607 – تحضير سنن الترمذي
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله الديني وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
سنن الترمذي:
بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ سِيمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ وَالطُّهُورِ
607 – حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ، مُحَجَّلُونَ مِنَ الوُضُوءِ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ»
[حكم الألباني] : صحيح
تنبيه : ورد في حديث أبي هريرة :
“وزيادة (( فمن استطاع منكم … )) مدرج من كلام أبي هريرة، أشار إلى ذلك الحافظ في (( الفتح )) ، وجزم بذلك شيخ الإسلام، وابن القيم، ثم الإمام الألباني كما في (( الضعيفة )) (٣/ ١٠٦) ، وغير واحد من الحفاظ كما أشار إلى ذلك المنذري في (( الترغيب )) ، ويؤيده أنَّ نعيمًا شك في رفع هذه اللفظة كما في (( مسند أحمد )) (٢/ ٣٣٤) فقال: لا أدري قوله: (( فمن استطاع … )) من قول رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه ؟.”
من كتاب: فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط 4
قال ابن بطال:
وقوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل -، تأوله أبو هريرة على الزيادة على حد الوضوء، فكان يتوضأ إلى نصف ساقيه، وإلى منكبيه، ويقول: إنى أحب أن أطيل غرتى، وربما قال: هذا موضع الحلية. وهذا شىء لم يتابع عليه أبو هريرة، والمسلمون مجمعون على أنه لا يتعدى بالوضوء ما حد الله ورسوله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أبدر الناس إلى الفضائل، وأرغبهم فيها، لم يجاوز قط موضع الوضوء فيما بلغنا.
ويُحتج على أبى هريرة بقوله تعالى: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق: 1] . وروى سفيان، عن موسى بن أبى عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رجلاً سأل النبى، صلى الله عليه وسلم ، عن الوضوء، فدعا بماء فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: هكذا الطهور، فمن زاد على هذا فقد تعدَّى وظلم -. ويحمل قوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته -، يعنى يديمها، فالطول والدوام بمعنى متقارب، أى من استطاع أن يواظب على الوضوء لكل صلاة فإنه يطيل غرته، أى يقوِّى نوره، ويتضاعف بهاؤه، فَكَنَّى بالغرة عن نور الوجه يوم القيامة. وقال أبو الزناد: قوله: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته – فإنه كنى بالغرة عن الحجلة، لأن أبا هريرة كان يتوضأ إلى نصف ساقيه، والوجه فلا سبيل إلى الزيادة فى غسله، فكأنه، والله أعلم، أراد الحجلة فكنى بالغرة عنها. وفيه: جواز الوضوء على ظهر المسجد، وهو من باب الوضوء فى المسجد، وقد كرهه قوم وأجازه الأكثر، وإنما ذلك تنزيه للمسجد، كما ينزه عن البصاق والنخامة، وحرمة أعلى المسجد، كحرمة داخله، وممن أجاز الوضوء فى المسجد: ابن عباس، وابن عمر، وعطاء، والنخعى، وطاوس، وهو قول ابن القاسم صاحب مالك، وأكثر العلماء. وكرهه ابن سيرين، وهو قول مالك، وسحنون.
وقال ابن المنذر: إذا توضأ فى مكان من المسجد يبلّه ويتأذى به الناس فإنى أكرهه، وإن فحص عن الحصى ورده عليه، فإنى لا أكرهه، وكذلك كان يفعل عطاء وطاوس.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 1/ 221]
قال ابن الملقن:
3 – باب فَضْلِ الوُضُوءِ، وَالْغُرِّ المُحجليَن مِنْ آثَارِ الوُضُوء
سادسها:
المراد بالغرة: غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدًا عَلَى الجزء الذي يجب غسله؛ لاستيعاب كمال الوجه، وفي التحجيل غسل ما فوق المرفقين والكعبين.
وادعى ابن بطال ثمَّ القاضي عياض ثمَّ ابن التين اتفاق العلماء عَلَى أنه لا تستحب الزيادة فوق المرفق والكعب.
وهي دعوى باطلة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وأبي هريرة، وعمل العلماء وفتواهم عليه، فهم (محجوجون) بالإجماع.
واحتجاجهم بالحديث السالف: “من زاد عَلَى هذا أو نقص فقد أساء وظلم” لا يصح، لأن المراد به الزيادة في عدد المرات، أو النقص عن الواجب، أو الثواب المرتب عَلَى نقص العدد لا الزيادة عَلَى تطويل الغرة والتحجيل.
وأما حد الزائد فغايته استيعاب العضد والساق، وقال جماعة من أصحابنا: يستحب إلى نصفها، وقال البغوي: نصف العضد فما فوق، ونصف الساق فما فوقه.
وحاصلها ثلاثة أوجه كما جمعها النووي في “شرح مسلم” فقال: اختلف أصحابنا في العدد المستحب عَلَى ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه تستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت.
وثانيها: إلى نصف العضد والساق.
وثالثها: إلى المنكب والركبتين، قَالَ: والأحاديث تقتضي ذَلِكَ كله.
وقال الشيخ تقي الدين القشيري: ليس في الحديث تقييد ولا تحديد لمقدار ما يغسل من العضدين والساقين، وقد استعمل أبو هريرة الحديث على إطلاقه وظاهره في طلب إطالة الغرة، فغسل إلى قريب من المنكبين، ولم ينقل ذَلِكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كثر استعماله في الصحابة والتابعين، فلذلك لم يقل به الفقهاء، ورأيت بعض الناس قَدْ ذكر أن حد ذَلِكَ نصف العضد والساق، هذا آخر كلامه.
وقوله: لم يقل به الفقهاء. غريب مع ما قدمناه عنهم.
ومن أوهام ابن بطال والقاضي عياض إنكارهما عَلَى أبي هريرة بلوغه الماء إبطيه وأن أحدًا لم يتابعه عليه، وقد قَالَ به القاضي حسين وآخرون من أصحابنا أيضًا، وفي “مصنف ابن أبي شيبة”: حَدَّثنَا وكيع، عن العمري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف.
ثمَّ روى عن وكيع أيضًا، عن عقبة ابن أبي صالح، عن إبراهيم أنه كرهه.
قُلْتُ: وهذا مردود بما سلف، وما أبعد من أول الاستطاعة في الحديث عَلَى إطالة (الغرة) والتحجيل بالمواظبة عَلَى الوضوء لكل صلاة، فتطول غرته بتقوية نور أعضائه، وهو ابن بطال قَالَ: والطول والدوام معناهما متقارب.
تاسعها: رأيت مَنْ شرح هذا الموضع من هذا الكتاب من شيوخنا ادعى أن قوله: “فمن استطاع .. ” إلى آخره من قول أبي هريرة أدرجه آخر الحديث. وفي هذِه الدعوى بُعدٌ عندي.
عاشرها: استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث عَلَى أن الوضوء من خصائص هذِه الأمة -زادها الله شرفًا- وبه جزم الحليمي في “منهاجه”، وفي “الصحيح” أيضًا: “لكم سيماء ليست لأحد من الأمم، تردون عليّ غرًّا محجلين من أثر الوضوء”
وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًّا بها، وإنما الذي اختصت به الغرة والتحجيل، و (ادعوا) أنه المشهور من قول العلماء، واحتجوا بالحديث الآخر: “هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي”
وأجاب الأولون عن هذا بوجهين: أحدهما: أنه حديث ضعيف.
ثانيهما: أنه لو صح لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أممهم بخلاف هذِه الأمة.
وفيه: شرف عظيم لهم، حيث استووا مع الأنبياء في هذِه الخصوصية، وامتازت بالغرة والتحجيل، لكن سيأتي في حديث جريج في موضعه:
أنه توضأ وصلى. وفيه دلالة عَلَى أن الوضوء كان مشروعًا لهم.
وعلى هذا فيكون خاصية هذِه الأمة الغرة والتحجيل الناشئين عن الوضوء لا الوضوء، ونقل الزناتي المالكي شارح “الرسالة” عن العلماء أن الغرة والتحجيل حكم ثابت لهذِه الأمة، من توضأ منهم ومن لم يتوضأ.
كما قالوا: لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنبٍ، إن أهل القبلة كل من آمن به من أمته سواء صلى أو لم يصل، وهذا نقل غريب، وظاهر الأحاديث يقتضي خصوصية ذَلِكَ بمن توضأ منهم، وفي “صحيح أبي حاتم ابن حبان”: يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قَالَ: “غرٌ محجلون بلق من آثار الوضوء”.
[التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 24]
قال الصنعاني :
– «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل». (ق) عن أبي هريرة (صح).
(إن أمتي) الذين تابعوه (يدعون يوم القيامة غرًا محجلين) تقدم تفسيرهما في حديث: «أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء» فيكون قوله:
(من آثار الوضوء) متعلقًا بمحجلين لما تقدم من أنها أي الغرة من السجود إلا أن هذا الحديث يدل أنهما من الوضوء لقوله فيه: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) ولا مانع من تعدد الأسباب بمسبب واحد والواو في الوضوء مضمومة أي الفعل وجوز ابن دقيق العيد فتحها على إرادة الماء (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) بإدخال بعض الرأس في الغسل (فليفعل) أي فليطل الغرة والتحجيل بأن يجاوز المرفقين والكعبين واقتصر على أحد الأمرين لدلالته على الآخر مثل ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] أي والبرد واقتصر على الغرة وهي مؤنث وأثرها على التحجيل وهو مذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه النظر.
وقال ابن بطال (١): كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل؛ لأنّه الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله .
ورد عليه بأنه يستلزم قلب اللغة وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بالغسل إلى صفحة العنق مثلًا وبإدخال جزء من الرأس وقد اختلف في قدر التحجيل فقيل إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية وفعلًا وعن ابن عمر من فعله، وقيل: إلى نصف العضد والساق وقيل إلى فوق ذلك، وقالت المالكية: لا يستحب ذلك لقوله ﷺ: «فقد أساء وظلم» وقد دفع هذا بأن رواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال ودعوى اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة مدفوع بما نقلناه عن ابن عمر، وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية، وأما تأويلهم الإطالة بالمداومة على الوضوء فاعترض بأن الراوي أعرف بما روى كيفيته وقد صرح برفعه إلى الشارع .
هذا وقد استدل الحليمي بالحديث بأن الوضوء من خصائص الأمة ورد بأنه قد ثبت في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر أن الملك لما هم بالدنو منها قامت توضأ، وتصلي وفي قصة جريج الراهب أنه قام فتوضأ وصلى وكلمه الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء. (ق) (١) عن أبي هريرة).
التنوير شرح الجامع الصغير ٣/٥٨٤-٥٧٥.
قال البسام:
اختلف العلماء في مجاوزة حد الفرض الوجه واليدين والرجلين للوضوء. فذهب الجمهور إلى استحباب ذلك، عملا بهذا الحديث، على اختلاف بينهم في قدر حَدَّ المستحب.
وذهب مالك ورواية عن أحمد، إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض، واختاره شيخ الإسلام ” ابن تيمية “، و” ابن القيم “، وشيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي، وأيدوا رَأيَهُم بما يأتي:
1- مجاوزة محل الفرض، على أنها عبادة، دعوى تحتاج إلى دليل.
والحديث الذي معنا لا يدل عليها، وإنما يدل على نورَ أعضاء الوضوء يوم القيامة.
وعمل أبي هريرة فَهْمْ له وحده من الحديث، ولا يصار إلى فهمه مع المعارض الراجح.
أما قوله: ” فمن استطاع … الخ ” فرجحوا أنها مدرجة من كلام أبي هريرة، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
2- لو سلمنا بهذا لاقتضى أن نتجاوز الوجه إلى شعر الرأس، وهو لا يسمى غرة، فيكون متناقضاً.
3- لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فهم هذا الفهم وتجاوز بوضوئه محل الفرض، بل نقل عن أبي هريرة أنه كان يستتر خشية من استغراب الناس لفعله.
4- إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، وما كان ليترك الفاضل في كل مرة من وضوئه. وقال في الفتح: لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روي هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه.
5- الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين والكعبين، وهى من أواخر القرآن نزولا وإليك نص كلام “ابن القيم” في كتابه حادي الأرواح، قال: “أخرجا في الصحيحين والسياق لـ “مسلم” عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال يا بني فروخ (1) أنتم ههنا؟ لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: “تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء”.
وقد احتج بهذا من يرى استحباب غسل العضد وإطالته. وتطويل التحجيل، وممن استحبه بعض الحنفية والشافعية والحنابلة وقد اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على غسل الوجه والمرفقين والكعبين، ثم قال: ” فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم فهذا يرد قولهم “.
ولذا فإن الصحيح أنه لا يستحب وهو قول أهل المدينة، وورد فيه عن أحمد روايتان.
والحديث لا يدل على الإطالة، فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم، لا في العضد والكتف.
وأما قوله: ” فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ” فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بَين ذلك غير واحد من الحفاظ.
وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث، قال نعيم: فلا أدرى قوله: ” من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ” من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو شيء قاله أبو هريرة من عنده.
وكان شيخنا يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغرة لا تكون في اليد، ولا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة. انتهى كلامه رحمه الله.
[تيسير العلام شرح عمدة الأحكام ص34]
وفي فتح العلام شرح بلوغ المرام :
وذهب الإمام مالك، وأهل المدينة إلى عدم استحباب مجاوزة محل الفرض، وهو رواية عن الإمام أحمد، اختارها شيخ الإسلام، وابن القيم.
واختار هذه الرواية من علمائنا المعاصرين الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ عبد الرحمن السعدي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الألباني، والشيخ مقبل الوادعي، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهم، رحمة الله عليهم أجمعين.
وذكر الأدلة نحو ما سبق
انتهى
فتح العلام
قال الشيخ ابن باز في حاشية فتح الباري : الأصح في هذه المسألة شرعية الإطالة في التحجيل خاصة وذلك بالشروع في العضد والساق تكميلا للمفروض من غسل اليدين والقدمين كما صرح بذلك أبوهريرة برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم . والله أعلم انتهى
يقصد بالحديث:
عن نعيم بن عبدالله المجمر قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) صحيح مسلم (246).
♢-وجه الاستدلال:
كون أبي هريرة غسل يده حتى أشرع في العضد، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ – صريحٌ في الرفع.
♢-قال القرطبي في المفهم (1/498): (أشرع) رباعي؛ أي: مد يده بالغسل إلى العضد، من قولهم: أشرعت الرمح قبله؛ أي: مددته إليه، وسددته نحوه، وأشرع بابًا إلى الطريق؛ أي: فتحه مسددًا إليه، وليس هذا من شرعت في هذا الأمر، ولا من شرعت الدواب في الماء بشيء؛ لأن هذا ثلاثي، وذاك رباعي، ثم قال: والإشراع المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة محمول على استيعاب المرفقين والكعبين بالغسل، وعبر عن ذلك بالإشراع في العضد والساق؛ لأنهما مباديهما.
قال ابن تيمية :
ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة، في جنس العبادات أو الإباحات أو الإيجابات أو التحريمات، إذا لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما ثبت عن النبي ﷺ يخالفه لا يوافقه، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته أن يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول.
٥٥٩ – ولهذا / نظائر كثيرة: مثل ما كان عمر يدخل الماء في عينيه في الوضوء ، ويأخذ لأذنيه ماءً جديدًا وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضد في الوضوء ويقول: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل.
وروي عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول: هو موضع الغل.
٥٦٠ – فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعًا لهما، فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضئون هكذا، والوضوء الثابت عنه ﷺ الذي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مسح العنق، ولا قال النبي ﷺ: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل
. ٥٦١ – بل هذا من كلام أبي هريرة، جاء مدرجًا في بعض الأحاديث، وإنما قال النبي ﷺ: «إنكم تأتون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء». وكان ﷺ يتوضأ، حتى يشرع في العضد والساق، فقال أبو هريرة: من استطاع أن يطيل غرته [فليفعل] . وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له فإن الغرة في الوجه لا في اليد والرجل، وإنما في اليد والرجل الحجلة. والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله، لا يغسل الرأس، ولا غرة في الرأس، والحجلة لا يستحب إطالتها، وإطالتها مثلة.
قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ١/٢١٩ — ابن تيمية
قال الإتيوبي:
المسألة الرابعة: في فوائده:
من فائدة هذا الحديث: أنه ينبغي للعالم أن لا يفعل عند العوام ما لا يعرفون، إذا خاف عليهم أن يعتقدوا ذلك واجبا، وفيه فضل إطالة الوضوء بمجاوزة محل الفرض، وفيه بيان شرف المؤمن من هذه الأمة حيث خصت بالغرة والتحجيل،
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 3/ 407]
تنبيه : أن الشوكاني نقل في النيل عن ابن حجر في التلخيص تعقبه على ابن بطال أن أبا هريرة تفرد بالغسل إلى الإبط فقال : بل قال به جماعة من السلف ومن أصحاب الشافعي وكذلك أسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما .
لكن رواية الإمام مسلم عن أبي حازم قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة ، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه ، فقلت له : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ أنتم ههنا ! لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء . سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء .
المقصود ببني فرّوخ الموالي ، وقيل : العجم .
فالغسل للإبط لم ينسبه أبو هريرة ولا ابن عمر رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم
إنما نسب أبو هريرة الشروع في العضد وسبق توجيهه ، فغسل الإبط اجتهاد منهما .
فائدة : قال ابن تيمية : إنما يعرف من كان أغرّ محجّـلا ، وهم الذين يتوضؤون للصلاة ، وأما الأطفال فهم تبع للرجال ، وأما من لم يتوضأ قط ، ولم يُصِلّ ، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة . انتهى .