59 – التعليق على الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي و أبي علي راشد الحوسني وأبي سالم محمد الكربي ومحمد الدارودي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
59 – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج 10 ص 348): حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا حُمِلَتْ جَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا أَخَفَّ جَنَازَتَهُ وَذَلِكَ لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
قال أبو عبد الرحمن: هو حسن لغيره.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الحاكم في المستدرك 4926: ” هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه” ووافقه الذهبي فقال: ” على شرط البخاري ومسلم “.
* أخرجه المقدسي في المختارة 2413.
* صححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي 3849.
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1 – تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب الترمذي على هذا الحديث باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، وأورد تحته ثلاثة أحاديث:
• عن البَرَاءِ، قَالَ: أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا. [خ: 3249 م: 2468].
• عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَجَنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ: اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ. [خ: 3803 م: 2466]
• حديث الباب.
* بوب الحاكم في مستدركه: ذِكْرُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئٍ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْخَزْرَجِيِّ الْأَنْصَارِيِّ، ثم قال: وَكَانَ سَعْدٌ يُكَنَّى أَبَا عَمْرٍو، وَكَانَ لِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَهُ يَومَ الْخَنْدَقِ، فَرُمِيَ فِي أَكْحَلِهِ بِسَهْمٍ فَقُطِعَ وَنَزَفَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
ومن الأحاديث التي أوردها الحاكم غير ما سبق:
• عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: اهْتَزَّ لِحُبِّ لِقَاءِ اللَّهِ الْعَرْشُ ـ يَعْنِي السَّرِيرَ ـ قَالَ: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ تَفَسَّخَتْ أَعْوَادُهُ، قَالَ: وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبْرِهِ فَاحْتُبِسَ، فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَبَسَكَ قَالَ: «ضُمَّ سَعْدٌ فِي الْقَبْرِ ضَمَّةً فَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ» [وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم 3345: وهذا من أوهامهما؛ فإن اختلاط عطاء بن السائب ثابت عند أهل العلم، وقد ذكر ذلك الذهبي نفسه في ترجمته من “الميزان “، وأن من روى عنه قديماً؛ فهو صحيح الحديث، وليس عبد السلام بن حرب ومحمد بن فضيل منهم، ولذلك فالحديث ضعيف لاختلاطه؛ لا سيما والأحاديث في ضمة القبر على سعد كثيرة؛ ذكر السيوطي طائفة منها في “شرح الصدور” (ص 44 – 45)، وليس في شيء منها: “فسألت الله أن يخفف عنه ” أو: “فدعوت الله أن يكشف عنه “؛ مع ملاحظة الفرق أيضاً بين “يخفف ” و”يكشف “].
- عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمَّا مَاتَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ صَاحَتْ أُمُّهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا يَرْقَأُ دَمْعُكِ، وَيَذْهَبُ حُزْنُكِ، فَإِنَّ ابْنَكِ أَوَّلُ مَنْ ضَحِكَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَاهْتَزَّ لَهُ الْعَرْشُ» [قال الحاكم: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني في تخريج السنة لابن أبي عاصم 559: إسناده ضعيف رجاله كلهم ثقات غير إسحاق بن رشاد فإنه مجهول لا يعرف وهو غير الجزري فإنه أقدم طبقة منه. والحديث أخرجه ابن خزيمة في “التوحيد” ص 154 من طريق أخرى عن يزيد وقال: لست أعرف إسحاق بن راشد هذا ولا أظنه الجزري أخو النعمان بن راشد.
قلت: وأما تلميذه ابن حبان فذكره في “الثقات”. والحديث أخرجه أحمد 6/ 456 وابن سعد 3/ 2/12 عن يزيد بن هارون بِهِ.]. - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمْنَا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَتُلُقِّينَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَ غِلْمَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَلَقَّوْا أَهْلِيهِمْ، فَلَقُوا أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، فَنَعَوْا لَهُ امْرَأَتَهُ، فَتَقَنَّعَ وَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكَ مِنَ السَّابِقَةِ وَالْقِدَمِ، مَا لَكَ تَبْكِي عَلَى امْرَأَةٍ. فَكَشَفَ عَنْ رَاسِهِ وَقَالَ: صَدَقْتِ لَعَمْرِي، حَقِّي أَنْ لَا أَبْكِي عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا قَالَ: قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: مَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَقَدْ اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِوَفَاةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ” قَالَتْ: وَهُوَ يَسِيرُ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” [قال الحاكم: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي، وقال محققو المسند (31/ 441): مرفوعه صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي والد محمد، فقد تفرد بالرواية عنه ابنه محمد بن عمرو ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمرو، فقد أخرج له البخاري مقروناً وَمسلم في المتابعات، وهو حسن الحديث.]
تنبيه: قول الحاكم في نسب سعد بن معاذ انه:
سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئٍ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْخَزْرَجِيِّ الْأَنْصَارِي
فالنسبة للخزرج ليس هو مقابل الأوس وإنما جد لهم يدعى خزرج: ففي فتح الباري:
قَوْلُهُ فَإنَّ البَراءَ يَقُولُ اهْتَزَّ السَّرِيرُ أيِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ كانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الحَيَّيْنِ أيِ الأوْسُ والخَزْرَجُ قَوْلُهُ ضَغائِنُ بِالضّادِ والغَيْنِ المُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ ضَغِينَةٍ وهِيَ الحِقْدُ
قال الخطابي انما قال جابر ذلك لأن سعدا كان من الأوس والبراء خزرجي والخزرج لا تقر للأوس بفضل كذا قال وهو خطأ فاحش فان البراء أيضا اوسي لأنه بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس يجتمع مع سعد بن معاذ في الحارث بن الخزرج والخزرج والد الحارث بن الخزرج وليس هو الخزرج الذي يقابل الأوس وانما سمي على اسمه نعم الذي من الخزرج الذين هم مقابلو الأوس جابر وانما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع انه اوسي ثم قال انا وان كنت خزرجيا وكان بين الأوس والخزرج ما كان لا يمنعني ذلك ان أقول الحق فذكر الحديث والعذر للبراء انه لم يقصد تغطية فضل سعد بن معاذ وانما فهم ذلك فجزم به هذا الذي يليق ان يظن به وهو دال على عدم تعصبه ولما جزم الخطابي بما تقدم احتاج هو ومن تبعه إلى الاعتذار عما صدر من جابر في حق البراء وقالوا في ذلك ما محصله ان البراء معذور لأنه لم يقل ذلك على سبيل العداوة لسعد وانما فهم شيئا محتملا فحمل الحديث عليه والعذر لجابر انه ظن ان البراء أراد الغض من سعد فساغ له ان ينتصر له والله اعلم
فتح الباري (124/ 7)
2 – شرح الحديث:
* ينظر شرح صحيح مسلم باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه.
* قال الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن (12/ 3944): ” قوله: ((إن الملائكة كانت تحمله)) جواب عن قولهم: ((ما أخف جنازته)) يريدون بذلك حقارته وازدراءه، فأجاب صلى الله عليه وسلم بما يلزم من تلك الخفة تعظيم شأنه وتفخيم أمره، وهو قريب من القول [يالموجب من حكم مقالتهم: ((ما أخف جنازته)) ثم إلى إبطال قصدهم] من العيب فقال: ((إن الملائكة كانت تحمله)) نحوه قوله تعالى: {ويقولون هو أذن، قل أذن خير لكم} “.
* قال علي ملا القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 4019): ” (وعن أنس قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ)، أي: لما حملها الناس ورأوها خفيفة (قال المنافقون: ما أخف جنازته): ما للتعجب (وذلك)، أي: استخفافه واستحقاره (لحكمه في بني قريظة) أي بأن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية، فنسبه المنافقون إلى الجور والعدوان، وقد شهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له بالإصابة في حكمه كما سبق في محله. (فبلغ ذلك)، أي: كلامهم (النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «إن الملائكة كانت تحمله» “). أي ولذا كانت جنازته خفيفة على الناس، وأيضا ثقل الميت مشعر بتعلقه إلى الدنيا وخفته إلى قوة شوقه للمولى وسرعة طيران روحه إلى المقصد الأعلى. قال تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8] “.
* قال ابن الملك في شرح مصابيح السنة (6/ 509): “عن أنس – رضي الله عنه – قال: لما حُمِلَتْ جنازةُ سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخفَّ جنازته”: على صيغة التعجب، يريدون بذلك حقارته وازدراءه.
“وذلك لحُكمِه في بني قريظة”: وهذا إشارة إلى أن بني قريظة لمَّا نزلوا على حكمه معتمدين على حسن رأيه = حَكَم بأن تقتل المقاتلة، وتُسبى الذرية، فنسبه المنافقون إلى الجَور، وقد شهد له – صلى الله عليه وسلم – بالإصابة في حكمه.
“فبلغ ذلك” القول “النبيَّ – صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنَّ الملائكة كانت تحمله”: أجاب – صلى الله عليه وسلم – بما يلزم من تلك الخفة تعظيم شأنه، وتفخيم أمره.
* أما قول النبي صلى الله عليه وسلم “اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ- لمِوْتِ سَعْدِ ابْنِ مُعَاذ”: قال الأثيوبي حفظه الله في شرح ابن ماجه (3/ 400): أي فرَحًا بقدومه -رضي الله عنه-.
قال النوويّ رحمه الله: اختلف العلماء في تأويله، فقالت طائفة: هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحرُّكه فرَحًا بقدوم روح سعد، وجعل الله تعالى في العرش تمييزًا حصل به هذا، ولا مانع منه كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]، وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الّذي قاله النوويّ رحمه الله حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم. ا. ه
– وفي شرح صحيح مسلم المسمى الفوائد المنتقاة: نُقل كلام أهل العلم في المراد بإهتزاز العرش فمن ذلك:
قال الذهبي رحمه الله:
” هذا متواتر؛ أشهد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله “.
انتهى من “العلو للعلي الغفار” (ص 89).
ورواه تمام في ” فوائده ” (16) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، مِنْ فَرَحِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ)
وجوّد إسناده الألباني في “الصحيحة” (1288).
وفي ” السنة “، لعبد الله بن الإمام أحمد (1058): ” عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: ” لَقَدِ اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ جَلَّ وَعَزَّ بِجِنَازَةِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَفَسَّرَهُ الْحَسَنُ: فَرَحًا بروحهُ “.
ثانيا:
يجب إمرار أحاديث الصفات كما جاءت، وكذا ما يتعلق بها من أمور الغيب؛ فروى الآجري في “الشريعة” (3/ 1146) عن ” الْوَلِيد بْن مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالثَّوْرِيَّ , وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ , وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ: عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ فَكُلُّهُمْ قَالَ: ” أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ ” وفي رواية: ” أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ “. رواه البيهقي في “الاعتقاد” (ص/ 118).
ومن أن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الرب تعالى أنهم يثبتونها، ويثبتون معانيها التي تدلُّ عليها على حقيقتها ووضعها اللغوي، ويفوضون العلم بالكيفيات والماهيات، مع اعتقاد أنها لا يُفهم منها تشبيه الرب أو شيء من صفاته بالمخلوقين.
فنؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ونؤمن بأن العرش اهتز حقيقة لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقد ورد في بعض الأثر: أن ذلك من فرح الرب تعالى، على ما سبق، ولا يقال: كيف استوى الرحمن على العرش كما لا يقال: كيف اهتز العرش لموت سعد وإنما نُمرّ ذلك ونؤمن به بلا كيف، ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل.
قال الذهبي رحمه الله:
” وَالعَرْشُ خَلْقٌ لِلِّهِ مُسَخَّرٌ، إِذَا شَاءَ أَنْ يَهْتَزَّ اهْتَزَّ بِمَشِيْئَةِ اللهِ، وَجَعَلَ فِيْهِ شُعُوْراً لِحُبِّ سَعْدٍ، كَمَا جَعَلَ تَعَالَى شُعُوْراً فِي جَبَلِ أُحُدٍ بِحُبِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ تَعَالَى: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ) سَبَأ/ 10، وَقَالَ: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ) الإِسْرَاءُ/ 44، ثُمَّ عَمَّمَ فَقَالَ: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) الإسراء/ 44، وَهَذَا حَقٌّ، وَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُوْدٍ: ” كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيْحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ ” وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ سَبِيْلُهُ الإِيْمَانُ ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (3/ 183 – 184).
وقال البغوي رحمه الله: ” وَالأَوْلَى إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: (أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)، وَلا يُنْكَرُ اهْتِزَازُ مَا لَا رَوْحَ فِيهِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ، كَمَا اهْتَزَّ أُحُدٌ وَعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَكَمَا اضْطَرَبَتِ الأُسْطُوَانَةُ عَلَى مُفَارَقَتِهِ ” انتهى من “شرح السنة” (14/ 180 – 181).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتِبْشَارُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَفَرَحُهُمْ؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى مَا قَالَ … مَعَ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ وَلَفْظَهُ يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ “.
انتهى من “مجموع الفتاوى” (6/ 554).
ثالثا:
ليس في اهتزاز العرش لموت مخلوق نقيصة للرب سبحانه، وأي نقيصة في ذلك وسواء قدرنا أن الاهتزاز إنما كان من فرح العرش نفسه بمقدم روح سعد، رضي الله عنه، واستعظامه لذلك، على ما مر في كلام بعض أهل العلم، أو كان من فرح الرحمن جل جلاله ومحبته للقاء عبده سعد بن معاذ، رضي الله عنه، كما في الحديث: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ)
رواه البخاري (6507) ومسلم (2683).
فأي نقيصة تلحق العرش بذلك، فضلا عن أن ينسب منه نقص لرب العرش العظيم، جل جلاله !!
إن الأصل الذي ينبغي أن نبني عليه كلامنا: هو صحة الحديث من عدمه، وقد سبق بيان ثبوت الحديث من غير أدنى شك، وأنه متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرنا كلام أهل العلم في توجيهه وبيانه.
واهتزاز العرش، وأطيط السماء، ونحو ذلك: ليس من صفة الرحمن جل جلاله، كما نبهنا، وإنما هو من صفة العرش المخلوق.
قال الذهبي رحمه الله: ” وَلَيْسَ لِلأَطِيطِ مَدْخَلٌ فِي الصِّفَاتِ أَبَدًا؛ بَلْ هُوَ كَاهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدٍ، وَكَتَفَطُّرِ السَّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْو ذَلِك ” انتهى من “العلو” (107).
* وينظر عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند برقم 49 في مسألة ضمة القبر في شرح حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّحَ النَّاسُ مَعَهُ طَوِيلًا، ثُمَّ كَبَّرَ فَكَبَّرَ النَّاسُ، ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِمَّ سَبَّحْتَ قَالَ: ” لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَبْرُهُ، حَتَّى فَرَّجَهُ اللَّهُ عَنْهُ “.
قلت سيف بن دوره: على شرط الذيل على الصحيح المسند، وهذا إسناد حسن، وراجع القول المسدد.
* قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات ص 300: ” تهذيب الأسماء (ص: 300)
أسلم سعد على يد مصعب بن عمير، رضى الله عنه، حين بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبله مهاجرًا إلى المدينة يُعَلِّم المسلمين أمور دينهم، فلما أسلم سعد قال لبنى عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علىَّ حرام حتى تسلموا، فأسلموا، وكان من أعظم الناس بركة فى الإسلام، ومن أنفعهم لقومه، وشهد بدرًا، وأُحُدًا، والخندق، وقريظة، ونزلوا على حكمه، فحكم فيهم بقتل الردل وسبى الذرية، فقال النبى – صلى الله عليه وسلم -: “لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى”.
وتوفى شهيدًا عام الخندق من جرح أصابه من قتال الخندق …
ثم أورد فضائله إلى أن قال رحمه الله: ” ومناقب سعد، رضى الله عنه، كثيرة مشهورة، وأنشدوا:
وما اهتز عرش الله من موت هالك … سمعنا به إلا لسعد أبى عمرو
روى له البخارى حديثًا من رواية ابن مسعود فيه معجزة من معجزات النبى – صلى الله عليه وسلم -“.ا. ه
لعل النووي يقصد حديث سعد بن معاذ الذي في البخاري 3950 حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ، فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ، فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، مَنْ هَذَا مَعَكَ فَقَالَ: هَذَا سَعْدٌ. فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ، وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا. فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ، لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ؛ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي. فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ؛ فَوَاللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ “. قَالَ: بِمَكَّةَ قَالَ: لَا أَدْرِي.
فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا، فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ، أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ، أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ. فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ. فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ. ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ: جَهِّزِينِي. فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ، وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ. قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا. فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ. ” والله أعلم