63 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1957) قال عمر بن الخطااب رضي الله عنه:
فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحُ نِيَّتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ يَشِنْهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ عز وجل فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ
[سنن الدارقطني 5/ 369]
في عاجل رزقه وخزائن رحمته معناه أي أن المرائي بعمله يقصد اكتساب محمد، أو منال شيء مما في أيدي الناس، وما يفوته به إذا ترك الإخلاص من ثواب الله تعالى فالعاقل إذا قابل ما هو موعود له من الله تعالى عند التقوى والإخلاص بما يطمع فيه من جهة الناس ترجح ما عند الله تعالى لا محالة، وذلك عاجل الرزق كما قال الله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} [الطلاق: 2] {ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3] والمغفرة والرحمة كما قال الله تعالى {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] أي المتقين المخلصين
[المبسوط للسرخسي 16/ 65]
______________
(1958): {وَاضرِب لَهُم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنزَلناهُ مِنَ السَّماءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ فَأَصبَحَ هَشيمًا تَذروهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ مُقتَدِرًا} [الكهف: (45)]
تفسير السعدي:
يقول تعالى لنبيِّه ? أصلًا ولمن قام بوراثته بعده تبعًا: اضرب للناس {مَثَلَ الحياة الدنيا}؛ ليتصوَّروها حقَّ التصوُّر ويعرِفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية، ويؤثروا أيَّهما أولى بالإيثار.
وإنَّ مَثَلَ هذه الحياة الدُّنيا كمثل المطر؛ ينزِلُ على الأرض، فيختلط نباتها، تُنْبِتُ من كلِّ زوج بهيج، فبينا زهرتُها وزُخرفها تسرُّ الناظرين، وتفرِحُ المتفرِّجين، وتأخذُ بعيون الغافلين؛ إذ أصبحتْ {هشيمًا تذروه الرياح}: فذهب ذلك النبات الناضر والزهر الزاهر والمنظر البهيُّ، فأصبحت الأرض غبراء ترابًا قد انحرف عنها النظرُ، وصرف عنها البصرُ، وأوحشت القلبَ؛ كذلك هذه الدُّنيا؛ بينما صاحبها قد أعْجِبَ بشبابِهِ، وفاق فيها على أقرانِهِ وأترابِهِ، وحصَّل درهمَها ودينارَها، واقتطف من لذَّتِهِ أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، وظنَّ أنَّه لا يزال فيها سائر أيامه؛ إذْ أصابه الموتُ أو التلفُ لماله، فذهب عنه سرورُهُ، وزالت لذَّتُه وحبوره، واستوحش قلبُه من الآلام، وفارق شبابَه وقوتَه ومالَه، وانفرد بصالح أو سيئ أعماله، هنالك يعضُّ الظالم على يديه حين يعلم حقيقةَ ما هو عليه ويتمنَّى العَوْدَ إلى الدُّنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدركَ ما فرط منه من الغفلات؛ بالتوبة والأعمال الصالحات، فالعاقل الحازمُ الموفَّق يعرِضُ على نفسِهِ هذه الحالة، ويقول لنفسه: قدِّري أنَّك قد متِّ، ولا بدَّ أن تموتي؛ فأيُّ الحالتين تختارين: الاغترار بزخرِف هذه الدار، والتمتُّع بها كتمتُّع الأنعام السارحة، أم العمل لدارٍ أكُلُها دائمٌ وظلُّها، وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين؛ فبهذا يُعْرَفُ توفيقُ العبد من خذلانِهِ، وربحُهُ من خسرانِهِ.
______________
(1959): {وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: (49)]
تفسير السعدي:
فحينئذٍ تُحْضَرُ كتب الأعمال التي كتبها الملائكة الأبرار، فتطير لها القلوبُ، وتَعْظُم من وقعها الكروبُ، وتكاد لها الصمُّ الصلاب تذوبُ، ويشفق منها المجرمون؛ فإذا رأوها مسطرةً عليهم أعمالهم محصى عليهم أقوالهم وأفعالهم؛ قالوا: {يا وَيْلَتَنا مالِ هذا الكتابِ لا يغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاَّ أحصاها}؛ أي: لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة إلاَّ وهي مكتوبةٌ فيه محفوظة لم ينس منها عملُ سرٍّ ولا علانية ولا ليل ولا نهار. {ووجدوا ما عَمِلوا حاضرًا}: لا يقدرون على إنكارِهِ، {ولا يظلم ربُّك أحدًا}: فحينئذٍ يجازَوْن بها ويُقَرَّرون بها ويُخْزَون ويحقُّ عليهم العذاب، {ذلك بما قدَّمتْ أيديهم وأنَّ الله ليس بظلاَّم للعبيدٍ}: بل هم غيرُ خارجين عن عدلِهِ وفضلِهِ.
______________
(1960): قال ابن الجوزي – رحمه الله -:
*ولقد كنت في مرحلة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل*، لأجل ما أطلب وأرجو.
كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم»
صيد الخاطر ((153)).
______________
(1961): وَلَوْ وَافَيْتَ رَبَّكَ دُونَ ذَنْبٍ … وَنَاقَشَكَ الحِسَابَ إِذًا هَلَكْتَا
وَلَمْ يَظْلِمْكَ فِي عَمَلٍ وَلَكِنْ … عَسِيرٌ أَنْ تَقُومَ بِمَا حَمَلْتَا
وَلَوْ قَدْ جِئْتَ يَوْمَ الفَصْلِ فَرْدًا … وَأَبْصَرْتَ المَنَازِلَ فِيهِ شَتَّى
لَأَعْظَمْتَ النَّدَامَةَ فِيهِ لَهْفًا … عَلَى مَا فِي حَيَاتِكَ قَدْ أَضَعْتَا
تَفِرُّ مِنَ الهَجِيرِ وَتَتَّقِيهِ … فَهَلَّا عَنْ جَهَنَّمَ قَدْ فَرَرْتَا
وَلَسْتَ تُطِيقُ أَهْوَنَهَا عَذَابًا … وَلَوْ كُنْتَ الحَدِيدَ بِهَا لَذُبْتَا
فَلَا تُكْذَبْ فَإِنَّ الأَمْرَ جِدٌّ … وَلَيْسَ كَمَا حَسِبْتَ وَلَا ظَنَنْتَا
تائية الألبيري رحمه الله ..
______________
(1962): قال الحسن البصري رحمه الله:
«ما ضربت ببصري ولا نطقت بلساني ولا بطشت بيدي ولا نهضت على قدمي حتى أنظر على طاعةٍ أو على معصية؟ فإن كانت طاعته تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت.»
[جامع العلوم والحكم: ((213) / (1))]
______________
(1963): قال الإمام أبو أحمد القصاب:
الله – جل جلاله – فرض العلم والعمل – معًا –
فمن أطاعه في العلم فقد جاء بشطر الأمر، وبقي عليه الشطر، ويوشك الشطر الذي أطاع فيه أن يُلحقه بالشطر الآخر،
والجاهل مضيعٌ لجميعه. وغير آخذ عدة العمل، ودليل النجاة.
والخبر المروي: ” يُغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد” ليس هو عن رسول الله ?، وليس بشيء، لأنَّا لا نعلمُ الله مدح الجهل في كتابه، ولا على لسان رسوله ?، ولو كان كذلك، لكان الجهل أرفع درجة من العلم.
والجاهل إلى أن يكون عمله الذي يحسبه صالحًا – غير مقبول منه – أقرب إلى أنْ يغفر له خطيئته، لأنه لا يقيمه بعلم. ولا يُخلصه لربه. وربما أعدَّ الخطيئة طاعة، والطاعة خطيئة، والإعجاب بعمله أسرع إليه منه إلى العالم.
الذي إذا عمل خيراً شكر من وفَّقه له، وعلم أنه مستعمل، لا عالم بقوته، فالإعجاب بعيد من هذا، والشكر عمل برأسه، وإذا عمل سيئة عرف وزنها، وطريق الاستغفار منها. والندم عليها، فتسره حسنته، وتسوؤه سيئته، فيستوجبُ الإيمان. كما قال رسول الله ? -: “من سرته حسنتة، وساءته سيئته، فهو مؤمن”.
والجاهل لا للخطيئة يعرف وزن ثقلها، وعظم بليتها، ولا للحسنة يعرف وزنها، بل يرى نفسه مستعليًا بها، ومتكبرًا على القاعدين عنها. وكل هذا خطايا برؤوسها، فكيف يستويان، ومتى يلتقيان؟!.
فلو قُلب هذا الخبر، وقيل: يُغفر للعالم سبعون ذنبًا، قبل أن يُغفر للجاهل ذنب واحد، لكان الكتاب والسنة والإجماع ونظر المحصلين أدل عليه، إن شاء الله.
وعلى العالم – مع ذلك – أن يعرف حق المنعم عليه فيما علمه. ويصون ما أكرم به من تدنيسه، وسلكه به مسلك الجاهلين، ويحذر سطوة الله في تضييع شُكره – فعلاً وقولاً – على ما أعطي. فعليه أن يَنْفِس على ميراث الأنبياء، فلا يخلطه بميراث إبليس. وأعدائه من الشياطين.
نكت القرآن الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام ((14) / (4))
______________
(1964): قال الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله:
من يتعامل مع الناس بالأخلاق الحسنة، لمصالح دنيوية فلن يحصل من دنياه إلَّا ما كتب الله له، ويفوت على نفسه ثواب الآخرة.
? [شرح الدروس المهمة 172]
______________
(1965): قال يحيى بن معاذ: حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبرّ ولا تنقص بالجَفاءِ.
[صفة الصفوة (4) / (341)].
______________
(1966): (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
قيل لأبي علي ابن الفُضيل بن عياض:
“يا أبا علي، ما معنى أحسن العمل؟
قال: “أخلصه وأصوبه”،
قيل: ما أخلصه؟ وما أصوبه؟
قال: «إنَّ العمل إذا كان خالصًا
ولم يكن صوابًا لم يُقبل،
وإن كان صوابًا
ولم يكن خالصًا فلم يُقبل،
حتى يكون خالصًا صوابًا”،
قيل: يا أبا علي، ما هو الخالص
الصواب؟
قال: “الخالص: أن يكون لله،
والصواب: أن يكون على السنة”.
«مدارج السّالكين» لابن القيّم: (2/ 93)].
______________
(1967): كان السلف الصالح على خشية دائمة وعمل للآخرة لا ينقطع، بحيث لو قيل لأحدهم إنك ستموت غدا لما ازداد شيئا من العمل.
وفي الحلية لأبي نعيم وغيرهما عن عبد الرحمن بن مهدي قال: لَوْ قِيلَ لِحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِنَّكَ تَمُوتُ غَدًا مَا قَدَرَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعَمَلِ شَيْئًا.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – ط السعادة (6) / (250)
وفي تاريخ واسط عن شعيب بن حرب قال: لَو قيل لمنصور بن زَاذَان إِنَّك تَمُوت غَدا مَا كَانَ عِنْده مزِيد.
تاريخ واسط (1) / (81)
وهكذا ينبغي لكل مسلم.
______________
(1968): {لا إله إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمينَ}، فأقرَّ لله تعالى بكمال الألوهيَّة، ونزَّهه عن كل نقص وعيبٍ وآفةٍ، واعترفَ بظلم نفسِهِ وجنايتِهِ؛ قال الله تعالى: {فَلَوْلا أنَّه كان من المسبِّحين. لَلَبِثَ في بطنِهِ إلى يوم يبعثون}، ولهذا قال هنا: {فاستَجَبْنا له ونَجَّيْناه من الغمِّ}؛ أي: الشدَّة التي وقع فيها، {وكذلك نُنْجي المؤمنينَ}: وهذا وعدٌ وبشارةٌ لكلِّ مؤمن وقع في شدَّة وغمٍّ: أنَّ الله تعالى سَيُنجيه منها ويكشِفُ عنه، ويخفِّفُ لإيمانِهِ؛ كما فعل بيونس عليه السلام.
تفسير السعدي
______________
(1969): عن أَبي الدَّرْدَاءِ، قَالَ «مَنْ يُكْثِرْ قَرْعَ الْبَابِ، بَابِ الْمَلِكِ، يُوشِكْ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَمَنْ يُكْثِرِ الدُّعَاءَ يُوشِكْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ»
الجامع – معمر بن راشد (10) / (442)
______________
(1970): من فوائد حفظ القرآن ما يرجى لحافظه من الأمن من النار، ففي الحديث عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو جعل القرآن في إهاب، ثم ألقي في النار، ما احترق. أخرجه الدارمي في “سننه ” وحسنه الألباني. قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: 290): حدثني يزيد بن عمرو قال: سألت الأصمعي عن هذا الحديث، فقال: يعني لو جعل القرآن في إنسان ثم ألقي في النار، ما احترق. وأراد الأصمعي، أن من علمه الله تعالى القرآن من المسلمين وحفظه إياه، لم تحرقه النار يوم القيامة، إن ألقي فيها بالذنوب، كما قال أبو أمامة: “احْفَظُوا الْقُرْآن، أَو اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ» وَجَعَلَ الْجِسْمَ ظَرْفًا لِلْقُرْآنِ كَالْإِهَابِ. اهـ
تأويل مختلف الحديث (1) / (291)
______________
(1971): أما زالت الدُّنْيَا بقلبك؟
انزعها من قلبكَ نزعًا،
وامضِ حيثُ أمرك اللّاه
الجنةُ موعدُك، لا تنشغل ولا تنسَ!
لا تنظُرَنَّ إلى القصورِ العامِرة
واذكُر عظامك حين تُمسي ناخرة!
وإذا ذكرتَ زخارف الدُنيا فـ قُل ..
لبَّيك إنَّ العَيشَ عَيشُ الآخرة
______________
(1972) {وظنُّوا أن لا مَلْجَأ من الله إلا إليه}؛ أي: تيقَّنوا وعرفوا بحالهم أنه لا يُنْجي من الشدائد ويُلْجَأ إليه إلاَّ الله وحده لا شريك له، فانقطع تعلُّقهم بالمخلوقين، وتعلَّقوا بالله ربِّهم، وفرُّوا منه إليه، فمكثوا بهذه الشدَّة نحو خمسين ليلةً. {ثمَّ تاب عليهم}؛ أي: أذن في توبتهم ووفَّقهم لها، {لِيَتوبوا}؛ أي: لتقعَ منهم فيتوبَ الله عليهم. {إنَّ الله هو التوَّابُ}؛ أي: كثير التوبة والعفو والغفران عن الزلاَّت والنُّقصان، {الرحيمُ}: وَصْفُهُ الرحمة العظيمة التي لا تزال تَنْزِلُ على العباد في كلِّ وقت وحينٍ، في جميع اللحظات ما تقوم به أمورُهم الدينيَّة والدنيويَّة.
تفسير السعدي
______________
(1973): قال السعدي -رحمه الله-:
علامة الخير وزوال الشدة، إذا تعلق القلب بالله تعالى تعلقا تاما، وانقطع عن المخلوقين.
تيسير الكريم الرحمن (1) / (354)
______________
(1974): قَالَ أَبُو جَعفَر الرَّازِيّ رحمه الله:
«كَانَ سُفيَانُ الثَّورِيُّ يَأتِي إِبرَاهِيمَ بن أَدهَم فَيَقُولُ يَا إِبرَاهِيمُ ادعُ اللَّهَ أَنْ يَقبِضَنَا عَلَى التَّوْحِيد.»
[الثّبات عند الممات 80]
______________
(1975): روى الدارقطني بسند صحيح؛ حيث قال: ” سمعتُ أبا عليٍّ الصَّوَّافَ يقولُ: سمعتُ عبدَاللهِ بنَ أحمدَ، يقولُ: سمعتُ أبي رحمه اللهُ، يقولُ: ” قولوا لأهلِ البدعِ: بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ”. وسمعتُ أبا سهلِ بنَ زيادٍ يَذكرُ ذلك ” انتهى. من “سؤالات السلمي للدارقطني” (ص 361).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقد صدق الله قوله في هذا، فإنه رحمه الله كان إمام السنة في زمانه، وعيون مخالفيه أحمد بن أبي دؤاد القاضي لم يحتفل أحد بموته، ولا شيعه أحد من الناس إلا القليل.
وكذلك الحارث بن أسد المحاسبي مع زهده وورعه وتنقيره ومحاسبته نفسه في خطراته وحركاته: لم يصل عليه إلا ثلاثة أو أربعة من الناس، فلله الأمر من قبل ومن بعد ” انتهى، من “البداية والنهاية” (14/ 425 – 426).
عن أَنَس بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: (مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا، فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ) رواه البخاري (1367) ومسلم (949)، ورواه البخاري (2642) بلفظ: (شَهَادَةُ القَوْمِ المُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ).
______________
(1976): ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى))
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى))
صحيح مسلم – رقم: (2721)
قَالَ الإمامُ السعْدِيُّ رَحِمَهُ اللّاه:
هذا الدُّعاء: ((اللهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدى والتُّقى)) مِن أَجْمَع الأدْعِيةِ وأنْفَعها. وهو يَتَضَمَّنُ سُؤالَ خَيرَ الدِّينِ وخَيرَ الدُّنيا، فإنَّ الهُدى هو العِلْمُ النَّافِع.
والتُّقى العَمَلُ الصَّالح، وتَرك ما نَهى اللّاهُ ورَسُولُه عنه، وبِذلك يَصُلُح الدِّينُ، فإنَّ الدِّينَ عُلومٌ نافِعة، ومَعارِفُ صادِقة، فهي الهُدى، وقيام بِطاعَةِ اللّاهِ ورَسُولِهِ، فهو التُّقى.
والعَفاف والغِنى، يَتَضَمَّنُ العفافَ عن الخَلقِ، وعَدمِ تَعْلِيقِ القَلبِ بِهِم. والغِنى باللّاهِ وبِرِزْقِه، والقَناعة بما فِيه، وحُصُول ما يَطْمَئنُّ به القَلبُ وكِفايةً، وبِذلك تَتِمُّ سَعادَة الدُّنيا، والرَّاحَة القَلبِيَّة، وهِي الحَياةُ الطَّيِّبة.
فَمَنْ رُزِقَ الهُدى والتُّقى، والعَفافَ والغِنى، نَالَ السَّعادَتَين، وحَصَلَ لهُ كُل مَطْلُوب، ونَجَى مِن كُلِّ مَرْهُوب.” واللّاهُ أعْلم “.
بَهْجَةُ قُلُوبِ الأبْرَار: (185)
______________
(1977): من آداب المتعلم ..
أن يطهر قلبه من كل غش ودنس وغلّ وحسد وسوء عقيدة وخلق؛ ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه، والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه، فإن العلم – كما قال بعضهم – صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها.
وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما، كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا، وفي الحديث: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب»، وقال سهل: «حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله ?».
تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (1) / (67)
______________
(1978): سُؤَالٌ صَحِيحٌ وَارِدٌ عَلَى أَكْثَرِ هَذَا الْخَلْقِ
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَجْتَمِعُ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ بِالْمَعَادِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَيَتَخَلَّفُ الْعَمَلُ؟ وَهَلْ فِي الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ غَدًا إِلَى بَيْنِ يَدَيْ بَعْضِ الْمُلُوك لِيُعَاقِبَهُ أَشَدَّ عُقُوبَةٍ، أَوْ يُكْرِمَهُ أَتَمَّ كَرَامَةٍ، وَيَبِيتُ سَاهِيًا غَافِلًا لَا يَتَذَكَّرُ مَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ، وَلَا يَسْتَعِدُّ لَهُ، وَلَا يَاخُذُ لَهُ أُهْبَتَهُ.
قِيلَ: هَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ سُؤَالٌ صَحِيحٌ وَارِدٌ عَلَى أَكْثَرِ هَذَا الْخَلْقِ، فَاجْتِمَاعُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا التَّخَلُّفُ لَهُ عِدَّةُ أَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: ضَعْفُ الْعِلْمِ، وَنُقْصَانُ الْيَقِينِ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ، فَقَوْلُهُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ وَأَبْطَلِهَا.
وَقَدْ سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى عِيَانًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِقُدْرَةِ الرَّبِّ عَلَى ذَلِكَ، لِيَزْدَادَ طُمَانِينَةً، وَيَصِيرَ الْمَعْلُومُ غَيْبًا شَهَادَةً.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ».
فَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَى ضَعْفِ الْعِلْمِ عَدَمُ اسْتِحْضَارِهِ، أَوْ غَيْبَتُهُ عَنِ الْقَلْبِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِ أَوْ أَكْثَرِهَا لِاشْتِغَالِهِ بِمَا يُضَادُّهُ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ تَقَاضِي الطَّبْعِ، وَغَلَبَاتُ الْهَوَى، وَاسْتِيلَاءُ الشَّهْوَةِ، وَتَسْوِيلُ النَّفْسِ، وَغُرُورُ الشَّيْطَانِ، وَاسْتِبْطَاءُ الْوَعْدِ، وَطُولُ الْأَمَلِ، وَرَقْدَةُ الْغَفْلَةِ، وَحُبُّ الْعَاجِلَةِ، وَرُخَصُ التَّأْوِيلِ وَإِلْفُ الْعَوَائِدِ، فَهُنَاكَ لَا يُمْسِكُ الْإِيمَانَ إِلَّا الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا، وَبِهَذَا السَّبَبِ يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْقَلْبِ.
وَجِمَاعُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَرْجِعُ إِلَى ضَعْفِ الْبَصِيرَةِ وَالصَّبْرِ، وَلِهَذَا مَدَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلَ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، وَجَعَلَهُمْ أَئِمَّةً فِي الدِّينِ، فَقَالَ تَعَالَى: {مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السَّجْدَةِ: (24)]
الداء والدواء ص (38)
______________
(1979): قال الشيخ العلاّمة ابن عثيمين رحمه الله:
من نعمة الله على العبد أن يوفق للقناعة سواء كان ذلك في مسكنه أو في ملبسه، أو في مركوبه، أو في أولاده فإذا أعطي الإنسان القناعة بما أعطاه الله بقي غنيا ..
شرح بلوغ المرام / ج6 / ص 272
______________
(1980): قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى
تعلم الكتاب والسنة أيسر من تعلم مسائل الآراء والاجتهاد المنتشرة، مع كونها في غاية التعقيد والكثرة … ، والله -جل وعلا- يقول في مريم: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97].
فهو كتاب ميسر بتيسير الله لمن وفقه الله للعمل به، ويقول: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 52] “.
أضواء البيان (7/ 262).
______________
[(1981): قال ابن تيمية رحمه الله: إِذَا اجْتَهَدَ الإنسان وَاسْتَعَانَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَازَمَ الِاسْتِغْفَارَ وَالِاجْتِهَادَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ
مجموع الفتاوى (11) / (390)
______________
(1982): قال الإمام سفيان الثوري رحمه الله:–
” لا تبغض أحد ممن يطيع الله
وكن رحيماً للعامة والخاصة
ولا تقطع رحمك وإن قطعك
وتجاوز عمن ظلمك، تكن رفيق الأنبياء والشهداء”.
[حلية الاولياء (82) / (7)].
______________
(1983): قال بعض العارفين: ارضَ عن الله في جميع ما يفعله بك، فإنَّه ما منعك إلَّا ليعطيك، ولا ابتلاك إلَّا ليعافيك، ولا أمرضك إلَّا ليشفيك، ولا أماتك إلَّا ليحييك، فإيَّاك أن تفارق الرِّضا عنه طرفة عينٍ فتسقط من عينه.
مدارج السالكين – ط عطاءات العلم (2) / (540)
______________
(1984): مثل الدنيا كمثل الحيّة: لين مسها، قاتلٌ سمها، يحذرها العاقل، ويهوي إليها الجاهل. لا بد في الدنيا من الهمّ. إن الدنيا ليست تعطيك لتسرك؛ إنما تعطيك لتغمك.
التمثيل والمحاضرة (1) / (249) — أبو منصور الثعالبي (ت (429))
______________
(1985): قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: «القرآن يحتوي على علوم عظيمة كثيرة، وهي ترجع إلى ثلاثة علوم:
أحدها: علوم الأحكام والشرائع الداخل فيها علوم الفقه، كلها عبادات ومعاملات وتوابعهما.
الثاني: علوم الجزاء على الأعمال والأسباب التي يُجازَى بها العاملون على ما يستحقون من خير وشر، وبيان تفصيل الثواب والعقاب.
الثالث: علوم التوحيد، وما يجب على العباد من معرفته والإيمان به، وهو أشرف العلوم الثلاثة.
وسورة الإخلاص كفيلة باشتمالها على أصول هذا العلم وقواعده»
التنبيهات اللطيفة ص ((27) – (29)).
______________
(1986): قال الإمام ابن قدامة رحمه اللّاه تعالى
قد كان السّلف يُحبّون مَن يُنَبِّهُهم على عيوبهم، ونحن الآن في الغالب أبغض النّاس إلينا مَن يُعرِّفنا عُيوبنا.
مختصر منهاج القاصدين (157)
______________
(1987): المؤمن إذا ابتُلي بالبلاء الجسمي، أو النفسي يقول:
هذه نعمة من الله يكفِّر الله بها عنّي سيئاتي؛
فإذا أحسّ هذا الإحساس صار هذا الألم نعمة؛
لأن الإنسان خطّاء دائمًا، وهذه الأشياء لا شك أنها
-والحمد لله- تكفير للسيئات؛ فإن صبر واحتسب صارت رفعةللدرجات؛
فالآلآم، والبلايا والهم والغم، تكفير بكل حال،
ولكن مع الصبر والاحتساب يكون عملًا صالحًا يُثاب عليه، ويؤجر عليه.
تفسير سورة البقرة ((24) / (3))
لفضيلة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى