6 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد
3 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْعَنْقَزِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي، فَقَالَ: لَا، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ مَعَهُ؟
قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا، فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا، حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي: هَلْ أَرَى ظِلًّا نَاوِي إِلَيْهِ؟ فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً، وَقُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ: هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُ عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ. فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ: هَلْ أَنَى الرَّحِيلُ.
قَالَ: فَارْتَحَلْنَا، وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. فَقَالَ: ” لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ” حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَدْرُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا. وَبَكَيْتُ، قَالَ: ” لِمَ تَبْكِي؟ ” قَالَ: قُلْتُ: أَمَا وَاللهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَيْكَ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ “. فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ، وَوَثَبَ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنْجِّيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللهِ لَأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا “. قَالَ: وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُطْلِقَ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ.
وَمَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى الْأَجَاجِيرِ، فَاشْتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرِيقِ يَقُولُونَ: اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَ مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِأُكْرِمَهُمْ بِذَلِكَ ” فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ.
قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: أَوَّلُ مَنْ كَانَ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، فَقُلْنَا مَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: هُوَ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ.
قَالَ الْبَرَاءُ: وَلَمْ يَقْدَمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَرَاتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ، قَالَ إِسْرَائِيلُ: وَكَانَ الْبَرَاءُ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ (1).
__________
(1) إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن محمد العنقزي، فمن رجال مسلم.
إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي، وسماعه من جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله في غاية الإتقان للزومه إياه، وكان خصِّيصاً به. قاله الحافظ ابن حجر في ” الفتح ” 1/ 351.
وأخرجه البزار (50) عن حوثرة بن محمد المنقري، عن عمرو بن محمد العنقزي، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 327 330، والبخاري (3615) و (3652) ومسلم 4/ 2310، والمروزي (62) و (65)، والبزار (51)، وأبو يعلى (116)، وابن حبان (6281) و (6870)، والبيهقي في ” دلائل النبوة ” 2/ 483 484 من طرق عن إسرائيل، به.
وأخرجه البخاري (3615)، ومسلم 4/ 2309، والبيهقي 2/ 485
وهو يدخل في الذيل على الصحيح المسند
قال أبوصالح الأردني:
3 حديث أبي بكر بشأن الهجرة وهو في الصحيحين إلا هذه الفقرة في ظني” قال أبو بكر وبكيت، قاأي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبكي؟ قال قلت أما والله ما على نفسي أبكي، ولكن أبكي عليك”، وفيه أيضا” فلما أصبح غدا حيث أمر” قال إسرائيل وكان البراء من الأنصار من بني حارثة”
قلت وأورد الحاكم الحديث في المستدرك وقال رواه البخاري ومسلم بغير هذه السياقة
الجواب سيف: (على شرط الذيل على الصحيح المسند)
_______
الشرح:
قوله (سَرْجًا) بفتح فسكون: واحد السُّرُوج (حِينَ خَرَجَ) أي: من الغار بعد ثلاث ليال (فأدْلَجْنا) بتخفيف الدال، بمعنى: سار من أول الليل، وبتشديدها، بمعنى: سار من آخره، وقيل: أدْلَج الوجهين في سير الليل مطلقًا أولِه وآخِرِه، والمشهور ها هنا: السكونُ (فَأَحْثَثْنَا) بحاء مهملة فمثلثتين فنون أي: أسرعنا، من الحث (يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا) وفي صحيح البخاري بتقديم ليلتنا وهو أظهر، نعم الواو لا تفيد الترتيب، فتصح على رواية أيضا (حَتَّى أَظْهَرْنَا) دخلنا في الظهيرة، أو الظهر أي: قاربنا دخوله فلا ينافي قوله (وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) فإنه يدل على أنه كان وقت الاستواء حيث لا يظهر ظل ومعناه أي: وقف الظل الذي يقف عادة عند الظهيرة حسب ما يرى ويظهر، فإن الظل عند الظهيرة لا يظهر له سويعة حركة حتى يظهر مرأى العين أنه واقف وهو ساير حقيقة، وقيل هو حال الشمس، فلا يخفى أن التذكير يأباه. (فَضَرَبْتُ بِبَصَرِي) أي: نظرت نأوى نرجع (فَأَهْوَيْتُ) أي: ملت (إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا) بقاف وتشديد يآء والخبر مقدر أي: موجودة (فَرْوَةً) أي: جلدا من الطلب بفتحتين قبل جمع طالب كخدم جمع خادم أو مصدر أقيم مقامه أو على حذف المضاف أي: أهل الطلب قلت: قوله (هَذَا الطَّلَبُ) قد لحقنا فيما بعد يدل على أنه ليس بجمع. (مِنْ لَبَنٍ) بفتحتين هو المشهور، وروي بضم وإسكان بآء أي: شياه ذوات ألبان.
(حَالِبٌ لِي) أي: أوذن لك أن تحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة ؟ فلا يرد كيف أنه شربوا اللبن من الغلام وهو غير مالك له، وقيل في الجواب عنه أنه كان لصديق لهم علموا رضاه وهذا جائز، أو أنه كان مال حربي لا أمان له ولعلهم كانوا مضطرين (فَاعْتَقَلَ شَاةً) أي: احتبسها للحلب (كُثْبَةً) بضم كاف وسكون مثلثة فموحدة، قيل هي قدر الحلبة وقيل هي القليل منه (فَصَبَبْتُ يَعْنِي الْمَاءَ ) أي الماء من الإداوة (عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ) المشهور فتح البآء، وقيل تضم (فَوَافَيْتُهُ) أي: وجدته، (حَتَّى رَضِيتُ) أي: طابت نفسي بكثرة شربه، ثم قال (هَلْ أَنَى الرَّحِيلُ) أي: هل جاء وقته؟ و (أَنَى)؟ كذا؟ ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ .. ) (الحديد:16) وفي بعض النسخ؟ (ثم قلت) والصواب (قال) كما فى ترتيب المسند وصحيح مسلم (يَطْلُبُونَا) من حذف نون الرفع تخفيف أو هو كثير بلا سبب فكيف عند اجتماع النونين ويحتمل تشديد النون بالإدغام مثل قوله تعالى (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِّي … )
(الزمر:64) (إِلَّا سُرَاقَةُ) بضم السين، (جُعْشُمٍ) بضم الجيم، وشين معجمة، بينهما مهملة ساكنة، (فَسَاخَتْ) بالخاء المعجمة أي: غاصت في (أَرْضٍ صَلْدٍ) بفتح فسكون، يقال صخر صلد أي صلب أملس (وَوَثَبَ) أي: تول بسرعة (لَأُعَمِّيَنَّ) صيغة المتكلم من أعمي بنون ثقلية أي: أخفين طريقك، (كِنَانَتِي) وعاء يتخذ للسهام فخذ منها سهما ليكون علامة لك عند الرعاة، (حَاجَتَكَ) أي: قدر حاجتك، (فَأُطْلِقَ) علي بناء المفعول (وَعَلَى الْأَجَاجِيرِ) أي: وطلعوا على السطوح وهو جمع أجار بكسر وتشديد يعنى: السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط والأنجار بالنون لغة فيه والجمع الأجاجير والأناجير (فَاشْتَدَّ) أي: كثر (الْخَدَمُ) بفتحتين أي: العبيد يقولون (يَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ) فرحة بقدومه (وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ) أي: الأنصار، الظاهر أن هذا التنازع عند نزوله من القبا (أَيُّهُمْ) أي: ليعلموا (أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ) (عَلَى بَنِي النَّجَّارِ)، كان غالبهم كانوا في محل واحد (فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ) لعل هذا إشارة إلى ما جاء أن ناسا قالوا: يا رسول الله إلينا وناسا قالوا: المنزل يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب وفى رواية عند موضع المنبر، فأتاه أبو أيوب فقال أن منزلي أقرب المنازل فائذن لي أن أنقل رحلك؟ قال: نعم فنقل وأناخ الناقة في منزله، وجاء: أن أبا أيوب لما نقل رحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع رحله وجاء أن مدة إقامته عند أبي أيوب كانت سبعة أشهر ذكره فى فتح الباري، (مَا فَعَلَ) على بناء الفاعل أي: ماذا هو فيه على أثري بفتحتين أو بكسر فسكون، أي عقبى، ولم يقدم، كيعلم.
انتهى من حاشية السندي
للحديث وقفات:
أولا: يجب توقير أهل العلم و احترامهم و الذب عنهم، و الخوف عليهم ممن يؤذيهم سواء كان بالقول أو بالفعل
قال قتادة: فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه، ويغضب له.
و قد جاء الترهيب الشديد فيمن يؤذي المؤمنين، عن يزيد بن شجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
” إن لجهنمَ لجُباباً في كل جُبٍّ ساحلاً كساحلِ البحرِ فيه هوامٌّ وحيَّاتٌ كالبخاتي وعقاربُ كالبغالِ الدُّلْمِ فإذا سألَ أهلُ النارِ التخفيفَ قيل: اخرجوا إلى الساحلِ فتأخذهم تلك الهوامُّ بشفاههم وجنوبهم وما شاء الله من ذلك فتكشطُها، فيرجعون
فيبادرون إلى معظم النيرانِ ويُسَلَّطُ عليهم الجَرَبُ حتى إن أحدهم لَيَحُكُّ جلده حتى يبدو العظم! فيقالُ: يا فلان! هل يؤذيك هذا؟ فيقول: نعم. فيقال له: ذلك بما كنت تؤذي المؤمنين [حسنه العلامة الألباني “صحيح الترغيب والترهيب” 3677.]
قلت سيف: أصح إسناد له ما أخرجه الحاكم وهو من قول يزيد بن شجرة، قال أبوحاتم مرة: في بعض الأحاديث له صحبة، ومرة ذكر هو وأبو زرعة أنه لا صحبة له وخطؤوا يزيد بن أبي زياد، وتوقف ابن حبان، بينما ذكر ابن معين أن له صحبة أما الإمام أحمد فساقه في ذكره للتابعين في العلل ومعرفة الرجال
وقال ابن عساكر: يقال: له صحبة
ورجح الدارقطني الموقوف 14/ 3
ثانيا: اهل الحق لابد أن يتعرضوا للأذى فلهذا ينبغي الصبر، لأن أهل الباطل لا يهدأ لهم بال من تعرضهم لأهل الحق والنيل منهم، ففي كل زمان نجد أهل الباطل هم أعداء لأهل الحق، فكلما قويت شوكتهم زاد العداء لأهل الحق و آذوهم.
ثالثا: جواز بكاء الخشية والخوف، ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد عشرة أنواع للبكاء نوردها كما ذكرها.
1 بكاء الخوف والخشية.
2 بكاء الرحمة والرقة.
3 بكاء المحبة والشوق.
4 بكاء الفرح والسرور.
5 بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله.
6 بكاء الحزن …. وفرقه عن بكاء الخوف، أن الأول ((الحزن)): يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف: يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ودمعة الحزن: حارة والقلب حزين، ولهذا يقال لما يُفرح به هو، قرة عين وأقرّ به عينه، ولما يُحزن: هو سخينة العين، وأسخن الله به عينه.
7 بكاء الخور والضعف.
8 بكاء النفاق وهو: أن تدمع العين والقلب قاس
9 البكاء المستعار والمستأجر عليه، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها.
10 بكاء الموافقة: فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر عليهم فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون يراهم يبكون فيبكي.
وأما عن التباكي قال: وما كان مستدعىً متكلفاً، وهو التباكي وهو نوعان: محمود ومذموم
فالمحمود: أن يُستجلب لرقة القلب ولخشية الله، لا للرياء والسمعة،
والمذموم: يُجتلب لأجل الخلق. (1/ 175)
رابعا: يشرع لمن خاف عدوا ان يدعوا بهذا الدعاء كما دعا الغلام في قصة أصحاب الاخدود، فكان سبب نجاته.
قال النووي رحمه الله:
” إذا خاف ناساً أو غيرهم: فالسنَّة أن يقول ما رواه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: ” اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ” رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
ويسن أيضاً أن يدعو بدعاء الكرب , وهو ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: ” لا إله إلا الله العظيم الحليم , لا إله إلا الله رب العرش العظيم , لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ” رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال: ” يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ” رواه الترمذي والحاكم وقال: إسناده صحيح ” انتهى من ” المجموع ” (4/ 278)
قلت سيف: تنبيه: حديث (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) قال الوادعي في كتابه أحاديث معلة 266 سنده رجال الصحيح، ولكن قال يحيى بن معين أنه لا يعلم أن قتادة سمع من أبي بردة وله علة أخرى وهي الإرسال
قال: قلت في تخريج سنن أبي داود: ونقلت تعليل الشيخ مقبل، وقلت: ولم أجد البخاري ومسلم خرجا لقتادة عن أبي بردة
تنبيه: وقع خطأ في النسخة التي اعتمدها الشيخ مقبل من مسند أحمد وأنه عنده مرسل يعني عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أنه ليس مرسل كما في طبعة الرسالة وبقيت مصادر التخريج. لكن تبقى علة عدم العلم بسماع قتادة من أبي بردة.
خامسا: يجيب الله دعوة المضطر ولو كان كافرا.
قال العثيمين: أن الله عز وجل يجيب دعوة المضطر إذا دعاه فإذا دعا الإنسان ربه في حال ضرورة موقناً أن الله يجيبه فإن الله تعالى يجيبه حتى الكفار إذا دعوا الله في حال الضرورة أجابهم الله مع أنه يعلم أنهم سيرجعون إلى الكفر إذا غشيهم موج كالظلل في البحر دعوا الله مخلصين له الدين فإذا نجاهم أشركوا فينجيهم لأنهم صدقوا في الرجوع إلى الله عند دعائهم وهو سبحانه يجيب المضطر ولو كان كافراً. شرح رياض الصالحين (1/ 35).
سادسا:
حفظ الله و رعايته لعباده الصالحين و اعانتهم و نصرتهم، و الله هو ولي الذين آمنوا، فالله هو الذي يتولاهم و يراعهم و يكون معهم، فكل مؤمن ولي، و الولاية تتفاوت.
قال الشيخ صالح ال الشيخ:
الولاية التي هي محبة الله لعبده ونصرتُه له هذه تكون عنده بقدر ما عنده من الإيمان والتقوى. [التعليقات الحسان على الفرقان. ص 3]