6672 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، وموسى الصومالي ، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، كتاب ( 46 ):
البر والصلة والآداب ، 2 – باب تَقْدِيمِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّطَوُّعِ بِالصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
6672 – حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ كَيْفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ تَدْعُوهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي. فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ فَرَجَعَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي. قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي . فَاخْتَارَ صَلاَتَهُ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي، اللَّهُمَّ فَلاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ.
قَالَ: وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرِهِ، – قَالَ – فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرَّاعِي فَحَمَلَتْ، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقِيلَ لَهَا مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدَّيْرِ.
قَالَ: فَجَاءُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَنَادَوْهُ، فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، – قَالَ – فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ سَلْ هَذِهِ، – قَالَ – فَتَبَسَّمَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضَّأْنِ. فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ ثُمَّ عَلاَهُ.
6673 – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ” لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي . فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ . فَقَالَ أَىْ رَبِّ أُمِّي وَصَلاَتِي . فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ . فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ – قَالَ – فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ . فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ . فَقَالَ أَيْنَ الصَّبِيُّ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ فُلاَنٌ الرَّاعِي – قَالَ – فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُوا نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ . قَالَ لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا .
وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا . فَتَرَكَ الثَّدْىَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ . قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا . قَالَ وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ . وَهِيَ تَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا .
فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا . فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ . فَقُلْتَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ . وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ . فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا . فَقُلْتَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا قَالَ إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ . وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ . وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا.
==========
تمهيد:
حقوق الله تعالى مبنية على تفضله وعفوه ومسامحته، وقد أراد – جل شأنه – أن يقدم حقوق عباده بعضهم مع بعض، وأن يجعل طابعها المشاحة، وأول حقوق العباد حقوق الوالدين على الولد، وإذا تعارض حق الله مع حق الوالدين، قدمت الشريعة حق الوالدين، وجعلته أهم؛ لأن في حقهما حق الله تعالى، فهو الذي شرع لهما حقهما، فأداؤه أداء لحق الله وأمره وقضائه..[انظر: فتح المنعم]
تخريج الحديث:
قال ابن حجر في شرحه للحديث في صحيح البخاري :
وقد روى حديثه عن أبي هريرة محمد بن سيرين كما هنا
وتقدم في المظالم من طريقه بهذا الإسناد والأعرج كما تقدم في أواخر الصلاة وأبو رافع وهو عند مسلم وأحمد وأبو سلمة وهو عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة وعمران بن حصين وسأذكر ما في رواية كل منهم من الفائدة وأول حديث أبي سلمة كان رجل في بني إسرائيل تاجرًا وكان ينقص مرةً ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارةً هي خير من هذه فبنى صومعةً وترهب فيها وكان يقال له جريج فذكر الحديث …..
قال محققو المسند في تخريج الحديث رقم من مسند أحمد 8071 من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة :
إسناده صحيح على شرط الشيخين. جرير: هو ابن حازم.
وأخرجه أبو عوانة في البر والصلة كما في “إتحاف المهرة” 5/ورقة 249 من طريق وهب بن جرير، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (3436) عن مسلم بن إبراهيم، ومسلم (2550) (8) ، وابن حبان (6489) من طريق يزيد بن هارون، والبيهقي في “الشعب” (7879) من طريق موسى بن إسماعيل، ثلاثتهم عن جرير بن حازم، به.
وأخرجه بنحوه أبو عوانة في البر والصلة من طريق أيوب، عن محمد بن سيرين، به.
وأخرجه البخاري في “الصحيح” (2482) عن مسلم بن إبراهيم، عن جرير بن حازم، به – واقتصر فيه على قصة جريج.
وعلقها البخاري برقم (1206) عن الليث، عن جعفر بن ربيعة المصري، عن الأعرج، عن أبي هريرة، ووصلها الإسماعيلي وأبو نعيم كما في “تغليق التعليق” 2/444.
وأخرج قصة الرضيع البخاري في “الصحيح” (3466) ، وابن حبان (6488) ، وأبو يعلى (6289) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وأخرجه دون هذه القصة البخاري في “الأدب المفرد” (33) من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن محمد بن شرحبيل، عن أبي هريرة.
وسيأتي الحديث بطوله برقم (8072) من طريق جرير به، وستأتي قصة جريج منه برقم (8994) من طريق أبي رافع، وبرقم (9603) من طريق أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة، وستأتي قصة الرضيع برقم (9135) من طريق خلاس بن عمرو عن أبي هريرة.
وضعف محققو المسند رواية عمر بن أبي سلمة 9603 وما تفرد به من كون جريج كان تاجرا …
و رواية حماد بن سلمة عند أحمد 8994 ومن ألفاظها ( فوضع إصبعه على بطنها ) قال محققو المسند صحيح على شرط مسلم . وهو في مستخرج أبي عوانة 11123 وهو في غاية المقصد في زوائد المسند
قال صاحب أنيس الساري : رواه مع أبي هريرة . عمران وهي التي أخرجها الطبراني في الكبير من طريق مفضل بن فضالة
قال الهيثمي رواه الطبراني وفيه المفضل بن فضالة وثقه ابن حبان وغيره وضعفه جماعة . وروي في الكبير بإسناد جيد عن مالك بن عمرو القشيري قال نحوه
وضعف الحديث صاحب أنيس الساري بضعف المفضل . وعبدالرحمن بن سلمة ليس فيه توثيق ويأتي بالغرائب .
قال الحافظ: ورواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أبي هريرة عمران بن حُصين.
وقال: وفي حديث عمران بن حصين “وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يومًا وهو في صلاته”
وقال: وفي حديث عمران بن حصين أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات”
وقال: وفي حديث عمران بن حصين “فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات”
وقال: في حديث عمران بن حصين: أنها كانت بنت ملك القرية.
وقال: وفي حديث عمران “فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟ فلم بجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى”
وقال: وفي حديث عمران “فجعلوا يضربونه ويقولون: مراء تخادع الناس بعملك”
وقال: وفي حديث عمران “قال: فتولوا عني، فتولوا عنه فصلى ركعتين”
وقتل وفي حديث عمران ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال : من أبوك .
قلت سيف بن دورة :
هذه رواية حديث عمران لمعرفتها عند ذكر الروايات .
ولم أجد حديث مالك القشيري في المعجم الكبير . الذي ذكره الهيثمي وقال بنحوه يعني حديث عمران.
تنبيه : سبق شرح الحديث : في صحيح البخاري باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة
1206 – وقال الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز قال قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نادت امرأة ابنها وهو في صومعة قالت يا جريج …..
_
معاني المفردات:
المهد: الموضِع يُهَيَّأُ لينامَ فيه الصبي؛ والمعنى حال الرضاع والصغر.
صومعة: معبد الرُّهبان في الأماكن النَّائية “{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ}”.
الْمُومِسَات: الفواجر المجاهرات بذلك.
امْرَأَةٌ بَغِيٌّ: زانية.
يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا: يضرب بحسنها المثل.
لَأَفْتِنَنَّهُ: لأغوينه بالفاحشة.
فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا: فأذنت له أن يزني بها.
فَوَقَعَ عَلَيْهَا: فزنى بها.
دابة فَارِهَة: أَي جميلة وحسنة ونَشيطة وحاذقة؛ وفي التنزيل العزيز: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}.
وَشَارَة حَسَنَة: والشارة بالشين المعجمة وتخفيف الراء : وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس.
تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ: حدثت الصبي وحدثها.
حَلْقَى: يقال امرأة عقرى حلقى؛ توصَفُ بالخلاف والشُّؤم ويقال: عَقَرَها الله: أي عَقَرَ جَسَدَها وأصابها بوَجَع في حَلْقِها واشتقاقه من أنَّها تحِلق قَوْمَها وتَعْقِرُهمُ: أي تَسْتَأصِلُهُم من شُؤمِها عليهم. [كتاب العين للفراهيدي (1 / 152)].
——–
أولاً: شرح الحديث :
كم الذين تكلموا في المهد :
الإشكال أجاب عنه النووي في شرحه على صحيح الإمام مسلم فقال:« قوله صلى الله عليه وسلم ( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ) فذكرهم وليس فيهم الصبي الذي كان مع المرأة في حديث الساحر والراهب وقصة اصحاب الاخدود المذكور في آخر صحيح مسلم وجوابه أن ذلك الصبي لم يكن في المهد بل كان اكبر من صاحب المهد وإن كان صغيرا ».
شرح النووي على مسلم [16 /106]
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح:
قوله( لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ) قال القرطبي في هذا الحصر نظر إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك وفيه بعد ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدًا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد لكنه يعكر عليه أن في رواية بن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان بن سبعة أشهر وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة
وفيه تعقب على النووي في قوله إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث بن عباس عند أحمد والبزار وبن حبان والحاكم لم يتكلم في المهد إلا أربعة فلم يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أمه فإنا على الحق
وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة فيجتمع من هذا خمسة ووقع ذكر شاهد يوسف أيضًا في حديث عمران بن حصين لكنه موقوف وروى بن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث بن عباس إلا أنه لم يذكر بن الماشطة وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود أن امرأةً جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر ومعها صبي يرضع فتقاعست فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق
وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد أخرجه الثعلبي فإن ثبت صاروا سبعةً وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد وفي سير الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة وقصته في دلائل النبوة للبيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة والله أعلم على أنه اختلف في شاهد يوسف فقيل كان صغيرا وهذا أخرجه بن أبي حاتم عن بن عباس وسنده ضعيف وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وأخرج عن بن عباس أيضًا ومجاهد أنه كان ذا لحية وعن قتادة والحسن أيضًا كان حكيمًا من أهلها انتهى
قال الآلوسي: ” وقد جمع من ـ تكلم في المهد ـ فبلغوا أحد عشر نفساً ، وقد نظمهم الجلال السيوطي فقال:
تكلم في المهد النبي ( محمد ) … ( ويحيى وعيسى والخليل ومريم )
ومبرى ( جريج ) ثم ( شاهد يوسف ) … ( وطفل لذي الأخدود ) يرويه مسلم
( وطفل ) عليه مر بالأمة التي … يقال لها تزني ولا تتكلم
وماشطة في عهد فرعون ( طفلها ) … وفي زمن الهادي ( المبارك ) يختم
( روح المعاني، شهاب الدين الآلوسي،
قال الألباني في ” السلسلة الضعيفة و الموضوعة ” ( 2 / 271 )
880 – ” لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى ابن مريم ، و شاهد يوسف ، و صاحب جريج ،
و ابن ماشطة بنت فرعون ” .
باطل بهذا اللفظ . رواه الحاكم في ” المستدرك ” ( 2 / 295 ) …… و لم أجد في
حديث صحيح ما ينافي هذا الحصر الوارد في حديث الصحيحين إلا ما قصة غلام الأخدود
ففيها أنه قال لأمه : ” يا أمه اصبري فإنك على الحق ” رواه أحمد ( 6 / 17 – 18
) من حديث صهيب مرفوعا بسند صحيح على شرط مسلم . و فيه عنده زيادة أن أمه كانت
ترضعه ، و القصة عند مسلم أيضا ( 8 / 231 ) دون هذه الزيادة ، و قد عزاها
الحافظ في ” الفتح ” ( 6 / 371 ) لمسلم ، و هو وهم إن لم تكن ثابتة في بعض نسخ
مسلم . و قد جمع بين هذا الحديث و حديث الصحيحين بأن حمل هذا على أنه لم يكن في
المهد . و الله أعلم . و من تخاليط عطاء بن السائب أنه جعل قول هذا الغلام : ”
اصبري ….. ” من كلام ابن ماشطة بنت فرعون ! و سيأتي في لفظ : ” لما أسري بي
…….” . ثم إن ظاهر القرآن في قصة الشاهد أنه كان رجلا لا صبيا في المهد ،
إذ لو كان طفلا لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيا و برهانا قاطعا ، لأنه من
المعجزات ، و لما احتيج أن يقول : ” من أهلها ” ، و لا أن يأتي بدليل حي على
براءة يوسف عليه السلام و هو قوله : *( إن كان قميصه قد من قبل فصدقت و هو من
الكاذبين ، و إن كان قميصه قد من الدبر )* الآية ، و قد روى ابن جرير بإسناد
رجاله ثقات عن ابن عباس أن الشاهد كان رجلا ذا لحية ، و هذا هو الأرجح ، و الله
أعلم .
( فائدة ) ما يذكر في بعض كتب التفسير و غيرها أنه تكلم في المهد أيضا ،
إبراهيم و يحيى و محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين . فليس له أصل مسند إلى النبي
صلى الله عليه وسلم . فاعلم ذلك . انتهى
وقال ابن عثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين:
ذكر المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) .
أولاً: عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم، وعيسى بن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل، بل آخر الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم نبي، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف: 6] ، فليس بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين عيسى بن مريم نبي.
وأما ما يذكر عند المؤرخين من وجود أنبياء في العرب كخالد بن سنان وغيره، فهذا كذب ولا صحة له.
أما الثاني: فهو صاحب جريج ….. ثم ذكر قصته مختصره انتهى
—-
قوله ( وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج ) بجيمين مصغر وقد روى حديثه عن أبي هريرة محمد بن سيرين كما هنا
وتقدم في المظالم من طريقه بهذا الإسناد والأعرج كما تقدم في أواخر الصلاة وأبو رافع وهو عند مسلم وأحمد وأبو سلمة وهو عند أحمد ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة عمران بن حصين وسأذكر ما في رواية كل منهم من الفائدة وأول حديث أبي سلمة ( كان رجل في بني إسرائيل تاجرًا وكان ينقص مرةً ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارةً هي خير من هذه فبنى صومعةً وترهب فيها وكان يقال له جريج ) فذكر الحديث
ودل ذلك على أنه كان بعد عيسى بن مريم وأنه كان من أتباعه لأنهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع والصومعة بفتح المهملة وسكون الواو هي البناء المرتفع المحدد أعلاه ووزنها فوعلة من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس
قوله ( جاءته أمه ) ؛وفي رواية أبي رافع ( كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه ) ولم أقف في شيء من الطرق على اسمها وفي حديث عمران بن حصين ( وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يومًا وهو في صلاته ) وفي رواية أبي رافع عند أحمد ( فأتته أمه ذات يوم فنادته قالت أي جريج أشرف علي أكلمك أنا أمك )
قوله ( فدعته فقال أجيبها أو أصلي ) زاد المصنف في المظالم بالإسناد الذي ذكره هنا ( فأبى أن يجيبها ) ومعنى قوله ( أمي وصلاتي ) أي اجتمع علي إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما وفي رواية أبي رافع ( فصادفته يصلي فوضعت يدها على حاجبها فقالت يا جريج فقال يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت ثم أتته فصادفته يصلي فقالت يا جريج أنا أمك فكلمني فقال مثله فذكره ) وفي حديث عمران بن حصين ( أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات ) وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي ( فقال أمي وصلاتي لربي أوثر صلاتي على أمي ذكره ثلاثًا ) وكل ذلك محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به ويحتمل أن يكون نطق به على ظاهره لأن الكلام كان مباحًا عندهم وكذلك كان في صدر الإسلام وقد قدمت في أواخر الصلاة ذكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه ( لو كان جريج عالمًا لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته ) ضعفه الالباني
قوله ( فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ) وفي رواية الأعرج ( حتى ينظر في وجوه المياميس ) ومثله في رواية أبي سلمة وفي رواية أبي رافع (حتى تريه المومسة) بالإفراد وفي حديث عمران بن حصين ( فغضبت فقالت اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات ) والمومسات جمع مومسة بضم الميم وسكون الواو وكسر الميم بعدها مهملة وهي الزانية وتجمع على مواميس بالواو وجمع في الطريق المذكورة بالتحتانية وأنكره بن الخشاب أيضًا ووجهه غيره كما تقدم في أواخر الصلاة وجوز صاحب المطالع فيه الهمزة بدل الياء بل أثبتها روايةً ووقع في رواية الأعرج ( فقالت أبيت أن تطلع إلي وجهك لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة ) قوله (فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها ) وفي رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عند أحمد ( فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج فقالت بغي منهم إن شئتم لأفتننه قالوا قد شئنا فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج ) ولم أقف على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين ( أنها كانت بنت ملك القرية ) وفي رواية الأعرج ( وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم) ونحوه في رواية أبي رافع عند أحمد وفي رواية أبي سلمة (وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى )
ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرةً وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريجًا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته قوله فولدت غلامًا فيه حذف تقديره فحملت حتى انقضت أيامها فولدت وكذا قوله فقالت (من جريج ) فيه حذف تقديره فسئلت ممن هذا فقالت من جريج وفي رواية أبي رافع التصريح بذلك ولفظه (فقيل لها ممن هذا فقالت هو من صاحب الدير ) وزاد في رواية أحمد ( فأخذت وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا قالت هو من صاحب الصومعة ) زاد الأعرج ( نزل إلي من صومعته ) وفي رواية الأعرج ( فقيل لها من صاحبك قالت جريج الراهب نزل إلي فأصابني ) زاد أبو سلمة في روايته ( فذهبوا إلى الملك فأخبروه قال أدركوه فأتوني به ) قوله ( فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه ) وفي رواية أبي رافع ( فأقبلوا بفئوسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأقبلوا يهدمون ديره ) وفي حديث عمران ( فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم مالكم فلم يجيبوه فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى ) قوله وسبوه زاد أحمد عن وهب بن جرير ( وضربوه فقال ما شأنكم قالوا إنك زنيت بهذه ) وفي رواية أبي رافع عنده ( فقالوا أي جريج انزل فأبى يقبل على صلاته فأخذوا في هدم صومعته فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلًا وجعلوا يطوفون بهما في الناس )
وفي رواية أبي سلمة ( فقال له الملك ويحك يا جريج كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه اذهبوا به فاصلبوه ) وفي حديث عمران ( فجعلوا يضربونه ويقولون مراء تخادع الناس بعملك ) وفي رواية الأعرج ( فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم فقالوا لم يضحك حتى مر بالزواني )
قوله ( فتوضأ وصلى ) وفي رواية وهب بن جرير ( فقام وصلى ودعا ) وفي حديث عمران ( قال فتولوا عني فتولوا عنه فصلى ركعتين) قوله ( ثم أتى الغلام فقال من أبوك يا غلام فقال الراعي ) زاد في رواية وهب بن جرير ( فطعنه بأصبعه فقال بالله يا غلام من أبوك فقال أنا بن الراعي ) وفي مرسل الحسن عند بن المبارك في البر والصلة ( أنه سألهم أن ينظروه فأنظروه فرأى في المنام من أمره أن يطعن في بطن المرأة فيقول أيتها السخلة من أبوك ففعل فقال راعي الغنم ) وفي رواية أبي رافع، ( ثم مسح رأس الصبي فقال من أبوك قال راعي الضأن ) وفي روايته عند أحمد ( فوضع أصبعه على بطنها )،وفي رواية أبي سلمة ( فأتي بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج يا غلام من أبوك فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي الضأن ) وفي رواية الأعرج ( فلما أدخل على ملكهم قال جريج أين الصبي الذي ولدته فأتي به فقال من أبوك قال فلان سمى أباه ) قلت ولم أقف على اسم الراعي ويقال إن اسمه صهيب وأما الابن فتقدم في أواخر الصلاة بلفظ (فقال يا بابوس )
وتقدم شرحه أواخر الصلاة وأنه ليس اسمه كما زعم الداودي وإنما المراد به الصغير وفي حديث عمران ( ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنًا ثم أتى الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال من أبوك ) ووقع في التنبيه لأبي الليث السمرقندي بغير إسناد أنه قال للمرأة أين أصبتك قالت تحت شجرة فأتى تلك الشجرة فقال يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة فقال كل غصن منها راعي الغنم
ويجمع بين هذا الاختلاف بوقوع جميع ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي ووضع إصبعه على بطن أمه وطعنه بإصبعه وضربه بطرف العصا التي كانت معه وأبعد من جمع بينها بتعدد القصة وأنه استنطقه وهو في بطنها مرةً قبل أن تلد ثم استنطقه بعد أن ولد زاد في رواية وهب بن جرير (فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه ) وزاد الأعرج في روايته ( فأبرأ الله جريجًا وأعظم الناس أمر جريج ) وفي رواية أبي سلمة ( فسبح الناس وعجبوا قوله قالوا نبني صومعتك من ذهب قال لا إلا من طين) وفي رواية وهب بن جرير ( ابنوها من طين كما كانت ) وفي رواية أبي رافع ( فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعيدوه كما كان ففعلوا ) وفي نقل أبي الليث فقال له الملك نبنيها من ذهب قال لا قال من فضة قال لا إلا من طين زاد في رواية أبي سلمة ( فردوها فرجع في صومعته
فقالوا له بالله مم ضحكت فقال ما ضحكت إلا من دعوة دعتها علي أمي )
وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الاستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب قال النووي وغيره إنما دعت عليه فأجيبت لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا وتعلقاتها
كذا قال النووي وفيه نظر لما تقدم من أنها كانت تأتيه فيكلمها والظاهر أنها كانت تشتاق إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه وكأنه إنما لم يخفف ثم يجيبها لأنه خشي أن ينقطع خشوعه وقد تقدم في أواخر الصلاة من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو كان جريج فقيهًا لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه أخرجه الحسن بن سفيان
ضعفه الألباني
وهذا إذا حمل على إطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقًا لإجابة نداء الأم نفلًا كانت أو فرضًا وهو وجه في مذهب الشافعي حكاه الروياني وقال النووي تبعًا لغيره هذا محمول على أنه كان مباحا في شرعهم . وفيه نظر قدمته في أواخر الصلاة .
( يقولون سرقت ولم تسرق زنيت ولم تزن وهي تقول حسبي الله ) وفي رواية الأعرج ( يقولون لها تزني وتقول حسبي الله ويقولون لها تسرق وتقول حسبي الله )،ووقع في رواية خلاس المذكورة ( أنها كانت حبشيةً أو زنجيةً وأنها ماتت فجروها حتى ألقوها )،وهذا معنى قوله في رواية الأعرج( تجرر )
وفي الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتخاف سوء الحال بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة كما قال تعالى حكايةً عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير
وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها انتهى من الفتح.
—–
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): فصل: جامع في تعارض الحسنات والسَّيِّئات
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى:
فَصْلٌ: جامِعٌ فِي تَعارُضِ الحَسَناتِ؛ أوْ السَّيِّئاتِ؛ أوْ هُما جَمِيعًا. إذا اجْتَمَعا ولَمْ يُمْكِنْ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُما؛ بَلْ المُمْكِنُ إمّا فِعْلُهُما جَمِيعًا وإمّا تَرْكُهُما جَمِيعًا … .
أنَّ الشَّرِيعَةَ جاءَتْ بِتَحْصِيلِ المَصالِحِ وتَكْمِيلِها وتَعْطِيلِ المَفاسِدِ وتَقْلِيلِها، وأنَّها تُرَجِّحُ خَيْرَ الخَيْرَيْنِ وشَرَّ الشَّرَّيْنِ، وتَحْصِيلِ أعْظَمِ المَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ أدْناهُما، وتَدْفَعُ أعْظَمَ المَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمالِ أدْناهُما، فَنَقُولُ:
قَدْ أمَرَ اللَّهُ ورَسُولُهُ بِأفْعالِ واجِبَةٍ ومُسْتَحَبَّةٍ؛ وإنْ كانَ الواجِبُ مُسْتَحَبًّا وزِيادَةً.
ونَهى عَنْ أفْعالٍ مُحَرَّمَةٍ أوْ مَكْرُوهَةٍ والدِّينُ هُوَ طاعَتُهُ وطاعَةُ رَسُولِهِ وهُوَ الدِّينُ والتَّقْوى؛ والبِرُّ والعَمَلُ الصّالِحُ؛ والشِّرْعَةُ والمِنهاجُ وإنْ كانَ بَيْنَ هَذِهِ الأسْماءِ فُرُوقٌ. وكَذَلِكَ حَمِدَ أفْعالًا هِيَ الحَسَناتُ ووَعَدَ عَلَيْها وذَمَّ أفْعالًا هِيَ السَّيِّئاتُ وأوْعَدَ عَلَيْها
وقَيَّدَ الأُمُورَ بِالقُدْرَةِ والِاسْتِطاعَةِ والوُسْعِ والطّاقَةِ …. .
وقالَ فِي المُتَعارِضِ: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الخَمْرِ والمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إثْمٌ كَبِيرٌ ومَنافِعُ لِلنّاسِ وإثْمُهُما أكْبَرُ مِن نَفْعِهِما﴾ وقالَ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ وهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وعَسى أنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسى أنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ …،
ونَقُولُ: إذا ثَبَتَ أنَّ الحَسَناتِ لَها مَنافِعُ وإنْ كانَتْ واجِبَةً: كانَ فِي تَرْكِها مَضارُّ والسَّيِّئاتُ فِيها مَضارُّ وفِي المَكْرُوهِ بَعْضُ حَسَناتٍ. فالتَّعارُضُ إمّا بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ لا يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُما؛ فَتُقَدَّمُ أحْسَنُهُما بِتَفْوِيتِ المَرْجُوحِ وإمّا بَيْنَ سَيِّئَتَيْنِ لا يُمْكِنُ الخُلُوُّ مِنهُما؛ فَيَدْفَعُ أسْوَأهُما بِاحْتِمالِ أدْناهُما. وإمّا بَيْنَ حَسَنَةٍ وسَيِّئَةٍ لا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُما؛ بَلْ فِعْلُ الحَسَنَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِوُقُوعِ السَّيِّئَةِ؛ وتَرْكُ السَّيِّئَةِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَرْكِ الحَسَنَةِ؛ فَيُرَجَّحُ الأرْجَحُ مِن مَنفَعَةِ الحَسَنَةِ ومَضَرَّةِ السَّيِّئَةِ.
فالأوَّلُ، كالواجِبِ والمُسْتَحَبِّ؛ وكَفَرْضِ العَيْنِ وفَرْضِ الكِفايَةِ؛ مِثْلَ: تَقْدِيمِ قَضاءِ الدَّيْنِ المُطالَبِ بِهِ عَلى صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ.
والثّانِي، كَتَقْدِيمِ نَفَقَةِ الأهْلِ عَلى نَفَقَةِ الجِهادِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ؛ وتَقْدِيمِ نَفَقَةِ الوالِدَيْنِ عَلَيْهِ كَما فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ﴿أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ: الصَّلاةُ عَلى مَواقِيتِها قُلْت: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: ثُمَّ بِرُّ الوالِدَيْنِ قُلْت. ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: ثُمَّ الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [رواه البخاري في (الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، ٢٧٨٢)، ومسلم في (الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، ٨٥)؛ من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]
وتَقْدِيمُ الجِهادِ عَلى الحَجِّ كَما فِي الكِتابِ والسُّنَّةِ مُتَعَيَّنٌ عَلى مُتَعَيَّنٍ ومُسْتَحَبٌّ عَلى مُسْتَحَبٍّ وتَقْدِيمُ قِراءَةِ القُرْآنِ عَلى الذِّكْرِ إذا اسْتَوَيا فِي عَمَلِ القَلْبِ واللِّسانِ وتَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَيْهِما إذا شارَكَتْهُما فِي عَمَلِ القَلْبِ وإلّا فَقَدْ يَتَرَجَّحُ الذِّكْرُ بِالفَهْمِ والوَجَلِ عَلى القِراءَةِ الَّتِي لا تُجاوِزُ الحَناجِرَ وهَذا بابٌ واسِعٌ.
والثّالِثُ، كَتَقْدِيمِ المَرْأةِ المُهاجِرَةِ لِسَفَرِ الهِجْرَة بِلا مَحْرَمٍ عَلى بَقائِها بِدارِ الحَرْبِ، كَما فَعَلَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ الَّتِي أنْزَلَ اللَّهُ فِيها آيَةَ الِامْتِحانِ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ﴾، وكَتَقْدِيمِ قَتْلِ النَّفْسِ عَلى الكُفْرِ كَما قالَ تَعالى: ﴿والفِتْنَةُ أكْبَرُ مِنَ القَتْلِ﴾، فَتُقْتَلُ النُّفُوسُ الَّتِي تَحْصُلُ بِها الفِتْنَةُ عَنْ الإيمانِ لِأنَّ ضَرَرَ الكُفْرِ أعْظَمُ مِن ضَرَرِ قَتْلِ النَّفْسِ وكَتَقْدِيمِ قَطْعِ السّارِقِ ورَجْمِ الزّانِي وجَلْدِ الشّارِبِ عَلى مَضَرَّةِ السَّرِقَةِ والزِّنا والشُّرْبِ وكَذَلِكَ سائِرُ العُقُوباتِ المَأْمُورِ بِها فَإنَّما أمَرَ بِها مَعَ أنَّها فِي الأصْلِ سَيِّئَةٌ وفِيها ضَرَرٌ؛ لِدَفْعِ ما هُوَ أعْظَمُ ضَرَرًا مِنها؛ وهِيَ جَرائِمُها؛ إذْ لا يُمْكِنُ دَفْعُ ذَلِكَ الفَسادِ الكَبِيرِ إلّا بِهَذا الفَسادِ الصَّغِيرِ.
وكَذَلِكَ فِي «بابِ الجِهادِ» وإنْ كانَ قَتْلُ مَن لَمْ يُقاتِلْ مِن النِّساءِ والصِّبْيانِ وغَيْرِهِمْ حَرامًا فَمَتى اُحْتِيجَ إلى قِتالٍ قَدْ يَعُمُّهُمْ مِثْلُ: الرَّمْيُ بِالمَنجَنِيقِ والتَّبْيِيتُ بِاللَّيْلِ جازَ ذَلِكَ كَما جاءَتْ فِيها السُّنَّةُ فِي حِصارِ الطّائِفِ ورَمْيِهِمْ بِالمَنجَنِيقِ وفِي أهْلِ الدّارِ مِن المُشْرِكِينَ يَبِيتُونَ وهُوَ دَفْعٌ لِفَسادِ الفِتْنَةِ أيْضًا بِقَتْلِ مَن لا يَجُوزُ قَصْدُ قَتْلِهِ.
وكَذَلِكَ «مَسْألَةُ التَّتَرُّسِ» الَّتِي ذَكَرَها الفُقَهاءُ؛ فَإنَّ الجِهادَ هُوَ دَفْعُ فِتْنَةِ الكُفْرِ فَيَحْصُلُ فِيها مِن المَضَرَّةِ ما هُوَ دُونَها؛ ولِهَذا اتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى أنَّهُ مَتى لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ المُسْلِمِينَ إلّا بِما يُفْضِي إلى قَتْلِ أُولَئِكَ المُتَتَرَّسِ بِهِمْ جازَ ذَلِكَ؛ وإنْ لَمْ يَخَفْ الضَّرَرَ لَكِنْ لَمْ يُمْكِنْ الجِهادُ إلّا بِما يُفْضِي إلى قَتْلِهِمْ فَفِيهِ قَوْلانِ …
وأمّا الرّابِعُ: فَمِثْلُ أكْلِ المَيْتَةِ عِنْدَ المَخْمَصَةِ؛ فَإنَّ الأكْلَ حَسَنَةٌ واجِبَةٌ لا يُمْكِنُ إلّا بِهَذِهِ السَّيِّئَةِ ومَصْلَحَتُها راجِحَةٌ وعَكْسُهُ الدَّواءُ الخَبِيثُ؛ فَإنَّ مَضَرَّتَهُ راجِحَةٌ عَلى مَصْلَحَتِهِ مِن مَنفَعَةِ العِلاجِ لِقِيامِ غَيْرِهِ مَقامَهُ؛ ولِأنَّ البُرْءَ لا يُتَيَقَّنُ بِهِ وكَذَلِكَ شُرْبُ الخَمْرِ لِلدَّواءِ.
فَتَبَيَّنَ أنَّ السَّيِّئَةَ تُحْتَمَلُ فِي مَوْضِعَيْنِ دَفْعِ ما هُوَ أسْوَأُ مِنها إذا لَمْ تُدْفَعْ إلّا بِها وتَحْصُلُ بِما هُوَ أنْفَعُ مِن تَرْكِها إذا لَمْ تَحْصُلْ إلّا بِها والحَسَنَةُ تُتْرَكُ فِي مَوْضِعَيْنِ إذا كانَتْ مُفَوِّتَةً لِما هُوَ أحْسَنُ مِنها؛ أوْ مُسْتَلْزِمَةً لِسَيِّئَةٍ تَزِيدُ مَضَرَّتُها عَلى مَنفَعَةِ الحَسَنَةِ.
هَذا فِيما يَتَعَلَّقُ بِالمُوازَناتِ الدِّينِيَّةِ.
وأمّا سُقُوطُ الواجِبِ لِمَضَرَّةِ فِي الدُّنْيا؛ وإباحَةُ المُحَرَّمِ لِحاجَةِ فِي الدُّنْيا؛ كَسُقُوطِ الصِّيامِ لِأجْلِ السَّفَرِ؛ وسُقُوطِ مَحْظُوراتِ الإحْرامِ وأرْكانِ الصَّلاةِ لِأجْلِ المَرَضِ فَهَذا بابٌ آخَرُ يَدْخُلُ فِي سِعَةِ الدِّينِ ورَفْعِ الحَرَجِ الَّذِي قَدْ تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرائِعُ؛ بِخِلافِ البابِ الأوَّلِ؛ فَإنَّ جِنْسَهُ مِمّا لا يُمْكِنُ اخْتِلافُ الشَّرائِعِ فِيهِ وإنْ اخْتَلَفَتْ فِي أعْيانِهِ بَلْ ذَلِكَ ثابِتٌ فِي العَقْلِ كَما يُقالُ: لَيْسَ العاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ الخَيْرَ مِن الشَّرِّ وإنَّما العاقِلُ الَّذِي يَعْلَمُ خَيْرَ الخَيْرَيْنِ وشَرَّ الشَّرَّيْنِ ويَنْشُدُ:
إنّ اللَّبِيبَ إذا بَدا مِن جِسْمِهِ مَرَضانِ مُخْتَلِفانِ داوى الأخْطَرا، وهَذا ثابِتٌ فِي سائِرِ الأُمُورِ لا التحليل والإسقاط، مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلًا لمعصية أكبر منها، فيترك الأمر بها دفعًا لوقوع تلك المعصية، مثل أن ترفع مذنبًا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدى عليه في العقوبة ما يكون أعظم ضررًا من ذنبه، ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركًا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات؛ فيسكت عن النهي خوفًا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسوله مما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر.
فالعالم تارة يأمر، وتارة ينهى، وتارة يبيح، وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة؛ كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح، أو النهي عن الفساد الخالص أو الراجح، وعند التعارض يرجح الراجح – كما تقدم – بحسب الإمكان، فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن؛ إما لجهله، وإما لظلمه، ولا يمكن إزالة جهله وظلمه؛ فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه، كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت، كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر.
فالعالم في البيان والبلاغ كذلك قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن، كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله ﷺ تسليمًا إلى بيانها …
ومن هنا يتبين سقوط كثير من هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم؛ فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبًا في الأصل، والله أعلم.
ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علمًا وعملًا أن ما قاله العالم أو الأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد، فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول؛ فإنه لا يأمر به، أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه؛ إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده، ولا أن يوجب عليه اتباعه؛ فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة: لا يأمر بها ولا ينهى عنها، بل هي بين الإباحة والعفو.
وهذا باب واسع جدًا؛ فتدبره!) [«مجموع الفتاوى» (٢٠ / ٤٨ – ٦١) بتصرف يسير].
**** *** ****
(المسألة الثانية): أحوال تقديم طاعة الوالدين:
من الضرورة التفريق بين الطاعات الواجبة والطاعات المستحبة:
1) طلب ترك الواجبات.
حيث إن ترك الواجبات يوقع فاعله في المعصية ويوجب استحقاق الإثم ، وليس لهذا الأمر تعلق بطاعة الوالدين ولا غيرهما ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل .
وصلاة الجماعة في المسجد من الواجبات لا المستحبات ، وعليه : فلا تجب طاعة الوالدين اللذين يمنعان ابنَهما البالغ العاقل القادر على الذهاب للمسجد من غير خوف ولا ضرر ، من الذهاب إلى بيت الله تعالى ليقيم فرائض الله تعالى فيها ، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه – ( 1 / 230 ) – معلَّقاً عن الحسن البصري رحمه الله قوله ” إن منعتْه أمُّه عن العشاء في الجماعة شفقة : لم يطعها ” ، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل ينهاه أبوه عن الصلاة في جماعة ، قال : ” ليس له طاعته في الفرض ” .
انظر ” غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ” للسفاريني ( 1 / 385 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
نصوص أحمد تدل على أنه لا طاعة لهما في ترك الفرض ، وهي صريحة في عدم ترك الجماعة وعدم تأخير الحج .
” المستدرك على مجموع الفتاوى ” ( 3 / 217 ) .
2) أما المستحبات والنوافل:
فلا شك أن فعلها مما يزيد في إيمان المسلم ، وهو يحتاج لفعلها ليتقرب من ربِّه عز وجل فيثيبه عليها ، وفعل المستحبات التي من جنس الفرائض مما يجبر نقصها
وللجواب على ذلك نقول : إن ضابط بر الوالدين في الطاعة يمكن إجماله في أمور:
- أن يكون أمرهما في مباح لا في ترك واجب ولا فعل محرَّم .
- أن يكون لهما فيما يأمران به نفع لهما أو مسوِّغ شرعي.
- أن لا يكون فيما يأمران به ضرر على ولدهما ، وأما إن كان فيه مشقة عليه فتجب الطاعة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر ، فإن شق عليه ولم يضره : وجب ، وإلا فلا .
” الفتاوى الكبرى ” ( 5 / 381 ) .
وعليه فيقال : بماذا ستنتفع الأم من أمرها ولدها بعدم صلاة السنن والامتناع عن قراءة القرآن ؟! نعم ؛ لو كانت محتاجة له لخدمتها أو رعايتها ، أو طلبت منه عونا ما ، أو نادت عليه ، وتعارض ذلك مع قيامه بنافلة أو أمر مستحب : فحينها يقال له فلتقدِّم الواجب – وهو بر أمك – على المستحب والنافلة ، أما عندما لا توجد حاجة أو منفعة للأم أو للأب في ترك ولدهما لشيء من النوافل والمستحبات ولا يوجد مسوغ شرعي لهذا الأمر : فحينها يقال له : لا تطعهما ودارِهما وقل لهما قولا معروفاً ، وحاول أن لا تظهر أنك تفعل شيئاً من النوافل والمستحبات أمامهما ، مع ضرورة دوام النصح والتذكير لهما بأهمية فعل الطاعات والتقرب إلى الله تعالى بها وحاجة المسلم لتكثير حسناته ليلقى بها ربه تعالى .
والخلاصة في طاعة الوالدين في المستحبات والنوافل:
- إذا كان أمر الوالدين لولدهما أن لا يصلي النوافل ولا يفعل الطاعات المستحبة بالكلية : فلا يطاعان ؛ لأن في هذا إماتة لتلك الشعائر مع عدم انتفاعهما بذلك الترك .
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل أمره أبواه أن لا يصلي إلا المكتوبة فقال ” يداريهما ويصلي” .
انظر ” غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ” ( 1 / 384 ) .
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله – :
وذكر أبو البركات – وهو جد شيخ الإسلام ابن تيمية – أن الوالد لا يجوز له منع ولده من السنن الراتبة ، وكذا الزوج والسيد ، ومقتضى كلام صاحب ” المحرر ” – وهو نفسه أبو البركات – هذا : أن كل ما تأكد شرعاً ، لا يجوز له منع ولده ؛ فلا يطيعه فيه .
” الآداب الشرعية ” ( 2 / 42 ) باختصار .
- إذا كان أمر الوالدين ولدهما بترك طاعة مستحبة لنفع لهما ، أو لخوف عليه حقيقي غير موهوم: فتجب طاعتهما ، كمن تأمر ابنها بعدم السفر لطلب العلم لصغر سنه وعدم قدرته على تدبير أمره ، أو كمن يأمره أبوه أن لا يصوم التطوع لضعف في بدنه أو لرغبته أن يشاركهم في دعوة على طعام لقريب أو صديق أو جار ، أو كمن يحتاج له والداه ليوصلهما لحاجة لهما أو ليبقى بجانبهما للعناية بهما .
- إذا كان منع الوالدين ولدهما من فعل المستحبات والنوافل لهوى في نفوسهما ، أو لقلة دين منهما ، أو لضعف في العقل والتمييز : فلا طاعة لهما ، ومع ذلك فليحسن لهما القول ويصاحبهما بالمعروف .
قال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله – :
وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق : لم يلتفت إليه ؛ أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته ، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له : أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة ، فلا يلتفت له الولد في ذلك .
” الفتاوى الفقهية الكبرى ” ( 2 / 104 ) .
وقال – رحمه الله – أيضاً – :
إذا ثبت رشد الولد الذي هو صلاح الدين والمال معاً : لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه ديناً أو دنيا ، ولا عبرة بريبة يتخيلها الأب ، مع العلم بصلاح دين ولده وكمال عقله .
” الفتاوى الفقهية الكبرى ” ( 2 / 104 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما الحكم إذا لم يسمح الوالد لولده بالاعتكاف وبأسباب غير مقنعة ؟ .
فأجاب :
الاعتكاف سنَّة ، وبر الوالدين واجب ، والسنة لا يسقط بها الواجب ولا تعارض الواجب أصلاً ؛ لأن الواجب مقدم عليها ، وقد قال تعالى في الحديث القدسي ( ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ) – رواه البخاري – فإذا كان أبوك يأمرك بترك الاعتكاف ويذكر أشياء تقتضي أن لا تعتكف لأنه محتاج إليك فيها : فإن ميزان ذلك عنده وليس عندك ؛ لأنه قد يكون الميزان عندك غير مستقيم وغير عدل ، لأنك تهوى الاعتكاف فتظن أن هذه المبررات ليست مبرراً ، وأبوك يرى أنها مبرر : فالذي أنصحك به أن لا تعتكف .
لكن لو لم يذكر مبررات لذلك : فإنه لا يلزمك طاعته في هذه الحال ؛ لأنه لا يلزمك أن تطيعه في أمر ليس فيه منفعة له ، وفيه تفويت منفعة لك .
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 20 / 159 ) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً :
عن طالب علم يريد أن يذهب مع إخوانه في الله لطلب العلم ، وكان الحائل بينه وبين الذهاب معهم هو أهله ، والده وأمه ، فما الحكم في خروج هذا الطالب ؟ .
فأجاب:
هذا الطالب إن كان هناك ضرورة لبقائه عندهم : فهذا أفضل ، مع أنه يمكنه أن يبقى عندهم مع طلب العلم ؛ لأن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله ، والعلم من الجهاد ، وبالتالي فيكون بر الوالدين مقدماً عليه إذا كانا في حاجة إليه ، أما إذا لم يكونا في حاجة إليه ويتمكن من طلب العلم أكثر إذا خرج : فلا حرج عليه أن يخرج في طلب العلم في هذه الحال ، ولكنه مع هذا لا ينسى حق الوالدين في الرجوع إليهما وإقناعهما إذا رجع .
وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي : فهؤلاء لا طاعة لهما ، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج ؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي . ” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 26 / 58، 59 ) .
وسيأتي في الفتاوى أمثلة على تقديم بر الوالدين على أعمال التطوع
(المسألة الثالثة): بر الوالدين يحمي من المصائب قبل وقوعها، ويعالجها بعد وقوعها بإذن الله.
من أسباب الحماية من المصائب قبل وقوعها، ورفعها بعد وقوعها: البر بالوالدين.
ولقد حث الإسلام على إكرام الوالدين والبر بهما والبعد عن عقوقهما،
والآيات والاحاديث في برهما كثيرة . وسبق التوسع في بعض الشروح
ومن عظيم حقهما، ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ: «لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه.» [أخرجه البخاري: ١/ ١٧]، وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أوصاني رسول الله ﷺ بعشر كلمات فقال: «لا تشرك بالله شيئًا، وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك …» [أخرجه أحمد ٥/ ٢٢٥، والطبراني في الكبير: ٢٠/ ٨٢، والبيهقي في الكبرى: ٧/ ٣٠٤، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٤/ ٢١٥ (رجال أحمد ثقات)].
قلت سيف بن دورة : منقطع عبدالرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ وراجع الدراية فيما زيد من أحاديث معلة أما فقرات الحديث وشواهدها فراجع لها تحقيق المسند 22075
وقد حذر ونهى ﷺ عن عقوقهما، فقال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة، العاق لوالديه، والمدمن الخمر، والمنّان بما أعطى» [أخرجه النسائي في المجتبى: ٥ ٨٠، وأحمد: ٢/ ١٣٤، وأبو يعلى في مسنده: ٩/ ٤٠٨، قال محقق الكتاب حسين أسد **إسناده صحيح**]
قلت سيف بن دورة : سند للإمام أحمد فيه عبدالله بن يسار مجهول وانكره ابن عدي على عمر بن محمد بن زيد . وقد خرجت شواهده في كشف الأستار 2931 و 2932 في عشر صفحات وتوقفت في الحكم عليه هل يتقوى بالشواهد أم لا .
أي (لا ينظر الله أي نظر رحمة وإلا فلا يغيب أحد عن نظره والمؤمن مرحوم بالآخرة قطعًا .. (و) (العاق لوالديه) المقصر في أداء الحقوق إليهما) وعد ذلك من الكبائر.
فقد «سئل الرسول ﷺ: ما الكبائر، فقال: الإشراك بالله، قال: ثم ماذا، قال: عقوق الوالدين، قال: ثم ماذا، قال: اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم هو فيها كاذب» [أخرجه البخاري: ٦/ ٢٥٣٥]، وفي رواية مسلم «عقوق الوالد».
فالمسلم الرفيق يبر بوالديه بجميع أنواع البر.
أولاً: حماية بر الوالدين للمسلم من المصائب قبل وقوعها:
فقد قال ﷺ مبينا نزول الخير للابن البار: «ثلاث دعوات لا ترد دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر» [أخرجه ابن ماجه: ٢/ ١٢٧،والبيهقي في الكبرى: ٣/ ٣٤٥، (وصححه الألباني) في السلسلة: ١٧٩٠٧].
فحري بالمسلم الابتعاد عن عقوق الوالدين، والنجاة من المصائب والبلاء والتي تحل بالابن العاق لأبويه بسبب دعائهما عليه لعقوقه وإغضابه إياهما فدعوة الوالد على ولده مستجابة. قال ﷺ: «ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده» [أخرجه أبو داود: ٢/ ٨٩، والترمذي: ٤/ ٣١٥،وابن ماجه: ٢/ ٢٧١، وأحمد: ٢/ ٣٤٨، وصححه الألباني في السلسلة: ٥٩٦]، وقصة جريج دليل
يقول النووي: “باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها فيه قصة جريج رضي الله عنه وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها قال العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها لأنه كان في صلاة القربى والاستمرار فيها تطوع لا واجب وإجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته”، [شرح النووي على صحيح مسلم: ١٦/ ١٠٥]، وسبب تقديم جريج صلاته على إجابة والدته أنه لم يكن فقيهًا عالمًا بل كان عابدًا. قال ﷺ: «لو كان جريج عالمًا لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته» [أورده ابن حجر في الفتح: ٦/ ٤٨١، والعجلوني في الكشف:٢/ ٢٠٩،: (وقال له شواهد ..) وذكر السخاوي في المقاصد:١/ ٥٥٦ أن له شواهد، وقال الألباني في: سلسلة الأحاديث الضعيفة ١٥٩٩ (ضعيف)]، وفي رواية: «لو كان جريج الراهب فقيهًا عالمًا لعلم أن إجابته دعاء أمه ولى من عبادة ربه» [أخرجه البغدادي في تاريخه: ١٣/ ٤، وأورده البيهقي في شعب الإيمان: ٦/ ١٩٥) والهندي في كنز العمال رقم: ٤٥٤٤١، وقال السيوطي في الدر:٥/ ٢٦٦، (أخرجه البيهقي وضعفه …)]، فالواجب على المسلم البر بوالديه لأن البر بهما من أسباب قبول دعائه النافع، وهذا نراه فيما روي عن عمر بن الخطاب فقد كان إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر….. ليطلب منه الدعاء فما السبب في ذلك؟ السبب هو قوله: «له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره» [أخرجه: مسلم: ٤ ١٩٦٩.].
قلت سيف بن دورة : قصة أويس التي في صحيح ضعفها البخاري والعقيلي. وسبق الكلام بتفصيل في فضائله
ثانيًا: بر الوالدين يرفع المصائب بعد وقوعها:
قال ﷺ: «بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار …» وذكر منهم الرجل البار لوالديه [أخرجه مسلم: ٤/ ٢٠٩٩].
[انظر: مجلة البحوث الإسلامية – مجموعة من المؤلفين، بتصرف يسير].
(المسألة الرابعة): الفتاوى:
) تقديم بر الوالدين على الحج:
السؤال: والدي رجل شيخ كبير، وهو طريح الفراش لا يستطيع الحركة، ويأكل ويشرب جيداً جداً، وهو معي بالمنزل، وهو دائماً يقف عقبة دون حضوري للأراضي المقدسة ؟
الجواب: ينبغي أن تعلم أيها السائل أن بر الوالدين من أهم الواجبات، ومن أعظم الفرائض، كما قال الله جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وقال سبحانه: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].
وقال النبي ﷺ لما سئل: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله؟ قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فبر الوالدين من أهم المهمات حتى قدم على الجهاد، فكونك تقيم على والدك، وتحسن إليه، وترعاه، وتتلطف به، وتقضي حاجاته، هذا أعظم وأفضل من حجك ومجيئك إلى الأرض المقدسة، فنوصيك أيها الأخ بلزوم أبيك، والإحسان إليه، والاستمرار في بره حتى يشفيه الله أو يتوفاه الله، وبعد ذلك في إمكانك التوجه للحج أو العمرة، رزقنا الله وإياك التوفيق، وتقبل منا ومنك.[الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى]
2) حكم طاعة الوالدة في عدم الجهاد في سبيل الله
س: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي، ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد استأذنت والدتي فلم توافق، ولذا تأثرت كثيرًا، ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد. سماحة الشيخ: إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله، وأمي لا توافق. دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب.
ج: جهادك في أمك جهاد عظيم، الزم أمك وأحسن إليها إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر لقول النبي ﷺ: وإذا استنفرتم فانفروا وما دام ولي الأمر لم يأمرك فأحسن إلى أمك وارحمها، واعلم أن برها من الجهاد العظيم، قدمه النبي ﷺ على الجهاد في سبيل الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ فإنه قيل له: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله متفق على صحته، فقدم برهما على الجهاد، وجاء رجل يستأذنه قال: يا رسول الله، أحب أن أجاهد معك، فقال له ﷺ: أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد متفق على صحته، وفي رواية أخرى قال ﷺ: ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك وإلا فبرهما.
فهذه الوالدة ارحمها وأحسن إليها حتى تسمح لك، وهذا كله في جهاد الطلب وفيم إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير، أما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا إذا أمرك ولي الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة: 38 – 39] وقال النبي ﷺ: وإذا استنفرتم فانفروا متفق على صحته. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى[مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (6/164)].
(المسألة الخامسة): في فوائده:
1- قال النووي: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها؛ لأنه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوع، لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة، ويجيبها، ثم يعود لصلاته، فلعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها، وتضعف عزمه فيما نواه، وعاهد عليه.اهـ.
وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: فيه نظر؛ لأنها كانت تأتيه، فيكلمها، والظاهر أنها كانت تشتاق إليه، فتزوره، وتقتنع برؤيته وتكليمه، وكأنه إنما لم يخفف، ثم يجيبها؛ لأنه خشي أن ينقطع خشوعه.اهـ.
أقول – أي: صاحب فتح المنعم-: إن الحديث صريح في أنه آثر الاستمرار في الصلاة دون قطعها، ودون تخفيفها على إجابة أمه، وليست هناك إشارة إلى أنه خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها، وهذا سر خطئه، وإجابة دعاء أمه، وكان الأولى به أن يقطع صلاته، ويبرها .
وقد استنبط منه بعض العلماء جواز قطع الصلاة لإجابة نداء الأم مطلقا، نفلا أو فرضا؛ لأنه لم تحدد صلاة جريج، وهو وجه في مذهب الشافعية، ومنعه بعضهم نفلا وفرضا، وحملوا هذا الحديث على أن قطع الصلاة كان مباحا عندهم في شرعهم، والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلا، وعلم تأذي الوالد بالترك، وجبت الإجابة، وإلا فلا، وإن كانت فرضا، وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجبت، وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى بعضهم أن ذلك يختص بالأم، دون الأب، ورد بأنه لم يقل به أحد من السلف.
قال ابن عثيمين :
ويستفاد من هذه الجملة من هذا الحديث أن الوالدين إذا نادياك وأنت تصلي، فإن الواجب إجابتهما، لكن بشرط ألا تكون الصلاة فريضة، فإن كانت فريضة فلا يجوز أن تجيبهما، لكن إذا كانت نافلة فأجبهما.
إلا إذا كانا ممن يقدرون الأمور قدرها، وأنهما إذا علما أنك في صلاة عذراك فهنا أشر إليهما بأنك في صلاة؛ إما بالنحنحة، أو بقول: سبحان الله، أو برفع صوتك في آية تقرؤها، أو دعاء تدعو به
أما الفريضة فلا تقطعها لأحد، إلا عند الضرورة، كما لو رأيت شخصاً تخشى أن يقع في هلكة؛ في بئر، أو في بحر أو في نار، فهنا اقطع صلاتك للضرورة، وأما لغير ذلك فلا يجوز قطع الفريضة.
2- واستدل به على إجابة دعاء الأم، ولو كان بالضرر للابن.
3- ولو كان الابن معذورا.
4- قال بعضهم: وفيه الرفق بالتابع، إذا جرى منه ما يقتضي التأديب، لأن أم جريج مع غضبها منه، لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل. قاله الحافظ ابن حجر.
وفيه نظر، إذ العقوبة التي دعت عليه بها أفظع بكثير من الجناية التي اقترفها، فلا رفق فيها، وتظهر فظاعتها فيما حصل له، وما كان يمكن أن يحصل لولا لطف الله به، وما كان لها أن تدعو عليه بوقوع الفاحشة، فذاك دعاء بالفحش، ولا بالقتل، لأنه يؤلمها هي بالدرجة الأولى، ولو قيل: فيه قسوة الأم على ابنها عند الغضب، لكان أولى.
5- وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن غالبا.
6- وفيه قوة يقين جريج وصحة رجائه، لأنه استنطق المولود، مع كون العادة أنه لا ينطق، ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه. قاله الحافظ ابن حجر.
7- وفيه أن الله تعالى يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخرجا، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات، تهذيبا وزيادة لهم في الثواب.
8- وفيه إثبات كرامات الأولياء.
9- دعوة الوالدين مستجابة .قال ابن عثيمين : ويستفاد من هذه القطعة أن دعاء الوالد إذا كان بحق؛ فإنه حريّ بالإجابة، فدعاء الوالد على ولده إذا كان بحق؛ فهو حري أن يجيبه الله، ولهذا ينبغي لك أن تحترس غاية الاحتراس من دعاء الوالدين، حتى لا تعرض نفسك لقبول الله دعاءهما فتخسر.
10- أكرم الله من بَرَّهُما بإجابة دعواته، ومن ذلك حديث الثلاثة الذين انحدرت عليهم صخرة .
11- وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، حتى في العصور السابقة على الإسلام.
12- واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق، ويقبل قولها فيما تدعيه على الرجال، من الوطء، ويلحق به الولد، وأنه لا ينفعه جحد ذلك، إلا بحجة تدفع قولها.
13- استدل به بعضهم على نسبة ابن الزاني للزاني، فمن زنى بامرأة فولدت بنتا، لا يجوز له التزوج بتلك البنت، خلافا للشافعية، في أن ماء الزنا هدر، لا يثبت نسبا، ووجهة دلالة الحديث على المدعي، أن جريجا نسب ابن الزنا للزاني، في قوله: من أبوك؟ وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود، بشهادته له بذلك، في قوله: أبي فلان الراعي، فكانت تلك النسبة صحيحة، فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة، وإنما خرج التوارث والولاء بدليل آخر، فبقي ما عدا ذلك على حكمه، ويرد المخالفون بأن هذا قد يكون شرع من قبلنا، ولم يرد في شرعنا ما يؤيده.
وقد يكون المراد: من ماء من أنت؟ وسماه أبا مجازا.
فالله أعلم
قال ابن عثيمين :
ففي هذه القصة أن هذا الصبي تكلم وهو في المهد، وقال: إن أباه فلان الراعي، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن ولد الزنى يلحق الزاني؛ لأن جريجاً قال: من أبوك؟ قال: لأبي فلان الراعي، وقد قصها النبي صلى الله عليه وسلم علينا للعبرة، فإذا لم ينازع الزاني في الولد واستلحق الولد فإنه يلحقه، وإلى هذا ذهب طائفة يسيرة من أهل العلم.
وأكثر العلماء على أن ولد الزنى لا يلحق الزاني؛ لقوله النبي صلى الله عليه وسلم: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) لكن الذين قالوا بلحوقه قالوا هذا إذا كان له منازع كصاحب الفراش، فإن الولد لصاحب الفراش، وأما إذا لم يكن له منازع واستلحقه فإنه يلحقه؛ لأنه ولده قدراً، فإن هذا الولد لا شك أنه خلق من ماء الزاني فهو ولده قدراً، ولم يكن له أب شرعي ينازعه، وعلى هذا فيلحق به.
قالوا: وهذا أولى من ضياع نسب هذا الولد؛ لأنه إذا لم يكن له أب ضاع نسبه، وصار ينسب إلى أمه.
14- المفزع في الأمور المهمة إلى الله تعالى، يكون بالصلاة.
15- فيها أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة، خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة.
(قال أبو محمد الأصيلي
، أن هذه الأمة مخصوصة بالوضوء من
بين سائر الأمم.
والصحيح أن الغرة والتحجيل هي التي من خواص هذه الأمة لا أصل الوضوء.
كما نص على ذلك القسطلاني في شرح البخاري (١/٢٢٩ ،(وابن حجر في
.(٢٨٤/١)الفتح
فالوضوء ثابتٌ لغير هذه الأمّة بنصوصٍ عديدةٍ، منها:
١ -حديث أبي هريرة رضي االله عنه قال: قال رسول االله صلى االله عليه وسلم:
“هاجر إبراهيم بسارة، دخل هبا قريةً فيها ملكٌ من الملوك أو جبّارٌ من الجبابرة .
فأرسل إليه أن أرسل إليّ هبا. فأرسل هبا، فقام إليها، فقامت تتوضّأ وتصلّي، فقالت:
اللّهمّ إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلّط عليّ الكافر، فغطّ حتّى ركض
برجله”.
رواه البخاري ٦٩٥٠ ، ومسلم ٢٣٧١
16- وأن من هدم حائطا بنى مثله، وذهب مالك إلى وجوب القيمة الناجزة، أما البنيان فقد يتأخر.
17- بر الوالدين يحمي من المصائب قبل وقوعها، ويعالجها بعد وقوعها بإذن الله.
18- وفي قصة الغلام الذي تكلم في الصغر : أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير، لطلب المرأة الخير لابنها، ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها. [انظر: فتح المنعم، بتصرف].
19- عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ أيٌّ الأعمال أفضل؟ فقال: «الصلاة لأول وقتها». قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال: “ثم
الجهاد في سبيل الله» فجعل الجهاد مؤخرًا عن بر الوالدين الذي هو مؤخر عن الصلاة، وهو في الحديث السالف مقدم على الحج؛ فكان تقديم الصلاة على الحج من طريق الأولى، وتركه -عليه السلام- ذكر الصلاة فيه يحتمل أن يكون لعلمه بمحافظة السائل عليها أو علمه بفضلها، وحاجته لبيان ما سواها.
ولأن الحج والجهاد، وإن اشتمل كل منهما على نوعين من العبادة فالصلاة تشتمل على أنواع-كما ذكرنا- فكان تقديمها أولى، وبهذا يقع الجواب عن الصوم أيضًا.
[كفاية النبيه في شرح التنبيه – ابن الرفعة (ت ٧١٠)، ٣ / ٢٩٦].
20في الحديث دلالة على أن مصدر السنة هو
الوحي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن الأمم السابقة إلا وحيا؛ فهو لم يدرس بل كان عليه الصلاة والسلام أميًا؛ ولم يعرف له مجالسة أهل الكتاب
21 – لا رهبانية في الإسلام؛ فإن الإسلام دين لا يهمل متطلبات النفس وشهواتها؛ فيعطيها بالسبل المشروعة والطرق الحلال؛ فهو دين الوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط؛ وقد أخرج أحمد (22291) وغيره حديث : “إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”
22 – خطر الدعاء على الأولاد.
23 – مشروعية الدفاع عن النفس
24 – عدم الاغترار بالمظاهر
25 – الوسيلة التعليمية لتقريب المعنى وتسهيل الفهم
26 – فضل قول: حسبي الله ونعم الوكيل.
===
27 – وفي الحديث عظيم قدرة الله في إحداث الأشياء الخارقة للعادة، تأييدا لعباده الصالحين.
28 – رغم سوء بني إسرائيل إلا أنه كان فيهم مجموعة من العباد والزهاد الذين يعرفون الله حق المعرفة، منهم: جريج.
29 – كان العباد والرهبان يتخذون لأنفسهم صومعات وهي عبارة عن: مكان مرتفع يتخذ للعبادة ، وينقطع فيه الإنسان غالبا عن أعين الناس.
30 – الظاهر أن جريج كان من اتباع عيسى عليه الصلاة والسلام، لأنهم هم الذين اتخذوا الرهبنة ، والانقطاع للعبادة.
31 – وفي الحديث جواز التفكير في الصلاة في أمر مشروع، لأن جريج فكر أن يرد على أمه في الصلاة، ولكنه آثر البقاء فيها.
32- وفي الحديث أيضا دليل على أن الشفقة التي أودعها الله في الوالدين قد يوجد ما يرفع هذه الشفقة
33 – أوجد الله في هذه الحياة أسباب الهداية، وأسباب الضلال، والله سبحانه لا يمنع من حصول النتائج إذا وقعت أسبابها، لأنه أوجد كل هذا فتنة للعباد .
34 – قد يكون الحسد في كل شيء حتى في العبادة
35 – الساقطون في وحل الرذيلة يظنون أن الناس مثلهم يتساقطون في الشهوات.
36- يحاول أهل الرذيلة تشويه صفحة الصالحين.
37 – التقوى تعصم صاحبها من الوقوع في الرذيلة، كما حصل مع جريج.
38- التسرع في الاتهام يورث الإنسان المتهم(بكسر الهاء) ندما كبيرا، فيسبب له الاعتذار أمام الناس عما بدر منه.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من ذلك فيقول: ” إياك و كل ما يعتذر منه ” .
قال الألباني في “السلسلة الصحيحة، حديث رقم: 354.
رواه الضياء في ” المختارة ” ( 131 / 1 ) عن عمرو بن الضحاك حدثنا أبو الضحاك
ابن مخلد أنبأ شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعا .
قلت : وهذا سند حسن. أ هـ.
39 – مهما تستر أهل الباطل على باطلهم فلا بد من يوم يكشف فيه زيفهم، كما حدث مع هذه الزانية.
40 – الإنسان الصالح ينفعه صلاحه وقت الحاجة.
41 – الإنسان الصالح المتهم الذي تظهر براءته يزيد رصيده بين الناس حبا ومدحا وثناء.
42 – يمكن أن يصحح الخطأ، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، فقد رجعوا يعتذرون لجريج .
43 – وفيه أن كرامات الأولياء قد تقع باختيارهم وطلبهم.
44- حرمة بناء المساجد من ذهب أو فضة.
45 – جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه القدرة على ذلك، كما فعل جريج فإنه كان دائم الصلاة.
46 – قوة اليقين والرجاء بالله، فما الذي جعله يسأل الصبي إلا قوة يقينه بالله، وحسن توكله عليه.
47 – الله سبحانه يلهم أهل الإيمان بأشياء قد لا تخطر على بال أحد، كما ألهم جريج أن يكلم الغلام الرضيع، وقد يكون هذا من الوحي بالإلهام، كما أوحى الله إلى أم موسى أن تلقي ابنها في البحر.
48 – قد يكون من الجائز عندهم التَّمَسُّحِ بالصالحين بِخِلافِ ما جاء في شريعةِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام أو إنما تمسح بجريج أهل البدع .
49 – قال ابن عثيمين :
وجريج رجل عابد، انعزل عن الناس، والعزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)) .
لكن إذا كانت الخلطة ضرراً عليك في دينك، فانجُ بدينك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر)) يعني يفر بدينه من الفتن.
50 – فيه القناعة والصبر ففي الحديث صبر هذا الرجل ـ جريج ـ حيث إنه لم ينتقم لنفسه، ولم يكلفهم شططاً فيبنون له صومعته من ذهب، وإنما رضي بما كان رضي به أولاً من القناعة وأن تبني من الطين.