580 – فتح الملك بنفحات المسك شرح صحيح البخاري.
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب مواقيت الصلاة:
29 – بَابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً.
580 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ».
——————–‐—-‐—
من فوائد الباب:
1- قوله: (باب من أدرك من الصلاة ركعة) يشير إلى ما ورد في بعض طرقه كما عند النسائي 553 من طريق قتيبة: “من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة “، وأخرجه الترمذي 524 وابن ماجه 1122 من طريق سفيان بن عيينة: “مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصلاة”. وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام 135 من طريق يونس: “مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا”. وأخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام 133 من طريق سليمان _ أي بن بلال قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: “مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ إِلَّا أَن يَقْضِيَ مَا فَاتَه”. انتهى ولعله “إلا أنه يقضي ما فاته”. فقد أخرجه النسائي 558 كذلك من طريق يونس عن ابن شهاب عن سالم مرسلا.
تنبيه: قال ابن حجر: وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري وأحال به على حديث مالك. وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب، قدم قوله: “من الصلاة” على قوله: “ركعة”.
2- ترجم الإمام النسائي فقال: “باب من أدرك ركعة من الصلاة” ثم ذكر حديثين بلفظ: “من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة” أي عكس ترجمة البخاري.
3- ترجم عليه الترمذي فقال: “باب فيمن أدرك من الجمعة ركعة”، وقال الترمذي: “والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم. قالوا: من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى، ومن أدركهم جلوسا صلى أربعا. وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق”. انتهى وترجم عليه أبو داود فقال: “باب من أدرك من الجمعة ركعة”. وترجم عليه النسائي في السنن الكبرى: “من أدرك ركعة من الجمعة”.
4- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. أخرجه الستة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
5- قوله: (من أدرك ركعة من الصلاة) زاد مسلم 607 من طريق يونس: “مع الإمام”، قال ابن الملقن في التوضيح: “وهو عام في جميع الصلوات”. انتهى.
6- قوله: (فقد أدرك الصلاة) زاد مسلم 607 من طريق عبيد الله: “كلها”. ويدخل فيه إدراك الوقت. ولهذا أورده البخاري في كتب مواقيت الصلاة.
7- “اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث، فقالت طائفة: معناه: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة……. وقال آخرون: معنى هذا الحديث أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها كله” قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
8- “وقالت طائفة قوله: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) يدخل في عمومه إدراك الوقت بالنسبة إلى أداء الصلاة، وإدراك الجماعة … ويدخل فيه – أيضا – إدراك قدر ركعة من وقت الوجوب إذا زال عذر المعذور في آخر وقت الصلاة فلو طهرت من حيضها في آخر الوقت، وقد بقي منه قدر ركعة لزمها القضاء، وإن لم يبق منه قدر ركعة فلا قضاء عليها. وهذا قول مالك والليث، وأحد قولي الشافعي، ورواية عن أحمد، حكاها أبو الفتح الحلواني وغيره”. قاله الحافظ ابن رجب في الفتح.
9- أخرج مالك الموطأ : ١١ – حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنَ شِهَابٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَهِيَ السُّنَّةُ
قَالَ مَالِكٌ: وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» قَالَ مَالِكٌ: «فِي الَّذِي يُصِيبُهُ زِحَامٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَرْكَعُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ، أَوْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ، أَنَّهُ، إِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ، إِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ، فَلْيَسْجُدْ إِذَا قَامَ النَّاسُ. وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاتَهُ ظُهْرًا أَرْبَعًا»
موطأ مالك – رواية يحيى – ت عبد الباقي ١/١٠٥
و أخرجه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام 139 من طريق عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُف عن مَالِك به.
10- عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة». قال: الزهري: فالجمعة من الصلاة. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5478 عن معمر، عن الزهري به.وترجم عليه عبد الرزاق فقال: “من فاتته الخطبة”.
11- عن ابن مسعود قال: «من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة». أخرج الطبراني في المعجم الكبير 9349 من طريقين عن الثوري عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود به. تابعه شعبة عن سلمة به نحوه أخرج الطبراني في المعجم الكبير 9350.
12- عن ابن مسعود، قال: «من أدرك الركعة فقد أدرك الجمعة، ومن لم يدرك الركعة فليصل أربعا». أخرج الطبراني في المعجم الكبير 9546 من طريق عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود به تابعه زائدة، قال: سئل أبو إسحاق السبيعي: أذكرت عن أبي الأحوص، أن عبد الله، قال: ” من أدرك الركعتين أو أحدهما فقد أدرك الجمعة، ومن فاتته الركعتان فليصل أربعا؟ قال: «نعم». أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9547.
13- عن ابن مسعود، قال: «من فاتته الركعة الأخرى فليصل أربعا» قال معمر: قال قتادة: يصلي أربعا، فقيل لقتادة: إن ابن مسعود جاء وهم جلوس في آخر الصلاة، فقال لأصحابه: «اجلسوا أدركتم إن شاء الله»، قال قتادة: إنما يقول: «أدركتم الأجر». أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 9549 من طريق عبد الرزاق، أنا معمر، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن ابن مسعود به.
14- عن أبي سلمة، قال: من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام، فقد أدرك. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 4189 حدثنا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة به. وترجم عليه ابن أبي شيبة فقال: “فيما يكتب للرجل من التضعيف إذا أراد الصلاة”.
قال الحافظ ابن رجب في الفتح: “ومعنى هذا أنه يكتب له ثواب الجماعة؛ لما نواها وسعى إليها، وإن كانت قد فاتته، كمن نوى قيام الليل ثم نام عنه، ومن كان له عمل فعجز عنه بمرض أو سفر ، فإنه يكتب له أجره”.
15- قوله: (حدثنا عبد الله بن يوسف) تابعه يحيى بن يحيى كما عند مسلم تابعه ابن المبارك كما عند مسلم، تابعه القعنبي كما عند أبي داود، تابعه قتيبة كما عند النسائي.
16- قوله: (أخبرنا مالك) تابعه سفيان بن عيينة كما عند مسلم 607 والترمذي 524 وابن ماجه 1122. تابعه معمر كما عند مسلم 607 وابن ماجه والنسائي في السنن الكبرى. تابعه الأوزاعي كما عند مسلم 607 والنسائي 555 تابعه يونس كما عند مسلم 607. تابعه عبيد الله كما عند مسلم 607 والنسائي 554. تابعه ابن جريج كما عند مسلم والنسائي.
17 – فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة}. فهذا نص عام في جميع صور إدراك ركعة من الصلاة، سواء كان إدراك جماعة أو إدراك الوقت.
وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر}. وهذا نص في ركعة في الوقت. قاله ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ( 2 / 281) . انتهى
قلت: و في هذا الحديث رد على من يقول من أدرك جزء من الركعة فقد أدرك الصلاة، واستدلوا من أدرك سجدة.
قال ابن ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وقد عارض هذا بعضهم بأن في بعض الطرق: {من أدرك سجدة} وظنوا أن هذا يتناول ما إذا أدرك السجدة الأولى، وهذا باطل فإن المراد بالسجدة الركعة، كما في حديث {ابن عمر: حفظت عن رسول الله سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعدها وسجدتين بعد المغرب} إلى آخره.
وفي اللفظ المشهور: “ركعتين”وكما روي: {أنه كان يصلي بعد الوتر سجدتين} وهما ركعتان، كما جاء ذلك مفسرا في الحديث الصحيح.
ومن سجد الوتر سجدتين مجردتين عملا بهذا فهو غالط باتفاق الأئمة.
18-هل إدراك الركعة للمسبوق بإدراك الركوع أم بإدراك الفاتحة؟ فيه قولان:
القول الأول: الإدراك يكون بإدراك الركوع. عن عطاء قال: «إذا ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت، فإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك، فإن أدركته ساجدا فاسجد، وجالسا يتشهد فاجلس وتشهد، ولا تعتد بذلك». أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3375.
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: كيف نجمع بين حديث : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ، وحديث : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة)، وهل يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة؟
فأجابت : “لا تعارض بين وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة وبين إدراك الركعة بإدراك الركوع؛ لأنها في هذه الحالة تسقط عن المسبوق لفوات محلها وهو القيام، وهي ركن في كل ركعة من الصلاة في حق الإمام والمنفرد، وواجبة في حق المأموم، تسقط عنه إذا نسي أو جهل أو لم يدرك قراءتها مع الإمام؛ لما روى البخاري في صحيحه عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه أتى المسجد والنبي -صلى الله عليه وسلم- راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم دخل في الصف، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد السلام: (زادك الله حرصا ولا تعد). ولم يأمره بقضاء الركعة، فدل على سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم في مثل هذه الحال” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية ” (5/323-324).
وقد “اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ قَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ). رواه أبو داود، وصححه الألباني في “إرواء الغليل” (496) وقال -رحمه الله- (ص: 262): “ومما يقوي الحديث جريان عمل جماعة من الصحابة عليه:
أولاً: ابن مسعود، فقد قال: “من لم يُدرك الإمام راكعاً لم يُدرك تلك الركعة “. وإسناده صحيح.
ثانياً: عبد الله بن عمر، فقد قال: “إذا جئت والإمام راكع، فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع فقد أدركت”. وإسناده صحيح.
ثالثاً: زيد بن ثابت، كان يقول: “من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة”. وإسناده جيد…” انتهى. انظر “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/133)، و”المغني” (1/298).
القول الثاني: لابد من إدراك الفاتحة. وممن اختار هذا القول البخاري وله في مبحث.
قال المباركفوري:
إذا أدرك الركوع مع الإمام فتجزؤه تلك الركعة وهذا هو مذهب الجمهور. فقالوا: إن من أدرك الإمام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة. وقال بعض أهل العلم: لا تجزئه تلك الركعة إذا فاته القيام وقراءة فاتحة الكتاب وإن أدرك الركوع مع الإمام. وقد ذهب إلى هذا أهل الظاهر وابن خزيمة وأبو بكر الضبعي، روى ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي، وذكر فيه حاكيا عمن روى عن ابن خزيمة أنه احتج لذلك بما روي عن أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة. وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال: إن أدركت القوم ركوعا لم يعتد بتلك الركعة.
فقال الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفا، وأما المرفوع فلا أصل له.
وقال الرافعي تبعا للإمام: إن أبا عاصم العبادي حكى عن ابن خزيمة أنه احتج به، وقد حكى هذا المذهب البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، وحكاه الحافظ في الفتح عن جماعة من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره من محدثي الشافعية، ورجحه المقبلي قال: وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقها وحديثا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط.
واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة (من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى). رواه الدارقطني من طريق يسين بن معاذ وهو متروك، وأخرجه الدارقطني بلفظ: إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى. ولكنه رواه من طريق سليمان بن داود الحراني، ومن طريق صالح بن أبي الأخضر، وسليمان متروك وصالح ضعيف.
على أن التقييد بالجمعة في كلا الروايتين مشعر بأن غير الجمعة بخلافها، وكذا بالركعة في الرواية الأخرى يدل على خلاف المدعى؛ لأن الركعة حقيقة لجميعها وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ: فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته. فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع.
وقد ورد حديث من أدرك ركعة من صلاة الجمعة بألفاظ لا تخلو طرقها عن مقال حتى قال بن أبي حاتم في العلل عن أبيه: لا أصل لهذا الحديث إنما المتن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها. وكذا قال الدارقطني والعقيلي. وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه. وليس في ذلك دليل لمطلوبهم لما عرفت من أن مسمى الركعة جميع أركانها وأذكارها حقيقة شرعية وعرفية وهما مقدمتان على اللغوية. كما تقرر في الأصول فلا يصح جعل حديث تبن خزيمة وما قبله قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي. فإن قلت: فأي فائدة على هذا في التقييد بقوله: قبل أن يقيم صلبه؟ قلت: دفع توهم أن من دخل مع الإمام ثم قرأ الفاتحة وركع الإمام قبل فراغه منها غير مدرك. وأما استدلال الجمهور بحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة فقال -صلى الله عليه وسلم-: زادك الله حرصا ولا تعد. ولم يأمر بإعادة الركعة؛ فليس فيه ما يدل على ما ذهبوا إليه؛ لأنه كما لم يأمر بالإعادة فلم ينقل إلينا أنه اعتد بها.
والدعاء بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها؛ لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتدا به أم لا كما في حديثه: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا. رواه أبو داود وغيره على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نهى أبا بكرة عن العود إلى مثل ذلك، والاستدلال بشيء قد نهي عنه لا يصح. كذا ذكر الشوكاني في النيل.
قلت: واستدل من ذهب إلى أن مدرك الركوع لا يكون مدركا للركعة إذا فاته القيام وقراءة فاتحة الكتاب بحديث: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وما في معناه وبحديث: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. قال الحافظ في الفتح: قد استدل به على أن من أدرك الإمام راكعا لم يحتسب له تلك الركعة للأمر بإتمامه ما فاته؛ لأنه فاته القيام والقراءة فيه ثم قال: حجة الجمهور حديث أبي بكرة. انتهى.
قلت: القول الراجح عندي قول من قال أن من أدرك الإمام راكعا لم يحتسب له تلك الركعة، وأما حديث أبي بكرة فواقعة عين فتفكر.
هذا ما عندي. والله تعالى أعلم.
[تحفة الأحوذي 3/ 162].
19- تنبيه: في علل الدارقطني:
١٧٢٩- وسئل عن حديث ابن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى.
فَقَالَ: اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ الْبَرَاءُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ الفرات عنه.
وَكَذَلِكَ قَالَ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، عَنْ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبي ﷺ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ.
وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ.
مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
١٧٣٠- وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي ﷺ: من أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ…. ثم طول في ذكر الخلاف.