584 – تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد الرحيمي وعبد الله الديني
_______
بَابُ مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ
584 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَالِبٌ القَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المُزَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا «إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الحَرِّ»: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وَفِي البَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
[حكم الألباني]: صحيح
——–
قال ابن بطال:
– باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ، وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ. / 34 – فيه: أنس: (كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ). واختلف العلماء فى السجود على الثوب من شدة الحر والبرد، فرخص فى ذلك عمر ابن الخطاب، وعطاء، وطاوس، والنخعى، والشعبى، والحسن، وهو قول مالك، والأوزاعى، والكوفيين، وأحمد، وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث، وقال الشافعى: لا يجزئه السجود على الجبهة ودونها ثوب إلا أن يكون جريحًا، ورخص فى وضع اليدين على الثوب من شدة الحرِّ والبرد. واختلفوا فى السجود على كور العمامة، فرخص فيه: ابنُ أبى أوفى، والحسن، ومكحول، وسعيد بن المسيب، والزهرى، وهو قول أبى حنيفة، والأوزاعى، وقال مالك: أكرهه ويجوز، وقال ابن حبيب: هذا فيما خف من طاقاتها، فأما ما كثر فهو كمن لم يسجد، وكره علي، وابن عمر، وعبادةُ السجود عليها، وعن النخعى، وابن سيرين، وعبيدة مثله. وقال الشافعى: لا يجزئ السجود عليها، وقال أحمد: لا يعجبنى إلا فى الحر والبرد، واحتج أصحاب الشافعى: بأنه لما لم يقم المسح على العمامة مقام مسح الرأس وجب أن يكون السجود كذلك. قال ابن القصار: والجواب أن الفرض فى السجود: التذلل والخشوع، فيكون العضو على الأرض وهو يحصل بحائل وبغير حائل، على أن اعتبارهم يفسده الرجلين؛ لأنه يسجد عليهما فى اللفافة والمسح عليهما لا يجوز، وقد أجمعوا أنه يجوز السجود على الركبتين والقدمان مستورة بالثياب، وهى بعض الأعضاء التى أمر المصلى بالسجود عليها، فكذلك سائر أعضاء السجود إلا ما أجمعوا عليه من كشف الوجه.
فإن قالوا: لو جوزنا السجود على كور العمامة على حصير لجوزنا الجمع بين بدلين أحدهما الحصير الذى هو بدل الأرض والآخر العمامة التى هى بدل الجبهة ولا يصح الجمع بين بدلين فى موضع، ألا ترى أن التيمم بدل الماء ومسح الخفين بدل الرجلين، ولا يجوز الجمع بينهما، قيل: هذا ساقط لأننا لا نقول: إن الحصير بدل من الأرض، وإن العمامة بدل من الجبهة، بل هو مخير إن شاء باشر بجبهته الأرض، وإن شاء بحائل على جبهته وعلى الأرض، والمسح على الخفين هو مخير فيه أيضًا إن شاء مسح، وإن شاء غسل كالسجود، وليس التيمم كذلك وليس بدلاً، وكل حائل جاز السجود عليه منفصلاً جاز متصلاً، دليله: الركبتان والقدمان. وأجمع الفقهاء أنه يجوز السجود على اليدين فى الثياب، وإنما كره ذلك ابن عمر، وسالم، وبعض التابعين، وسيأتى بعض هذا المعنى فى باب: لا يكف شعرًا ولا ثوبًا فى الصلاة بعد هذا، إن شاء الله.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 47]
قال ابن رجب:
فقد تضمن ما قاله الحسن في هذا مسألتين:
إحداهما:
سجود المصلي ويداه في كمه، أو في ثوبه، وقد حكى عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه.
وروى أبو نعيم ووكيع في ((كتابيهما)) عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كانوا يصلون في برانسهم ومساتقهم وطيالستهم، لا يخرجون أيديهم.
وروى وكيع، عن الأعمش، عن محارب – أبو وبرة -، قَالَ: كان ابن عمر يلتحف بالملحفة، ثُمَّ يسجد فيها، لا يخرج يديه.
والصحيح عن ابن عمر: ما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا سجد يضع كفيه على الذي يضع عليه وجهه. قال: ولقد رايته في يوم شديد البرد ويخرج يديه من تحت برنس له.
وممن كان يسجد ويداه في ثوبه لا يخرجهما: سعيد بن جبير، وعلقمة، ومسروق، والأسود.
وحكى ابن المنذر، عن عمر الرخصة في السجود على الثوب في الحر، وعن عطاء وطاوس. قال: ورخص فيه للحر والبرد النخعي والشعبي، وبه قال مالك والأوزاعي واحمد وإسحاق وأصحاب الرأي، ورخص الشافعي في وضع اليدين على الثوب في الحر والبرد. انتهى.
ونقل ابن منصور، عن أحمد وإسحاق: لا يسجد ويداه في ثوبه، إلا من برد أو علة، وكذا نقل غير واحد عن أحمد: أنه لا يفعل ذلك إلا من علة، ولا يفعله من غير علة.
وروى عنه جماعة من أصحابه: أنه لا بأس بذلك، ولم يقيده بالعلة، فيحتمل أن يكون ذلك رواية عنه بعدم الكراهة مطلقا، ويحتمل أن تحمل رواياته المطلقة على رواياته المقيدة، وكلام أكثر أصحابنا يدل على ذلك، وفيه نظر.
وبكل حال؛ فيجزئ السجود وأن لم يباشر الأرض بيديه رواية واحدة، ولا يصح عن أحمد خلاف ذلك البتة، وإنما أصل نقل الخلاف في ذلك عن أحمد مأخوذ من كتب مجهولة لا يعرف أصحابها، فلا يعتمد عليها.
ومذهب مالك: أنه إن كان حر أو برد جاز له أن يبسط ثوبا يسجد عليه، ويجعل عليه كفيه، مع قوله: يكره السجود على الثياب من غير عذر، كما سبق.
وللشافعي قولان في وجوب السجود على الكفين.
وعلى قوله بالوجوب، فهل يجب كشفهما أو يجوز السجود عليهما وهما في
كمه؟ على قولين له – أيضا -، أصحهما: أنه يجوز.
وعلى القول الآخر، فإنما يجب كشف أدنى جزء منهما، لا كشف جميعهما.
المسألة الثانية:
سجود الرجل على كور عمامته وعلى قلنسوته، وقد حكى الحسن عن الصحابة أنهم كانوا يفعلونه.
وممن روي عنه أنه كان يسجد على كور عمامته: عبد الله بن أبي أوفى، لكن من وجه فيه ضعف.
وروى عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يسجد على كور عمامته.
وقد خالفه من هو أحفظ منه كما سيأتي.
وروي عن عبد الله بن يزيد الأنصاري ومسروق وشريح السجود على كور العمامة والبرنس.
ورخص فيه ابن المسيب والحسن ومكحول والزهري والثوري والأوزاعي وإسحاق.
وكان عبد الرحمن بن يزيد يسجد على كور عمامة له غليظة، تحول بينه وبين الأرض.
وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يفعله، من وجوه كلها باطلة، لا يصح منها شيء -: قاله البيهقي وغيره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه، من وجوه مرسلة، وفيها ضعف – أيضا.
وروي عن علي، قال: إذا صلى أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته.
وكان عبادة بن الصامت يفعله.
وروى أيوب، عن نافع، أن ابن عمر كان لا يسجد على كور العمامة.
وروى عبيد الله، عن نافع، أن ابن عمر كان يحسر عن جبهته كور العمامة إذا سجد، ويخرج يديه، ويقول: أن اليدين تسجدان مع الوجه.
وكره ابن سيرين السجود على كور العمامة.
وعن عمر بن عبد العزيز ما يدل على ذلك.
وقال النخعي وميمون بن مهران: أبرز جبيني أحب إلي.
وقال عروة: يمكن جبهته من الأرض.
وقال مالك: من صلى على كور العمامة كرهته، ولا يعيد، وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى تمس الأرض بذلك -: نقله صاحب ((تهذيب المدونة)).
ومذهب الشافعي: لا يجزئه أن يسجد على كور عمامته، ولا على طرف ثوبه وما هو متصل به، حتى يكشف عن بعض محل سجوده فيباشر به المصلي.
وكره أحمد السجود على كور العمامة، إلا لعلة من حر أو برد يؤذيه، فلم يكرهه كذلك.
وقال – في رواية صالح -: لا بأس بالسجود على كور العمامة، وأعجب إلي أن يبرز جبهته ويسجد عليها.
وقال – في رواية أبي داود -: لا يسجد على كور العمامة، ولا على القلنسوة. قيل له: فمن صلى هكذا يعيد؟ قال: لا، ولكن لا يسجد عليها.
ولم يذكر القاضي أبو يعلى في ((الجامع الكبير)) وغيره من كتبه في صحة صلاته على كور العمامة ونحوها خلافا.
وحكى ابن أبي موسى رواية أخرى: أنه إذا سجد على كور عمامته لغير حر ولا برد أنه لا يجزئه.
ولم نجد بذلك نصا عنه صريحا بالإعادة، إنما النص عنه بكراهته والنهي عنه.
وقد نقل أبو داود النهي عنه مع الإجزاء.
ونهى أحمد ابنه عبد الله عن سجوده في الصلاة على كمه، ولم يأمره بالإعادة.
وأما من نقل رواية عن أحمد بالإعادة مطلقا بذلك فلا يصح نقله.
وقول ابن أبي موسى: أن سجد على قلنسوته لم يجزئه – قولا واحدا -، لا يصح، ورواية أبي داود عن أحمد ترده.
ولو كان جبينه جريحا وعصبه بعصابة، جاز السجود عليها عند الشافعي، ولا إعادة عليه، ومن أصحابه من حكى وجها ضعيفا بالإعادة.
ولم يرخص عبيدة السلماني في السجود على العصابة للجرح، وهذا حرج شديد تأباه السمحة.
[فتح الباري لابن رجب 3/ 30]
قال ابن قدامة:
فصل: ولا تَجِبُ مُبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِشاءٍ مِن هذه الأعضاءِ. قال القاضي: إذا سجد على كُورِ العِمَامَةِ أو كُمِّه أو ذَيْلِه، فالصلاةُ صحيحةٌ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وهذا مذهبُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ. وممَّنْ رخَّصَ في السُّجودِ على الثَّوْبِ في الحَرِّ والبَرْدِ. عطاءٌ، وطَاوُس، والنَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، والأوْزَاعِىُّ، ومالكٌ، وإسحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وَرَخَّصَ في السَّجودِ على كُورِ العِمَامَةِ الحسنُ، ومَكْحُولٌ، وعبدُ الرحمنِ بن يَزِيدَ. وسَجَدَ شُرَيْحٌ على بُرْنُسِهِ (21)، وقال أبو الخَطَّاب: لا يَجِبُ مُبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِشاءٍ مِن أعْضَاءِ السُّجُودِ إلَّا الجَبْهَةَ، فإنَّها على روايتَيْنِ. وقد رَوَى الأثرَمُ، قالَ: سألتُ أبا عبد الرحمَنِ عن السجودِ على كُورِ العِمامَةِ؟ فقال: لا يسجدُ على كُورِها، ولكن يَحْسُرُ العِمامَةَ. وهذا يَحْتَمِلُ المَنْعَ، وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لِما رُوِىَ عن خَبَّابٍ، قال: شَكَوْنا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ في جِبَاهِنَا وأكُفِّنا. فلم يُشْكِنَا (22). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (23). ولأنَّه سجد على ما هو حَامِلٌ له، أشْبَهَ ما إذا سجد على يدَيْه. ولنا، ما رَوَى أنَسٌ، قال: كُنَّا نُصَلِّى مع النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَضَعُ أحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِن شِدَّةِ الحَرِّ في مكانِ السُّجودِ. رَوَاهُ البخارِىُّ، ومُسْلِمٌ (24). وعن ثابتِ بنِ الصَّامِتِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صلَّى في بَنِى عبدِ الأشْهَلِ، وعليهِ كسَاءٌ مُلْتَفٌّ بهِ يَضَعُ يَدْيهِ عليه، يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى. وفِي رِوَايَةٍ: فَرأيْتُه واضِعًا يدَيْهِ على قَرْنِه إذا سجد. رواهُ ابن ماجَه (25).
ورُوِىَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه سجد على كُورِ العِمَامَةِ، وهو ضعيفٌ (26) وقال الحسنُ: كانَ القومُ يسجُدونَ على العِمَامةِ والقَلَنْسُوَةِ، ويَدُه في كُمِّهِ. ولأنَّه عُضْوٌ مِن أعْضاءِ السُّجودِ، فجَازَ السجودُ على حائِلِه، كالقدَمَيْنِ. فأمَّا حديثُ خَبَّابٍ فالظَّاهرُ أنَّهم طَلَبُوا منهُ تاخِيرَ الصَّلاةِ، أو تَسْقِيفَ المسجِدِ، أو نحوَ ذلك، ممَّا يُزِيلُ عنهم ضررَ الرَّمْضَاءِ في جِباهِهم وأكُفِّهم، أما الرُّخْصةُ في السُّجودِ على كُورِ العِمَامَةِ، فالظَّاهِرُ أنَّهم لم يَطْلُبُوه؛ لأنَّ ذلكَ إنَّما طَلَبَه الفُقراءُ، ولم يَكُنْ لهم عَمَائِمُ، ولا أكْمامٌ طِوَالٌ يَتَّقُونَ بها الرَّمْضَاءَ، فكيف يَطْلُبُون منه الرُّخْصَةَ فيها؟ ولو احْتَمَلَ ذلك، لكنَّه لا يتَعَيَّنُ، فلمَ يُحْمَلُ عليه دون غيرِه؟. ولذلِكَ لم يَعْمَلُوا به في الأكُفِّ. قال أبو إسْحاقَ: المَنْصُوصُ عن الشَّافعىِّ أنَّه لا يَجِبُ كَشْفُهما. قال: وقد قِيل فيه قولٌ آخَرُ، إنَّه يجبُ. وإنْ سجدَ على يدَيْهِ لم يَصِحَّ، روَايَةً واحِدَةً؛ لأنَّه سجد على عُضْوٍ مِن أعضاءِ السُّجودِ، فالسُّجودُ يُؤَدِّى إلى تَدَاخُلِ السُّجودِ، بِخِلَافِ مسألتِنَا. وقال القاضي في “الجامِعِ”: لم أجدْ عن أحمدَ نصًّا فِي هذه المسألَةِ، ويجبُ أنْ تكونَ مَبْنِيَّةً على السُّجودِ على غيرِ الجَبْهَةِ. هل هو واجبٌ؟ على روايَتَينِ؛ إنْ قُلْنَا: لا يجبُ. جازَ، كما لو سجَد على العِمَامةِ. وإن قُلْنا: يَجِبُ، لم يَجُزْ؛ لئَلَّا يَتَدَاخَلَ مَحَلُّ السُّجودِ بعضُه في بعضٍ. والمُسْتَحَبُّ مَبَاشَرَةُ المُصَلِّى بِالجَبْهَةِ وَاليَدَيْنِ لِيَخْرُجَ مِنَ الخِلَافِ، ويأخذَ بِالعَزِيمَةِ. قالَ أحمدُ: لا يُعْجِبُنِى إلَّا في الحَرِّ والبَرْدِ.
وكذلك قال إسحاقُ، وكان ابْنُ عمرَ يَكْرَهُ السُّجودَ على كُورِ العمامةِ، وكانَ عُبادةُ (27) بنُ الصامتِ يَحْسِرُ عمامتَهُ إذا قَامَ إلى الصلاةِ، وقال النَّخَعِىُّ: أسْجُدُ على جَبِينِى أحَبُّ إلىَّ.
[المغني لابن قدامة 2/ 197]
(429) – السجود على الثوب والعمامة والخصرة والطنفسة
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: يسجدُ على عمامتِهِ؟
قال: لا يعجبني، اللَّهُمَّ إلَّا أنْ يكونَ يتأذى بالبردِ أو الحرِّ.
قال إسحاق: كما قال.
«مسائل الكوسج» ((220))
قال إسحاق بن منصور: قال إسحاق: وأما كَوْرُ ((1)) العِمَامَةِ فالصلاةُ عليه مكروه فإن سجدَ على العمامةِ مِنْ غَيرِ علةٍ فإنَّ ذَلِكَ مكروهٌ، وهو جائزٌ ولا يتعمدن لذلك، فإنْ فعلَ فلا إعادة عليهِ.
«مسائل الكوسج» ((221))
((1)) الكور: هو الزيادة، وتطلق على كل لفة من لفات العمامة.
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: الصلاة على الخُمْرة ((1)) والطُّنفُسة ((2))؟
قال: لا بأسَ بهما. الخُمْرة عن النبي ? ((3)) والطنفسة عن ابن عَبَّاس ? ((4)).
قال إسحاق: كما قال.
«مسائل الكوسج» ((225))
قال أبو داود: قلت لأحمد: السجود على كور العمامة؟
قال: لا.
«مسائل أبي داود» ((252))
قال أبو داود: سمعت رجلًا سأل أحمد وأشار إلى قلنسوته، فقال: أسجد عليها؟ قال: لا.
قال: فما صليت هكذا -أي: سجدت عليها- أعيد؟
قال: لا، ولكن لا تسجد عليها.
«مسائل أبي داود» ((253))
قال ابن هانئ: رأيت أبا عبد اللَّه: إذا سجد يضع طرف ردائه على البوري ويسجد عليه.
«مسائل ابن هانئ» ((224))
((1)) الخمرة قال الحافظ في «الفتح» (1) / (430): بضم الخاء المعجمة وسكون الميم، قال الطبري: هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل، سميت بذلك؛ لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها، فإن كانت كبيرة سميت حصيرًا. اهـ.
((2)) الطنفسة: بضم الطاء وكسرها: هي البساط الرقيق له أهداب.
قال ابن هانئ: وسمعته يقول: في السجود على كور العمامة، لا يعجبنى.
«مسائل ابن هانئ» ((225))
قال ابن هانئ: وسئل عن السجود على كور العمامة؟
قال: لا، حتى يفضي بجبهته إلى الأرض.
«مسائل ابن هانئ» ((227))
قال ابن هانئ: سمعته يقول: لا يعجبني أن يعتمَّ الرجل العمامة وهو في الصلاة، وليس تحت حلقه منها شيء. ويروى عن طاوس أنه كرهه ((1)).
«مسائل ابن هانئ» ((283))
قال ابن هانئ: وسئل عن الصلاة على كور العمامة؟
قال: لا، حتى يفضي بجبهته إلى الأرض.
وسمعته يقول في السجود على كور العمامة.
قال: لا يعجبني.
«مسائل ابن هانئ» ((290))
نقل أبو طالب عنه: لا يسجد على كور العمامة.
«الروايتين والوجهين» (1) / (127)
نقل حرب عن إسحاق قال: مضت السنة من النبي ? أنه صلَّى على الخمرة والبساط، وعلى الثوب الحائل بينه وبين الأرض ((2)).
قال: وإن سجد الرجل على الأرض فهو أحب إليَّ، وإن أفضى بجبهته
ويديه إلى الأرض فهو أحب إلينا.
«فتح الباري» لابن رجب (3) / (19)
قال المروذي قال: كان أبو عبد اللَّه لا يرى السجود على ثوب ولا خرقة إلا من حر أو برد.
«فتح الباري» لابن رجب (3) / (26)
قال ابن المنذر:
ذِكْرُ سُجُودِ الْمَرْءِ عَلَى ثَوْبِهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سُجُودِ الْمَرْءِ عَلَى ثَوْبِهِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، فَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ثَوْبِهِ، وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الثِّيَابِ يَتَّقُونَ بِهَا حَرَّ الْحَصَى
(1457) – حَدَّثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا عَبْدُ اللهِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَلْيَسْجُدْ ? (178) ? عَلَى ثَوْبِهِ»
(1458) – أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: أنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: «أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّاسَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الثِّيَابِ يَتَّقُونَ بِهَا حَرَّ الْحَصَى» وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَرَخَّصَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْحَرِّ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرَوْنَ بَاسًا بِالسُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَدُونِهَا ثَوْبٌ لَمْ يُجِزْهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرِيحًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا، وَأُحِبُّ أَنْ يُبَاشِرَ بِرَاحَتَيْهِ الْأَرْضَ، فَإِنْ سَتَرَهُمَا مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، فَسَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَقُولُ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
(1459) – حَدَّثنا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: ثنا غَالِبٌ الْقَطَّانُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ? فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ» ? (179) ? وَاخْتَلَفُوا فِي السُّجُودِ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: لِيَرْفَعَهَا عَنْ جَبْهَتِهِ وَيَسْجُدْ عَلَى الْأَرْضِ، وَحَسَرَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الْعِمَامَةَ عَنْ جَبْهَتِهِ، وَكَرِهَ السُّجُودَ عَلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ …. ونقل ذدالأمر بكسر العمامة عن علي بن أبي طالب وعبادة ….
وَقَالَ مَالِكٌ: أُحِبُّ أَنْ يَرْفَعَهَا عَنْ بَعْضِ جَبْهَتِهِ، حَتَّى يَمَسَّ بَعْضُ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي السُّجُودِ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِيهِ الْحَسَنُ ? (180) ? الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، وَكَانَ شُرَيْحٌ يَسْجُدُ عَلَى بُرْنُسِهِ
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3) / (178) — ابن المنذر
في الشرح الممتع:
وقوله: «ولو مع حائلٍ ليسَ من أعضاءِ سجودِهِ»: لم يبيِّن حُكمَ السُّجودِ على حائلٍ إذا كان مِن غير أعضاء السُّجودِ، إنما بَيَّنَ أنَّ السجودَ يجزئُ مع الحائل، فما حُكم وَضْعِ الحائل؟
قال أهلُ العلم: إن الحائل ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون متَّصلًا بالمصلِّي، فهذا يُكره أن يسجدَ عليه إلا مِنْ حَاجةٍ مثل: الثَّوب الملبوس، والمشلح الملبوس، والغترة، وما أشبهها، ودليل ذلك:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَع النبيِّ ? في شِدَّة الحَرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ جبهتَه مِن الأرض؛ بَسَطَ ثوبَه فَسَجَدَ عليه» ((1)).
فقوله: «إذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ» دَلَّ على أنَّهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة، ثم التعبير بـ «إذا لم يستطع»؛ يدلُّ على أنه مكروه، لا يُفعل إلا عند الحاجة.
القسم الثاني: أن يكون منفصلًا، فهذا لا بأس به ولا كراهة
((1)) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب السجود على الثوب في شدة الحر ((385))؛ ومسلم، كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت ((620)) ((191)).
فيه؛ لأنه ثَبَتَ عن النبيِّ ? أنه صَلَّى على الخُمْرَة ((1)).
والخُمْرة: عبارة عن خَصيف مِن النَّخْلِ، يسعُ جبهةَ المصلِّي وكفِّيه فقط، وعلى هذا فتكون الحوائل ثلاثة أقسام:
(1) – قسم مِن أعضاء السُّجود، فهذا السُّجودُ عليه حرام، ولا يجزئ السُّجود.
(2) – قسم من غير أعضاء السجود؛ لكنه متَّصل بالمصلِّي، فهذا مكروه، ولو فُعِلَ لأجزأ السُّجود؛ لكن مع الكراهة.
(3) – قسم منفصل، فهذا لا بأس به، ولكن قال أهل العِلم: يُكره أن يخصَّ جبهته فقط بما يسجد عليه.
وعلَّلوا ذلك: بأن هذا يشابه فِعْلَ الرافضة في صلاتِهم، فإن الرافضة يتَّخذون هذا تدينًا يُصلُّون على قطعة من المَدَر كالفخَّار يصنعونها مما يسمونه «النَّجف الأشرف»، يضعون الجبهة عليه فقط، ولهذا تَجِدُ عند أبواب مساجدهم «دواليب» ممتلئة من هذه الحجارة، فإذا أراد الإنسان أن يدخل المسجد أخذ حجارة ليسجد عليها، ومنهم من يفعل ذلك؛ لأنه يرى أنه لا يجوز السجود إلا على شيء من جنس الأرض، فلا يجوز السجود على الفراش ولو من خصيف النخل، مع أنه ثبت عن النبيِّ ? أنه سجد على خصيف النخل، كما في حديث أنس حينما غَسَل للنبيِّ ?
((1)) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة على الخمرة ((381))؛ ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات ((513)) ((270)).
الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ وصَلَّى عليه ? ((1)).
والسُّجود على هذه الأعضاء السَّبعة واجب في كل حال السُّجود، بمعنى أنه لا يجوز أن يرفع عضوًا من أعضائه حال سجوده، لا يدًا، ولا رِجْلًا، ولا أنفًا، ولا جبهة، ولا شيئًا من هذه الأعضاء السبعة. فإن فَعَلَ؛ فإن كان في جميع حال السجود فلا شَكَّ أن سجوده لا يصحُّ؛ لأنه نقص عضوًا من الأعضاء التي يجب أن يسجد عليها.
وأمَّا إن كان في أثناء السجود؛ بمعنى أن رَجُلًا حَكَّته رِجْلُهُ مثلًا فَحَكَّها بالرِّجْلِ الأخرى فهذا محلُّ نظر، قد يُقال: إنها لا تصحُّ صلاته لأنه تَرَكَ هذا الرُّكن في بعض السجود.
وقد يُقال: إنه يجزئه لأن العبرة بالأَعمِّ والأكثر، فإذا كان الأعمُّ والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئًا وليصبر حتى لو أصابته حِكة في يده مثلًا، أو في فخذه، أو في رِجْلِهِ فليصبر حتى يقومَ من السُّجود.
الشرح الممتع على زاد المستقنع (2) / (166) — ابن عثيمين
قال ابن باز: في وضع الثوب لا بأس به إذا دعت الحاجة من حرارة أو برودة (الحلل الإبريزية)
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): فيمن أخرجه معه:
أخرجه (خ) عن أبي الوليد، ومسدد، كلاهما عن بشر بن المفضل، عن غالب القطان به. وعن محمَّد بن مقاتل، عن ابن المبارك به. (م) عن يحيى بن يحيى، عن بشر ابن المفضل به. (د) عن أحمد بن حنبل، عن بشر به (ت) عن أحمد بن محمَّد، عن ابن المبارك به. (ق) عن إسحاق ابن إبراهيم بن حبيب، عن بشر بن المفضل به.
(أحمد) 3/ 100 (الدارمى) رقم 1343 (ابن خزيمة) 675. والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في فوائده:
(منها): جواز استعمال الثياب وكذا غيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض، لاتقائه بذلك حرّ الأرض وكذا بردها.
(ومنها): أن مباشرة ما باشر الأرض بالجبهة واليدين هو الأصل؛ لأنه علّق بسط الثوب بعدم الاستطاعة، وذلك يُفهم منه أن الأصل والمعتاد عدم بسطه. قاله ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى.
(ومنها): جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي. قال النووي رحمه الله: وبه قال أبو حنيفة، والجمهور، وحمله الشافعي على الثوب المنفصل. انتهى.
قال في “الفتح”. وأيد هذا العمل البيهقيُّ بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: “فيأخذ أحدنا الحصى في يده، فإذا برد وضعه، وسجد عليه”. قال: فلو جاز السجود على شيء متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه.
وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة، يسجد عليها، مع بقاء سترته له. انتهى.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: يحتاج من استدلّ به على الجواز إلى أمرين:
(أحدهما): أن تكون لفظة “ثوبه” دالّة على المتصل به، إما من حيث اللفظ، أو من أمر خارج عنه، ونعني بالخارج قلة الثياب عندهم. ومما يدلّ عليه من جهة اللفظ قوله: “بسط ثوبه، فسجد عليه” يدلّ على أن البسط معَقّب بالسجود عليه، لدلالة الفاء على ذلك ظاهرًا.
(الثاني): أن يدلّ الدليل على تناوله لمحل النزاع، إذ من منع السجود على الثوب المتصل به يشترط في المنع أن يكون متحركا بحركة المصلي، وهذا الأمر الثاني سهل الإثبات، لأن طول ثيابهم إلى حيث لا تتحرك بالحركة بعيد. انتهى كلام ابن دقيق رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: خلاصة القول أن استدلال من استدل بهذا الحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي الذي يتحرك بحركته ظاهر، إذ تعقيبه بالفاء التعقيبية في قوله: “بسط ثوبه، فسجد عليه” كما في رواية مسلم ظاهر في ذلك، ويؤيد ذلك قلة ثيابهم، ويؤيده أيضا بُعْدُ حمله على غير المتحرك بحركته، لأن طول ثيابهم بهذا القدر لبعيد كلّ البعد.
والحاصل أن مذهب الجمهور هو الراجح لظهور دليله. والله تعالى أعلم.
(ومنها): جواز العمل القليل في الصلاة، ومراعاة الخشوع فيها، لأن الظاهر أن صنيعهم هذا لإزالة التشويش العارض من حرارة الأرض.
(ومنها): تقديم الظهر في أول الوقت، لكن يعارض هذا ما ورد من الأحاديث في الأمر بالإبراد.
قال في “الفتح”: فمن قال: الإبراد رخصة، فلا إشكال، ومن قال: سنة، فإما أن يقول: التقديم المذكور رخصة، وإما أن يقول: منسوخ بالأمر بالإبراد.
وأحسن منهما أن يقال: إن شدة الحرّ قد توجد مع الإبراد، فيحتاج إلى السجود على الثوب، أو إلى تبريد الحصى؛ لأنه قد يستمرّ حره بعد الإبراد، وتكون فائدة الإبراد وجود ظل يُمشَى فيه إلى المسجد، أو يُصَلَّى فيه في المسجد، أشار إلى هذا الجمع القرطبي، ثم ابن دقيق العيد رحمهما الله تعالى، وهو أولى من دعوى تعارض الحديثين. انتهى.
(ومنها): أن قول الصحابي: “كنا نفعل كذا” من قبيل المرفوع، لاتفاق الشيخين على تخريج هذا الحديث في “صحيحيهما”، بل ومعظم المصنفين، لكن قد يقال: إن في هذا زيادة على مجرد الصيغة، لكونه في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يرى فيها مَنْ خلفه كما يرى مَنْ أَمَامه، فيكون تقريره فيه مأخوذا من هذه الطريق، لا من مجرد صيغة “كنا نفعل”. قاله في “الفتح”. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 13/ 352]
ملحقات:
لا يصح حديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد رفع عمامته. وكذلك لا يصح أنه كان إذا سجد فإنه يسجد على عمامته.
وإنما الخلاف بين الصحابة ومن بعدهم كما سبق نقله
قال الألباني:
4200 – (كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته).
ضعيف
رواه ابن سعد (1/ 455): أخبرنا محمد بن معاوية النيسابوري: أخبرنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن صالح بن خيوان مرفوعا.
قلت: وهـذا إسناد ضعيف مرسل؛ صالح بن خيوان – بالخاء المعجمة، ويقال: بالمهملة -؛ لم يوثقه غير العجلي. وقال الذهـبي:
“ما روى عنه سوى بكر، قال عبد الحق: ? يحتج به”.
والنيسابوري؛ قال الحافظ:
“متروك، مع معرفته، ?نه كان يتلقن، وقد أطلق عليه ابن معين الكذب”.
قلت: وقد خولف في متنه؛ فقال بحر بن نصر: قرىء على ابن وهـب: أخبرك ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة الجذامي به بلفظ:
“أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، رأى رج? يسجد بجبهته، وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن جبهته”.
أخرجه البيهقي (2/ 105) وقال:
“وفيما روى معاوية بن صالح، عن عياض بن عبد الله القرشي قال: رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رج? يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك. وأومأ إلى جبهته. وهـذا المرسل شاهـد لمرسل صالح”.
كذا قال! وفيه نظر؛ ?نه يشترط في تقوية المرسل بمثله: أن يكون شيوخ مرسل كل منهما غير شيوخ ا?خر، وهـذا غير معروف هـنا.
السلسلة الضعيفة
وقال البيهقي: “وعامة ما يحتجون به في جواز السجود على كور العمامة لا يثبت” [20]. مختصر خلافيات البيهقي
وقال أيضًا: “وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة، فلا يثبت شيء من ذلك” [21]. السنن الكبرى
– وقال ابن القيم: “ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن” [زاد المعاد