598، 599 تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابُ كَيْفَ كَانَ تَطَوُّعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّهَارِ
598 – حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّهَارِ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ ذَاكَ، فَقُلْنَا: مَنْ أَطَاقَ ذَاكَ مِنَّا، فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ العَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الظُّهْرِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَصَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا، يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالمُرْسَلِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَالمُسْلِمِينَ»
[حكم الألباني]: حسن
599 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ،: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ» وقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: «أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهَارِ» هَذَا وَرُوِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ، «أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ هَذَا الحَدِيثَ»، «وَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ عِنْدَنَا – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ» قَالَ عَلِيُّ بْنُ المَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ قَالَ سُفْيَانُ: «كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الحَارِثِ»
——
قال قِوَام السنة الأصبهاني:
وَتَطَوُّعُهُ بِهَذِهِ النَّوَافِلِ قَبْلَ الفَرَائِضِ وَبَعْدَهَا، لِأَنَّ أَفْضَلَ الْأَوْقَاتِ أَوْقَاتُ صَلَوَاتِ الفَرِيضَةِ، وَفِيهَا تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيُقْبَلُ العَمَلُ الصَّالِحُ.
وَأَمَّا التَّنَفُّلُ قَبْلَ العَصْرِ، فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي أَرْبَعًا، ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَبَعْضُهُمْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَرْكَعُونَ الرَّكْعَتَينِ قَبْلَ العَصْرِ، وَلَا يَرَوْنَهَا مِنَ السُّنَّةِ.
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا شَيْئًا سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: الفَضْلُ فِي التَّنْفُّلِ قَبْلَ العَصْرِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: (فَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ فَفِي بَيْتِهِ)، رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَرْكَعُونَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بُيُوتِهِمْ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ سَهْلِ بن سَعْدٍ: (أَدْرَكْتُ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ، وَإِنَّهُ يُسَلِّمُ مِنَ الْمَغْرِبِ، فَمَا أَرَى رَجُلًا وَاحِدًا يُصَلِّيهِمَا فِي المَسْجِدِ، كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ).
وَقَالَ مَالِكٌ: التَّنَفُّلُ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ شَأْنُ النَّاسِ فِي النَّهَارِ، وَبِاللَّيْلِ فِي بُيُوتِهِمْ.
قِيلَ: إِنَّمَا كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَرَى جَاهِلٌ عَالِمًا يُصَلِّيهَا فِيهِ، فَيَرَاهَا فَرِيضَةً، أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يُخْلِيَ مَنْزِلَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ حَذَرًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ رِيَاءٍ، فَإِذَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي المَسْجِدِ حَسَنَةٌ.
[شرح صحيح البخاري – الأصبهاني 3/ 167]
قال الإتيوبي:
شرح الحديث
(عن عاصم بن ضمرة) السلولي، أنه (قال: سألنا عليًّا) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه، وفي نسخة: “سالت عليّاً” (عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي تطوعه، ولفظه عند أحمد، وابن ماجه من طريق وكيع، ثنا سفيان، وأبي، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضَمْرَة السَّلُولي، قال: سألنا عليّاً عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار؟ فقال: إنكم لا تطيقونه، فقلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما استطعنا، قال. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر يُمْهِلُ حتى إذا كانت الشمس من هاهنا، يعني من قبل المشرق بمقدارها من صلاة العصر من هاهنا، يعني من قبل المغرب، قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا، يعني من قبل المشرق مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا قام فصلى أربعًا، وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعًا قبل العصر، يفصل بين كل تسليمتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين.
قال علي: فتلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهار وقَلَّ من يداوم عليها.
وزاد في رواية ابن ماجه: قال وكيع: زاد فيه أبي: فقال حبيب ابن أبي ثابت: يا أبا إسحاق ما أحب أن لي بحديثك هذا ملء مسجدك هذا ذهبًا.
(قال) علي رضي الله عنه: (أيكم يطيق ذلك؟) استفهام إنكاري، أي إنكم لا تطيقون القيام به، وفي رواية أحمد، وابن ماجه المذكورة: “إنكم لا تطيقونه” (قلنا: إِن لم نطقه سمعنا) أي إن لم نطق العمل بكله، سمعنا، فعملنا بما نستطيع، ففي رواية أحمد وابن ماجه المذكورة: “فقلنا: أخبرنا به، نأخذْ منه ما استطعنا”.
(قال: كان إِذا كانت الشمس من ههنا) يعني من قبل المشرق (كهيآتها من ههنا عند العصر) أي كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة العصر، والمراد به وقت صلاة الضحى (صلى ركعتين) والحاصل أنه إذا ارتفعت الشمس عن جانب المشرق مقدار ارتفاعها من جانب المغرب وقت العصر صلى ركعتين، وهي صلاة الضحى، وسماها بعضهم صلاة الإشراق.
واستدل به لأبي حنيفة رحمه الله على أن وقت العصر بعد المثلين، وفيه نظر لا يخفى؛ لأن هذا الحديث ليس فيه أن الشمس كانت عند المثلين، فلا يعارض النصوص الصحيحة الصريحة التي دلت على أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثلَهُ، ولو سلم فهي مقدمة عليه، لقوَّتِهَا، وكونها صريحة، وقد تقدم تمام البحث فيه في [باب أول وقت العصر] من “كتاب المواقيت” فارجع إليه تستفد.
وقال صاحب “إنجاح الحاجة”: هذه الصلاة هي الضحوة الصغرى، وهو وقت الإشراق، وهذا الوقت هو أوسط وقت الإشراق وأعلاها، وأما دخول وقته فبعد طلوع الشمس، وارتفاعها مقدار رمح، أو رمحين حين تصير الشمس بازغة، ويزول وقت الكراهة، وأما الصلاة الثانية فهي الضحوة الكبرى. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: فيه أن هذا ليس وسط وقت الإشراق، لما سيأتي في “الكبرى” أن هذا الوقت مقدار رمح، أو رمحين، ولفظه: “كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، يعني من مطلعها قدر رمح، أو رمحين كقدر صلاة العصر من مغربها صلى ركعتين” … فدلّ على أن هذا الوقت هو أول وقت زوال الكراهة. فتدبر. والله تعالى أعلم بالصواب.
(فإِذا كانت) الشمس (من ههنا) يعني من قبل المشرق (كهيآتها من ههنا عند الظهر) أي كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب وقت صلاة الظهر (صلى أربعًا) وتسمى هذه الصلاة صلاة الأوابين، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الأوابين حين تَرْمَضُ الفصال”.
و”ترمض” -بفتح التاء، والميم-: أي تحترق، و”الفصال” جمع فَصِيل: ولد الناقة إذا فُصِلَ عن أمه، يعني حين تحترق أخفافها من شدة حر النهار.
(ويصلي قبل الظهر أربعًا) أي بعد الزوال، ففي الرواية المتقدمة: “وأربعًا قبل الظهر إذا زالت الشمس” (وبعدها ثنتين) أي يصلي بعد صلاة الظهر ركعتين.
وفيه استحباب أربع قبل الظهر، وركعتين بعدها، وقد ثبت في غير حديث علي رضي الله عنه أربع بعدها أيضًا، ففي حديث أم حبيبة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: “من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار”. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وسيأتي للمصنف 67/ 1816.
(ويصلي قبل العصر أربعًا) أي يصلي قبل صلاة العصر أربع ركعات (يفصل) جملة فعلية في محل نصب على الحال من فاعل “يصلي” (بين كل ركعتين بتسليم) ولأحمد، والترمذي: “بالتسليم” معرفًا (على الملائكة المقربين والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين) المراد بالمسلمين هم المؤمنون، فيكون العطف للتفسير.
وأراد بالتسليم التشهد، كما قاله إسحاق بن إبراهيم، ذكره عنه الترمذي، وسمي تسليمًا لما فيه من قول: “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، وهذا هو الظاهر، وتؤيده الرواية الثانية: “يجعل التسليم في آخره”، يحمل ذلك التسليم على تسليم الخروج. والله تعالى أعلم. أفاده السندي رحمه الله تعالى.
وقال البغوي رحمه الله: المراد بالتسليم التشهد، دون السلام. أي وسمي تسليمًا على مَنْ ذُكِرَ لاشتماله عليه، وكذا قاله ابن الملك، قال الطيبي: ويؤيده حديث عبد الله بن مسعود: كنا إذا صلينا قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، وكان ذلك في التشهد. انتهى.
وقال الحافظ العراقي رحمه الله: حمل بعضهم هذا على أن المراد بالفصل بالتسليم التشهُد؛ لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى عباد الله الصالحين. قاله إسحاق بن إبراهيم، فإنه كان يرى صلاة النهار أربعًا، قال: وفيما أوَّلَهُ عليه بُعدٌ. انتهى.
قال المباركفوري رحمه الله: لا بُعْدَ عندي فيما أوَّلَه عليه، بل هو الظاهر القريب، بل هو التعين، إذ النبيون والمرسلون لا يحضرون الصلاة حتى ينويهم المصلي بقوله: “السلام عليكم”، فكيف يراد بالتسليم تسليم التحلل من الصلاة، هذا ما عندي. والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: حمله على التشهد هو الأرجح عندي، لظاهر الرواية الأخرى؛ حيث إن فيها “يجعل التسليم في آخر ركعة”، فإن المراد به تسليم الخروج؛ ولأن تسليم التحلل ليس فيه تسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين، وإنما هذا معنى قول المصلي في التشهد: “السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين”، فقد صح تفسيره صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: … فإذا صلى أحدكم، فليقل: التحيات لله والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض – أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله”. متفق عليه.
فقد بَيَّنَ في هذا الحديث معنى التسليم المذكور في حديث علي رضي الله عنه، وخير ما يفسر به الحديث ما جاء في حديث آخر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
المسألة الثالثة: في فوائده:
منها: ما ترجم له المصنف، وهو بيان استحباب التطوع قبل صلاة العصر.
ومنها: ما كان عليه السلف من شدة حرصهم على معرفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتدوا به فيها.
ومنها: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم من تكثير النوافل، مع كونه غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، ليكون عبدًا شكورًا، كما قال لعائشة رضي الله عنها: “أفلا أكون عبدًا شكورًا”.
ومنها: استحباب صلاة ركعتين عند ارتفاع الشمس من مطلعها بعد خروج وقت الكراهة بارتفاع الشمس قدر رمح، أو رمحين، ويسميهما بعض العلماء صلاة الإشراق.
ومنها: استحباب صلاة أربع ركعات قبل الزوال، وأربع بعده قبل صلاة الظهر بتسليمة واحدة، ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الليل والنهار مثنى مثنى”؛ لأن الحديث مختلف في صحته، وإنما المتفق عليه: “صلاة الليل مثنى مثنى”، وعلى تقدير صحته يحمل على بيان الجواز. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجح والمآب.
المسألة الرابعة: قال الإِمام الترمذي رحمه الله: قال إسحاق بن إبراهيم -يعني ابن راهويه-: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار هذا. انتهى. ولعله -كما قال المباركفوري رحمه الله أراد بكونه أحسن شيء في تطوعه صلى الله عليه وسلم بالنهار باعتبار أنه مشتمل على ست عشرة ركعة دون غيره من الأحاديث.
وقال في موضع آخر: واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر، واحتج بهذا الحديث، وقال: معنى قوله: “إنه يفصل بينهن بالتسليم”، يعني التشهد. ورأي الشافعي وأحمد صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، يختاران الفصل. انتهى.
قال المباركفوري رحمه الله: وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: صلاة الليل والنهار رباع رباع، وقال صاحباه أبو يوسف، ومحمد: صلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة النهار رباع رباع، والاختلاف في الأولوية. انتهى (1).
المسألة الخامسة: نقل الترمذي رحمه الله عن ابن المبارك أنه ضعف هذا الحديث قال: وإنما ضعفه عندنا -والله أعلم-؛ لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة، عن علي، وعاصم بن ضمرة هو ثقة عند بعض أهل الحديث. قال علي ابن المديني: قال يحيى بن سعيد القطان، قال سفيان: كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث. انتهى كلام الترمذي.
وقال الذهبي في “الميزان”: عاصم بن ضمرة صاحب علي وثقه ابن معين، وابن المديني، وقال أحمد: هو أعلى من الحارث الأعور، وهو عندي حجة، وقال النسائي: ليس به بأس. وأما ابن عدي، فقال: ينفرد عن علي بأحاديث، والبلية منه. وقال أبو بكر بن عياش: سمعت المغيرة، يقول: لم يصدق في الحديث على علي إلا أصحاب ابن مسعود. وقال ابن حبان: روى عنه أبو إسحاق، والحكم رديء الحفظ فاحش الخطأ، يرفع عن علي قوله كثيراً، فاستحق الترك، على أنه أحسن حالاً من الحارث.
وقال الجوزجاني: روى عنه أبو إسحاق تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة؛ ركعتين عند التالية من النهار، ثم أربعًا قبل الزوال، ثم أربعًا بعده، ثم ركعتين بعد الظهر، ثم أربعًا قبل العصر، فيا عباد الله أما كان الصحابة وأمهات المؤمنين يحكون هذا، إذ هم معه في دهرهم، يعني أن عائشة، وابن عمر، وغيرهما حكوا عنه خلاف هذا، وعاصم ابن ضمرة ينقل أنه عليه السلام كان يداوم على ذلك، قال: ثم خالف الأمة، وروى: أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه. انتهى كلام الذهبي رحمه الله تعالى.
وقال الذهبي أيضًا في “الكاشف” بعد نقل نحو ما تقدم له، ما نصه: وهو وسط.
قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت جواب الجوزجاني فيما تقدم من كلام الحافظ رحمه الله تعالى في ترجمة عاصم هذا، وأما قول ابن حبان: فاستحق الترك، فيقدم عليه قول الإِمام أحمد: هو عندي حجة، وكذا توثيق ابن معين، وعلي بن المديني كما تقدم.
والحاصل أن حديثه لا ينزل من درجة الحسن. فأما إعلاله بصحة أحاديث الصحابة الآخرين على خلاف ما قاله، فيجاب عنه بالحمل على اختلاف الأوقات، فأحيانًا يصلي هكذا، وأحيانًا يصلي هكذا.
وأما الاحتجاج بتعبيره بـ”كان” حيث إنها تفيد الدوام، فيجاب عنه بأنها ليست للدوام دائمًا، بل تأتي أحيانًا لمجرد الدلالة على الحدث الماضي لقرينة، والقرينة هنا ثبوت ما نَقَله الصحابة الآخرون عنه بخلاف هذا، هذا ما عندي، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 11/ 114]
قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها — ناصر الدين الألباني
(237) – ” كان إذا صلى الفجر أمهل، حتى إذا كانت الشمس من ههنا – يعني من قبل المشرق –
مقدارها من صلاة العصر من ههنا – من قبل المغرب – قام فصلى ركعتين ثم يمهل،
حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق، مقدارها من صلاة الظهرمن
ههنا – يعني من قبل المغرب – قام فصلى أربعا، وأربعا قبل الظهر إذا زالت
الشمس، وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على
الملائكة المقربين، والنبيين، ومن تبعهم من المسلمين، «يجعل التسليم في
آخره».
أخرجه أحمد (رقم (650) / (1375)) وابنه ((1202)) والترمذي ((2) / (294)، (493) –
(494)) والنسائي ((1) / (139) – (140)) وابن ماجه ((1) / (354)) والطيالسي
((1) / (113) – (114)) وعنه البيهقي ((2) / (273)) والترمذي أيضا في «الشمائل»
((2) / (103) – (104)) من طرق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال:
«سألنا عليا عن تطوع النبي ? بالنهار، فقال: إنكم لا
تطيقونه، قال: قلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا، قال:» فذكره.
وقال الترمذي:
«حديث حسن، وقال إسحاق بن إبراهيم: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله
عليه وسلم، في النهار هذا. وروي عن عبد الله بن المبارك أنه كان يضعف هذا
الحديث.
وإنما ضعفه عندنا – والله أعلم – لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله
عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي، وهو ثقة عند بعض أهل
العلم».
قلت: وهو صدوق كما قال الحافظ في «التقريب». وقد وثقه ابن المديني وغيرهوقال النسائي: «ليس به بأس»، فهو حسن الحديث.
والزيادة التي في آخره للنسائي.
وروى منه أبو داود ((1) / (200)) وعنه الضياء في «المختارة» ((1) / (187)) من
طريق شعبة عن أبي إسحاق به الصلاة قبل العصر فقط لكنه قال: «ركعتين» وهو
بهذا اللفظ شاذ عندي لأنه في المسند وغيره من هذا الوجه باللفظ المتقدم
«أربعا». وكذلك في الطرق الأخرى عن أبي إسحاق كما تقدم.
ومثل هذا في الشذوذ أن بعض الرواة عن أبي إسحاق قال: «قبل الجمعة» بدل
«قبل الظهر» كما أخرجه الخلعي في «فوائده» بإسناد جيد كما قال العراقيوالبوصيري في زوائده ((72) / (1))، ولم يتنبها لشذوذه، كما نبهت عليه في
«سلسلة الأحاديث الضعيفة». والله أعلم.
فقه الحديث
دل قوله «يجعل التسليم في آخره». على أن السنة في السنن الرباعية النهارية
أن تصلى بتسليمة واحدة، ولا يسلم فيها بين الركعتين، وقد فهم بعضهم من قوله
«يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين – ومن تبعهم من المؤمنين
» أنه يعني تسليم التحلل من الصلاة. ورده الشيخ على القاري في «شرح الشمائل» بقوله:
«ولا يخفى أن سلام التحليل إنما يكون مخصوصا بمن حضر المصلى من الملائكة
والمؤمنين. ولفظ الحديث أعم منه حيث ذكر الملائكة والمقربين والنبيين ومن
تبعهم من المؤمنين والمسلمين إلى يوم الدين».
ولهذا جزم المناوي في شرحه على «الشمائل» أن المراد به التشهد قال:
«لاشتماله على التسليم على الكل في قولنا:» السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين «.
قلت: ويؤيده حديث ابن مسعود المتفق عليه قال:
» كنا إذا صلينا مع النبي ? قلنا السلام على الله قبل عباده،
السلام علاجبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فلما انصرف النبي
? أقبل علينا بوجهه فقال: إن الله هو السلام، فإذا جلس
أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله … السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض … .»
قلت: وهذه الزيادة التي في آخر الحديث، تقطع بذلك، فلا مجال للاختلاف بعدها
فهي صريحة في الدلالة على ما ذكرنا من أن الرباعية النهارية من السنن لا يسلم
في التشهد الأول منها. وعلى هذا فالحديث مخالف لظاهر قوله ? «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى».
وهو حديث صحيح كما بينته في «الحوض المورود في زوائد منتقى ابن الجارود» رقم
((123)) يسر الله لنا إتمامه، ولعل التوفيق بينهما بأن يحمل حديث الباب على
الجواز. وحديث ابن عمر على الأفضلية كما هو الشأن في الرباعية الليلية أيضا.
والله أعلم.
————————-،
نيل الأوطار — الشوكاني
(962) – (وعن عاصم بن ضمرة قال: «سألنا عليا عن تطوع النبي ? بالنهار فقال: …. رواه الخمسة إلا أبا داود).
الحديث أخرجه أيضا الترمذي.
وأخرج مسلم: «إن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؟ إن رسول الله ? قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال» …. والمراد إذا وجد الفصيل حر الشمس ولا يكون ذلك إلا عند ارتفاعها
والحديث يدل على أن المستحب فعل الضحى في ذلك الوقت وقد توهم أن قول زيد بن أرقم: إن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل كما في رواية مسلم يدل على نفي الضحى وليس الأمر كذلك، بل مراده أن تأخير الضحى إلى ذلك الوقت أفضل.
(962) – (وعن عاصم بن ضمرة قال: «سألنا عليا عن تطوع النبي ? بالنهار فقال: كان إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا، يعني من المشرق …. المراد من هذا أنه ? صلى ركعتي الضحى ومقدار ارتفاع الشمس من جهة المشرق كمقدار ارتفاعها من جهة المغرب عند صلاة العصر، وفيه تبيين وقتها قوله: (حتى إذا كانت الشمس، إلى قوله: قام فصلى أربعا).
وفيه دليل على استحباب أربع ركعات إذا زالت الشمس. قال العراقي: وهي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها. وممن نص على استحباب صلاة الزوال الغزالي في الإحياء في كتاب الأوراد
ويدل على ذلك ما رواه أبو الوليد بن مغيث الصفار عن عبد الملك بن حبيب قال: بلغني عن ابن مسعود «أن رسول الله ? قال: «ما من عبد مسلم يصلي أربع ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر يحسن فيها الركوع والسجود والخشوع يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب» وذكر حديثا طويلا. ورواه الطبراني موقوفا على ابن مسعودوما أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال:» كان رسول الله ? إذا استوى النهار خرج إلى بعض حيطان المدينة «وفيه» قام فصلى أربع ركعات لم يتشهد بينهن ويسلم في آخر الأربع «
وقد بوب الترمذي للصلاة عند الزوال، وذكر حديث عبد الله بن السائب «أن النبي ? كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس» وأشار إلى حديث علي هذا، وإلى حديث أبي أيوب وهو عند ابن ماجه وأبي داود بلفظ» أن النبي ? قال: «أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء» قوله: (وركعتين بعدها وأربعا قبل العصر) قد تقدم الكلام على ذلك. انتهى
يقصد بتبويب الترمذي:
بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالِ
(478) – حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الوَضَّاحِ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ المُؤَدِّبُ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ ? (343) ? الجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَقَالَ: «إِنَّهَا سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ» وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي أَيُّوبَ: «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ» وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ? «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ، لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ»
[حكم الألباني]: صحيح
سنن الترمذي – ت شاكر (2) / (342)
————————
ذكر ابن قدامة حديث الباب مستدلا به:
المغني لابن قدامة — المقدسي، موفق الدين
[فصل يسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين قبل جلوسه]
((1048)) فصل: ويسن لمن دخل المسجد أن لا يجلس حتى يصلي ركعتين قبل جلوسه؛ لما روى أبو قتادة، قال: قال رسول الله ?: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين». متفق عليه.
فإذا جلس قبل الصلاة سن له أن يقوم فيصلي؛ لما روى جابر، قال: «جاء سليك الغطفاني ورسول الله ? يخطب، فجلس فقال: يا سليك، قم فاركع ركعتين، وتجوز فيهما». رواه مسلم.
ويستحب أن يتطوع بمثل تطوع النبي ?؛ فإن عليا – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله ? «إذا صلى الفجر يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا – يعني من قبل المشرق – مقدارها من صلاة الظهر من العصر من هاهنا – يعني من قبل المغرب – قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا – يعني من قبل المشرق – مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا قام فصلى أربعا، وأربعا قبل الظهرإذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر، يفصل بين كل ركعتين
بالسلام على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المسلمين. فتلك ست عشرة ركعة، تطوع رسول الله ? بالنهار، وقل من يداوم عليها.»
—————————-
البدر المنير — ابن الملقن
الحديث السابع بعد العشرين والمائة
عن علي رضي الله عنه قال: «كان النبي ? يصلي (قبل) الظهر أربعا، [وبعدها أربعا]، وقبل العصر أربعا، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين».
هذا الحديث رواه الترمذي في «جامعه» في موضعين منه …..
قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد القطان: قال (سفيان): كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث.
قلت: وأخرج له أصحاب السنن الأربعة، ووثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني، وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: (تفرد) بأحاديث باطلة عن علي لا يتابعه الثقات عليها، والبلية منه. وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ يرفع عن علي قوله كثيرا، فلما (فحش) ذلك منه استحق الترك.
————————-
قال ابن تيمية:
وَأَمَّا قَبْلَ الْعَصْرِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ النَّبِيَّ ? كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ إلَّا وَفِيهِ ضَعْفٌ بَلْ خَطَأٌ كَحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَهُوَ مَطْعُونٌ فِيهِ فَإِنَّ الَّذِينَ اعْتَنَوْا بِنَقْلِ تَطَوُّعَاتِهِ كَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ بَيَّنُوا مَا كَانَ يُصَلِّيهِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهَا لَكِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يُصَلُّونَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَهُوَ يَرَاهُمْ فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ»، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً.
فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَسَنَةٌ وَلَيْسَتْ بِسُنَّةٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْعَصْرِ كَمَا يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَحَسَنٌ وَأَمَّا أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ كَانَ يُصَلِّيهَا النَّبِيُّ ? كَمَا يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ فَهَذَا خَطَأٌ.
وَالصَّلَاةُ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ.
إحْدَاهَا: سُنَّةُ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَهَاتَانِ أَمَرَ بِهِمَا النَّبِيُّ ? وَلَمْ يَامُرْ بِغَيْرِهِمَا وَهُمَا سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ ? يُصَلِّيهِمَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ سُنَّةً رَاتِبَةً غَيْرَهَا.
وَالثَّانِيَةُ مَا كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْحَضَرِ وَهُوَ عَشْرُ رَكَعَاتٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ أَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مَعَ الْمَكْتُوبَاتِ سُنَّةً مُقَدَّرَةً بِخِلَافِ مَالِكٍ.
وَالثَّالِثَةُ: التَّطَوُّعُ الْجَائِزُ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجْعَلَ سُنَّةً لِكَوْنِ النَّبِيِّ ? لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ وَلَا قَدَّرَ فِيهِ عَدَدًا وَالصَّلَاةُ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ صَلَاةُ الضُّحَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2) / (30) — ابن تيمية
قال ابن القيم:
وَأَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْعَصْرِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي فِعْلِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَدِيثُ عاصم بن ضمرة عَنْ علي. . . الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ، أَنَّهُ ? («كَانَ يُصَلِّي فِي النَّهَارِ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا لِصَلَاةِ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَكَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَبَعْدَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ»). وَفِي لَفْظٍ: («كَانَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الْعَصْرِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ مِنْ هَاهُنَا كَهَيْئَتِهَا مِنْ هَاهُنَا عِنْدَ الظَّهْرِ، صَلَّى أَرْبَعًا، وَيُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ»)
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَدْفَعُهُ جِدًّا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مَوْضُوعٌ. وَيُذْكَرُ عَنْ أبي إسحاق الجوزجاني إِنْكَارُهُ. وَقَدْ رَوَى أحمد، وأبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ قَالَ: («رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا»). وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ، قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ عَنْ حَدِيثِ محمد بن مسلم بن المثنى عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ? («رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا»). فَقَالَ: دَعْ ذَا. فَقُلْتُ: إِنَّ أبا داود قَدْ رَوَاهُ، فَقَالَ: قَالَ أبو الوليد: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: («حَفِظْتُ عَنِ النَّبِيِّ ? عَشْرَ رَكَعَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»). فَلَوْ كَانَ هَذَا لَعَدَّهُ. قَالَ أَبِي: كَانَ يَقُولُ: «حَفِظْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً». وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ أَصْلًا، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِمَا حَفِظَهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ?، لَمْ يُخْبِرْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْبَتَّةَ.
زاد المعاد في هدي خير العباد – ط الرسالة (1) / (301) – (302)
مسائل:
توجيه حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا)
حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا) هل المقصود بالصلاة قبل الأذان أم بعد الأذان؟
حديث (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا) إذا صح فالمراد به ما بين الأذان والإقامة.
لقاء الباب المفتوح (24) / (14)
الحكم على حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا)
السؤال
ما صحة حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا)؟
الجواب
المعروف أنه ثابت وأنه لا بأس به، وعلى هذا يشرع للمسلم أن يصلي أربع ركعات قبل العصر، فيسلم كل ركعتين، وهي ليست من السنة الراتبة.
فتاوى منوعة – الراجحي (13) / (43)
بوب ابن حبان:
ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ ? بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا.
(134) – أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ببغداد، حَدثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدثنا أَبُو دَاوُدَ، حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ?: «رَحِمَ اللهُ امْرَءًا صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا».
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَبُو الْمُثَنَّى هَذَا اسْمُهُ: مُسْلِمُ بْنُ الْمُثَنَّى مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَوْلُهُ ?: «أَرْبَعًا» أَرَادَ بِهِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، لأَنَّ فِي خَبَرِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى». [(2453)]
صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (1) / (198)
وسبق نقاش مسألة هل الصلاة مثنى أو أربع في الباب السابق من سنن الترمذي