597 – تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ: أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى
597 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»: «اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَأَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ» وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ العُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوُ هَذَا، وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»، وَرَوَى الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ «يُصَلِّي بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَبِالنَّهَارِ أَرْبَعًا»، ” وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي ذَلِكَ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ: أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ «،» وقَالَ بَعْضُهُمْ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَرَأَوْا صَلَاةَ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، مِثْلَ الأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَإِسْحَاقَ ”
[حكم الألباني]: صحيح
– سَمِعْتُ أَحْمَدَ، قَالَ: كَانَ شُعْبَةُ يَتَهَيَّبُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»، يَعْنِي: يَتَهَيَّبُهُ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهَا: «وَالنَّهَارِ»، لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وُجُوهٍ «صَلَاةُ اللَّيْلِ»، لَيْسَ فِيهِ: «وَالنَّهَارِ».
وَرَوَى نَافِعٌ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بَاسًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، فَنَخَافُ فَلَوْ كَانَ حَفِظَ ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ?: «صَلَاةُ النَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»، لَمْ يَكُنْ يَرَى أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (1) / (390)
– ما جاء في صلاة النهار
فيه حديثان:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى»
قال الإمام أحمد: زيادة «النهار» ضعيفة.
وقال مرة: لو كان ذلك الحديث يثبت.
وقال مرة: كان شعبة يتهيب حديث ابن عمر للزيادة التي فيها: «النهار»؛ لأنه مشهور عن ابن عمر من وجوه: «صلاة الليل» ليس فيه: «والنهار»
وقال: وروى نافع عن ابن عمر أنه كان لا يرى بأسًا أن يصلي بالنهار أربعًا، وبعضهم قال: عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعًا، فلو كان حفظ ابن عمر عن النبي ? صلاة النهار مثنى مثنى لم يكن يصلي بالنهار أربعًا، وقد روي عن ابن عمر قوله: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، واللَّه أعلم
وتوقف الإمام أحمد في رواية عنه في هذا الحديث.
وقال مرة: إسناده جيد ونحن لا ننفيه
«فتح الباري» لابن رجب (9) / (100).
الثاني: حديث المطلب: «الصلاة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين ونخشع وتضرع وتمسكن».
قال الإمام أحمد: هو أنس بن أبي أنس، وإنما هو الصحيح: عمران ابن أبي أنس «مسائل ابن هانئ» ((2374)). انتهى
الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث (14) / (273) – (274)
تنبيه:
مسند أحمد (17525) – حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ? قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَضَرَّعُ، وَتَخَشَّعُ، وَتَسَاكَنُ، ثُمَّ تُقْنِعُ يَدَيْكَ – يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا – إِلَى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ، وَتَقُولُ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ – ثَلَاثًا – فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «هَذَا هُوَ عِنْدِي الصَّوَابُ»
قال محققو المسند: إسناده ضعيف كسابقيه. عمران: هو ابن أبي أنس.
وقد سلف هذا الحديث في مسند الفضل بن العباس برقم ((1799)) من طريق ابن المبارك، عن الليث، بهذا الإسناد. وقد ذكرنا هناك تخريجه، إلا أننا نزيد عليه هنا: فهو عند ابن المبارك أيضًا في «الزهد» ((1152))، وأخرجه من طريقه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» ((1095)).
وأخرجه الطحاوي ((1094))، والطبراني في «الأوسط» ((8627)) من طريق عبد الله بن صالح، عن ليث بن سعد، به.
وأخرجه الطحاوي ((1096)) من طريق ابن لهيعة، عن عبد ربه بن سعيد، به.
وانظر ((17523)).
مسند أحمد – ط الرسالة (29) / (68) — أحمد بن حنبل (ت (241))
قال العقيلي:
(893) – عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ رَوَى عَنْهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ. حَدَّثَنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ رَوَى عَنْهُ، عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ? قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى، وَتَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَضَرُّعٌ، وَتَخَشُّعٌ، وَتَمَسْكُنٌّ، وَتَفْتَحُ يَدَيْكَ، يَقُولُ: تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلًا بِبَطْنِهِمَا وَجْهَكَ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدٌ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «الصَّلَاةُ مَثْنَى» فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ. فِي الْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا نَظَرٌ، وَالْأَسَانِيدُ ثَابِتَةٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ? فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ.
ضعفاء العقيلي
6546 – (الص?ة مثنى مثنى، تشهد في كل ركعتين، وتضرع وتخشع، وتمسكن، ثم تقنع يديك – يقول: ترفعهما – إلى ربك مستقب? ببطونهما وجهك، وتقول: يا رب يا رب، فمن لم يفعل ذلك فهي خداج).
منكر. الضعيفة
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة رحمه الله:
فَصْلٌ:
الْمُوَالَاةُ فِي الْوُضُوءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
. وَالثَّالِثُ: الْوُجُوبُ إلَّا إذَا تَرَكَهَا لِعُذْرِ مِثْلُ عَدَمِ تَمَامِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ [أَحْمَد] ((2)).
قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ …..
وَأَيْضًا فَالْمُوَالَاةُ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ أَوْكَدُ مِنْهُ فِي الْوُضُوءِ وَمَعَ هَذَا فَتَفْرِيقُ الطَّوَافِ لِمَكْتُوبَةٍ تُقَامُ أَوْ جِنَازَةٍ تُحْضَرُ ثُمَّ يَبْنِي عَلَى الطَّوَافِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ: فَالْوُضُوءُ أَوْلَى بِذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ
الْوُضُوءِ ثُمَّ عَرَضَ أَمْرٌ وَاجِبٌ يَمْنَعُهُ عَنْ الْإِتْمَامِ – كَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ أَوْ أَمْرٍ بِمَعْرُوفِ وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلَهُ – ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَالطَّوَافِ وَأَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْوُضُوءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ تُفَرِّقُ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا بَيْنَ الْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ؛ وَالْمُفَرِّطِ؛ وَالْمُعْتَدِي؛ وَمَنْ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ وَلَا مُعْتَدٍ. وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مُعْتَمِدٌ وَهُوَ الْوَسَطُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْعَدْلُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ.
وَقَدْ تَأَمَّلْت مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَبَايَنُ فِيهَا النِّزَاعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا حَتَّى تَصِيرَ مُشَابِهَةً لِمَسَائِلِ الْأَهْوَاءِ؛ وَمَا يَتَعَصَّبُ لَهُ الطَّوَائِفُ مِنْ الْأَقْوَالِ؛ كَمَسَائِلِ الطَّرَائِقِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَبَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ وَغَيْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: فَوَجَدْت كَثِيرًا مِنْهَا يَعُودُ الصَّوَابُ فِيهِ إلَى الْوَسَطِ؛ كَمَسْأَلَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِغَيْرِ الْمَاءِ وَمَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ؛ وَإِخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ؛ وَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ وَالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ وَمَسْأَلَةِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتِهَا؛ وَبَيْعِ الْأَعْيَانِ الْغَائِبَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ فِي
الصَّلَاةِ وَمَسَائِلِ الشَّرِكَةِ: كَشَرِكَةِ الْأَبْدَانِ وَالْوُجُوهِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَمَسْأَلَةِ صِفَةِ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تُسَمَّى
مَسَائِلَ الْأُصُولِ: أَوْ أُصُولَ الدِّينِ؛ أَوْ أُصُولَ الْكَلَامِ؛ يَقَعُ فِيهَا اتِّبَاعُ الظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ. وَقَدْ قَرَّرْنَا أَيْضًا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ وَبَيْنَ الْمُنَافِقِ الزِّنْدِيقِ الْمُؤْمِنِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ ثُمَّ غَالِبُ الْخِلَافِ الْمُتَبَايِنِ فِيهَا يَعُودُ الْحَقُّ فِيهِ إلَى الْقَوْلِ الْوَسَطِ فِي مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ؛ وَمَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالْعَدْلِ؛ وَمَسَائِلِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ؛ وَمَسَائِلِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ. وَمَسَائِلِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ وَمَسَائِلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَمَذَاهِبِهِمْ أَوْ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ؛ فَأَمْرُهُمْ وَنَهْيُهُمْ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْفِتَنِ. وَأَمْثَالِ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ. وَأَيْضًا فَعُمْدَةُ الْقِيَاسِ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ يَجِبُ فِيهَا التَّرْتِيبُ؛ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ السُّجُودِ عَلَى الرُّكُوعِ. وَتَجِبُ فِيهَا الْمُوَالَاةُ؛ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا بِمَا يُنَافِيهَا؛ وَالصَّلَاةُ مَعَ هَذَا عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَّصِلَةُ الْأَجْزَاءِ؛ لَيْسَ بَيْنَ أَجْزَائِهَا فَصْلٌ أَصْلًا حَتَّى يُمْكِنَ فِي ذَلِكَ
الْمُتَابَعَةُ أَوْ التَّفْرِيقُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِعُذْرِ كَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِضَرُورَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: {أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَةٍ تَذْهَبُ وِجَاهَ الْعَدُوِّ؛ فَإِذَا صَلَّتْ الثَّانِيَةَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ذَهَبَتْ أَيْضًا إلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ رَجَعَتْ
الْأُولَى إلَى مَوْقِفِهَا فَأَتَمَّتْ الصَّلَاةَ ثُمَّ الثَّانِيَةَ} وَالصِّفَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَهِيَ جَائِزَةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ … وذكر تفريق الصلاة سهوا
فَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ إلَّا مُتَّصِلَةً لَا يَسْتَوِي تَفْرِيقُهَا فِي حَالِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ: فَكَيْفَ يَسْتَوِي تَفْرِيقُ الْوُضُوءِ فِي حَالِ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ؟ مَعَ أَنَّ الْوُضُوءَ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوِتْرِ بِثَلَاثِ مُتَّصِلَةٍ وَثَلَاثٍ يُفْصَلُ فِيهَا بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ: إلَّا بِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ؟ وَلِهَذَا يَقُولُونَ: يُفْصَلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ؛ أَوْ لَا يُفْصَلُ بِتَسْلِيمَةٍ. فَمِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَنْ لَا يُسَوِّغُ الْفَصْلَ كَالْمَغْرِبِ. وَيَجْعَلُ وَتْرَ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ إلَّا كَوِتْرِ النَّهَارِ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْفَصِلٍ. وَمِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ مَنْ لَا يُسَوِّغُ إلَّا الْفَصْلَ؛ لِقَوْلِهِ ? {صَلَاةُ اللَّيْلِ
مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةِ}. وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَخْتَارُونَ الْفَصْلَ لِصِحَّةِ الْآثَارِ وَكَثْرَتِهَا بِهِ وَإِنْ جَوَّزُوا الْوَصْلَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ بَيْنَ صُورَتَيْ الْوِتْرِ فَرْقًا: إلَّا كَوْنَ هَذَا مُتَّصِلًا وَهَذَا مُنْفَصِلًا. وَهَذَا هُوَ الْمُوَالَاةُ وَالتَّفْرِيقُ؛ فَتُبَيِّنُ أَنَّ السَّلَامَ الْعَمْدَ إنَّمَا أَبْطَلَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا سُنَّتُهُ الِاتِّصَالُ: لِأَجْلِ تَفْرِيقِ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ وَكُلُّ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ عَمَلٍ كَثِيرٍ؛ أَوْ تَعَمُّدِ كَلَامٍ وَتَرْكِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا – مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَوْ سَتْرِ عَوْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ – فَإِنَّهُ مَعَ مُنَافَاتِهِ بِفَرْقِ بَيْنَ أَبْعَاضِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا كَمَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا كَمَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ لَكِنَّ فُقَهَاءَ الْحَدِيثِ وَأَهْلَ الْحِجَازِ مَنَعُوا ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ? {مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ
الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ} وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلَّا بِالْمَشْرُوعِ؛ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْمَشْرُوعِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْكَلَامَ فِي هَذَا أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ يُجَوِّزُ الْوِتْرَ بِثَلَاثِ مَفْصُولَةٍ – كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد
وَغَيْرِهِمَا – يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الَّتِي لَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ يَفْصِلُ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ كَالْوِتْرِ وَالضُّحَى وَقِيَامِ رَمَضَانَ وَالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَاخْتِيَارُهُمْ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أَنْ تَكُونَ مَثْنَى مَثْنَى: إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَد مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ? فِيهَا الْفَصْلُ: كَالْوِتْرِ بِخَمْسِ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ فِيهَا مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ? فِعْلُهُ وَيَقُولُونَ: أَدْنَى الْوِتْرِ ثَلَاثٌ مَفْصُولَةٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَائِشَةَ: {أَنَّ النَّبِيَّ ? كَانَ يُوتِرُ مِنْ اللَّيْلِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَفْصِلُ بَيْن كُلِّ رَكْعَتَيْنِ} فَسُمَّتْ الْجَمِيعُ وِتْرًا مَعَ الْفَصْلِ. وَقَدْ يُنَازِعُهُمْ فِي هَذَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ إذْ الْمَسْنُونُ عِنْدَهُمْ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ الْوَصْلُ وَكَذَلِكَ فِي الْوِتْرِ بِثَلَاثِ وَكَذَلِكَ إذَا جَاءَ ذِكْرُ صَلَاةِ أَرْبَعٍ أَوْ ثَمَانٍ: يَجْعَلُونَهَا بِتَسْلِيمَةٍ …..
ثم اخيرا قرر ان ترك الموالاة في الوضوء لعذر جائزه:
نَظِيرَهُ حَدِيثُ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ: إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَغَسَلَهُمَا فَقَطْ أَوْ مَنْ تَرَكَ غَسْلَ وَجْهِهِ أَوْ يَدَيْهِ لِجُرْحِ أَوْ مَرَضٍ وَغَسَلَ سَائِرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ: فَهُنَا إذَا قِيلَ: يَغْسِلُ مَا تَرَكَ أَوَّلًا وَلَا يَضُرُّهُ تَرْكُ التَّرْتِيبِ: كَانَ مُتَوَجِّهًا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى
وراجع تقريب فتاوى ابن تيمية (3) / (299) —
- قال الإمام ابن عبد البر في كتابه «التمهيد» ((13) / (244)):
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الحسن: صلاةالليل وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ: صَلِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِنْ شِئْتَ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا أَوْ ثَمَانِيًا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: صَلِّ مَا شِئْتَ بَعْدَ أَنْ تَقْعُدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَصَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعًا. وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَالنَّهَارِ أَرْبَعُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، إِنْ شَاءَ لَا يسلم إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَسْأَلُ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ؛ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى، وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا بَاسَ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ. فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ، وَمَعَ هَذَا حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَالْفَجْرِ وَالْأَضْحَى وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: قَالَ لِي نَافِعٌ: أَمَّا نَحْنُ فَنُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِمُحَمَّدٍ فَقَالَ: لَوْ صَلَّى مَثْنَى كَانَ أَجْدَرُ أَنْ يُحْفَظَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَوْلُهُ ?: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي بِاللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى. وَلَوْ قَالَ لَهُ: وَبِالنَّهَارِ؟ جَازَ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ أَيْضًا مَثْنَى مَثْنَى وَمَا خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا عَدَاهُ وَسَكَتَ عَنْهُ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ فَصَلَاةُ النَّهَارِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى دَلَائِلِهَا:
فَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا وَصَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى جَمِيعًا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى تَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» لَمْ يَخُصَّ لَيْلًا مِنْ نَهَارٍ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ أبي أنس عن عبد الله بن نافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى يُتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» ((1)) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَرَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ فَخَالَفَ شُعْبَةَ فِي إِسْنَادِهِ.
ثم استدل بحديث علي البارقي الأزدي عن ابن عمر: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى»، وقد تقدم أنه غير محفوظ.
ثم قال: وَذَكَرَ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يُسَلِّمُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَهَذِهِ فَتْوَى ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ?: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى»، وَعَلِمَ مَخْرَجَهُ وَفَهِمَ مُرَادَهُ، وَحَدِيثُ مَالِكٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ بَلَاغَاتِهِ؛ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بكير بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أن مُحمدَ بنَ عَبدَ الرَّحمنِ بْنِ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» يَعْنِي التَّطَوُّعَ.
وَمِنَ الدَّلِيلِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى كَصَلَاةِ اللَّيْلِ سَوَاءً: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? كَانَ يُصَلي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَكْعَتِي الْفَجْرِ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ، وَصَلَاةُ الْفِطَرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ.
وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ»، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ. اهـ
وفي «الأوسط» لابن المنذر ((5) / (236)): وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ: “الَّذِي نَخْتَارُ لَهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، إِلَّا الْوِتْرَ؛ فَإِنَّ لَهُ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً، وَأَمَّا صَلَاةُ النَّهَارِ فَأَخْتَارُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا، وَضَحْوَةً أَرْبَعًا، لِمَا جَاءَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ كَانَ جَائِزًا.
وَفِيهِ قَوْلٌ آخر: وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُجْزِيكَ التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَكَ حَاجَةٌ فَتُسَلِّمَ. هَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ عَطَاءٌ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الرَّجُلُ فِي سَعَةٍ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ فَصَلَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ ثِنْتَيْنِ. اهـ
وقال النووي في «المجموع» ((4) / (49)): قال أصحابنا: التطوع الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ، وَلَا حَصْرَ لَهُ، وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِ الْوَاحِدَةِ مِنْه لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا وَلَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا شَرَعَ فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فَيَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَوْ صَلَّى عَدَدًا لَا يَعْلَمُهُ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ? فِي الْإِمْلَاءِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أبا ذر صَلَّى عَدَدًا كَثِيرًا، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ تَدْرِي: انْصَرَفْتَ عَلَى شَفْعٍ أَمْ على وِتْرٍ؟ قَالَ: إلَّا أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ اللَّهَ يَدْرِي إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ ? يَقُولُ -ثُمَّ بَكَى- ثُمَّ قَالَ:
إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ ? يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يسجد لله سجدة الا رفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي عَدَالَتِهِ.
قال القاضي أبو يعلى:
81 – مَسْألَة: الأفضل في النوافل أن يسلِّم من كل ركعتين، بالليل والنهار:
نص عليه في رواية الفضل بن زياد، وأبي بكر بن حماد المقرئ، وأحمد بن أصرم المزني.
وهو قول مالك، والشافعي – رحمهما الله -.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: في صلاة الليل إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء أربعًا، وإن شاء ستًا، وإن شاء ثمانيًا، ولا يزيد على ذلك بتسليمة واحدة، وفي صلاة النهار إن شاء أربعًا، وإن شاء ركعتين بسلام، ولا يزيد على الأربع بسلام واحد.
دليلنا: ما روى أحمد رحمه الله – ذكره أبو بكر في كتابه – قال: نا غير واحد، وجَوَّده غُندر، قال: نا شعبة عن يعلى بن عطاء: [أنه سمع] عليًا الأزدي [يحدث: أنه] سمع ابن عمر رضي الله عنهما: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “صلاة الليل مثنى مثنى”.
وروى أحمد – وذكره أبو بكر – قال: نا أبو أحمد الزبيري قال: نا عبد العزيز بن أبي رَوَّاد عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم سأله عن صلاة الليل؟ فقال: “صلاة الليل مثنى مثنى، تسلم في كل ركعتين، فإذا خِفْتَ الصبحَ، فصلِّ ركعة توتر لك ما قبلَها” ……
وروى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم من كل ثنتين، ويوتر بواحدة.
ولا يجوز أن يكون فعله مخالفًا لقوله، فدل على أن المراد به: مثنى مثنى بالتسليم.
والقياس: أنها صلاة تطوع مشفوعة، فالأفضل أن تكون ركعتين؛ قياسًا على ركعتي الفجر، وتحية المسجد، وصلاة التراويح.
فإن قيل: ركعتا الفجر ثبت في الأصل كذلك، فلم تجز الزيادة عليها، وما اختلفنا فيه تطوع مبتدأ، فالأفضل المتابعة فيه.
قيل له: فلهذا المعنى قسنا، وهو أنه ثبت في الأصل على هذا الوجه، وهي نافلة، فيجب أن تُحمل بقية النوافل على ذلك.
فإن قيل: ليس من حيث كان بعض النوافل ركعتين يجب أن يكون جميعها كذلك؛ كالفروض.
قيل له: لا يمتنع أن تختلف الفروض، وتتفق النوافل؛ بدليل: أن المغرب ثلاث، والنفل لا يكون ثلاثًا …
[التعليقة الكبيرة – أبو يعلى – من الصلاة للجنائز 2/ 150]
قال القاضي عياض:
واختلف فى العدد الذى يجمع بين الركعات فى صلاة النافلة من غير فصل، فقال مالك: لا يُجمع أكثر من ركعتين، وقال أبو حنيفة: يُصلى اثنتين إن شاء، أو أربعاً، أو ستاً أو ثمانياً، ولا يزيد على الثمانِ، واعتمد مالك على حديث مثنى مثنى، وعلى حديث ابن عباس حين بات عند خالته ميمونة (3) وقدم ذلك على غيره من الأحاديث لما ترجح به عنده من مصاحبة العمل. وغير ذلك، واحتج المخالف للاثنين بهذه الأحاديث، وللأربع بما وقع فى حديث عائشة [- رضى الله عنها – أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى الضحى أربعاً] (4) ربما فى صلاته عليه السلام فى الليل [وكذلك حديث أم هانئ فى الثمان، ومالك قد يحمل ذلك على أنه كان يسلم صلى الله عليه وسلم من كل ركعتين ليس فى الأحاديث التصريح بأنه لم يسلم، ويحتج – أيضاً – المخالف فى نفيه المذكور بما فى حديث عائشة – رضى الله عنها – الذى فى الكتاب من صلاته عليه السلام فى] (5) الليل سبعاً وثمانياً، يرجح المخالف مذهبه بأنه يستعمل جميع الأحاديث ولا يسقط منها شيئاً ويقول [فى المذهب] (1) الذى يؤدى إلى استعمال الأحاديث أرجح من الذى يسقط بعضها.
قال القاضى: وقوله عن ابن أبى ليلى عن أم هانئ: ” أن صلاة النبى صلى الله عليه وسلم الضحى ثمانى ركعات يوم الفتح كان فى بيتها “، وهكذا ذكره – أيضاً – مسلم عن أبى مرة (2) من غير طريق مالك وذكر حديث مالك وهو فى الموطأ عنه: ” ذهبت إلى النبى صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل ” الحديث (3)، وهذا أصح؛ لأن نزول النبى صلى الله عليه وسلم إنما كان بالأبطح وقد وقع مفسراً فى حديث سعيد بن أبى سعيد (4)
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 56]
قال زين الدين العراقي:
[فَائِدَة نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ] 1
(السَّادِسَةُ) اُسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ لَا يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْهُ وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَاهُ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ أَيْضًا التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ اللَّيْثِ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَالْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ تَرْجِيحُ أَرْبَعٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى»
سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ، وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى هَذَا أَصَحِيحٌ هُوَ؟ فَقَالَ نَعَمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مُضَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلَتْ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَقَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعٌ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ إنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَقَالَ بِأَيِّ حَدِيثٍ؟ فَقُلْت بِحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» فَقَالَ وَمَنْ عَلِيٌّ الْأَسَدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ هَذَا،، أَدَعُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَآخُذُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ،، لَوْ كَانَ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمْ يُخَالِفْهُ ابْنُ عُمَرَ قَالَ وَكَانَ شُعْبَةُ يَنْفِي هَذَا الْحَدِيثَ وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ لَا نَكَارَةَ فِيهِ وَلَا مَدْفَعَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُصُولِ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ ذَكَرَ فِي مُوَطَّآتِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَقَدْ رُوِيَ «قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ» وَقَالَ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ».
«وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ نَهَارًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» وَصَلَاةُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا وَجَبَ رَدُّ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إلَيْهِ قِيَاسًا وَنَظَرًا انْتَهَى.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ رَوَى هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَافِعٌ وَطَاوُسٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ صَلَاةَ النَّهَارِ إلَّا أَنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَاتِ أَنْ تُقْبَلَ وَقَدْ «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَالِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ انْتَهَى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَخَالَفَهُ نَافِعٌ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ انْتَهَى.
وَأَجَابُوا عَنْ مَفْهُومِ الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِجَوَابَيْنِ:
(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ سَأَلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَكَأَنَّ التَّقْيِيدَ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ لَيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لَا لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِهَا كَيْفَ وَقَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ النَّهَارِ مِثْلُ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَهُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَأَمَّا فِعْلُ رَاوِي الْحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ صَلَاتُهُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ «إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ ثُمَّ إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابَةُ لَا بِمَا رَأَىهُ وَفَعَلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعَةُ) وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ صَلَاةَ النَّهَارِ أَيْضًا مَثْنَى فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَوْنُهَا مَثْنَى بَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي النَّافِلَةِ فَقَالَ أَمَّا الَّذِي أَخْتَارُ فَمَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَاسَ وَأَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ فَذَكَرْت لَهُ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ يَثْبُتُ وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي فِي تَطَوُّعِهِ بِالنَّهَارِ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ فَلَا بَاسَ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأَرْبَعِ لَا عَلَى تَفْضِيلِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَارِقِيِّ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ النَّهَارِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّوَاةِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْفَضِيلَةُ مَعَ جَوَازِ غَيْرِهِ انْتَهَى.
[فَائِدَة التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ]
(الثَّامِنَةُ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَنْعِ التَّطَوُّعِ بِرَكْعَةٍ فَرْدَةٍ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ جَوَازُهُ قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَكَعَ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا رَكَعْت إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً قَالَ هُوَ التَّطَوُّعُ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ.
[طرح التثريب في شرح التقريب 3/ 75]
قال ابن تيمية:
وَأَمَّا احْتِجَاجُ ابْنِ حَزْمٍ عَلَى أَنَّ مَا دُونُ رَكْعَتَيْنِ
لَيْسَ بِصَلَاةِ بِقَوْلِهِ: {صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى} فَهَذَا يَرْوِيهِ الأزدي عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ خِلَافُ مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ الْمَعْرُوفُونَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. فَإِنَّهُمْ رَوَوْا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ: {صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الْفَجْرَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ} وَلِهَذَا ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ حَدِيثَ الْبَارِقِيَّ. وَلَا يُقَالُ هَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ الثِّقَةِ؛ فَتَكُونُ مَقْبُولَةً لِوُجُوهِ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مُتَكَلَّمٌ فِيهِ. الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُخَالِفْ الْجُمْهُورَ وَإِلَّا فَإِذَا انْفَرَدَ عَنْ الْجُمْهُورِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ذَكَرَ ابْنُ عُمَرَ: {أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ? عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ
فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا ذَكَرَ
صَلَاةَ اللَّيْلِ مُنْفَرِدَةً كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسَّائِلُ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّبِيُّ ? وَإِنْ كَانَ قَدْ يُجِيبُ عَنْ أَعَمَّ مِمَّا سُئِلَ عَنْهُ – كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَحْرِ لَمَّا {قِيلَ لَهُ: إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ. الْحِلُّ مَيْتَتُهُ} – لَكِنْ يَكُونُ الْجَوَابُ مُنْتَظِمًا كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَهُنَاكَ إذَا ذُكِرَ النَّهَارُ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ مُنْتَظِمًا؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِيهِ قَوْلُهُ: {فَإِذَا خِفْت الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ} وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الْحَدِيثِ لَا رَيْبَ فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَدْ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ? فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَلَامًا مُبْتَدَأً لِآخَرَ: إمَّا لِهَذَا السَّائِلِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ. قِيلَ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا رَوَاهُ هَكَذَا فَذَكَرُوا فِي أَوَّلِهِ السُّؤَالَ وَفِي آخِرِهِ الْوِتْرَ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَهَذَا خَالَفَهُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ مَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا مَا فِي آخِرِهِ وَزَادَ فِي وَسَطِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَمَا أَشْبَهَهَا مَتَى تَأَمَّلَهَا اللَّبِيبُ عَلِمَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي الْحَدِيثِ
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ أَوْجَبَ رِيبَةً قَوِيَّةً تَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ
بِهِ عَلَى إثْبَاتِ مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ.
مجموع الفتاوى (23) / (169) — ابن تيمية
الحديث الأول
(126) / (1) / (23) – عن عبد الله بن عمر قال: سأل رجل النبي ? وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل قال: «مثنى مثنى، فإذا خشى الصبح صلى واحدة، فأوترت له ما [قد] ((1)) صلى»، وأنه كان يقول: «اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا» ((2)).
الكلام عليه من وجوه:
السادس: قوله: (مثنى مثنى) تمسك به مالك
في أنه لا يزاد في صلاة النفل على ركعتين سواء كان بالليل أو بالنهار، وبه قال الشافعي وأحمد، ومسلم أبو حنيفة في صلاة الليل. وقال في نفل النهار: رباع من حيث أن صلاة النهار، وهي الظهر والعصر رباعيتان، فنفله كفرضه، وأما الليل فصلاته فرضًا ثلاثية ورباعية. وقد نص الشارع على أن نفله مثنى فلا يتعدى.
وأجاب الأولون والجمهور: بأنه صح في رواية
أخرى من حديث ابن عمر أيضًا: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه [أصحاب السنن الأربعة ((2)) وصححه البخاري ((1))، وابن حبان ((2)) والحاكم ((3)) والبيهقي] ((1))، وهذه الرواية رافعة لحصر [رواية] ((2)) الصحيحين [وتحمل على أنها جواب لمن خص الليل بالذكر] ((3))، وحديث عائشة الآتي يدل على عدم انحصار صلاة الليل في ذلك.
السابع: هذا الحديث عند الشافعي محمول على
الأفضل، فلو جمع ركعات بتسليمة واحدة جاز، وكذا إذا تطوع بركعة واحدة،
وخالف مالك فيهما وأبو حنيفة في الثاني عملًا
بظاهر هذا الحديث، وهذا أولى من الاستدلال بأنه لو كانت الركعة الفردة صلاة لما امتنع قصر صلاة الصبح والمغرب، فإنه ضعيف.
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3) / (523) — ابن الملقن
قال ابن عثيمين:
وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى مَثْنَى ………..
قوله: «وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى» يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في «صحيح» البخاري ومسلم مِن حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً سأل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: «مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ؛ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى».
وأما «النَّهار» فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه.
والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ رحمه الله. وعلى هذا؛ فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم؛ فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحمل الجزئيات عليها. فقول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في رمضان: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ»، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل «ثم» التي للترتيب والمهلة. وقد سبقت هذه المسألة.
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 4/ 76]
قال الإتيوبي:
المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في الفصل بين كل ركعتين من صلاة النهار.
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله بعد ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فواحدة”: وبهذا قال كثير من أهل العلم.
واختلفوا في صلاة النهار فقالت طائفة: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، روي هذا القول عن الحسن، وسعيد بن جبير، وقال حماد في صلاة النهار مثنى مثنى، وممن قال: إن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى مالك بن أنس، والشافعيّ، وأحمد بن حنبل، واحتج أحمد بأحاديث، منها حديث ابن عمر في تطوّع النبي صلى الله عليه وسلم، ركعتين بعد الظهر، وركعتان، وركعتان، وحديث العيد ركعتان، والاستسقاء ركعتان، و”إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين، قبل أن يجلس”، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته صلى ركعتين، وذكر أحمد حديث ابن عمر الذي يرويه يعلي بن عطاء، قيل له: أو ليس قد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر أربعًا؟ قال: قد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات، فتراه لم يسلّم فيها؟.
وذهبت طائفة: إلى أن صلاة الليل مثنى مثنى، ويصلي بالنهار أربعًا، ثبت عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك: حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى، ويصلي بالنهار أربعًا أربعًا، ثم يسلّم.
وقال الأوزاعيّ: صلاة الليل مثنى مثنى، وصلاة النهار إن شاء أربعا قبل أن يسلّم. وقال النعمان في صلاة الليل: إن شئت فصل بتكبيرة ركعتين، وإن شئت أربعًا، وإن شئت ستًا، وقال يعقوب، ومحمد: صلاة الليل مثنى مثنى، وقال النعمان: وأما صلاة النهار، فصل بتكبيرة ركعتين، وإن شئت أربعًا.
وكان إسحاق بن راهويه يقول: الذي نختار له أن تكون صلاته بالليل مثنى مثنى، إلا الوتر، فإن له أحكامًا مختلفة، وأما صلاة النهار، فاختار أن يصلي قبل الظهر أربعًا، وقبل العصر أربعًا، وضحوة أربعًا، لما جاء عن ابن مسعود، وعلي، وابن عمر من وجه واحد، فإن صلى بالنهار ركعتين ركعتين كان جائزًا.
وذهبت طائفة: إلى أن صلاة الليل والنهار يجزيك التشهد في الصلاة إلا أن تكون لك حاجة، فتسلم، هكذا قال إبراهيم، وقال عطاء كذلك، وقال الأوزاعي: الرجل في سعة من صلاة النهار أن لا يسلّم من كل ثنتين، وإن يفصل بعضها عن بعض بعد أن يتشهد في كل ثنتين.
قال ابن المنذر رحمه الله: صلاة الليل مثنى مثنى لحديث ابن عمر. انتهى.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الأرجح عندي، استحباب صلاة الليل مثنى مثنى لأحاديث الباب، وغيرها، وأما صلاة النهار، فإن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعًا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 18/ 19]
فتاوى:
– حكم صلاة أربع ركعات متصلة قبل الظهر
س: بالنسبة لنافلة الظهر هل لها تشهد أوسط أم تكون أربع ركعات متصلة؟ أفيدونا أفادكم الله ((1)) ج: السنة ركعتان ركعتان، يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم ركعتين ويسلم؛ لقول النبي ?: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ((2))» فأربع قبل الظهر تسليمتين، وأربع بعدها بتسليمتين، وإن صلى بعدها ركعتين فقط الراتبة فلا بأس، وإن زاد وصلى أربعا بعدها فهو أفضل لقوله ?: «من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله عن النار ((1))» وكان ? يصلي أربعا قبلها، واثنتين بعدها، هذه الراتبة، من زاد وصلى أربعا قبلها وأربعا بعدها صارت ثمانيا، قبلها أربع وبعدها أربع كان ذلك أفضل، وله هذا الخير، من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله تعالى عن النار. فيكون ثنتين ثنتين، يسلم من كل ثنتين، هذا هو السنة.
فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (10) / (299) – (300)
قال صاحب فتح العلام في شرح بلوغ المرام:
مسألة [(2)]: هل للمصلي أن يتنفل بأكثر من ركعتين متصلة، بدون تقييد عدد؟
قال أبو عبد الله غفر الله له: بالنظر إلى فعله؛ فإن عامة ما ورد عن النبي ? من الأحاديث فيه أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، وورد في صلاة الليل أنه صلَّى صلى الله عليه وسلم أربعًا متصلة، وخمسًا، وسبعًا، وتسعًا، كما تقدم بيان ذلك.
وأما في النهار فلم يثبت عنه صريحًا، أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى أكثر من ركعتين متصلة بسلام واحد، ولكن ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح كما تقدم أنه كان يتنفل بأربعٍ متصلة في النهار؛ وعليه فلا بأس بذلك كما فعل هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه
وأما التنفل بأكثر من أربع متصلة في النهار؛ فنختار تركه، ومن عمل ذلك قياسًّا على ما جاء في الليل؛ فلا نستطيع أن نحكم على صلاته بالبطلان.
وأما الحديث الوارد عن أبي ذر رضي الله عنه؛ فإنه من طريق هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس، عن أبي ذر رضي الله عنه. قال ابن عساكر كما في «معجم الشيوخ» ((652)): منقطع، هارون بن رئاب لم يدرك الأحنف بن قيس. اهـ
والتنفل بالنهار لا يكون بالوتر؛ فالنبي ? لما كان يقضي ما فاته من الليل في النهار كان يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة. وكذلك في حديث سجود السهو،
قال: قال رسول الله ?: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان» أخرجه مسلم ((571)) عن أبي سعيد الخدري.
فقوله: «شفعن له صلاته» يدل على عدم مشروعية التنفل بالنهار وترًا.
وحديث أبي ذر المتقدم تقدم أنه ضعيف، وكذلك ما أخرجه عبد الرزاق ((3) / (154))، وابن أبي شيبة ((2) / (232))، والبيهقي ((3) / (24)) من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد فركع ركعة، فقيل له: فقال: إنما هو تطوع فمن شاء زاد، ومن شاء نقص، كرهت أن أتخذه طريقا. فإنه أيضًا ضعيف؛ فإن قابوس بن أبي ظبيان ضعيف، وأبو ظبيان لا يعلم له سماع من عمر رضي الله عنه
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط (4) (2) / (673) – (678)