605 – تحضير سنن الترمذي:
تحضير سنن الترمذي
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ: فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَمَا يُسْلِمُ الرَّجُلُ
605 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَنَّهُ أَسْلَمَ «فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ»، ” وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَغْسِلَ ثِيَابَهُ ”
[حكم الألباني]: صحيح
قال محققو المسند 20611:
إسناده صحيح. عبد الرحمن: هو ابن مهدي، وسفيان: هو الثوري، والأغرُّ: هو ابن الصبَّاح التَّميمي.
وأخرجه الترمذي (605)، وابن خزيمة (254)، والبغوي (341)، وابن الأثير في “أسد الغابة” 4/ 433 من طريق محمد بن بشار بندار، عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد، وقال الترمذي: حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل عليه عند أهل العلم: يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه.
وأخرجه عبد الرزاق (9833)، وأبو داود (355)، والنسائي 1/ 109، وابن الجارود (14)، وابن خزيمة (255)، وابن المنذر في “الأوسط” (640)، وابن قانع في “معجم الصحابة” 2/ 348، وابن حبان (1240)، والطبراني في “الكبير” 18/ (866)، وأبو نعيم في “الحلية” 7/ 117، والبيهقي في “السنن” 1/ 171، وفي “معرفة السنن والآثار” (1421) و (1422)، وفي “الدلائل”
5/ 317، والبغوي (340) من طرق عن سفيان الثوري، به. ووقع في مطبوع “المنتقى” لابن الجارود: سليمان، بدل: سفيان، وهو خطأ.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في “المعرفة والتاريخ” 1/ 396 و 3/ 187، ومن طريقه البيهقي 1/ 172 عن قبيصة بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن أبيه: أن جده قيس بن عاصم … وقال أبو حاتم في “العلل” 1/ 24: هذا خطأ، أخطأ قبيصة في هذا الحديث إنما هو الثوري، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ليس فيه أبوه.
قلنا: قبيصة لم ينفرد بهذا الإسناد عن سفيان، بل تابعه عليه وكيع عند المصنف برقم (20615)، لكن اختُلف على وكيع فيه، فروي عنه أيضاً بإسقاط حصين والد خليفة كما سيأتي، والمحفوظ إسقاطه، وإن ثبت فهو من المزيد في متصل الأسانيد، على أن حصين بن قيس هذا لم يرو عنه غير ابنه، وذكره ابن حبان في “الثقات” 4/ 156.
وأخرجه بأطول مما هنا الطبراني في “الكبير” 18/ (867)، وفي “الأوسط” (8037)، والبيهقي في “الدلائل” 5/ 317 من طريق قيس بن الربيع، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جدِّه.
[مسند أحمد 34/ 216 ط الرسالة]
قال ابن الأثير:
4364 – قيس بن عاصم المنقري
(ب د ع) قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس – واسم مقاعس: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي المنقري.
وإنما سمى الحارث مقاعسا. لتقاعسه عن حلف بنى سعد بن زيد مناة.
يكنى: أبا على، وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة. والأوّل أشهر. وأمه أم أسفر بنت خليفة.
وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وفد بنى تميم، وأسلم سنة تسع. ولما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هذا سيد أهل الوبر».
وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ فقال:
من قيس بن عاصم، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدّث قومه، إذ أتى برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك قال: فو اللَّه ما حل حبوته، ولا قطع كلامه. فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يا ابن أخي، بئسما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، وقلّلت عددك. ثم قال لابن له آخر: قم يا بنى إلى ابن عمك، فحل كتافه، ووار أخاك، وسق إلى أمك مائة من الإبل دية ابنها فإنّها عريبة.
وكان قيس بن عاصم قد حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمّار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال في ذلك:
رأيت الخمر صالحة وفيها … خصال تفسد الرّجل الحليما
فلا واللَّه أشربها صحيحا … ولا أشفى بها أبدا سقيما
ولا أعطى بها ثمنا حياتي … ولا أدعو لها أبدا نديما
فإنّ الخمر تفضح شاربيها … وتجنيهم بها الأمر العظيما
روى عنه أنه قال للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: إني وأدت اثنتي عشرة بنتا، أو ثلاث عشرة بنتا! فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعتق عن كل واحدة منهن نسمة.
أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم عن محمد بن عيسى قال: حدثنا بندار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن الأغرّ بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه أسلم، فأمره النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يغتسل بماء وسدر
قال الحسن البصري: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بنىّ، احفظوا عنى، فلا أحد أنصح لكم منى، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فتسفه الناس كباركم، وتهونوا عليهم. وعليكم بإصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنّها آخر كسب المرء، ولا تقيموا عليّ نائحة، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النائحة.
روى عنه الحسن، والأحنف، وخليفة بن حصين، وابنه حكيم بن قيس.
أنبأنا يحيى بن محمود إذنا بإسناده إلى ابن أبي عاصم: حدثنا هدية بن عبد الوهاب أبو صالح المروزي، عن النضر بن شميل، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرّف بن الشخير، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه: أنه أوصى عند موته فقال: إذا مت فلا تنوحوا عليّ، فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينح عليه.
وخلّف من الولد اثنين وثلاثين ذكرا.
وروى أبو الأشهب عن الحسن، عن قيس بن عاصم المنقرىّ: أنه قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: هذا سيد أهل الوبر، فسلمت عليه وقلت: يا رسول اللَّه، المال الّذي لا تبعة عليّ فيه؟ قال: نعم، المال الأربعون، وإن كثر فستون، ويل لأصحاب المئين إلا من أدّى حقّ اللَّه في رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، ومنح غزيرتها، ونحر سمينتها، وأطعم القانع والمعتر فقلت: يا رسول اللَّه، ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها؟ قال: يا قيس، أمالك أحبّ إليك أم مال مواليك؟ قال قلت: بل مالي! قال: فإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما بقي فلورثتك. قال قلت: يا رسول اللَّه، لئن بقيت لأدعنّ عددها قليلا – قال الحسن: ففعل.
أخرجه الثلاثة.
[أسد الغابة في معرفة الصحابة 4/ 432]
جاء في الجامع لعلوم الإمام أحمد:
19 – الكافر إذا أسلم يؤمر بالاغتسال
قال الخلال: قال أبو بكر المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا عبد اللَّه بن عُمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن ثمامة بن أثال -أو أثالة- أسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حائِطِ بَنِي فُلانٍ فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ” (1).
قال الخلال: قال أبو بكر المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر (2).
قال الخلال: قال أبو بكر المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا عبد الرزاق قال: ثنا سفيان، عن الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم قال: أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا أريد الإسلام فأسلمت، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أغتسل، فاغتسلت بماء وسدر (3).
قال الخلال: قال المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا عبد الرزاق قال: ثنا عبد اللَّه بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة بن أثال حين أسلم أن يغتسل ويصلي ركعتين (1).
قال الخلال: قال المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه أنه قال: ثنا عبد الرزاق قال: ثنا معمر، عن الزهري قال: سمعته يقول -في الذي يسلم: يبدأ بالغسل (2).
قال الخلال: قال المروذي: حدثنا أبو عبد اللَّه قال: ثنا حجاج قال: ثنا ليث بن سعد قال: حدثني سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثالة -سيد أهل اليمامة- فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له: “ماذا عِنْدَكَ يا ثُمامَة؟ “. فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد، فقال له ذلك ثلاثَ مرارٍ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “انطْلِقُوا بثُمامَةَ”. وانطلق به إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه (3).
[الجامع لعلوم الإمام أحمد – العقيدة 3/ 135]
قال ابن قدامة:
54 – مسألة؛ قال: (وإذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ)
وجُمْلَتُه أنَّ الكافِرَ إذا أَسْلَمَ، وَجَبَ عليه الغُسْلُ، سَوَاءٌ كان أَصْلِيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا، اغْتَسَلَ قبلَ إسْلَامِهِ أو لم يَغْتَسِلْ، وُجِدَ منه في زَمَنِ كُفْرِهِ ما يُوجِبُ الغُسْلَ أو لم يُوجَدْ. وهذا مَذْهَبُ مالِكٍ، وأبِى ثَوْرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وقال أبو بكر: يُسْتَحَبُّ الغُسْلُ، وليس بوَاجِبٍ، إلَّا أنْ يكونَ قد وُجِدَتْ منه جَنَابَةٌ زَمَنَ كُفْرِه، فعليه الغُسْلُ إذا أسْلَمَ، سَوَاءٌ كان قد اغْتَسَلَ في زَمَنِ كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ. ولمْ يُوجِبْ عليه أبو حنيفة الغُسْلَ بحالٍ؛ لأنَّ العَدَدَ الكَثِيرَ والجَمَّ الغَفِيرَ أسْلَمُوا، فلو أُمِرَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ بالغُسْلِ، لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَواتِرًا أو ظَاهِرًا، ولأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَن قال: “ادْعُهُمْ إلَى شَهَادَة أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه، فإنْ هُمْ أطَاعُوكَ لِذَلِك فأعْلِمْهُم أنَّ (1) عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيائِهم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم (2) “. ولو كان الغُسْلُ واجِبًا لأَمَرَهُم به؛ لأَنَّه أَوَّلُ وَاجِبَاتِ الإِسْلَامِ. ولنا ما رَوَى قَيْسُ بنُ عاصِمٍ، قال: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أُرِيدُ الإِسْلامَ، فأَمَرَنِى أنْ أَغْتَسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ (3).
رَوَاهُ أبو داود، والنَّسَائِىُّ (4) وأمْرُهُ يَقْتَضِى الوُجُوبَ، وما ذَكَرَهُ من قِلَّةِ النَّقْلِ، فلَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَوْجَبَ الغُسْلَ على مَنْ أَسْلَمَ بعدَ الجَنابةِ في شِرْكِه، فإنَّ الظَّاهِرَ أنَّ البالِغَ لا يَسْلَمُ منها، ثم إِنَّ الخبَرَ إذا صَحَّ كان حُجَّةً مِنْ غيرِ اعْتِبارِ شَرْطٍ آخَرَ، على أنَّه قد رُوِىَ، أنَّ سَعْدَ بنَ مُعَاذٍ، وأُسَيْدَ بن حُضَيْر، حِينَ أَرَادَا الإِسْلامَ، سَأَلَا مُصْعَبَ بنَ عُمَيْرٍ، وأَسْعَدَ بن زُرَارَة: كيف تَصْنَعُونَ إذا دَخَلْتُم في هذا الأَمْرِ؟ قَالَا: نَغْتَسِلُ، ونَشْهَدُ شَهَادَةَ الحَقِّ (5). وهذا يَدُلُّ على أنَّه كانَ مُسْتَفِيضًا، ولأَنَّ الكَافِرَ لا يَسْلَمُ غالِبًا مِن جَنَابَةٍ تَلْحَقُه، ونَجَاسَةٍ تُصِيبُه، وهو لا يَغْتَسِلُ، ولا يَرْتَفِعُ حَدَثُه إذا اغْتَسَلَ، فأُقِيمَت مَظِنَّةُ ذلك مُقَامَ حَقِيقَتِه، كما أُقِيمَ النَّوْمُ مُقَامَ الحَدَثِ، والْتِقَاءُ الخِتَانَيْنِ مُقَامَ الإِنْزَالِ.
فصل: فإن أَجْنَبَ الكافِرُ ثم أَسْلَمَ، لم يَلْزَمْهُ غُسْلُ الجَنَابَةِ، سَوَاءٌ اغْتَسَلَ في كُفْرِه أو لم يَغْتَسِلْ. وهذا قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ غُسْلَ الإِسْلَامِ، وقَوْلُ أبى حنيفة. وقال الشَّافِعِىُّ: عليه الغُسْلُ في الحاليْنِ. وهذا اخْتِيارُ أبى بَكْرٍ؛ لأنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لا يَمْنَعُ وُجُوبَ الغُسْلِ، كالصِّبَا والجُنُونِ، واغْتِسَالُه في كُفْرِه لا يَرْفَعُ حَدَثَه؛ لأنَّه أحَدُ الحَدَثَيْنِ، فلم يَرْتَفِعْ في حالِ كُفْرِه كالحَدَثِ الأَصْغَرِ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ. وأحَدُ الوَجْهَيْنِ لأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ أنَّه يَرْفَعُ حَدَثَه؛ لأنَّه أصَحُّ نِيَّةً مِن الصَّبِىِّ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ الطَّهارَةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فلم تَصِحَّ مِنْ كافِرٍ، كالصَّلَاةِ. ولنا – على أنَّه لا يَجِبُ – أنَّه لم يُنْقَلْ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه أَمَرَ أحَدًا بغُسْلِ الجَنَابَةِ مع كَثْرَةِ مَنْ أَسْلَمَ مِن الرِّجَالِ والنِّسَاءِ البَالِغِينَ المُتَزَوِّجِين، ولأنَّ المَظِنَّةَ أُقِيمَتْ مُقَامَ حَقِيقَةِ الحَدَثِ، فسَقَطَ حُكْمُ الحَدَثِ كالسَّفَرِ مع المَشَقَّةِ.
[المغني لابن قدامة 1/ 274]
قال الإتيوبي:
المسألة الرابعة: في فوائده:
دل الحديث على مشروعية غسل الكافر إذا أراد أن يسلم إزالة للأوساخ التي أصابته في حال كفره، وعلى استحباب الإغتسال بماء مخلوط بسدر، ليكون أبلغ في النظافة، وعلى أن اختلاط الماء بالأشياء الطاهرة لا يخرجه عن الطهورية.
المسألة الخامسة: في اختلاف العلماء، في وجوب الغسل على من أسلم، وعدمه: ذهب جماعة إلى وجوبه، وبه يقول مالك وأحمد، وأبو ثور، قاله النووي في المجموع: ج 2 ص 153: واختاره ابن المنذر، والخطابى.
واحتجوا بحديث قيس بن عاصم المذكور، وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل، يقال له: ثُمَامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد”، وذكر الحديث، وفي آخره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطلقوا ثمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله” رواه البخاري، وفي رواية للبيهقي وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عليه، فأسلم، فأطلقه، وبعث به إلى حائط أبي طلحة، وأمره أن يغتسل، فاغتسل، وصلى ركعتين”.
وبحديث أمره صلى الله عليه وسلم بالغسل واثلة، وقتادة الرهاوي، عند الطبراني، وعَقيل بن أبي طالب، عند الحاكم في تاريخ نيسابور، وفي أسانيد الثلاثة ضعف، كما قاله الحافظ.
وذهب جماعة إلى استحبابه، وبه يقول الشافعي والهادي إذا لم يجنب في حال الكفر، وإلا وجب عليه الغسل، سواء قد اغتسل أم لا؟ لعدم صحة الغسل، وفيه خلاف في مذهب الشافعي أصحهما وجوب
الإعادة. كما في المجموع.
واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر كل من أسلم بالغسل، ولو كان واجبا لما خَصَّ بالأمر به بعضا دون بعض، فيكون ذلك قرينة صارفة للأمر إلى الندب.
وأما وجوبه على من أجنب فللأدلة القاضية بوجوبه، لأنها لم تفرق بين كافر، ومسلم.
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى وجوبه على من أجنب، ولم يغتسل حال كفره، فإن اغتسل لا يجب، ولا يصح قياسه على الصلاة، والزكاة لأنهما لا يصحان بدون النية، بخلاف اغتساله، لأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى النية.
وذهب المنصور بالله إلى استحبابه مطلقا، وإن لم يغتسل من جنابة أصابته في كفره، لحديث “الإسلام يَجُبُّ ما قبله”.
قال الجامع عفا الله عنه: أرجح المذاهب عندي مذهب من قال بالإستحباب إذ لو كان واجبا لما خَصَّ به بعض من أسلم، ولو أمر به الكل لنقل إلينا نقلا مشتهرًا، ومعلوم انتشار الإسلام في الناس، ولكن لم يحفظ عن كل من أسلم أنه أمر بالاغتسال لا في عهد النبوة، ولا بعدها إلا عن طائفة قليلة. فدل على الاستحباب. والله أعلم.
“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب”.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 4/ 130]
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الثاني من الفتوى رقم (21653)
س2: إذا أراد شخص الدخول في الإسلام هل يطلب منه الغسل أولا أم يلقن الشهادة أولا ثم يغتسل؟
ج2: المشروع لمن أراد الدخول في الإسلام أن يلقن الشهادة ثم يغتسل كما هو ظاهر الأحاديث، كحديث «قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر». رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
_________
(1) سنن الترمذي الجمعة (605)، سنن النسائي الطهارة (188)، سنن أبي داود الطهارة (355)، مسند أحمد (5/ 61).
[فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية 11/ 37]
شرح سنن النسائي_كتاب الطهارة [(10)]
موجبات الغسل كثيرة، منها ما يشترك فيها الرجال والنساء مثل التقاء الختانين وإنزال المني وكذلك غسل الكافر إذا أسلم على القول بوجوبه، وجمهور العلماء على استحبابه.
شرح سنن النسائي – الراجحي (10) / (1)
وأما الكافر إذا أسلم، فإنه يجب عليه الغسل، سواء كان أصليًّا أو مرتدًّا، وسواء أَجْنَب أو لم يُجنِب، وسواء اغتسل قبل الإسلام من الجنابة أو عند إرادة الإسلام، أو لم يغتسل. هذا منصوص الإمام أحمد وقول عامَّة أصحابه. وذكره أبو بكر في «التنبيه». وقال في غير «التنبيه»: لا يجب الغسل عليه، بل يستحبُّ إلا أن يكون أصابته جنابة أو حيض في حال كفره، فيجب أن يغتسل غسل الجنابة والحيض إذا أسلم، سواء كان قد اغتسل في حال كفره أو لا …
ولنا ما روى قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي ? أن يغتسل بماء وسِدْر. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي هريرة ? أنّ ثُمامة بن أُثَال أسلم، فقال النبي ?: «اذهبوا إلى حائط بني فلان، فمُرُوه أن يغتسل» رواه أحمد، وقال: كان ذلك مشهورًا بينهم.
ولهذا لما أراد سعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير أن يُسلما سألا مصعب بن عمير وأسعد بن زرارة: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ قالا: نغتسل، ونشهد شهادة الحقِّ.
وإنما نقل الآحادُ، كما نقل غسلَ الحيض والنفاس الآحاد، وذلك كافٍ. ثم لعلَّ النقلَ تُرِك حين انتشر الإسلام وقلَّ دخول الخلق الكثير جملةً واحدةً.
والموجِبُ هو الكفر السابق بشرط الإسلام، كما أنَّ الموجِب هو خروج دم الحيض بشرط الانقطاع، لأن الكافر شرٌّ من الجنُب في كثير من الأحكام. وقد علَّل بعض أصحابنا بأنّ الكافر إذا أسلم لا يخلو غالبًا من جنابة سابقة، وغسلُه في حال كفره لا يصحّ، وكونُه غيرَ مخاطب بالغسل إذ ذاك لا يمنع ثبوتَ انعقاد سببه، كنواقض الوضوء في حقِّ الصبيِّ والمجنون والكافر.
شرح عمدة الفقه – ابن تيمية – ط عطاءات العلم (1) / (369)
وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2) / (490) — الملا على القاري (ت (1014)):
(377) – عن قَيْس بن عاصم رضي الله عنه: أنَّهُ أسلمَ، فأمَرَهُ النَّبيُّ ? أنْ يغتسِلَ بماءٍ وسِدْرٍ.
قوله: «فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر».
الكافر إذا أسلم وقد جامع أو احتلم في الكفر فهو جنب، والغسلُ عليه فريضة، وإن اغتسل في الكفر لم يصح غسله؛ لأن الغسل يحتاج إلى النية، والنية عبادة، والعبادة لا تصح من الكافر.
وعند أبي حنيفة: يكفيه اغتساله في حال الكفر، وفيه قول الشافعي.
فأما إذا أسلم الكافر ولم يكن جنبًا، بأن بلغ بالسنِّ، ولم يجامع ولم يحتلم، فالسنَّة أن يغتسل.
وهل يغتسل قبل قول كلمتي الشهادة أو بعدها؟ فيه خلافٌ، والأصح: تأخير الغسل على قول كلمتي الشهادة، يؤمر أولًا بقول كلمتي الشهادة، ثم يؤمر بالغسل.
والغرض من اغتساله: تطهيرٌ من النجاسة المحتملة على أعضائه، ومن الوسخ والرائحة الكريهة.
وعند مالك وأحمد: يجب عليه الغسل، وإن لم يكن جنبًا.
* * *
قلت سيف:
وحصل لي أني أخبرت برجل يريد أن يسلم احضروه مكتبتي فبدأت ابحث في المسألة هل آمره بالغسل ثم الشهادة فتخوفت أن يسقط ويموت في الحمام فأمرته بالنطق بالشهادة ثم أخبرته بالاغتسال.
تنبيه: حديث قيس بن عاصم هو في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1088): قال الإمام أبو داود في السنن: حدثنا محمد بن كثير العبدي، أخبرنا سفيان، حدثنا الأغر، عن خليفة بن حصين، عن جده قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر)).
: معلول؛ لم يسمع خليفة من جده وورد عن خليفة عن أبيه لكن رجح ابوحاتم في العلل 35 أن الرواية بدون ذكر أبيه أرجح فيبقى الإنقطاع.
والبخاري في التاريخ الكبير 2/ 44 قال بعد ذكر طرقه: ولم يقل خلاد عن سفيان عن أبيه.
وورد الغسل من حديث ثمامة حين أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله. …
وورد في مصنف عبدالرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغتسل وليس فيه ذكر السدر. ومره ذكر السدر. وهو شاذ. وورد من حديث واثلة وهو حديث ضعيف جدا. ومن حديث قتادة الرهاوي وهو حديث ضعيف. ومن حديث عقيل وهو حديث ضعيف.
وورد الاغتسال في إسلام أم أبي هريرة قالت حين استأذن عليها: مهلا يا أبا هريرة فإني أغتسل فأسلمت.
المهم أنه ينطق بالشهادة أولا ثم يغتسل تحسبا من موته.
وربما أم أبي هريرة نطقت الشهادة ثم أغتسلت ثم أعلنت بالشهادة أمام ابنها.
وقد أسلم الكثير ولم ينقل أمرهم بالاغتسال قبل نطقهم بالشهادتين. انتهى من التعليق على الصحيح المسند (سيف بن دورة)
وراجع تخريجنا لسنن أبي داود
راجع جامع الأجوبة الفقهية شرح بلوغ المرام:
بلوغ المرام
107 – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه -في قصة ثمامة بن أثال, عندما أسلم- وأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يغتسل – رواه عبد الرزاق. وأصله متفق عليه.
حديث أبي هريرة أصله في البخاري (4372) و (1764) وفيه: عن أبي هُرَيْرَةَ، قالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ? خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجاءَتْ بِرَجُلٍ مِن بَنِي حَنِيفَةَ يُقالُ لَهُ: ثُمامَةُ بْنُ أُثالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسارِيَةٍ مِن سَوارِي المَسْجِدِ، فَخَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ ? فَقالَ: «أطْلِقُوا ثُمامَةَ»، فانْطَلَقَ إلى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ -[(100)]- المَسْجِدِ، فاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَقالَ: أشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
ونقل النووي في المجموع (2) / (153) وابن الملقن في البدر المنير (4) / (668): وقالَ البَيْهَقِيّ فِي رِوايَة «الصَّحِيحَيْنِ» فِي حَدِيث ثُمامَة السالفة فِي «باب شُرُوط الصَّلاة» –
والمشار إلَيْها هُنا الَّتِي ظاهرها وُقُوع الإسْلام بعده -: يحْتَمل أن يكون أسلم عِنْد النَّبِي – ? – ثمَّ اغْتسل ودخل المَسْجِد فأظهر الشَّهادَة ثانِيًا جمعا بَين الرِّوايَتَيْنِ. وراجع سنن البيهقي (1) / (171)
انتهى من جامع الأجوبة الفقهية