602 – تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ويوسف بن محمد السوري ومحمد بن فارح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ
602 – حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ، عَنْ هَذَا الحَرْفِ {غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15] أَوْ «يَاسِنٍ»؟ قَالَ: كُلَّ القُرْآنِ قَرَأْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَهُ يَنْثُرُونَهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، إِنِّي لَأَعْرِفُ السُّوَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ، قَالَ: فَأَمَرْنَا عَلْقَمَةَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّلِ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»
[حكم الألباني]: صحيح
—–
*دراسة الحديث رواية:*
* ينظر في تخريج الحديث في البخاري (2) / (214) و (215) في صفة الصلاة، باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة ? (353) ? بالخواتيم، وفي فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، وباب الترتيل في القراءة، ومسلم رقم ((822)) في صلاة المسافرين، باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ، وأبو داود رقم ((1396)) في الصلاة، باب تحزيب القرآن، والنسائي (2) / (175) و (176) في الافتتاح، باب قراء سورتين في ركعة، والترمذي رقم ((602)) في الصلاة، باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة.
وينظر تحفة الأشراف ((7) / (38)) حديث ((9248)).
* رواية أبي يعلى برقم (5222) – حَدَّثَنَا الأعمش، عن شقيق، قال: جاء رجلٌ إلى عبد الله، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تقرأ هذه الآية: {مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: (15)]؟ قال: فقال له عبد الله: كلَّ القرآن قد أحصيت غير هذا؟! قال: إنى لأقرأ المفصل في ركعة، فقال له عبد الله: هذًا كهذ الشعر؟! إن من أحسن الصلاة الركوعَ والسجودَ، وليقرأن القرآن أقوامٌ لا يجاوز تراقيهم، ولكنه إذا قَرئ فرسخ في القلب نفع، إنى لأعرف النظائر التى كان رسول الله ? يقرأ في كل ركعة، ثم قام، فدخل عليه علقمة، ثم قال: سله لنا عن النظائر التى كان رسول الله ? يقرأ بها، قال: ثم خرج إلينا، فقال: عشرون سورةً من المفصل في تأليف عبد الله.
قال محقق أبي يعلى:
(5222) – صحيح: أخرجه مسلم [(822)]، وأحمد [(1) / (380)]، والبيهقى في «سننه» [(4464)]، وأبو نعيم في «المستخرج» على مسلم [رقم (1858)]، والخطيب في «الأسماء المبهمة» [ص (74)]، وغيرهم من طريق أبى معاوية الضرير عن الأعمش عن أبى وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود به.
قلتُ: قد توبع أبو معاوية عليه نحوه باختصار يسير: تابعه شعبة ووكيع وعيسى بن يونس وأبو حمزة السكرى ومحاضر بن المورع وشجاع بن الوليد وجماعة؛ ونذكر هنا بعض رواية هؤلاء، فنقول:
(1) – أما رواه شعبة: فهى نحو رواية أبى معاوية مع اختصار يسير في بعض كلماتها، وزاد عليه شعبة من قول ابن مسعو: (إن قومًا يقرؤنه ينثرونه نثر الدقل) ولفظه في آخره: (عشرون سورة من المفصل كان النبي ? يُقْرِن بين كل سورتين في كل ركعة).
أخرجه الطيالسى [(259)، (273)]، ومن طريقه الترمذى [(602)]- ولفظ الزيادة له – وأبو عوانة [رقم (1796)]، وغيرهم. وفيه اختصار كثير عند أبى عوانة.
(2) – ورواية وكيع نحوه أيضًا مع اختصار في بعض ألفاظه، ودون قوله في آخره: (فدخل عليه علقمة … إلخ) وزاد من قول ابن مسعود: (إن أفضل الصلاة: الركوع والسجود) أخرجه ابن أبى شيبة [(8727)]، ومن طريقه مسلم [(822)]، والبيهقى في «سننه» [(4465)]، إلا أنهما زادا في آخره: (كان رسول الله ? يقرن بينهن سورتين في كل ركعة، ثم قام عبد الله فدخل علقمة في أثره، ثم خرج فقال: قد أخبرنى بها) وسَمَّى وكيع ذلك الرجل الذي أتى ابن مسعود في أوله بـ (نهيك عن سنان).
(3) – ورواية عيسى بن يونس: بنحر رواية وكيع إلا أنه قال في آخره: (إنى لأعرف النظائر التى يقرأ بهن رسول الله ? اثنتين في كل ركعة عشرين سورة في عشر ركعات) أخرجه مسلم [(822)]، والبيهقى في «سننه» [(4469)] .. وهو عند أبى نعيم في «المستخرج» [برقم (1857)، (1858)]، دون الزيادة المذكورة، وهذه الزيادة وحدها عند النسائي [(1004)]، من طريق عيسى وزاد عليها: (ثم أخذ بيد علقمة فدخل ثم خرج إلينا علقمة فسألناه؛ فأخبرناهن).
(4) – ورواية أبى حمزة السكرى: مختصرة بنحو الفقرة الأخيرة فقط: = (إنى لأعرف النظائر .. إلخ) وزاد في آخره تفسير تلك السور بقوله: (آخرهن الحواميم حم، وعم يتسائلون) أخرجه البخارى [(4710)].
ورأيت محمد بن عبيد الطنافسى وأبا خالد الأحمر وزائدة بن قدامة قد رووه عن الأعمش أيضًا … والله المستعان.
قال الألباني في صحيح أبي داود:
وجملة القول: أن الحديث صحيح؛ دون سرد السور (*)؛ فإنه لم يرد فيما علمت إلا من طريق أبي إسحاق، وقد علمت ما فيه، مع مخالفة محمد بن سلمة إياه في بعضها تقديمًا وتأخيرًا. على أن ابن سلمة هذا ضعيف أيضًا، كما في «الفتح» ((2) / (215)).
* من أوسع التخريجات للحديث ما جاء في *فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود* (16) / (411) — ياسر فتحي (معاصر):
(1396) -. . . إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: أتى ابنَ مسعود رجلٌ، فقال: إني أقرأ المفصلَ في ركعةٍ، فقال: أهذًّا كهذِّ الشِّعر، ونثرًا كنثرِ الدَّقَل؟ لكن النبي ? كان يقرأ النظائر، السورتين في ركعة: {الرَّحْمَنُ> {وَالنَّجْمِ} في ركعة، و {اقْتَرَبَتِ} و {الْحَاقَّةُ ((1))} في ركعة، {وَالطُّورِ ((1))} {الذَّارِيَاتِ} في ركعة، و {إِذَا وَقَعَتِ} و {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ((1))} في ركعة، و {سَأَلَ سَائِلٌ> {وَالنَّازِعَاتِ} في ركعة، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ((1))} و {عَبَسَ} في ركعة، والمدثر والمزمل في ركعة، و {هَلْ
أَتَى} و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ((1))} في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ((1))} {وَالْمُرْسَلَاتِ} في ركعة، والدخان، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ((1))} في ركعة.
قال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود رضي الله عنه.
*حديث صحيح دون تسمية النظائر* …… وطول في بيان ذلك ومما ذكر
(10) – وروى إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، وأبو الأحوص، وحديج بن معاوية: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز، [زاد أبو الأحوص: هذًّا كهذ الشعر، ونثرًا كنثر الدقل].
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد جيد، وتقدم تخريجه بطرقه تحت الحديث رقم ((1390)).
قال ابن قتيبة في معنى الهذ: «يريد: لا تعجلوا في التلاوة، قال الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ((4))} [المزمل: (4)]» [غريب الحديث ((2) / (254))].
وقال الخطابي: «الهذ: متابعة القراءة في سرعة، كأنه كره ذلك وأنكره» [أعلام الحديث ((1) / (506))].
وقال أيضًا: «معناه: سرعة القراءة والمرور فيها من غير تأمل للمعنى، كما ينشد الشعر، إنما تعد أبياته وقوافيه، أصل الهذ: سرعة القطع» [أعلام الحديث ((3) / (1950))، معالم السنن ((1) / (283))].
قلت: وقد كان علقمة يعمل بما رواه عن ابن مسعود في الأقران بين السور في الركعة الواحدة:
فقد روى وكيع بن الجراح، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه كان
يقرأ في الفجر في الركعة الأولى ب حم الدخان، والطور، والحشر، ويقرأ في الثانية بآخر البقرة، وآخر آل عمران، وبالسورة القصيرة.
أخرجه ابن أبي شيبة ((1) / (324) / (3703)).
وهذا مقطوع على علقمة بإسناد صحيح.
وأما ما يتعلق بتأليف ابن مسعود لترتيب سور القرآن، كما يدل عليه كلام علقمة:
قال ابن كثير في التفسير ((1) / (49)): «وهذا التأليف الذي عن ابن مسعود غريب مخالف لتأليف عثمان رضي الله عنهما، فإن المفصل في مصحف عثمان رضي الله عنه: من سورة الحجرات إلى آخره، وسورة الدخان لا تدخل فيه بوجه».
وفي الباب أيضًا:
(1) – حديث ابن عمر:
روى هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، عن يعلى بن عطاء [العامري: ثقة، من الرابعة]، عن عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة، قال: قلت لابن عمر [أو قال غيري]: إني قرأت المفصل في ركعة، قال: أفعلتموها؟ إن الله لو شاء أنزله جملة واحدة، فاعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود.
أخرجه عبد الرزاق ((2) / (149) / (2855))، وسعيد بن منصور في سننه ((2) / (468) / (157)).
ورواه حجاج بن محمد [ثقة ثبت]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]:
عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الرحمن بن لبيبة، عن ابن عمر، أن رجلًا أتاه، فقال: قرأت القرآن في ليلة، أو قال: في ركعة، فقال ابن عمر: أفعلتموها؟ لو شاء الله لأنزله جملة واحدة، وإنما فصله لتعطى كل سورة حظها من الركوع والسجود.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ((218))، والطحاوي ((1) / (345))، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن ((910))، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير ((5) / (358)). [الإتحاف ((9) / (426) / (11606))].
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد لا بأس به، عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي، سمع ابن عمر، قال العجلي: «تابعي ثقة»، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين [التاريخ الكبير ((5) / (357))، ثقات العجلي ((1071))، الجرح والتعديل ((5) / (294))، مغاني الأخيار ((2) / (622))، عمدة القاري ((6) / (43))].
وقد صح عن ابن عمر خلاف ذلك:
فقد روى مالك، عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى وحده يقرأ في الأربع جميعًا، في كل ركعة بأم القرآن وسورة من القرآن.
وكان يقرأ أحيانًا بالسورتين والثلاث في الركعة الواحدة من صلاة الفريضة.
ويقرأ في الركعتين من المغرب كذلك بأم القرآن وسورة سورة.
أخرجه مالك في الموطأ ((1) / (129) / (210))، وعنه: الشافعي في الأم ((7) / (207))، وفي
المسند ((215))، وابن المنذر في الأوسط ((3) / (116) / (1338))، والبيهقي في السنن ((2) / (64))، وفي المعرفة ((1) / (534) / (745))، وفي الخلافيات ((2) / (409) / (1793)).
وهذا صحيح عن ابن عمر فعله.
عن عاصم الأحول، عن أبي العالية، قال: حدثني من سمع رسول الله ? يقول: «أعط كل سورة حظها من الركوع والسجود». لفظ عبدة، وفي رواية الثوري: «لكل سورة ركعة».
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ((1) / (324) / (3710))، وفي المسند ((949))، وأحمد ((5) / (59))، والطحاوي ((1) / (345))، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ((6) / (3130) / (7209)). [الإتحاف ((16) / (431) / (20946)) و ((16) / (750) / (21206))، المسند المصنف ((35) / (410) / (17195))].
ورواه مروان بن معاوية الفزاري [ثقة حافظ]، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، قال: كان ابن عمر يقرأ عشر سور في كل ركعة.
قال عاصم: فذكرت ذلك لأبي العالية، فقال: وأنا كنت أقرأ عشرين سورة في كل ركعة، ولكن حدثني من سمع رسول الله ? يقول: «لكل سورة حظها من الركوع والسجود».
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ((217))، ….
وقلت: وبمجموع هذه الطرق وتصرفها، وما وقع فيها من مراجعة لأبي العالية، يتبين
بجلاء صحة الحديث، وإبهام الصحابي هنا لا يضر؛ فقد سمع منه أبو العالية، كما قد أثبت له أبو العالية السماعَ من النبي ?.
وأبو العالية الرياحي رفيع بن مهران: تابعي كبير، من الطبقة الثانية، أدرك أبا بكر وعمر وعليًاأ، واختلف في سماعه من علي، وكانت وفاته سنة ((93)) أو بعدها، وقد أخرج الشيخان لأبي العالية عن ابن عباس، وقد سمع منه [التحفة ((4) / (284) – (287) / (5420) – (5424)) و ((7) / (220) / (15492))، [وانظر: بيان الوهم ((2) / (596) / (599)) و ((2) / (609) – (611))].
فهو حديث صحيح.
ويمكن الجمع بين حديث أبي العالية، عمن سمع رسول الله ? يقول: «أعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود»، وبين حديث أبي وائل، قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال عبد الله: هذًّا كهذِّ الشِّعر، لقد عرفت النظائر التي كان النبي ? يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة.
بأن يحمل الأول على غالب حال النبي ? حيث كان يفرد لكل سورة ركعة [راجع في ذلك القراءة في الصلوات المكتوبات من فضل الرحيم الودود ((9) / (14) – (112) / (804) – (817))]، ولا يخالف ذلك إقرانه بين السور أحيانًا، كما في حديث ابن مسعود، وحديث عائشة، وحديث حذيفة، وغيرها من الأحاديث الدالة على جواز الإقران بين السور في ركعة.
أو بحمل الأول على غير المفصل، حيث خصص حديث ابن مسعود وعائشة الإقران بالمفصل دون ما عداه، ويكون حديث حذيفة واقعة عين.
والاحتمال الأول أولى، والله أعلم.
(2) – حديث عائشة:
روى كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: قلت لعائشة: كان رسول الله ? يجمع بين السور في ركعة [وفي رواية: يقرن بين السورتين]؟ قالت: نعم، المفصل.
أخرجه مسلم ((717) / (76)). [تقدم برقم ((956) و (1292))، راجع فضل الرحيم الودود ((956) / (296) / (10))].
(3) – حديث حذيفة بن اليمان:
روى الأعمش، عن سعد بن عُبَيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زُفَر، عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي ? ليلةً فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فمضى، فقلت: يركع عند المائتين، فمضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها قراءة مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم»، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم رفع رأسه فقال: «سمع الله لمن حمده»، ثم قام طويبلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فجعل يقول: «سبحان ربي الأعلى»، وكان سجوده قريبًا من قيامه.
أخرجه مسلم ((772))، وسبق تخريجه في الذكر والدعاء ((1) / (164)) برقم ((83))، وتقدم في السنن برقم ((871)).
ومما روي أيضًا في خلاف أحاديث الإقران بين السور في ركعة:
ما رواه عبد الله بن صالح [أبو صالح المصري، كاتب الليث: صدوق، كان كثير الغلط، وكانت فيه غفلة]، قال: حدثني قباث بن رزين [لا بأس به]، عن شيخ من المعافر، ذكر منه صلاحًا وفضلًا، حدثه أن رجلًا يقال له: عباد، كان يلزم عبد الله بن عمرو، وكان امرأً صالحًا، فكان يقرأ القرآن فيقرن بين السور في الركعة الواحدة، فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو، فأتاه عباد يومًا، فقال له عبد الله بن عمرو: يا خائن أمانته؛ ثلاث مرات، فاشتد ذلك على عباد، فقال: غفر الله لك، أي أمانة بلغك أني خنتها؟ قال: أُخبرت أنك تجمع بين السورتين في الركعة الواحدة، فقال: إني لأفعل ذلك، فقال: «كيف بك يوم تأخدك كل سورة بركعتها وسجدتها؟»؛ أما إني لم أقل إلا ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ((219))، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ((432))، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن ((911)).
قلت: هو حديث منكر؛ ولعله أتي من قبل هذا المبهم، والله أعلم.
ومما يدخل في هذا الباب أيضًا في مقابلة تأليف عبد الله بن مسعود:
ما رواه هشام بن يوسف، وعبد الرزاق بن همام، وحجاج بن محمد:
عن ابن جريج، قال: أخبرني يوسف بن ماهك، قال: إني عند عائشة
أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك، وما يضرك؟ قال: يا أم المؤمنين! أريني مصحفك؟ قالت: لم؟ قال: لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنه يقرأ غير مؤلف، قالت: وما يضرك أيه قرأتَ قبل؟ إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا، لقد نزل بمكة على محمد ? وإني لجاريةٌ ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: (46)]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده، قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آي السور.
أخرجه البخاري ((4876) و (4993))، والنسائي في الكبرى ((7) / (245) / (7933)) و ((10) / (283) / (11494))، وعبد الرزاق ((3) / (5943) / (352))، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن ((661))، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن ((426))، والبيهقي في الشعب ((4) / (397) / (2108))، وفي الدلائل ((7) / (145)). [التحفة ((11) / (760) / (17691))، المسند المصنف ((39) / (161) / (18726))]
تنبيه: وقع في رواية الشعب للبيهقي زيادة: عطاء، بين ابن جريج، ويوسف بن ماهك، وهي غلط، لا أدري وقع من النساخ أم من شيخ الحاكم.
قال ابن عبد البر في الاستذكار ((1) / (430)): «وإذا جاز أن يقرأ المصلي مع فاتحة الكتاب بسورة فيها طول؛ جاز أن يقرأ بسور توازي تلك السورة.
وهذا كله مباح عند الجميع؛ إلا أنهم يستحبون ألا يقرأ مع فاتحة الكتاب إلا بسورة واحدة؛ لأنه أكثر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أجمع العلماء على أن لا حد في القراءة واجب بفاتحة الكتاب عند من أوجبها وكفى بهذا».
قال أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ((2) / (400)) في أثناء كلامه عن سورة براءة: «أن تأليف القرآن عن الله جل وعز، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مدخل لأحد فيه».
وقال البيهقي في الشعب: «وأحسن ما يحتج به في هذا الفصل أن يقال: هذا التأليف لكتاب الله عزوجل مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله أخذه من جبريل عليه الصلاة والسلام، فالأولى بالقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول المجمع عليه».
وانظر: شرح البخاري لابن بطال ((10) / (238))، إكمال المعلم ((3) / (137))، شرح النووي على مسلم ((6) / (61))، البرهان في تناسب السور ((182))، التوضيح ((7) / (105)) و ((24) / (43))، الفتح لابن حجر ((9) / (39)).
——
دراسة الحديث دراية:
قال القاضي عياض:
وقوله: ” إنى لا أعرف النظائر الذى (3) كان يَقْرِنُ بينهن رسول الله صلى الله عليه وسلم سورتين كل ركعة، ثم ذكر عشرين سورة من المفصّل فى عشر ركعات ” (4) دليل صحيح موافق لرواية عائشة وابن عباس: أن قيام النبى عليه السلام كان أحد عشر ركعة بالوتر، وعلى ما تقدم وأن هذا كان قدر قراءته غالباً وهو نحو قوله: ” قدر خمسين آية “، وأن تطويله عليه السلام الوارد إنما كان فى التلاوة والترتيل والتدبر، وما ورد من غير ذلك فى قراءته فى ركعة البقرة والنساء فى حديث ابن مسعود فنادر، وهذه السور العشرون أكثرها فى حديث آخر ذكره أبو داود: ” الرحمن والنجم فى ركعة واقتربت والحاقة فى ركعة، والطور والذاريات فى ركعة، وإذا وقعت ونون فى ركعة، وسأل سائل والنازعات فى ركعة، وويل للمطففين وعبس فى ركعة، والمدثر والمزمّل فى ركعة، وهل أتى ولا أقسم فى ركعة، وعم والمرسلات فى ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت ” (1).
وسُمَّى المفصّلُ مُفَصّلاً لقصر أعداد سُوره من الآى، ففصلت كل سورة على ذلك من صاحبتها.
وقوله فى الرواية الأخرى: ” ثمانية عشرَ من المفصل وسورتين من آل حم “: دليل على أن المفصل ما دونهما وقد قال أصحاب علم القرآن: إن المفصل ما دون المثانى، والمثانى ذوات المائة، وذوات المائة ما كان فيهما من السور ماءة آية ودونها قليلاً بعد ذوات المائة السبع الطوال وآخرها براءة مضافة إلى الأنفال لأنها لم يفصل بينهما فى المصحف.
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 197]
قال القرطبي:
ومن باب: قراءة سورتين في ركعة
قوله: فإذا هو جالسٌ يُسبح؛ أي: يسبح الله ويذكره، لا بمعنى: يتنفَّل؛ لأن ذلك في وقت يُمنع التنفل فيه.
وقوله: هذًّا كهذ الشعر: إنكار منه على من يسرع في قراءته، ولا يُرتل ولا يتدبَّر، ونصب هذًّا على المصدر؛ كأنه قال: أتهذّ هذًّا؟ وهذّ الشعر:
الاسترسال في إنشاده من غير تدبُّرٍ في معانيه، ومعنى هذا: أن الشعر هو الذي إن فعل الإنسان فيه ذلك سُوِّغ له، وأما في القرآن فلا ينبغي مثل ذلك فيه، بل يقرأ بترتيل وتدبر؛ ولذلك قال: إن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسَخ فيه نفع (1)، والتراقي: جمع ترقوة، وهي عظامُ أعالي الصدر، وهو كناية عن عدم الفهم؛ كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم به الخوارج؛ إذ قال: لا يجاوز حناجرهم (2).
والنظائر والقرائن هي: السّور المتقاربة في المقدار، وقد عدّدها ثماني عشرة في رواية، وفي أخرى عشرين، ولا بُعد في ذلك، فإنه يذكر في وقت الأقلّ من غير تعرُّضٍ للحصر، ويزيد في وقت آخر. أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قرن في وقت بين ثماني عشرة، وفي أخرى بين عشرين. وقد ذكر أبو داود هذا الحديث عن علقمة والأسود؛ قالا: أتى ابنَ مسعودٍ رجلٌ فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعرِ، ونثرًا كنثر الدَّقَل؟ لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر؛ السورتين في ركعة: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، وهل أتى ولا أقسم في ركعة، وعمّ يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كوّرت في ركعة. وقال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود (1).
قلت: وهذا مفسِّرٌ لرواية من روى: ثماني عشرة. وزاد في رواية ابن الأعرابي: والمدثر والمزمل في ركعة، فكملت عشرين.
وقوله في رواية أبي داود: ونثر كنثر الدَّقَل، الدَّقَل: رديء التمر. ووجه التشبيه: أنه يتناثر مُتتابعًا على غير ترتيب، فشبَّه المسرع في قراءته بذلك.
وقوله في الأم: لا يصعد له عمل (2)؛ أي: لا يكون له ثواب يصعد به؛ كما قال امرؤ القيس:
*عَلَى لاحِبٍ لَا يُهْتَدَى بِمَنَارِه*
أي: ليس له منارٌ فَيُهْتَدَى به.
وقوله: إن أفضل الصلاة الركوع والسجود: حجة لمن قال: إن كثرة السجود أفضل من تطويل القيام، وقد تقدّم ذكر الخلاف في هذه المسألة. واختُلف في مبدأ المفصل، فقيل: من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: من سورة ق، وسُمِّيَ بذلك؛ لكثرة الفصل بين سوره بسطر: بسم الله الرحمن الرحيم.
[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 453]
قال ابن رسلان:
وفي الحديث دليل على قراءة سورتين في كل (4) ركعة. وحديث دال [على ترداد] (5) سورة واحدة في الركعتين، وقال مالك: لا بأس به، وسئل مرةً عن تكرير {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (6) في النافلة، فكرهه (7). وقال: هذا مما أحدثوا.
وحديث الدارقطني من طريق مالك عن عبد الله بن أبي صعصعة، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال: وحدثني أخي قتادة بن النعمان أن رجلًا قام (8) من الليل بقراءة (9) {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يرددها لا يزيد عليها، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره كان (10) يتقالها فقال: “إنها لتعدل ثلث القرآن” (1). فهذا دليل (2) على إجازة تكرارها في [كل ركعة واحدة في] (3) النافلة.
وفي “المعرفة” للبيهقي (4) أن الشافعي احتج على جواز الجمع بين السور بما رواه بإسناده عن ابن عمر (5)، وبما رواه في موضع آخر عن عمر (6) أنه قرأ بالنجم فسجد فيها، ثم قام فقرأ بسورة أخرى (7). قال الربيع: قلت (8) للشافعي [أتستحب أنت هذا وتفعله؟] (9). قال: نعم (10). وهذا نص في استحباب ذلك.
(الرحمن والنجم [في ركعة]) (11) الواو لا تقتضي الترتيب، فيجوز أن يكون المراد: والنجم والرحمن وقد رتبها لقربها منها (و) سورة (12) (اقتربت والحاقة في ركعة) لمشابهتها لها (13) في إهلاك الأمم المتقدمة بظلمهم وشدة عتوهم.
(والطور والذاريات) قبل الطور فيحمل على التقديم التأخير وإلا فيدل على جواز القراءة بالسورة على غير ترتيب (1) القرآن (2) (في ركعة) وقد روي أن الأحنف [بن قيس] (3) قرأ بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف (4)، وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما (5) استشهد به البخاري (6) (وإذا وقعت) الواقعة، [وسورة (نون] (7) في ركعة (8) و {سَأَلَ سَائِلٌ} والنازعات في ركعة (9) و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في (10) ركعة) [لمشابهة ما] (11) بينهما في ابتداء النزول (و {هَلْ أَتَى}، و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}) لاتصالها بها (في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} والمرسلات في ركعة) لاتصالها بها (والدخان، و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} في ركعة) (12) [لاتصالها بها] (13) وفي “صحيح البخاري”: عشرون سورة من أول المفصل على (14) تأليف ابن مسعود آخرهن من الحواميم حم الدخان و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (15).
قال المحب الطبري في “أحكامه”: وقد ذكرت نظائر في عدد الآي أحد وعشرون نظيرًا عدد آياتها متساوٍ: الفاتحة والماعون، والأنفال والزمر، ويوسف والإسراء وإبراهيم ون (16) الثانية الحج الرحمن، القصص الروم الذاريات، السجدة والملك، الفجر، حم السجدة، سبأ، الفتح، الحديد الحجرات، التغابن المجادلة، البروج الجمعة، المنافقون، الضحى، العاديات، القارعة، الطلاق، التحريم، نوح [الجن، المزمل] (1) المدثر، القيامة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} الانفطار، سبح، العلق {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} التين {لَمْ يَكُنِ} الزلزلة {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} القدر (2)، الفيل (3)، تبت، الفلق، العصر، النصر، الكوثر، قريش.
(قال (4): هذا تأليف) عبد الله (ابن مسعود رضي الله عنه.) وقد اختلف تأليف الصحابة رضي الله عنهم في (5) ترتيب سور القرآن. فإن (6) قال قائل: قد اختلف السلف في ترتيب سور القرآن، فمنهم من كتب في مصحفه الحمد، ومنهم من جعل في أوله {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وهذا مصحف علي، وأما مصحف ابن مسعود فإن أوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} ثم البقرة ثم النساء، وفي مصحف [أبي كان] (7) أوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ثم النساء ثم آل عمران ثم الأنعام، ثم كذلك على اختلاف شديد.
قال القاضي أبو بكر بن الطيب: الجواب أنه يحتمل أن يكون ترتيب السور على ما هي عليه اليوم في المصحف كان على وجه الاجتهاد من الصحابة (8). وذكر ذلك مكي في تفسير سورة براءة (9).
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 6/ 700]
[باب ما ذكر في قراءة السورتين في ركعة]
هذا ظاهر نظرًا إلى قوله كان رسول الله ? يقرن بين كل سورتين في كل ركعة، [سأل رجل عبد الله بن مسعود عن هذا الحرف] غير آسن أو ياسن فقال: كل القرآن قرأت غير هذا، أشار بذلك إلى أن المرأ يجب عليه رعاية الترتيب فيما يتعلمه من العلوم، وإلى أن السائل إذا لم يكن الجواب عن سؤاله على قدر فهمه، أو ليس له إلى علمه كثير فاقة يجوز للمسئول عنه التمطل في الجواب بحمل سؤاله على غير مراده أو إشغاله بذكر شيء آخر، أو بيان أن ذلك ليس على قدرك أو غير ذلك من الأعذار، وكان ابن مسعود ظن السائل لم يقرأ القرآن وأن سؤاله هذا ليس لرغبة له في تحقيق كلامه سبحانه بل جاريًا على ما يعتاد العوام من إكثار السؤال فيما لا يعنيهم، والإلحاح في تحقيق ما لا يعنيهم، إلا أنه اتفق ههنا أن الرجل كان قد قرأ القرآن ثم أشار إلى أن مقتضى ترتيب العلوم في التحصيل أن يكون مطمح نظرك ومنتهي فكرك التدبر في آياته والتفكر في نصوصه وإشاراته، وأما تحقيق القراآت، فأمر زائد لا يحتاج إليه كثيرًا، وإن كان فبعد ((1)) ذلك، وقوله [إن قومًا ينثرونه نثر الدقل] هذا جواب عما قاله الرجل، ولكنه غير مذكور ههنا، وهو أنه قال: قرأت المفصل في ركعة، فرد عليه ابن مسعود وقال: إن ناسًا يقرأونه ولا يستلذون به ويهذونه هذا الشعر، فلعل قراءتك من هذا القبيل، والدقل الردي من التمر، وهذا تصوير لقراءتهم بحيث يتقرر في ذهن السامع تصويرًا لما لا يحس بنقصه بما يحسن نقصانه، ونقلًا لما يقل وقوعه بما يكثر، فكما أن الرجل إذا أكل الدقل -وهو ردي التمر- لا يمكنه في فمه كثيرًا، وكذلك القراء المذكورون لا يمكنون الألفاظ تمكينًا ولا يجودون الحروف تجويدًا بل يسرعون في نثر ألفاظ القرآن ولفظ حروفه إسراع أكل الدقل في لفظه عن فمه إذ ليس فيه شيء من الحلاوة يمصه ويستلذ به بخلاف أكل الجيد منه والرطب فإنه لا يكاد يلفظه وفيه بقية من الحلاوة، وعلى هذا أمر التلاوة، ومعنى قوله [فيه لا يجاوز
تراقيهم] إما إلى العلو فهو كناية عن عدم القبول أو إلى داخل القلب، فالمراد به خلو قراءتهم عن التأثير ثم اختلف في أن الإكثار من القرآن أفضل من غير أن يبالغ في الترتيل أم المبالغة في التجويد أفضل وإن قل من قدر المتلو، ولا شك أن القليل منه أفضل من الكثير الذي ليس فيه تصحيح الحروف وأداؤها عن مخارجها، وأما قوله [النظائر التي إلخ] فالمماثلة في مضامينها أو مقاديرها أو مقادير آياتها، ولا يجب تحقق كل من ذلك في كل منهما، بل الواجب في كل قرينتين شيء من هذه الأمور، والله أعلم بالصواب.
الكوكب الدري على جامع الترمذي (1) / (473)
قال الإتيوبي:
وسبب قول ابن مسعود رضي الله عنه هذا، ما بُيِّنَ في رواية عمرو ابن مرة، قال: “سمعت أبا وائل قال: جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: “قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كَهذِّ الشِّعْر، لقد عرفت النظائر”.
وعند مسلم في “صحيحه” من طريق وكيع، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: جاء رجل، يقال له: نَهِيك بن سنَان إلى عبد الله، فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تقرأ هذا الحرف، ألفًا تجده، أم ياءً، {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15]، أو “ياسن”؟ قال: فقال عبد الله: “وكلَّ القرآن قد أحصيت غير هذا؟ قال: إني لأقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله؟ هذًّا كهذِّ الشعر، إن أقوامًا يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب، فَرَسَخَ فيه نَفَعَ، وإن أفضل الصلاة الركوعُ والسجود، إني أعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، سورتين في ركعة” … .
(التي كان يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وفي الرواية التالية: “يقرن بينهن” بالنون بدل الهمزة، وهو من باب قتل، وضرب، أي يجمع بينهن في القراءة (عشرين سورة في عشر ركعات) بنصب “عشرين” على أنه مفعول لمحذوف دلَّ عليه ما قبله، أي يقرأ عشرين. و”سورة” منصوب على التمييز. والجار والمجرور متعلق بالفعل المقدر.
وفي رواية عمرو بن مرة الآتية: “فذكر عشرين سورة من المفصل؛ سورتين، سورتين في كل ركعة”. وفي رواية مسروق الآتية أيضًا: “كان يقرن النظائر، عشرين سورة من المفصل، من آل حم”.
(ثم أخذ) أي ابن مسعود رضي الله عنه (بيد علقمة، فدخل) منزله (ثم خرج إلينا علقمة، فسألناه) أي سألنا علقمة عن النظائر
التي أشار إليها ابن مسعود (فأخبرنا بهن) أي بتلك النظائر.
وفي رواية لابن خريمة: أن علقمة سأل ابن مسعود عنها، فأخبرهم بها، ولفظه. “فدخل علقمة، فسأله، ثم خرج إلينا، فقال: عشرون
سورة من أول “المفصل” في تأليف عبد الله”. وفي رواية مسلم المذكورة: “ثم قام عبد الله، فدخل علقمة في إثره، ثم خرج، فقال: قد أخبرني بها”.
تنبيه:
لم يقع عند المصنف، ولا عند الشيخين تفسير تلك النظائر العشرين، وقد وقع في رواية أبي داود من طريق أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: أتى ابن مسعود رجلٌ، فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: اهَذًّا كهذّا الشِّعْر، وَنثْرًا كَنثْرِ الدَّقَل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرن بين النظائر، السورتين في ركعة: “الرحمن”، و”النجم” في ركعة، و “اقتربت”، و “الحاقة” في ركعة، و “الطور”، و “الذاريات” في ركعة، و “إذا وقعت”، و “نون” في ركعة، و “سأل سائل”، و “النازعات” في ركعة، و “ويل للمطففين”، و “عبس” في ركعة، و “المدثر”، و “المزمل” في ركعة، و “هل أتى”، و “لا أقسم بيوم القيامة” في ركعة، و “عم يتساءلون”، و “المرسلات” في ركعة، و “الدخان”، و “إذا الشمس كورت” في ركعة. قال أبو داود رحمه الله: هذا تأليف ابن مسعود رضي الله عنه. انتهى.
وعند ابن خزيمة في صحيحه: قال الأعمش: وهي عشرون سورة على تأليف عبد الله، أولهن “الرحمن”، وآخرهن “الدخان”: “الرحمن” و “النجم”، و “الذاريات”، و “الطور”، هذه النظائر، و “اقتربت”، و “الحاقة”، و “الواقعة”، و “ن”، و “النازعات”، و “سأل سائل”، و “المدثر”، و “المزمل”، و “ويل للمطففين”، و “عبس”، و “لا أقسم”، و “هل أتى”، و “المرسلات”، و “عم يتساءلون”، و “إذا الشمس كورت”، و “الدخان”. انتهى.
وقال في “الفتح”: وقع في “فضائل القرآن” من رواية واصل، عن أبي وائل: “ثماني عشرة سورة من المفصل، وسورتين من آل حم”، وَبَيَّنَ في رواية أبي حمزة عن الأعمش أن قوله: “عشرين سورة” إنما سمعه أبو وائل من علقمة، عن عبد الله، ولفظه: فقام عبد الله، ودخل علقمة معه، ثم خرج علقمة، فسألناه؟ فقال: عشرون سورة من المفصل على تأليف ابن مسعود، آخرهن “حم الدخان”، و”عم يتساءلون”. ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر، عن الأعمش، مثله، وزاد فيه: فقال الأعمش: أولهن “الرحمن”، وآخرهن “الدخان”، ثم سردها، وكذلك سردها أبو إسحاق، عن علقمة والأسود، عن عبد الله فيما أخرجه أبو داود متصلًا بالحديث بعد قوله: كان يقرأ النظائر، السورتين في ركعة: “الرحمن”، و”النجم” في ركعة. . . إلى آخر ما تقدم، ثم قال: هذا لفظ أبي داود، والآخر مثله، إلا أنه لم يقل: “في ركعة” في شيء منها، وذكر السورة الرابعة قبل الثالثة، والعاشرة قبل التاسعة، ولم يخالفه في الاقتران، وقد سردها أيضًا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي وائل، أخرجه الطبراني، لكن قدم وأخر في بعض، وحذف بعضها، ومحمد ضعيف.
وعُرِفَ بهذا أن قوله في رواية واصل: “وسورتين من آل حم” مشكل؛ لأن الروايات لم تختلف أنه ليس في العشرين من “الحواميم” غير “الدخان”، فيحمل على التغليب، أو فيه حذف، كأنه قال: وسورتين إحداهما من “آل حم”، وكذا قوله في رواية حمزة: “آخرهن حم “الدخان”، و”عم يتساءلون”” مشكل؛ لأن “حم الدخان” آخرهن في جميع الروايات، وأما “عم” فهي في رواية أبي خالد السابعة عشرة، وفي رواية أبي إسحاق الثامنة عشرة، فكأن فيه تجوزًا، لأن “عم” وقعت في الركعتين الأخيرتين في الجملة.
ويتبين بهذا أن في قوله: في حديث الباب: “عشرون سورة من المفصل” تجوزًا، لأن “الدخان” ليست منه، ولذلك فصلها من المفصل في رواية واصل، نعم يصح ذلك على أحد الآراء في حد “المفصل”، كما تقدم. انتهى ما في “الفتح”.
وقال في موضع آخر: والجمع بينهما أن الثاني عشرة غير سورة “الدخان” والتي معها، وإطلاق “المفصل” على الجميع تغليب، وإلا فـ”الدخان” ليست من المفصل على المرجح، لكن يحتمل أن يكون تأليف ابن مسعود على خلاف تأليف غيره، فإن في آخر رواية الأعمش على تأليف ابن مسعود آخرهن “حم الدخان”، و”عم”. فعلى هذا لا تغليب. انتهى. والله تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما بوب له المصنف رحمه الله، وهو جواز قراءة سورتين غير الفاتحة في ركعة. وقد روى أبو داود، وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق، قال: “سألت عائشة، أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور؟ قالت: نعم من المفصل”.
ولا يخالف هذا ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين “البقرة” وغيرها من الطوال، لأنه يحمل على النادر.
وقال القاضي عياض رحمه الله: في حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا ما يدلّ على أن هذا القدر كان قدر قراءته غالبًا، وأما تطويله فإنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد من قراءة البقرة وغيرها في ركعة، فكان نادرًا. قال الحافظ رحمه الله: لكن ليس في حديث ابن مسعود ما يدل على المواظبة، بل فيه أنه كان يقرن بين هذه السور المعينات إذا قرأ من المفصل.
ومنها: أن فيه موافقة لقول عائشة، وابن عباس رضي الله عنهم أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل كانت عشر ركعات غير الوتر.
ومنها: كراهة الإفراط في سرعة التلاوة، والإنكار على من يَهُذُّ القرآن هَذًّا، لأن ذلك ينافي المطلوب من التدبر والتفكر في معاني
القرآن، قال في “الفتح”: ولا خلاف في جواز السرد بدون تدبر، لكن القراءة بالتدبر أعظم أجرًا. انتهى. وقال النووي رحمه الله: وفيه النهي عن الهَذّ، والحث على الترتيل والتدبر، وبه قال جمهور العلماء، قال القاضي: وأباحت طائفةٌ قليلةٌ الهَذَّ. انتهى.
ومنها: جواز تطويل الركعة الأخيرة على ما قبلها، لأن بعض هذه السور أطول من التي قبلها.
ومنها: أن فيه ما يقوي قول من قال: إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة رضي الله عنهم، لأن تأليف عبد الله المذكور مغاير لتأليف مصحف عثمان رضي الله عنه.
قال في “الفتح”: قال ابن بطال: لا نعلم أحدًا قال بوجوب ترتيب السور في القراءة، لا داخل الصلاة، ولا خارجها، بل يجوز أن يقرأ “الكهف” قبل “البقرة”، و”الحج” قبل “الكهف” مثلًا. وأما ما جاء عن السلف من النهي عن قراءة القرآن منكوسًا، فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر، مبالغة في حفظها، وتذليلًا للسانه في سردها، فمنع السلف ذلك في القرآن، فهو حرام فيه.
وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاته في الليل بسورة “النساء” قبل “آل عمران”: هو كذلك في مصحف أبَيّ بن كعب، وفيه حجة لمن يقول: إن ترتيب السور اجتهاد، وليس بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول جمهور العلماء، واختاره القاضي الباقلاني، قال: وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة، ولا في الصلاة، ولا في الدرس، ولا في التعليم، فلذلك اختلفت المصاحف، فلما كتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن، فلذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة. ثم ذكر نحو كلام ابن بطال، ثم قال: ولا خلاف أن ترتيب آيات كل سورة على ما هي عليه الآن في المصحف توقيف من الله تعالى، وعلى ذلك نقلته الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم. انتهى. المقصود من “الفتح”. وبالله تعالى التوفيق، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 12/ 597]
* جاء في *مسائل حرب الكرماني* (ت (280)) من أول كتاب الصلاة – ت الغامدي (1) / (89):
باب: الإقران بَين السُّورَتَين
• قيل لأحمد: الرجل يَقرن بَين السورَتَين في رَكعَة؟ قال: «أرجو ألَّا يكون به بأس».
• وقيل لأحمَد -مرةً أخرى-: الرجل يَقرأ سورَتَين في رَكعَة؟ قال: «نعم»، وذَكَر في الظُّهر وغَيرها. قيل: فيَقرأ بَعضَ سورَة؟ قال: «لا بأس».
(827) – حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: ثنا جويرية، عن نافع، أن عبد الله كان يَؤمُّ مَنْ مَعَه في الصَّلاة بالثلاث سوَر، والأربَع، والواحِدَة؛ كُلُّ ذلك كان يَفعَل، وأنه رُبَّما تَعايا بالقِراءة، فلَقَّنَه مَنْ خَلفَه.
(828) – حدثنا أبو الوَليد الطيالسي، قال: ثنا أبو عَوانَة، قال: أخبرني حصين، عن إبراهيم، عن نهيك بن سنان، أنه أتى عبدَالله بن مسعود ?، فقال: قَرأتُ المفَصَّل الليلَة في رَكعَة. فقال: «هَذٌّ كَهَذِّ الشِّعر، ونَثرٌ كَنَثر الدَّقَل، إنما فُصِّل لِتُفَصِّلوه، لَقَد عَلِمت النظائرَ التي كان رسول الله ? يَقرِن؛ عِشرون سورة: الرحمان والنجم -على تأليف ابن مسعود-؛ كُلّ سورَتَين في رَكعَة»، فذَكَر الدخان، و: {عم يتساءلون}؛ ? (402) ? في رَكعَة. قلت لإبراهيم: أرأيت ما دون ذلك، كيف كان يَصنَع؟ قال: «رُبَّما قَرأت
(829) – حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، أن عُمَر بن عبد العَزيز قَرأ: {والضحى}، و: {ألم نشرح}؛ في رَكعَة، وقَرأ: {ألم تر كيف}، و: {لإيلاف}؛ في رَكعَة.
* بوب الفريابي (ت (301)) في *فضائل القرآن* (1) / (205): بَابُ الْوَقْفِ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالْجَمْعِ فِي السُّوَرِ، وَكَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ ? وَتَرْتِيلُهُ، وَفِي كَمْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةُ فِي ذَلِكَ.
* بوب النسائي (ت (303)) في *سننه* باب قِرَاءَة سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ
* بوب ابن خزيمة (ت (311)) في *صحيحه* بَابُ إِبَاحَةِ قِرَاءَةِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ
* بوب أبو عوانة (ت (316)) في مستخرجه – ط المعرفة (1) / (483): بَيَانُ إِبَاحَةِ سُورَتَيْنِ وَثَلَاثَةٍ فِي رَكْعَةٍ، وَالتَّرْغِيبِ فِي قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
* بوب ابن حبان (ت (354)) في *صحيحه التقاسيم والأنواع* (6) / (325): ذِكْرُ إِبَاحَةِ جَمْعِ الْمَرْءِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ.
* بوب أبو نعيم الأصبهاني (ت (430)) في *المسند المستخرج على صحيح مسلم* (2) / (417): بَابُ الرُّخْصَةِ أَنْ يَقْرَأَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ
* قال ابن بطال (ت (449)) في *شرح صحيح البخاري* (3) / (130): في باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ، وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: (قَرَأَ النَّبِيُّ ? الْمُؤْمِنُينَ فِي الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ، فَرَكَعَ). وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي. وَقَرَأَ الأحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ الصُّبْحَ بِهِمَا. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ: كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بِ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ بسُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لا نَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا، وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، فإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ ? أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: (يَا فُلانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟) فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: (حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ). / (139) – فيه: أَبَو وَائِلٍ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، …
* قال ابن هبيرة (ت (560)) في *الإفصاح عن معاني الصحاح* (2) / (62):
* في هذا الحديث من الفقه أن الإنسان يتعين عليه أن يتقن الأصول قبل طلب الفروع، ألا ترى قول ابن مسعود: أوكل القرآن قد أحصيت غير هذا؟ إذ لا يعرف أحد يقرأ ياسين، ويدلك على أن ابن مسعود لم يرض فقه المسائل من أجل أنه لما سأله عن علمه في أصول القراءة لم يجبه عنه بل عدل إلى غيره، وقال: إني لأقرأ المفصل في ركعة، وليس هذا بجواب لابن مسعود، فإن جوابه كان أن يقول: إني عرفت ذلك كله أو لم أعرفه فعدل إلى كلام آخر فوجد ابن مسعود فيه أيضًا ما يقتضي نهيًا آخر فقال له: هذا كهذ الشعر ….
* قال ابن قدامة (ت (620)) في *المغني* ط مكتبة القاهرة (1) / (356): فصل: ولا بَاسَ بالجَمْعِ بين السُّوَرِ في صلاةِ النافِلةِ؛ فإنَّ النَّبِيَّ ? قرأ في رَكْعَةٍ سورةَ البَقَرَةِ وآلَ عِمْرَانَ والنِّسَاءِ ((18)). وقال ابن مسعودٍ: لقدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ التي كان رسولُ اللهِ ?. يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ. فذَكَرَ عِشْرِينَ سورةً مِن المُفَصَّلِ، سُورتَيْنِ في ركعةٍ. مُتَّفَقٌ عليه ((19)). وكان عثمانُ، رَضِىَ اللهُ عنَهُ، يخْتِمُ القرآنَ في رَكْعَةٍ. ورُوِىَ ذلك عن جماعَةٍ مِن التَّابِعِينَ. وأمَّا الفرِيضَةُ فَالمُسْتَحَبُ أنْ يَقْتَصِرَ على سورةٍ مع الفاتحَةِ، مِن غيرِ زِيَادَةٍ عليها؛ لأنَّ النَّبِيَّ ? هكذا كان يُصَلِّى أكثرَ صلاتِه، وأمَرَ مُعَاذًا أنْ يقرأَ في صلاتِهِ كذلك ((20)). وإنْ جَمَعَ بين سُورتَيْنِ في ركعةٍ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهما، يُكْرَهُ؛ لذلك. والثَّانِيَةُ، لا يُكْرهُ؛ لأنَّ حديثَ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ مُطْلَقٌ في الصلاةِ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ الفَرْضَ. وقد رَوَى الخَلَّالُ، بإسنادِهِ عن ابْنِ عمرَ، أنَّه كان يقرأُ في المَكْتُوبَة بالسُّورتَيْنِ في ركعةٍ. وإن قرأ في ركعةٍ سُورةً، ثم أعادَها في الثَّانِيَةِ، فلا بَاسَ؛ لما رَوَى أبو داوُد ((21))، بإسنادِهِ عن رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، أنَّه سَمِعَ النبيَّ ? يَقْرَأُ في صلاةِ الصُّبْحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهما.
وعن الشعبي قال: قال عبد الله (بن مسعود): “لا تهذوا القرآن كهذِّ الشِّعر، ولا تنثروه نثر الدقَل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب
ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه (10).
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ضعيف: “إن من أقرأ الناس منافقاً لا يترك واواً ولا ألفاً، يلفته بلسانه كما تلتفت البقرة الخلا بلسانها، لا يتجاوز ترقوته
المصدر السابق (13)
———
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد ? فنتعلم حلالها وحرامها، وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن، ثم لقد رأيت اليوم رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره، ولا زاجره! ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه، فينثره نثر الدقل!
رواه البيهقي في سننه ا لكبرى (3/ 120).
———
الفتوى رقم ((18676))
س: ما هي آداب تلاوة القرآن الكريم؟
ج: لتلاوة القرآن آداب منها:
(1) – أن يكون قارئ القرآن عمله خالصا لوجه الله لا رياء ولا سمعة، ولا يطلب به أجرة؛ لأن عبادته تقربا إلى الله.
(2) – من آداب تلاوة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
عند ابتدائه للقراءة، ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا كان ابتداء قراءته من أول السورة عدا سورة التوبة؟
(3) – يستحب لقارئ القرآن عند قراءته أن يكون على وضوء، فإن كانت قراءته من مصحف وجب عليه الوضوء؛ لقوله ?: «لا يمس القرآن إلا طاهر ((1))».
(4) – يستحسن أن يجلس عند قراءة القرآن على هيئة حسنة ولباس حسن مستقبل القبلة، وفي مكان محترم يليق بالقرآن.
(5) – يستحب أن يقرأ بخضوع وخشوع وتمهل وتدبر وتفكر في آياته، ومنصرف بقلبه وحواسه لما يقرأ من القرآن، ولا يقطع القراءة بكلام الآدميين من غير حاجة.
(2) – يستحب أن يرتل القرآن بصوت حسن مع تبيين الحروف والحركات والعناية بأحكام التجويد حسب قدرته.
(7) – إذا كان أحد يسمعه وهو يقرأ القرآن أو يصلي، فينبغي أن لا يزعجهم برفع الصوت أو يشوش على من يصلي.
(8) – لا يهذ القارئ القرآن هذا فلا يفهم عنه ما يقول، ولا يمططه ويمده مدا يخل بألفاظه فيخرجه عن المقصود من تلاوته، بل وسطا بين ذلك.
(9) – لا يقرأ القرآن بألحان الغناء كألحان أهل الفسق، ولا بترجيع النصارى ولا نوح الرهبانية، فإن ذلك كله لا يجوز.
((1)) موطأ مالك النداء للصلاة ((468))، سنن الدارمي الطلاق ((2266)).
(10) – ومن آداب القراءة أن يمسك عن القراءة إذا تثاءب حتى يذهب التثاؤب؛ تعظيما لله؛ لأنه مخاطب ومناج لربه، والتثاؤب من الشيطان.
(11) – ومن آداب القراءة أن يقف عند آية الرحمة فيسأل الله من فضله، وأن يقف عند آية العذاب والوعيد فيستجير بالله منه، وعند آية التسبيح فيسبح، وذلك في غير الصلاة المفروضة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز