67 جامع الأجوبة الفقهية؛؛؛
مسألة : هل يتعين الماء لغسل النجاسة؟
—–
مشاركة سيف بن دورة الكعبي :
سبق تعرضنا لها بشكل مختصر في حديث بول الأعرابي، وهنا الأخوة توسعوا في عرض الأدلة. واختلفوا فبعضهم رجح كلام ابن تيمية وبعضهم رجح كلام الشوكاني.
والذي أميل إليه هو قول ابن تيمية في عدم تعين الماء لإزالة النجاسة.
——
مشاركة : ناصر الريسي
في هذه المسألة اختلف العلماء على ثلاثة أقوال:
الأول: لا تزال النجاسة إلا بالماء.
وهو مذهب الجمهور من المالكية (القوانين الفقهية – ابن جزي (ص: 25))، والشافعية (المجموع (1/ 1/ 142))، والحنابلة (الإنصاف (1/ 309))، ومحمد وزفر من الحنفية (بدائع الصنائع (1/ 83)).
الثاني: النجاسة تزال بأي مزيل طاهر، ولا يتعين الماء.
وهو المشهور من مذهب الحنفية (البحر الرائق (1/ 233))، واختيار ابن تيمية (مجموع الفتاوى (20/ 522)).
الثالث: قال بالتفصيل، إن نص الشارع على تطهيره بالماء كنجاسة دم الحيض لم يجز العدول إلى غيره، وإن نص الشارع على غير الماء كطهارة النعلين، فيجوز الاقتصار عليه، ويجوز العدول إلى الماء؛ لأن الماء أقوى من غيره بالتطهير، وإن كان الشارع لم ينص على مادة التطهير، وجب الاقتصار على الماء فقط. وهذا القول اختيار الشوكاني رحمه الله (نيل الأوطار (1/ 70)، والسيل الجرار (1/ 49)).
أدلة الجمهور على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء.
الدليل الأول:
قال تعالى: {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به …} الآية (الأنفال آية: 11).
وجه الاستدلال:
قال النووي: ذكره سبحانه امتنانا، فلو حصل بغيره لم يحصل الامتنان (المجموع (1/ 143)).
اجيب عليه:
أنه لا يظهر أن الله سبحانه عندما ذكره امتنانا أنه إذا حصل بغيره لم يحصل الامتنان، فقد يكون حصول الماء أيسر من غيره، وقد يكون ذكر الماء باعتبار أن العبد ليس له سبب في وجوده، فالله هو الذي ينزل الغيث، وقد يكون لغير ذلك، إذ العلماء متفقون على أنه الأصل في التطهير، كما اتفقوا على أن الحدث لا يرفعه على الإطلاق إلا الماء
الدليل الثاني:
عن أسماء، قالت: جاءت امرأة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه (البخاري (227)، ومسلم (291)).
وجه الاستدلال:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرشد في تطهير الثوب من دم الحيض إلى الماء، ولم يرشد إلى غيره، فتعين الماء لإزالة نجاسة الثوب من دم الحيض، لكونه هو المنصوص عليه، وباقي النجاسات مقيسة عليه.
وأجيب على الاستدلال بهذا الحديث بعدة أجوبة منها:
أ – إن لفظة الماء في الحديث والاستدلال بها على عدم جواز غير الماء من باب مفهوم اللقب، وهو ليس بحجة عند أكثر الأصوليين. قال الغزالي: “اعلم أن توهم النفي من الإثبات على مراتب ودرجات وهي ثمانية: الأولى: وهي أبعدها وقد أقر ببطلانها كل محصل من القائلين بالمفهوم وهو مفهوم اللقب”). المستصفى للغزالي 2/204)
وقال ابن الهمام “من المفاهيم مفهوم اللقب نفاه الكل إلا بعض الحنابلة شذوذاً” (التحرير مع شرحه تيسير التحرير 1/193) .
ب – أن هذا خرج مخرج الغالب لا مخرج الشرط كقوله تعالى: (وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (النساء: من الآية23)، والمعنى في ذلك أن الماء أكثر وجوداً من غيره ولذلك ذكره
ج – أن التخصيص للشيء بالذكر لا ينفي الحكم عما عداه (عمدة القاري للعيني 3/141)
الدليل الثالث:
عن أنس بن مالك، قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه.(البخاري (219)، ومسلم (284)).
وج الاستدلال:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حين أراد تطهير المسجد من بول الأعرابي أمر بالماء، لقوله في الحديث: “أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بذنوب من ماء” فهذا الأمر دال على الوجوب. قالوا: وهذا دال على اختصاص الماء بالتطهير
الدليل الرابع:
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
“طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب”. (مسلم (279))
فهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي نص الرسول – صلى الله عليه وسلم – في تطهيرها بالماء كحديث أبي ثعلبة الخشني في الصحيحين في غسل آنية الكفار إذا لم نجد غيرها – كلها دليل على أن الماء هو آلة التطهير، ولا يطهر غيره.
وأجيب عن هذه الأدلة:
هذه الأدلة دليل على أن الماء يزيل النجاسة، وهذا لا إشكال فيه، لكن ليس فيها دلالة على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء. وفرق بين المسألتين.
الدليل الخامس من النظر:
قالوا: إذا كانت طهارة الحدث لا تكون إلا بالماء مع وجوده، فكذلك إزالة النجاسة لا تكون إلا بالماء.
وأجيب: بأن القياس على طهارة الحدث قياس مع الفارق لما يلي:
أولا: طهارة الحدث تشترط لها النية على الصحيح خلافا للحنفية، بخلاف طهارة الخبث.
ثانيا: طهارة الحدث لا تسقط بالجهل والنسيان على الصحيح، بخلاف طهارة الخبث.
ثالثا: طهارة الحدث طهارة تعبدية محضة، غير معقولة المعنى، وأما طهارة الخبث فإنها طهارة معللة بوجود النجاسة الحسية.
وإذا ثبت الفرق لم يصح القياس.
الدليل السادس : من النظر:
أن سائر المائعات لا يدفع النجاسة عن نفسه فكيف يدفعها عن غيره.
ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: وكذلك الماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فإنه ينجس إذا كان دون القلتين ووقعت فيه نجاسة عند الشافعية والحنابلة ويتنجس عند المالكية بالتغير ومع ذلك اتفق العلماء على التطهير به.
الدليل السابع :
قال ابن العربي “إن النجاسة ليست معنى محسوساً حتى يقال كل ما أزالها قام به الغرض، وإنما النجاسة حكم شرعي عين له صاحب الشرع الماء فلا يلحق به غيره؛ إذ ليس في معناه، ولأنه لو لحق به لأسقطه، والفرع إذا عاد إلحاقه بالأصل بالإسقاط سقط في نفسه” (أحكام القرآن لابن العربي 3/442).
ويمكن أن يجاب عنه بأن يقال: لا نسلم بأن النجاسة ليست محسوسة بل هي معنى محسوس يزول بزوالها، ولذا لو قطع موضع النجاسة بالمقراض بقي الثوب طاهراً، وإزالة العين كما تحصل بالماء تحصل بسائر المائعات(المبسوط للسرخسي 1/96).
أدلة القائلين: لا يشترط الماء لإزالة النجاسة.
الدليل الأول : قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: “إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً”( أخرجه البخاري ص58)
وجه الاستدلال:
أن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أمر الغسل مطلقاً فبأي شيء غسله يسمى غاسلاً، وتقييده بالماء يحتاج إلى دليل (المجموع للنووي 1/95، والمغني لابن قدامة 1/17)
ونوقش: بأنه محمول على الغسل بالماء، لأنه المعروف المعهود السابق إلى الفهم عند الإطلاق، ولا يعرف الغسل باللغة إلى في الماء.
ويمكن أن يجاب بأن يقال: إن الغسل وإن كان ينصرف إلى الماء فقد جاء الغسل بالتراب في حال ولغ الكلب، كما ثبت في نصوص أخرى إزالة النجاسة بغير الماء كالخمر المستحيلة بنفسها ونحو ذلك.
الدليل الثاني:
ما رواه مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها ما كان لأحدنا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فقصعته بظفرها )البخاري ص81)
وجه الدلالة:
أنها تطهر ثوبها – رضي الله عنها – بالريق فدل على أن المائعات الأخرى مطهرة، وأن الماء ليس بشرط لإزالة النجاسة.
ونوقش الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
أ – أن هذا في الدم اليسير الذي يكون معفواً، فأما الكثير فصح عنها أنها كانت تغسله.
وأجاب ابن التركماني عن ذلك فقال: إن الغسل لا يختص بالماء، ولو اختص دل ذلك على جواز الإزالة بالريق إذ لا تنافي بين الدليلين، فلا حاجة إلى تأويل البيهقي ذلك باليسير.
وقال العيني رداً على البيهقي: “هم – يعني الشافعية – لا يرون أن اليسير من النجاسات عفو، ولا يعفى عندهم منها عن شيء سواء كان قليلاً أو كثيراً وهذا لا يمشي إلا على مذهب أبي حنيفة؛ فإن اليسير عنده عفو، وهو ما دون الدرهم، فالحديث حجة على الشافعية حيث خصوا إزالة النجاسة بالماء”.
ب – أن هذا الحديث ليس فيه دلالة على أنها صلت فيه بعد إزالته بالريق دون الغسل بالماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره، ولم تقصد تطهيره، لأنه ثبت عنها أنها قالت: كانت إحدانا تحيض ثم تقرض الدم في ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه.
وأجيب: بأن الغسل لا يختص بالماء بدليل ما جاء في رواية عبد الرزاق كانت إحدانا تغسل دم الحيضة بريقها، جعلت رضي الله عنها ذلك غسلاً، وفي ذلك رد على القول بأنها أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره.
والحديث الذي ورد فيه الغسل ليس فيه أنها كانت تغسله بعد القرض بالريق فيحتمل كون الغسل بعد قرضها بغير الريق، لأن القرض بالريق كان غسلاً عندها فلا يكون للغسل بعد الغسل معنى(إعلاء السنن 1/378)
الدليل الثالث:
عن سلمان، قال: قيل له: قد علمكم نبيكم – صلى الله عليه وسلم – كل شيء حتى الخراءة، قال فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم (مسلم (262)).
وجه الاستدلال:
أن الاستنجاء بالأحجار إزالة للنجاسة بغير الماء، وفي هذا دليل على أنه لا يتعين الماء في إزالة النجاسة.
الدليل الرابع :
القياس على الماء بجامع أنه مائع طاهر، وهو مزيل فجازت إزالة النجاسة به كالماء(أحكام القرآن لابن العربي 3/441، والمجموع شرح المهذب للنووي 1/145، والمغني لابن قدامة 1/3).
ونوقش الاستدلال بهذا القياس من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أنه قياس مع الفارق؛ فإن الماء يرفع الحدث، ولا ترفعه سائر المائعات.
وأجيب بأن رفع الحديث أمر تعبدي غير معقول المعنى فيقتصر فيه على الوارد، وهو الماء؛ بدليل أن الذي يخرج ريحاً يغسل يديه ووجهه ورجليه ويمسح رأسه ولا يغسل الموضع الذي خرج منه الريح، كما أن المتوضئ لو عدم الماء عدل إلى التيمم، فهو أمر تعبدي بخلاف إزالة النجس فهو أمر معقول المعنى، لوجودها حساً فجاز فيها الإلحاق جاء في مجموع الفتاوى “واعتبار طهارة الخبث بطهارة الحدث، ضعيف، فإن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل، واشترط فيها النية عند الجمهور، وأما طهارة الخبث فإنها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث، ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده، بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود، كما ذهب إليه أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم”.
الوجه الثاني: أنه منتقض بالدهن والمرق؛ فإنها من المائعات ولا تزيل النجس بخلاف الماء.
وأجيب بأن الدهن والمرق يخالف بقية المائعات بكونها إذا أصاب الثياب لا تنعصر؛ فلا تخرج منها النجاسة بخلاف بقية المائعات.
الوجه الثالث: أن الماء له من اللطف والنفاذ في الأعماق ما ليس لغيره من المائعات فلا يلحق به غيره، وأجاب عن هذا الوجه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: “ليس الأمر كذلك، بل الخل وماء الورد وغيرها يزيلان ما في الآنية من النجاسة كالماء وأبلغ، والاستحالة له أبلغ في الإزالة من الغسل بالماء؛ فإن الإزالة بالماء قد يبقى معها لون نجاسة فيعفى عنه، كما قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: “يكفيك الماء ولا يضرك أثره”، وغير الماء يزيل اللون والطعم والريح”
الدليل الخامس:
عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثا فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيها فإن رأى بها خبثا فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما (المسند (3/ 20، 92)).
وجه الاستدلال:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أرشد إلى تطهير النعلين بالتراب، وهو غير الماء.
الدليل السادس:
عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: قلت: يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نصنع إذا مطرنا؟ قال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى قال: فهذه بهذه (المسند (6/ 435).).
وجه الاستدلال:
أن هذا تطهير لذيل المرأة بالتراب، وهو غير الماء.
الدليل السابع:
من النظر: أن النجاسة عين خبيثة لها طعم، أو لون، أو رائحة. والمطلوب هو إزالة كل ذلك، فإذا ذهب طعمها, ولونها ورائحتها بأي مزيل زال حكمها، وأصبح المحل طاهرا، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.
دليل القول الثالث: القول بالتفصيل
أن ما نص الشارع على تطهيره بالماء، كنجاسة دم الحيض، وبول الأعرابي إذا كان على الأرض، وبول الجارية، ونحوها. لا يجوز العدول إلى غير الماء. والتعليل: لأن الشارع لما نص على الماء تعين، ولأن الماء لا يساويه غيره في قوة التطهير.
أما النوع الذي نص على تطهيره بغير الماء كطهارة النعلين، وذيل المرأة بالتراب، وكالاستنجاء بالحجارة، فهذا النوع يجوز الاقتصار على التراب والأحجار لورود النص به. ويجوز العدول إلى الماء؛ لأن الماء أقوى من غيره في التطهير.
وأما النجاسة التي لم ينص الشارع على مادة تطهيرها، فيجب الاقتصار على الماء؛ لأن تطهيره بالماء متيقن، وطهارته بغير الماء مشكوك فيها، فلا نترك اليقين إلى الشك (السيل الجرار (1/ 49)، ونيل الأوطار (1/ 70)).
ويجاب عليه:
أنه لا فرق بين أن تكون النجاسة على ذيل المرأة فتزال بالأحجار، أو تكون على وسط الثوب فيتعين الماء كطهارة بول الجارية، فإن بول الجارية أرشد الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى تطهيره بالماء.
قالت : وسبب اختلافهم يرجع إلى أمرين أساسين:
الأول: هل إزالة النجاسة تعبدية؟ أم أنها معقولة المعنى، فمن ذهب إلى أنها تعبدية قال يتعين الماء، ومن ذهب إلى أنها معقولة المعنى قال بعدم تعينه.
الثاني: هل طهارة الخبث تلحق بطهارة الحدث أم لا؟ فمن ألحقها بطهارة الحدث قال بتعين الماء لإزالة النجاسة، ومن لم يلحقها قال لا يتعين الماء.
——–
مشاركة : احمد بن علي وخميس العميمي :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
– فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة ، ولم يأمر أمراً عامّاً بأن تزال كل نجاسة بالماء .
وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع :
منها : الاستجمار بالحجارة ….ومنها…
: فالراجح في هذه المسألة : أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان : زال حكمها ؛ فإن الحُكم إذا ثبت بعلة : زال بزوالها ، لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة ؛ لما في ذلك من فساد الأموال ، كما لا يجوز الاستنجاء بها .
والذين قالوا : “لا تزول إلا بالماء” منهم من قال : “إن هذا تعبد” ، وليس الأمر كذلك ، فإن صاحب الشرع أمر بالماء في قضايا معينة لتعينه لأن إزالتها بالأشربة التي ينتفع بها المسلمون إفساد لها وإزالتها بالجامدات كانت متعذرة كغسل الثوب والإناء والأرض بالماء ، فإنه من المعلوم أنه لو كان عندهم ماء ورْد وخل وغير ذلك : لم يأمرهم بإفساده ، فكيف إذا لم يكن عندهم .
ومنهم من قال : إن الماء له من اللطف ما ليس لغيره من المائعات فلا يلحق غيره به” ، وليس الأمر كذلك ، بل الخل وماء الورد وغيرهما يزيلان ما في الآنية من النجاسة كالماء وأبلغ” انتهى.
“مجموع الفتاوى” (21/474 – 476) .
——-
مشاركة : نورس الهاشمي
قال العلامة العثيمين :
ومنها: أنه لابد من الماء في تطهير النجاسة؛ لقوله:: ((أريقوا على بوله سجلا من ماء)) وأن النجاسة لا تطهر بغير الماء، وهذا ما عليه أكثر العلماء.
والصحيح أن النجاسة تطهر بكل ما يزيلها من ماء أو بنزين، أو غيره، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على مكان البول؛ لأنه أسرع في تطهير المكان، وإلا فمن الممكن أن يبقى المكان لا يصب عليه الماء، ثم مع الرياح والشمس تزول النجاسة ويطهر، لكن هذا أسرع وأسهل.
ومن المعلوم أنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لا توجد هذه المزيلات الكيماوية أو البترولية، فلذلك كانوا يعتمدون في إزالة النجاسة على الماء، ولكن متى زالت النجاسة طهر المحل بأي مزيل كان؛ لأن النجاسة عين خبيثة نجسة، متى زالت عاد المحل إلى طهارته بأي شيء كان.
شرح رياض الصالحين ( ج ٣ / ٥٨٢ ) اه
——-
: ما حكم النجاسة اليابسة، وكيف نزيلها؟
ج ٥: النجاسة اليابسة كالرطبة يجب إزالة عينها وغسل آثارها بالماء، ولا يعفى عن شيء منها.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
—–
قال الشوكاني في النيل ( ج ١ / ٥٧ – ٥٨ ) :
الحديث فيه دليل على أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، قاله الخطابي والنووي قال في الفتح: لأن جميع النجاسات بمثابة الدم ولا فرق بينه وبينها إجماعا. قال: وهو قول الجمهور أي تعين الماء لإزالة النجاسة، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر وهو مذهب الداعي من أهل البيت، واحتجوا بقول عائشة ” ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها “. وأجيب بأنها ربما فعلت ذلك تحليلا لأثره ثم غسلته بعد ذلك والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد، لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني وحته وإماطته بإذخرة وأمثال ذلك كثير، ولم يأت دليل يقضي بحصر التطهير في الماء ومجرد الأمر به في بعض النجاسات لا يستلزم الأمر به مطلقا، وغايته تعينه في ذلك المنصوص بخصوصه إن سلم، فالإنصاف
أن يقال: إنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، إن كان فيه إحالة على فرد من أفراد المطهرات، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى Qغيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من في الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير، فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع وغيره مشكوك فيه، وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها. فإن قلت: مجرد وصف الماء بمطلق الطهورية لا يوجب له المزية، فإن التراب يشاركه في ذلك. قلت: وصف التراب بالطهورية مقيد بعدم وجدان الماء بنص القرآن، فلا مشاركة بذلك الاعتبار.
و كلام الشوكاني هو الذي أميل اليه الجمع بين الأدلة و الله اعلم .