إنه باطل على كل حال، وحكاه عن أحمد.
ومعنى البيع على بيع أخيه: أن يكون قد باع منه شيئًا، فيبذل للمشتري سلعته؛ ليشتريها، ويفسخ بيع الأول، وهل يختصّ ذلك بما إذا كان البذل في مدة الخيار، بحيث يمكن المشتري من الفسخ فيه أم هو عامّ في مدة الخيار وبعدها؟، فيه اختلاف بين العلماء، وقد حكاه الإمام أحمد في رواية حرب، ومال إلى القول بأنه عامّ في الحالين، وهو قول طائفة من أصحابنا، ومنهم من خصه بما إذا كان في مدة الخيار، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن مشيش، ومنصوص الشافعيّ، والأول أظهر؛ لأن المشتري وإن لم يتمكن من الفسخ
بنفسه بعد انقضاء مدة الخيار، فإنه إذا رَغِب في ردّ السلعة الأولى على بائعها، فإنه يتسبب في ردّها عليه بأنواع من الطرق المستفيضة لضرره، ولو بإلحاح عليه في المسألة، وما أدّى إلى ضرر المسلم كان محرّمًا، والله أعلم. انتهى. [«جامع العلوم والحكم» (2) / (270) – (271)]
قال الأثيوبي عفا الله عنه: قد أسلفت البحث في هذه المسألة في «كتاب البيوع»، مستوفًى بأدلّته، وترجيح الراجح بأدلّته، فراجعه تستفد، والله تعالى وليّ التوفيق.
وقوله: «على بيع أخيه» هل المراد أخوة النسب، أو أخوة الرضاع؟ أو أخوة الدين؟
الجواب: أخوة الدين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المسلم أخو المسلم»
وعلم من كلامه أنه يجوز أن يبيع على بيع الكافر، ولو كان له عهد وذمة؛ لأنه ليس أخًا له، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: «على بيع أخيه»، والكافر ليس بأخ، ولأن الكافر لا حرمة له، وإلى هذا ذهب أهل الظاهر، وقالوا: لنا ظاهر اللفظ، ولا يحرم البيع إلا على بيع المسلم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يحرم البيع على بيع المعصوم، سواء كان مسلمًا أو كافرًا أو ذميًّا؛ لأن العدوان على
الكافر الذمي حرام لا يحل؛ إذ إنه معصوم الدم والعِرض والمال، وتقييد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بالأخ بناءً على الأغلب، أو من أجل العطف على أخيك، وعدم التعرض له، *وهذا القول أقرب للعدل*. الشرح الممتع 201/ 8
[(6517)] ( … ) – (حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا جَرِيرٌ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَحاسَدُوا، ولا تباغَضُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا»).
وقوله: (ولا تَناجَشُوا) قال القرطبيّ: قيل فيه: إنه من باب النجش في البيع الذي تقدَّم ذِكره في «البيوع»، وفيه بُعْدٌ؛ لأنّ صيغة تفاعَل أصلها لا تكون إلا من اثنين، فالتناجش لا يكون من واحد، والنجش يكون من واحد، فافترقا، وإن كان أصلهما واحدًا؛ لأنّ أصل النجش: الاستخراج، والإثارة، تقول: نجشتُ الصيد، أنجشه، نجشًا: إذا استثرته من مكانه، وقيل: «لا
تناجشوا»: لا يُنافر بعضكم بعضًا، أي لا يعامله من القول بما يُنَفِّره، كما ينفّر الصيد، بل يسكّنه، ويؤنّسه، كما قال: «سَكِّنوا، ولا تنفّروا» متّفقٌ عليه، وهذا أحسن من الأوّل، وأولى بمساق الحديث. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله. [«المفهم» (6) / (535) – (536)]
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى البحث فيه مستوفًى قبل حديث.
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): فصل: قال النووي في (رياض الصالحين):” باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر قَالَ الله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِين َأَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة:54]، وقال تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29].1/ 1567 – وعنْ أنسٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لاَ تَباغَضُوا، وَلاَ تحاسدُوا، ولاَ تَدابَرُوا، وَلاَ تَقَاطعُوا، وَكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يهْجُرَ أخَاه فَوقَ ثلاثٍ. متفقٌ عليه.2/ 1568 – وعنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثنين ويَوْمَ الخَمِيس، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيئًا، إلاَّ رجُلًا كانَت بيْنهُ وبَيْنَ أخيهِ شَحْناءُ فيقالُ: أنْظِرُوا هذيْنِ حتَّى يصطَلِحا، أنْظِرُوا هذَيْنِ حتَّى يَصطَلِحا. رواه مسلم. وفي روايةٍ لَهُ: تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يومِ خَميسٍ وَإثنين. وذَكَر نحْوَهُ”.انتهى.
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى معلقًا: فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب العناية بالإخوة الإيمانية والاستقامة عليها والتحاب في الله والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والحذر من ضد ذلك من العداوة والبغضاء والشحناء، أهل الإيمان يجب عليهم أن يكونوا متحابين في الله متناصحين متعاونين على البر والتقوى كما قال جل وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) [الحجرات:10]، وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) [المائدة:54]، وقال سبحانه: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة:71]، وقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، وقال جل وعلا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح:29] هكذا المؤمنون رحماء يتواصلون ويتعاونون على البر والتقوى ويتناصحون، كل واحد يحب لأخيه الخير ويكره له الشر ينصح له …
يؤدي له الأمانة يلقاه بوجه منطلق كما في الحديث الصحيح يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) كونه يقابله بوجه منبسط هذا من المعروف، والحديث الآخر يقول -صلى الله عليه وسلم-: (إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (البر حسن الخلق)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يكذبه، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات يعني القلب متى استقام القلب انقادت الجوارح إلى الخير كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) والأحاديث في هذا كثيرة.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (تفتح أبواب الجنة في كل إثنين وخميس، وفي لفظ آخر: تعرض الأعمال على الله في كل إثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله: دعوا هذين حتى يصطلحا) فهذا يدل على أن الشحناء من أسباب إيقاف المغفرة عن المتشاحنين وهذه مصيبة كبيرة، فالواجب على كل مؤمن أن يحرص على المحبة لأخيه والصلح مع أخيه وعدم الشحناء، تحل المشاكل بالطرق الطيبة والتسامح لا بالشحناء والتهاجر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (لا هجرة فوق ثلاث) وإذا كان ولا بد ثلاثة أيام يومين يوم إن كان شيء مثل خصومة أو مضاربة، النفوس تتغير بعض الشيء لا بأس هجر يوم أو يومين أو ثلاث من أجل حظ النفس لا بأس، ولا يجوز الزيادة على الثلاث من أجل حظ بينك وبينه مضاربة أو مشاتمة أو شبه ذلك، الواجب أن تحل المشكلة في ظرف الثلاثة أيام حتى لا يبقى تهاجر، أما إذا كان التهاجر من أجل المعاصي والبدع هذا ما له حد إلا التوبة، إذا هجره من أجل إظهاره المعاصي والبدع فهذا لا حد له بثلاث ولا بغيرها حده التوبة كما هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- كعب بن مالك وصاحبيه خمسين ليلة حتى تابوا وتاب الله عليهم لما تخلفوا عن غزوة تبوك مع أن الرسول أمرهم بذلك تخلفوا من غير عذر فهجرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسين ليلة حتى تاب الله عليهم، وهكذا أشباههم ممن يتعاطى بعض المعاصي الظاهرة أو البدع إذا لم يتب يهجر حتى يتوب، وهذا من باب التعزير ومن باب التعاون على البر والتقوى لعله يراجع الحق، لعله يتدبر، لعله ينظر حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وفق الله الجميع.
ملخص من أسئلة وجهة للشيخ ابن باز وتم ترتيبها على طريقة الفوائد:
و إذا كان الذي بينهم شحناء أحدهم ظالم والآخر مظلوم، فيصطلح مع الظالم ويطالب بحقه من دون تهاجر
ولو ما إذا لم يصطلحا فيكونان سواء كما هو ظاهر الأحاديث
وتحمل بعض الناس إذا نصحته يغلظ عليك في القول، قل له: الله يهديك هذا واجب علي أني أنصحك.
وقوله «يغفر لكل عبد» وإن كان فيه عموم لكن دلت الأحاديث الأخرى والآية على أن إصرارهم على الكبائر من أسباب حرمان المغفرة.
وهجر الزوج لزوجته، إذا كان لحقه الشخصي ثلاثة أيام، وإن كان لمعصية ما يتقيد بثلاثة أيام. هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه شهرا؟ الشيخ: هذا هجرهن جميعا لأنهن طلبن شيئا ما يحل.
وعلاج الحسد يقول لأخيه المسلم: بارك الله له، بارك الله فيه، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله هذا هو العلاج (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف:39]
ولا يعبس في وجوه الكفار إنما يدعوهم إلى الله [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى]
(المسألة الثانية): ما ورد من الأحاديث المتعلقة بالباب جاء في الصحيح المسند:
706 – قال الامام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج2ص1265): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَوْسَطَ بْنِ إِسْمَعِيلَ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ حِينَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِي هَذَا عَامَ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَكَى أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ، قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ، وَسَلُوا اللَّهَ الْمُعَافَاةَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْمُعَافَاةِ، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)).
قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا الأثر بهذا السند موقوف، و هو حسن، و لكنه قد جاء مرفوعاً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم كما رواه أبو يعلى (ج1 – ص112، 113) وقد جاء مقرقاً في ” عمل اليوم و الليلة ” للنسائي ص (501) لعلنا إن شاء الله نذكرها عند المرور عليها.
834 – قال أبو داود رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: أتي ابن مسعود، فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرا. فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به. قال الوادعي رحمه الله تعالى: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
(المسألة الثالثة): حكم الشك في الزوجة:
فالواجب على المؤمن اجتناب سوء الظن، إلا عند وجود أمارات واضحة ودلائل بينة تدل على ذلك؛ لأن الله يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث))، فالواجب على الزوج إحسان الظن بزوجته، وحملها على أحسن المحامل، ونصيحتها إذا شك في شيء، توجيهها إلى الخير، وعدم طاعة الشيطان في ظن السوء الذي لا أساس له ولا بينة عليه ولا شواهد له، أما إن كان هناك شيء يشهد لبعض الظن، فينبغي فيه النصيحة والتوجيه والتحذير مع المراقبة حتى يزول الشك، نسأل الله للجميع الهداية نعم. [حكم الشك في الزوجة، نور على الدرب، للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى، الموقع الرسمي].
(المسألة الرابعة): في فوائده:
1 – الحث على المودة والتعاطف والشفقة بين المسلمين.
2 – النهي عن أسباب التباغض والتحاسد والتدابر وعما يترتب عليها من الأمور المكتسبة.
3 – النهي عن كل ما يورث البغضاء بين المسلمين من النجش والبيع على البيع والتنافس والظن السيئ والتحسس والتجسس، وأدخل بعض العلماء في ذلك الأهواء المضلة الموجبة للتباغض.
قال الحافظ ابن حجر والمذموم من التباغض ما كان في غير الله تعالى فإنه واجب فيه، ويثاب فاعله لتعظيم حق الله تعالى.
4 – استثنى الجمهور من التجسس ما لو تعين طريقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك، مثلا كأن يخبره ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الحالة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه، وقال بعضهم ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استمرار أهلها بها إلا في مثل الصورة السابقة.
5 – قال العلماء إن الحسد الذي في الطبع والظن الذي يطرأ معفو عنه عملا بما أخرجه عبد الرزاق: ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد، قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ. وعن الحسن البصري ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء.
6 – بوب البخاري بباب ما يجوز من الظن ووضع تحته قوله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ما أظن فلانا وفلانا يعرفان ديننا الذي نحن عليه. فمثل هذا الذي وقع ليس من الظن المنهي عنه؛ لأنه في مقام التحذير من مثل هذا، والنهي إنما هو عن ظن السوء بالمسلم السالم في دينه وعرضه وقد قال ابن عمر إنا كنا إذا فقدنا الرجل في عشاء الآخرة أسأنا به الظن. قال الحافظ ابن حجر ومعناه: أنه لا يغيب إلا لأمر سيئ إما في بدنه وإما في دينه.
7 – ومن أحاديث الهجر استدل بها النووي على إباحة الهجر في الثلاثة، وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجر في الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب.
[فتح المنعم]
8 – أعظم سوء الظن هو سوء الظن بالله
قال ابن القيم:
ولا يسلم من ذلك – يعني ظن السوء – إلا من عرف الله وعرف أسمائه وصفاته وعرف موجب حمده وحكمته فمن قنط من رحمة الله وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء، ومن ظن أنه لا يجمع عبيده بعد موتهم للإثابة والعقاب في دار يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله فقد ظن به ظن السوء وبالجملة فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه ووصفه به رسله [فقد ظن به السوء كمن ظن أن لا ينصره المحقين ولا يديل على الظالمين وأنه لم يقسم بين العباد معاشهم وحظوظهم في الحياة على وفق حكمته فقد ظن
به ظن السوء وغالب بني آدم إلا من عصمه الله يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ومنعني ما أستحقه ونفسه تشهد عليه بذلك وهو ينكره بلسانه ولا يتجاسر على التصريح به ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك كامنًا فيها كمون النار في الزناد فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبًا على القدر وملامة واقتراحًا عليه خلاف ما جرى به وأنه كان ينبغي أن يكون كذا، وكذا ولو كان كذا وكذا.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة … وإلا فإني لا أخالك ناجيا
وقد أطاله ابن القيم في «زاد المعاد»
===
9 – وقد قسم الزمخشري الظن إلى واجب ومندوب وحرام ومباح:
فالواجب: حسن الظن بالله، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ، يَقُولُ: لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ. أخرجه أحمد 3/ 293 (14171) و\”مسلم\” 8/ 165 (7331).
والحرام: سوء الظن به تعالى وبكل من ظاهره العدالة من المسلمين، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: \”إياكم والظن\” الحديث
والمندوب: حسن الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين.
والجائز: مثل قول أبي بكر لعائشة: إنما هو أخواك أو أختاك، لما وقع في قلبه أن الذي في بطن امرأته اثنان.
ومن ذلك سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب والمجاهرة بالخبائث، فلا يحرم سوء الظن به، لأنه قد دل على نفسه، ومن ستر على نفسه لم يظن به إلا خير، ومن دخل في مداخل السوء اتهم، ومن هتك نفسه ظننا به السوء. انظر: الصنعاني: سبل السلام 4/ 189 بتصرف. وكذلك نقله البسام في توضيح الأحكام واستحسنه
10 – متى نحسن الظن ومتى لأن نحسن الظن:
فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا، وَالزُّبَيْرَ، وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا …. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا – – يعني حاطب بن أبي بلتعة -، وَمَا يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: \”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ\”. – أخرجه أحمد 1/ 79 (600) والبُخَارِي 4/ 72 (3007 و\”مسلم\” 7/ 167 (6485) و\”أبو داود\” 2650 و\”التِّرمِذي\” 3305 و\”النَّسَائي\” في \”الكبرى\” 11521.
ومن القصة نتعلم متى نحسن الظن ومتى لأن نحسن الظن
فهنا الصحابة لم يحسنوا الظن بالمرأة لأنهم علموا أنها تكذب. بينما النبي صلى الله عليه وسلم احسن الظن بحاطب. بل أوحى الله عزوجل إليه أنه بدر مغفور لهم.
11 – إثبات محبة الله ورسوله مع المعصية:
وعَنْ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ. أخرجه البُخَاري 8/ 197 (6780) شعب الإيمان – (2/ 48) (498).
12 – منهج حسن الظن عند السلف الصالح: يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً ”
عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي، وَفِيَّ ثَلاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ. المعجم الكبير للطبراني 9/ 131.
وهذا أبو دجانة رضي الله عنه: دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: (ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا).
13 – انشغال العبد بعيوب نفسه:
وإذا انشغل العبد بنفسه، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم.
قال الشاعر:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا * * * مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * * * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
14 – النهي عن تتبع العورات:
لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم، حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا، فقال: يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ. رواه أبو داود (4880)، قال العراقي في \”تخريج الإحياء\” (2/ 250): إسناده جيد. وصححه الألباني في \”صحيح أبي داود\” ..
15 – مقولات وآثار للسلف في حسن الظن:
قال بكر بن عبد الله المزني كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: \” إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك \”.
وقال أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي كما في الحلية لأبي نعيم (2/ 285): (إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك؛ فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه).
كان معروف الكرخي قاعدا يوم على دجلة ببغداد فمر به صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون فقال له أصحابه: أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء؟ ادع عليهم فرفع يديه إلى السماء وقال: الهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة. فقال له صاحبه: أنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل ادع لهم, فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم هذا. ابن الملقن: طبقات الأولياء 1/ 47.
قال بعض السلف: منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولي مرة: الحمد للّه. قيل له: وكيف ذلك؟ قال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد وقال: نجا حانوتُك! فقلت: الحمد للّه! فأنا نادم من ذلك الوقت حيث أردتُ لنفسي خيراً من دون الناس. المناوي: فيض القدير 1/ 124.
روي عن السري بن مغلس السقطي أن لصاً دخل بيت مالك بن دينار فما وجد شيئاً فجاء ليخرج فناداه مالك: سلام عليكم، فقال: وعليك السلام، قال: ما حصل لكم شيء من الدنيا فترغب في شيء من الآخرة – قال: نعم، قال: توضأ من هذا المركن وصل ركعتين، ففعل ثم قال: يا سيدي أجلس إلى الصبح، قال: فلما خرج مالك إلى المسجد قال أصحابه: من هذا معك – قال: جاء يسرقنا فسرقناه. تاريخ الإسلام للذهبي 2/ 144.
16 – مساوئ سوء الظن:
سوء الظن يحمل على التجسس والتحسس والغيبة والتحاسد والتباغض والتدابر، ويقطع العلاقة بين المتآخين. وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَالْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ.
وبسبب سوء الظن – إن كان اعتقاداً في أحوال الناس – قد يخسر الإنسان الانتفاع بمن ظنه ضاراً، أو الاهتداء بمن ظنه ضالاً، أو تحصيل العلم ممن ظنه جاهلاً ونحو ذلك. ولذلك فإن على الإنسان أن يحذر من هذه الآفة الضارة بالدين والدنيا، وأن يحرص على سلامة صدره على إخوانه؛ ليعيش هانئ البال، مرتاح النفس، بعيدا عن منقصات الحياة، سالما من عناء البحث عن عورات المسلمين وتتبع عثراتهم.
17 – من الأسباب المعينة على حسن الظن:
أ- إنزال النفس منزلة الخير: قال ابن القيم رحمه الله -: (وما رأيت أحدًا قطُّ أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية – قدّس الله روحه -، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: (وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه! وما رأيته يدعو على أحدٍ منهم قطُّ، وكان يدعو لهم).
قال: (وجئت يومًا مبشّرًا له بموتِ أكبر أعداءه، وأشدّهم عداوةً وأذىً له، فنهرني، وتنكّر لي واسترجع. ثم قام من فوره إلى أهل بيته – أي ذلك الخصم الذي مات – فعزّاهم، وقال: (أنا لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه) … فسُّروا به ودعوا له، وعظّموا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه).انظر: خالد بابطين: نشر الورود والرياحين بإصلاح ذات البين 7.
ب- حمل الكلام على أحسن المحامل: فها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير. فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
ج- التماس الأعذار للآخرين: قال ابن سيرين رحمه الله: \”إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه\”.
قال أحدهم:
سَامِحْ أَخَاكَ إِذَا وَافَاكَ بِالْغَلَطِ * * * وَاتْرُكْ هَوَى الْقَلْبِ لا يُدْهِيْكَ بِالشَّطَطِ
فكم صَدِيْقٍ وفيٍّ مُخْلِصٍ لَبِقٍ * * * أَضْحَى عَدُوًّا بِمَا لاقَاهُ مِنْ فُرُطِ
فَلَيْسَ فِي النَّاسِ مَعْصُوْمٌ سِوَى رُسُلٍ * * * حَمَاهُمُ اللهُ مِنْ دَوَّامَةِ السَّقَطِ
أَلَسْتَ تَرْجُوْ مِنَ الرَّحْمَنِ مَغْفِرَةً * * * يَوْمَ الزِّحَامِ فَسَامِحْ تَنْجُ مِنْ سَخَطِ
د- تجنب الحكم على النيات: عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْحُرَقَةِ، مِنْ جُهَيْنَةَ، قَالَ: فَصَبَّحْنَاهُمْ، فَقَاتَلْنَاهُمْ، فَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، إِذَا أَقْبَلَ الْقَوْمُ كَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ عَلَيْنَا، وَإِذَا أَدْبَرُوا كَانَ حَامِيَتَهُمْ، قَالَ: فَغَشِيتُهُ، أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ، وَقَتَلْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَكَرَّرَهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ. أخرجه أحمد 5/ 200 (22088) و\”البُخَارِي\” 5/ 183 (4269) و\”مسلم\” 1/ 67 (190).
ذ- استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس: قال سفيان بن حسين: (ذكرت رجلاً بسوء عند إياس بن معاوية، فنظر في وجهي، وقال: أغزوتَ الرومَ؟ قلت: لا، قال: فالسِّند والهند والترك؟ قلت: لا، قال: أفَتسلَم منك الروم والسِّند والهند والترك، ولم يسلَمْ منك أخوك المسلم؟! قال: فلَم أعُد بعدها)). البداية والنهاية لابن كثير (13/ 121).
وقال أبو حاتم بن حبان البستي في روضة العقلاء (ص:131): ((الواجبُ على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه؛ فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنَه ولم يُتعب قلبَه، فكلَّما اطَّلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه)).
اللهم بصرنا بعيوبنا ونق صدورنا وقلوبنا واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر واختم بالصالحات أعمالنا.
18 – تنبيه على بعض الأحاديث الضعيفة:
(احترسوا من الناس بسوء الظن)
طس (فتح الباري (531) / (10))
** قال الحافظ فى «الفتح» (10) / (531): هو من رواية بقية بالعنعنة عن معاوية بن يحيى وهو ضعيف فله علتان.
روضة المحدثين (6) / (91)
وقال الألباني: ضعيف جدا
ونحو: ” الحزم سوء الظن ” ونحو:” احترسوا من الناس بسوء الظن”، ونحو:”من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته”، وهي جميعا إما أن تكون من كلام العرب، وإما أنها أخبار ضعيفة جدا، لا تجوز نسبتها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
فقد قال العجلوني في كشف الخفاء: احترسوا من الناس بسوء الظن. قال في الأصل: رواه أحمد في الزهد والبيهقي وغيرهما من قول مطرف بن الشخير أحد التابعين. زاد البيهقي وكذا الطبراني في الأوسط والسكري أنه روي عن أنس مرفوعا، وأخرجه تمام في فوائده عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه بلفظ: من حسن ظنه بالناس كثرت ندامته. رواه الديلمي عن علي من قوله موقوفا عليه: الحزم سوء الظن.
ونقل ابن عثيمين أن سوء الظن المحمود في الآثار محمول اذا وجدت قرينة.
قال المناوي في فيض القدير: أما من هو محل لسوء الظن به فيعامل بمقتضى حاله كما يدل له الخبر الآتي» الحزم سوء الظن «وخبر» من حسن ظنه بالناس طالت ندامته ” وقال الآلوسي في روح المعاني: كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءا فتحفظ من أن يلحقه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص وهو محمل خبر إن من الحزم سوء الظن وخبر الطبراني احترسوا من الناس بسوء الظن، وعلى أي حال فالأصل أن تقدم حسن الظن بالمؤمن لأن سوء الظن به محرم