6 رياح المسك العطرة بفوائد الأصحاب المباركة
بَاب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ 1020 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنْ الْإِسْلَامِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَامُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ فَقَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَاتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُقُوا الْغَيْثَ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَانْحَدَرَتْ السَّحَابَةُ عَنْ رَاسِهِ فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ
مشاركة احمد بن علي:
قال الشيخ العثيمين رحمه الله
عن الحديث الأول
يبدو أن هذا الحديث فيه اضطراب في سياقه لأنه دخل حديثاً في حديث
ولكن قوله اللهم حوالينا ولا علينا يدل على أنه في المدينة لا لمضر.
والظاهر أن فيها خلط من أسباط وأن قصة قريش أن الرسول دعى لهم وسقوا!
مشاركة سيف بن دورة:
البخاري علق الترجمة لعدة احتمالات؛ منها أن إجابة استشفاع الكفار قد يكون يجيبها مطلقاً أو بشرط أن يكون الإمام هو الذي دعا عليهم أو لم يجبهم إلى ذلك اصلا.
المهم لا دلالة أن غير النبي صلى الله عليه وسلم يجيب الكفار لأن النبي صلى الله عليه وسلم يطلع من المصالح ما لا يطلع غيره. أو يقال إذا رجا إمام المسلمين رجوعهم عن الباطل أو وجوع نفع عام للمسلمين شرع دعاؤه لهم. انتهى معنى كلام ابن حجر
قلت: وقد يكون في الدعاء للمشركين هناك نفع خاص ببعض الناس فيجوز مثل قصة رقية بعض الصحابة الرجل المشرك اللديغ بفاتحة الكتاب، مقابل جعل، ولكنهم كانوا في حاجة.
والدعاء للكافر ينقسم إلى قسمين:
دعاء له بالهداية، فهذا جائز، ومنه حديث (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب) رواه الترمذي وصححه الألباني، ومنه حديث (اللهم اهد دوسا وائت بهم متفق عليه، وبوب البخاري عليه باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم
الثاني: أن تدعو له بالمغفرة ونحو ذلك، فهو حرام بالإجماع، قال النووي: وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع) المجموع 5/ 120
وقال في تحفة المحتاج: يحرم الدعاء بأخروي لكافر وكذا من شك في إسلامه ولو من والديه 3/ 141
والدعاء على الكفار على العموم جائز ومنه دعاء نوح عليه الصلاة والسلام.
وإنما غلط من قال: أن فيه اعتراض للحكمة فلا تلازم بين الأمر الشرعي والكوني، لذا يجوز سؤال المغفرة لجميع المؤمنين مع أن هناك من العصاة من يعذب.
جواز الدعاء على بعض الكفار من باب أولى وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في غزوة الخندق، ودعا بالحمى أن تنقل إلى الجحفة، وكان سكانها اليهود، ولما طرحوا عليه سلى الجزور قال: اللهم عليك بقريش …
قال بعض أهل الفتوى:
قال أبو عبدالله القُرْطُبِيُّ في تفسير قوله تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ … }: “فيه مسألةٌ واحدةٌ: وهي جَوَازُ لَعْنِ الكافرين … “.
قال النَّوَوِيُّ في “شرح مسلم” في شرحه لحديث: “وانْقُلْ حُمَّاهَا إلى الجُحْفَةِ. قال الخطَّابي وغيرُه: كان ساكنو الجُحْفَةِ في ذلك الوقت يَهُودا؛ ففيه دليل الدُّعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك، وفيه الدُّعاء للمسلمين بالصِّحَّة وطِيبِ بلادهم والبركة فيها، وكشف الضر والشدائد عنهم، وهذا مَذْهَبُ العُلَمَاءِ كَافَّةً”. انتهى.
قال العراقي في “طرح التثريب” في شرح حديث قُنُوتِ النبي صلى الله عليه وسلم على الكفار: “فيه جواز الدعاء على الكفار ولعنهم”.
وقال أبو العباس القُرْطُبي في “المُفهِم”: “ولا خِلافَ في جواز لَعْنِ الكَفَرَةِ والدعاء عليهم، واختلفوا في جواز الدعاء على أهل المعاصي؛ فَأَجَازه قَومٌ وَمَنَعَهُ آخَرون”. انتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والدعاء على جِنْسِ الظالمين الكفار مَشْرُوعٌ مَامُورٌ به، وشُرِعَ القُنُوتُ والدعاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ، والدعاءُ على الكافرين”.
وقال في موضعٍ آخرَ: ” … وإذا سَمَّى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسنًا”.
وعليه؛ فيجوز الدعاءُ على الكفار المُعْتَدِينَ والظَّالِمِينَ والمُحَارِبين منهم، ويكون ذلك من الأمور التعبُّدِيَّة، وأما الكفار الذين لم يَظْلِمُوا المسلمين أو يُحَارِبُوهُمْ أو يُنَاصِرُوا عليهم عَدُوَّهُمْ إذا تَرَكَ المسلمُ الدُّعَاءَ عليهم كان ذلك حسنًا، خُصُوصًا إذا كان ذلك في مَقَامِ الدعوة تأليفًا لقلوبهم، وطمعًا في إسلامهم.
وهو صنيع البخاري في صحيحه حيث قال: باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم وأورد حديث (اللهم اهد دوسا) وعلى هذا يحمل الحديث الذي أخرجه مسلم حين طلب منه الدعاء على المشركين فقال: إني لم أبعث لعانا، ولكني بعثت رحمة. انتهى من الفتوى
تنبيه:
قال باحث:
أما ما يتعلق بقول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير الدخان الذي ذكر في الآية بما حكى فقد خالفه فيه جماعة من الصحابة، منهم علي، وابن عمر، وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهمفقالوا: إن الدخان، لم يأت بعد، بل يجيء في آخر الزمان، وهو من أشراط الساعة، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ، لما روى مسلم، عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن, تطرد الناس إلى محشرهم”، فهذا نص صريح في أن الدخان لم يأت بعد، وجاء فيه مفسرا أيضا حديثان، لا أعرف الآن سندهما، أحدهما: عن حذيفة رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:
“من أشراط الساعة: دخان يمكث في الأرض أربعين يوما”. والآخر: عن ابن مسعود نحوه. وزاد: “فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ويدخل جوف الكافر والمنافق حتى ينتفخ”. وذكر بعض الأئمة في الجمع بين هذه الأحاديث وقول ابن مسعود رضي الله عنه : “أن الدخان اثنان، أحدهما: وقع في زمن النبوة لأهل مكة كما ذكر ابن مسعود والآخر: من أشراط الساعة”، ولا يخلو هذا من نظر. فإن الذي رآه أهل مكة ليس حقيقة، الدخان بل شيء كهيئته يخيل إليهم من الجهد والجوع، وأيضا فغزوة بدر كانت على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهذا الجهد الذي أخذ أهل مكة لم يكن والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم قطعا، بل بعد الهجرة, ومقتضى قول ابن مسعود رضي الله عنه أن أهل مكة أصابتهم سنة شديدة ثم أخصبوا وكابدوا تعدّي حال الجهد، فعادوا بعده. وأن الله عز وجل وعدهم بعد ذلك بيوم بدر، ومقتضى هذا أن تكون آيات الدخان مدنية، ولم يعدها أحد من أمته كذلك أصلا. وأيضا في الصحيحين عن أبي هريرة أنه شهد القنوت من النبي صلى الله عليه وسلم : “اللهم انج الوليد بن الوليد … “. الحديث، وفيه: “اللهم اشدد وطئتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف” قال: “ثم رأيته ترك الدعاء بعد ذلك، هذا يدل على أن دعاءه بسنين كسني يوسف، كان بعد إسلام أبي هريرة، وإنمما أسلم بعد بدر، والكلام في هذا مشهور، والمقصود الإشكال ما ذكره البخاري في قضية الاستسقاء لأهل مكة، فإنه والله أعلم وهم دخل به حديث في حديث من بعض الرواة، ودام المطر سبعا، ثم الدعاء بكشفه إنما كان لأهل المدينة، ومن حولهم من المسلمين، كما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه ، من عدّة طرق عنه، وأن السائل لذلك كان من المسلمين، قاله يوم الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر كما هو مشهور في دواوين الإسلام. انتهى كلام الباحث
ودافع ابن حجر عن السدي فذكر أنه لم يغلط، وأن القصة محتملة التعدد، يقصد أن ذلك وقع مرة في مكة ومرة في المدينة، واستدل أن ذلك وقع في المدينة برواية كعب بن مرة وأن أبا سفيان قال: استسق الله لمضر … قال: يا رسول الله استنصرت الله فنصرك ودعوت الله فأجابك، فرفع يديه فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثا مريعا مريئا طبقا … ) فقوله: استنصرت الله، هو من قول كعب بن مرة، فلا يمنع أن أبا سفيان طلب وكذلك كان حاضرا كعب بن مرة فطلب، وقوله (استنصرت الله فنصرك) يدل ان ذلك في المدينة. انتهى ما قرره ابن حجر
لكن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من كعب بن مرة
والشيخ الألباني لم يعلق على رواية السدي في مختصر البخاري بشئ.
تنبيه: الدعاء الوارد في حديث كعب بن مرة ورد قريب منه من حديث جابر
قال صاحبنا عبدالله المشجري لفظه: ((اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل))؛ أخرجه أبو داود رقم: (1171) وغيره، وصححه الألباني، والشيخ مقبل في الجامع الصحيح (2/ 463) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
منقول
قلت سيف: هو في 2/ 521 من طبعتي لكن غير موجود في الصحيح المسند، وكأن الشيخ حذفه لعلة فيه
ثم وجدت في تعليقي على سنن أبي داود أن الشيخ مقبل أعله في أحاديث معلة، فأعله الدارقطني بالإرسال، والبيهقي كذلك، وابن رجب.
لكن نقل في التلخيص الحبير عن عشرة من الصحابة أغلبها ضعفها. المهم تحتاج دراسة هل تصلح للتقوية ام لا.
وراجع كذلك البدر المنير
الحديث فيه من الفوائد: أن الكافر دعاءه غير مستجاب، ويستثنى من ذلك المظلوم، أو المضطر
وسألت بعض لجان الفتوى سؤالا مفاده:
هل يجوز للمسلم أن يطلب الدعاء لنفسه من غير المسلم؟ و هل هناك أحاديث تدل على ذلك؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز طلب الدعاء من الكافر، لأنه ليس أهلا للإجابة، ولأنه مبغوض من الله، فكيف يتوسل إلى الله تعالى بدعاء من يبغضه! وإن كان قد يستجاب له، لاسيما إذا كان وقت الاضطرار، كما دل القرآن على ذلك، ولأن طلب ذلك يشعر بتعظيمه ومظنة الخير فيه مع كفره، وإنما يطلب الدعاء من المؤمنين أهل الخير والصلاح أو من سائر المسلمين. قال سليمان بن منصور الجمل الشافعي في فتوحات الوهاب في باب الاستسقاء: قال الروياني: لا يجوز التأمين على دعاء الكافر لأنه غير مقبول، أي لقوله تعالى: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {الرعد: 14} قال: ونوزع (أي الروياني) فيه بأنه قد يستجاب له استدراجا كما استجيب لإبليس فيؤمن على دعائه، هذا، ولو قيل وجه الحرمة أن في التأمين على دعائه تعظيما له وتغريرا للعامة بحسب طريقته لكان حسناإلى أن قال بعد ذكره الخلاف في جواز التأمين على دعاء الكافر أو أن ذلك جائز إذا دعا لنفسه بالهداية أو دعا لنا بالنصر، وينبغي أن ذلك كله إذا لم يكن على وجه يشعر بالتعظيم، وإلا امتنع خصوصا إذا قويت القرينة على تعظيمه وتحقير غيره. انتهى. وذكره شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج، وزكريا الأنصاري في الغرر البهية شرح البهجة الوردية.
والله أعلم.
وفي فتوى أكثر تفصيلا:
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال. وعندما يهتدي شخص كافر للإسلام كثيرا ما يقول كنت أدعو الله ليهديني لدين الحق. فهل يقبل الله دعاءه حال كفره عندما أراد الهداية. أرجو الإسهاب في توضيح الإجابة؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ. قد ورد في موضعين من القرآن الكريم:
الأول: قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ {الرعد:14}
جاء في كتاب زاد المسير: قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} فيه قولان:
أحدهما: وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال؛ لأن أصواتهم محجوبة عن الله. رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: وما عبادة الكافرين الأصنام إلا في خسران وباطل. قاله مقاتل. ا. هـ
وهذا القول الثاني ظاهر من السياق، فالآية وردت في ذم دعاء الكافرين لمعبوداتهم الباطلة ولم ترد في دعائهم لله عز وجل.
وهذا ما ذهب إليه الحافظ ابن كثير، فقال رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: ومعنى هذا الكلام أن الذي يبسط يده إلى الماء إما قابضا وإما متناولا له من بعد كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلا للشرب، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره، لا ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ولا في الآخرة ولهذا قال {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}.
وأما الموضع الثاني فقوله تعالى: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} [غافر:49، 50]
وظاهر السياق أن ذلك في الآخرة. إلا أن بعض العلماء نظر إلى عموم اللفظ في قوله تعالى {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} فقال بعمومه في الدنيا والآخرة.
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وسواء كان قوله (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) من كلام الملائكة أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم؛ لأن المصدر المضاف من صيغ العموم الذوات يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة.
وأما ما يوهم استجابة دعاء الكافرين نحو قوله تعالى (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكون من الشاكرين قل الله ينجيكم منها) وقوله (دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجبتنا من هذه لنكون من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) فظاهر أن هذه لا تدل على استجابة كرامة ولكنها لتسجيل كفرهم ونكرانهم، وقد يتوهم في بعض الأحوال أن يدعو الكافر فيقطع ما طلبه وإنما ذلك لمصادفة دعائه وقت إجابة دعاء غيره من الصالحين، وكيف يستجاب دعاء الكافر وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم استبعاد استجابة دعاء المؤمن الذي يأكل الحرام ويلبس الحرام في حديث مسلم عن أبي هريرة ” ذكر رسول الله رجلا يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له “. ولهذا لم يقل الله: فلما استجاب دعاءهم وإنما قال: فلما نجاهم أي لأنه قدر نجاتهم من قبل أن يدعوا أو لأن دعاءهم صادف دعاء بعض المؤمنين ا. هـ
وذهب علماء آخرون إلى عدم شمول الآية لدعاء الكافر في الدنيا.
قال الآلوسي في روح المعاني: واستدل بها مطلقا من قال: إن دعاء الكافر لا يستجاب وأنه لا يمكن من الخروج في الاستسقاء، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى أثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له. اهـ.
وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والخلق كلهم يسألون الله مؤمنهم وكافرهم وقد يجيب الله دعاء الكفار فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ويسقيهم وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه فلما نجاهم إلى البر أعرضوا وكان الإنسان كفورا.
وقال أيضا: وأما إجابة السائلين فعام فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافرا. مجموع الفتاوى.
وقال ابن القيم: فليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيا عنه ولا محبا له ولا راضيا بفعله فإنه يجيب البر والفاجر والمؤمن والكافر. اهـ
ومما سبق يتضح لك أن الراجح من كلام أهل العلم هو عدم تعلق الآيتين بإجابة دعاء الكافر في الدنيا، وأن الله سبحانه قد يجيب دعوة الكافر، إلا أن ذلك ليس هو الأصل.
والله أعلم.
بَاب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا 1021 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتْ الشَّجَرُ وَهَلَكَتْ الْبَهَائِمُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا مَرَّتَيْنِ وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَكَشَطَتْ الْمَدِينَةُ فَجَعَلَتْ تَمْطُرُ حَوْلَهَا وَلَا تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الْإِكْلِيلِ
قال ابن حجر هذه الرواية لقوله فيها (وما تمطر بالمدينة قطرة)
وسبق شرح الحديث.