(61) (933) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(للأخ؛ سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا) جمع وتأليف حازم خلف وأحمد بن علي و عبدالله منير وإبراهيم البلوشي وأحمد الغفلي وموسى عبدالسلام،
وشاركهم أبوعبيد البلوشي، وأبو الربيع وناصر الكعبي، ورامي، ونورس، وسيف بن غدير النعيمي
———-
الصحيح المسند:933
روى أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: تعلَّقت بقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، اقرئني سورة هود، وسورة يوسف، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عقبة بن عامر، إنك لم تقرأ سورة أحب إلى الله عزوجل ولا أبلغ عنده منها (قل أعوذ برب الفلق)
قال يزيد: لم يكن أبوعمران يدعها، وكان لا يزال يقرؤها في صلاة المغرب.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
من فوائد الحديث:
1 – أخرجه النسائي وفيه (سورة الناس) وأخشى أن تكون زيادة سورة الناس عند النسائي في موضع شاذة من هذه الطريق فلم أر من ذكرها، ثم إن النسائي ذكر الحديث في أكثر من موضع آخر بنفس ا?سناد ولم يذكرها. نعم هي ثابتة من طرق أخرى.
2 – قال ابن كثير في تفسيره بعد أن أورد جملة من أحاديث عقبة في فضل المعوذتين قال:
فهذه طرق عن عقبة كالمتواترة عنه تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث.
3 – في حديث الباب شدة تعلق الصحابة وتعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
4 – اهتمام الصحابة بالعلم، وطلب التعلم من النبي صلى الله عليه وسلم.
5 – إثبات صفة المحبة لله سبحانه.
6 – سور القرآن وآياته متفاضلة بين فاضل وأفضل.
7 – تطبيق السلف وانتفاعهم بالحديث، فقد جاء في رواية أن التابعي أبا عمران راوي الحديث عن عقبة لم يكن يدعها وكان ? يزال يقرؤها.
• ما جاء في هاتين السورتين:
أن المريض يمسح على نفسه بهما فقد جاء في الصحيحين واللفظ للبخاري
عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها» فسألت الزهري: كيف ينفث؟ قال: «كان ينفث على يديه، ثم يمسح بهما وجهه»
* من فضائل المعوذات
– أخرج مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؛ قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس».
– وعن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به فقال الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده (وفي رواية “رد أمره”) إلى الوسوسة رواه أبو داود وصححه الألباني
– وعن عقبة بن عامر قال بينا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال ألا تركب يا عقبة فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا تركب يا عقبة فأشفقت أن يكون معصية فنزل وركبت هنيهة ونزلت وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس فأقرأني قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فأقيمت الصلاة فتقدم فقرأ بهما ثم مر بي فقال كيف رأيت يا عقبة بن عامر اقرأ بهما كلما نمت وقمت. رواه أبو داود والنسائي واللفظ له وحسن إسناده ا?لباني
– عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه قال خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي لنا قال فأدركته فقال قل فلم أقل شيئا ثم قال قل فلم أقل شيئا قال قل فقلت ما أقول قال قل: قل هو الله أحد، والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء. رواه أبوداود والترمذي والنسائي، وقال الترمذي حسن صحيح، وصححه ا?لباني كما في صحيح الجامع.
• ما جاء في تفسير السورتين:
* قال البغوي في تفسيره:
{قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس} يعني الشيطان، يكون مصدرا وإسما.
قال الزجاج: يعني: الشيطان ذا الوسواس “الخناس” الرجاع، وهو الشيطان جاثم على قلب الإنسان، فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس.
فذلك: {الذي يوسوس في صدور الناس} بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع. اهـ
* قال السعدي في التفسير: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}.
أي: أي وقت، وفي أي حال {يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ} أي: تحس منه بوسوسة، وتثبيط عن الخير، أو حث على الشر، وإيعاز إليه. {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: التجئ واعتصم باللّه، واحتم بحماه فإنه {سَمِيعٌ} لما تقول. {عَلِيمٌ} بنيتك وضعفك، وقوة التجائك له، فسيحميك من فتنته، ويقيك من وسوسته، كما قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} إلى آخر السورة.
ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب – تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب، ولا يقصرون عن ذلك، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء، لأنها طمعت فيهم، حين رأتهم سلسي القياد لها، وهم لا يقصرون عن فعل الشر. اهـ
* وقال أيضا:
وهذه السورة مشتملة على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من الشيطان الذي هو أصل الشرور كلها ومادتها، الذي من فتنته وشره، أنه يوسوس في صدور الناس، فيحسن [لهم] الشر، ويريهم إياه في صورة حسنة، وينشط إرادتهم لفعله، ويقبح لهم الخير ويثبطهم عنه، ويريهم إياه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوس ويخنس أي: يتأخر إذا ذكر العبد ربه واستعان على دفعه.
فينبغي له أن [يستعين و] يستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلهم.
وأن الخلق كلهم، داخلون تحت الربوبية والملك، فكل دابة هو آخذ بناصيتها.
وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتم لهم إلا بدفع شر عدوهم، الذي يريد أن يقتطعهم عنها ويحول بينهم وبينها، ويريد أن يجعلهم من حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، والوسواس كما يكون من الجن يكون من الإنس، ولهذا قال: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}.
والحمد لله رب العالمين أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا. اهـ
* قال الشنقيطي في أضواء البيان”
ولكأن ارتباط السورتين ليشير إلى منشأ تلك العداوة وارتباطها بهذا التحذير، إذ في الأولى: ومن شر حاسد إذا حسد، فحسد الشيطان آدم على إكرام الله إياه كما أسلفنا.
والعدو الحاسد لا يرضيه إلا زوال النعمة عن المحسود، ولئن كانت توبة آدم هي سبيل نجاته، كما في قوله تعالى: “فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه “،
فنجاتك أيضا في كلمات تستعيذ بها من عدوك: برب الناس ملك الناس إله الناس ; لأن الرب هو الذي يرحم عباده، وملك الناس هو الذي يحميهم ويحفظهم ويحرسهم. وإله الناس الذي يتألهون إليه ويتضرعون ويلوذون به سبحانه.
* قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
فصل:
في {قل أعوذ برب الناس} إلى آخرها. قوله: {من شر الوسواس الخناس} {الذي يوسوس في صدور الناس} {من الجنة والناس} فيها أقوال ولم يذكر ابن الجوزي إلا قولين ولم يذكر الثالث وهو الصحيح وهو أن قوله من الجنة والناس لبيان الوسواس أي الذي يوسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس فإن الله تعالى قد أخبر أنه جعل لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وإيحاؤهم هو وسوستهم وليس من شرط الموسوس أن يكون مستترا عن البصر؛ بل قد يشاهد قال تعالى: {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} وهذا كلام من يعرف قائله ليس شيئا يلقى في القلب لا يدري ممن هو وإبليس قد أمر بالسجود لآدم فأبى واستكبر فلم يكن ممن لا يعرفه آدم، وهو ونسله يرون بني آدم من حيث لا يرونهم وأما آدم فقد رآه.
وقد يرى الشياطين والجن كثير من الإنس لكن لهم من الاجتنان والاستتار ما ليس للإنس وقد قال تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم} وفي التفسير والسيرة: أن الشيطان جاءهم في صورة بعض الناس وكذلك قوله: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين}. وفي حديث أبي ذر {عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن قلت: أو للإنس شياطين؟ قال: نعم شر من شياطين الجن}. وأيضا فالنفس لها وسوسة كما قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} فهذا توسوس به نفسه لنفسه كما يقال حديث النفس قال النبي صلى الله عليه وسلم {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به} أخرجاه في الصحيحين. فالذي يوسوس في صدور الناس نفوسهم وشياطين الجن وشياطين الإنس. اهـ
* قال ابن كثير في التفسير:
هذه ثلاث صفات من صفات الرب، عز وجل؛ الربوبية، والملك، والإلهية: فهو رب كل شيء ومليكه وإلهه، فجميع الأشياء مخلوقة له، مملوكة عبيد له، فأمر المستعيذ أن يتعوذ بالمتصف بهذه الصفات، من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان، فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له الفواحش، ولا يألوه جهدا في الخبال. والمعصوم من عصم الله، وقد ثبت في الصحيح أنه: “ما منكم من أحد إلا قد وكل به قرينه”. قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: “نعم، إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير”،
وثبت في الصحيح، عن أنس في قصة زيارة صفية النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وخروجه معها ليلا ليردها إلى منزلها، فلقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال رسول الله: “على رسلكما، إنها صفية بنت حيي”. فقالا سبحان الله، يا رسول الله. فقال: “إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، أو قال: شرا” …
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: {الوسواس الخناس} قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس. وكذا قال مجاهد، وقتادة.
وقال المعتمر بن سليمان، عن أبيه: ذكر لي أن الشيطان، أو: الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.
وقوله: {الذي يوسوس في صدور الناس} هل يختص هذا ببني آدم -كما هو الظاهر -أو يعم بني آدم والجن؟ فيه قولان، ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا.
وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم (رجال من الجن) فلا بدع في إطلاق الناس عليهم.
وقوله: {من الجنة والناس} هل هو تفصيل لقوله: {الذي يوسوس في صدور الناس} ثم بينهم فقال: {من الجنة والناس} وهذا يقوي القول الثاني. وقيل قوله: {من الجنة والناس} تفسير للذي يوسوس في صدور الناس، من شياطين الإنس والجن، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا}. اهـ
* قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
المستعاذ به وهو الله وحده رب الفلق، ورب الناس، ملك الناس، إله الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ولا يستعاذ بأحد من خلقه بل هو الذي يعيذ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره وقد أخبر الله تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغيانا ورهقا فقال حكاية عن مؤمني الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} جاء في التفسير أنه كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح أي فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا أي طغيانا وإثما وشرا يقولون سدنا الإنس والجن والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا لما كان محظورا من الكبر والتعاظم فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن.
واحتج أهل السنة على المعتزلة في أن كلمات الله غير مخلوقة بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بقوله: “أعوذ بكلمات الله التامات ” رواه مسلم، وهو لا يستعيذ بمخلوق أبدا، ونظير ذلك قوله: ” أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك” رواه مسلم فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته وأنه غير مخلوق وكذلك قوله: “أعوذ بعزة الله وقدرته” أخرجه مسلم وقوله: “أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات” إسناده قابل للتحسين وما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم غير مخلوق فإنه لا يستعيذ إلا بالله أو صفة من صفاته وجاءت الاستعاذة في هاتين السورتين باسم الرب.
والملك والإله وجاءت الربوبية فيها مضافة إلى الفلق وإلى الناس ولا بد من أن يكون ما وصف به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة ويقتضي دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها وقد قررنا في مواضع متعددة أن الله سبحانه يدعى بأسمائه الحسنى فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه باسم ويقتضيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين السورتين أنه ما تعوذ المتعوذون بمثلها فلا بد أن يكون الاسم المستعاذ به مقتضيا للمطلوب وهو دفع الشر المستعاذ منه أو رفعه وإنما يتقرر هذا بالكلام في الفصل الثالث وهو الشيء المستعاذ منه فتتبين المناسبة المذكورة فنقول.
الفصل الثالث في أنواع الشرور المستعاذ منها: في هاتين السورتين الشر الذي يصيب العبد لا يخلو من قسمين: إما ذنوب وقعت منه يعاقب عليها فيكون وقوع ذلك بفعله وقصده وسعيه ويكون هذا الشر هو الذنوب وموجباتها وهو أعظم الشرين وأدومهما وأشدهما اتصالا بصاحبه وإما: شر واقع به من غيره وذلك الغير إما مكلف أو غير مكلف والمكلف إما نظيره وهو الإنسان أو ليس نظيره وهو الجني وغير المكلف مثل الهوام وذوات الحمى وغيرها فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه وأدله على المراد وأعمه استعاذة بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه فيهما فإن سورة الفلق تضمنت الاستعاذة من أمور أربعة أحدها: شر المخلوقات التي لها شر عموما الثاني: شر الغاسق إذا وقب الثالث: شر النفاثات في العقد الرابع: شر الحاسد إذا حسد. اهـ
* قال الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى، تفسير سورة الفلق:
بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق آية: 1 – 5]: فمعنى أعوذ: أعتصم وألتجئ وأتحرز; وتضمنت هذه الكلمة مستعاذا به، ومستعاذا منه، ومستعيذا؛. فأما المستعاذ به، فهو الله وحده رب الفلق، الذي لا يستعاذ إلا به.
وقد أخبر الله عمن استعاذ بخلقه، أن استعاذته زادته رهقا، وهو الطغيان، فقال: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [سورة الجن آية: 6] والفلق هو بياض الصبح إذا انفلق من الليل، وهو من أعظم آيات الله الدالة على وحدانيته. وأما المستعيذ، فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه إلى يوم القيامة.
وأما المستعاذ منه، فهو أربعة أنواع; الأول: قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وهذا يعم شرور الأولى والآخرة، وشرور الدين والدنيا.
الثاني: قوله: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} والغاسق: الليل، إذا وقب، أي: أظلم ودخل في كل شيء، وهو محل تسلط الأرواح الخبيثة.
الثالث: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [سورة الفلق آية: 4] وهذا من شر السحر، فإن النفاثات السواحر اللاتى يعقدن الخيوط، وينفثن على كل عقدة، حتى ينعقد ما يردن من السحر; والنفاثات مؤنث، أي: الأرواح والأنفس، لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة.
الرابع: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق آية: 5] وهذا يعم إبليس وذريته، لأنهم أعظم الحساد لبني آدم أيضا، وقوله: {إذا حسد} لأن الحاسد إذا أخفى الحسد، ولم يعامل أخاه إلا بما يحبه الله، لم يضره ولم يضر المحسود. اهـ
وقد نقل اختصر صاحبنا ناصر الكعبي تفسير السورة من زاد المسير لابن الجوزي تركناه لعدم الإطالة
——-
مشاركة إبراهيم البلوشي:
أما يُتَّقى به السحر قبل وقوعه
ومن ذلك:
أولاً: تجديد الإيمان في النفوس
ثانيا: نشر العلم بقضايا العقيدة والحرص على سلامتها، وبيان ما يخدشها وتعميم الوعي بمخاطر السحر والشعوذة
ثالثاً: إصلاح البيوت وعمارتها بالذكر والصلاة
وتلاوة القرآن.
رابعاً: أكل سبع تمراتٍ على الرِّيق صباحاً إِذا أمكن، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من اصطبح بسبع تمرات عجوةً لم يضُرُّهُ ذلك اليوم سُمٌّ ولا
سحرٌ” 24
خامساً: أما الحصن الحصين والسبب الوافي المنيع _ بإذن الله _ من كل سوء ومكروه، فهو المحافظة على الأوراد الشرعية في الصباح والمساء،
عمل الأسباب التي تدفع عين الحاسد وهي
كالتالي:
الاستعاذة بالله من شره. وتقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه سبحانه “احفظ الله يحفظك”والصبر على الحاسد والعفو عنه فلا يُقاتله، ولا يشكوه، ولا يُحدث نفسه بأذاه. و التَّوكُّل على الله فمن يتوكَّل على الله فهو حسبه. ولا يخافُ الحاسد ولا يملأُ قلبه بالفكر فيه وهذا من أنفع الأدوية. و الإِقبال على الله والإِخلاص له وطلب مرضاته سبحانه. و التوبة من الذنوب لأنها تُسلِّط على الإِنسان أعداءه “وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ” [الشورى: 30].و الصدقة والإِحسان ما أمكن فإِن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء والعين وشرِّ الحاسد. وإِطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إِليه فكلَّما ازداد لك أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إِحساناً وله نصيحةً وعليه شفقةً وهذا لا يُوفَّق له إِلا من عظم حظُّه من الله. وتجريد التوحيد وإِخلاصه للعزيز الحكيم الذي لا يضرُّ شيءٌ ولا ينفع إِلا بإِذنه سبحانه وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب، فالتوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين. فهذه عشرة أسباب يندفع بها شرُّ الحاسد والعائن
والساحر.
سلطان الحمادي: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله):
الحسد خلق ذميم وهو: تمني زوال نعمة الله على الغير.
وقيل: الحسد كراهة ما أنعم الله به على غيره.
فالأول هو المشهور عند أهل العلم، والثاني هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
والحسد مضاره كثيرة: منها أنه اعتراض على قضاء الله وقدره. ومنها: أن الحاسد يبقى دائما في قلق وحرقة. ومنها: أن الغالب أن الحاسد يبغي على المحسود فيجمع بين الحسد وبين العدوان. ومنها: أن الحاسد فيه شبه من اليهود الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
ومنها: أن الحاسد يحتقر نعمة الله عليه؛ فلا يشكره سبحانه تعالى عليها. ومنها: أن الحسد يدل على دناءة الحاسد، وأنه شخص لا يحب الخير للغير؛ بل هو سافل ينظر إلى الدنيا، ولو نظر إلى الآخرة لأعرض عن هذا.
ولكن إذا قال قائل: إذا وقع الحسد في قلبي بغير اختياري فما هو الدواء؟ فالجواب: أن الدواء يكون بأمرين:
الأول: الإعراض عن هذا بالكلية، وأن يتناسى هذا الشيء، وأن يشتغل بما يهمه فينفسه. الثاني: أن يتأمل ويتفكر في مضار الحسد، فإن التفكر في مضار العمل يوجب النفورمنه، ثم يجرب إذا أحب الخير لغيره واطمأن بما أعطاه الله، هل يكون هذا خيرا، أم الخير أن يتتبع نعمة الله على الغير ثم تبقى حرقة في نفسه وتسخطا لقضاء الله وقدره، وليختر أي الطريقين شاء.
كتاب العلم ص 223 مختصرا
قال صاحبنا نورس الهاشمي: ((الحسد))
مرض فتاك و داء خطير، و هو داء الأمم من قبلكم، و لا يسلم منه أحد الا من رحم ربي، فأحببت أن اذكر اخوتي، بأن يسلمهم الله من هذا المرض
قال الحافظ ابن رجب: فقوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لا تحاسدوا)) يعني: لا يحسُدْ بعضُكم بعضاً، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنَّ الإنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ منْ جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.
ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام، فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل، ثمَّ منهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه، ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما، وهذا هو الحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه، وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدم – عليه السلام – لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأنْ خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكتَه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها، ويروى عن ابن عمرَ أنَّ إبليسَ قال لنوح: اثنتان بهما أُهلك بني آدم: الحسد، وبالحسد لُعِنتُ وجُعلتُ شيطاناً رجيماً، والحرص وبالحرص أُبيح آدمُ الجنةَ كلَّها، فأصبتُ حاجتي منه بالحرص. خرَّجه ابنُ أبي الدُّنيا.
وقسم آخر من الناسِ إذا حسدَ غيره، لم يعمل بمقتضى حسده، ولم يبغِ على المحسود بقولٍ ولا فعلٍ. وقد رُوي عن الحسن أنَّه لا يأثمُ بذلك (3)، وروي مرفوعاً من وجوه ضعيفة، وهذا على نوعين:
أحدهما: أنْ لا يمكنه إزالةُ الحسدِ من نفسِه، فيكون مغلوباً على ذَلِكَ، فلا يأثمُ به.
والثاني: من يُحدِّثُ نفسَه بذلك اختياراً، ويُعيده ويُبديه في نفسه مُستروِحاً إلى تمنِّي زوالِ نعمة أخيه، فهذا شبيهٌ بالعزم المصمِّم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلافٌ بين العلماء، وربما يُذكر في موضعٍ آخر إنْ شاء الله تعالى، لكن هذا يَبعُدُ أن يَسلَمَ من البغي على المحسود، ولو بالقول، فيأثم بذلك.
وقسم آخر إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله، فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً، فلا خيرَ في ذلك، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} (1)، وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً، فهو حسن، وقد تمنَّى النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – الشَّهادة في سبيل الله – عز وجل -. وفي ” الصحيحين ” (2) عنه – صلى الله عليه وسلم -، قال: ((لا حسدَ إلاَّ في اثنتين: رجلٌ آتاه اللهُ
مالاً، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النَّهار، ورجلٌ آتاهُ اللهُ القرآن، فهو يقومُ به آناء اللَّيل وآناءَ النَّهار))، وهذا هو الغبطة، وسماه حسداً من باب الاستعارة.
وقسم آخر إذا وجدَ من نفسه الحسدَ سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإسداءِ الإحسان إليه، والدُّعاء له، ونشر فضائله، وفي إزالة ما وَجَدَ له في نفسه مِنَ الحسدِ حتّى يبدلَه بمحبَّة أنْ يكونَ أخوه المسلمُ خيراً منه وأفضلَ، وهذا مِنْ أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمنُ الكاملُ الذي يُحبُّ لأخيه ما يحبُّ
لنفسه، وقد سبق الكلام على هذا في تفسير حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (3).
جامع العلوم و الحكم، 1/ 328
وتوسع سيف بن غدير النعيمي في النقولات في داء الحسد، ولعلنا إن شاء الله نجد فرصة أخرى لتلخيصها (راجع نضرة النعيم) وكذلك الأخ رامي، نقل نقولات عن ابن عثيمين