58 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1801) بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرْآنِ
قال الآجري -رحمه الله-:
لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟ هِمَّتُهُ مَتَى أَسْتَغْنِي بِاللَّهِ عَنْ غَيْرِهِ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الْمُتَّقِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الْمُتَوَكِّلِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الْخَاشِعِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الصَّابِرِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الصَّادِقِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الْخَائِفِينَ؟ مَتَى أَكُونُ مِنَ الرَّاجِينَ؟ مَتَى أَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا؟ مَتَى أَرْغَبُ فِي الْآخِرَةِ مَتَى أَتُوبُ مِنَ الذُّنُوبِ؟ مَتَى أَعْرِفُ النِّعَمَ الْمُتَوَاتِرَةَ؟ مَتَى أَشْكُرُهُ عَلَيْهَا؟ مَتَى أَعْقِلُ عَنِ اللَّهِ الْخِطَابَ؟ مَتَى أَفْقَهُ مَا أَتْلُو؟ مَتَى أَغْلِبُ نَفْسِي عَلَى مَا تَهْوَى؟ مَتَى أُجَاهِدُ فِي اللَّهِ حَقَّ الجِهَادِ؟ مَتَى أَحْفَظُ لِسَانِي؟ مَتَى أَغُضُّ طَرْفِي؟ مَتَى أَحْفَظُ فَرْجِي؟ مَتَى أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ؟ مَتَى أَشْتَغِلُ بِعَيْبِي؟ مَتَى أُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَمْرِي؟ مَتَى أُحَاسِبُ نَفْسِي؟ مَتَى أَتَزَوَّدُ لِيَوْمِ مَعَادِي؟ مَتَى أَكُونُ عَنِ اللَّهِ رَاضِيًا؟ مَتَى أَكُونُ بِاللَّهِ وَاثِقًا؟ مَتَى أَكُونُ بِزَجْرِ الْقُرْآنِ مُتَّعِظًا؟ مَتَى أَكُونُ بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهِ مُشْتَغِلًا؟ مَتَى أُحِبُّ مَا أَحَبَّ؟ مَتَى أُبْغِضُ مَا أَبْغَضَ؟ مَتَى أَنْصَحُ لِلَّهِ؟ مَتَى أُخْلِصُ لَهُ عَمَلِي؟ مَتَى أُقَصِّرُ أَمَلِي؟ مَتَى أَتَأَهَّبُ لِيَوْمِ مَوْتِي وَقَدْ غُيِّبَ عَنِّي أَجَلِي؟ مَتَى أُعَمِّرُ قَبْرِي، مَتَى أُفَكِّرُ
فِي الْمَوْقِفِ وَشِدَّتِهِ؟ مَتَى أُفَكِّرُ فِي خَلْوَتِي مَعَ رَبِّي؟ مَتَى أُفَكِّرُ فِي الْمُنْقَلَبِ؟ مَتَى أَحْذَرُ مِمَّا حَذَّرَنِي مِنْهُ رَبِّي مِنْ نَارٍ حَرُّهَا شَدِيدٌ وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ وَعُمْقُهَا طَوِيلٌ، لَا يَمُوتُ أَهْلُهَا فَيَسْتَرِيحُوا، وَلَا تُقَالُ عَثْرَتُهُمْ، وَلَا تُرْحَمُ عَبْرَتُهُمْ، طَعَامُهُمُ الزَّقُّومُ، وَشَرَابُهُمُ الْحَمِيمُ، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء: (56)]، نَدِمُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ، وَعَضُّوا عَلَى الْأَيْدِي أَسَفًا عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَرُكُونِهِمْ لِمَعَاصِي اللَّهِ فَقَالَ، مِنْهُمْ قَائِلٌ: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} ..
أخلاق أهل القرآن (1) / (79)
______________
(1802): ومر أعرابي على البصرة فقال: من سيد هذه البلدة؟ قيل له: الحسن البصري، قال: وبم سادهم؟ قالوا: *لأنه استغنى عن دنياهم، وافتقروا إلى علمه.*
صيد الخاطر (1) / (509)
______________
(1803): قال ابن القيم رحمه الله:
وهَذَا تَاوِيلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: (110)] قَالَ: تَقَطُّعُهَا بِالتَّوْبَةِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْخَوْفَ الشَّدِيدَ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْعَظِيمَةِ يُوجِبُ انْصِدَاعَ الْقَلْبِ وَانْخِلَاعَهُ، وَهَذَا هُوَ تَقَطُّعُهُ، وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّوْبَةِ، لِأَنَّهُ يَتَقَطَّعُ قَلْبُهُ حَسْرَةً عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، وَخَوْفًا مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ، *فَمَنْ لَمْ يَتَقَطَّعْ قَلْبُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا فَرَّطَ حَسْرَةً وَخَوْفًا، تَقَطَّعَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ، وَعَايَنَ ثَوَابَ الْمُطِيعِينَ، وَعِقَابَ الْعَاصِينَ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَطُّعِ الْقَلْبِ إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ.*
مدارج السالكين (1) / (204)
______________
(1804): قال ابن القيم رحمه الله:
،،
مراتب الشكوى ثلاث:
? أخسها؛ أن تشكو الله إلى خلقه
? وأعلاها؛ أن تشكو نفسك إليه
? وأوسطها؛ أن تشكو خلقه إليه
،،
الفوائد [(1) / (108)]
وفي ذلك قيل:
وإذا شكوتَ إلى ابْنِ آدم إنَّما … تَشكُو الرَّحيمَ إلى الَّذي لا يَرحَمُ
*نفس المصدر*
______________
(1805): الفرق بين تربية السلف وتربية أهل البدع للصبيان ..
من فقه السلف رحمهم الله.
روى الحافظ الآجري عن الإمام محمد بن سيرين رحمهم الله:
أنه رأى صبيانا يلعبون فقال لهم: يا صبيان لا تقامروا فإن القمار من الميسر …
قال الإمام الآجري معلقا على هذا الأثر:
حتى إذا بلغ الصبيان عَلِموا أنه قد أنكر عليهم الشيوخ، وقد أعلموهم أنه حرام حتى ينتهوا عنه، وإلا لقال الصبيان: قد لعبنا به فما أنكر علينا أحد؛ ولو كان منكراً لأنكروه …
ثم قال رحمه الله:
هكذا ينبغي للرجل؛ إذا رأى صبيا يعمل شيئاً من المنكر أو يتكلم بشيء من المنكر مما لا يحل؛ أن يُعْلِمه أن هذا حرام لا يحل العمل به ولا القول به.
تحريم النرد والشطرنج للآجري (44) ..
============================
جاء في ترجمة تاج الرؤساء أبي السعداء الصيزوري.
قال الحافظ أبن حجر رحمه الله:
كان إذا تفرس في الغلام التركي [الفطنة] اشتراه وعلمه فلذالك صار أكثر ا?تراك في زمانه إمامية ….
لسان الميزان (375) \ (2) ….
______________
(1806).: قطراتك قد تصبح سَيلًا يُغرقك
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
يُحكى أنّ بعضَ أصحاب الماشية كان يُشوِّبُ اللّبنَ ويبيعهُ على أنه خالص، فأرسلَ الله عليه سَيلًا!! فذهبَ بالغنم، فجعلَ يعجبُ .. !
فأُتيَ في مَنامهِ فقيل له:
” أتعجَبُ من أخذِ السّيل غنمكَ؟؛ إنه تلك القطَرات التي شُبتَ بها اللّبن؛ اجتمعتْ وصارتْ سيلًا “.
فقِسْ على هذه الحكاية ما تراهُ في نفسكَ، وفي غيركَ، تعلَمْ حينئذٍ أنّ الله قائمٌ بالقِسط، وأنه قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبتْ، وأنه لا يظلمُ مثقال ذرّة.
مفتاح دار السعادة ((253) / (1))].منقول
______________
(1807): هَوِّنْ عَلَيْكَ فَكُلُّ الْأَمْرِ يَنْقَطِعُ … وَخَلِّ عَنْكَ عِنَانَ الْهَمِّ يَنْدَفِعُ
فَكُلُّ هَمٍّ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَرَجٌ … وَكُلُّ كَرْبٍ إِذَا ما ضَاقَ يَتَّسِعُ
إِنَّ الْبَلَاءَ وَإِنَّ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ … الْمَوْتُ يَقْطَعُهُ أَوْ سَوْفَ يَنْقَطِعُ
الآداب الشرعية (3) / (282)
______________
(1808): *طريق الهدى*
??قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى:
*فإذا افتقر العبد إلى الله ودعاه، وأدمن النظر في كلام الله وكلام رسوله وكلام الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين: انفتح له طريق الهدى.*
?? [الفتوى الحموية الكبرى]
______________
(1809): ثم حثَّ على عموم الخير وأفعاله، فقال: {وما تقدِّموا لأنفسكم من خيرٍ تجِدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا}: الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة. وليعلمْ أنَّ مثقال ذرَّةٍ في هذه الدار من الخير يقابله أضعافُ أضعافِ الدُّنيا وما عليها في دار النعيم المقيم من اللذَّات والشَّهوات، وأنَّ الخير والبرَّ في هذه الدنيا مادةُ الخير والبرِّ في دار القرار وبذرُه وأصلُه وأساسُه. فوا أسفاه على أوقاتٍ مضت في الغفلات! ووا حسرتاه على أزمانٍ تقضَّت في غير الأعمال الصالحات! ووا غوثاه من قلوبٍ لم يؤثِّرْ فيها وعظُ بارئها ولم ينجَعْ فيها تشويق من هو أرحم بها من نفسها! فلك اللهم الحمدُ وإليك المشتكى وبك المستغاث ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بك.
تفسير السعدي
______________
(1810): قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَأَىهُ حَسَنًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنْهُمْ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَمَّا أَهْلُ الْكَبَائِرِ فَلَيْسُوا مِنْهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِلُّونَ الْكَبَائِرَ.
تفسير البغوي لسورة فاطر
______________
(1811): قال ابن القيّم رحمه الله:
? (وحُسن الخُلق يقوم على أربعة أركان:
لا يُتصوّر قيامُ ساقِه إلا عليها:
الصبرُ، والعفّة، والشجاعة، والعدل).
مدارج السالكين [(294) / (2)]
______________
(1812): {إِنَّ الَّذينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنفُسِهِم قالوا فيمَ كُنتُم قالوا كُنّا مُستَضعَفينَ فِي الأَرضِ قالوا أَلَم تَكُن أَرضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِروا فيها فَأُولئِكَ مَأواهُم جَهَنَّمُ وَساءَت مَصيرًا} [النساء: (97)]
تفسير السعدي:
هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات؛ فإنَّ الملائكة الذين يقبضون روحه يوبِّخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم: {فيم كنتُم}؛ أي: على أيِّ حال كنتم؟ وبأيِّ شيءٍ تميَّزْتم عن المشركين؟ بل كثَّرْتُم سوادَهم، وربَّما ظاهرتُموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهادُ مع رسولِهِ والكون مع المسلمين ومعاونتهم على أعدائهم. {قالوا كُنَّا مستضعفين في الأرض}؛ أي: ضعفاء مقهورين مظلومين ليس لنا قدرة على الهجرة، وهم غير صادقين في ذلك؛ لأنَّ الله وَبَّخَهم وتوعَّدَهم، ولا يكلِّف الله نفسًا إلاَّ وسعها، واستثنى المستضعفين حقيقةً، ولهذا قالت لهم الملائكة: {ألم تَكُنْ أرضُ الله واسعةً فتهاجِروا فيها}؟ وهذا استفهام تقرير؛ أي: قد تقرَّر عند كلِّ أحدٍ أنَّ أرض الله واسعةٌ؛ فحيثما كان العبد في محلٍّ لا يتمكن فيه من إظهار دينه؛ فإنَّ له متَّسعًا وفسحةً من الأرض يتمكَّن فيها من عبادة الله؛ كما قال تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إنَّ أرضي واسعةٌ فإيَّايَ فاعبُدُونِ}. قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم: {فأولئك مأواهم جهنَّمُ وساءت مصيرًا}. وهذا كما تقدَّم فيه ذِكْرُ بيان السبب الموجب؛ فقد يترتَّب عليه مقتضاهُ مع اجتماع شروطِهِ وانتفاءِ موانعِهِ، وقد يمنعُ من ذلك مانع.
وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من أكبر الكبائر. وفي الآية دليلٌ على أنَّ كلَّ من تُوُفِّي فقد استكمل واستوفى ما قُدِّرَ له من الرِّزْق والأجل والعمل، وذلك مأخوذٌ من لفظ التوفِّي؛ فإنه يدلُّ على ذلك؛ لأنَّه لو بقي عليه شيءٌ من ذلك؛ لم يكن متوفيًا. وفيه الإيمان بالملائكة ومدحهم؛ لأنَّ الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجه التقرير والاستحسان منهم وموافقته لمحلِّه.
______________
(1813): {وَلا تَهِنوا فِي ابتِغاءِ القَومِ إِن تَكونوا تَألَمونَ فَإِنَّهُم يَألَمونَ كَما تَألَمونَ وَتَرجونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرجونَ وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا} [النساء: (104)]
تفسير السعدي:
أي: لا تضعُفوا ولا تكسلوا في ابتغاء عدوِّكم من الكفَّار؛ أي: في جهادهم والمرابطة على ذلك؛ فإنَّ وَهَنَ القلب مستدعٍ لوَهَن البدن، وذلك يضعف عن مقاومة الأعداء، بل كونوا أقوياء نشيطين في قتالهم. ثم ذكر ما يقوِّي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين:
الأول: أنَّ ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك؛ فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانيَّة والشهامة الإسلاميَّة أن تكونوا أضعفَ منهم وأنتم وهم قد تساوَيْتم فيما يوجِبُ ذلك؛ لأنَّ العادة الجارية أنه لا يَضْعُفُ إلاَّ من توالت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا مَن يُدال مرةً ويُدال عليه أخرى.
الأمر الثاني: أنكم ترجونَ من الله ما لا يرجون، فترجون الفوز بثوابِهِ والنجاة من عقابه، بل خواصُّ المؤمنين لهم مقاصدُ عاليةٌ وآمال رفيعةٌ من نصر دين الله وإقامة شرعه واتِّساع دائرة الإسلام وهداية الضالِّين وقمع أعداء الدين؛ فهذه الأمور توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة وتضاعف النشاط والشجاعة التامَّة؛ لأنَّ من يقاتل ويصبر على نيل عزِّه الدُّنيويِّ إن ناله ليس كمن يقاتِلُ لنيل السعادة الدنيويَّة والأخرويَّة والفوز برضوان الله وجنَّته؛ فسبحان من فاوت بين العباد وفرَّق بينهم بعلمِهِ وحكمتِهِ، ولهذا قال: {وكان الله عليمًا حكيمًا}: كامل العلم كامل الحكمةِ.
______________
(1814): {وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولئِكَ يَدخُلونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمونَ نَقيرًا} [النساء: (124)]
تفسير السعدي:
{ومن يعملْ من الصالحاتِ}: دخل في ذلك سائر الأعمال القلبيَّة والبدنيَّة، ودخل أيضًا كلُّ عامل؛ من إنس أو جنٍّ، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. ولهذا قال: {من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ}: وهذا شرطٌ لجميع الأعمال، لا تكون صالحةً ولا تُقبل ولا يترتَّب عليها الثوابُ ولا يندفع بها العقابُ إلاَّ بالإيمان؛ فالأعمال بدون الإيمان كأغصان شجرةٍ قُطع أصلُها، وكبناءٍ بني على موج الماء؛ فالإيمان هو الأصل والأساس والقاعدة التي يُبْنَى عليه كل شيء، وهذا القيد ينبغي التفطُّن له في كلِّ عمل مطلقٍ؛ فإنه مقيَّدٌ به. {فأولئك}؛ أي: الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، {يدخُلون الجنةَ}: المشتملة على ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين، {ولا يُظلمون نقيرًا}؛ أي: لا قليلًا ولا كثيرًا مما عمِلوه من الخير، بل يجدونَه كاملًا موفَّرًا مضاعفًا أضعافًا كثيرة.
______________
(1815): قال الا?مام ابن باز يرحمه الله:
من ائعظمِ الائسباب التي يُزيلُ اللهُ بها الهموم والغموم:
(1) – الا?كثار مِن ذِكر الله سبحانه.
(2) – وَالصَّلَاة على نبيه عليه الصلاة والسلام.
(3) – والا?كثارُ مِن قِراءة القران.
فا?نَّ ذلكَ مِن ائسبابِ انشراحِ الصَّدرِ وزوال الهم والغم.
فتاوى نور على الدرب (1) / (333)
______________
(1816): الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى العباد سبب يُنال به العلم وتنال به خيرات الدنيا والآخرة، لقوله (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين).
الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله.
مجموع مؤلفاته (3) / (733).
______________
(1817): (اللهم ائعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)
قال ابن باز -رحمه الله-:
“هذا دعاء عظيم، مع ا?يجازه وقلة ائلفاظه، فا?ن من رزق العون على الذكر، وعلى الشكر، وعلى حسن العبادة، فقد تمَّ ائمره، وكملت سعادته.”
مجموع الشروح الفقهية ((307) / (25)).
______________
(1818): عن عبيد الله بن أبي جعفر رحمه الله، قال: إذا كان المرءُ يحدث في مجلس فأعجبه الحديث، فليمسك. وإذا كان ساكتًا، فأعجبه السكوتُ فليتحدَّث. [السير (تهذيبه) (2) / (625)، موسوعة ابن أبي الدنيا (7) / (80)].قال ابن رجب رحمه الله: وهذا حسن، فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه لمخالفة هواه وإعجابه بنفسه، ومن كان كذلك كان جديرًا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته، لأن كلامه وسكوته يكون لله عزّ وجلّ، وبكلّ حال فالتزام الصمت مطلقًا واعتقاده قربة إما مطلقًا أو في بعض العبادات، كالحج والاعتكاف والصيام منهيّ عنه. جامع العلوم والحكم / (178).
______________
(1819): قال التابعي الإمام يونس بن عبيد:
خصلتان إذا صلحتا من العبد
صلح ما سواهما:
صلاته، ولسانه
[حلية الأولياء (2) / (298)]
______________
(1820): {يَومَ تَأتي كُلُّ نَفسٍ تُجادِلُ عَن نَفسِها وَتُوَفّى كُلُّ نَفسٍ ما عَمِلَت وَهُم لا يُظلَمونَ} [النحل: (111)]
تفسير السعدي:
حين {تأتي كلُّ نفس تجادِلُ عن نفسها}: كلٌّ يقول: نفسي نفسي، لا يهمُه سوى نفسه؛ ففي ذلك اليوم يفتقر العبدُ إلى حصول مثقال ذرَّة من الخير. {وتُوفَّى كلُّ نفس ما عملت}: من خيرٍ وشرٍّ. {وهم لا يُظْلَمونَ}: فلا يزادُ في سيئاتهم، ولا يُنْقَصُ من حسناتهم. {فاليوم لا تُظْلَمُ نفسٌ شيئًا ولا تُجْزَوْن إلاَّ ما كنتُم تعملونَ}.
______________
(1821): {فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيًّا} [مريم: (59)]
تفسير السعدي:
لما ذَكَرَ تعالى هؤلاء الأنبياء [وهم] المخلصون، المتَّبِعون لمراضي ربِّهم، المنيبونَ إليه؛ ذكر مَنْ أتى بعدَهم وبدَّلوا ما أمِروا به، وأنَّه خَلَفَ {من بعدِهم خَلْفٌ}: رجعوا إلى الخَلْفِ والوراء، فـ {أضاعوا الصَّلاة}: التي أمِروا بالمحافظة عليها وإقامتها، فتهاوَنوا بها وضيَّعوها، وإذا ضيَّعوا الصلاة التي هي عمادُ الدين وميزانُ الإيمان والإخلاص لربِّ العالمين، التي هي آكدُ الأعمال وأفضلُ الخصال؛ كانوا لما سواها من دينهم أضيعَ وله أرفضَ. والسبب الداعي لذلك أنَّهم اتَّبعوا شهواتِ أنفسهم وإراداتها، فصارت هممُهم منصرفةً إليها مقدِّمة لها على حقوق الله، فنشأ من ذلك التضييع لحقوقه والإقبال على شهواتِ أنفسهم مهما لاحتْ لهم حصَّلوها، وعلى أيِّ وجهٍ اتَّفقت تناولوها. {فسوف يَلْقَوْنَ غَيًّا}؛ أي: عذابًا مضاعفًا شديدًا.
______________
(1822): وسئل بعض الموتى وكان عابدًا مجتهدًا عن حاله، فأنشد يقول:
وليس يعلم ما في القبر داخله … إلاَّ الإِله وساكن الأجداث
وقال غيره:
أمَا والله لو علم الأنام … لما خُلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أَبْصَرَتْه … عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
مَمَاتٌ ثم قبر ثم حشر … وتوبيخ وأهوال عظامُ
ليوم الحشر قد عملت رجال … فصلوا من مخافته وصاموا
ونحن إذا أمرنا أو نهينا … كأهل الكهف أيقاظ نيامُ
المحجة في سير الدلجة (4) / (441)
______________
(1823): قال ابن تيمية-رحمه الله-:
قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ}
وَهَذَا الْقُرْبُ مِنْ الدَّاعِي هُوَ قُرْبٌ خَاصٌّ لَيْسَ قُرْبًا عَامًّا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ دَاعِيهِ وَقَرِيبٌ مِنْ عَابِدِيهِ وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ.
مجموع الفتاوى (15) / (17)
______________
(1824): ??قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى
المبادرة إلى التوبة من الذنب فرضٌ على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخّرها عصى بالتأخير.
مدارج السالكين [1/ 205] ??
______________
(1825): فتنة لا ينجي منها إلا الله
قال ابن القيم:
“فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته، ونفسه الأمارة، وشيطانه المغوي المزين، وقرنائه، وما يراه، ويُشاهده؛ مما يعجز صبره عنه، ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين، وضعف القلب، ومرارة الصبر، وذوق حلاوة العاجل، ومَيْلُ النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكون العوض مؤجلاً في دار أخرى غير هذه الدار التي منها خلق، وفيها نشأ، فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به:
فَوَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ يُسْعِدُ عَبْدَهُ …
بِتَوْفِيقِهِ وَاللَّهُ بِالعَبْدِ أَرْحَمُ
لَمَا ثَبَتَ الإِيْمَانُ يَوْماً بِقَلْبِهِ … .
عَلَى هَذِهِ العِلَاتِ وَالْأَمْرُ أَعْظَمُ
وَلَا طَاوَعَتْهُ النَّفْسُ فِي تَرْكِ شَهْوَةٍ …
مَخَافَةَ نَارٍ جَمْرُها يتضرمُ
وَلَا خَافَ يَوْماً مِنْ مَقَامِ إِلَهِهِ ..
عَلَيْهِ بِحُكْمِ القِسْطِ إِذْ لَيْسَ يَظْلِمُ”
إغاثة اللهفان 1/ 886
______________
(1826): {وَإِذا جاءَكَ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِآياتِنا فَقُل سَلامٌ عَلَيكُم كَتَبَ رَبُّكُم عَلى نَفسِهِ الرَّحمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُم سوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعدِهِ وَأَصلَحَ فَأَنَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ} [الأنعام: (54)]
تفسير السعدي:
ولما نهى الله رسوله عن طردِ المؤمنين القانتين؛ أمره بمقابلتِهِم بالإكرام والإعظام والتبجيل والاحترام، فقال: {وإذا جاءَكَ الذين يؤمنونَ بآياتِنا فَقُلْ سلامٌ عليكم}؛ أي: وإذا جاءك المؤمنون؛ فحيِّهم، ورحِّبْ بهم، ولقِّهم منك تحيةً وسلامًا، وبشِّرهم بما ينشِّط عزائمهم وهممهم من رحمة الله وسعة جوده وإحسانه، وحُثَّهم على كل سبب وطريق يوصِلُ لذلك، ورهِّبْهم من الإقامة على الذُّنوب، وأمُرْهم بالتوبة من المعاصي لينالوا مغفرةَ ربِّهم وجوده، ولهذا قال: {كَتَبَ ربُّكم على نفسِهِ الرحمةَ أنَّه من عَمِلَ منكم سوءًا بجهالةٍ ثمَّ تاب من بعدِهِ وأصلحَ}؛ أي: فلا بدَّ مع ترك الذُّنوب والإقلاع والندم عليها من إصلاح العمل وأداء ما أوجبَ الله وإصلاح ما فَسَدَ من الأعمال الظاهرة والباطنة؛ فإذا وُجِدَ ذلك كله؛ {فإنَّه غفورٌ رحيمٌ}؛ أي: صبَّ عليهم من مغفرتِهِ ورحمتِهِ بحسب ما قاموا به مما أمرهم به.
______________
(1827): قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فَمَن عَلِمَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ وَآمَنَ بِهِ إيمَانًا مُفَصَّلًا وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ أَكمَلُ إيمَانًا وَوِلَايَةً لِلَّهِ مِمَّن لَم يَعْلَم ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَلَم يَعْمَل بِهِ؛ وَكِلَاهُمَا وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
مجموع الفتاوى ((188) / (11))
______________
(1828): تعليم الصبيان ذكر الله …
قال عبدالله بن عبدالملك بن مروان: كُنّا نسير مع أبينا في موكبه فيقول لنا: سبحوا حتى نأتي تلك الشجرة، فنسبح حتى نأتي تلك الشجرة، فإذا رفعت لنا شجرة أخرى، قال: كبروا حتى نأتي تلك الشجرة، فنكبر، وكان يصنع ذلك بنا مرارًا.
تاريخ دمشق (???/??).
______________
(1829): قال ابن تيمية-رحمه الله-:
جعل سُبْحَانَهُ غض الْبَصَر وَحفظ الْفرج هُوَ أقوى تَزْكِيَة للنَّفس وَبَين أَن ترك الْفَوَاحِش من زَكَاة النُّفُوس وَزَكَاة النُّفُوس تَتَضَمَّن زَوَال جَمِيع الشرور من الْفَوَاحِش وَالظُّلم والشرك وَالْكذب وَغير ذَلِك.
العبودية (1) / (91)