620- تحضير سنن الترمذي
تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابُ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ
٦٢٠ – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ: مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ»، وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ.: رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الأَعْمَشُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا: عَنْ هَذَا الحَدِيثِ؟ فَقَالَ: «كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيحٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رُوِيَ عَنْهُمَا جَمِيعًا»
[حكم الألباني]: صحيح
ـــــــــــــــــــــــــ
*دراسة الحديث رواية:*
– قال ابن الملقن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير ٥/٥٥٦: وَفِي «سنَن أبي دَاوُد» من حَدِيث أبي عوَانَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم (بن ضَمرَة)، عَن عَلّي قَالَ: قَالَ رَسُول الله ﷺ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، (فهاتوا صَدَقَة الرقة، من كل أَرْبَعِينَ درهما (درهما)، وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء، فَإِذا بلغت مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم» .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» كَذَلِك، وَكَذَا أَحْمد فِي «مُسْنده»، وَالْبَزَّار أَيْضا، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق)، فأدوا زَكَاة أَمْوَالكُم، فِي كل مِائَتَيْنِ خَمْسَة»، وَفِي رِوَايَة لَهُ: «قد عَفَوْت عَن الْخَيل وَالرَّقِيق، وَلَيْسَ فِيمَا دون مِائَتَيْنِ زَكَاة» .
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث (عَن) عَلّي بِلَفْظ: «(قد) عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق، وَلَكِن هاتوا (ربع) العشور من كل أَرْبَعِينَ [درهما] دِرْهَم» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن (رَوَاهُ): رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن عُيَيْنَة وَغير وَاحِد عَن (أبي) إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَلّي قَالَ: وَسَأَلت مُحَمَّدًا – يَعْنِي: البُخَارِيّ – عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق، يحْتَمل أَن يكون عَنْهُمَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب وَقفه عَلَى عليٍّ رضي الله عنه، وَقَالَ الْبَزَّار: لَا يرويهِ غير عَاصِم عَن عَلّي.
قلت: قد رَوَاهُ الْحَارِث عَنهُ، وَلَا يعرف مَرْفُوعا إِلَّا من حَدِيث عليٍّ.
*دراسة الحديث دراية:*
– قال السيوطي في قوت المغتذي على جامع الترمذي ١/٢٤١:
المراد (٣) بالعفو هنا عدم التكليف به.
«الرقة» بكسر الراء وتخفيف القاف الفِضة المضروبة، وكذا الوَرِق، وهو قول كثير من اللغويين أو أكثرهم: أنها لا تطلق إلاَّ على المضروب من الفضَّة، وقال ابن قتيبة: «تطلق على المضروب، وغير المضروب» (١)، والهاء عوض من الواو (٢).
– جاء في شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه ١٠/٤١٥:
(قال) علي: (قال رسول الله ﷺ: إني قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق) أي: تركت لكم أخذ زكاتهما وتجاوزت عنه؛ أي: إذا لم يكونا للتجارة، وفي الخيل السائمة اختلاف، ويجيء بيانه وتحقيق الحق فيه في باب (ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة)، قال الطيبي: قوله: «عفوت» يشعر بسبق ذنب عن إمساك المال عن الإنفاق؛ أي: تركت وجاوزت عن أخذ زكاتهما مشيرًا إلى أن الأصل في كل مال أن تؤخذ منه الزكاة. انتهى «تحفة».
(ولكن هاتوا) أي: جيبوا وآتوا صدقة الرقة؛ أي: زكاة الفضة، والرقة -بكسر الراء وتخفيف القاف- أي: الدراهم المضروبة، أصله: ورق؛ وهو الفضة حذف منه الواو، وعوض عنها التاء؛ كما في عدة ودية، قاله القاري في «المرقاة»، وقال الحافظ في «الفتح»: الرقة: الفضة الخالصة، سواء كانت مضروبةً أو غير مضروبة، ولكن هاتوا (ربع العشر من كل أربعين) منها (درهمًا درهمًا)، وفي رواية الترمذي وأبي داوود زيادة: (وليس في تسعين ومئة شيء، فإذا بلغت مئتين .. ففيها خمسة دراهم)، وفيه أن نصاب الفضة مئتا درهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، والترمذي في كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الذهب والورق، وقال: صحيح، وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعمرو بن حزم، قال أبو عيسى: روى هذا الحديث الأعمش وأبو عوانة وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عَنْ عَليٍّ، وروى سفيان الثوري وابن عيينة وغير واحد عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: كِلَاهُما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون هذا الحديث روي عنهما جميعًا؛ أي: عن عاصم بن ضمرة والحارث كليهما، فروى أبو إسحاق عنهما، قال الحافظ في «الفتح» بعد ذكر حديث علي هذا: أخرجه أبو داوود وغيره، وإسناده حسن. انتهى، انتهى من «تحفة الأحوذي مع الترمذي».
فدرجة هذا الحديث: أنه صحيح المتن حسن السند. انتهى، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة؛ أي: على وجوب الزكاة في الفضة.
– جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٣/٢٦١: وَتَتَعَلَّقُ بِالْخَيْل أَحْكَامٌ مِنْهَا:
زَكَاتُهَا:
٣ – ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْل إِلاَّ إِذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ (٣) . وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْل وَالرَّقِيقِ (٤) . وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا كَالْوُحُوشِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَيْل السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ الْكُل إنَاثًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الْكُل ذُكُورًا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لاَ تَجِبُ، وَفِي مَسَائِل النَّوَادِرِ أَنَّهَا تَجِبُ (١) .
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إلَى: (زَكَاةٌ) .
* جاء في موسوعة الفقه الإسلامي – للتويجري ٣/٢٤: الأموال التي تجب فيها الزكاة
١ – زكاة الذهب والفضة
– حكم زكاة الذهب والفضة:
تجب الزكاة في الذهب الفضة سواء كانت نقودًا، أو سبائك، أو حليًا، أو تِبْرًا، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول.
١ – قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)﴾ [التوبة:٣٤ – ٣٥].
٢ – وَعَنْ أبي سَعِيدٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أوْسُقٍ صَدَقَةٌ». متفق عليه (١).
٣ – وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ وَالرَّقِيقِ فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ». أخرجه أبو داود والترمذي (٢).
– مقدار نصاب الذهب:
١ – يجب في الذهب إذا بلغ عشرين دينارًا فأكثر ربع العشر.
(١) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٤٠٥)، واللفظ له، ومسلم برقم (٩٧٩).
(٢) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (١٥٧٤)، والترمذي برقم (٦٢٠)، وهذا لفظه.
٢ – أقل نصاب الذهب خمس أواق = (٢٠) دينارًا بالعدد.
والدينار = (٢٠) مثقالًا بالوزن، والمثقال = (٤.٢٥) جرامًا من الذهب.
فيكون أقل نصاب الذهب هو: ٢٠×٤.٢٥=٨٥ جرامًا.
– كيفية إخراج زكاة الذهب:
١ – إذا بلغ الذهب النصاب وهو (٨٥) جرامًا فأكثر وجبت فيه الزكاة ربع العشر =٢.٥%.
٢ – إذا أراد الإنسان إخراج الزكاة، ومعرفة مقدار الواجب يفعل ما يلي:
١ – يقسم مجموع جرامات الذهب على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة.
فلو كان يملك (٦٠٠) جرام من الذهب مثلًا:
٦٠٠ ÷ ٤٠ = ١٥ جرامًا هو مقدار الزكاة الواجبة في هذا المال.
٢ – أو يقسم الجرامات على (١٠)، ثم على (٤) والحاصل هو مقدار الزكاة الواجبة:
٦٠٠ ÷ ١٠ = ٦٠ جرام، ثم ٦٠ ÷ ٤ = ١٥ جرامًا هو الواجب عليه .. وهكذا.
٣ – وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الذهب بالريال مثلًا.
ضرب سعر الجرام بالريال بمجموع الجرامات، ثم قسم الناتج على أربعين.
فإذا كان سعر الجرام الآن (٥٠) ريالًا مثلًا نفعل ما يلي:
٦٠٠ × ٥٠ = ٣٠.٠٠٠ ريال، ثم يقسم على أربعين: ٣٠.٠٠٠ ÷ ٤٠ = ٧٥٠ ريالًا، هي مقدار الزكاة الواجبة، وهي قيمة (١٥) جرام بالريال .. وهكذا.
– مقدار نصاب الفضة:
١ – يجب في الفضة إذا بلغت بالعدد (٢٠٠) درهم فأكثر، أو بالوزن (٥) أواق فأكثر، ربع العشر = ٢.٥%.
٢ – أقل نصاب الفضة بالوزن خمس أواق، وهي تساوي (٥٩٥) جرامًا من الفضة.
والأوقية بالعدد = (٤٠) درهمًا فيكون نصاب الفضة بالعدد:
٥×٤٠=٢٠٠ درهم أقل نصاب الفضة.
– كيفية إخراج زكاة الفضة:
١ – إذا بلغت الفضة النصاب وهو (٥٩٥) جرامًا فأكثر بالوزن، أو مائتي درهم بالعدد فأكثر وجبت فيها الزكاة ربع العشر، فتقسم الجرامات أو الدراهم على أربعين، والناتج هو مقدار الزكاة الواجبة ربع العشر كما سبق.
٢ – إذا كان الإنسان يملك (١٦٠٠) جرام من الفضة مثلًا، ويريد إخراج زكاته يفعل هكذا:
١٦٠٠ ÷ ٤٠ = ٤٠ جرام هو مقدار الزكاة الواجبة بالجرام.
٣ – وإذا أراد الإنسان إخراج زكاة الفضة بالريال مثلًا، فإنه يضرب سعر جرام الفضة بالريال بمجموع الجرامات، ثم يقسم الناتج على أربعين كما سبق.
فإذا كان سعر جرام الفضة الآن (٣) ريالات نفعل ما يلي:
١٦٠٠ × ٣ = ٤٨٠٠ ريال، ثم يقسم المبلغ على أربعين ليخرج مقدار الزكاة الواجبة هكذا: ٤٨٠٠ ÷ ٤٠ = ١٢٠ ريالًا .. وهكذا.
– حكم ضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب:
١ – الذهب مال مستقل، والفضة مال مستقل، فلا يُضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب، كما لا يُضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب؛ لأن الجنس لا يُضم إلى غيره.
٢ – إذا كان الذهب والفضة عروض تجارة كما يفعله الصيارفة فيضم بعضها إلى بعض مع سائر الأموال الأخرى، وتخرج زكاتها ربع العشر.
– أحوال صناعة الذهب والفضة:
تصنيع الذهب والفضة له ثلاث حالات:
١ – إن كان القصد من التصنيع التجارة ففيه زكاة عروض التجارة ربع العشر؛ لأنه صار سلعة تجارية، فيقوَّم بنقد بلده، ثم يزكى.
٢ – وإن كان القصد من التصنيع اتخاذه تحفًا كالأواني من أباريق، وصحون، وملاعق، وسكاكين ونحو ذلك، فهذا الاتخاذ محرم، لكن تجب فيه الزكاة إذا بلغ نصابًا ربع العشر.
٣ – وإن كان القصد من التصنيع الاستعمال المباح أو الإعارة كالحلي ففيه الزكاة ربع العشر، إذا بلغ نصابًا، وحال عليه الحول.
– حكم زكاة الحلي المعد للاستعمال:
١ – الحلي من الذهب والفضة تجب فيه الزكاة مطلقًا، سواء كان ملبوسًا، أو مدخرًا، أو معدًا للتجارة، إذا بلغ النصاب، وحال عليه الحول.
٢ – يباح للنساء لبس ما جرت عادتهن بلبسه من غير إسراف ذهبًا كان أو فضة، وعليهن إخراج زكاته كل عام.
٣ – من جهل الحكم يلزمه إخراج الزكاة من حين علم، وما مضى من الأعوام قبل
العلم فليس فيه زكاة؛ لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم بها.
١ – قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)﴾ [التوبة:٣٤ – ٣٥].
٢ – وَعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ، فَأحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». أخرجه مسلم (١).
٣ – وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ، يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أنَا مَالُكَ، أنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ الآيةَ. متفق عليه (٢).
– حكم زكاة ما سوى الذهب والفضة:
لا تجب الزكاة في الحلي ما سوى الذهب والفضة كاللؤلؤ، والألماس، والياقوت ونحوها إذا كانت للبس والاستعمال.
فإن كانت عروضًا معدة للتجارة ففيها الزكاة ربع العشر إذا بلغت نصاب الذهب أو الفضة، وحال عليها الحول.
(١) أخرجه مسلم برقم (٩٨٧).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١٤٠٣)، واللفظ له، ومسلم برقم (٩٨٧).
٢ – زكاة الأوراق النقدية
– بداية الأوراق النقدية:
كان تعامل الناس قديمًا بالذهب والفضة يشترون بها السلع، ويقدِّرون بها ثمن الأشياء.
وفي هذا العصر قلَّ تعامل الناس بهما في تقدير قيمة الأشياء، وبيع السلع وشرائها، حيث استبدلوا بهما العملات الورقية في دفع قيمة السلع والأشياء، وأصدرت كل دولة عملة ورقية خاصة بها، لها قيمة مالية، وحلّت محل الذهب والفضة في التعامل والبيع والشراء.
– أنواع العملات النقدية:
الأوراق النقدية تسمى بالأوراق المالية، وتسمى بالعملات الورقية، وقد أصدرت كل دولة عملة خاصة بها، تختلف قيمتها وقوتها وفئاتها من بلد لآخر، يتعامل بها الناس فيما بينهم في الداخل والخارج، ويصرف ويستبدل بعضها ببعض، حسب اتفاق بين دول العالم، جعلها مقبولة في التعامل والصرف في أي بلد.
ومن هذه الأوراق المالية المتداولة حاليًا:
الريال، والدرهم، والدينار، والدولار، والجنيه، والليرة، والروبية، واليّن، والفرنك وغيرها.
وقد تم إصدارها بفئات مختلفة حسب الحاجة والطلب؛ تيسيرًا على الناس في التعامل والحمل، والعد، والتسليم، والصرف.
ومن هذه الفئات المتداولة:
فئة (١) (٥) (١٠) (٢٠) (٥٠) (١٠٠) (٢٠٠) (١٠٠٠) (٥٠٠٠) (١٠٠٠٠) (٥٠٠٠٠) (١٠٠٠٠٠) (٥٠٠٠٠٠) وغيرها.
– قيمة الأوراق النقدية:
الأوراق النقدية نقد قائم بذاته؛ لأن الثمنيّة غير مقصورة على الذهب والفضة، والدرهم والدينار لا يُعرف له حد طبيعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والعرف.
فإذا اصطلح الناس على جَعْل شيء ثمنًا أخذ حكم الأثمان.
وقد اصطلح الناس في هذا العصر على اعتبار الأوراق النقدية عملة ذات قيمة مالية، سارية المفعول بين الأشخاص والدول.
– حكم زكاة الأوراق النقدية:
١ – الأوراق النقدية نقد قائم بذاته كالذهب والفضة في وجوب الزكاة، وجريان الربا، والصرف.
٢ – تجب الزكاة في الأوراق النقدية إذا بلغت نصاب أحد النقدين الذهب والفضة، وحال عليها الحول.
٣ – الزكاة في الأوراق النقدية واجبة مطلقًا كالذهب والفضة، سواء قُصد بها التجارة أم لم يقصد، إذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، وكانت مملوكة له؛ لأنها مال اصطلح الناس على تملكه، والتعامل به
– مقدار نصاب الأوراق النقدية:
نصاب الأوراق النقدية الذي تجب فيه الزكاة هو نصاب الذهب والفضة، فتقوّم بنصاب أحد النقدين.
نِصاب الذَّهَبَ
المثقالُ يساوي 4.25 جرامًا.
20 مثقالًا (نِصاب الذهب) × 4.25جرام يساوي 85 جرامًا.
فمَن ملك من الذَّهَبِ الخالِصِ ما يزِن 85 جرامًا وجبَتْ عليه زكاتُه.
نِصاب الفضَّة
الدِّرهم يساوي سبعة أعشار مِنَ المثقالِ يساوي 2.975 جرامًا.
200 درهمٍ (نِصابُ الفضة) × 2.975 جرامًا يساوي 595 جرامًا.
فمن ملَكَ مِنَ الفِضَّةِ الخالصة ما يزن 595 جرامًا وجبَتْ عليه زكاتُه.
نصاب الذهب كان مساويا لنصاب الفضة في العهد النبوي ، فـ (200) درهم التي هي نصاب الفضة تساوي ( 20) دينار التي هي نصاب الذهب .
ولكن مع مرور الأيام لم يعد النصابان متساويين ، واليوم ثمة خلاف كبير بين نصاب الفضة والذهب .
ففي الوقت الحالي نصاب الذهب (85) غ ، ونصاب الفضة (595) غ ، وبين قيمتيها بون شاسع .
ومن هنا نشأ الخلاف : هل يتم تقدير نصاب العملات الورقية بالذهب أم بالفضة ؟.
فمن يقول بالذهب يرى أن من يملك أقل من قيمة (85) غ من الذهب لا تجب عليه الزكاة .
ومن يقول بالفضة يقول من يملك قيمة (595) غ من الفضة تلزمه الزكاة ، وهذا يعني أن عامة الناس الزكاة واجبة عليهم .
فمن رأى أن تقدير نصاب الأوراق النقدية يكون بالفضة ، احتج بـ :
* أن نصاب الفضة مجمع عليه، وثابت بالسنة المشهورة الصحيحة.
* أن التقدير به أنفع للفقراء، إذ باعتباره تجب الزكاة على أكبر عدد من المسلمين.
ومن رأى أن تقدير النصاب يكون بالذهب احتج بـ :
* أن قيمة الذهب ثابتة لم تتغيرا كثيرا خلافا للفضة .
فإن نصاب الذهب – العشرين ديناراً – كان يُشترى بها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرون شاة من شياه الحجاز تقريباً ، وكذلك نصاب الفضة – 200 درهم – كان يُشتَرى بها عشرون شاةً تقريباً أيضاً.
أما في عصرنا الحاضر فلا تكفي قيمة مئتي درهم من الفضة إلا لشراء شاة واحدة، بينما العشرون مثقالاً من الذهب تكفي الآن لشراء عشرين شاة من شياه الحجاز أو أقل قليلاً ، فهذا الثبات في قوة الذهب الشرائية تتحقق به حكمة تقدير النصاب على الوجه الأكمل، بخلاف نصاب الفضة.
* أن نصاب الذهب أقرب إلى الأنصبة المذكورة في أموال الزكاة الأخرى، كخمس من الإبل أو أربعين من الغنم أو خمسة أوسق من الزبيب أو التمر.
* أن الأصل في غطاء النقود الورقية هو الذهب لا الفضة .
وقد صدر قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، وقرار هيئة كبار العلماء بالسعودية ، وهو أيضًا اختيار اللجنة الدائمة ، والشيخ ابن باز رحمه الله ، وغيرهم : أن تقديرها بأدنى النصابين من الذهب أو الفضَّة ، وذلك مراعاةً لمصلحة الفقراء.
وهذا هو القول الراجح
جواب لبعض أهل الفتوى
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء ما نصه: “مقدار نصاب الزكاة في الدولار، وغيره من العملات الورقية هو ما يعادل قيمته عشرين مثقالًا من الذهب، أو مائة وأربعين مثقالًا من الفضة. ويكون ذلك بالأحظ للفقراء من أحد النصابين، وذلك نظرًا إلى اختلاف سعرها باختلاف الأوقات والبلاد). وغالباً ما يكون نصابُ الفضة أقل بكثير من نصاب الذهب.
– كيفية إخراج زكاة الأوراق النقدية:
إخراج زكاة الأوراق النقدية كالذهب والفضة، وعروض التجارة، يجب فيها العشر
جاء في ” أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ” (1/61) :
” لم تكن الأوراق النقدية معروفة عند قدماء فقهاء الإسلام ؛ لعدم تداولها في زمنهم ، فلذا لم نجد منهم من تعرض لحكمها ” انتهى.
لكن كان في زمانهم ، الذهب والفضة وعروض التجارة ، فلهذا تكلموا في حكم هذه الأشياء ، وذكروا حكم ضم بعضها إلى بعض لتكميل النصاب في الزكاة .
فقد جاء في ” الموسوعة الفقهية ” (23/268 – 269) : ” ذَهَبَ الْجُمْهُورُ ( الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ ) إلَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ , فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِثْقَالًا مِنْ الذَّهَبِ , وَمِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا , فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِمَا , وَكَذَا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا نِصَابٌ , وَمِنْ الْآخَرِ ما لا يَبْلُغُ النِّصَابَ يُزَكَّيَانِ جَمِيعًا , وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ نَفْعَهُمَا مُتَّحِدٌ , مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا ثَمَنَانِ [ أي : تثمن بها الأشياء] , وَيُتَّخَذَانِ لِلتَّحَلِّي .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي ثَوْرٍ : إلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَكْمُلَ وَحْدَهُ نِصَابًا ؛ لِعُمُومِ حَدِيثِ : ( لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ) ….. .
أَمَّا الْعُرُوض [أي : عروض التجارة] فَتُضَمُّ قِيمَتُهَا إلَى الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا ” انتهى .
ثانياً :
القول بضم الأوراق النقدية إلى الذهب والفضة في تكميل النصاب ، هو الذي عليه قرار المجمع الفقهي التابع للرابطة ، وأيضا قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية .
فقد جاء في ” قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي ” : ” وجوب زكاة الأوراق النقدية إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان [الذهب والفضة] والعروض المعدة للتجارة ” انتهى من ” القرار 6 ، ص/101) .
وجاء في ” قرار هيئة كبار العلماء في السعودية ” (1/88) :
” وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية ؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها : أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته ، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان … ، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية :
… … …
ثانياً : وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها ” انتهى .
وجاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية ” (8/324) : ” ما دليل إضافة المال إلى الذهب من أجل إخراج الزكاة إذا كان الذهب وحده لا يتوفر فيه شرط النصاب ، وكذلك نفس الشيء بالنسبة للمال ؟
فأجابت : يجب ضم المال ، سواء كان فضة أو نقدا ورقيا أو قيمة عروض تجارة إلى الذهب في تكميل النصاب ؛ لأنه بمجموع المال والذهب يكمل النصاب ، فوجب إخراج الزكاة ، ولأن الواجب في العروض إخراج قيمته بأحد النقدين ” انتهى .
وجاء في ” الموسوعة الفقهية ” (23/269) : ” أَمَّا الْعُرُوض فَتُضَمُّ قِيمَتُهَا إلَى الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَيَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ كُلٍّ مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ : لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْعُمْلَةُ النَّقْدِيَّةُ الْمُتَدَاوَلَةُ ” انتهى .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ” الزكاة تجب فيها – أي : الأوراق النقدية – إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة ، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهلها وقت وجوبها ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن باز ” (14/125) .
فإذا كان مبلغ علم الرجل قولا معينا ، في هذه المسألة أو غيرها ، فإنه لا يكلف العمل بما لم يبلغه علمه ، ولم تقم عليه الحجة الشرعية به ، ولا يلزمه قضاء ما تركه جاهلا بوجوبه ، أو فعله على صفة غير مشروعة ، إذا لم يكن يعلم خيرا مما فعل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وأصل هذا كله: أن الشرائع هل تلزم من لم يعلمها ؟ أم لا تلزم أحدا إلا بعد العلم؟ أو يفرق بين الشرائع الناسخة والمبتدأة؟
هذا فيه ثلاثة أقوال، هي ثلاثة أوجه في مذهب أحمد ذكر القاضي أبو يعلى الوجهين المطلقين في كتاب له ، وذكر هو وغيره الوجه المفرق في أصول الفقه ، وهو: أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه الناسخ. وأخرج أبو الخطاب وجها في ثبوته.
ومن هذا الباب من ترك الطهارة الواجبة ولم يكن علم بوجوبها أو صلى في الموضع المنهي عنه قبل علمه بالنهي: هل يعيد الصلاة؟ فيه روايتان منصوصتان عن أحمد.
والصواب في هذا الباب كله: أن الحكم لا يثبت إلا مع التمكن من العلم ، وأنه لا يقضي ما لم يعلم وجوبه .
فقد ثبت في الصحيح : أن من الصحابة من أكل بعد طلوع الفجر في رمضان حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء .
ومنهم من كان يمكث جنبا مدة لا يصلي ، ولم يكن يعلم جواز الصلاة بالتيمم ، كأبي ذر وعمر بن الخطاب وعمار لما أجنب ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحدا منهم بالقضاء .
ولا شك أن خلقا من المسلمين بمكة والبوادي : صاروا يصلون إلى بيت المقدس ، حتى بلغهم النسخ ، ولم يؤمروا بالإعادة. ومثل هذا كثير.
وهذا يطابق الأصل الذي عليه السلف والجمهور:
أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ؛ فالوجوب مشروط بالقدرة .
والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور ، أو فعل محظور ، بعد قيام الحجة. ” انتهى . من “مجموع الفتاوى” (19/227) .
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى -: “امرأة لم تعلم بوجوب زكاة الحلي إلا قريباً، فهل تخرج زكاة ما مضى من السنوات؟” .
فأجاب:
” الذي أرى أنه لا يجب عليها زكاة ما مضى، لأن المعروف في هذه البلاد ، والمفتى به هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله . والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال ، أو العارية .
وعلى هذا فلا يجب عليها زكاة ما مضى .
ولكن يجب عليها الزكاة عن هذا العام، الذي علمت فيه أن الزكاة واجبة في الحلي، وعمّا يستقبل من الأعوام، لأن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة: أن الزكاة واجبة في الحلي، وإن كان مستعملاً. والله الموفق.” انتهى، من “مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (18/142) .
– كيفية زكاة الرواتب:
الموظف أو العامل الذي يتقاضى راتبًا شهريًا أو أسبوعيًا، ويوفِّر منه، الأَوْلى والأحسن أن يزكي عن جميع ما يملكه من النقود الموجودة حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها.
فيكون قد أخرج زكاة ما حال عليه الحول، وعجل زكاة ما لم يحل الحول عليه، وتعجيل الزكاة قبل تمام الحول جائز، بل مستحب، لا سيما إذا دعت الحاجة أو المصلحة إليه.
وهذا أعظم لأجره، وأرفع لدرجته، وأوفر لراحته، وإيثار مصلحة الفقراء.
وإن لم تطب نفسه بذلك، حسب بداية كل مبلغ يوفره، ثم أخرج زكاته بعد مضي الحول عليه من تاريخ تملكه إياه، وبلوغه النصاب.
فتاوى :
زكاة الذهب والفضة تخرج من العملة
السؤال السادس من الفتوى رقم (٩٥٦٤)
س٦: هل يجوز إخراج زكاة الذهب أو الفضة عملة ورقية كسائر عروض التجارة، بمعنى أن يخرج ربع العشر بعد تحويل الذهب أو الفضة إلى عملة ورقية عندما يحول الحول، أم لا؟
ج٦: لا حرج في إخراج زكاة الذهب والفضة عملة ورقية بما تساوي وقت تمام الحول؛ لاشتراكها جميعا في الثمنية.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
تفصيل خلاف العلماء وأدلتهم في ” زكاة الحلي” .
أولاً :
اتفق العلماء على وجوب الزكاة في الذهب والفضة إذا كانت نقوداً أو سبائك .
ولكن اختلفوا في الذهب والفضة إذا كانت حُلياً تتزين به المرأة ، هل تجب فيه الزكاة أم لا ؟.
فذهب جمهور العلماء إلى أن استعمال الذهب والفضة في التحلي يخرجهما من الأموال الزكوية ؛ لأن الحلي مالٌ غير قابل للنماء .
وذهب الحنفية إلى أن استعمال الحلي في الزينة واللبس لا يسقط عنه الزكاة ، تمسكاً بالأصل وبما ورد من أحاديث في المسألة .
ثانياً :
ينحصر الخلاف بين العلماء في زكاة الحلي من الذهب والفضة إذا كان مباحا معدًّا للاستعمال ،
فهذه ثلاثة قيود لا بد من اعتبارها عند النظر في المسألة :
1- أن يكون الحلي من الذهب أو الفضة ، فإن كان من غيرهما فلا زكاة فيه بالإجماع .
قال ابن عبد البر : ” وَأَجْمَعُوا أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْحَلْيِ إِذَا كَانَ جَوْهَرًا أَوْ يَاقُوتًا ، لَا ذَهَبَ فِيهِ وَلَا فِضَّةَ ” انتهى من ” الاستذكار” (3/153).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : ” المجوهرات من غير الذهب والفضة : كالماس ، ليس فيها زكاة ، إلا أن يراد بها التجارة ” انتهى من ” فتاوى ابن باز ” (14/124).
2= أن يكون الحلي مباحا ، أما الحلي المحرم فتجب فيه الزكاة عند جميع العلماء ؛ لأن التحلي به لم يُخرجه عن كونه مالاً زكوياً ؛ لأن الشارع لم يأذن في هذا التحلي ، فصار في حكم غير المستعمل .
قال ابن قدامة رحمه الله : ” ومن ملك مصوغاً من الذهب أو الفضة محرماً ، كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه ، وخاتم الذهب ، وحلية المصحف ، والدواة ، والمحبرة والمقلمة ، والسرج : ففيه الزكاة ؛ لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله” انتهى من ” الكافي ” (1/405).
وقال النووي : ” أَمَّا الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ ” انتهى من “روضة الطالبين” (2/260).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ” شرح الكافي ” : ” مثل أن يكون للمرأة سوار على شكل ثعبان ، هذا محرم ؛ لأنه لا يجوز لبس هذا ، أو يكون عليها قلادة على شكل أسد ، هذه محرمة وفيها الزكاة ، أو يكون للرجل خاتم من ذهب ، هذا محرم ففيه الزكاة ، إذا بلغ النصاب” انتهى .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” (18/113) : ” اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في الحلي المستعمل استعمالاً محرماً , كأن يتخذ الرجل حلي الذهب للاستعمال ” انتهى .
3- أن يكون معدًّا للاستعمال : فمحل النزاع هو الحلي الذي يتخذه الإنسان بقصد الاستعمال والتزين به .
أما لو اتخذ الحلي لا بقصد الاستعمال والزينة ، بل للتجارة ، أو لتأجيره ، أو للادخار والتوفير ، فتجب فيه الزكاة قولاً واحداً .
قال ابن قدامة : ” فَأَمَّا الْمُعَدُّ لِلْكِرَى (الإجارة) أَوْ النَّفَقَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَسْقُطُ عَمَّا أُعِدَّ لِلِاسْتِعْمَالِ ، لِصَرْفِهِ عَنْ جِهَةِ النَّمَاءِ ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ ، وَكَذَلِكَ مَا اُتُّخِذَ حِلْيَةً فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ” انتهى من ” المغني ” (4/221) .
وفي ” كشاف القناع ” (2/234) : ” وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ لِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُعَدٍّ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ أَوْ إعَارَةٍ ، وَلَوْ لَمْ يُعَرْ أَوْ يُلْبَسْ حَيْثُ أُعِدَّ لِذَلِكَ ” انتهى .
ثالثاً :
اختلف أهل العلم في حكم زكاة ” حلي الذهب والفضة المباح المعد للاستعمال ” خلافاً واسعاً .
ومنشأ الخلاف بينهم :
أنه لم يرِد نص صحيح صريح يوجب الزكاة فيه ، أو ينفيها عنه ، وإنما وردت أحاديث اختلف أهل العلم في ثبوتها ، كما اختلفوا في دلالتها .
ومن أسباب الاختلاف أيضاً : أن قوماً نظروا إلى المادة التي صنع منها الحلي ، فقالوا إنها نفس المعدن الذي خلقه الله ليكون نقداً يجرى به التعامل بين الناس ، والذي وجبت فيه الزكاة بالإجماع ، ومن ثم أوجبوا في الحلي الزكاة كسبائك الذهب والفضة ونقديهما .
ونظر آخرون إلى أن هذا الحلي بالصناعة والصياغة خرج عن مشابهة النقود ، وأصبح من الأشياء التي تُقتنى لإشباع الحاجات الشخصية كالأثاث والمتاع والثياب ، وهذه لا تجب فيها الزكاة بالإجماع ، ومن هنا قال هؤلاء لا زكاة في الحلي .
والقائلون بوجوب الزكاة في الحلي هم : الحنفية ، ورواية عن أحمد ، واختاره ابن المنذر ، والخطابيُّ ، وابن حزم الظاهريُّ ، والصنعانيُّ ، ومن المعاصرين : الشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء .
وأقوى ما احتجوا به على الوجوب أمران :
الأول : الأحاديث والنصوص العامة التي تأمر بالزكاة في الفضة والذهب ، من غير تفريق بين صنف وآخر ، كحديث (فِي الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْرِ) ، وحديث : (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ) .
قال ابن حزم : ” لمَّا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ) ، (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ ) وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا ، وَجَبَ فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ ، لِعُمُومِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لَا يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا..) فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ… فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ” انتهى من ” المحلى بالآثار” (4/191) .
وقبل ذلك عموم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهب والفضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ).
والحليّ داخل في هذا العموم.
قال الجصاص : ” أَوْجَبَ عُمُومُهُ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي سَائِرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذْ كَانَ اللَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ الْحُكْمَ فِيهِمَا بِالِاسْمِ ، فَاقْتَضَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِيهِمَا بِوُجُودِ الِاسْمِ دُونَ الصَّنْعَةِ ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَهَبٌ مَصُوغٌ أَوْ مَضْرُوبٌ أَوْ تِبْرٌ أَوْ فِضَّةٌ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ ” انتهى من ” أحكام القرآن ” (4/303) .
وقال الشيخ ابن عثيمين : ” والآية عامة في جميع الذهب والفضة ، ولم تخصص شيئاً دون شيء ، فمن ادعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل” . انتهى من ” الشرح الممتع ” (6/276) .
الثاني : أحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي ، وأشهرها ثلاثة :
1- عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ .
فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟
فَقُلْتُ : صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ ؟
قُلْتُ : لا .
قَالَ : هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ .
رواه أبو داود (155) وصححه الحافظ ابن حجر ، والشيخ الألباني .
وضعفه : الترمذي ، والدراقطني ، والذهبي ، وابن عبد الهادي .
ينظر: ” سنن الدارقطني ” (2/274) ، ” تنقيح التحقيق” (1/343) للذهبي ، و”التلخيص الحبير” (2/764) للحافظ ابن حجر .
و (الفتخات) خواتيم كبار .
و (الوَرِق) الفضة .
2- عن عطاء عن أمِّ سلمةَ قالت: كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ؟.
فَقَالَ : ( مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ ، فَلَيْسَ بِكَنْزٍ) .
رواه أبو داود (1564) بسند رجاله ثقات إلا أن عطاء – وهو ابن أبي رباح – لم يسمع من أم سلمة فيما قاله علي بن المديني .
ومع ذلك فقد صححه ابن القطان، وجودَّ إسناده الحافظ العراقي فيما نقله عنهما الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” (3/272) ، وضعفه الألباني .
أوضاحاً : الوضح حلي من الفضة سميت بذلك لبياضها ، ثم أطلق هذا الاسم على ما يصنع من الذهب أيضا.
3- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا ، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهَا : أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟
قَالَتْ : لا .
قَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟
قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا ، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ .
والمسكتان: – بِفَتْح الْمِيم وَالسِّين – تَثْنِيَة مَسَكة ، وَهِي السوار .
رواه أبو داود (1563) ، والنسائي (2479) ، وصححه : ابن القطان ، والزيلعي ، وابن الملقن ، وحسنه : النووي والألباني .
وضعفه : الترمذي ، والنسائي ، وابن حبان ، والبيهقي ، وابن حزم ، وابن الجوزي ، وابن كثير .
وقد صح القول بوجوب زكاة الحلي عن ابن مسعود من الصحابة :
فجاء عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ عَنْ حُلِيٍّ ، لَهَا فِيهِ زَكَاةٌ ؟
قَالَ : ” إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَزَكِّيهِ ” .
قَالَتْ: إِنَّ فِي حِجْرِي يَتَامَى لِي أَفَأَدْفَعَهُ إِلَيْهِمْ ؟
قَالَ: ” نَعَمْ ” . انتهى من ” مصنف عبد الرزاق الصنعاني ” (4/ 83) .
رابعاً :
أما جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة ، فذهبوا إلى عدم وجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال .
وقالوا : النصوص العامة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا تشمل الحلي ، لأن لفظ ( الرقة ) أو ( الأواقي ) لا تطلق على الحلي ، بل على الذهب المضروب .
قال أبو عبيد : ” لَا نَعْلَمُ هَذَا الِاسْمَ فِي الْكَلَامِ الْمَعْقُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ يَقَعُ إِلَّا عَلَى الْوَرِقِ الْمَنْقُوشَةِ ذَاتِ السِّكَّةِ السَّائِرَةِ فِي النَّاسِ ، وَكَذَلِكَ الْأَوَاقِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهَا إِلَّا الدَّرَاهِمُ ، كُلُّ أُوقِيَّةٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ” انتهى من ” الأموال ” (ص: 543) .
وقال ابن خزيمة رحمه الله : ” اسْمُ الْوَرِقِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّذِينَ خُوطِبْنَا بِلُغَتِهِمْ لَا يَقَعُ عَلَى الْحُلِيِّ الَّذِي : هُوَ مَتَاعٌ مَلْبُوسٌ ” انتهى من ” صحيح ابن خزيمة ” (4/34) .
وقال الشوكاني رحمه الله: ” ولا يصح استدلال من استدل على وجوب الزكاة في الحِلية بما ورد من ذكر الزكاة في الورق والزكاة في الرقة في الأحاديث ، لأنه قد ثبت في كتب اللغة : الصحاح والقاموس وغيرهما: أن الورق والرقة اسم للدراهم المضروبة ، فلا يصح الاستدلال بهذين اللفظين على وجوب الزكاة في الحلية ، بل هما يدلان بمفهومهما على عدم وجوب الزكاة في الحلية ” انتهى من ” السيل الجرار ” (ص: 233) .
وكذلك الآية ، فإن لفظ الكنز لا يطلق على الحلي المتخذ للاستمتاع , وإنما المراد بالآية الذهب والفضة التي من شأنها أن تنفق بدليل قوله: ( وَلَا يُنفِقُونَهَا ) وذلك إنما يكون في النقود , لا في الحلي الذي هو زينة ومتاع .
وأما الأحاديث الخاصة الواردة في زكاة الحلي فأجابوا عنها بأنها ضعيفة كلها .
قال الترمذي: ” وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا البَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ” انتهى من ” جامع الترمذي ” (3/29) .
وقال بدر الدين الموصلي : ” لَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم” انتهى من ” المغني عن الحفظ والكتاب ” صـ313 .
وقال ابن الجوزي : ” كلُّها ضعافٌ” انتهى من ” التحقيق” (3/71).
وقال الحافظ ابن رجب : ” وفي المسألة أحاديث من الطرفين لايثبت منها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم” انتهى من “مجموع رسائله” (2/708) .
وقال الشوكاني : ” فلم يبق في الباب ما يصلح للاحتجاج به ، … وقد كان للصحابة وأهاليهم من الحلية ما هو معروف ، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالزكاة في ذلك ” انتهى من ” السيل الجرار ” (ص: 233) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ : ” وصريح ما استدل به الموجب لزكاة الحلي المعد للاستعمال من النصوص المرفوعة: كحديث المسكتين، وحديث عائشة في فتخاتها من الورق، وحديث أم سلمة في أوضاح الذهب التي كانت تلبسها ….
كل ذلك يعلم من تتبع كلام الشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي وابن حزم أن الاستدلال به غير قوي لعدم صحتها ، ولاشك أن كلامهم أولى بالتقديم من كلام من حاول من المتأخرين تقوية بعض روايات ذلك الصريح ” انتهى من ” فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ” (4/97) .
وقد حاول بعض من يصحح هذه الأحاديث توجيهها وصرفها عن ظاهرها ، وقيل في ذلك أقوال كثيرة ، ولكنها لا تخلو من ضعف وتكلف .
فقيل: إن هذا كان في الوقت الذي كان الذهب محرما على النساء .
ولو كان هذا صحيحاً ، لنهاهن النبي صلى الله عليه وسلم عن لبسه قبل أمرهن بالزكاة .
وقيل : المراد بالزكاة هنا التطوع لا الفريضة ، أو أن المراد بزكاته : إعارته ، وهذا بعيد لأن الحديث تضمن الوعيد الشديد ، وهذا الوعيد لا يكون لترك مستحب .
وعضد الجمهور قولهم بـ : الآثار الواردة عن الصحابة في عدم وجوب الزكاة في الحلي .
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله – يعني: الإمام أحمد بن حنبل- يقول: ” في زكاة الحلي عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون فيه زكاة ، وهم : أنس ، وجابر ، وابن عمر ، وعائشة ، وأسماء “. نقله ابن عبد الهادي في ” التنقيح ” (2/1421) .
قال ابن حزم: ” وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ عُمَرَ: لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ ؟ وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ؛ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ، وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ ” . انتهى من ” المحلى بالآثار ” (4/ 185) .
* وفي الموطأ (584) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَلِي بَنَاتَ أَخِيهَا يَتَامَى فِي حَجْرِهَا لَهُنَّ الْحَلْيُ فَلَا تُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : ” فلا يخفى أنه يبعد أن تعلم عائشة أن عدم زكاة الحلي فيه الوعيد من النَّبي لها بأنه حسبها من النار ، ثم تترك إخراجها بعد ذلك عمن في حجرها ، مع أنها معروف عنها القول بوجوب الزكاة في أموال اليتامى ” انتهى من ” أضواء البيان ” (2/126) .
* وروى مالك في “الموطأ” (485) عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ ، ثُمَّ لَا يُخْرِجُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ الزَّكَاةَ .
* وعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ” عَنِ الْحُلِيِّ هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ؟
قَالَ: ” لَا ” .
قُلْتُ : إِنْ كَانَ أَلْفَ دِينَارٍ؟
قَالَ : ” الْأَلْفُ كَثِيرٌ ” انتهى من ” مصنف عبد الرزاق ” (4/82) .
* عَنْ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : ” عَنِ الْحُلِيِّ ، أَفِيهِ زَكَاةٌ؟
قَالَ: لَا . انتهى من ” الأموال ” لابن زنجويه (3/ 979) .
* وعَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تُزَكِّي الْحُلِيَّ وَقَدْ كَانَ حُلِيُّ بَنَاتِهَا قَدْرَ خَمْسِينَ أَلْفًا . انتهى من ” الأموال ” لابن زنجويه (3/979) .
* وقال يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ : سَأَلْتُ عَمْرَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ صَدَقَةِ الْحُلِيِّ ، فَقَالَتْ : ” مَا رَأَيْتُ أَحَدًا صَدَّقَهُ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ لِي عِقْدًا , قِيمَتُهُ ثِنْتَا عَشْرَةَ مِائَةً , مَا صَدَّقْتُهُ قَطُّ ” . انتهى من ” الأموال ” لابن زنجويه (3/979) ، ” مصنف ابن أبي شيبة ” (2/ 383) .
* وعَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : قَالَ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ قَالَ: ” فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ “. ” مصنف ابن أبي شيبة ” (2/ 384) .
وقال الباجي عن إسقاط الزكاة عن الحلي : ” وَهَذَا مَذْهَبٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ” انتهى من ” المنتقى شرح الموطأ ” (2/ 107) .
وأما القول بوجوب الزكاة في الحلي فلم يثبت عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود .
قال أبو عبيد : ” وَلَمْ تَصِحَّ زَكَاةُ الْحُلِيِّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ، إِلَّا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ” انتهى من ” الأموال ” للقاسم بن سلام (ص: 544) .
وقالوا : إن قاعدة الزكاة : كل ما كان للقنية والاستعمال الشخصي فلا زكاة فيه .
فكل مال ولو كان أصله زكويا إذا أعد للاستعمال لا زكاة فيه ، كالعوامل من الإبل والبقر ، لأن صاحبها لما أعدها للاستعمال خرجت من أصلها الزكوي إلى أصل غير زكو ي .
قال ابن القيم : ” الذَّهَب وَالْفِضَّةَ قسمان:
أَحَدِهِمَا : مَا هُوَ مُعَدٌّ لِلثَّمَنِيَّةِ وَالتِّجَارَةِ بِهِ وَالتَّكَسُّبِ ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالسَّبَائِكِ وَنَحْوِهَا.
ومَا هُوَ مُعَدٌّ لِلِانْتِفَاعِ دُونَ الرِّبْحِ وَالتِّجَارَةِ ، كَحِلْيَةِ الْمَرْأَةِ وَآلَاتِ السِّلَاحِ الَّتِي يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مِثْلِهَا ، فَلَا زَكَاةَ فِيهِ ” انتهى من ” إعلام الموقعين ” (2/70) بتصرف يسير .
والحاصل :
أن الخلاف في المسألة قوي ، ولكل قول حججه وأدلته التي يستند عليها .
ومع شدة الخلاف في المسألة يبقى القول بإخراج الزكاة ، فيه أخذ بالحيطة وإبراء للذمة .
قال الخطابي : ” والاحتياط : أداؤها ” انتهى من ” معالم السنن ” (2/ 17) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : ” وإخراج زكاة الحلي أحوط ؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، والعلم عند الله تعالى” انتهى من ” أضواء البيان ” (2/134) .