(6628) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعلي الكربي وإبراهيم المشجري وعبدالله البلوشي ابوعيسى وعبدالحميد البلوشي، وكديم وطارق أبي تيسير، وإبراهيم البلوشي
وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
باب النهي عن ضرب الوجه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه.
وفي رواية: فليتق الوجه
وفي رواية إذا قاتل أحدكم أخاه فلا يلطمن الوجه
وفي رواية فإن الله خلق آدم على صورته
==========
التمهيد:
” وجه الإنسان أكرم جزء فيه به المواجهة، وبه أهم حواس الإنسان عيناه وأنفه وفمه وأذناه، وبه يقاس الجمال فكان خليقا بأن يحترم وبأن يصان عن الأذى وبأن لا يصاب بالتشويه والتحقير إن الضرب في الوجه ولطمه ليس كالضرب في أي مكان آخر من الجسم فإهانته تفوق إهانة أماكن أخرى من الإنسان، ومن آداب الشريعة عدم الفجور عند المخاصمة والمقاتلة وعدم النكاية وعدم التمثيل من هنا جاء النهي عن ضرب الوجه عند المخاصمة والمقاتلة والمضاربة ومثل ذلك عند تأديب الزوج لزوجه والأب لابنه والسيد لخادمه وعند إقامة الحدود فلا يجلد الوجه إذا جلد الرجل وإذا كان القصد من النهي عن ضرب الوجه حمايته من التحقير كان تحقيره بغير الضرب منهيا عنه كذلك فلا يبصق عليه ولا يلطخ بالقاذورات والله أعلم “. [فتح المنعم]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
((32)) – (بابُ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الوَجْهِ)
الأول:
[(6628)] ((2612)) – (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنا المُغِيرَةُ
– يَعْنِي: الحِزامِيَّ – عَنِ أبِي الزِّنَّادِ، عَنِ الأعْرَج، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ
رَسُولُ اللهِ – -: «إذا قاتَلَ أحَدُكُمْ أخاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ»).
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من خماسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأنه مسلسلٌ بالمدنيين، وشيخه، وإن كان بصريًّا، إلّا أن أصله من المدينة، وقد سكنها مدّة، وأنه من أصحّ أسانيد أبي هريرة – رضي الله عنه -، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه -، وقد سبق القول فيه غير مرّة.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ أنه (قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – -: إذا (قاتَلَ) وفي الرواية الآتية: (إذا ضرب أحَدُكُمْ أخاهُ) وفي رواية: (خادمه)، وفي لفظ: (عبده)، وذِكر الخادم في بعض الروايات، والعبد في بعضها، ليس للتخصيص، وإنما خَصّ؛ لأنّ سبب ذِكره أن إنسانًا ضرب خادمه، وآخر عبده على وجهه، فالسبب خاصّ، والحكم عامّ، فشمل الحكم إذا ضرب حدًّا، أو تعزيرًا لله، أو لآدمي، وكذا الوليّ، والسيد، والزوج. [» فيض القدير” (1) / (397)].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: معنى (قاتل): ضرب، وقد جاء كذلك في بعض رواياته، وقد قلنا: إن أصل المقاتلة المدافعة، ويعني بالأخوة هنا – والله أعلم – أخوّة الآدمية، فإنّ الناس كلّهم بنو آدم، ودلّ على ذلك قوله – -: «فإنّ الله خلق آدم على صورته»؛ أي: على صورة وجه المضروب، فكأنّ اللاطم في وجه أحَد ولَد آدم لَطَم وجه أبيه آدم، وعلى هذا فيحرم لَطْم الوجه من المسلم والكافر، ولو أراد الأخوّة الدينية لَما كان للتعليل بخلق آدم على صورته معنى.
لا يقال: الكافر مأمور بقتله، وضَرْبه في أي عضو كان؛ إذ المقصود إتلافه، والمبالغة في الانتقام منه، ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام، والعقوبة، فلا يُمنَع، وإنما مقصود الحديث إكرام وجه المؤمن؛ لِحُرمته.
لأنّا نقول: مسلَّم أنّا مأمورون بقتل الكافر، والمبالغة في الانتقام منه، لكن إذا تمكّنّا من اجتناب وجهه اجتنبناه؛ لشرفيّة هذا العضو، ولأن الشرع قد
نَزَّل هذا الوجه منزلة وجه أبينا، وقبيحٌ لطمُ الرجل وجهًا يُشبه وجه أبي
اللاطم، وليس كذلك سائر الأعضاء؛ لأنّها كلّها تابعة للوجه. انتهى [«المفهم» (6) / (597) – (598)].
جاء في الفقه الحنفي في كتاب *تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي* ((170) / (3)):
” و شك أن معنى ما ذكره المصنف في الصحيحين من حديث أبي هـريرة عنه – عليه الص ة والس م – قال «إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه والمذاكير» و شك أن هـذا ليس مرادا على ا ط ق * نا نقطع أن في حال قيام الحرب مع الكفار لو توجه حد ضرب وجه من يبارزه أو هـو في مقابلته حالة الحملة يكف عنه إذ قد يمتنع عليه بعد ذلك ويقتله فليس المراد إ من يقتله صبرا في حد قت أو غير قتل”* اهـ
قال العراقي: ” إذَا حَصَلَتْ مُقَاتَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ فِي دَفْعِ صَائِلٍ وَنَحْوِهِ: يَتَّقِي وَجْهَهُ، فَمَا ظَنُّك بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرْبٌ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُدَافَعَةِ قَدْ تَضْطَرُّهُ الْحَالُ إلَى الضَّرْبِ فِي وَجْهِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ، فَاَلَّذِي لَا يُدَافِعُهُ الْمَضْرُوبُ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ “. انتهى “طرح التثريب ” (8/ 177)
(فَلْيَجْتَنِبِ) وفي الرواية الآتية: «فليتّق»، وهو بمعنى «يجتنب»، وقوله:
(الوَجْهَ) منصوب على المفعوليَّة؛ أي: ضَرْب الوجه من كلّ مضروب معصوم وجوبًا؛ لأنه شينٌ، ومُثلة له؛ للطافته، وشَرَفه على جميع الأعضاء الظاهرة؛ لأنه الأصل في خلقة الإنسان، وغيره من الأعضاء خادم؛ لأنه الجامع للحواسّ التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة، ولأنه أول الأعضاء في الشخوص، والمقابلة، والتحدّث، والقصد، ولأنه مدخل الروح، ومخرجه، ومقرّ الجمال والحُسن، وبه قوام الحيوان كلّه ناطقه وغير ناطقة، فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع، وأمر بعدم التعرض له في عدَّة أخبار، بضرب، أو إهانة، أو تقبيح، أو تشويه، قاله المناويّ – رحمه الله -[«فيض القدير» (1) / (397)].
وقال في «الفتح»: وقد أخرجه مسلم من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة، بلفظ: «فليتق» بدل: «فليجتنب»، وهي رواية أبي نعيم، وأخرجه مسلم
أيضًا من طريق الأعرج، عن أبي هريرة، بلفظ: «إذا ضرب»، ومثله للنسائيّ
من طريق عجلان، ولأبي داود من طريق أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة، وهو يفيد أن قوله: «قاتل» بمعنى قتل، وأن المفاعلة فيه ليست على ظاهرها،
ويَحْتَمِل أن تكون على ظاهرها؛ ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلًا، فينهى دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه، ويدخل في النهي كلّ من ضرب في حدّ، أو تعزير، أو تأديب، وقد وقع في حديث أبي بكرة وغيره، عند أبي داود وغيره، في قصة التي زنت، فأمر النبيّ – – برجمها، وقال: «ارمُوا، واتقوا الوجه»، وإذا كان ذلك في حقّ من تعيَّن إهلاكه، فمَن دونه أولى. قال النوويّ: قال العلماء: إنما نُهي عن ضرب الوجه؛ لأنه لطيف،
يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه، فيُخشى من ضربه أن تبطل،
أو تتشوه كلّها، أو بعضها، والشين فيها فاحش؛ لظهورها، وبروزها، بل لا يسلم إذا ضربه غالبًا من شين. انتهى.
قال الحافظ: والتعليل المذكور حسنٌ، لكن ثبت عند مسلم تعليل آخر،
فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغيّ، عن أبي هريرة،
وزاد: «فإن الله خلق آدم على صورته».
واختُلف في الضمير على من يعود
===
ولم يتعرض النوويّ لحكم هذا النهي، وظاهره التحريم، ويؤيده حديث سُويد بن مُقَرِّن الصحابيّ أنه رأى رجلًا لطم غلامه، فقال: أوَ ما علمت أن الصورة محترمة. أخرجه مسلم وغيره. انتهى [«الفتح» (6) / (391) – (392)، كتاب «العتق» رقم ((2559))]،
وسيأتي تمام البحث في
المسألة [الثانية]- إن شاء الله تعالى -.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في مرجع الضمير في قوله: «على صورته»:
(اعلم): أنه اختُلف في ذلك على ثلاثة أقوال:
[القول الأول]: أن الضمير يعود على المضروب، وإلى هذا ذهب ابن
خزيمة – رحمه الله – في «كتاب التوحيد»، حيث قال: توهّم بعض من لَمْ يتحرَّ العلم أن قوله: «على صورته» يريد صورة الرَّحمن عزّ ربنا وجلّ عن أن يكون هذا معنى الخبر، بل معنى قوله: «خلق آدم على صورته» الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد – -: أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب، الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قَبّح وجهه، فزجر – – أن يقول: ووجه من أشبه وجهك؛ لأنّ وجه آدم شبيه وجوه بنيه، فاذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، كان مقبِّحًا وجه آدم – صلوات الله عليه وسلامه – الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم، فتفهموا رحمكم الله معنى الخبر، لا تَغْلَطوا، فتضلوا عن سواء السبيل، وتحملوا على القول بالتشبيه الذي هو ضلال. انتهى [«التوحيد لابن خزيمة» (1) / (84) – (85)].
ومثله قال أبو حاتم بن حبان حيث قال – بعد تخريج هذا الحديث -:
يريد به صورة المضروب؛ لأنّ الضارب إذا ضرب وجه أخيه المسلم ضَرَب
وجهًا خلق الله آدم على صورته. [«صحيح ابن حبان» – كما في الإحسان – (12) / (420)].
قال الحافظ ابن حجر: واختُلف في الضمير على من يعود؟ فالأكثر على
أنه يعود على المضروب لِما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد
التعليل بذلك لَمْ يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها. [«فتح الباري» (5) / (183)].
وقد رُدَّ هذا القول وأبطلوه:
قال ابن قتيبة في ((تأويل مختلف الحديث)) – في سرد أقوال الأئمة في
تأويل هذا الحديث – ومنها: أن المراد أن الله خلق آدم على صورة الوجه،
قال: وهذا لا فائدة فيه، والناس يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على
خَلْق ولده، وجهه على وجوههم، وزاد قوم في الحديث أنه عليه الصلاة
والسلام مرَّ برجل يضرب وجه رجل آخر، فقال:» لا تضربه، فإن الله تعالى
خَلْق آدم عليه الصلاة والسلام على صورته «؛ أي: صورة المضروب، وفي هذا القول من الخلل ما في الأول. [«تأويل مختلف الحديث» ص (319)].
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: هذا – يعني الزيادة التي ذكرها ابن قتيبة – شيء لا أصل له، ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث. [«بيان تلبيس الجهميّة» (6) / (424)].
وقال الطبراني في» كتاب السُّنَّة «: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:
قال رجل لأبي: إن رجلًا قال: خلق الله آدم على صورته؛ أي: صورة الرجل،
فقال: كذب، هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا؟
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشيخ محمد الكرخي الشافعي أنه
قال في كتابه:» الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزامًا لذوي البدع والفضول» ما نصه: فأما تأويل من لَمْ يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول، وإن صدر ذلك عن إمام معروف غير مجهول، نحو ما يُنسب إلى أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في تأويل الحديث: «خلق آدم على صورته»، فمانه يفسر ذلك بذلك التأويل، ولم يتابعه عليه من قبله من أئمة الحديث، لِما رويناه عن أحمد – رحمه الله -، ولم يتابعه أيضًا مَن بعده. [«بيان تلبيس الجهميّة» (6) / (404) – (406)].
ثم قال شيخ الإسلام: قلت: فقد ذكر الحافظ أبو موسى المديني فيما
جَمَعه من مناقب الإمام الملقّب بقوام السُّنَّة أبي القاسم إسماعيل بن محمد
التميمي صاحب كتاب «الترغيب والترهيب»، قال: سمعته يقول: أخطأ
محمد بن إسحاق بن خزيمة في حديث الصورة، ولا يُطعن عليه بذلك، بل لا
يؤخذ عنه فحسب، قال أبو موسى: أشار بذلك إلى أنه قلَّ مِن إمام إلّا وله
زلة، فإذا تُرك ذلك الإمام لأجل زلّته، تُرك كثير من الأئمة، وهذا لا ينبغي أن يُفعل. [«بيان تلبيس الجهميّة» (6) / (409) – (411)].
وقال الذهبيّ في «سير أعلام النبلاء» – في ترجمة محمد بن إسحاق بن
خزيمة -: وكتابه في التوحيد مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة،
فليُعْذَر مَن تأوّل بعض الصفات، وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفّوا، وفوّضوا عِلم ذلك إلى الله تعالى ورسوله – -، ولو أن كلّ من أخطأ في اجتهاده – مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق – أهدرناه، وبدّعناه، لقلّ من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنّه وكرمه [«سير أعلام النبلاء» (14) / (374)].
وقد ساق شيخ الإسلام ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية» ثلاثة عشر
وجهًا لإبطال هذا القول:
* منها: أنه في مثل هذا لا يصلح إفراد الضمير، فإن الله خلق آدم على
صورة بنيه كلهم، فتخصيص واحد لَمْ يتقدم له ذِكر بأن الله خلق آدم على صورته في غاية البعد، لا سيما وقوله: «وإذا قاتل أحدكم .. وإذا ضرب
أحدكم» عام في كلّ مضروب، والله خلق آدم على صُوَرهم جميعهم، فلا معنى لإفراد الضمير، وكذلك قوله: «لا يقولن أحدكم: قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك» عام في كلّ مخاطب، والله قد خلقهم كلهم على صورة آدم.
* ومنها: أن ذرية آدم خُلقوا على صورة آدم، لَمْ يخلق آدم على صُوَرهم، فإن مثل هذا الخطاب إنما يقال فيه: خلق الثاني المتأخر في الوجود على صورة الأول المتقدم وجوده، لا يقال؛ إنه خلق الأول على صورة الثاني المتأخر في الوجود، حما يقال: خلق الخلق على غير مثال أو نسيج هذا على
منوال هذا.
* ومنها: أنه إذا أُريدَ مجرد المشابهة لآدم وذريته لَمْ يَحْتَجْ إلى لفظ خلق
على كذا، فإنّ هذه العبارة إنما تُستعمل فيما فُطِر على مثال غيره، بل يقال: إن وجهه يشبه وجه آدم، أو فإن صورته تُشْبه صورة آدم.
* ومنها: أنه لو كانت علة النهي عن شتم الوجه وتقبيحه أنه يشبه وجه
آدم لنهى أيضًا عن الشتم والتقبيح لسائر الأعضاء، لا يقولن أحدكم: قطع الله يدك ويد من أشبه يدك … إلخ ما ذكره [بيان تلبيس الجهميّة «(6) / (423) – (432)].
قال [الأتيوبي] عفا الله عنه: دعوى الغلط على ابن قتيبة غلطٌ، فالصواب
معه، كما هو مذهب السلف: أحمد، وإسحاق، وغيرهما، فتفطّن، وبالله تعالى التوفيق.
وقال حرب الكرمانيّ في «كتاب السُّنَّة»: سمعت إسحاق بن راهويه
يقول: صحّ أن الله خلق آدم على صورة الرَّحمن، وقال إسحاق الكوسج:
سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح. وقال الطبرانيّ في «كتاب السُّنَّة»:
حَدَّثَنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: قال رجل لأبي: إن رجلًا قال:
خلق الله آدم على صورته؛ أي: صورة الرجل، فقال: كذب، هو قول
الجهمية. انتهى.
قال أحد العلماء:
قوله: “قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره .. إلخ”: ابن قتيبة يعرف بخطيب أهل السنة، وله جهود في الرد على الزنادقة والمعتزلة كما في “تأويل مختلف الحديث” له.
وما ذهب إليه ابن قتيبة رحمه الله تعالى من إثبات الصورة لله عز وجل، وأنها ليست كصورة أحد من الخلق ـ فله سبحانه وتعالى صورة لا كالصور ـ هو مذهب جميع أهل السنة المثبتين لكل ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فكما يقولون: له وجه لا كوجوه المخلوقين، يقولون: له صورة لا كصور المخلوقين، وقد دل على إثبات الصورة لله عز وجل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل: “وتبقى هذه الأمة وفيها منافقوها، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفونها”، وهو نص صريح لا يحتمل التأويل، فلهذا لم يخالف أحد من أهل السنة في دلالته.
وأما حديث: “فإن الله خلق آدم على صورته” فقد استدل به أكثر أهل السنة على إثبات الصورة أيضاً، وردوا الضمير إلى الله تعالى، وأيدوا ذلك برواية من رواياته بلفظ: “على صورة الرحمن”. ومن رد الضمير إلى آدم عليه السلام أو إلى المقاتل – وقصده نفي الصورة عن الله تعالى – فهو جهمي كما قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
ونفي الصورة هو مذهب الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية، ومنشأ ذلك هو توهم التشبيه في صفات الله تعالى، فزعموا أن إثبات الصورة أو الوجه أو اليدين ونحو ذلك يستلزم التشبيه بالمخلوقات، وهي حجة داحضة، وطردها يستلزم نفي وجود الله سبحانه وتعالى.
ومن رد من أهل السنة الضمير إلى آدم عليه السلام وضعَّف رواية ” على صورة الرحمن ” فليس مقصوده التوصل إلى نفي الصورة عن الله عز وجل، وليس من مذهبه ذلك، بل رأى لفظ هذا الحديث ” خلق الله آدم على صورته ” محتملا، فترجح عنده عود الضمير إلى آدم أو إلى المقاتل. وهو منازع في تضعيفه لتلك الرواية وفي هذا الترجيح.
وبهذا يتبين أن إثبات الصورة لله عز وجل لا يتوقف على دلالة حديث ” خلق الله آدم على صورته “، ونقول: بل غلط المازري عفا الله عنه، ولم يغلط ابن قتيبة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك … ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائداً إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة. اهـ
بيان تلبيس الجهمية (3/ 202)
وهذه موافقة من إبن باز لكتاب الشيخ التويجري
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المملكة العربية السعودية … الرقم (380) /خ
رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد … التاريخ (30) / (3) / (1408) هـ
مكتب الرئيس … المرفقات: …………
الموضوع: ………………..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد.
فقد اطلعت على ما كتبه صاحب الفضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وفقه الله وبارك في أعماله فيما ورد من الأحاديث في خلق آدم على صورة الرحمن وسمى مؤلفه في ذلك «عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن» فألفيته كتاباً قيماً كثير الفائدة قد ذكر فيه الأحاديث الصحيحة الواردة في خلق آدم على صورة الرحمن وفيما يتعلق بمجيء الرحمن يوم القيامة على صورته وقد أجاد وأفاد وأوضح ما هو الحق في هذه المسألة وهو أن الضمير في الحديث الصحيح في خلق آدم على صورته يعود إلى الله عز وجل وهو موافق لما جاء في حديث ابن عمر أن الله خلق آدم على صورة الرحمن وقد صححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والآجري وشيخ الإسلام ابن تيمية وآخرون من الأئمة رحمة الله عليهم جميعاً وقد بين كثير من الأئمة خطأ الإمام ابن خزيمة رحمه الله في إنكار عود الضمير إلى الله سبحانه في حديث ابن عمر والصواب ما قاله الأئمة المذكورون وغيرهم في عود الضمير إلى الله عز وجل بلا كيف ولا تمثيل بل صورة الله سبحانه تليق به وتناسبه كسائر صفاته ولا يشابهه فيها شيء من خلقه سبحانه وتعالى كما قال عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ((1)) اللَّهُ الصَّمَدُ ((2)) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ((3)) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ((4))} [الإخلاص: (1) – (4)]، وقال عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: (11)]، وقال سبحانه {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم: (65)]، وقال عز وجل {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: (74)].
والآيات في هذا المعنى كثيرة، والواجب على أهل العلم والإيمان إمرار آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة كما جاءت وعدم التأويل لها بما يخالف ظاهرها كما درج على ذلك سلف الأمة وأئمتها مع الإيمان بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء في صورته ولا وجهه ولا يده ولا سائر صفاته بل هو سبحانه له الكمال المطلق من جميع الوجوه في جميع صفاته لا شبيه له ولا مثل له ولا تكيف صفاته بصفات خلقه كما نص على ذلك سلف الأمة وأئمتها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان رحمهم الله جميعاً وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
ومن تأمل ما كتبه أخونا العلامة الشيخ حمود التويجري في هذا الكتاب وما نقله عن الأئمة اتضح له ما ذكرنا فجزاه الله خيرا وزاده من العلم والإيمان وجعلنا وإياه وسائر إخواننا من أنصار السنة والقرآن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه ومن استقام على نهجه إلى يوم الدين.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
قال ابن عثيمين:
ومما يبين معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر) رواه البخاري (3245) ومسلم (2834)، فمراده صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم على صورة البشر، ولكنهم في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه، وما أشبه ذلك على صورة القمر، فصورتهم فيها شبه بالقمر، لكن بدون ممائلة … فتبين أنه لا يلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (خلق آدم على صورته) أي أن الله عز وجل خلق آدم على صورته سبحانه، فهو سبحانه له وجه وعين وله يد ورجل سبحانه وتعالى، وآدم له وجه وله عين وله يد وله رجل … ، لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان فهناك شيء من الشبه، لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر، لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أنّ جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليس مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
انظر شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1/ 107، 293)
وقال ابن قتيبة رحمه الله: (الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد) تأويل مختلف الحديث ص 221
———–
• قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين في مجموع رسائل وفتاوى أبا بطين ((1) / (22) 1):
– هـذا الحديث المسؤول عنه ثابت في صحيحي البخاري ومسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا”
وفي بعض ألفاظ الحديث: “إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته” …
ورد تأويله بأن الضمير عائد على ابن آدم المضروب، بأنه فائدة فيه؛ إذ الخلق عالمون بأن آدم خلق على خلق ولده، وأن وجهه كوجوهـهم.ويرد هـذا التأويل كله بالرواية المشهورة: ” تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن” وقد نص ا مام أحمد على صحة الحديث، وإبطال هـذه التأوي ت، فقال في رواية إسحاق بن منصور: ” تقبحوا الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته” صحيح.وقال في رواية أبي طالب: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم، فهو جهمي، وأي صورة كانت دم قبل أن يخلقه؟ وعن عبد الله بن ا مام أحمد قال: قال رجل بي: إن ف نا يقول في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله خلق آدم على صورته” 1 فقال: على صورة الرجل، فقال أبي: كذب، هـذا قول الجهمية، وأي فائدة في هـذا؟ وقال أحمد في رواية أخرى: فأين الذي يروي: “إن الله خلق آدم على صورة الرحمن”؟ وقيل حمد عن رجل: إنه يقول: على صورة الطين، فقال: هـذا جهمي، وهـذا ك م الجهمية، واللفظ الذي فيه على صورة الرحمن رواه الدارقطني، والطبراني، وغيرهـما بإسناد رجاله ثقات. قاله ابن حجر، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجها ابن أبي عاصم عن أبي هـريرة مرفوعا، قال: “من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه ا نسان على صورة وجه الرحمن” وصحح إسحاق بن راهـويه اللفظ فيه على صورة الرحمن، وأما أحمد فذكر أن بعض الرواة وقفه على ابن عمر، وك هـما حجة.
وروى ابن منده، عن ابن راهـويه قال: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن آدم خلق على صورة الرحمن” وإنما علينا أن ننطق به، قال القاضي أبو يعلى: والوجه فيه أنه ليس في حمله على ظاهـره ما يزيل صفاته، و يخرجها عما ما تستحقه، ننا نطلق تسمية الصورة عليه، كالصور كما أطلقنا تسمية ذات ونفس، كالذوات وا نفس.
وقد نص أحمد في رواية يعقوب بن يختان قال: خلق آدم على صورته، نفسره كما جاء الحديث. وقال الحميدي لما حدث بحديث: “إن الله خلق آدم على صورته” 1 قال: نقول غير هـذا على التسليم، والرضى بما جاء به القرآن والحديث، و نستوحش أن نقول كما قال القرآن والحديث.
وقال ابن قتيبة: الذي عندي -والله أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين …
وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: “فيأتيهم الله في صورة غير الصورة التي يعرفون ….. فالذي ينبغي في هـذا ونحوه إمرار الحديث كما جاء على الرضى والتسليم، مع اعتقاد أنه ليس كمثله شيء، وهـو السميع البصير، والله -سبحانه- أعلم.
===
[القول الثاني]: أن الضمير يعود إلى آدم.
وهو مرويّ عن أبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، ذكره القاضي أبو
الحسين في طبقات الحنابلة في ترجمة محمد بن علي الجرجاني، المعروف
بحمدان أنه قال: سألت أبا ثور عن قول النبيّ: «إن الله خلق آدم على
صورته»، فقال: على صورة آدم [» طبقات الحنابلة «(1) / (359)].
ونقله الإمام أحمد عن بعض محدثي البصرة، كما في «بيان التلبيس»
لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وذكره البيهقيّ في «الأسماء والصفات» عن أبي سليمان الخطابيّ، وأقرَّه [» الأسماء والصفات” (2) / (61) – (62)].
ونَسَبه ابن قتيبة إلى أهل الكلام، فقال: فقال قوم من أصحاب الكلام:
أراد: خلق آدم على صورة آدم، لَمْ يزد على ذلك [«تأويل مختلف الحديث» ص (318)]. وإليه ذهب العراقيّ في «طرح التثريب» [«طرح التثريب» (8) / (104)].
والقرطبي
قال ابن حجر:
فالأكثر على أنّه يعود على
المضروب؛ لِما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك،
لَمْ يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها.
وقال القرطبيّ: أعاد بعضهم الضمير على الله؛ متمسكًا بما ورد في بعض
طُرُقه: «إن الله خلق آدم على صورة الرَّحمن». قال: وكأن من رواه أورده
بالمعنى؛ متمسكًا بما توهّمه، فغَلِط في ذلك.
وقد أنكر المازريّ، ومن تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: وعلى تقدير صحتها، فيُحْمَل على ما يليق بالباري – سبحانه وتعالى -.
قال الحافظ: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في «السُّنَّة»، والطبراني من
حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات، وأخرجها ابن أبي عاصم أيضًا من طريق أبي يونس، عن أبي هريرة، بلفظٍ يرُدّ التأويل الأول، قال: «من قاتل فليجتنب الوجه، فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرَّحمن»، فتعيّن إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السُّنَّة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن .
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -، رفعه: «خلق الله آدم
على صورته … » الحديث.
وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم – عليه السلام -؛ أي: على صفته؛ أي: خلقه موصوفًا بالعلم الذي فَضَل به الحيوان، وهذا مُحْتَمِلٌ.
وقد قال المازريّ: غَلِط ابن قتيبة، فأجرى هذا الحديث على ظاهره،
وقال: صورة لا كالصور. انتهى.
===
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): لا يجوز ضرب المسلم على وجهه، بأي نوع من أنواع الضرب:
لا يجوز ضرب المسلم على وجهه، بأي نوع من أنواع الضرب، سواء كان على سبيل التأديب، أو التعليم، أو التدريب، أو إقامة حد أو تعزير.
وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ). رواه البخاري (2560) ومسلم (2612) واللفظ له، وفي رواية له بلفظ: (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ … )
قال النووي: ” هَذَا تَصْرِيح بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْب الْوَجْه ; لِأَنَّهُ لَطِيف يَجْمَع الْمَحَاسِن , وَأَعْضَاؤُهُ نَفِيسَة لَطِيفَة , وَأَكْثَر الْإِدْرَاك بِهَا ; فَقَدْ يُبْطِلهَا ضَرْب الْوَجْه, وَقَدْ يُنْقِصُهَا , وَقَدْ يُشَوِّه الْوَجْه , وَالشَّيْن فِيهِ فَاحِش ; وَلِأَنَّهُ بَارِز ظَاهِر لَا يُمْكِن سَتْره , وَمَتَى ضَرَبَهُ لَا يَسْلَم مِنْ شَيْن غَالِبًا “.
قال: ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه.
انتهى “شرح النووي على مسلم ” (16/ 165).
وقال الحافظ ابن حجر: ” وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ كُلّ مَنْ ضُرِبَ فِي حَدّ، أَوْ تَعْزِير، أَوْ تَادِيب “. انتهى من فتح الباري (5/ 183)
وقال الصنعاني: ” وهذا النهي عام لكل ضرب ولطم من تأديب أو غيره “. انتهى “سبل السلام” (1/ 236).
قال العراقي: ” إذَا حَصَلَتْ مُقَاتَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَوْ فِي دَفْعِ صَائِلٍ وَنَحْوِهِ: يَتَّقِي وَجْهَهُ، فَمَا ظَنُّك بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرْبٌ؛ فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمُدَافَعَةِ قَدْ تَضْطَرُّهُ الْحَالُ إلَى الضَّرْبِ فِي وَجْهِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهَى عَنْهُ، فَاَلَّذِي لَا يُدَافِعُهُ الْمَضْرُوبُ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْمَرَ بِاجْتِنَابِ الْوَجْهِ “. انتهى “طرح التثريب ” (8/ 177).
ينظر: “عون المعبود” (12/ 130).
” ولأن الوجه أشرف ما في الإنسان, وهو واجهة البدن كله , فإذا ضُرب كان أذل للإنسان مما لو ضرب غير وجهه”. انتهى من “شرح رياض الصالحين” لابن عثيمين (1/ 327).
روى مسلم في صحيحه (2616) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ)).
قال النووي: ” فِيهِ تَاكِيد حُرْمَة الْمُسْلِم , وَالنَّهْي الشَّدِيد عَنْ تَرْوِيعه وَتَخْوِيفه وَالتَّعَرُّض لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيه.
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمّه) مُبَالَغَة فِي إِيضَاح عُمُوم النَّهْي فِي كُلّ أَحَد , سَوَاء مَنْ يُتَّهَم فِيهِ , وَمَنْ لَا يُتَّهَم , وَسَوَاء كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا , أَمْ لَا ; لِأَنَّ تَرْوِيع الْمُسْلِم حَرَام بِكُلِّ حَال “. انتهى “شرح النووي على مسلم” (16/ 170)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي؛ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ) رواه البخاري (7072) ومسلم (2617)
قال ابن حجر: ” وَالْمُرَاد أَنَّهُ يُغْرِي بَيْنَهُمْ حَتَّى يَضْرِب أَحَدهمَا الْآخَر بِسِلَاحِهِ فَيُحَقِّق الشَّيْطَان ضَرْبَته لَهُ “. انتهى: فتح الباري ” (13/ 25).
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: ” وَإِنَّمَا يَسْتَحِقّ اللَّعْن إِذَا كَانَتْ إِشَارَته تَهْدِيدًا، سَوَاء كَانَ جَادًّا أَمْ لَاعِبًا , وَإِنَّمَا أُوخِذَ اللَّاعِب لِمَا أَدْخَلَهُ عَلَى أَخِيهِ مِنْ الرَّوْع “. نقله عنه في “فتح الباري” (13/ 25).
(المسألة الثانية): الفتاوي
1) ما حكم ضرب الوجه؟ ضرب الوجه حرام في المرأة وغيرها؟
أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
“نعم، حتى في الدابة يَحْرُم ضرب الوجه مطلقًا، يقول : إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه في الدابة وفي غيرها وفي المرأة والولد والخادم.
(دروس شرح بلوغ المرام، كتاب النكاح) “. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى]
2) حكم الملاكمة ومصارعة الثيران والمصارعة الحرة
ج: الملاكمة ومصارعة الثيران من المحرمات المنكرة لما في الملاكمة من الأضرار الكثيرة والخطر العظيم، ولما في مصارعة الثيران من تعذيب للحيوان بغير حق، أما المصارعة الحرة التي ليس فيها خطر ولا أذى ولا كشف للعورات فلا حرج فيها؛ لحديث مصارعة النبي ليزيد بن ركانة فصرعه -عليه الصلاة والسلام-؛ ولأن الأصل في مثل هذا الإباحة إلا ما حرمه الشرع المطهر، وقد صدر من المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بتحريم الملاكمة ومصارعة الثيران لما ذكرنا آنفا وهذا نصه: القرار الثالث
بشأن موضوع (الملاكمة والمصارعة الحرة ومصارعة الثيران) [1]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 24 صفر 1408هـ، الموافق 17 أكتوبر 1987م، إلى يوم الأربعاء 28 صفر 1408هـ الموافق 21 أكتوبر 1987م، قد نظر في موضوع الملاكمة والمصارعة الحرة من حيث عدهما رياضة بدنية جائزة، وكذا في مصارعة الثيران المعتادة في بعض البلاد الأجنبية، هل تجوز في حكم الإسلام أو لا تجوز.
وبعد المداولة في هذا الشأن من مختلف جوانبه والنتائج التي تسفر عنها هذه الأنواع التي نسبت إلى الرياضة وأصبحت تعرضها برامج البث التلفازي في البلاد الإسلامية وغيرها. وبعد الاطلاع على الدراسات التي قدمت في هذا الشأن بتكليف من مجلس المجمع في دورته السابقة من قبل الأطباء ذوي الاختصاص، وبعد الاطلاع على الإحصائيات التي قدمها بعضهم عما حدث فعلا في العالم نتيجة لممارسة الملاكمة وما يشاهد في التلفزة من بعض مآسي المصارعة الحرة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولا: الملاكمة:
يرى مجلس المجمع بالإجماع أن الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلا في حلبات الرياضة والمسابقة في بلادنا اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية؛ لأنها تقوم على أساس استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغا في جسمه قد يصل به إلى العمى أو التلف الحاد أو المزمن في المخ أو إلى الكسور البليغة، أو إلى الموت، دون مسئولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كليّا وجزئيا في حكم الإسلام لقوله تعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] وقوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29] وقوله لا ضرر ولا ضرار.
على ذلك فقد نص فقهاء الشريعة على أن من أباح دمه لآخر فقال له: (اقتلني) أنه لا يجوز له قتله، ولو فعل كان مسئولا ومستحقا للعقاب.
وبناء على ذلك يقرر المجمع: أن هذه الملاكمة لا يجوز أن تسمى رياضة بدنية، ولا تجوز ممارستها لأن مفهوم الرياضة يقوم على أساس التمرين دون إيذاء أو ضرر، ويجب أن تحذف من برامج الرياضة المحلية ومن المشاركات فيها في المباريات العالمية، كما يقرر المجلس عدم جواز عرضها في البرامج التلفازية كي لا تتعلم الناشئة هذا العمل السيئ وتحاول تقليده.
ثانيا: المصارعة الحرة:
وأما المصارعة الحرة التي يستبيح فيها كل من المتصارعين إيذاء الآخر والإضرار به، فإن المجلس يرى فيها عملا مشابها تمامَ المشابهةِ للملاكمة المذكورة وإن اختلفت الصورة، لأن جميع المحاذير الشرعية التي أشير إليها في الملاكمة موجودة في المصارعة الحرة التي تجرى على طريقة المبارزة وتأخذ حكمها في التحريم.
وأما الأنواع الأخرى من المصارعة التي تمارس لمحض الرياضة البدنية ولا يستباح فيها الإيذاء فإنها جائزة شرعا ولا يرى المجلس مانعا منها.
ثالثا: مصارعة الثيران:
وأما مصارعة الثيران المعتادة في بعض بلاد العالم، والتي تؤدي إلى قتل الثور ببراعة استخدام الإنسان المدرب للسلاح فهي أيضا محرمة شرعا في حكم الإسلام، لأنها تؤدي إلى قتل الحيوان تعذيبا بما يغرس في جسمه من سهام، وكثيرا ما تؤدي هذه المصارعة إلى أن يقتل الثور مصارعه، وهذه المصارعة عمل وحشي يأباه الشرع الإسلامي الذي يقول رسوله المصطفى في الحديث الصحيح دخلت امرأة النار في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
فإذا كان هذا الحبس للهرة يوجب دخول النار يوم القيامة فكيف بحال من يعذب الثور بالسلاح حتى الموت؟
رابعا: التحريش بين الحيوانات:
ويقرر المجمع أيضا تحريم ما يقع في بعض البلاد من التحريش بين الحيوانات كالجمال والكباش، والديكة، وغيرها، حتى يقتل أو يؤذي بعضها بعضا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
الدورة العاشرة المنعقدة في مكة المكرمة يوم السبت 24 صفر سنة 1408هـ الموافق 17 أكتوبر سنة 1987م. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى]
3) معالجة الأنف لتعديله وإزالة آلامه منذ 2018 – 04 – 14
السؤال: سائل يقول: إن أنفه أفطس ولا يوجد تناسق في وجهه، ودائمًا يشعر بآلام شديدة فيه، فهل يجوز أن يعمل تعديلاً بغرض الألم وأن يتناسق مع باقي الأعضاء؟ الإجابة: إذا كان أنفه يؤلمه فإنه يعالجه بما يزيل الألم، فإذا كان لرفع الألم فهذا لا إشكال فيه ولا خلاف في جواز علاجه لرفع هذا الألم، وأما إذا كان العلاج من أجل تعديل الخِلقة من أجل التجميل فإن هذا من تغيير خلق الله إلا إذا كان عيبه مما يُقذَر به ويتندّر به الناس فإن هذا أيضًا ألم وإن لم يكن حسيًّا فإنه ألم معنوي لا مانع من إزالته حينئذٍ. [للشيخ عبد الكريم الخضير]