6638 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى ، وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الأول: (٣٤) – (بابُ أمْرِ مَن مَرَّ بِسِلاحِ فِي مَسْجِدٍ، أوْ سُوقٍ، أوْ غَيْرِهِما، مِنَ المَواضِعِ الجامِعَةِ لَلنّاسِ، أنْ يُمْسِكَ بِنِصالِها)
[٦٦٣٨] (٢٦١٤) – حَدَّثنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ،
قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ
جابِرًا يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي المَسْجِدِ بِسِهام، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «أمْسِكْ
بِنِصالِها».
[٦٦٣٩] (…) – حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، وأبُو الرَّبِيعِ، قالَ أبُو الرَّبِيعِ: حَدَّثَنا، وقالَ يَحْيى -واللَّفْظُ لَهُ-: أخْبَرَنا حَمّادُ بْنُ زيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أنَّ رَجُلًا مَرَّ بِأسْهُمٍ فِي المَسْجِدِ، قَدْ أبْدى نُصُولَها، فَأُمِرَ
أنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِها، كَيْ لا يَخْدِشَ مُسْلِمًا.
[٦٦٤٠] (…) – حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِبدٍ، حَدَّثَنا لَيْثٌ (ح) وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أخْبَرَنا اللَّيْثُ، عَنْ أبِي الزُّبَبْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – ﷺ -؛ أنَّهُ أمَرَ
رَجُلًا كانَ يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ فِي المَسْجِدِ، أنْ لا يَمُرَّ بِها، إلّا وهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِها، وقالَ ابْنُ رُمْحٍ: كانَ يَصَّدَّقُ بِالنَّبْلِ.
[٦٦٤١] (٢٦١٥) – حَدَّثَنا هَدّابُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثابِتٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسى، أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: «إذا مَرَّ أحَدُكمْ فِي
مَجْلِسٍ، أوْ سُوقٍ، وبِيَدِهِ نَبْلٌ، فَلْيَأْخُذْ بِنِصالِها، ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصالِها، ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصالِها»، قالَ: فَقالَ أبُو مُوسى: واللهِ ما مُتْنا حَتّى سَدَّدْناها، بَعْضُنا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ.
[٦٦٤٢] (…) – حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ بَزادٍ الأشْعَرِيُّ، ومُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ -واللَّفْظُ لِعَبْدِ اللهِ- قالا: حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسى، عَنِ النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ:» إذا مَرَّ أحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنا، أوْ فِي سُوقِنا، ومَعَهُ نَبْل، فَلْيُمْسِكْ عَلى نِصالِها بِكَفِّهِ، أنْ يُصِيبَ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنها بِشَيْءٍ«، أوْ قالَ:» لِيَقْبِضْ عَلى نِصالِها«.
==========
التمهيد:
” حرَصَ الإسلامُ على الحِفاظِ على حَياةِ الإنسانِ، وحرَّمَ أذيَّتَه بأيِّ شَيءٍ كان، ووضَعَ الاحتياطاتِ اللازمةَ لذلك”.
و” من باب سد الذرائع ومن باب منع المقدمات خشية النتائج، ومن باب أن الشيطان قد يزين من المقدمات المباحة أفعالا غير مباحة وقد يستغل لعبا وعبثا فيولد منهما نكدا وضررا، نهى الشارع الحكيم أن لا يحمل الإنسان سلاحا ويمر به على جمع وهو مكشوف ، وحذر صلى الله عليه وسلم من أن يشير المسلم بسلاحه على أخيه، وأوعد من فعل ذلك أن تلعنه الملائكة “.[فتح المنعم باختصار ]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٣٤) – (بابُ أمْرِ مَن مَرَّ بِسِلاحِ فِي مَسْجِدٍ، أوْ سُوقٍ، أوْ غَيْرِهِما، مِنَ المَواضِعِ الجامِعَةِ لَلنّاسِ، أنْ يُمْسِكَ بِنِصالِها)
الأول:
[٦٦٣٨] (٢٦١٤) – [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من رباعيّات المصنّف -رحمه الله-، كلاحقيه، وأنه مسلسلٌ بالمكيين، سوى شيخيه، فالأول كوفيّ، والثاني مروزيّ، وفيه جابر – رضي الله عنه – من المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
(عَنْ عَمْرِو) بن دينار؛ أنه (سَمِعَ جابِرًا) – رضي الله عنه – (يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ) لا يُعرف، كما قال صاحب»التنبيه«[»تنبيه المعلم«ص ٤٣٣]. (فِي المَسْجِدِ بِسِهامٍ) بالكسر: جَمْع
سَهْم، بفتح، فسكون، وهو واحد النَّبْل، وقيل: السهوم: نفس النصل، قاله الفيّوميّ [»المصباح المنير«٢/ ٢٩٣]، وقال في»الفتح«: النَّبْلُ بفتح النون، وسكون الموحّدة، وبعدها لام: السهام العربيّة، وهي مؤنّثة، ولا واحد لها من لفظها. انتهى [»الفتح«٢/ ١٩٥، كتاب»الصلاة«رقم (٤٥١)].
(فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -:أمْسِكْ بِنِصالِها)؛ أي: خذ بحديدتها
وفي حديث أبي موسى – رضي الله عنه – الآتية: »إذا مرّ أحدكم في مجلس، أو سوق، وبيده نبل، فليأخذ بنصالها … «الحديث.
قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: في الحديث ذَكَر علّة ذلك، وهو خشية أن
تصيب مسلمًا من حيث لا يَشعر صاحبها، وسَوّى في ذلك بين السوق والمسجد؛ فإن الناس يجتمعون في الأسواق والمساجد، فليس للمسجد خصوصية بذلك حينئذ، لكن قَدْ يقال: إن المسجد يختص بقدر زائد عَن السوق، وهُوَ أنه قَدْ رُوي النهي عن إشهار السلاح فيه، ونثر النبل.
خرّجه ابن ماجه، من رواية زيد بن جبيرة، عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا:»خصال لا ينبغين في المسجد: لا يُتخذ طريقًا، ولا يُشهر فيه سلاحًا، ولا يُنبض فيه بقوس، ولا يُنثر فيه نبل، ولا يُمر فيه بلحم نيئ، ولا يُضرب فيه حدّ، ولا يُقتم فيه من أحد، ولا يُتخذ سوقًا«، ورفْعه منكر، وزيد بن جبيرة ضعيف جدًّا، متفق على ضعفه. وخرَّج -أيضًا-:
النهي عن سلّ السيوف في المسجد، من حديث واثلة، مرفوعًا بإسناد ضعيف
جدًّا، وقال عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى: لا يُسلّ السيف في المسجد.
خرَّجه وكيع في كتابه. وقال أصحابنا [عني: الحنبليّة]: لا يُشهر السلاح في المسجد. انتهى [»فتح الباري” لابن رجب ٣/ ٢٤٩]، والله تعالى أعلم.
وحديث جابر – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
الثاني:
[٦٦٣٩] (…) – [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من رباعيّات المصنّف -رحمه الله-، كسابقه، ولاحقه.
وقوله: (أنَّ رَجُلًا) لم يُعرف اسمه.
وقوله: (قَدْ أبْدى نُصُولَها)؛ أي: أظهر حديدتها، بحيث يُخشى أن تصيب مسلمًا.
وقوله: (فَأُمِرَ إلخ) بالبناء للمفعول، والآمر هو النبيّ – ﷺ – كل، كما بُيّن في الرواية السابقة.
وقوله: (كَيْ لا يَخْدِشَ مُسْلِمًا) يقال: خدشه خَدْشًا، من باب ضرب: إذا جرحه في ظاهر الجِلد، سواء دَمِيَ الجلد، أو لا، قاله الفيّوميّ [«المصباح المنير» ١/ ١٦٥].
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
الثالث:
[٦٦٤٠] (…) – قوله: (وقالَ ابْنُ رُمْحِ: كانَ يَصَّدَّقُ بِالنَّبْلِ) أشار به إلى اختلاف شيخيه، فقال قتيبة: «يتصدّق»، بالتاء، وقال محمد بن رُمح: «يصّدّق» بتشديد الصاد،
وأصله يتصدّق، فأُدغمت التاء في الصاد بعد قلبها، وهو لغة فصيحة، كما في
قوله -عز وجل-: ﴿إنَّ المُصَّدِّقِينَ والمُصَّدِّقاتِ﴾ [الحديد ١٨].
الرابع:
[٦٦٤١] (٢٦١٥) – [تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف -رحمه الله-، وأنه مسلسلٌ بالبصريين غير أبي بردة،
فكوفيّ، وأبو موسى بصريّ كوفيّ، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، والابن عن أبيه.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي مُوسى) الأشعريّ – رضي الله عنه -؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: »إذا مَرَّ
أحَدُكُمْ) قال في «الفتح»: هذا فيه أن الحكم عامّ في جميع المكلفين، بخلاف
حديث جابر، فإنه واقعة حال، لا تستلزم التعميم. [»الفتح«١٦/ ٤٦٩، كتاب»الفتن«رقم (٧٠٧٥)].
(فِي مَجْلِسٍ) من مجالس المسلمين (أوْ سُوقٍ) «أو» هنا للتنويع، وقوله: ( نَبْلٌ)؛ أي: سهام، (ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصالِها، ثُمَّ لْيَأْخُذْ بِنِصالِها«) وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وتكراره: »فليأخذ بنصالها« ثلاث مرات على جهة التأكيد والمبالغة في سدّ الذريعة، وهو من جملة ما استدلّ به مالك على أصله في سدّ الذرائع. انتهى [»المفهم«٦/ ٦٠١].
وفي الرواية التالية:»فَلْيُمْسِكْ عَلى نِصالِها بِكَفِّهِ«وليس المراد خصوص
ذلك، بل يَحْرِص على أن لا يُصيب مسلمًا بوجه من الوجوه، كما دل عليه التعليل بقوله: »أنْ يُصِيبَ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنها بِشَيْءٍ«[»الفتح«١٦/ ٤٦٩]. (قالَ) أبو بردة، (فَقالَ أبُو مُوسى) الأشعريّ: (واللهِ ما) نافية، (مُِتْنا) بضمّ الميم، من مات
يموت موتًا، من باب قال، وبكسرها من مات يمات موتًا، كخاف يخاف خوفًا.
وقوله: (فِي وُجُوهِ بَعْضٍ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: يعني أبو موسى: أنه ما مات معظم الصحابة – رضي الله عنهم – حتى وقعت بينهم الفتن والمِحَن، فرَمى بعضهم بعضًا بالسهام، وقاتل بعضهم بعضًا، ذَكَر هذا في مَعْرِض التأسّف على تغيّر الأحوال، وحصول الخلاف لمقاصد الشرع، من التعاطف، والتواصل، على قرب العهد، وكمال الجِدّ. انتهى، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
الخامس:
[٦٦٤٢] (…) وقوله: (أنْ يُصِيبَ أحَدًا إلخ) بفتح »أن«، والتقدير: كراهيةَ أن يصيب، والرواية السابقة بلفظ: »كي لا يخدش مسلمًا«، تؤيّد هذا التقدير، والله تعالى أعلم.
وقوله: (أوْ قالَ: لِيَقْبِضْ عَلى نِصالِها) «أو هنا للشّكّ من الراوي، وفي بعض النسخ: »أو قال: ليقبضنّ”.
والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.
فوائد الباب:
1 – (منها): بيان كريم خُلُقه – ﷺ -، ورأفته بالمؤمنين؛ حيث يحذّر إلحاق بعضهم الضرر على بعض، فهو مصداق قوله -عز وجل-: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾ [القلم ٤]، وقوله: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ماعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)﴾ [التوبة ١٢٨].
2 – (ومنها): بيان الأدب لمن دخل مسجدًا، أو سوقًا، أو محل اجتماع المسلمين بسهام، وهو أن يُمسك بنصالها كي لا يخدش أحدًا من المسلمين.
3 – (ومنها): تأكيد حرمة المسلمين؛ لأن المساجد مورودة بالخلق، لا سيما في أوقات الصلاة.
4 – (ومنها): بيان تأكيد حرمة المسلم، وتحريم قتاله، وقتله، وتغليظ الأمر فيه، وتعظيم قليل الدم، وكثيره.
5 – (ومنها): تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى أذيّته بكل وجه.
6 – (ومنها): بيان جواز إدخال السلاح إلى المسجد، وفي »الأوسط« للطبرانيّ من حديث أبي سعيد قال: »نَهى رسول الله – ﷺ – عن تقليب السلاح في المسجد«، والمعنى فيه ما تقدم، والله تعالى أعلم.
7 – (ومنها): استحباب التصدّق بالسهام، ونحوها من أداة الحرب؛ لما في الرواية أن ذلك الرجل الذي مرّ بالسهام في المسجد كان يتصدّق بها، وذلك لِما فيه من الإعانة على الجهاد في سبيل الله تعالى.
8 – (ومنها): ما قيل: إن قوله في الرواية التالية: »كي لا يَخدِش مسلمًا” يدلّ على صحّة القول بالقياس، وعلى صحة تعليل الأحكام، والله تعالى أعلم.
9 – (ومنها): أن فيه حجةً للقول بسدّ الذرائع. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
10 – (ومنها): فيه الرد على الخوارج الذين يقتلون المسلمين في المساجد وأماكن تجمعهم بالتفجير، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث يأمر بما يحفظ المسلمين من الخدش وغيره، فكيف بقتلهم ؟!
12 – لا يختص ذلك بالمسجد بل السوق وكل موضع جامع للناس ينبغي فيه ذلك،
13 – قال النووي وفيه اجتناب كل ما يخاف منه ضرر.. [«طرح التثريب في شرح التقريب»].
14 – اللعب المباح في المسجد: ما أذن فيه النبي – ﷺ -، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لقد رأيت رسول الله – ﷺ – يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله – ﷺ – يسترني بردائه، أنظر إلى لعبهم». وفي لفظ: «كان الحبشة يلعبون بحرابهم فيسترني رسول الله – ﷺ – وأنا أنظر، فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو».
[متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد، برقم ٤٥٤، وكتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل، برقم ٥١٩٠، وكتاب العيدين، باب الحراب والدرق يوم العيد، برقم ٩٥٠، وكتاب النكاح، باب نظر المرأة إلى الجيش ونحوهم، برقم ٥٢٣٦، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، برقم ٨٩٢].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: بينما الحبشة يلعبون عند النبي – ﷺ -[وفي رواية: في المسجد] دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها، فقال: «دعهم يا عمر». [متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب اللهو بالحراب ونحوها، برقم ٢٩٠١، ومسلم، كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، برقم ٨٩٣].
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: «واللعب بالحراب ليس لعبًا مجردًا، بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب، والاستعداد للعدو» [فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١/ ٥٤٩].
وقال – رحمه الله -: «واستدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب للتدريب على الحرب والتنشيط عليه» [المرجع السابق، ٢/ ٤٤٥].
15 – قال المناوي رحمه الله : “ومحل النهي عن ذلك إن كان النصل غير مغمود، ولا ينافي الحديث لعب الحبشة بالحراب في المسجد؛ لأن التحفظ في صورة اللعب بالحراب يسهل، بخلاف مجرد المرور فقد يقع بغتة فلا يتحفظ”.[ فيض القدير(1/443)].
و”لأن النبال رءوسها محددة، فإذا دخل بها المسجد أو الموضع المزدحم بالناس لم يؤمن أن يجرح بها إنسانًا على حين غفلة، والمسلم حرام سفك قليل دمه وكثيره، وذلك دليل حرمة المسجد أن يجرح فيه أحد من المسلمين، فمن دخله ومعه شيء محدد كسيف، أو خنجر، أو سكين فعليه أن يمسك برءوسها إذا مرَّ بين الناس، مخافة أن يطعن بها أحدًا من المسلمين”[ شرح النووي على مسلم(16/169)].16 – سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله تعالى -: ما حكم حمل السلاح في صلاة العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن دعت الحاجة إلى حمله فليحمل وإلا فلا.
17 – وخص المسجد والسوق لأنهما غالب مجامع الناس وإلا فغيرهما كالطرقات ومجالس الناس مثلهما وخص النبل لأنهم كانوا أكثر ملابسة لها من غيرها وإلا فغيرها مثلها مما يخاف ضرره
التنوير شرح الجامع الصغير ٢/٢١٧
الأحاديث الواردة عن دُخُولُ المَسْجِدِ بِالسِّلاح ؛ تتمات لأحاديث الباب وبعضها فيها ألفاظ زائدة.
18 -قال الإمام البخاري حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الواحِدِ، قالَ: حَدَّثَنا أبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: سَمِعْتُ أبا بُرْدَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن مَرَّ فِي شَيْءٍ مِن مَساجِدِنا أوْ أسْواقِنا بِنَبْلٍ، فَلْيَأْخُذْ عَلى نِصالِها، لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا»، (خ) ٤٥٢
19 – قال الامام أحمد حَدَّثَنا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا لَيْثٌ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: صَلّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلاةً ثُمَّ، قالَ: عَلى مَكانِكُمْ اثْبُتُوا، ثُمَّ أتى الرِّجالَ، فَقالَ: «إنَّ اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُنِي أنْ آمُرَكُمْ أنْ تَتَّقُوا اللَّهَ تَعالى، وأنْ تَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا»، ثُمَّ تَخَلَّلَ إلى النِّساءِ، فَقالَ لَهُنَّ: «إنَّ اللَّهَ عز وجل يَأْمُرُنِي أنْ آمُرَكُنَّ أنْ تَتَّقُوا اللَّهَ، وأنْ تَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» قالَ: ثُمَّ رَجَعَ حَتّى أتى الرِّجالَ فَقالَ: «إذا دَخَلْتُمْ مَساجِدَ المُسْلِمِينَ وأسْواقَهُمْ ومَعَكُمُ النَّبْلُ، فَخُذُوا بِنُصُولِها لا تُصِيبُوا بِها أحَدًا فَتُؤْذُوهُ أوْ تَجْرَحُوهُ» (حم) ١٩٤٨٨
20 – قال الإمام أحمد – حَدَّثَنا أبُو النَّضْرِ، وعَفّانُ، قالا: حَدَّثَنا المُبارَكُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أبِي بَكَرَةَ، قالَ عَفّانُ فِي حَدِيثِهِ: حَدَّثَنا المُبارَكُ، قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ، يَقُولُ: أخْبَرَنِي أبُو بَكَرَةَ، قالَ: أتى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى قَوْمٍ يَتَعاطَوْنَ سَيْفًا مَسْلُولًا، فَقالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَن فَعَلَ هَذا؟ أوَ لَيْسَ قَدْ نَهَيْتُ عَنْ هَذا»، ثُمَّ قالَ: «إذا سَلَّ أحَدُكُمْ سَيْفَهُ، فَنَظَرَ إلَيْهِ، فَأرادَ أنْ يُناوِلَهُ أخاهُ، فَلْيُغْمِدْهُ، ثُمَّ يُناوِلْهُ إيّاهُ» (حم) ٢٠٤٢٩
21 – قال الترمذي حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعاوِيَةَ الجُمَحِيُّ البَصْرِيُّ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يُتَعاطى السَّيْفُ مَسْلُولًا»: وفِي البابِ عَنْ أبِي بَكْرَةَ وهَذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِن حَدِيثِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ ورَوى ابْنُ لَهِيعَةَ هَذا الحَدِيثَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنْ بَنَّةَ الجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وحَدِيثُ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عِنْدِي أصَحُّ، (ت) ٢١٦٣ [قال الألباني]: صحيح
22 – قال ابوداود حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى أنْ يُتَعاطى السَّيْفُ مَسْلُولًا»، (د) ٢٥٨٨ [قال الألباني]: صحيح
23 – قال الامام أحمد حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يُتَعاطى السَّيْفُ مَسْلُولًا» (حم) ١٤٢٠١
24 -قال الامام أحمد حَدَّثَنا مُوسى، حَدَّثَنا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنا أبُو الزُّبَيْرِ، أنَّ بَنَّةَ الجُهَنِيَّ، أخْبَرَهُ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ عَلى قَوْمٍ فِي المَسْجِدِ – أوْ فِي المَجْلِسِ – يَسُلُّونَ سَيْفًا بَيْنَهُمْ، يَتَعاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ غَيْرَ مَغْمُودٍ، فَقالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ، أوَ لَمْ أزْجُرْكُمْ عَنْ هَذا؟ فَإذا سَلَلْتُمُ السَّيْفَ، فَلْيَغْمِدْهُ الرَّجُلُ، ثُمَّ لِيُعْطِهِ كَذَلِكَ» (حم) ١٤٧٤٢
25 – قال الامام أحمد حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا حَمّادٌ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وحُمَيْدٌ، عَنِ الحَسَنِ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهى أنْ يُتَعاطى السَّيْفُ مَسْلُولًا» (حم) ١٤٨٨٥
26 – قال الامام أحمد حَدَّثَنا مُعاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا أبُو إسْحاقَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مُوسى، عَنْ جابِرٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِقَوْمٍ فِي مَجْلِسٍ يَسُلُّونَ سَيْفًا يَتَعاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ غَيْرَ مَغْمُودٍ، فَقالَ: «ألَمْ أزْجُرْكُمْ عَنْ هَذا؟ فَإذا سَلَّ أحَدُكُمُ السَّيْفَ فَلْيُغْمِدْهُ، ثُمَّ لِيُعْطِهِ أخاهُ»، (حم) ١٤٩٨٠
[قال الألباني]: صحيح – مختصر المتقدم (٥٩١٣). [المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة].
27 – ورد في مصنف عبدالرزاق
١٧٣٢ – عَبْدُ الرَّزّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: قالَ إنْسانٌ لِعَطاءٍ: أكانَ يُنْهى عَنْ سَلِّ السَّيْفِ فِي المَسْجِدِ؟ فَقالَ: «نَعَمْ، وكانَ يُنْهى أنْ يُمَرَّ بالنَّبْلِ فِي المَسْجِدِ إلّا مُمْسَكًا عَلى نِصالِها»
مصنف عبد الرزاق الصنعاني ١/٤٤٣
28 – ورد في مستخرج أبي عوانة رواية بغير الشك : قال المحقق فائدة الاستخراج :
أن رواية مسلم جاءت على الشك «فليمسك على نصالها، أو ليقبض على نصالها» وجاءت رواية المصنف بالجزم.
مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية ٢٠/٩٢ —
29 – وبوب ابن خزيمة
بابُ ذِكْرِ العِلَّةِ الَّتِي لَها أمَرَ بِالإمْساكِ عَلى نِصالِ السَّهْمِ إذا مَرَّ بِهِ فِي المَسْجِدِ
وذكر حديث أبي موسى الأشعري
صحيح ابن خزيمة ٢/٢٨٠
30 – وقد مات ابن عمر من جرح بسبب سلاح حمل يوم عيد وفي البلد الحرام
– قال سعيد بن جبير – قال: كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلتُ فنزعتها – وذلك بمنى – فبلغ الحجاج فجعل يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن عمر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم))
البخاري، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلام في العيد والحرم، برقم٩٦٦.
وفي رواية إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه قال: «دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، فقال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله» يعني الحجاج .
البخاري، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، برقم ٩٦٧.
31 – وقال الحسن: «نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوًا»
البخاري معلقًا، كتاب العيدين، باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، رقم الباب ٩
الباب الثاني: (٣٥) – (بابُ النَّهْيِ عَنِ الإشارَةِ بِالسِّلاحِ إلى مُسْلِمِ)
الأول:
[٦٦٤٣] (٢٦١٦) – حَدَّثَنِي عَمْرٌو النّاقِدُ، وابْنُ أبِي عُمَرَ، قالَ عَمْرٌو: حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قالَ أبُو القاسِمِ – ﷺ -: «مَن أشارَ إلى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتّى وإنْ كانَ أخاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ».
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف -رحمه الله-، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه – رأس المكثرين السبعة.
شرح الحديث:
(عَن) محمد (بْنِ سِيرِينَ) الأنصاريّ التابعيّ الشهير؛ أنه قال: (سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه – (يَقُولُ: قالَ أبُو القاسِمِ – ﷺ -:) كنية النبيّ – ﷺ -، كُني بولده القاسم الذي مات، وهو صغير. (“مَن أشارَ إلى أخِيهِ)؛ أي: في الدِّين، (بِحَدِيدَةٍ)؛ أي: بسلاح، كسكين، وخنجر، وسيف، ورُمح، ونحو ذلك، من كل آلة
للجرح، (فَإنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ)؛ أي: تدعو عليه بالطرد، والبعد عن الجنة أولّ الأمر، وعن الرحمة الكاملة السابقة، زاد في رواية: «حتى يدعه»؛ أي: لأنه ترويع للمسلم، وتخويف له، وهو حرام. (حَتّى وإنْ كانَ) المشير (أخاهُ)؛ أي: أخا المشار إليه، ويصحّ عكسه، (لأبِيهِ وأُمِّهِ)؛ يعني: وإن كان هازلًا، ولم يقصد ضربه، كأن كان شقيقه؛ لأن الشقيق لا يقصد قَتْل شقيقه غالبًا، فهو تعميم للنهي، ومبالغة في التحذير منه، مع كل أحد، وإن لم يُتّهَم، وقيّد بمطلق الأُخُوّة، ثم قيّد بأُخُوّة الأب والأم؛ إيذانأ بأن اللعب المحض العاري عن شَوْب قَصْد إذا كان حُكمه كذا، فما بالك بغيره؛ وإذا كان هذا يستحق اللعن بالإشارة، فما الظن بالإصابة؟ [»فيض القدير«٦/ ٦٣].
وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله – ﷺ -:»فإن الملائكة تلعنه حتى، وإن كان«هكذا في عامّة النسخ، وفيه محذوف، وتقديره: حتى يدعه، وكذا وقع في بعض النسخ. انتهى »[شرح النوويّ«١٦/ ١٧٠].
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله:»فإن الملائكة تلعنه حتى«كذا صحّت الرواية بالاقتصار على»حتّى«، ولم يذكر المجرور بها استغناءً عنه لدلالة الكلام عليه،.تقديره: حتى يترك، أو يَدَعَ، وما أشبهه، ووقع عند بعض الرواة بعد»حتى«: »وإن كان أخاه لأبيه وأمه«، وعليه فيكون ما بعده ليس من كلام النبيّ – ﷺ -، وسقطت لبعضهم؛ يعني: فيكون ما بعده من قول النبيّ – ﷺ – بحكم أن مساق الكلام واحدٌ، ولَعْن النبيّ – ﷺ – للمشير بالسلاح دليل على تحريم ذلك مطلقًا، جِدًّا كان أو هزلًا، ولا يخفى وجه لَعْن من تعمّد ذلك؛ لأنّه يريد قتل المسلم، أو جرحه، وكلاهما كبيرة، وأما إن كان هازلًا، فلأنه ترويع مسلم، ولا يحل ترويعه، ولأنه ذريعة إلى القتل، والجرح المحرَّمين، وقد نصّ في الرواية الأخرى على صحَّة مراعاة الذريعة، حيث قال:»فإنّه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده، فيقع في حُفر من النار«. وقوله:»وإن كان أخاه لأبيه وأمه«؛ يعني: أن ذلك محرّم، وإن وقع من أشفق النّاس عليه، وأقربهم رحمًا، وهو يُشعر بمنع الهزل بذلك. انتهى [»المفهم” ٦/ ٦٠٠ – ٦٠١]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف -رحمه الله-.
[تنبيه]: رواية ابن عون عن محمد بن سيرين هذه ساقها البيهقيّ -رحمه الله- في
»الكبرى«، فقال:
(١٥٦٤٩) – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – ﷺ -:»إن الملائكة تلعن
أحدكم، إذا أشار إلى أخيه بحديدة، وإن كان أخاه لأبيه وأمه«. انتهى.
الثاني:
[٦٦٤٥] (٢٦١٧) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، أخْبَرَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قالَ: هَذا ما حَدَّثَنا أبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ – ﷺ -،
فَذَكَرَ أحادِيثَ، مِنها: وقالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -:»لا يُشِيرُ أحَدُكُمْ إلى أخِيهِ بِالسِّلاحِ، فَإنَّهُ لا يَدْرِي أحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَيْطانَ يَنْزعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ«.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف -رحمه الله-، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه – أحفظ من روى
الحديث في دهره.
شرح الحديث:
(عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنبّهٍ)؛ أنه (قالَ: هَذا)؛ أي: ما يأتي من الأحاديث، وهو مبتدأ خبره قوله: (ما حَدَّثَنا أبُو هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه – (عَنْ رَسُولِ اللهِ – ﷺ – فَذَكَرَ) همّام
(أحادِيثَ)، وقوله (مِنها) خبر مقدّم وقوله: (وقالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -:) مبتدأ مؤخّر؛ لِقَصْد لفظه، (»لا يُشِيرُ) قال النوويّ -رحمه الله-: هكذا هو في جميع النُّسخ: «لا يشير»
بالياء بعد الشين، وهو صحيح، وهو نهي بلفظ الخبر، كقوله تعالى: ﴿لا تُضارَّ والِدَةٌ﴾ [البقرة ٢٣٣]، وقد قدّمنا مرّات أن هذا أبلغ من لفظ النهي. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٠].
وقال في «الفتح»: قوله: «لا يشير» كذا فيه بإثبات الياء، وهو نفي بمعنى
النهي، ووقع لبعضهم: «لا يُشِرْ» بغير ياء، وهو بلفظ النهي، وكلاهما جائز. انتهى.
(أحَدُكُمْ إلى أخِيهِ بِالسِّلاحِ، فَإنَّهُ لا يَدْرِي أحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ) قال النوويّ -رحمه الله-: «ينزع» ضبطناه بالعين المهملة، وكذا نقله القاضي عن
جميع روايات مسلم، وكذا هو في نُسخ بلادنا، ومعناه: يرمي في يده، ويُحَقِّق
ضربته، ورَمْيَته، ورُوي في غير مسلم بِالغين المعجمة، وهو بمعنى الإغراء؛
أي: يَحْمِل على تحقيق الضرب به، ويزيّن ذلك. انتهى [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٧٠].
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: قوله: «وروي في غير مسلم» هي رواية
البخاريّ، ولفظه: «فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزغ في يده». قال في «الفتح»:
قوله: «ينزغِ في يده» بالغين المعجمة، قال الخليل في «العين»: نزغ الشيطان
بين القوم نزْغًا: حَمَل بعضهم على بعض بالفساد، ومنه: مِن بَعْدِ أنَّ نزغ الشيطان يوسف: ١٠٠]، وفي رواية الكشميهني بالعين
المهملة، ومعناه قَلَعَ، ونَزَع بالسهم: رمى به، والمراد: أنه يُغري بينهم، حتى
يضرب أحدهما الآخر بسلاحه، فيحقّق الشيطان ضربته له، وقال ابن التين: معنى ينزعه: يقلعه من يده، فيصيب به الآخر، أو يشدّ يده، فيصيبه. انتهى [«الفتح» ١٣/ ٤٦٧، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٧٢)].
وقال في»الفتح«: قوله:»فيقع في حفرة من النار«هو كناية عن وقوعه
في المعصية التي تُفضي به إلى دخول النار، قال ابن بطال -رحمه الله-: معناه: إن
أُنفذ عليه الوعيد.
وفي الحديث: النهي عما يفضي إلى المحذور، وإن لم يكن المحذور محقّقًا، سواءٌ كان ذلك في جدّ، أو هزل.
قال ابن العربيّ -رحمه الله-: إذا استحَقَّ الذي يشير بالحديدة اللعنَ، فكيف
الذي يصيب بها؟ وإنما يستحقّ اللعن إذا كانت إشارته تهديدًا، سواء كان جادًّا
أم لاعبًا، كما تقدم، وإنما أوخذ اللاعب؛ لِما أدخله على أخيه من الرَّوْع،
ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجادّ، وإنما نُهي عن تعاطي السيف
مسلولًا؛ لِما يخاف من الغفلة عند التناول، فيسقط، فيؤذي [«الفتح» ١٣/ ٤٦٧، كتاب «الفتن» رقم (٧٠٧٢)]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
فوائد الباب:
1 – (منها): بيان تأكيد حرمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه
وتخويفه، والتعرض له بما قد يؤذيه.
2 – (ومنها): أن في قوله – ﷺ -: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه» مبالغةً في
إيضاح عموم النهي في كل أحد، سواءٌ من يُتَّهَم فيه، ومن لا يُتَّهم، وسواء كان
هذا هَزْلًا ولعبًا، أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال، ولأنه قد يسبقه
السلاح، كما صُرِّح به في الرواية الأخرى.
3 – (ومنها): أن لعن الملائكة له يدلّ على أنه حرام. [«شرح النوويّ» ٦/ ١٦٩ – ١٧٠]، والله تعالى أعلم.
4 – (منها): والهزل داخل في التحريم أيضا
لقوله: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، فإن الإنسان لا يشير إلى شقيقه بالسلاح
على سبيل الجِدّ، وإنما يقع منه معه هزلًا، وبتقدير أن يكون ذلك على سبيل
الجدّ، فتحريم ذلك أغلظ من تحريم غيره، فلا يصح جعله غايةً، فدلّ على أن
المراد: الهزل، فإن تحريمه على طريق الجدّ واضح؛ لأنه يريد قَتْل مسلم أو
جَرْحه، وكلاهما كبيرة، وأما الهزل؛ فلأنه ترويع مسلم، وأذى له، وذلك
مُحَرَّم أيضًا، وقد جاء في الحديث: «لا يحل لمسلم أن يُرَوِّع مسلمًا»، قاله
العراقيّ [«طرح التثريب في شرح التقريب» ٧/ ٤٤٦].
5 – (ومنها): أن المراد بالأخوّة اخوّة الإسلام، ويلتحق به الذميّ أيضًا؛
لتحريم أذاه، وخَرَج الحديث مخرج الغالب، ودخل في السلاح ما عَظُم منه،
وصَغُر، وهل تدخل العصا في ذلك؟ فيه احتمال؛ لأن الترويع حاصل، وكذلك
احتمال سقوطها من يده عليه، وقد يقال: لا يراد بذلك إلا ما له نصل، بدليل
قوله في الرواية الأخرى: «بحديدة» [«طرح التثريب في شرح التقريب» ٧/ ٤٤٦].
6 – (ومنها): أنه يَحْتَمِل أن يكون الحديث على ظاهره في أن الشيطان يتعاطى بيده جَرْح المسلم، أو يُغري المشير حتى يفعل ذلك على اختلاف الروايتين، ويَحْتَمِل أنه مجاز على طريق نسبة الأشياء القبيحة المستنكرة إلى الشيطان، والمراد: سَبْق السلاح بنفسه من غير قصد، قاله وليّ الدين -رحمه الله-. [«طرح التثريب في شرح التقريب» ٧/ ٤٤٦]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].