592 تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي … وأسامة الحميري ومحمد فارح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابُ كَرَاهِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّاسُ الإِمَامَ وَهُمْ قِيَامٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ
592 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ» وَفِي البَابِ عَنْ أَنَسٍ «وَحَدِيثُ أَنَسٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ»: «حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، «وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّاسُ الإِمَامَ وَهُمْ قِيَامٌ» وقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا كَانَ الإِمَامُ فِي المَسْجِدِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّمَا يَقُومُونَ إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ المُبَارَكِ ”
[حكم الألباني]: صحيح
قال ابن بطال:
– باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإمَامَ عِنْدَ الإقَامَةِ
/ 31 – فيه: قال أَبو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي). وترجم له: باب لا يسعى إلى الصلاة، ولا يقم إليها مستعجلاً، وليقم إليها بالسكينة والوقار. / 32 – وزاد فى الحديث: (لا تقوموا حتى ترونى، وعليكم بالسكينة والوقار). فائدة هذا الحديث أن تكون الإقامة متصلة بالصلاة، وألا يقام لها إلا بحضرة الإمام، وأمرهم، عليه السلام، ألا يطيعوا المؤذن فى ذلك خشية التراخى والمهلة بين الإقامة والدخول فى الصلاة، فينتظرونه قيامًا؛ لأن شأن الدخول فى الصلاة، اتصاله بإقامة من غير فصل، فلذلك نهاهم عن القيام قبل خروجه، والله أعلم. وقد اختلف السلف فى ذلك، فقالت طائفة: إذا أقيمت الصلاة، فلا يقوم الناس حتى يأتى الإمام، على ظاهر حديث أبى قتادة، وروى ذلك عن على بن أبى طالب، وهو قول إبراهيم، وقالوا: ينتظره الناس قعودًا، وهو قول أبى حنيفة والشافعى، وروى عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز أنهم ينتظرونه قيامًا. واختلف فى قيام المأمومين إلى الصلاة إذا كان الإمام فى المسجد، فروى عن سالم، وأبى قلابة، والزهرى، وعطاء أنهم كانوا يقومون فى أول الإقامة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وقال أبو حنيفة، ومحمد: يقومون فى الصف إذا قال المؤذن: حى على الفلاح، وإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام، وهو فعل أصحاب عبد الله، والنخعى، وقال أبو يوسف، ومالك، والشافعى: لا يكبر الإمام حتى يفرغ المؤذن من الإقامة، وهو قول الحسن البصرى، وأحمد، وإسحاق. قال ابن المنذر: وعلى هذا جلّ الأئمة: مالك، والشافعى، والعمل فى أمصار المسلمين، يعنى فى تكبير الإمام بعد تمام الإقامة. قال المهلب: وقوله: (لا تسع إلى الصلاة، ولا تقم إليها مستعجلاً)، فذلك لأن السكينة تلزم عند الوقوف بين يدى الله، وفى القيام إلى الصلاة استشعار بحال الوقوف بين يدى الله، تعالى.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 264]
قال ابن عبدالبر:
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي قِيَامِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ إِنَّهُ لَا حَدَّ عِنْدَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمُ الْخَفِيفُ وَالثَّقِيلُ – فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ مَا يَنْزِعُ بِهِ فِي جَوَابِ سَائِلِهِ
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ قَدِيمَةٌ لِكِبَارِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَلَاهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّمْهِيدِ بِالْأَسَانِيدِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا قِلَابَةَ وَعِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ الْغِفَارِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيَّ وَسُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْإِقَامَةِ
قَالَ وَسَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ بِالْإِقَامَةِ فَكُنْ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ
وَقَالَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ عَدَّلَ الصُّفُوفَ بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ كَبَّرَ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخُنَاصِرَةَ يَقُولُ حِينَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قوموا قد قامت الصلاة
وعن بن الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ مَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ حَتَّى تَعْتَدِلَ الصفوف
وعن بن الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي يَعْلَى قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِذَا قِيلَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قام فوثب
وعن الحسن وبن سِيرِينِ أَنَّهُمَا كَانَا يَكْرَهَانِ أَنْ يَقُومَا حَتَّى يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ
وَقَالَ فَرْقَدُ السَّبَخِيُّ لِلْحَسَنِ أَرَأَيْتَ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ أَأَقُومُ أَمْ حَتَّى يَقُولَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَقَالَ الْحَسَنُ أَيُّ ذَلِكَ شِئْتَ
وَرَوَى كُلْثُومُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَبَ الْقِيَامُ فَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَتِ الصُّفُوفُ فَإِذَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَبَّرَ الْإِمَامُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَرَوُا الْإِمَامَ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَدَاوُدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي الصَّفِّ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُدُ الْبِدَارُ فِي الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ أَوْلَى فِي أَخْذِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ بِدَارٌ إِلَى فِعْلِ بِرٍّ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَحْدُودٌ عِنْدَهُمْ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ ((إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي))
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا فِي التَّمْهِيدِ
[الاستذكار 1/ 391]
قال القاضي عياض:
وقوله فى حديث أبى قَتَادةَ: ” إِذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى ترونى “: قيل ذلك؛ لئلا يطرأ عليه عارض يُمسكه عن الإسراع للخروج فيشق على الناس انتظاره قياماً، وفيه جواز الإقامة والإمام فى منزله إذا كان يسمعها، وفيه أن القيام للصلاة لا يلتزم بالإقامة، أو قوله: قد قامت الصلاة أو حىّ على الفلاح، على ما نذكره من اختلاف العلماء، وإنما يلزم بخروج الإمام.
وفى الحديث الآخر عن بلال: ” أنه كان لا يقيم حتى يخرج النبى عليه السلام فإذا خرج أقام حين يراه ” (1)، وفى حديث أبى هريرة: ” أقيمت الصلاة فقمنا فعدَّلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام مقامه ” (2)، وفى حديثه (3) الآخرِ: ” كانت تقام الصلاة فيأخذ الناس (4) مصافَّهم قبل أن يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه “: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالاً كان يراقب خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيره أو إِلا القليل، فلأول خروجه أقام هو: ثم لا يقوم الناس حتى يظهر للناس ويروه، ثم لا يقوم مقامه حتى يُعدِّلوا صفوفهم، وأن الرواية الأخرى عن أبى هريرة: ” وأخذ الناس مصافهم قبل خروجه ” (1) كانت مرةً أو لعذرٍ، ولعل نهيه فى حديث أبى قتادة كان بعدها بدليل طول انتظارهم النبى صلى الله عليه وسلم فيها وللأمر (2) الذى شغله عنهم، وقد اختلف السلف والعلماء متى يقوم الناس فى الصلاة ومتى يُكَبِّر الإمام؟ ومذهب مالك وجمهور العلماء أنه ليس لقيام الناس حد عند الإقامة لكن استحب عامتهم قيامهم إذا أخذ المؤذن فى الإقامة وروى عن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: ” قد قامت الصلاة “، وذهب الكوفيون إلى أنهم يقومون فى الصف إذا قال: ” حىَّ على الفلاح “، فإذا قال: ” قد قامت الصلاة ” كبَّر الإمام فإن لم يكن معهم كره لهم القيام فى الصف وهو غائب، ووافق الشافعى وأصحاب الحديث فى هذا الموضع إذا لم يحضر الإمام، وحكى عن سعيد ابن المسيب [أنه] (3) إذا قال المؤذن: ” الله أكبر”، وجب القيام فإذا قال: ” حى الصلاة “، اعتدلت الصفوف، فإذا قال: ” لا إله إِلا الله “، كبر الإمام، ونحوه عن عمر بن عبد العزيز ومذهب عامة أئمة المسلمين لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/ 556]
قال ابن الجوزي:
607 – / 723 وَفِي الحَدِيث الرَّابِع: ” إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني “. [15] إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَلم يكن الإِمَام حَاضرا لم يسن قيام الْمَأْمُوم، لِأَن الْقيام لَا يُرَاد لنَفسِهِ بل للشروع فِي الصَّلَاة فَإِذا قَامَ وَلم يشرع صَار فعله عَبَثا، فَأَما إِذا كَانَ الإِمَام حَاضرا فَأَي وَقت يسن قيام الْمَأْمُومين؟ عندنَا أَنهم يقومُونَ عِنْد قَوْله: قد قَامَت الصَّلَاة، وَيُكَبِّرُونَ للصَّلَاة إِذا فرغ من الْإِقَامَة، وَعند أبي حنيفَة يقومُونَ عِنْد الحيعلة وَيُكَبِّرُونَ عِنْد ذكر الْإِقَامَة، وَعند الشَّافِعِي لَا يقومُونَ إِلَّا عِنْد الْفَرَاغ من الْإِقَامَة
[كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 141]
قال الإتيوبي:
قال ابن المنذر رحمه الله: إذا كان الإمام معهم في المسجد قاموا إذا قام، وإذا كانوا ينتظرون خروجه، ومجيئه قاموا إذا رأوه، ولا يقوموا حتى يروه، لحديث أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أقيمت الصلاة، فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت”. انتهى ملخص كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي رجحه الحافظ ابن المنذر رحمه الله هو الحق عندي؛ لوضوح دليله. والله تعالى أعلم، وهو الهادي إلى الصراط الأقوم.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 10/ 58]
وقال الإتيوبي أيضا:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان الوقت الذي يقوم فيه الناس للصلاة، وهو وقت رؤيتهم الإمام خارجًا إلى الصلاة، وسيأتي بيان اختلاف العلماء في ذلك في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى-.
2 – (ومنها): بيان حرص الصحابة رضي الله عنهم في المبادرة إلى الخير حيث إنهم كانوا يقومون للصلاة قبل خروج النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ مبادرةً إليها.
3 – (ومنها): بيان شفقة النبيّ صلى الله عليه وسلم على أمته حيث نهاهم عن القيام قبل أن يخرج إليهم؛ لئلا يشقّ عليهم، كما قال اللَّه عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].
4 – (ومنها): بيان سماحة الشريعة، وسهولة تكاليفها حيث خفّفت في مواطن المشقّة؛ دفعًا للحرج، وقد بيّن اللَّه تعالى ذلك حيث قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وقال صلى الله عليه وسلم: “بُعثتُ بالحنيفيّة السمحة”.
5 – (ومنها): أنه يفيد أن المؤذن لا يقيم حتى يرى الإمام قد خرج للصلاة؛ لأن ذلك يؤدي إلى تطويل القيام على الناس؛ انتظارًا له، وربما لا يكون مستعدًّا، أو يَعْرِض له عارضٌ في طريقه، فيتأخر عليهم، وأصرح منه حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه الآتي بلفظ: “كان بلالٌ يؤذّن إذا دحَضَت، فلا يُقيم حتى يخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم”، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 13/ 326]
===
التوضيح لشرح الجامع الصحيح — ابن الملقن (ت (804))
(22) – باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟
(637) – حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هشام قال: كتب إلي يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال قال رسول الله ? «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني». [(638)، (909) – مسلم: (604) – فتح: (2) / (119)]
ذكر فيه حديث أبي قتادة: قال رسول الله ?: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني».
(23) – باب لا يسعى إلى الصلاة مستعجلا، وليقم بالسكينة والوقار
(638) – حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا شيبان، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله ? «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني، وعليكم بالسكينة». [تابعه علي بن المبارك]. [انظر: (637) – مسلم: (604) – فتح: (2) / (120)]
ذكر فيه حديث أبي قتادة من حديث شيبان، عن يحيى، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه بمثله وزيادة «وعليكم بالسكينة». تابعه علي بن المبارك.
الضمير في تابعه علي أنه يعود على شيبان وهو ابن عبد الرحمن.
وذكر الطرقي في «أطرافه» أنهما تفردا بقوله: «وعليكم بالسكينة». وليس كذلك، فقد تابعهما معاوية بن سلام في أبي داود ((1))، وتفرد معمر بقوله: «حتى تروني قد خرجت». وقد أخرجها مسلم ((2)).
ثم اعلم أن أبا مسعود جعل هذا الحديث وحديث أبي قتادة السالف حديثين، وكذلك الحميدي ((3))، ثم ظاهر قوله: «فلا تقوموا حتى تروني» أنه لا يقوم المأموم حتى يرى إمامه.
ومذهب الشافعي أنه يقوم عند فراغ المؤذن من الإقامة، ولو كان بطيء النهضة.
وقيل: إن هذا يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة ((1))، وذهب مالك وجمهور العلماء إلى أنه ليس لقيامهم حد ((2))، ولكن استحب عامتهم القيام إذا أخذ المؤذن في الإقامة ((3))، وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. وعن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن: الله أكبر، وجب القيام، وإذا قال: حي على الصلاة اعتدلت الصفوف، وإذا قال: لا إله إلا الله، كبر الإمام.
وفي «المصنف»: كره هشام -يعني ابن عروة- أن تقوم حتى يقول المؤذن: قد قامت الصلاة ((4)). وقد سلف مذاهب العلماء في ذلك في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب ((5))، مع الجمع بينه وبين ما عارضه، فراجعه منه.
———————————
شرح مشكل الآثار — الطحاوي (ت (321))
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله ? من قوله: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني»
قال أبو جعفر: فإن كان هذا الحديث محفوظا، فقد صار عن أبي قتادة، وعن أنس، عن النبي ? وكان حديث أبي قتادة قد جاء عن جماعة، منهم يحيى، فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا قيام الناس للصلاة قبل حضور إمامهم لا حاجة بهم إليه؛ لأنهم لا يدخلون في الصلاة إلا مع دخول إمامهم فيها أو بعد دخوله فيها، فكان قيامهم ذلك فضلا فنهوا عنه وفي ذلك ما قد دل على أن الناس لا يدخلون في الصلاة قبل دخول إمامهم فيها ومثل ذلك ما قد روي عن علي رضي الله عنه فيه
كما قد حدثنا فهد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر بن خليفة، عن أبي خالد الوالبي، قال: جاءنا علي رضي الله عنه، وقد أقيمت الصلاة ونحن قيام ننتظره، فقال: «ما لي أراكم سامدين؟» -[(396)]- قال أبو جعفر: والسمود عند أهل اللغة: اللهو، كذلك قال أبو عبيدة كما حدثنا ولاد، قال: حدثنا المصادري عنه، وكذلك قال الفراء، فنهوا أن لا يكونوا لاهين والله الموفق.
——————————–
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم — أبو العباس القرطبي (ت (656))
وقوله: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ظاهره: أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي ? من بيته، ويعارضه حديث بلال: إنه كان لا يقيم حتى يخرج النبي ?. ووجه الجمع: أن بلالا كان يراقب النبي ?، فيرى أول خروجه قبل أن يراه من هناك، فيشرع في الإقامة إذ ذاك، ثم لا يقوم الناس حتى يروا النبي ?، ثم لا يقوم النبي ? مقامه حتى يعدلوا صفوفهم. وبهذا الترتيب يصح الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا المعنى. وقد اختلف السلف والعلماء في متى يقوم الناس إلى الصلاة؟ ومتى يكبر الإمام؟ فذهب مالك، وجمهور العلماء إلى أنه ليس لقيام الناس حد، لكن استحب عامتهم القيام إذا أخذ المؤذن في الإقامة، وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. وذهب الكوفيون إلى أنهم يقومون إذا قال: حي على الفلاح، فإذا قال: قد قامت الصلاة؛ كبر الإمام. وحكي عن سعيد بن المسيب وعمر بنعبد العزيز: إذا قال المؤذن: الله أكبر وجب القيام، وإذا قال: حي على الصلاة، اعتدلت الصفوف، فإذا قال: لا إله إلا الله كبر الإمام. وذهب عامة الأئمة: إلى أنه لا يكبر حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.
—————————-
———————————
فتاوى اللجنة الدائمة – 2 — اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (معاصر)
السؤال الثاني من الفتوى رقم ((18097))
س (2): نلاحظ في كثير من المساجد وخاصة في الدروس الجامعة أو صلاة الجمعة أنه تقام الصفوف للصلاة قبل ترديد المؤذن صيغة الإقامة. فهل هذه بدعة؟
ج (2): يسن للمأمومين القيام للصلاة عند رؤية الإمام إذا كان غائبا لقوله ? «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني ((1))».
أما إن كان الإمام حاضرا في المسجد فإن المأموم يقوم إلى الصلاة إذا شرع المؤذن في الإقامة ولا حرج عليه أن يكون قيامه عند أولالإقامة أو في أثنائها أو في آخرها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … عضو … الرئيس
بكر أبو زيد … عبد العزيز آل الشيخ … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
————————-
فتح الباري لابن رجب — ابن رجب الحنبلي (ت (795))
(22) – باب
متى يقوم للناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة
(637) – حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام، قال: كتب إلي يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ?: «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني».
هذا رواه هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير مكاتبة، وقد رواه عن يحيى غير واحد: شيبان، وحجاج الصواف، وايوب، وأبان العطار، ومعمر، وغيرهم.
وخرجه البخاري من رواية شيبان، وخرجه مسلم من رواية حجاج ومعمر.
وفي رواية له من رواية شيبان ومعمر: «حتى تروني قد خرجت».
وقال أبو داود: لم يذكر: «قد خرجت» إلا معمر.
وذكر البيهقي: أنها قد رويت عن حجاج – أيضا.
وخرجها ابن حبان في «صحيحه» من رواية معمر، ولفظه: «حتى تروني قد خرجت إليكم».
وهذه اللفظة: يستدل بها على مراده ? برؤيته: أن يخرج من بيته، فيراه من كان عند باب المسجد، ليس المراد: يراه كل من كان في المسجد.
وهذا كقوله ?: «لا تصوموا حتى تروا الهلال»، ومعلوم أنه لو رآه واحد أو اثنان لاكتفي برؤيتهما، وصام الناس كلهم.
ويدل على هذا: ما خرجه مسلم من حديث الزهري، قال: اخبرني أبو سلمة، سمع ابا هريرة يقول: أقيمت الصلاة، فقمنا فعدلنا الصفوف قبل ان يخرج إلينا رسول الله ?، فأتى رسول الله ? حتى إذا قام في مصلاه قبل ان يكبر ذكر فانصرف – وذكر تمام الحديث.
ويحمل ذلك على قيامهم قبل ان يطلع على اهل المسجد من المسجد، لما علموا خروجه من بيته وتحققوه.
وخرج – أيضا – بهذا الإسناد، عن أبي هريرة، قال: إن كانت الصلاة تقام لرسول الله ?، فيأخذ الناس مصافهم قبل ان يقوم النبي ? مقامه.
فهذه الرواية تصرح بأن الصفوف كانت تعدل قبل ان يبلغ النبي ? إلى مصلاه، ولكن كان قد خرج من بيته، ورآه من كان بقرب بيته.
وقد ذكر الدارقطني وغير واحد من الحفاظ أن هذا الحديث اختصره الوليد ابن مسلم من الحديث الذي قبله، فأتي به بهذا اللفظ.
فإن قيل: فقد خرج مسلم من حديث جابر بن سمرة، قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي ?، فإذا خرج اقام الصلاة حين يراه.
فلو اكتفي برؤية واحد للنبي ? لاكتفي برؤية بلال له، واكتفي بإقامة بلال في قيام الناس، فإنه كان لا يقيم حتى يرى النبي ? قد خرج.
قيل: هذا إنما ورد في صلاة الظهر بالمدينة خاصة، وأمافي غيرها من الصلوات، فقد كان بلال يجيء إلى النبي ? إلى بيته، فيؤذنه بالصلاة، فكان يفعل ذلك في صلاة الفجر، كما في حديث عائشة وابن عباس، وكان احيانا يفعله في السفر في غير الفجر، كما روى أبو جحيفة، أنه رأى بلالا أذن النبي ? بصلاة الظهر.
فالظاهر: ان بلالا كان إذا اذن النبي ? بالصلاة رجع، فأقام قبل خروج النبي ? من بيته، واكتفى بتأهبه للخروج [بإيذائه] له، فوقع النهي في قيام الناس إلى الصلاة قبل خروجه في مثل هذه الحالة. والله اعلم.
وقد اختلف العلماء في الوقت الذي يقوم فيه الناس للصلاة.
فقال طائفة: يقومون إذا فرغ المؤذن من الاقامة، سواء خرج الإمام او لم يخرج.
وحكى ذلك بعض الشافعية عن أبي حنيفة والشافعي.
ورجع بعض متأخري الشافعية أنهم لا يقومون حتى يروه؛ لحديث أبي قتادة.
وحكى ابن المنذر، عن أبي حنيفة، انه إذالم يكن الإماممعهم كره ان يقوموا في الصف والإمام غائب عنهم.
وممن روي عنه، انهم لا يقومون حتى يروا الامام: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب.
خرجه وكيع، عنهما.
واختلفت الرواية عن أحمد في هذه المسألة:
فروى عن جماعة من أصحابه، أنهم لا يقومون حتى يروه؛ لحديث أبي قتادة، ولو علموا به، مثل ان يكون الإمام هو المؤذن، وقد اقام الصلاة في المنارة وهو نازل.
وروى عنه الاثرم وغيره: انهم يقومون قبل ان يروه إذا اقيمت الصلاة؛ لحديث أبي هريرة الذي خرجه مسلم.
وروى عنه المروذي وغيره: انه وسع العمل بالحديثين جميعا، فإن شاءوا قاموا قبل ان يروه، وأن شاءوا لم يقوموا حتى يروه.
ورجح بعض أصحابنا الرواية الأولى؛ لحديث أبي قتادة، وادعى انه ناسخ لحديث أبي هريرة؛ فإنه يدل على ان فعلهم لذلك كان سابقا، ثم نهي عنه.
وكذا ذكر البيهقي، لكن قال: إنما نهي عنه تخفيفا عليهم، ورفقا
بهم، وهذا لا يمنع العمل به كالصائم في السفر ونحوه.
وروي عن أبي خالد الوالبي، قال: خرج الينا علي بن أبي طالب ونحن قيام، فقال: مالي أراكم سامدين – يعني: قياما.
وسئل النخعي: أينتظرون الإمام قيأماأو قعودا؟ قال: قعودا.
وقال ابن بريدة في انتظارهم قياما: هو السمود.
وكذا روي عن النخعي، انه كرهه، وقال: هو السمود.
وحكي مثله عن أبي حنيفة وإسحاق.
قال بعض أصحابنا: وروي عن أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي، وداود، انه ان كان الإمام خارجا من المسجد فلا تقوموا حتى تروه، وإن كان في المسجد فهو كالمشاهد؛ حملا للرؤية في الحديث على العمل، وكذا قال ابن بطة من أصحابنا.
وإن كان الإمام في المسجد، فهو مرئي للمصلين أو بعضهم، لكن هل يكتفي برؤيته قاعدا، أو لا بد من رؤيته قائما متهيأ للصلاة؟ هذا محل نظر.
والمنصوص عن أحمد، انه إذا كان في المسجد فإن المأمومين يقومون إذا قال المؤذن: «قد قامت الصلاة»، وإن لم يقم الإمام.
والقيام للصلاة عند الإقامة متفق على استحبابه للإمام، إذا كان حاضرا في المسجد، وللمأمومين معه.
واختلفوا في موضع القيام من الاقامة على اقوال:
أحدها: انهم يقومون في ابتداء الاقامة، روي عن كثير من التابعين، منهم: عمر بن عبد العزيز، وحكاه ابن المنذر عن أحمد وإسحاق، وهو غريب عن أحمد.
والثاني: إذا قال: «قد قامت الصلاة»، روي عن أنس بن مالك، والحسن بن علي، وعطاء، والحسن، وابن سيرين، والنخعي، وهو قول ابن المبارك، وزفر، وأحمد، وإسحاق.
والثالث: إذا قال: «حي على الفلاح»، وحكي عن أبي حنيفة، ومحمد.
والرابع: إذافرغت الاقامة، وحكي عن مالك، والشافعي.
وحكى ابن المنذر عن مالك، انه لم يوقت في ذلك شيئا.
وقال الماوردي – من الشافعية -: إن كان شيخا بطيء النهضة قام عند قوله: «قد قامت الصلاة»، وإن كان سريع النهضة قام بعد الفراغ؛ ليستووا قيأمافي وقت واحد.
فإن تأخر قيام الإمام عن فراغ الإقامة لعذر كما
كان النبي ? احيانا يناجي بعض أصحابه طويلا، فهل يتأخر قيام المأمومين إلى حين؟ الاظهر: نعم.
ويدل عليه ما خرجه البخاري – وسيأتي قريبا عن شاء الله -، عن أنس، قال: اقيمت الصلاة والنبي ? يناجي رجلا في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.
ونومهم يدل على انهم كانوا جلوسا؛ إذ لو كانوا قيأماينتظرون الصلاة كان ابعد لنومهم.
وروى حجاج بن فروخ، عن العوام بن حوشب، عن ابن أبي أوفى، قال: كان بلال إذا قال: قد قامت الصلاة، نهض النبي ?.
حجاج، واسطي، قال أحمد يحيى: لا نعرفه. وقال يحيى – أيضا -: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: مجهول وضعفه النسائي، وقال الدارقطني: متروك.
وذكر هذا الحديث لأحمد فأنكره، وقال: العوام لم يلق ابن أبي اوفى. هذا في القيام المبتدأ للصلاة ممن كان جالسا، فأمامن دخل المسجد امأماكان او مأموما، والمؤذن يقيم الصلاة، فهل يجلس ليبتدئ القيام أمابعد الفراغ أو عند قوله: «قد قامت الصلاة»، أم
يستمر قائما؟ فيه قولان:
أحدهما: انه يجلس ليقوم إلى الصلاة في موضع القيام المشروع، وكذلك كان الإمامأحمد يفعل -: نقله عنه ابن منصور، وقاله طائفة من الشافعية، منهم: أبو عاصم العبادي.
وفيه حديث مرسل، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أن النبي ? جاء وبلال في الإقامة، فقعد
خرجه الخلال.
والقول الثاني: انه يستمر قائما ولا يجلس -: قاله طائفة من الشافعية، منهم: البغوي وغيره؛ لئلا يدخل في النهي عن القيام للصلاة قبل رؤية الإمام؛ لان النهي إنما يتناول القيام المبتدأ، وهذا لم يبتدئ القيام، بل استمر عليه.
ويتخرج لأحمد مثل هذا؛ انه فرق بين القيام المبتدأ والمستمر في القيام للجنازة، فحمل النهي عن القيام المبتدأ لمن كان جالسا، فأمامن تبعها فإنه يستمر قائما، ولا يجلس حتى توضع بالارض، ولم ير هذا القيام المستمر داخلا في القيام للجنازة المنهي عنه، وجمع بذلك بين الحديثين.
وقد يفرق بينهما: بأن في الجنازة حديثين مختلفين، فجمع بينهما بالتفريق بين القيام المبتدأ والمستمر، وأمافي النهي عن القيام قبل رؤية الإمام فليس فيه حديثيعارضه، بل مرسل ابن أبي ليلى يوافقه، فلذلك سوى فيه بين القيام المبتدأ والمستمر. والله أعلم.
وأماإن خرج الإمام إلى المسجد، ورآه المأمومون قبل إقامة الصلاة، فلا خلاف انهم لا يقومون للصلاة برؤيته.
وخرج البيهقي من رواية عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج: اخبرني موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضر، أن النبي ? كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المجلس قليلا جلس حتى يرى منهم جماعة، ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة أقام الصلاة.
وقال: وحدثني موسى بن عقبة – أيضا -، عن نافع بن جبير، عن مسعود بن الحكم الزرقي، عن علي بن أبي طالب، عن النبي ? –مثل هذا الحديث.
وخرجه أبو داود من رواية أبي عاصم، عن ابن جريج بالإسنادين – أيضا -، لكن لفظه: كان رسول الله ? حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلا جلس، ثم صلى، وإذارآهم جماعة صلى.
وخرجه الإسماعيلي في «مسند علي» من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج بالإسنادين – أيضا -، ولفظ حديثه: أن النبي ? كان إذا دخل المسجد فرأى جماعة أقام الصلاة، وإن رآهم قليلا جلس.
وخرجه من طريق عبد المجيد – أيضا – بنحو رواية البيهقي، وفي
آخره: يعني: أمر المؤذن، فأقام.
وأشار إلى أنه إنما يعرف بهذا الإسناد عن علي القيام للجنازة ثم الجلوس قال: ولعل هذا أن يكون [خبرا] آخر. والله أعلم.
————————-
متى يقوم المأموم للصلاة: هل عند إقامة الصلاة أم عند دخول الإمام؟
والجواب: بما أن هذه المسألة كثيرة التكرار، فلا بد من الكلام عنها بما يخرجنا من الغموض إلى الوضوح، ومن الشك إلى اليقين، حتى يظهر الراجح، وكلام أهل العلم في المسألة، من ذلك: ما جاء عن ابن المبارك عن أبي يَعْلى قال: رأيت أنسَ بن مالك – رضي الله عنه – إذا قيل قد قامت الصلاة قام فوثب، وعن الحسن وابن سيرين – رحمهما الله – أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن قد قامت الصلاة، وقال: فرقد السَبَخيّ – رحمه الله – للحسن: أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول: قد قامت الصلاة؟ فقال الحسن: أي ذلك شئت، وروى كلثوم بن زياد – رحمه الله – عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: إذا قال المؤذن “الله أكبر” وجب القيام، فإذا قال: “حي على الصلاة” اعتدلت الصفوف، فإذا قال: “لا إله إلا الله” كبر الإمام، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام، وهو قول الشافعي وداود، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إذا كان الإمام معهم في المسجد فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن: حي على الفلاح، وقال الشافعي وأصحابه وداود: البدار في القيام إلى الصلاة أولى إذا أخذ المؤذن في الإقامة لأنه بدار إلى فعل بر، وليس في شيء من ذلك شيء محدود عندهم، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الإمام أيكبر إذا قال المؤذن “حي على الصلاة، قد قامت الصلاة” أو حين يفرغ من الإقامة؟ فقال: حديث أبي قتادة: لا تقوموا حتى تروني قال ابن عبد البر: وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد، وقال: الحافظ ابن حجر معلقاً على ترجمة البخاري لحديث أبي
قتادة السابق “باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ قيل: أورد الترجمة بلفظ الاستفهام؛ لأن قوله في الحديث: لا تقوموانهي عن القيام، وقوله حتى تروني تسويغ للقيام عند الرؤية، وهو مطلق غير مقيد بشيء من ألفاظ الإقامة، ومن ثم اختلف السلف في ذلك، ثم ذكر بعض الآثار التي أوردها ابن عبد البر، ثم قال: “وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه، وخالف من ذكر على التفصيل الذي شرحنا، وحديث الباب حجة عليهم، وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها، وتقدم إذنه في ذلك، قال القرطبي: “ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي ? من بيته، وهو معارض لحديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه -: “أن بلالاً كان لا يقيم حتى يخرج النبي ?” أخرجه مسلم، ويجمع بينهما بأن بلالاً كان يراقب خروج النبي ? فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس، ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم، ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب: “أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن: “الله أكبر” يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبي ? حتى تعتدل الصفوف”.
وأما حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الآتي قريباً بلفظ: “أقيمت الصلاة، فسوى الناس صفوفهم” بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز، وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة، ولم يخرج النبي ? فنهاهم عن ذلك؛ لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج، فيشق عليهم انتظاره، ولا يرد هذا حديث أنس – رضي الله عنه – الآتي: أنه قام في مقامه طويلاً في حاجة بعض القوم؛ لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادراً، أو فعله لبيان الجواز”أهـ 1. وقد أجاب على هذه المسألة: الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – عند شرحه لقول المصنف: “يسن القيام عند قوله قد من إقامتها” قائلاً: أي يسن للمأموم أن يقوم إذا قال المقيم “قد”من “قد قامت الصلاة”؛ لأن “قد” تفيد التحقيق و”قامت” تفيد الواقع، وحينئذ يكون موضع القيام للصلاة عند قوله “قد” من “قد قامت الصلاة” وظاهر كلام المؤلف أنه يسن القيام عند هذه الجملة سواء رأى المأمومون الإمام أم لم يروه، وهذا أحد الأقوال في المذهب 2، والمشهور من المذهب 3 أنهم لايقومون عند إقامتها إلا إذا رأوا الإمام، فإن لم يروا انتظروا حتى يروا الإمام؛ لأنهم تابعون ولو قاموا في الصف قبل أن يروا الإمام لكانوا متبوعين؛ لان الإمام سيأتي بعدهم بعد أن يصفوا ويقوموا، والغالب أنها لاتقام عندنا في هذا البلد 4 حتى يدخل الإمام المسجد ويراه الناس، ثم يقيم المؤذن، وقيل: يقوم إذا رأى الإمام مطلقا ..
وقيل: يقوم إذا شرع بالإقامة، وقيل: يقوم إذا قال “حي على الصلاة”، وقيل: يقوم إذا كبّر الإمام تكبيرة الإحرام، وقيل: الأمر في ذلك واسع 5، والسنة لم ترد محدّدة لموضع القيام إلا أن النبي ? قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني 6 فإذا كانت السنة غير محددة القيام كان القيام عند أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها؛ كل ذلك جائز، المهم أن تكون متهيئاً للدخول في الصلاة قبل تكبير الإمام لئلا تفوتك تكبيرة الاحرم. أ. هـ 7
1 – فتح الباري (ج2 ص120).
2 – الإنصاف (3/ 401).
3 – منتهى الإرادات (1/ 204) , الإنصاف (3/ 402).
4 – يقصد المملكة العربية السعودية بلد الشارح – رحمه الله -.
5 – المغنى (2/ 123) , المجموع (3/ 233).
6 – رواه البخاري برقم (604).
7 – الشرح الممتع على زاد المستنقع. (ج3.ص8).
————-
اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في الوقت الذي يقوم فيه المأموم للصلاة على أقوال ذكرها النووي رحمه الله في المجموع (3/ 233) وهي كما يلي:
القول الأول: يقوم إذا شرع المؤذن في الإقامة، وبه قال عطاء والزهري.
القول الثاني: يقوم إذا قال: حي على الصلاة , وبه قال أبو حنيفة.
القول الثالث: يقوم إذا فرغ المؤذن من الإقامة، وبه قال الشافعي.
القول الرابع: ليس للقيام وقت محدد، بل يجوز للمصلي القيام في أول الإقامة، أو أثناءها، أو آخرها. وبه قال المالكية.
القول الخامس: يسن القيام عند قول المؤذن “قد قامت الصلاة” إن رأى المأموم الإمام، فإن لم يره , فإنه يقوم عند رؤيته لإمامه، وبه قال الإمام أحمد.
وليس هناك دليل واضح من السنة على أحد هذه الأقوال، وإنما هي اجتهادات من الأئمة، حسب ما ظهر لكل منهم.
وعليه، فالأمر في هذا واسع فللمأموم أن يقوم متى شاء في أول الإقامة أو أثنائها … لكن دلت السنة على أن المؤذن إذا أقام الصلاة ولم يدخل الإمام المسجد فإن المأمومين لا يقومون حتى يروه.
فعن أبي قتادة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) رواه البخاري (637) ومسلم (604) وفي رواية لمسلم: (حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ).
قال ابن رشد المالكي: ” … فإن صح هذا ـ أي حديث أبي قتادة المتقدم ـ وجب العمل به , وإلا فالمسألة باقية على أصلها المعفو عنه , أعني أنه ليس فيها شرع , وأنه متى قام كل واحد , فحسن” انتهى من “الموسوعة الفقهية” (34/ 112).
وسئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: هل ورد في السنة وقت محدد للقيام للصلاة عند الإقامة؟
فأجاب:
“لم ترد السنة محددة لموضع القيام؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوموا حتى تروني) فمتى قام الإنسان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها فكل ذلك جائز” انتهى.
“مجموع فتاوى ابن عثيمين” (13/ 8).
—————-
لا تشرع الإقامة لغير الصلوات الخمس.
قال النووي رحمه الله: ” لا يشرع الأذان ولا الإقامة لغير الخمس , سواء كانت منذورة أو جنازة أو سنة وسواء سن لها الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء أم لا كالضحى … وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف” انتهى من “المجموع” (3/ 83) بتصرف يسير.