6 سلسلة الوصايا العشركما جاءت في سورة الأنعام.
الوصية السادسة:
{عدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده}
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مراجعة: سيف بن دورة الكعبي.
جمع وتأليف: سيف بن غدير النعيمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوصية السادسة:
[عدم الاقتراب من مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده]
[اليتيم لغة:]
اليتيم في اللّغة:
اسم على وزن فعيل مأخوذ من قولهم: يتم الصّبيّ ييتم يتما ويتما،
قال الجوهريّ:
اليتيم في النّاس من قبل الأب، وفي البهائم من قبل الأمّ، يقال أيتمت المرأة فهي موتم أي صار أولادها أيتاما، وكلّ شيء مفرد يعزّ نظيره فهو يتيم، يقال: درّة يتيمة …
(6) الصحاح (5/ 2064).
[اصطلاحاً]
من مات أبوه وهو صغير، دون البلوغ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» 14/ 108 110:
«اليتيم في الآدميين من فقد أباه، لأن أباه هو الذي يهذبه ويرزقه وينصره بموجب الطبع المخلوق، ولهذا كان تابعًا في الدين لوالده، وكانت نفقته عليه، وحضانته عليه، والإنفاق هو الرزق، والحضانة هي النصر، لأنها الإيواء ودفع الأذى، فإذا عدم أبوه طمعت النفوس فيه، لأن الإنسان ظلوم جهول، والمظلوم عاجز ضعيف، فتقوى جهة الفساد من جهة قوة المقتضي ومن جهة ضعف المانع، ولهذا أعظم الله أمر اليتامى في كتابه في آيات كثيرة … »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال برهان الدين البقاعي رحمه الله:
ولما كان المال عديل الروح من حيث إنه لا قوام لها إلا به، ابتدأ الآية التي تليها بالأموال، ولما كان أعظمها خطراً وحرمة مال اليتيم لضعفه وقلة ناصره، ابتدأ به فنهي عن قربه فضلاً عن أكله أو شربه فقال: {ولا تقربوا مال اليتيم} أي بنوع من أنواع القربان عمل فيه أو غيره {إلا بالتي هي أحسن} من الخصال من السعي في تنميته وتثميره وليستمر ذلك {حتى يبلغ أشده} وهو سن يبلغ به أوان حصول عقله عادة وعقل يظهر به رشده؛ ثم ثنى بالمقادير على وجه يعم فقال: {وأوفوا} أي أتموا {الكيل والميزان} ….
[نظم الدرر في تناسب الآيات والسور] اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ومما يدل على رعاية اليتيم وحفظ ماله]
قول الحق تبارك وتعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} ” (النساء: 2).
قال ابن كثيررحمه الله:
يأمر تعالى بدفع أموال اليتامي إليهم كاملة موفرة وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالكم، ولهذا قال:”وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ”
وقوله:”وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ “.
قال مجاهد وسعيد بن جبير وابن سيرين ومقاتل والسدي وسفيان بن حسين: أبى إلا أن تخلطوها فتأكلوها جميعًا، وقوله:”إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا”، قال ابن عباس: أي إثمًا عظيمًا.
[تفسير ابن كثير]
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابن سعدي رحمه الله:
{وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} بأكل، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم، أو أخذ من غير سبب.
{إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي: إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم، وينتفعون بها.
فدل هذا على أنه لا يجوز قربانها، والتصرف بها على وجه يضر اليتامى، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة، {حَتَّى يَبْلُغَ} اليتيم {أَشُدَّه} أي: حتى يبلغ ويرشد، ويعرف التصرف، فإذا بلغ أشده، أُعطي حينئذ مالُه، وتصرف فيه على نظره.
وفي هذا دلالة على أن اليتيم قبل بلوغ الأشُدمحجور عليه، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ، وأن هذا الحجر ينتهي ببلوغ الأشُد.
[تفسير ابن سعدي.]
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} الْآيَةَ،
قَدْ يَتَوَهَّمُ غَيْرُ الْعَارِفِ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَعْنِي مَفْهُومَ الْغَايَةِ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّه}
ُ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ، فَلَا مَانِعَ مِنْ قُرْبَانِ مَالِهِ بِغَيْرِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا بِالْآيَةِ، بَلِ الْغَايَةُ بِبُلُوغِ الْأَشَدِّ يُرَادُ بِهَا:
أَنَّهُ إِنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ، إِنْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} الْآيَةَ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشُدِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْبُلُوغُ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} الْآيَةَ.
وَالْبُلُوغُ يَكُونُ بِعَلَامَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَالْإِنْبَاتِ، وَاحْتِلَامِ الْغُلَامِ، وَحَيْضِ الْجَارِيَةِ، وَحَمْلِهَا،
قلت سيف النعيمي:
وهذا ما ذهبت إليه ” اللجنة الدائمة – (14/ 224): حينما سُئلت في أي سنة يعتبر اليتيم يتيما؟
ثم ذكرت اللجنة علامات البلوغ التي ذكرها الشيخ، وإن لم تظهر عليه شيء من أمارات البلوغ، اعتبرت اللجنة سن الخامسة عشرة ..
وأفتى الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه اللهبهذا كما في شرحه لسنن أبي داود. اهـ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ سِنَّ الْبُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً،
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ:
إِذَا بَلَغَتْ قَامَتُهُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَقَدْ بَلَغَ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيٍّ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَرَزْدَقُ فِي قَوْلِهِ يَرْثِي يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ: [الْكَامِلُ]
مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهُ إِزَارَهُ …
فَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الْأَشْبَارِ
يُدْنِي خَوَافِقَ مِنْ خَوَافِقَ تَلْتَقِي …
فِي ظِلِّ مُعْتَبَطِ الْغُبَارِ مُثَارِ
وَالْأَشُدُّ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
هُوَ وَاحِدٌ لَا جَمْعَ لَهُ كَالْآنُكِ، وَهُوَ الرَّصَاصُ، وَقِيلَ: وَاحِدُهُ شَدٌّ، كَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ جَمْعُ شِدَّةٍ، وَمَعْنَاهُ حَسَنٌ ; لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ …
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَشُدُّ ثَلَاثُونَ سَنَةً،
وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً،
وَقِيلَ: سِتُّونَ سَنَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بَعِيدَةٌ عَنِ الْمُرَادِ بِالْآيَةِ كَمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ جَازَتْ لُغَةً،
كَمَا قَالَ سُحَيْمُ بْنُ وَثِيلٍ: [الْوَافِرُ]
أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمِعٌ أَشُدِّي …
وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّئُونِ
(أضواء البيان: 2/ 279).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ ابن عثيمين: رحمه الله:
الوصية السادسة: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)
اليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه سواء أكان ذكراً أو أنثى.
ومن ماتت أمه قبل أن يبلغ فليس بيتيم.
هذا اليتيم له مال ورثه من أبيه ولابد أن يكون لليتيم ولي يقوم عليه: إما بوصية من أبيه، وإما بتوليه من الحاكم، وإما بتولية من الشارع على قول كثيرمن أهل العلم المهم ولي.
يقول الله تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، قربان مال اليتيم له ثلاث درجات:
الأول: أسوأ.
الثاني: أحسن.
الثالث: لا أحسن ولا أسوأ.
فالتصرف بما هو أسوأ في مال اليتيم حرام يعني: لو أنك أردت أن تشتري شيئاً بمال اليتيم وتعرف أن هذا الشيء سيخسر قطعاً، فذلك حرام لأن هذا لا شك ضرر على اليتيم.
وأما إذا تصرفت تصرفاً لا تدري هل هو أحسن أو ليس بأحسن هذا أيضاً حرام لأن الله يقول: (وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
أردت أن تتصرف فيه تصرفاً حسناً لكن أمامك شيئان، تصرف فيه خير وتصرف فيه خير أكثر، أيهما الواجب؟
الواجب الذي فيه الخير الأكثر لأن الله قال: (إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ولنضرب لهذا مثلاً: جاءك رجل يقول: أقرضني مال اليتيم. وهذا الرجل معروف بالمماطلة وأنه لا يكاد يخرج الحق منه، هل يجوز أن تقرضه؟ لا يجوز لأن في ذلك مغامرة ومخاطرة في مال اليتيم.
جاءك رجل آخر يقول: أقرضني مال اليتيم وهو رجل وفي، لكن إقراضه ليس فيه مصلحة لليتيم هل تقرضه؟
لا، لأنه ليس فيه مصلحة.
جاءك رجل ثالث يقول: أقرضني مال اليتيم وأنت تخشى على هذا المال لو بقي عندك أن يسرق، فهل في إقراضه مصلحة؟
هذا الرجل الثالث وفي، ولو طلب منه المال في أي ساعة من ليل أو نهار أعطاه، وأنا أخشى إن بقي المال عندي أخشى عليه من عدوان أو سرقة أو غير ذلك فهنا إذا أقرضته، جائز لأن هذا هو الأحسن.
إذاً يجب على ولي اليتيم المتولي لماله أن لا يتصرف إلا بالتي هي أحسن، ومن هنا نأخذ قاعدة، وهي: أن كل ولي على كل شيء يجب عليه أن لا يتصرف إلا بما هو أحسن. الإنسان لو تصرف بشيء لنفسه فهو حر، لكن إذا تصرف بشيء لغيره وجب أن يتبع الأحسن، ومن ذلك ما لو تقدم إلى ابنتك رجلان يخطبانها، أحدهما صاحب دين وخلق، والثاني دونه في الدين والخلق، فما الواجب عليك، أتزوج الأول أو الثاني؟
الواجب أن تزوج الأول لأن ذلك أحسن فإن صاحب الخلق والدين إن رضي البنت أمسكها بإحسان وإن فارقها فارقها بمعروف، ومن هنا نأخذ أيضاً أنه لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته برجل تريده، والأب لا يريده إذا كان صاحب خلق ودين لأن هذا خلاف الإحسان بالنسبة للتصرف في حق البنت، وكذلك أيضاً إذا أعطاك شخص زكاته لتفرقها على مستحقيها، ووجدت فقيراً ووجدت شخصاً آخر أشد منه فقراً فما الواجب عليك؟
الواجب أن تعطي الذي هو أشد فقراً لأن هذا أنفع لصاحب الزكاة وللمُعطى أيضاً. فكل من تصرف لغيره فالواجب عليه أن يتبع ما هو أحسن.
قوله: (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ):
المراد بالأشد: الرشد لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً قال الله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) [سورة النساء، الآية: 6].
فإذا بلغ اليتيم وكان يحسن التصرف في المال وجب علينا أن ندفع إليه المال، ولهذا قال: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) لأنه الآن ليس لأحد حق في الولاية عليه.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الشيخ ربيع المدخل يحفظه الله:
{وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
انظر كيف يعتني الإسلام باليتيم؛ لا تقربوا مال اليتيم في حال من الأحوال، إلا بالخصلة التي هي أحسن، وهي رعاية ماله وحفظه وتنميته، وبعضهم يفسر {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بالتجارة فيه، لينمو، ويحرِّم عليك أن تأكل من مال اليتيم شيئا، والوصي عليه إن كان غنياً فليستعفف، وإن كان فقيراً فليأكل بالمعروف: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (النساء:10) وأوصى الله باليتيم في آيات كثيرة؛ انظروا هذه الرحمة في الإسلام والعناية بالكبير والصغير، والعناية بكل مخلوقات الله عز وجل ولا سيما اليتيم: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (الضحى: 9 10)
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} (الماعون: 1 2)
أي لا يحترمه، يهينه ويدفعه بعنف، فيدخل في الويل وهذا الوعيد الشديد والعياذ باللهفلابد من الرحمة والرأفة باليتيم والعناية به، والذي يعول يتيما يُبعث مع رسول الله، يقيم معه في الجنة: {أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا} عليه الصلاة والسلام، كافل اليتيم؛ تكفل يتيما لك أو لغيرك تنال منزلة عظيمة وجزاء عظيماً عند الله عز وجلّ، والوعيد الشديد على من لا يحترمه ويأكل ماله أو يهينه، ويل له إن أهانه والنار له إن أكل ماله.
[شرح الوصايا العشر من سورة الأنعام]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[وهل يدخل في كفالة اليتيم مَن يربِّي اليتيم ويُنفق عليه من مال اليتيم؟]
قال النَّووي رحِمه الله في “شرح مسلم” (18/ 151):
“كافِل اليتيم القائم بأمورِه، من نفقة وكسْوة، وتاديب وتربية، وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصُل لِمن كفله من مالِ نفسه أو من مال اليتيم بولاية شرعيَّة”. اهـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[الضوابط الشرعية للتعامل مع أموال الأيتام]
أولاً: الإنفاق على الأيتام من أموالهم بالمعروف ولا بد من “الالتزام بالأولويات الإسلامية التي تخص اليتامى، أي الإنفاق على الضروريات أولاً ثم يلي ذلك الإنفاق على الحاجيات, ولا يجوز الإنفاق على الكماليات إلاّ بعد تلبية والوفاء بالضروريات والحاجيات”
ثانيًا: ويجب أن يكون “الإنفاق في مجال الحلال الطيب الذي يعود على اليتامى بالمنافع المعتبرة شرعًا حسب الظروف والأحوال.
وتجنب الإسراف والتبذير في أموال اليتامى لأن ذلك محرم شرعًا ولا يعود عليهم بالنفع والخير”
ثالثًا: إذا كانت أموال الأيتام زائدة عن نفقتهم فللوصي استثمار أموال اليتامى وتنميتها، حتى لا تفنى …
ثالثًا: الأصل في مال الأيتام هو الحرمة في حق الوصي إلا إذا كان محتاجًا فإنه يأكل بالمعروف، والأولى في حقه أن يتعفف عن مال اليتم، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
رابعًا: للوصي أن يبيع ويشتري للأيتام ما دام البيع والشراء ضمن ما تعارف عليه الناس في البيع والشراء.
خامسًا: لا يجوز للوصي باتفاق الفقهاء أن يهب شيئًا من مال اليتيم، ولا أن يتصدق منه، ولا أن يوصي بشيءٍ منه؛ لأنها من التصرفات الضارة ضررًا محضًا، فلا يملكها الوصي، ولا الولي ولو كان أبًا.
ولا يجوز للوصي أن يقرض مال اليتيم لغيره، ولا أن يقترضه لنفسه؛ لما في إقراضه من تعطيل المال عن الاستثمار، والوصي مأمور بتنميته بقدر الإمكان. (الموسوعة الفقهية الكويتية 7/ 213)
سادسًا: يجب إيداع أموال الأيتام في المصارف الإسلامية إذا وجدت، ولا يجوز إيداعها في البنوك الربوية إلا لحفظها عند عدم وجود المصارف الإسلامية.
سابعاً: أداء زكاة مال اليتيم كما هو القول الراجح من أقوال الفقهاء، لأن الزكاة حق من حقوق المال، فتجب في كل مال تحققت فيه شروط الوجوب، بغض النظر عن مالك المال، فلا ينظر فيها إلى المالك فتجب الزكاة في مال البالغ وغير البالغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[من الفوائد]
(1) رحمة الله تعالى باليتامى ورأفته بهم، حيث أوصى بالعناية بهم وبأموالهم.
(2) تحريم الاعتداء على مال اليتيم، وجاء التعبير بالنهي عن القرب مبالغة في الزجر ليشمل كل سبب يجر إلى اعتداء عليه، أو إتلاف له.
(3) يستظهر من الوصية أن النهي عام يشمل الأولياء والأوصياء وكافة الناس، وإلا لما تحققت الحماية التي هي مقصود الشارع.
(4) إباحة التصرف في مال اليتيم بما يصلحه وينميه، مع الأخذ بالأحوط وعدم المجازفة.
(5) وجوب دفع مال اليتيم كاملاً غير منقوص عند بلوغه الحلم وإيناس الرشد منه، وتمكنه من حفظه والتصرف فيه تصرفاً معقولا.
(6) أن اليتيم يملك وملكه تام ثابت، لأن الله أضاف المال إلى اليتيم كما في قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيم}