593 – تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح
ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
سنن الترمذي
باب ما ذُكِرَ في الثَّنَاءِ على الله والصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم قبلَ الدُّعَاءِ
593 – حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَاتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ» وَفِي البَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»: هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ مُخْتَصَرًا
[حكم الألباني]: حسن صحيح
الحديث في الصحيح المسند 852
قال البغوي:
رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ».
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عز وجل، فَلْيَبْدَأْ بِالْمِدْحَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ يَصُلي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَسْأَلْ بَعْدُ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنْجِحَ.
[شرح السنة للبغوي 5/ 205]
قال ابن الأثير:
الفصل الثالث: في كيفية الدعاء
2120 – (ت د س) فضالة بن عبيد رضي الله عنه: قال: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صلاته، فَلم يُصَلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَجِلَ هَذا» ثُمَّ دَعَاهُ فقال له – أو لغيره -: «إِذَا صَلَّى أحَدُكمْ فَليَبْدَأْ بِتَحمِيدِ الله والثَّنَاءِ عليه، ثُمَّ ليُصَلِّ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لْيَدعُ بعدُ مَا شَاءَ».
وفي روايةٍ قال: بَيْنَمَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ، إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فقال: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وارحَمْني، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عَجِلْتَ أيُّها المُصَلِّي، إذا صَلَّيْتَ فَقَعَدتَ فَاحْمَدِ الله بِمَا هو أهْلُهُ، وَصَلِّ عَليَّ، ثم ادْعُهُ، قال: ثم صَلَّى رَجُلٌ آخرُ بعد ذلك، فَحَمدَ الله، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا المُصَلِّي، ادعُ اللهَ تُجَبْ». أخرجه الترمذي (1).
وفي رواية أبي داود: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً يَدعُو في صَلاتِهِ، لم يُمَجِّدِ اللهَ، ولم يُصَلِّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «عَجِلَ هذا، ثم دَعَاهُ، فقال له – أو لغيره -: إِذا صلَّى أَحَدُكمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْميدِ رَبِّهِ، والثَّنَاءِ عليه، ويُصلِّي على النبيِّ- صلى الله عليه وسلم ثم يَدعُو بَعدُ ما شاءَ».
وفي رواية النسائي مثل رواية أَبي داود، وفيه: فقال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم: «عَجِلَ هذا المُصَلِّي، ثم عَلَّمَهُمْ رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم، ثم سَمِعَ رجلاً يُصلِّي، فَمَجَّدَ اللهَ وحَمِدَهُ، وصلى على النبيِّ- صلى الله عليه وسلم، فقال النبيُّ- صلى الله عليه وسلم: ادعُ تُجَبْ، سَلْ تُعْطَ» (2).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(لم يمجد): التمجيد: التعظيم وقيل: المجد الشريف.
2121 – (ت) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاء مَوْقُوفٌ بَينَ السَّماءِ والأرض، لا يَصعَدُ حتى يَصَلَّى عَلَيَّ، فلا تَجْعَلُوني كَغُمْرِ الرَّاكِبِ، صَلوا عَلَيَّ، أوَّلَ الدُّعَاءِ، وأَوسَطَهُ، وآخِرَهُ» هذه الرواية ذكرها رزين (1).
وأخرجه الترمذي موقوفاً على عمر، وقال في آخره: «حتى تُصَلِّيَ على نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم» (2).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(كغمر الراكب): الغمر: القدح الصغير، كالقَعْب، والمعنى: أن الراكب يحمل رحله وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله، ثم يعلِّقه إما على آخرة الرحل أو نحوها، كالعلاوة، فليس عنده بمهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الذي لا يُقدَّم في المهام فيجعل تبعاً، والمراد به: الحث على الصلاة عليه أولاً ووسطاً، والاهتمام بشأنها.
تنبيه: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاء مَوْقُوفٌ بَينَ السَّماءِ والأرض، لا يَصعَدُ حتى يَصَلَّى عَلَيَّ، فلا تَجْعَلُوني كَغُمْرِ الرَّاكِبِ، صَلوا عَلَيَّ، أوَّلَ الدُّعَاءِ، وأَوسَطَهُ، وآخِرَهُ» هذه الرواية ذكرها رزين (1).
وأخرجه الترمذي موقوفاً على عمر، وقال في آخره: «حتى تُصَلِّيَ على نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم» (2).
قال ابن كثير (ت 774هـ): فَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ
وقال الهيثمي (ت 807هـ): رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ
وقال البوصيري (ت840هـ): هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِضَعْفِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ
قال السخاوي (ت 902هـ): وسنده مرسل أو معضل، فإن كان يعقوب أخذه عن غير موسى تقوَّت به رواية موسى، والعلم عند الله تعالى [
2122 – (ت) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال: كنتُ أُصَلي والنبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ، وعمرُ معه، فلما جلستُ بَدَأتُ بالثَّنَاءِ على الله، ثم الصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثم دعوتُ لنفسي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَلْ تُعْطَهُ، سَل تُعْطَهُ». أخرجه الترمذي (1).
2123 – (ت) أبيّ بن كعب رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذا ذكر أحداً فَدَعا له، بَدَأ بنفسه». أخرجه الترمذي
2124 – (د) أبو مصبح المقرائي (1) رحمه الله: قال: «كُنَّا نَجلِسُ إلى أبي زُهيرٍ النُّمَيريِّ – وكان من الصحابة – فَيُحَدِّثُ أحسنَ الحديث، فإذا دَعا الرجلُ مِنا بِدُعاءٍ قال: اخْتِمْهُ بآمين، فَإِنَّ آمِين مثلُ الطَّابَعِ على الصَّحيفَةِ، قال أبو زُهير: أُخبِرُكم عن ذلك: خَرَجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ لَيْلَةٍ، فَأتَينَا على رجلٍ قد أَلحَّ في المسألة، فوقف رسولُ الله يَسْتَمِعُ منه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أوجَبَ إنْ خَتَمَ، فقال رجل من القوم: بأي شيءٍ يَختِمُ يا رسولَ الله؟ قال: بِآمين، فَإِنَّهُ إن خَتَمَ بآمين فقد أوجَبَ، فانصرفَ الرجلُ الذي سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأتَى الرجل فقال: يا فلان، اخْتم بآمين وَأَبْشِرْ». أخرجه أبو داود (2).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(الطابع): الخاتم، يريد أنه يختم عليها وترفع: تدخر كما يفعل الإنسان بما يعز عليه من ماله إذا خزنه.
(أوجب) الرجل: إذا فعل فعلاً تجب له به الجنة أو النار.
(ص) حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ الدِّمَشْقِيُّ وَمَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قَالاَ نَا الْفِرْيَابِيُّ عَنْ صُبَيْحِ بْنِ مُحْرِزٍ الْحِمْصِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو مُصْبِحٍ الْمَقْرَائِيُّ قَالَ كُنَّا نَجْلِسُ إِلَى أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ -وَكَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ ….
و (صبيح) ضبطه بعضهم بضم الصاد وبعضهم بفتحها (ابن محرز) بضم فسكون فكسر. روى عن عمرو بن قيس وأبي مصبح المقرائى. وعنه محمَّد بن يوسف الفريابي. ذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب مقبول من السابعة. و (أبو مصبح) الروياني الأوزاعي الحمصي روى عن ثوبان وأبي زهير وشداد بن أوس وشرحبيل بن السمط وغيرها. وعنه الأوزاعي وحريز بن عثمان وعبد الرحمن بن يزيد. قال أبو زرعة ثقة لا أعرف اسمه وذكره ابن حبان في الثقات وقال في القريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود
(قوله كنا نجلس إلى أبي زهير النميري) ويقال أبو الأزهر ولم يعرف اسمه وقيل اسمه يحيى بن نفير. روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعنه خالد بن سعد وكثير بن مرّة وشريح بن عبيد
المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (6) / (41)
لكن يشهد لآمين ختم الفاتحة بآمين. وكذلك قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم من ادركه رمضان فلم يغفر له أبعده الله قل آمين فقال آمين ….
وكذلك قول الله عزوجل: قد أجيبت دعوتكما ….. قالوا موسى يدعو وهارون يأمن
2125 – (خ م) أنس بن مالك رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دعا أَحدُكم فَليَعْزِمِ المسأَلَةَ، ولا يَقُل (1): اللَّهُم إن شِئْتَ فَأَعطني، فَإنَّ الله لا مُسْتَكْرِهَ له» أخرجه البخاري، ومسلم (2).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(فليعزم): عزمت على الأمر: إذا عقدت قلبك عليه، وجددت في فعله، والعزم: الجد والقطع على فعل الشيء ونفي التردد عنه، المعنى: لا تكن في دعائك متردداً، بل اجزم المسألة.
2126 – (خ م ط ت د) أبو هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلا يَقل: اللهم اغفر لي إن شئتَ، اللَّهُمَّ ارحمني إِنْ شِئْتَ، ولكن لَيَعْزِمِ المسأَلَة، فَإِنَّ اللهَ لا مُكرِهَ لَهُ». أخرجه الجماعة إلا النسائي.
وفي رواية للبخاري قال: «لا يَقُلْ أَحَدُكْم: اللَّهمَّ اغفِر لي إن شِئْتَ، ارحمني إِن شِئْتَ، ارزُقني إن شِئتَ، ولَيَعْزِم مَسَأَلَتَهُ، إِنَّهُ يَفْعلُ ما يَشاءُ، لا مُكْرِهَ له».
وفي رواية لمسلم: «لا يَقُولَنَّ أحَدُكم: اللَّهمَّ اغْفِر لي إن شِئْتَ، ارحَمني إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمَ في الدعاء، فإنَّ الله صَانِعٌ ما شَاء (1)، لا مُكْرهَ له».
وفي أخرى له: «إذا دَعَا أحَدُكم فَلا يَقُلْ: اللَّهمَّ اغْفِر لِي إنْ شِئْتَ، ولكن لِيعزِمْ، وليعَظِّم الرَّغبَةَ، فَإِنَّ اللهَ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيءٌ أعطاه» (2).
2127 – (د) ابن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قال: سمعني أبي، وأنا أقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وَنَعِيمَها، وبَهْجَتَها، وكذا وكذا، وأعوذُ بكَ مِن النارِ وسَلاسِلِها وأغْلالِها، وكذا وكذا، فقال لي: يا بُنيّ، سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَيَكُونُ قَومٌ يَعْتَدُونَ في الدُّعَاءِ، فَإِيَّاكَ أنْ تَكُونَ منهم، إِنَّك إن أُعطِيتَ الجَنَّةَ أُعْطِيتَها ومَا فيها من الخير، وإنْ أُعِذْتَ من النَّارِ أُعِذْتَ منها، وما فيها من الشَّرِّ». أخرجه أبو داود (1).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(وبهجتها): البهجة: الحسن والنضارة.
(يعتدون): الاعتداء: مجاوزة الحد في الأمر، والمراد: الخروج في الدعاء عن الوضع الشرعي والسنة المأثورة.
2128 – (د) ابن مغفل رضي الله عنه: «سَمِعَ ابنَهُ يقولُ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ القَصْرَ الأبَيْضَ عن يَمينِ الجَنَّةِ إذا دَخلتُهَا، فقال: أيْ بُنيَّ سَلِ اللهَ الجَنَّةَ، وتَعَوَّذْ بِهِ من النارِ، فَإِني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: سَيكونُ في هذه الأمَّة قَومٌ يَعْتَدُونَ في الطُّهورِ والدُّعَاءِ».
أخرجه أبو داود (1).
2129 – (خ م ت د) أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: قال: «كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَجْهَرُونَ بالتكبير، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّها النَّاسُ، إِربَعوا على أَنفُسِكم، إنَّكْم لا تَدْعُونَ أصَمَّاً، ولا غَائِباً، إنكم تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً، وهو مَعَكم، والذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحدكم من عُنُقِ راحلتِهِ، قال أبو موسى: وأَنَا خَلْفَهُ أقُولُ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إِلا بالله في نفسي، فقال: يا عَبدَ الله بْنَ قَيْسٍ، ألا أَدُلُّكَ على كَنْزٍ من كُنوزِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلى يا رسولَ الله، قال: لا حولَ ولا قُوَّةَ إِلا بالله».
هذه رواية البخاري، ومسلم، ولهما رواية أخرى تجيء عند ذكر «لا حول ولا قُوة إلا بالله» في آخر كتاب الدُّعاء.
وفي رواية الترمذي قال: «كُنَّا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ، فَلما قَفَلْنَا أشْرَفنا على المدينة، فَكَبَّرَ النَّاسُ تَكبيرَة ورَفَعوا بها أصواتَهم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ رَبَّكُم ليس بِأصَمَّ، ولا غَائِبٍ، هو بينكم، وبينَ رؤوسِ رِحَالِكِمْ، ثم قال: يا عبدَ الله بن قَيسٍ، ألا أُعلِّمُكَ كَنزاً من كُنوزِ الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» (1).
وفي رواية أبي داود نحو من رواية الترمذي، ومن رواية البخاري، ومسلم (2).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(إربعوا): يقال: أربع على نفسك، أي: تثبت، وانتظر.
(راحلته): الراحلة: البعير القوي على الأسفار، والأحمال، سواء فيه الذكر والأنثى.
2130 – (ت) معاذ بن جبل رضي الله عنه: قال: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يَدْعُو يقول: «اللَّهمَّ إِني أَسأَلُكَ تَمَام النِّعمَةِ»، فقال: أَيُّ شَيءٍ تمامُ النِّعمةِ؟، قال: «دعوةٌ دعوتُ بها أرجو بها الخيرَ»، قال: فَإِنَّ تمام النِّعمَةِ: دُخُولَ الجنة، والفوزَ من النارِ، وسَمِعَ رجلاً يقول: يا ذا الجَلالِ والإكرَامِ، فقال: قد استُجيِبَ لَكَ فَسَلْ، وسَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجلاً وهو يقول: «اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الصَّبْرَ»، قال: «سَألتَ الله البَلاء، فَسَلهُ العَافيةَ». أخرجه الترمذي.
قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسمعيل بن إبراهيم عن الجريري بهذا الإسناد نحوه، هذا حديث حسن.
قلت: هذا الحديث ذكره الألباني في الضعيفة (7/حديث رقم3416) وقال:”أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” (725)، والترمذي (3/ 268)، وأحمد (5/ 231) من طريق أبي الورد بن ثمامة عن اللجلاج عن معاذ قال: مر النبي صلي الله عليه وسلم على رجل يقول: اللهم إني أسألك تمام النعمة! قال: “هل تدري ما تمام النعمة”؟ قال: (فذكره).
قلت: ورجاله ثقات معروفون غير أبي الورد هذا لم يوثقه أحد، وأشار الدارقطني إلى جهالته بقوله:”ما حدث عنه غير سعيد بن إياس الجريري”.
لكنه تعقب بأنه روى عنه أيضا شداد بن سعيد الراسبي، وشداد فيه ضعف، وقال الحافظ:
“أبو الورد بن ثمامة … مقبول”.
أقول: أعلّه الألباني بأبي الورد، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه ابنه عبدالله قال:” قلت لأبي: الجريري عن أبي الورد من هذا؟ قال: هذا أبو الورد بن ثمامة حدث عنه الجريري أحاديث حسان لا أعرف له اسما غير هذا “،وهذا النص غير موجود في ترجمة أبي الورد من كتاب تهذيب التهذيب، فَوَصَفَ الإمام أحمد أحاديث أبي الورد بالحسن، فهل نقول بضعف هذا الحديث، أم أنّه حديث حسن كما قال الترمذي، فهذا هو سؤالي لفضيلتكم، والله الموفق.
ص242 – الأرشيف – المكتبة الشاملة الحديثة
2131 – (د) عائشة رضي الله عنها: قالت: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستَحِبُّ الْجوَامِعَ من الدُّعَاءِ، ويَدَعُ مَا سِوى ذلك». أخرجه أبو داود (1).
[شَرْحُ الْغَرِيبِ]
(الجوامع): الأشياء التي تجمع الأشياء (2)، جمع جامعة، أي: خصلة جامعة، وألفاظ [جامعة] لمقاصد الحاجة، أو جامعة للثناء على الله تعالى والسؤال.
2132 – (د) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «أَنَّ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم كانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَدْعُوَ ثَلاثاً ويستَغفِرَ ثَلاثاً». أخرجه أبو داود (1).
[جامع الأصول 4/ 153]
—-
شرح سنن أبي داود لابن رسلان (7) / (227) — ابن رسلان (ت (844)) شرح سنن أبي داود لابن رسلان (7) / (227) — ابن رسلان (ت (844))
ما رواه الترمذي عن أبي ذر الغفاري عن عبد الله يعني: ابن مسعود قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «سل تعطه سل تعطه»
(بتحميد ربه والثناء عليه) تقدم معناهما، [وأن الثناء أعم من التحميد والتمجيد (ثم يصلي على النبي)] وروى هذا الحديث الترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وفي بعض ألفاظه: «فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي ?، ثم ليدع» [بلام الأمر الدالة] على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد، وهو أحد الأدلة التي استدل بها على الوجوب، [ومنها ما رواه الحاكم في حديث عن سهل بن سعد: «لا صلاة لمن لم يصل على نبيه»] (، ومنها ما رواه الحاكم أيضًا، والبيهقي من طريق يحيى بن السباق، عن رجل من آل الحارث، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد». ورجاله ثقات إلا هذا الرجل الحارث فينظر فيه
(ثم يدعو بما شاء) فيه دليل على أنه يجوز الدعاء بالديني والدنيوي لقوله: «بما شاء»، وهو الصحيح عند الشافعي والجمهور، وقيل: لا يجوز الدعاء بمثل: اللهم ارزقني جارية صفتها كذا وكذا [فإن دعا به] بطلت على هذا القول، وفي «البيان» وجه أنه إذا دعا بما يجوز أن يطلب من المخلوقين بطلت ((6)).
قال الإسنوي: وكأنه ضابط للوجه المتقدم.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح — الملا على القاري (ت (1014))
(931) – (وعن عبد الله بن مسعود قال: كنت أصلي)، …. ، (سل تعطه): التكرير للتأكيد والتكثير أو سل الدنيا والآخرة فإنه معطيهما، (رواه الترمذي): قال ميرك: ورواه ابن ماجه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
—————————-
جامع تراث العلامة الألباني في الفقه — ناصر الدين الألباني (ت (1420))
وجوب الصلاة على النبي ? في التشهد الأخير ومشروعية الدعاء فيه
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة (174):
ويجب عليه في هذا التشهد الصلاة على النبي ?.
وقال الإمام في أصل الصفة:
وسن فيه الصلاة عليه ?، كما سن ذلك في التشهد الأول. «وقد مضى هناك ذكر الصيغ الواردة في صفة الصلاة عليه ?».
وقد سمع ? رجلا يدعو في صلاته؛ لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي ?؛ فقال: «عجل هذا». ثم دعاه، فقال له أو لغيره: «إذا صلى أحدكم؛ فليبدأ بتحميد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي «وفي رواية: ليصل» على النبي ?، ثم يدعو بعد بما شاء».
[وسمع رسول الله ? رجلا يصلي، فمجد الله، وحمده، وصلى على النبي ?؛ فقال رسول الله ?: «ادع؛ تجب، وسل؛ تعط»].
قوله: «له أو لغيره»؛ كذا في رواية أبي داود، والطحاوي: «أو». ورواية الآخرين:
«له ولغيره»؛ بالواو.
قال ابن القيم «(246)»: «وهي الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة، وابن حبان، وأحمد، والدارقطني، والبيهقي وغيرهم».
قال: «و «أو» هنا ليست للتخيير؛ بل للتقسيم. والمعنى: أن أي مصل صلى؛ فليقل ذلك، هذا أو غيره؛ كما قال تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}. ليس المراد التخيير؛ بل المعنى: أن أيهما كان؛ فلا تطعه، إما هذا، وإما هذا».
قوله: «والثناء عليه»؛ أراد بذلك التشهد؛ بدليل: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على رسوله، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة؛ فإن ذلكلا يشرع في القيام، ولا في الركوع، ولا في السجود اتفاقا؛ فعلم أنه إنما أراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد. كذا في «الجلاء» «(242)».
ويؤيد ذلك: قوله ? في حديث رشدين: «إذا صليت، فقعدت؛ فاحمد الله … » الحديث.
وقول ابن مسعود: فلما جلست؛ بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي ? ثم دعوت لنفسي.
قوله: «يصلي» كذا رواه أبو داود، والطحاوي.
وقال الآخرون: «ليصل». بزيادة لام الأمر.
وقد استدل به على وجوب الصلاة على النبي ? في التشهد الأخير؛ لأن أمره ? للوجوب.
وقد ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي، وكذا أحمد «في آخر الروايتين عنه»، وإسحاق في رواية عنهما. وقد نقل القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ «بل قال الآجري في «الشريعة» «ص (415)»: «من لم يصل على النبي ? في تشهده الأخير؛ وجب عليه إعادة الصلاة».
وذلك يرد قول من نسب الإمام الشافعي إلى الشذوذ لقوله بوجوبها – كالطحاوي وغيره -.
قال الحافظ «(11) / (137)»: «وأصح ما ورد في ذلك عن الصحابة والتابعين: ما أخرجه الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي ? ثم يدعو لنفسه.
وهذا أقوى شيء يحتج به للشافعي؛ فإن ابن مسعود ذكر أن النبي ? علمهم التشهد في الصلاة، وأنه قال: «ثم ليتخير من الدعاء ما شاء».
فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء؛ دل على أنه اطلع على زيادة بين التشهد والدعاء، واندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي؛ مثل ما ذكر عياض؛ قال: وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه له النبي ?؛ ليس فيه ذكر الصلاة عليه.
وكذا قول الخطابي: إن في آخر حديث ابن مسعود: إذا قلت هذا؛ فقد قضيت صلاتك.
لكن رد عليه بأن هذه الزيادة مدرجة، وعلى تقدير ثبوتها؛ فتحمل على أن مشروعية الصلاة عليه وردت بعد تعليم التشهد.
ويتقوى ذلك بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفا: الدعاء موقوف بين السماء والأرض؛ لا يصل منه شيء حتى يصلى على النبي ?.
قال ابن العربي: ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي؛ فيكون له حكم الرفع. انتهى.
وورد له شاهد مرفوع في «جزء الحسن بن عرفة».
وأخرج المعمري في «عمل يوم وليلة» عن ابن عمر بسند جيد قال: لا تكون صلاة إلا بقراءة، وتشهد، وصلاة علي.
وأخرج البيهقي في «الخلافيات» بسند قوي عن الشعبي – وهو من كبار التابعين – قال: من لم يصل على النبي ? في التشهد؛ فليعد صلاته. ثم قال الحافظ: «واستدل له – يعني: الشافعي – ابن خزيمة ومن تبعه بحديث فضالة بن عبيد هذا».
قال: «وهذا مما يدل على أن قول ابن مسعود المذكور قريبا مرفوع؛ فإنه بلفظه.
——————————
قال ابن القيم:
فصل
الموطن السَّابِع من مَوَاطِن الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْد الدُّعَاء
وَله ثَلَاثَة مَرَاتِب
إِحْدَاهَا أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ قبل الدُّعَاء وَبعد حمد الله تَعَالَى
والمرتبة الثَّانِيَة أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي أول الدُّعَاء وأوسطه وَآخره
وَالثَّالِثَة أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي أَوله وَآخره وَيجْعَل حَاجته متوسطة بَينهمَا
فَأَما الْمرتبَة الأولى فالدليل عَلَيْهَا حَدِيث فضَالة عَن عبيد وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ إِذا دَعَا أحدكُم فليبدأ بتحميد الله وَالثنَاء عَلَيْهِ ثمَّ ليصل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ وَقد تقدم
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم عَن زر عَن عبد الله قَالَ كنت أُصَلِّي وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر وَعمر مَعَه فَلَمَّا جَلَست بدأت بالثناء على الله تَعَالَى ثمَّ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ دَعَوْت لنَفْسي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم سل تعطه سل تعطه // حَدِيث حسن صَحِيح //
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يسْأَل الله تَعَالَى فليبدأ بِحَمْدِهِ وَالثنَاء عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يسْأَل بعد فَإِنَّهُ أَجْدَر أَن ينجح أَو يُصِيب
وَرَوَاهُ شريك عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله نَحوه
واما الْمرتبَة الثَّانِيَة فَقَالَ عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تجعلوني كقدح الرَّاكِب فَذكر الحَدِيث وَقَالَ اجعلوني فِي وسط الدُّعَاء وَفِي أَوله وَفِي آخِره
وَقد تقدم حَدِيث عَليّ مَا من دُعَاء إِلَّا بَينه وَبَين الله حجاب حَتَّى يصلى على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَإِذا صلي على النَّبِي صلى الله عليه وسلم انخرق الْحجاب واستجيب الدُّعَاء وَإِذا لم يصل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يستجب الدُّعَاء
وَتقدم قَول عمر رضي الله عنه الدُّعَاء مَوْقُوف بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا يصعد مِنْهُ شَيْء حَتَّى تصلي على نبيك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ أَحْمد بن عَليّ بن شُعَيْب حَدثنَا مُحَمَّد بن حَفْص حَدثنَا الْجراح بن يحيى حَدثنِي عَمْرو بن عَمْرو قَالَ سَمِعت عبد الله بن بسر يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الدُّعَاء كُله مَحْجُوب حَتَّى يكون أَوله ثَنَاء على الله عز وجل وَصَلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ يَدْعُو يُسْتَجَاب لدعائه
وَعَمْرو بن عَمْرو هَذَا هُوَ الأحموشي لَهُ عَن عبد الله بن بسر حديثان هَذَا أَحدهمَا والأخر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْكَبِير عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من استفتح أول نَهَاره بِخَير وختمه بِالْخَيرِ قَالَ الله عز وجل لملائكته لَا تكْتبُوا عَلَيْهِ مَا بَين ذَلِك من الذُّنُوب
وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم للدُّعَاء بِمَنْزِلَة الْفَاتِحَة من الصَّلَاة
وَهَذِه المواطن الَّتِي تقدّمت كلهَا شرعت الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهَا امام الدُّعَاء فمفتاح الدُّعَاء الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَمَا أَن مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور فصلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا
وَقَالَ أَحْمد بن أبي الْحوَاري سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان الدَّارَانِي يَقُول من أَرَادَ أَن يسْأَل الله حَاجته فليبدأ بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وليسأل حَاجته وليختم بِالصَّلَاةِ على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَإِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَقْبُولَة وَالله أكْرم أَن يرد مَا بَينهمَا
[جلاء الأفهام ص375]
قال ابن رجب:
ومما يستدل به على استحباب الثناء على الله عز وجل في التشهد قبل الدعاء: ما روى أنس قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا، فقال في دعائه: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، إني أسألك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((هل تدرون بما دعا؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قالَ:
((والذي نفسي بيده، لقد دعا باسمه العظيم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى)).
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان في ((صحيحه)) والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.
وعن محجن بن الأدرع، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فإذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد، فقال: اللهم، إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد غفر له)) –ثلاثاً.
خرّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم، وقال: على شرطهما.
وخرّج الترمذي من حديث ابن مسعود، قال كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه ….
وعن فضالة بن عبيدٍ، قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((عجل هذا))، ثم دعاه، فقال له –أو لغيره -: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بما شاء)).
خرّجه الترمذي، وقال: حسن.
وخرّجه الإمام أحمد وأبو داود وعنده: ((فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه)).
وخرّجه النسائي، وزاد: فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي فمجد الله وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أدع تجب، وسل تعطه)).
وخرّجه الترمذي بهذا المعنى –أيضاً -، وعنده: فقال: ((عجلت أيها
المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلَّ عليَّ، ثم ادعه)) –وذكر باقيه بمعناه.
وفي هذا الحديث وحديث ابن مسعودٍ: استحباب تقديم الثناء على الله على الصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يصدق بالدعاء بعد التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن التشهد فيه ثناء على الله عز وجل، فلا يحتاج إلى إعادة الثناء.
وقال إسحاق: يحمد الله بعد التشهد وقبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: نقله عنه حرب.
واستحب إسحاق وبعض الشافعية أن يبتدئ التشهد بـ ((بسم الله))، وفيه حديث مرفوع ضعفه غير واحدٍ.
وقد روي عن ابن عمر، أنه كان إذا تشهد التشهد الأخير دعا فيه، ثم أخر السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى نفسه وعباد الله الصالحين إلى بعد الدعاء، ثم يختم دعاءه بالسلام، ثم يسلم عن يمينه.
[فتح الباري لابن رجب 7/ 349]
———
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” فيه استحبابُ تقديم الثناء على المسألة عند كلِّ مطلوب، اقتداءً به صلى الله عليه وسلم.” انتهى. ” فتح الباري” (3/ 5)
ويقول الدكتور عبد الرزاق البدر:
” ومَن يتأمّل الأدعيةَ الواردة في الكتاب والسنة يجد كثيراً منها مبدوءاً بالثناء على الله وعدِّ نِعمه وآلائه، والاعتراف بفضله وجوده وعطائه، ومن الأمثلة على ذلك الدعاءُ العظيم الذي اشتملت عليه سورة الفاتحة التي هي أعظم سور القرآن الكريم وأجلُّها اهدنا الصراط المستقيم.
فهذا الدعاءُ العظيم مبدوءٌ بالثناء على الله وحمده وتمجيده، مما هو سببٌ لقبوله، ومفتاحٌ لإجابته.
قال ابن القيم رحمه الله: ولما كان سؤال الله الهدايةَ إلى الصراط المستقيم أجلَّ المطالب، ونيلُه أشرفَ المواهب، علّم الله عبادَه كيفيةَ سؤاله، وأمرهم أن يقدِّموا بين يديه حمدَه والثناء عليه وتمجيدَه، ثمَّ ذكر عبوديتهم وتوحيدهم، فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم، توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وتوسلٌ إليه بعبوديته، وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردُّ معهما الدعاء … إلى أن قال رحمه الله:
وقد جَمعت الفاتحة الوسيلتين، وهما التوسلُ بالحمد والثناء عليه وتمجيده، والتوسلُ إليه بعبوديته وتوحيده، ثمَّ جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب، وهو الهداية بعد الوسيلتين، فالداعي به حقيقٌ بالإجابة.
ومن الأمثلة على ذلك دعاء يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيث فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، ودعاء أيوب عليه السلام، قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلعَابِدِينَ، ودعاءُ أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، ودعاءُ الملائكة: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهْمْ عَذَابَ الجَحِيمِ، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداًّ، يطول عدُّها، فينبغي على المسلم أن يحافظ على هذا الأدب الرفيع عند سؤاله له سبحانه بأن يُثْنِيَ عليه ويَحمده ويمجّده، ويعترف بفضله وإنعامه، ثمَّ يسأله بعد ذلك ما يشاء من خَيْرَي الدنيا والآخرة ” انتهى. ” فقه الأدعية والأذكار” (2/ 203 – 207)
———
تخريج: روى الترمذي (486) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: (إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قال ابن كثير: إسناده جيد اهـ. وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (2035) من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر شواهده، ثم قال: “وخلاصة القول، أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى على أقل الأحوال” اهـ.
جاء في السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير: كل دعاء محجوب ـ عن القبول: حتى يصلى ـ بالبناء للمفعول، أي: حتى يصلي الداعي، على النبي صلى الله عليه وسلم ـ ظاهره: ولو بعد طول الزمن، وإن لم يقصد الداعي بصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم طلب الإجابة. اهـ.
السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير (4) / (16)
———
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” ولهذا كان التشهد ثناء على الله عز وجل. وقال في آخره ثم ليتخير من المسألة ما شاء. والأدعية الشرعية هي بعد التشهد؛ لم يشرع الدعاء في القعود قبل التشهد؛ بل قدم الثناء على الدعاء وفي حديث الذي دعا قبل الثناء قال النبي صلى الله عليه وسلم ” عجل هذا ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (22/ 377).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: من أسباب إجابة الدعاء أن يفتتح بالحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، فهل الأفضل القيام بذلك عند الدعاء بعد التشهد في الصلاة وفي السجود أيضاً؟
فأجاب رحمه الله: ” …. الصلاة كلها ثناء، في التشهد الأخير الذي هو محل الدعاء، فيه ثناء على الله، وصلاة على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو يبتدئ التشهد بالتحيات لله والصلوات والطيبات، وهذا ثناء على الله، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين، ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحتاج بعد ذلك إلى صيغة معينة في الحمد والثناء على الله، أو في الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل إذا فرغ من قوله: (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) دعا بما أراد “.?انتهى من ” فتاوى نور على الدرب – لابن عثيمين “.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: ” يعني: من أسباب قبول الدعاء أن يمهد قبله بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم …. ، ثم أيضاً فيما يتعلق بالصلاة أن التشهد يسبق السلام، وهو مشتمل على حمد الله والثناء عليه، فقوله: (التحيات لله والصلوات والطيبات) حمد وثناء على الله عز وجل، وبعدها: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ثم بعد ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك الدعاء، ففيه تمهيد للدعاء، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أرشد المسلم أن يجمع في صلاته بين التمجيد والثناء على الله، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ثم الدعاء بما أحب بعد ذلك، فيكون قد مهد لدعائه بثناء على الله، وبصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم “.?انتهى من ” شرح سنن أبي داود – للشيخ عبد المحسن العباد “.
فصل
ومن محبته للثناء عليه شرعه للداعي قبل سؤاله ودعائه؛ ليكون وسيلة له بين يدي حاجته، كالمتقرب إلى المسؤول بما يحبه ويسأله بين يدي مطلوبه، كما في «السنن» و «المسند» من حديث فضالة بن عبيد قال: جاء رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله ?: «عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَفَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ [ق (125) أ] بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ ادْعُهُ». قال: ثم صَلَّى رجلٌ آخرُ بعد ذلك، فحَمِدَ اللَّه وصلَّى على النبي ?، فقال له النبي ?: «أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ».
وفي «السنن» عن ابن مسعودٍ قال: كنت أصلي فلمَّا جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي ?، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي ?: «سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ».
وهكذا في أحاديث الشفاعة الثابتة في الصحاح: لمَّا يأتوا إلى النبي ? ليشفع لهم، فقال: «فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا. فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي، فَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ فَأَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَاسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ». وفي لفظٍ: «فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي بِثَنَاءٍ وَتَمْجِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ». فمن محبته سبحانه للثناء عليه ألهمَ رسوله منه في ذلك المقام ما يكون وسيلةً بين يدي شفاعته.
وفي «الصحيح» عنه ? أنه كان يقول في سجوده: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».
وفي «الصحيحين» عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله ?: «مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ». وقد تقدم ذلك من حديث ابن مسعودٍ. وفي الدعاء المأثور: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يُشْرِقُ لَهُ وَجْهُكَ». وفي الأثر الآخر: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى».
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة – ط عطاءات العلم (2) / (1049) – (1050)
تنبيه: من الأدعية الجامعة “وَسَلُوا اللهَ الْمُعَافَاةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْمُعَافَاةِ،”
الصحيح المسند (706)
تكلم ابن القيم في الداء والدواء حول:
[فَصْلٌ ظُرُوفُ الدُّعَاءِ]
فَصْلٌ
ظُرُوفُ الدُّعَاءِ
وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ، أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ السِّرَّ فِي لَفْظِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ فَيَاخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي، وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَانْتَفَعَ بِهِ، فَظَنَّ غَيْرُهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الدَّوَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، كَانَ غَالِطًا، وَهَذَا مَوْضِعٌ يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ.
وَمِنْ هَذَا قَدْ يَتَّفِقُ دُعَاؤُهُ بِاضْطِرَارٍ عِنْدَ قَبْرٍ فَيُجَابُ، فَيَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرَارِ وَصِدْقِ اللُّجْأِ إِلَى اللَّهِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إِلَى اللَّهِ.
[فَصْلٌ شُرُوطُ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ]
فَصْلٌ
شُرُوطُ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ
وَالْأَدْعِيَةُ وَالتَّعَوُّذَاتُ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ، وَالسِّلَاحُ بِضَارِبِهِ، لَا بِحَدِّهِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ السِّلَاحُ سِلَاحًا تَامًّا لَا آفَةَ بِهِ، وَالسَّاعِدُ سَاعِدُ قَوِيٍّ، وَالْمَانِعُ مَفْقُودٌ؛ حَصَلَتْ بِهِ النِّكَايَةُ فِي الْعَدُوِّ، وَمَتَى تَخَلَّفَ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ تَخَلَّفَ التَّأْثِيرُ، فَإِنْ كَانَ الدُّعَاءُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ صَالِحٍ، أَوِ الدَّاعِي لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فِي الدُّعَاءِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ مِنَ الْإِجَابَةِ، لَمْ يَحْصُلِ الْأَثَرُ.
[فَصْلٌ الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ]
فَصْلٌ
الدُّعَاءُ وَالْقَدَرُ
وَهَاهُنَا سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ:
أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ إِنْ كَانَ قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وُقُوعِهِ، دَعَا بِهِ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَدْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُدِّرَ لَمْ يَقَعْ، سَوَاءٌ سَأَلَهُ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَسْأَلْهُ.
فَظَنَّتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ هَذَا السُّؤَالِ، فَتَرَكَتِ الدُّعَاءَ وَقَالَتْ: لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَؤُلَاءِ مَعَ فَرْطِ جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، مُتَنَاقِضُونَ فَإِنَّ طَرْدَ مَذْهَبِهِمْ يُوجِبُ تَعْطِيلَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ فَيُقَالُ لِأَحَدِهِمْ:
إِنْ كَانَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ قَدْ قُدِّرَا لَكَ فَلَابُدَّ مِنْ وُقُوعِهِمَا، أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَاكُلْ، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرَا لَمْ يَقَعَا أَكَلْتَ أَوْ لَمْ تَاكُلْ.
وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قُدِّرَ لَكَ فَلَابُدَّ مِنْهُ، وَطِئْتَ الزَّوْجَةَ أَوِ الْأَمَةَ أَوْ لَمْ تَطَا، وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّزْوِيجِ وَالتَّسَرِّي، وَهَلُمَّ جَرَّا.
فَهَلْ يَقُولُ هَذَا عَاقِلٌ أَوْ آدَمِيٌّ؟ بَلِ الْحَيَوَانُ الْبَهِيمُ مَفْطُورٌ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ وَحَيَاتُهُ، فَالْحَيَوَانَاتُ أَعْقَلُ وَأَفْهَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا.
وَتَكَايَسَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ مِنْ بَابِ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّاعِيَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْمَطْلُوبِ بِوَجْهٍ مَا وَلَا فَرْقَ عِنْدَ هَذَا الْمُتَكَيِّسِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْإِمْسَاكِ عَنْهُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فِي التَّأْثِيرِ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، وَارْتِبَاطُ الدُّعَاءِ عِنْدَهُمْ بِهِ كَارْتِبَاطِ السُّكُوتِ وَلَا فَرْقَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى أَكْيَسُ مِنْ هَؤُلَاءِ: بَلِ الدُّعَاءُ عَلَامَةٌ مُجَرَّدَةٌ نَصَبَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَارَةً عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَمَتَى وُفِّقَ الْعَبْدُ لِلدُّعَاءِ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً لَهُ وَأَمَارَةً عَلَى أَنَّ حَاجَتَهُ قَدِ انْقَضَتْ، وَهَذَا كَمَا إِذَا رَأَيْتَ غَيْمًا أَسْوَدَ بَارِدًا فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْطِرُ.
قَالُوا: وَهَكَذَا حُكْمُ الطَّاعَاتِ مَعَ الثَّوَابِ، وَالْكُفْرُ وَالْمَعَاصِي مَعَ الْعِقَابِ، هِيَ أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِوُقُوعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا أَنَّهَا أَسْبَابٌ لَهُ.
وَهَكَذَا عِنْدَهُمُ الْكَسْرُ مَعَ الِانْكِسَارِ، وَالْحَرْقُ مَعَ الْإِحْرَاقِ، وَالْإِزْهَاقُ مَعَ الْقَتْلِ لَيْسَ
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سَبَبًا الْبَتَّةَ، وَلَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، إِلَّا مُجَرَّدُ الِاقْتِرَانِ الْعَادِيِّ، لَا التَّأْثِيرُ السَّبَبِيُّ وَخَالَفُوا بِذَلِكَ الْحِسَّ وَالْعَقْلَ، وَالشَّرْعَ وَالْفِطْرَةَ، وَسَائِرَ طَوَائِفِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ أَضْحَكُوا عَلَيْهِمُ الْعُقَلَاءَ.
وَلِلصَّوَابِ أَنَّ هَاهُنَا قِسْمًا ثَالِثًا، غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْمَقْدُورَ قُدِّرَ بِأَسْبَابٍ، وَمِنْ أَسْبَابِهِ الدُّعَاءُ، فَلَمْ يُقَدَّرْ مُجَرَّدًا عَنْ سَبَبِهِ، وَلَكِنْ قُدِّرَ بِسَبَبِهِ، فَمَتَى أَتَى الْعَبْدُ بِالسَّبَبِ، وَقَعَ الْمَقْدُورُ، وَمَتَى لَمْ يَاتِ بِالسَّبَبِ انْتَفَى الْمَقْدُورُ، وَهَذَا كَمَا قُدِّرَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقُدِّرَ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ، وَقُدِّرَ حُصُولُ الزَّرْعِ بِالْبَذْرِ، وَقُدِّرَ خُرُوجُ نَفْسِ الْحَيَوَانِ بِذَبْحِهِ، وَكَذَلِكَ قُدِّرَ دُخُولُ الْجَنَّةِ بِالْأَعْمَالِ، وَدُخُولُ النَّارِ بِالْأَعْمَالِ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْحَقُّ، وَهَذَا الَّذِي حُرِمَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُوَفَّقْ لَهُ.
الدُّعَاءُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ
وَحِينَئِذٍ فَالدُّعَاءُ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ، فَإِذَا قُدِّرَ وُقُوعُ الْمَدْعُوِّ بِهِ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: لَا فَائِدَةَ فِي الدُّعَاءِ، كَمَا لَا يُقَالُ: لَا فَائِدَةَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَجَمِيعِ الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْمَالِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ أَنْفَعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَلَا أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ.
عُمَرُ يَسْتَنْصِرُ بِالدُّعَاءِ
وَلَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم أَعْلَمَ الْأُمَّةِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ? وَأَفْقَهَهُمْ فِي دِينِهِ، كَانُوا أَقْوَمَ بِهَذَا السَّبَبِ وَشُرُوطِهِ وَآدَابِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ.
وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَسْتَنْصِرُ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِ، وَكَانَ أَعْظَمَ جُنْدَيْهِ، وَكَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَسْتُمْ تُنْصَرُونَ بِكَثْرَةٍ، وَإِنَّمَا تُنْصَرُونَ مِنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ يَقُولُ: إِنِّي لَا أَحْمِلُ هَمَّ الْإِجَابَةِ، وَلَكِنْ هَمَّ الدُّعَاءِ، فَإِذَا أُلْهِمْتُمُ الدُّعَاءَ، فَإِنَّ الْإِجَابَةَ مَعَهُ، وَأَخَذَ الشَّاعِرُ هَذَا الْمَعْنَى فَنَظَمَهُ فَقَالَ:
لَوْ لَمْ تُرِدْ نَيْلَ مَا أَرْجُو وَأَطْلُبُهُ … مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ مَا عَلَّمْتَنِي الطَّلَبَا
فَمَنْ أُلْهِمَ الدُّعَاءَ فَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْإِجَابَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سُورَةُ غَافِرٍ: (60)] وَقَالَ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}
وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ».
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِضَاءَهُ فِي سُؤَالِهِ وَطَاعَتِهِ، وَإِذَا رَضِيَ الرَّبُّ عزوجل فَكُلُّ خَيْرٍ فِي رِضَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ فِي غَضَبِهِ.
وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَالْفِطْرَةُ وَتَجَارِبُ الْأُمَمِ – عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَمِلَلِهَا وَنِحَلِهَا – عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ، وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَضْدَادَهَا مِنْ أَكْبَرِ الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِكُلِّ شَرٍّ، فَمَا اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ اللَّهِ، وَاسْتُدْفِعَتْ نِقْمَتُهُ، بِمِثْلِ طَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ.
ارْتِبَاطُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِالْعَمَلِ
وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حُصُولَ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَحُصُولَ السُّرُورِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْأَعْمَالِ، تُرَتُّبَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ، وَالْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ يَزِيدُ عَلَى أَلْفِ مَوْضِعٍ.
فَتَارَةً يُرَتِّبُ الْحُكْمَ الْخَبَرِيَّ الْكَوْنِيَّ وَالْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: (166)].
وَقَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [سُورَةُ الزُّخْرُفِ: (55)].
وَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [الْمَائِدَةِ: (83)].
وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الْأَحْزَابِ: (35)].
وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.
وَتَارَةً يُرَتِّبُهُ عَلَيْهِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: (29)].
وَقَوْلِهِ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التَّوْبَةِ: (11)] …… إلى أن قال:
التَّارِيخُ تَفْصِيلٌ لِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ
وَمِنْ أَنْفَعِ مَا فِي ذَلِكَ تُدَبُّرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ كَفِيلٌ بِذَلِكَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، وَفِيهِ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا مُفَصَّلَةً مُبَيَّنَةً، ثُمَّ السُّنَّةِ، فَإِنَّهَا شَقِيقَةُ الْقُرْآنِ، وَهِيَ الْوَحْيُ الثَّانِي، وَمَنْ صَرَفَ إِلَيْهِمَا عِنَايَتَهُ اكْتَفَى بِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهُمَا يُرِيَانِكَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَأَسْبَابَهُمَا، حَتَّى كَأَنَّكَ تُعَايِنُ ذَلِكَ عِيَانًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَأَمَّلْتَ أَخْبَارَ الْأُمَمِ، وَأَيَّامَ اللَّهِ فِي أَهْلِ طَاعَتِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، طَابَقَ ذَلِكَ مَا عَلِمْتَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَرَأَيْتَهُ بِتَفَاصِيلِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، وَوَعَدَ بِهِ، وَعَلِمْتَ مِنْ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ مَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللَّهَ يُنْجِزُ وَعْدَهُ لَا مَحَالَةَ، فَالتَّارِيخُ تَفْصِيلٌ لِجُزْئِيَّاتِ مَا عَرَّفَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكُلِّيَّةِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
الداء والدواء = الجواب الكافي – ط دار المعرفة (1) / (15) – (21)
مراجع: وراجع للأدعية الجامعة الأربعين في دعاء رب العالمين
وراجع كتاب بيان الوسيلة في آيات الله الكريمة