564 , 565 , 566 , 567 تابع تحضير سنن الترمذي
جمع أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الصلاة عمود الدين، وأعظم أركان الإسلام العملية، وقد بلغت مكانتها من كتاب الله وسنة رسوله مبلغا عظيمًا وقدرًا كبيرًا، فرضها الله تعالى كتابا موقوتاً، وراعى في شرعيتها الأحوال والظروف، ومن ذلك أن شرعها حال الخوف والقتال، بل شرعها جماعة في تلك الحال، لكن كلما ضاق الأمر اتسع، فلما كان حال القتال حال كر وفر، وعدم ثبات واستقرار، شرعها الله على صفات تناسب تلك الحال، وجاء هذا البحث لبيان تلك الصفات، حيث وقع بين العلماء اختلاف كثير في بعض الصفات نظرًا للأحاديث الواردة فيها؛ فبعضهم أوصلها إلى عشر صفات، وبعضهم إلى أربع عشرة صفة، وبعضهم إلى ست عشرة صفة، لذا قال ابن القيم رحمه الله -: ” .. وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة،
جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي، وإنما هو من اختلاف الرواة (1) “.
أهمية الموضوع:
تتبين أهمية الموضوع من خلال النقاط التالية: صلى الله عليه وسلم – بيان عظم هذه الفريضة وعلو مكانتها في التشريع، حيث لم تسقط حتى في ميادين القتال وتحت ظلال السيوف.
(2) – سمو هذه الشريعة ومراعاتها للظروف والأحوال، وأنها صالحة لكل زمان ومكان.
(3) – جهود علماء المسلمين ورواة الأحاديث من الصحابة ومن بعدهم الذين تتبعوا هذه الصفات ووصفوها وصفا دقيقا.
(4) – تحرير الروايات الواردة في هذا الباب والتي أوجبت اختلافا كبيرا بين العلماء،
يظهر ذلك جليًا في كتب الفقهاء؛ حتى قال الكاساني الحنفي: ” اختلف العلماء فيها اختلافا فاحشا لاختلاف الأخبار في الباب ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ابن رشد المالكي: “وأما صفة صلاة الخوف
فإن العلماء اختلفوا فيها اختلافا كثيرًا لاختلاف الآثار في هذا الباب (1) ”
ه بيان الغاية من تشريع الصلاة على تلك الصفات. (6) – جمع هذه الأحاديث في بحث واحد؛ لحاجة إخواننا أهل الثغور والمرابطين
والمجاهدين في سبيل الله.
أهداف الدراسة:
(1) – ذكر الأحاديث الواردة في صلاة الخوف، وبيان درجتها.
صلى الله عليه وسلم – بيان سبب اختلاف العلماء في بعض الصفات.
– بيان طريقة المحدثين في التعامل مع هذا الاختلاف، وتمييز ما يصح أن يكون
طريقا مستقلا وما يكون اختلافًا على الراوي الذي عليه مدار الروايات.
– بيان حكمة التشريع في مغايرة صلاة الخوف عن صلاة الأمن.
ه – بيان سعة الشريعة وأن المقاتلين مخيرون بين هذه الصفات، وإذا اشتد القتال صلى
حسب الحال وصار ملحقا بأهل الأعذار.
الدراسات السابقة:
وقفت على بحوث تذكر ويُشكر أصحابها، وهي – (1) – صلاة الخوف في السنة النبوية
دراسة موضوعية د. عادل بن محمد السبيعي بحث نشر في مجلة جامعة الإمام في ((58)) صفحة
، والبحث ملئ بالفوائد، وقد استغرق عرض الروايات وتخريجها والحكم عليها ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) صفحة تقريباً، والفرق أن البحث هنا منصب على الدراسة الحديثية فقط، والتوسع في ذكر اختلاف
الروايات، وبذا يظهر الفرق بين البحثين من حيث النتائج والحكم على الأحاديث.
صلى الله عليه وسلم – کتاب (صلاة الخوف) للدكتور سعيد القحطاني، ويقع في ((42)) صفحة من الحجم الصغير، ولم يذكر إلا خمس صفات مع إشارته إلى تعددها في الحاشية، ولم يعالج اختلاف
الرواة.
– الخلاصة في أحكام صلاة الخوف؛ للباحث علي الشحود في ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) صفحة من
الحجم الصغير، ويغلب عليه الصبغة الفقهية، وقد استعرض الصفات دون تحرير للروايات،
واعتمد على الموسوعة الفقهية وغيرها كما ذكر في مقدمته.
حدود البحث وإجراءاته:
البحث سيكون في الأحاديث المرفوعة في هذا الباب دون الآثار، فإذا كان الحديث في الكتب الستة أو أحدها فأكتفي بتخريجه منها ومن مسند الإمام أحمد على الترتيب المعهود، وقد أزيد في ذكر بعض المخرجين لغرض ما؛ كأن تكون الرواية في غير هذه الكتب أكثر تفصيلا، أما إذا وقع في السند أو المتن اختلاف فإني أستوعب جميع الطرق من كتب
السنة بما يتبين به الوجه الراجح من المرجوح.
خطة البحث:
يتكون البحث من مقدمة وسبعة مباحث، وخاتمة. المقدمة: وفيها بيان الموضوع وأهميته وأسباب اختياره. المبحث الأول: بيان أحاديث الصفة الأولى من صلاة الخوف. المبحث الثاني: بيان أحاديث الصفة الثانية من صلاة الخوف. المبحث الثالث: بيان أحاديث الصفة الثالثة من صلاة الخوف. المبحث الرابع: بيان أحاديث الصفة الرابعة من صلاة الخوف. المبحث الخامس: بيان أحاديث الصفة الخامسة من صلاة الخوف. المبحث السادس: بيان أحاديث الصفة السادسة من صلاة الخوف.
المبحث السابع: بيان أحاديث الصفة السابعة من صلاة الخوف.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
ثبتت صلاة الخوف على أوجه متعددة نظرًا لتعدد الغزوات، ولاختلاف الأحوال المحيطة بالواقع، فقد يكون العدو في جهة القبلة أو لا، وقد يكون الخوف شديدًا أو دون ذلك، وبناء عليه تغايرت الصفات، وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله -: “صح عن النبي صلاة الخوف من خمسة أوجه أو ستة كل ذلك جائز لمن فعله، وفي رواية: ” من ستة أوجه أو
سبعة (1).
وجها ( صلى الله عليه وسلم ). وقد بالغ بعضهم فأوصلها إلى أربعة عشر وجها ( صلى الله عليه وسلم )، وبعضهم إلى سبعة عشر
قال ابن القيم رحمه الله – بعد أن ذكر ستة أوجه لصلاة الخوف: «وقد روي عنه في صلاة الخوف صفات أخر، ترجع كلها إلى هذه، وهذه أصولها، وربما اختلف بعض ألفاظها وقد ذكرها بعضهم عشر صفات، وذكرها أبو محمد بن حزم نحو خمس عشرة صفة، والصحيح ما ذكرناه أولا، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجوها من فعل النبي، وإنما هي من اختلاف الرواة» ((4)) قال ابن حجر معلقا: “وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخنا ((5)) ” يعني العراقي.
المبحث الأول: بيان أحاديث الصفة الأولى:
1 – حديث جابر بن عبد الله الله قال: “شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي، وكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود، والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي الله وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي الله السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا”. – أخرجه مسلم ((840))، والنسائي ((1548))، وابن ماجه ((1260))، وأحمد ((319) / (3)) من طريق عطاء بن أبي رباح. ومسلم ((840))، والنسائي ((1549))، وابن ماجه ((1260))، وأحمد ((3) / (374)) من طريق أبي الزبير، وابن خزيمة ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والطحاوي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) من طريق أبي سعد شرحبيل الخطمي، ثلاثتهم عطاء، وأبو الزبير، وشرحبيل عن جابر الله، وفي رواية أبي الزبير: “غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا من جهينة، فقاتلونا قتالاً شديدًا، فلما صلينا الظهر، قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول الله له ذلك فذكر نحوه، ورواية شرحبيل فيها مخالفة في الصفة، وشرحبيل ضعفه أكثر النقاد، وعطاء وأبو الزبير أوثق منه ((1)).
صلى الله عليه وسلم – حديث ابن عباس الله قال: قام رسول الله الله وقام الناس معه، فكبر وكبروا، ثم ركع وركع أناس منهم، ثم سجد وسجدوا، ثم قام إلى الركعة الثانية، فتأخر الذين سجدوا معه، وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى فركعوا مع النبي الله وسجدوا، والناس كلهم في صلاة يكبرون ولكن يحرس بعضهم بعضا” أخرجه البخاري ((944))، والنسائي ((1535))، وابن حبان ((2869))، والبيهقي ((259) / (3)) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي والدارقطني ((58) / (2)) – ومن طريقه البيهقي ((258) / (3)) من طريق النعمان بن راشد، كلاهما (الزبيدي، والنعمان) عن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة، – والنسائي ((1536))، وأحمد ((265) / (1))، والبيهقي ((259) / (3)) من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة، كلاهما (عبيد الله، وعكرمة عن ابن عباس له. ورواية الزبيدي فيها إجمال فصلته رواية النعمان بن راشد عن الزهري، ورواية عكرمة عن ابن عباس بما يماثل حديث جابر الله، وابن إسحاق صرح بالتحديث، إلا أن رواية داود عن عكرمة فيها ضعف، لكثرة المناكير في روايته، وهذا الضعف من جهة الحفظ والضبط ( صلى الله عليه وسلم )، لكن حسن ابن حجر حديثه هنا ( صلى الله عليه وسلم )، ولعل سبب ذلك أن الحديث في ذكر حادثة وقصة يرويها، ثم قد توبع فيها متابعة قاصرة.
إلا أن الحديث قد ورد من طريق أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس بلفظ: «أن رسول الله له صلاة الخوف قرد ( صلى الله عليه وسلم )، وصف الناس خلفه صفين، صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة، ولم يقضوا وفي رواية: «فكانت للنبي ركعتين، ولكل طائفة ركعة».
والحديث أخرجه النسائي ((1534))، وأحمد ((232) / (1) – (357)) ((183) / (5))، وابن خزيمة ((1344))، وابن حبان ((2860))، والبيهقي ((263) / (3))، فسياق هذه الرواية تخالف رواية الزهري عن عبيد الله؛ لذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنهما حديثان، كل حديث في صفة مستقلة، وهذا ظاهر صنيع أبي داود ( صلى الله عليه وسلم ) وابن حبان ((2)).
ومنهم من رأى أن الروايتين راجعتان لحديث واحد، وهؤلاء على فريقين:
الأول: منهم من سلك مسلك الجمع.
الثاني: منهم من سلك مسلك الترجيح.
أما من سلك مسلك الجمع، فقال: إن الحديث في رواية أبي بكر بن أبي الجهم مختصر مجمل، وقد بينته وفصلته رواية الزهري، فقوله: وصف الناس خلفه صفين: صفا خلفه، وصفا موازي العدو». المراد أن الصفين صلوا مع النبي ثم حرس أحد الصفين في الركعة الأولى، والآخر في الثانية وإنما لم يقضوا بعد سلام النبي؛ لأنهم قضوا ما تخلفوا به عنه قبل سلامه كما في رواية النعمان بن راشد عن الزهري ((3)) فقوله في رواية أبي أبي بكر بن أبي الجهم: «وصفا موازي العدو أراد في حال الحراسة عند سجود الإمام لأن العدو في جهة القبلة، وقوله: «ثم انصرف هؤلاء، وجاء أولئك أراد به تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم (1).
وأما قوله: فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ولكل طائفة ركعة. فهذه الزيادة مدرجة من قول سفيان الثوري الراوي عن أبي بكر بن أبي الجهم، فقد صرح بذلك في رواية البيهقي، وذلك ظن ظنه قد خالف غيره فيه ((2))، ( صلى الله عليه وسلم )، ومثله لفظة: «ولم يقضوا» بين أنها مدرجة من كلام ابن خزيمة
سفيان ( صلى الله عليه وسلم )، فإن صلح التأويل السابق لمعناها فهو تفسير لكلام سفيان ((4)).
أما من سلك مسلك الترجيح، فقال: إن الزهري رواه عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس باللفظ السابق، وخالفه أبو بكر بن أبي الجهم فرواه بلفظ آخر، وإذا اختلف الزهري وأبو بكر بن أبي الجهم فالمقدم الزهري ((5))؛ لأنه أحفظ وهو بعبيد الله بن عبدالله
ألصق.
أما حفظه فهو الإمام المتقن الثبت الحجة حافظ السنة وجامعها، ويكفي قوله عن نفسه: «ما استعدت حديثًا قط، ولا شككت في حديث إلا حديثًا واحدًا فسألت صاحبي
فإذا هو كما حفظت ((6)). أما كونه ألصق فلأنه كان خادما لعبيد الله كما ذكر ذلك الإمام مالك رحمه الله ( صلى الله عليه وسلم ).
(3) – حديث أبي عياش الزرقي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ( صلى الله عليه وسلم )، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة، فنزلت يعني: صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ففرقنا فرقتين فرقة تصلي مع النبي، وفرقة يحرسونه، فكبر بالذين يلونه والذين يحرسونهم، ثم ركع فركع هؤلاء وأولئك جميعا، ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء والذين يلونه وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعا الثانية بالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم وذكر أن النبي
صلاها مرة أخرى بأرض بني سليم.
أخرجه أبو داود ((1236))، والنسائي ((1550)) ((1551))، وأحمد ((59) / (4) – (60))، وابن الجارود ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، وابن حبان ((2864)) ((2865))، والبيهقي ((3) / (257)) من طريق منصور
بن المعتمر،
وأبو داود تعليقا ((1236)) عن عكرمة بن خالد،
وعبد الرزاق ((4236)) عن ابن جريج،
– وعبد الرزاق ((4234)) من طريق أيوب السختياني،
– وعبد الرزاق ((4235)) من طريق خلاد بن عبد الرحمن الصنعاني
وابن أبي شيبة ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) من طريق عمر بن ذر الهمداني
وابن جرير ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) من طريق ابن أبي نجيح، سبعتهم (1) عن مجاهد مرسلًا إلا منصور بن المعتمر فقد وصله فقال عن مجاهد عن أبي عياش عن النبي، ورواية أيوب مختصرة بذكر سبب نزول صلاة الخوف دون ذكر صفة
الصلاة، كما أن ابن جريج لم يصرح بالسماع من مجاهد. ومجاهد هو ابن جبر المكي ثقة إمام ( صلى الله عليه وسلم )، وأبو عياش الزرقي صحابي قيل اسمه زيد بن الصامت ( صلى الله عليه وسلم )، فمن نظر إلى هذا الإسناد الموصول صححه، لاسيما أن منصورًا من أثبت
الناس في مجاهد، قال يحيى القطان: ” ما أحد أثبت من منصور عن مجاهد ” وقال ابن معين:”
منصور من أثبت الناس ((4))
والحديث أخرجه الإمام أحمد، وقد قال: ” كل حديث روي في صلاة الخوف فهو
صحيح ((5))) وقد صحح هذا الحديث موصولا: أبو حاتم ((6)) والدارقطني ((7)) وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم )، والحاكم ( صلى الله عليه وسلم )، والبيهقي ((10)) وغيرهم ((11))، ومن نظر إلى الاختلاف الواقع على مجاهد، رأى أن رواة المرسل أكثر، وفيهم ثقات أثبات كابن جريج، والسختياني ((1))، وابن أبي نجيح الذي قال فيه أحمد:” ليس أحد أروى عن مجاهد من منصور إلا ابن أبي نجيح ((2)) “، وقد رجح الإرسال البخاري، فقد سأله أبو عيسى الترمذي أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: “كل الروايات عندي صحيح، وكل يستعمل وإنما هو على قدر الخوف إلا
حديث مجاهد عن أبي عياش الزرقي فإني أراه مرسلا ( صلى الله عليه وسلم ) “. وقد فهم البعض عن البخاري خلاف مراده، قال ابن رجب موضحا ذلك: «خرجه – يعني: حديث أبي عياش – الإمام أحمد وأبوداود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، وقال: على شرطهما، وفي رواية للنسائي ((4)) وابن حبان ((5)) عن مجاهد: نا أبو عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، ورد ابن حبان بذلك على من زعم أن مجاهدا لم يسمعه من أبي عياش، وأن أبا عياش لا صحبة له، كأنه يشير إلى ما نقله الترمذي في علله عن البخاري ” قال ابن رجب وابن حبان لم يفهم ما أراده البخاري، فإن البخاري لم ينكر أن يكون أبو عياش له صحبة، وقد عده في تاريخه من الصحابة ((1))، ولا أنكر سماع مجاهد من أبي عياش، وإنما مراده أن هذا الحديث الصواب: عن مجاهد إرساله عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر أبي عياش، وكذلك رواه أصحاب مجاهد عنه بخلاف رواية منصور عنه. فرواه عكرمة بن خالد، وعمر بن ذر، وأيوب بن موسى ثلاثتهم عن مجاهد عن النبي له مرسلًا من غير ذكر أبي عياش، وهذا أصح عند البخاري، وكذلك صحح إرساله عبد العزيز النخشبي ” وغيره من الحفاظ “وأما أبو حاتم الرازي فإنه قال في حديث منصور عن مجاهد عن أبي عياش: إنه صحيح. ( صلى الله عليه وسلم ). وقال ( صلى الله عليه وسلم )
الإمام أحمد: «كل حديث روي في صلاة الخوف فهو صحيح» انتهى ((4)).
وعلى كل فهذا الحديث إن قيل إنه مرسل فيشهد له ماسبق من الأحاديث. (4) – حديث أبي هريرة له: أن رسول الله له نزل بين ضجنان ((5)) وعسفان، فقال المشركون: إن لهم صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة، وإن جبريل عليه السلام أتى النبي، فأمره أن يقسم أصحابه شطرين، فيصلي ببعضهم، وتقوم الطائفة الأخرى وراءهم، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم تأتي الأخرى فيصلون معه، ويأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم، لتكون لهم ركعة ركعة مع رسول
الله، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان”.
أخرجه الترمذي ((3035))، والنسائي ((1545))، وأحمد ((522) / (2))، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم (32) / (4)) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا سعيد بن عبيد الهنائي، حدثنا
عبد الله بن شقيق حدثنا أبو هريرة به. والحديث رجاله ثقات، فسعيد لا بأس به، وشيخه وتلميذه ثقتان ( صلى الله عليه وسلم )، والإسناد مسلسل بالتحديث، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث عبد
الله بن شقيق عن أبي هريرة»، وحسنه البخاري ((2)).
وبعض العلماء ذكر هذا الحديث في صفة صلاة الركعة الواحدة ((3)) لما ورد في بعض الروايات فتكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان” لكن بينت الرواية هنا أنها ركعة مع الرسول عليه الصلاة والسلام، والثانية تقضيها كل طائفة لوحدها غير متابعة للنبي في السجود، ويقوي هذا أن السبب الوارد هنا وهو قول المشركين: «إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قد ثبت في الأحاديث الواردة كحديث جابر في إحدى رواياته، وكذا في حديث ابن عباس من رواية عكرمة، وكذا في حديث أبي عياش الزرقي، ثم إن مكان الغزوة واحد، ففي حديث أبي عياش قوله: “كنا مع النبي بعسفان .. “، وفي رواية عمر بن
ذر عن مجاهد مرسلا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان .. ” وهذه الصفة في الأحاديث السابقة فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، وقد قال ابن القيم مبينا سبب هذه الحركة للطائفتين مع كون العدو جهة القبلة: «لتحصل فضيلة الصف الأول للطائفتين، وليدرك الصف الثاني مع النبي الله السجدتين في الركعة الثانية، كما أدرك الأول معه السجدتين في الأولى، فتستوي الطائفتان فيما أدركوا معه، وفيما قضوا لأنفسهم، وذلك غاية العدل» ((4)).
المبحث الثاني: في بيان أحاديث الصفة الثانية:
– حديث صالح بن خوات عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة
التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم». أخرجه البخاري ((4129))، ومسلم ((842))، وأبو داود ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والنسائي ((1538))، وأحمد ( صلى الله عليه وسلم (70) / (5)) من طريق الإمام مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن
شهد، وفي بعض الروايات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . – حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حشمة ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم
صلاة الخوف، فصف صفا خلفه وصفًا مصافو العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء
وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة”.
– أخرجه البخاري ((4131))، ومسلم ((841))، وأبو داود ((12) صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والترمذي ((566))،
والنسائي ((1537))، وابن ماجه ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، وأحمد ((448) / (3)) من طريق عبد الرحمن بن القاسم والبخاري ((4131))، وأبو داود ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والنسائي ((1554))، وابن ماجه ((1259))،
وأحمد ((448) / (3)) من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري كلاهما (عبد الرحمن، ويحيى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن صالح بن
خوات عن سهل الله، إلا أن يحيى رواه موقوفا ولم يرفعه. وهذا الاختلاف غير مؤثر، فكلاهما المرفوع والموقوف) ثابتان عن سهل، قال الإمام
أحمد: ” رفعه عبد الرحمن، ويحيى لم يرفعه، ثم قال: حسبك بعبد الرحمن هو ثقة ثقة ثقة .. ثم قال: قد رواه يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فهذا يشد ذاك” قال ابن رجب: ” يريد أنه يقوي رفعه ( صلى الله عليه وسلم ) “، وأخرج البخاري الطريقين معا، وقال في موضع آخر:”
حديث سهل بن أبي حثمة هو حديث حسن، وهو مرفوع رفعه شعبة عن عبدالرحمن بن القاسم (1)
وفي بعض روايات المرفوع ما يوهم أن الجميع يصفون في وقت واحد ففيه: ” عن سهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف، فصفهم خلفه صفين .. “، لكن الرواية السابقة بينت المراد، وبينتها الرواية الموقوفة بصورة أوضح فقد قال سهل الله: ” صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه، وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم، فإذا استوى قائمًا ثبت قائما وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا، والإمام قائم، فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبروا وراء الإمام فيركع بهم ويسجد بهم ثم يسلم، فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون” ((2))، وهي الموافقة للحديث السابق عمن شهد مع النبي تلك الصلاة. ولعل سبب الوهم أن الحديث المرفوع يرويه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح عن سهل، ورواه عن شعبة معاذ العنبري باللفظ الموهم، ورواه يحيى القطان وغندر عن شعبة باللفظ الموضح، فروايتهما هي المقدمة.
وقوله في الرواية الموقوفة: ” .. ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون” قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد عن القاسم – يعني هذه – نحو رواية يزيد بن رومان – يعني: الحديث السابق – إلا أنه خالفه في السلام، ففي حديث يزيد بن رومان أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية ثم يسلم بهم، وهنا يسلم الإمام ثم تقضي الطائفة الثانية ما تبقى والذي يظهر أن الصفة واحدة، وأن الإمام يسلم بهم، كما في حديث يزيد بن رومان، وكما في المرفوع من حديث سهل، وذلك أن الحديث الموقوف على سهل يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري، ورواه عن يحيى جمع من الرواة منهم الإمام مالك ومن طريقه أبو داود – فذكر سلام الإمام لوحده دون الطائفة الثانية، وخالفه في ذلك شعبة وسفيان الثوري ((1)) فروياه عن يحيى كرواية مالك إلا أنهما قالا في آخره: فيصلي بهم ركعة وسجدتين، ثم يقعد حتى يقضوا ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم» ((2)). وكذلك رواه روح بن عبادة عن شعبة ومالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري به ( صلى الله عليه وسلم ) فذكر السلام آخرًا؛ لذا قال البيهقي عن رواية الثوري وروح عن شعبة ومالك: «وهذا أولى أن يكون صحيحًا لموافقته رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه، وسائر ما مضى في الباب قبله» ((4)). وقد ذكر في الباب قبله حديث يزيد بن رومان، وقد بوب ابن خزيمة لرواية روح بن عبادة وما في معناها: باب انتظار الإمام الطائفة الأولى جالسا لتقضي الركعة الثانية، وانتظاره الطائفة الثانية جالسًا قبل التسليم لتقضي الركعة الثانية» ((5)). ومما يُبين اتحاد الصفتين في الحديثين ماسبق عن الإمام أحمد، وأن الحديث السابق
يشد هذا.
والخلاصة: أن حديث سهل بن أبي حثمة رواه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن صالح بن خوات بن جبير عنه، ورواه عن القاسم ابنه عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري، رواه عبد الرحمن مرفوعًا، ويحيى موقوفًا، ورواية يحيى الموقوفة حصل فيها اختلاف في الكيفية فبعضهم ذكر أن سلام الإمام يكون قبل قضاء الطائفة الثانية للفائتة، وبعضهم ذكر أن الطائفة الثانية تقضي الفائتة والإمام جالس ثم يسلم بهم، وهذا هو الظاهر، وهو الذي يوافق الحديث الذي قبله حديث صالح بن خوات عمن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف .. ( صلى الله عليه وسلم ).
وهذه الصفة هي الموافقة لظاهر القرآن، وفيها من العدل أن الطائفة الأولى أدركت تكبيرة الإحرام مع الإمام، وصلت معه ركعة والطائفة الثانية صلت معه ركعة، وأدركت
التسليم مع الإمام ((1)).
وهذه الصفة فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، ويرى الإمام أحمد أنها تفعل سواء كان العدو في جهة القبلة أو لا، ففي رواية الأثرم قال: «قلت له: حديث سهل
نستعمله مستقبلين القبلة كانوا أو مستدبرين؟ قال: نعم، هو أنكى» ((2)).
وذكر الفقهاء أن هذه الصفة أيضًا تفعل في صلاة المغرب بحيث يصلي بالطائفة الأولى ركعتين ثم إذا استتم قائما أكملت ركعة وسلمت وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام ركعته الباقية ويجلس للتشهد ثم يقومون لقضاء الركعتين، فإذا جلسوا للتشهد سلم بهم الإمام، ويجوز أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين ( صلى الله عليه وسلم )، وروي أن علي بن أبي
طالب رضي الله عنه صلاها كذلك بأصحابه ليلة الهرير ((4)).
المبحث الثالث: بيان أحاديث الصفة الثالثة:
صلى الله عليه وسلم – حديث سالم عن ابن عمر الله قال: غزوت مع النبي قبل نجد، فوازينا العدو، فصاففنا لهم، فقام رسول الله له يصلي لنا، فقامت طائفة معه تصلي، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه، وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تُصل، فجاءوا فركع رسول الله الله بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين وفي رواية: «ثم سلم النبي، ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء
) 1 (» ركعة
وفي رواية نافع أن عبد الله بن عمر، كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: ” يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلي بهم الإمام ركعة، وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا، ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلى ركعتين، فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها قال نافع: “لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن
رسول الله “.
أخرجه البخاري ((942)) ((943))، ومسلم ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، وأبوداود ((1243))،
الترمذي ((564))، والنسائي ((1540))، وأحمد ((147) / (2)) من طريق الزهري عن سالم، والبخاري ((943))، ومسلم ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والنسائي ((1543))، وابن ماجه ((1258)) وأحمد ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم ) ((155) / (2)) من طريق نافع مولى ابن عمر – والنسائي ((1541)) من طريق الزهري، ثلاثتهم (سالم، ونافع والزهري عن ابن عمر، والزهري رواه عن سالم، ولم يسمعه
من ابن عمر، قال أبو بكر ابن السني: ” الزهري سمع من ابن عمر حديثين ولم يسمع هذا) صلى الله عليه وسلم (منه
والألفاظ متقاربة، وفيه أيضًا أن الطائفة الأولى تنصرف إلى مقام الطائفة الثانية، وهي في صلاتها كما في بعض الروايات فإذا صلى الذين معه ركعة، استأخروا مكان الذين يصلوا، ولا يسلمون”. صلى الله عليه وسلم – حديث أبي العالية الرياحي أن أبا موسى الأشعري له كان بالدار من أرض أصبهان، وما بها كبير خوف، ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم، فجعلهم صفين: طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها، وطائفة من ورائها، فصلى بالذين بإزائه ركعة، ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الأخرى، وجاءوا يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى، ثم سلم، فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة، ثم سلم بعضهم على
بعض، فتمت للإمام ركعتان في جماعة، وللناس ركعة ركعة ” يعني في جماعة. أخرجه ابن أبي شيبة ((462) / (2))، وابن جرير ((10368)) ((10369))، والبيهقي ((252) / (3))، من طريق أبي العالية رفيع الرياحي – وابن أبي شيبة ((465) / (2))، وابن جرير ((10366)) ((10367))، والطحاوي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم ) من طريق الحسن البصري، – وابن جرير ((10368)) من طريق يونس بن جبير، – وعلقه أبو داود ((1236)) عن حطان الرقاشي، أربعتهم عن أبي موسى، وأعله بعضهم بالانقطاع، فالثلاثة عدا الرقاشي، لم يسمعوا من أبي ((1))، لكن قد ثبت سماع أبي العالية منه كما ذكر علي بن المديني ((2))، بل في بعض روايات هذا الحديث قوله: ” صلى بنا أبو موسى الأشعري الله بأصبهان صلاة الخوف”، وأما موسي
حطان فروايته عن أبي موسى مخرجه في صحيح مسلم ( صلى الله عليه وسلم ).
قال ابن رجب وهو إسناد جيد، وهو في حكم المرفوع، لما ذكر فيه من تعليمهم ((4)) بسنة نبيهم»
– حديث ابن مسعود الله قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفا خلف رسول الله، وصف مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء العدو، فصلى بهم النبي له ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى
–
– مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا».
–
– أخرجه أبوداود ((1244)) ((1245))، وأحمد ((375) / (1) ((409)) من طريق خصيف
–
– الجزري عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود عن أبيه، وفي بعض الروايات: «فكبر الصفان
–
– جميعًا» يعني: عند التحريمة.
–
– وحصيف هو ابن عبد الرحمن الجزري، قال عنه ابن حبان: تركه جماعة من أئمتنا واحتج به آخرون، وكان شيخا صالحًا فقهيا عابدًا إلا أنه كان يخطئ كثيرا فيما يروي، ويتفرد عن المشاهير بما لا يتابع عليه، وهو صدوق في روايته إلا أن الإنصاف فيه قبول ما وافق
–
– الثقات في الروايات وترك ما لم يتابع عليه» (1).
–
– وقال الذهبي، وابن حجر: صدوق سيء الحفظ .. » ((2)). وأكثر النقاد على ضعفه،
–
– وبعضهم حسن حاله ( صلى الله عليه وسلم ).
–
– فالإسناد ضعيف؛ لضعف خصيف ولم يتابع ((4)).
–
– أما المتن: ففيه بعض المخالفة لحديث ابن عمر المخرج في الصحيحين، والمخالفة فيه من وجهين:
–
– الأول: أن في هذا الحديث أنهما يفتتحان الصلاة جميعًا، وحديث ابن عمر إنما هو في الطائفة التي مع الرسول، أما الطائفة الأخرى فتكون في مواجهة العدو، وليست في صلاة. الثاني: أن في هذا الحديث رجوع الطائفة الأولى التي صلت الركعة الأولى، إلى مكانها الأول لتكمل الصلاة في ذلك المكان، وهذا الرجوع لم يرد في حديث ابن عمر، وفيه تكثير
–
– للحركة في الصلاة.
–
– المبحث الرابع: بيان أحاديث الصفة الرابعة:
–
– صلى الله عليه وسلم – حديث جابر قال: «كنا مع النبي بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة
–
– ظليلة تركناها للنبي، قال: فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ سيف نبي الله فاخترطه ( صلى الله عليه وسلم )، فقال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتخافني؟ قال: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف، وعلقه، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين،
–
– قال: فكانت الرسول الله له أربع ركعات، وللقوم ركعتان.
–
– أخرجه البخاري ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، وفي ((4136)) تعليقا، ومسلم ((843))، وأحمد ((364) / (3)) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن والبخاري ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) ((4134)) ((4135))، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ((843)) من طريق سنان بن أبي سنان الدولي وأحمد ((3) / (364) – (390))، والطحاوي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم (5) / (1))، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والحاكم ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم ) من طريق أبي بشر جعفر بن أبي وحشية – وابن جرير ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والطحاوي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم ) من طريق قتادة بن دعامة السدوسي كلاهما أبو بشر، وقتادة) عن سليمان بن
–
– قيس اليشكري.
– ثلاثتهم (أبو سلمة، وسنان واليشكري عن جابر الله، إلا أن رواية سنان، وكذا الموصول عند البخاري من رواية أبي سلمة إنما هما بذكر قصة اختراط السيف دون ذكر صفة الصلاة.
ولفظ رواية أبي بشر عن اليشكري: «قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة (1)
بنخل ( صلى الله عليه وسلم )، فرأوا من المسلمين غرة، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث ( صلى الله عليه وسلم )، حتى قام على رأس رسول الله له بالسيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله؛ فسقط السيف من يده .. »، كما أن في بعض الروايات عن قتادة ما يُفيد سلام النبي عليه الصلاة والسلام من
الركعتين الأوليين.
وسليمان بن قيس اليشكري ثقة جالس جابرالله وكتب عنه صحيفة، ((4)) وتوفي – رحمه
الله – قبل جابر وبقيت هذه الصحيفة عند امرأته ((5)).
ولكن رواية قتادة وأبي بشر عنه منقطعة فلم يسمعا منه إنما حدثا عنه بواسطة هذه الصحيفة ((2))، فتكون رواياتهم وجادة، والوجادة هي أن يقف الراوي على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه، ولم يلقه أو لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه
إجازة ولا نحوه ( صلى الله عليه وسلم ).
وهي من طرق التحمل واختلف الأئمة في حكم الرواية بها، وهل لها حكم الاتصال؟ قال ابن الصلاح: “وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبًا من الاتصال بقوله: (وجدت بخط فلان، وبعضهم يجعل الراوية بها بصيغة: (عن وقال)، بدل (وجدت) ((2)). وهذا الذي فعله قتادة وأبو بشر هنا إذ روياه بالعنعنة، وإذا كانت الرواية بها من قبيل المنقطع، وكان لهذه الرواية إسناد آخر صحيح فإن طريق الوجادة صحيح؛ لأنه إذا كان
المرسل والمنقطع يتقوى بالمسند الصحيح ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف بالذي فيه شائبة اتصال؟!. وهنا مسند صحيح عضد طريق الوجادة، وهذا المسند هو طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن في صحيح مسلم، وعلقه البخاري، فالحديث واحد، إذ القصة فيهما واحدة
ومكان الغزوة فيهما واحد وصفة الصلاة فيهما واحدة. فالرجل المبهم في رواية أبي سلمة جاء مبينا في رواية اليشكري، وغزوة ذات الرقاع هي
غزوة محارب خصفة، والتي في مكان اسمه نخل. قال البخاري: “باب غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من
غطفان فنزل نخلا .. ( صلى الله عليه وسلم ).
والخلاصة:
أن صفة الصلاة هذه أن تصلي الطائفة الأولى مع الإمام ركعتين، ثم تسلم قبله، وتأتي
الطائفة الثانية فتصلي معه الركعتين الأخيرتين بالنسبة له، ويسلم بهم فتكون له أربعًا، ولهم ركعتين ركعتين، وهؤلاء نظروا إلى غالب الروايات التي لم تصرح بسلامه عليه الصلاة والسلام
من الأوليين.
المبحث الخامس: بيان أحاديث الصفة الخامسة:
صلى الله عليه وسلم – حديث جابر الله قال: صلى نبي الله الله بطائفة من القوم ركعتين، وطائفة تحرس فسلم فانطلق هؤلاء المصلون، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين ثم سلم».
أخرجه النسائي ((1555))، وابن خزيمة ((1353))، والبيهقي ((259) / (3)) من طريق يونس
بن عبيد – والنسائي، ((1553)) والبيهقي من ((259) / (3)) طريق قتادة بن دعامة، والدارقطني
((60) / (2)) من طريق عنبسة بن سعيد القطان، ثلاثتهم (يونس، وقتادة، وعنبسة) عن الحسن
البصري عن جابر به، وفيه التصرح بتسليم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركعتين الأوليين.
وخالفهم الأشعث بن عبد الملك الحمراني، وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري فروياه عن الحسن البصري عن أبي بكرة نفيع بن الحارث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشار إلى هذا الخلاف: النسائي، والبيهقي (1).
وقد أخرج رواية الأشعث أبو داود ((1248))، والنسائي ((837)) ((1552)) ((1556)) وأحمد ((39) / (5) ((49))، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والبيهقي ((259) / (3)) وأخرج رواية أبي حرة واصل بن عبد الرحمن أبو داود الطيالسي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )
والبزار ((3659))، والطحاوي ((315) / (1)).
وحين النظر في هذا الاختلاف من حيث الراوي المختلف عليه وهو الحسن البصري ومن حيث الرواة المختلفين عليه قد يصحح كلا الطريقين؛ ذلك أن الحسن البصري إمام واسع الرواية كثير الشيوخ، فيحتمل منه هذان الطريقان ( صلى الله عليه وسلم ). ثم إن المختلفين عليه أيضا لهم اختصاص به فيونس وقتادة والأشعث من أصحابه الثقات، ولكن الأظهر ترجيح الطريق الأول؛ الأمور:
1 – أن قتادة بن دعامة ويونس بن عبيد أوثق من أشعث بن عبد الملك. قال ابن سيرين: «قتادة أحفظ الناس ( صلى الله عليه وسلم )، وقال مطر الوراق: «كان قتادة إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه» ((4))، وقال أحمد: «كان قتادة أحفظ أهل البصرة لا يسمع شيئا إلا حفظه ((5)) هذا بالنسبة للتوثيق المطلق، أما ما يتعلق بخصوص الحسن البصري فقد اختلف الأئمة في الأحق بالتقديم منهم: فقال يحيى القطان: «لم ألق أحدا يحدث عن الحسن أثبت من أشعث بن عبد الملك ((6)). بينما قال أحمد: «ما أحد في أصحاب الحسن أثبت من يونس، ولا أحد أسند عن الحسن من قتادة» ((1))، وسئل عن أصحاب الحسن، فقال: «لا يعدل أحد يونس ((2))، وقال علي بن المديني: «أصحاب الحسن: حفص المنقري، ثم قتادة وحفص فوقه ثم قتادة بعده، ويونس وزياد الأعلم .. وبعد هؤلاء أشعث بن عبد الملك .. » ( صلى الله عليه وسلم )، فجعل طبقة أشعث دون طبقة قتادة ويونس، ولم يخرج الشيخان لأشعث شيقا ((4)).
(2) – أن رواة طريق الحسن عن جابر أكثر عددًا فهم ثلاثة قتادة ويونس وعنبسة بن سعيد القطان وهو ضعيف بل شديد الضعف قال أبو حاتم: ضعيف الحديث يأتي بالطامات» ((5))، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا لم يوافق الثقات» ((2))، وهنا وافق الثقات وسواء اعتبر به أم لا؛ فالكثرة حاصلة ذلك أن الطريق الآخر من رواية اثنين هما: أشعث وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن، قال البزار: “هذا حديث عزيز عن الحسن ما رواه إلا أشعث وأبو حرة، لا أعلم رواه غيرهما .. ” وأبو حرة وإن كان صدوقا لا بأس به) إلا أن روايته عن الحسن فيها ضعف، قال البخاري: «يتكلمون في روايته عن الحسن ( صلى الله عليه وسلم )، وحدث بأحاديث عن الحسن قال غندر: فلم يقف على شيء منها أنه سمعه من الحسن إلا حديثا أو حديثين ( صلى الله عليه وسلم )، ( صلى الله عليه وسلم ) وقال ابن معين: «صالح، وحديثه عن الحسن ضعيف يقولون: لم يسمعها من الحسن ((10))، وقال الإمام أحمد: «أبو حرة صاحب تدليس» ( صلى الله عليه وسلم )؛ لذا قال ابن حجر: صدوق عابد وكان يدلس عن الحسن ( صلى الله عليه وسلم ).
فالرجل كثير التدليس عن الحسن، وقد روى هذا الحديث بالعنعنة، وعليه فقد يكون سمع الحديث من أشعث بن عبد الملك، وحينئذ يرجع الطريقان إلى طريق واحد، وربما يكون سمعه من غيره، وهذا الغير مجهول، فلا يقاوم رواية المخالف.
(3) – جاء في بعض الروايات قول أبي بكرة: “صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف. ( صلى الله عليه وسلم ) وأبو بكرة لم تقع له صلاة خوف مع النبي، بخلاف جابر بن عبدالله، قال ابن القطان: ” إن أبا بكرة لم يصل معه صلاة الخوف، لأنه من المتقرر عند أهل السير والأخباريين وهو أيضا صحيح بالأسانيد المتصلة عند المحدثين – أنه أسلم حين حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، نزل من سورها ببكرة، وبما كني أبا بكرة، وحصار الطائف كان بعد الانصراف من حنين وقبل قسم غنائمها بالجعرانة .. ثم رجع إلى المدينة .. ثم خرج إلى تبوك، غازيا للروم، فأقام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها، ولم تكن فيها حرب تصلى لها صلاة الخوف، وهي آخر غزوة غزاها بنفسه ((4)) وقد رد ابن حجر كلام ابن القطان بقوله:” وأعله ابن القطان بأن أبا بكرة أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة وهذه ليست بعلة فإنه يكون مرسل صحابي ((5)) وهذا يمكن قبوله فيما لو كان أبو بكرة حاكيًا صفة الصلاة دون كونه معهم كما هو أكثر الروايات، أما والحالة هذه فهو يدل على خطأ في الرواية.
(4) – من مرجحات طريق الحسن عن جابر رضي الله عنه، أن له متابعات، فقد سبق
في الصفة السابقة حديث جابر الله وقد رواه عنه:
(1) – أبو سلمة بن عبد الرحمن
(2) – سليمان اليشكري، وحديث سليمان عن جابر هو هذا الحديث وبيان ذلك:
أن الحسن البصري قد اختلف في سماعه من جابر رضي الله عنه إلا أن جمهور الأئمة على عدم سماعه منه، ومن هؤلاء الأئمة: يحيى بن معين ( صلى الله عليه وسلم )، وعلي بن المديني ((2)) وأبو زرعة الرازي ( صلى الله عليه وسلم )، وأبو داود ((4))، وأبو حاتم الرازي ((5))، والنسائي ((2))، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم )) والحاكم ( صلى الله عليه وسلم )، وتبعهم ابن رجب ( صلى الله عليه وسلم ) رحمهم الله.
بل قد صرح الحسن في هذا الحديث بالذات بما يفيد عدم سماعه من جابر ففي إحدى الروايات عن يونس بن عبيد عن الحسن أنه قال: نبئت عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث، ويعضد الانقطاع أن كثيرا من الأئمة قالوا إن الحسن لم يسمع من جابر رضي الله عنه. وإذا كان الأمر كذلك فإن الحسن إنما يروي عن جابر بواسطة صحيفة سليمان بن قيس اليشكري، فقد قال أبو حاتم: إنما سماع الحسن من جابر كتاب ( صلى الله عليه وسلم )، وقال النسائي: الحسن عن جابر صحيفة وليس سماع ( صلى الله عليه وسلم )، وقد ساق الترمذي بسنده إلى سليمان التيمي بعد أن ذكر أن قتادة يحدث عن صحيفة سليمان اليشكري وكان له كتاب عن جابر، قال التيمي: ذهبوا بصحيفة جابر بن عبد الله إلى الحسن البصري فأخذها، أو قال فرواها فذهبوا
بها إلى قتادة فرواها» ( صلى الله عليه وسلم )، وقد سبق النقل عن همام بن يحيى أيضا (4).
والحاصل:
أن طريق الحسن عن جابر هنا ظاهر الانقطاع، فلم يذكر الحسن سليمان اليشكري ولا صحيفته، بل قال: «نبئت» وإنما علمت الواسطة، وأنها الصحيفة بما سبق، ويؤيد هذا: أن التفصيل الذي ذكر في رواية الحسن هنا في تسليم النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركعتين الأوليين هو موجود في إحدى روايات الحديث عن سليمان بن قيس اليشكري كما عند الطحاوي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )، وفيه فصلى بالذين يلونه ركعتين ثم سلم ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم، فقاموا في مصاف أصحابهم، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم، ثم سلم، فكان للنبي أربع ركعات، وللقوم ركعتان كذلك في حديث سليمان أن ذلك كان في موضع يقال له: (نخل)، وقد ورد أيضًا تحديد ذلك المكان في بعض الروايات عن الحسن كما عند البيهقي ((259) / (2))، والدارقطني ((60) / (2)).
ومن الأحاديث الواردة في هذه الصفة:
(2) – حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعا». وقد سبق تخريجه عند الكلام على الحديث السابق.
وخلاصة البحث في هذه الصفة:
أن من العلماء من جعل هذه الصفة مستقلة عن الصفة التي قبلها، فللإمام أن يصلي أربعا بلا سلام وتصلي كل طائفة معه ركعتين كما في الصفة السابقة، وله أن يصلي بالأولى ركعتين، ويسلم ثم يفعل ذلك بالطائفة الثانية كما في هذه الصفة، وهؤلاء جعلوا دليل الصفة الأولى حديث جابر الله السابق، ودليل الصفة الثانية حديث أبي بكرة الله فصححوا هذا الحديث وجعلوا حديث الحسن عن جابر شاهدًا له، وإن كان منقطعًا.
وبعضهم صحح حديث أبي بكرة له، لكنهم حملوا حديث جابر السابق على التفصيل المذكور في حديث أبي بكرة، فرجعت الصفتان إلى صفة واحدة، وهذا ظاهر صنيع أبي داود في سننه ( صلى الله عليه وسلم )، وابن حبان في صحيحه ( صلى الله عليه وسلم )، فإنهما ساقا الحديثين تحت باب واحد على أنه صفة واحدة، وهو رأي ابن حزم، بل شنع على من فرق بينهما ( صلى الله عليه وسلم ). وبعضهم رأى أن حديث أبي بكرة لا يصح، وأن الصواب حديث الحسن عن جابر، وهو نفسه الحديث السابق الذي رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن قيس اليشكري فهو حديث واحد بينت بعض روياته المجمل في الرويات الأخرى، وصارت الصفة واحدة وهذا ظاهر صنيع ابن خزيمة ((4))، وابن المنذر ((5))، والبيهقي ((2))، مع إشارة الأخير الحديث الحسن وما وقع فيه من خلاف. ومن القرائن الخارجية المرجحة لكون الأحاديث راجعة إلى صفة واحدة ما ثبت عن عائشة – رضي الله عنها قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» ((1))، وبما ثبت من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين ((2)))
وهذه الصلاة كانت في سفر، فهي في غزوة ذات الرقاع في نخل ( صلى الله عليه وسلم ).
(3) – عن أبي بكرة أن النبي له صلى” بالقوم في صلاة الخوف صلاة المغرب ثلاث رکعات ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، فكانت له ست ركعات
وللقوم ثلاث ثلاث”.
أخرجه ابن خزيمة ((1368))، والحاكم ((337) / (1))، والبيهقي ((260) / (3)) من طريق عمرو بن خليفة البكراوي عن أشعث الحمراني عن الحسن عن أبي بكرة، وعمرو صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ” ربما كان في بعض روايته بعض المناكير (4) وهذا منها، فالحديث رواه جمع من الثقات بالمتن السابق في الصلاة الرباعية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين وسلم، وقد رواه عن أشعث كل من:
(1) – يحيى بن سعيد القطان: أخرج روايته النسائي ((837)) ((1556))، وأحمد ((5) / (39)).
(2) – روح بن عبادة البصري: أخرج روايته أحمد ((5) / (49)).
(3) – معاذ بن معاذ البصري: أخرج روايته أبو داود ((1248)).
(4) – خالد بن الحارث البصري: أخرج روايته النسائي ((1552)).
(5) – سعيد بن عامر الضبعي: أخرج روايته ابن حبان ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والبيهقي ((3) / (259)).
(6) – أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني: أخرج روايته الطحاوي ((1) / (315)).
كل هؤلاء رووه عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة بالصلاة الرباعية، وفي رواية معاذ أنها الظهر، والواحد من هؤلاء أوثق من عمرو بن خليفة فكيف وقد اجتمعوا لذا قال البيهقي: ” وقد رواه بعض الناس عن أشعث في المغرب مرفوعا ولا أظنه إلا واهما في ذلك (1) وقال ابن الجوزي: ” هذا لا يُعرف ( صلى الله عليه وسلم ) وذكر البيهقي أن هذا قد يكون من قول الأشعث قاله بعد المين الصحيح، فأدرجه عمرو بن خليفة في الحديث، ثم رواه أو من دونه مختصرا بذكر المغرب، قال البيهقي: ” وقوله: وكذلك في المغرب، وجدته في كتابي موصولاً بالحديث وكأنه
من قول الأشعث “.
المبحث السادس: بيان أحاديث الصفة السادسة:
1 – حديث ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر
أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة». أخرجه مسلم ((687))، وأبو داود ((1247))، والنسائي ((1442)) ((1443)) ((1533))، وابن ماجه ((1068))، وأحمد ((237) / (1)، (243)، (254)، (255))، وابن خزيمة ((304)) ((943)) ((1346))، وابن حبان ((2857)) من طريق بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس.
والحديث رجاله ثقات وإسناده متصل، وقد أخرجه أحمد، وقد قال: ” وما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحًا ( صلى الله عليه وسلم ) ” وأخرجه مسلم في صحيحه، وكذا النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان.
لكن بعض أهل العلم قدح في هذا الحديث سندا ومتنا، ذلك أن بكير بن الأخنس قد تفرد به وليس بحجة فيما انفرد به، ثم إن الصحابة الذين رووا صفة صلاته في الخوف لم ينقصوا عن ركعتين، وأن صلاة ركعة واحدة مخالف للأصول، وأن ابن عباس لم يكن يحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، ولا يعلم ذلك إلا بالرواية عن غيره، فالأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي، أولى، ثم على فرض صحة الحديث فهو مؤول بأن المراد ركعة مع الإمام وينفرد المأموم بالركعة الأخرى ((1)). والجواب عن هذا: أن بكير بن الأخنس قد وثقه الأئمة كابن معين، والعجلي، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، وابن حبان ( صلى الله عليه وسلم )، وهو من طبقة التابعين، فحاله وطبقته مما يحتمل فيها التفرد؛ لذا لم يتعرض لهذا الحديث من ألف حول علل أحاديث صحيح مسلم كابن عمار الشهيد، والدارقطني، وأبي على الغساني، ثم إن ابن عباس السلم ينفرد بهذه الصفة، فقد وردت أيضا عن غيره كحذيفة، وزيد بن ثابت وجابر رضي الله عنهم، كما سيأتي، ثم أيضًا وردت آثار موقوفة ومقطوعة تفيد بأنها ركعة مما يدل على أن لهذه الأقوال أصل؛ إذ مثل هذا لا يقال بالرأي ( صلى الله عليه وسلم ).
وأما أن هذه الصفة مخالفة للأصول، فقد رد على ذلك ابن حزم – رحمه الله – من خلال ما ورد من صفات في صلاة الخوف تعد مخالفة للأصول ومع ذلك يقر بها المخالف فقال: ولا وجدتم في الأصول صلاة الإمام بطائفتين، ولا صلاة إلى غير القبلة، ولا صلاة يقضي فيها المأموم ما فاته قبل تمام صلاة إمامه، ولا صلاة يقف المأموم فيها لا هو يصلي مع إمامه، ولا هو يقضي ما بقي عليه من صلاته، وهذا كله عندكم جائز في الخوف، ولا وجدتم شيئًا من الديانة حتى جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، والأصول ليست شيئا غير القرآن والسنة» (1). فإذا أقررتم بتلك الصفات المخالفة للأصول لأنها جاءت في السنة فكذلك
الحال هنا.
وأما أن ابن عباس العلم يحضر مع النبي الله في غزواته ولا يعلم ذلك إلا بالرواية عن غيره، فهذا لا يقدح في حديثه، فإن مثل هذا يعد من مراسيل الصحابة، وقد ذكر العراقي.
رحمه الله – أن المحدثين لم يختلفوا في الاحتجاج بها ((2)).
وأما أن الأخذ برواية من حضر الصلاة وصلاها مع النبي أولى، فيقال: هذا صحيح فيما إذا كانت القصة واحدة حضرها أحد الصحابة، وخالفه غيره ممن لم يحضرها،
فهنا تقدم رواية من حضر، أما والوقائع مختلفة، والصلوات متعددة وربما في الوقعة الواحدة اكثر من صلاة فما الذي يمنع من تغاير الصفات كما حصل في الصفات السابقة؟ وأما التأويل المذكور وأن المراد ركعة مع الإمام وينفرد المأموم بالركعة الأخرى، فلا دليل عليه، والأصل حمل الكلام على ظاهره، والحديث هنا لعموم الأمة. وذهب بعض أهل العلم إلى هذه الصفة عند شدة القتال والخوف ( صلى الله عليه وسلم ).
(2) – حديث ابن عباس له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد .. وفيه وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا” وقد سبق تخريج هذا الحديث في الصفة الأولى، بما يرجح أنها في بيان تلك الصفة.
(3) – حديث جابر بن عبد الله الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه وصف خلفه، فصلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا مقام أصحابهم، وجاء أولئك حتى قاموا مقام هؤلاء، وصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين ثم سلم، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ولكل طائفة ركعة وسجدتين». أخرجه النسائي ((1546)) ((1547))، وأحمد ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )، وابن خزيمة ((1347)) ((1348)) ((1364))، وابن حبان ((231) / (4))، والبيهقي ((2630) / (3)) من طريق يزيد بن صهيب الفقير، والبخاري تعليقا ((4126))، وابن جرير ((10346)) من طريق أبي موسى رجل من التابعين وليس الأشعري ((1))، كلاهما يزيد، وأبو موسى) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ولفظ أبي موسى عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف يوم محارب وثعلبة، لكل طائفة ركعة وسجدتين».
والحديث صحيح الإسناد، فيزيد الفقير ثقة وقد سمع من جابر ((2))، وقد تابع يزيد: أبو موسى، علق روايته البخاري جازما بها. إلا أن بعض أهل العلم حمل حديث جابر هذا على حديثه السابق في الصفة الأولى، ورأى أن في هذه الرواية إجمالا فصلته الرواية التي وردت عنه في الصفة الأولى، فالحال في حديث جابر كالحال تماما في حديث ابن عباس الله وتأويل هذه الصفة بما يناسب تلك سبق بيانه في حديث ابن عباس ( صلى الله عليه وسلم ).
ولعل مما احتجوا به أنه قد وردت رواية عن شعبة عن الحكم بن عتيبة عن يزيد عن جابر الله وفيها أنهم قضوا ركعة أخرى، وقد أشار إلى هذه الزيادة أبو داود ((4))، ولم أقف عليها، لكن الرواة عن شعبة وهم: محمد بن جعفر الملقب بغندر ((5))، ومحمد بن بكر، وروح بن عبادة (1)، ومحمد بن أبي عدي ( صلى الله عليه وسلم ) هؤلاء الأربعة لم يذكروا هذه الزيادة، وفيهم: محمد بن جعفر، وهو من أثبت الناس في شعبة ((1)).
ومما يضعف التأويل المذكور: أن جابرا الله راوي الحديث أورده مستشهدا به على أن صلاة الخوف ركعة، وذلك فيما أخرجه ابن خزيمة ((1364)) من طريق يزيد بن زريع، والبيهقي ((263) / (3)) من طريق أبي داود الطيالسي كلاهما عن المسعودي عن يزيد الفقير، قال: قال: سألت جابرًا عن الركعتين في السفر أقصرهما؟ قال جابر: ” إن الركعتين في السفر ليستا بقصر، إنما القصر ركعة عند القتال، ثم أنشأ يحدث أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند القتال وحضرت الصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف طائفة خلفه، وقامت طائفة وجوهها قبل وجوه العدو فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين، ثم إن الذين صلوا خلفه انطلقوا فقاموا مقام أولئك، وجاء أولئك فصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة، وسجد بهم سجدتين، ثم إن رسول الله جلس فسلم وسلم الذين خلفه وسلموا أولئك، فكانت الرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، وللقوم ركعة ركعة “، وهذا ظاهر الدلالة، لذا قال البيهقي: ” إلا أن المسعودي قد رواه مرة بالزيادة، فتوى من جهة جابر بن عبد الله يمنع هذا التأويل” فذكره ((2))، وقد تابع يزيد والطيالسي كل من: عبد الله بن المبارك في كتابه الجهاد ((252)) ومن طريقه ابن المنذر ((333) / (4)) ((27) / (5)) – ووكيع بن الجراح وهو ممن روى عن المسعودي قبل اختلاطه ( صلى الله عليه وسلم ) وروايته عند ابن أبي شيبة ((463) / (2))، وبقية بن الوليد وروايته بالتحديث عند ابن جرير ( صلى الله عليه وسلم (0334)) وقد تابعوهما على الموقوف فقط، فتبين أن الحديث حديث واحد منهم من يروي المرفوع فقط، ومنهم من يروي الموقوف فقط، ومنهم من يروي الجميع.
(4) – حديث ثعلبة بن زهدم قال: «كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة بن اليمان: أنا، فقام حذيفة قصف الناس خلفه صفين: صفا خلفه، وصفا موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا، وفي لفظ: «فصلى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة، ولم يقضوا».
أخرجه أبو داود ((1246))، والنسائي ((1530)) ((1531))، وأحمد ((385) / (5)، (399)) وابن خزيمة ((1343))، وابن حبان ((67) / (4))، والبيهقي ((261) / (3)) من طريق ثعلبة بن زهدم وأحمد ((5) / (395))، والطحاوي ((310) / (1)) من طريق مخمل بن دمات وعبد الرزاق ((509) / (2)) وعنه أحمد ((404) / (5)) عن معمر بن راشد عن أبي إسحاق
السبيعي قال: حدثني من كان مع سعيد بن العاص في غزوة … وأحمد ((406) / (5))، وابن خزيمة ((1365))، والبيهقي ((252) / (3)) من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق عن سليم بن عبد السلولي، أربعتهم (ثعلبة وتحمل، والمبهم، وسليم) عن حذيفة بن اليمان الله. إلا أن رواية سليم: قال: “كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فذكره وفيه أنهم صلوا لأنفسهم الركعة الثانية “، والحديث صحيح فتعلبة بن زهدم بفتح المعجمة – ثقة مختلف في صحبته ( صلى الله عليه وسلم )، وسعيد بن العاص رضي الله عنه صحابي ( صلى الله عليه وسلم ).
ومخمل بضم الميم الأولى وكسر الثانية – بن دمات بفتح الدال – ليس له إلا هذا الحديث، ولم يوثقه إلا ابن حبان قال فيه البخاري: سمع حذيفة في صلاة الخوف بعد في الكوفيين» ( صلى الله عليه وسلم )، فهو تابعي فيه جهالة، وقد توبع. وفي الإسناد الثالث: هذا المبهم، وقد يكون أحد السابقين، أو غيرهما كما سيأتي.
وهذا الحديث دخله التأويل كما دخل سابقيه حديث ابن عباس وجابر – فقالوا المراد أنهم صلوا معه ركعة، ثم صلوا لأنفسهم الركعة الثانية، استدلالاً برواية سليم المفصلة لكن الذي يظهر – والله أعلم – أن رواية سليم غير صحيحة لثلاث علل:
1 – أن التأويل لا يستقيم، لأن رواية ثعلبة فيها التنصيص على عدم القضاء ففي حديثه: ” فصلى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة، ولم يقضوا”.
(2) – أن أبا إسحاق السبيعي يظهر أنه حدث بهذا بعد تغيره ( صلى الله عليه وسلم )؛ لذا وقع في حديثه المرفوع اضطراب، فقد رواه عنه حفيده إسرائيل ( صلى الله عليه وسلم ) على الوجه السابق، ورواه معمر بن راشد عنه كما سبق، قال: حدثني من كان مع سعيد بن العاص في غزوة، يقال لها: غزوة الخشب ومعه حذيفة بن اليمان … »، ثم ذكر صفة الصلاة على الوجه الذي ذكره: ثعلبة بن
زهدم ومخمل بن دمات، فهنا خالف رواية إسرائيل سندا ومتنا.
(3) – أن سليم بن عبد السلولي تابعي مجهول، فلم يرو عنه إلا أبو إسحاق السبيعي، وأبو إسحاق معروف بالرواية عن المجهولين ( صلى الله عليه وسلم )، قال الشافعي في سليم: «سألت عنه أهل العلم بالحديث فقيل لي: إنه مجهول» وقد ذكره البخاري وابن أبي حاتم فلم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان، والعجلي ((4)).
والخلاصة: أن سليم تابعي مجهول خالفه ثعلبة بن زهدم، وهو ثقة بل اختلف في صحبته، وكذا مخمل بن دمات وهو تابعي حاله مقاربة لحال سليم لكنه توبع، فروايتهما مقدمة على رواية سليم.
(5) – حديث القاسم بن حسان، قال: أتيت زيد بن ثابت فسألته عن صلاة الخوف فقال:” صلى رسول الله، وصف خلفه، وصف بإزاء العدو، فصلى بهم ركعة، ثم ذهبوا إلى مصاف إخوانهم، وجاء الآخرون، فصلى بهم ركعة، ثم سلم، فكان للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل
طائفة ركعة” – أخرجه النسائي ((1532))، وأحمد ((5) / (183)) وابن خزيمة ((1345))، وابن حبان ((231) / (4))، والبيهقي ((262) / (3)) من طريق الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد به، والركين ثقة أخرج له مسلم والأربعة ((1))، أما القاسم فمختلف فيه: فوثقه أحمد بن صالح المصري، والعجلي، وابن حبان، وقال البخاري: حديثه منكر، ولا يعرف “، وقال ابن القطان: «لا تعرف حاله»؛ لذا قال ابن حجر: مقبول» ( صلى الله عليه وسلم )، ولم أجد من نص على سماع الركين من القاسم، ولا سماع القاسم من زيد والحديث يشهد له ما سبق؛ لذا صححه ابن خزيمة وابن حبان.
(6) – حديث سماك الحنفي عن ابن عمر عن النبي “أنه صلى بهؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في صلاة الخوف”.
أخرجه ابن خزيمة ((1349)) من طريق شعبة،
والبيهقي ((263) / (3)) من طريق مسعر بن كدام، كلاهما عن سماك به. وسماك بن الوليد الحنفي ثقة ( صلى الله عليه وسلم )، إلا أن هذا الحديث بهذه الصفة لا يصح مرفوعا، لأمرين:
1 – أن الثابت من حديث ابن عمر المرفوع هو صلاة ركعتين لكلا الطائفين إحداهما مع النبي والأخرى تقضيها كل طائفة منفردة، وقد رواه عنه سالم ونافع وقد سبق تخريج روايتهما في الصفة الثالثة – وهما أوثق بلا شك من سماك ((4))، بل لا توجد لسماك عن ابن عمر رواية في الكتب الستة، بل يرى البيهقي أن سماكاً اختصر حديث ابن عمر الذي رواه سالم ونافع فأوهم في الختصاره، قال البيهقي: ” كذا أتى به سماك مختصرا، وقد رويناه عن سالم ونافع عن ابن عمر أن كل واحدة من الطائفتين قضوا ركعتهم، والحكم للإثبات في مثل هذا (1)
(2) – أن صلاة الركعة ثبت موقوفاً على ابن عمر لا مرفوعا، ذلك أن هذا الحديث يرويه شعبة عن سماك عن ابن عمر، واختلف فيه على شعبة فرواه روح بن عبادة عنه مرفوعا كما عند ابن خزيمة، ورواه محمد بن جعفر المعروف بغندر عنه موقوفا كما عند ابن جرير ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، وغندر أوثق من روح بن عبادة ((2))، ولفظه: «عن سماك قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر. فقال: ركعتان تمام غير قصر، وإنما القصر صلاة المخافة، فقلت: وما صلاة المخافة؟ قال: يصلي الإمام بطائفة ركعة، ثم يجئ هؤلاء مكان هؤلاء، ويجئ هؤلاء مكان هؤلاء، فيصلي بهم ركعة، فيكون للإمام ركعتان، ولكل طائفة ركعة ركعة».
المبحث السابع: بيان أحاديث الصفة السابعة:
1 – حديث عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة: “هل صليت مع رسول الله صلاة الخوف؟ فقال أبو هريرة نعم قال: متى؟ فقال أبو هريرة: كان عام غزوة نجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبروا معه جميعا، الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه، ثم سجد وسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت معه الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ه وسلموا جميعًا، فكان الرسول الله ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان وفي رواية: “ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة ” – أخرجه أبو داود ((1240))، والنسائي ((1544))، وأحمد ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )، وابن خزيمة ((1361))، والبيهقي ((264) / (3)) من طريق حيوة بن شريح، وعبد الله بن لهيعة، وأبو داود ((1241))، وابن خزيمة ((1362)) من طريق محمد بن إسحاق، ثلاثتهم (حيوة، وابن لهيعة وابن إسحاق) عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل – وأبو داود ((1241)) من طريق سلمة بن الفضل، والطحاوي ((314) / (1))، والبيهقي ((264) / (3)) من طريق يونس بن بكير، كلاهما (سلمة، ويونس) عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، كلاهما (أبو الأسود، ومحمد بن جعفر عن عروة بن الزبير به، وفي بعض الروايات عن محمد بن جعفر عن عروة عن أبي هريرة، وفي بعضها عن محمد بن جعفر عن عروة سمعت أبا هريرة ومروان بن الحكم يسأله عن صلاة الخوف، وبهذا تجتمع الروايات ( صلى الله عليه وسلم ). والحديث إسناده صحيح.
فحيوة ثقة أخرج له البخاري روايته عن أبي الأسود ( صلى الله عليه وسلم )، وقد تابعه ابن لهيعة، وابن إسحاق من هذا الطريق، وأبو الأسود ثقة لازم عروة وسمع منه وقد أوصى به والده إليه حتى قيل: يتيم عروة ( صلى الله عليه وسلم )، وكان يحدث بكتاب (المغازي العروة بن الزبير (1)
وعروة ثقة إمام سمع من مروان ((5))، وسمع من أبي هريرة (1). وفي الإسناد الآخر: ابن إسحاق وهذا فنه وهو إمام فيه، فالحديث في إحدى الغزوات ( صلى الله عليه وسلم )، وقد صرح بالتحديث من شيخه محمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد ثقة يروي هنا عن عمه عروة بن الزبير، وقد سمع منه ( صلى الله عليه وسلم )، وقد قال الترمذي: سألت محمدا قلت: أي الروايات في صلاة الخوف أصح؟ فقال: كل الروايات عندي صحيح .. “ثم قال البخاري: ” وحديث عروة بن الزبير عن أبي هريرة حسن (1) وقد علق أوله في صحيحه جازما به فقال:”
وقال أبو هريرة صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة نجد صلاة الخوف ( صلى الله عليه وسلم )).
والروايات متقاربة في اللفظ، وفيها اختلاف يسير، ومن ذلك قوله: ” ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان ففي بعضها ولكل رجل من الطائفتين ركعة ركعة” والصواب الرواية الأولى، وهي من اختلافات الرواة في الإسناد الأول.
وقد وقع خلاف في رواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن أبي هريرة؛ حيث رواه سلمة بن الفضل، ويونس بن بكير عن ابن إسحاق بهذا الإسناد، وخالفهما إبراهيم بن سعد الزهري فرواه عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة، وليس عن أبي هريرة، وفي متنه اختلاف يسير في صفة الصلاة، لذا عده بعضهم صفة مستقلة، وقد رواه عن إبراهيم ابنه يعقوب وعنه جمع من الرواة)، فلعل من رأى أنهما حديثان مستقلان نظر إلى اختلاف متنه عن حديث أبي هريرة، وسلامة إسناده. ومن رأى أن الحديث حديث واحد وقع فيه اختلاف، وأن الصواب حديث أبي هريرة يستدل بأن الحديث يرويه عن عروة اثنان كما سبق 1 – أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة، وهذا لم يختلف عليه فقد رواه حيوة بن شريح وابن لهيعة وابن إسحاق عنه عن عروة عن أبي هريرة.
صلى الله عليه وسلم – محمد بن جعفر بن الزبير، وعنه ابن إسحاق؛ وقد اختلف عليه فرواه سلمة بن الفضل ويونس بن بكير عنه عن محمد عن عروة عن أبي هريرة، ورواه إبراهيم بن سعد عنه عن محمد عن عروة عن عائشة، ومن ثم فقد تفرد إبراهيم بن سعد بهذا، وتفرد عنه ابنه يعقوب وكلاهما ثقة، وليس من شرط الثقة العصمة، فأحدهما وهم في هذا الحديث، لاسيما أن سلمة بن الفضل صدوق في الأصل لكنه في شيخه ابن إسحاق ثقة، قال جرير بن عبد الحميد الضبي: “ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة بن الفضل وقال ابن معين:” ثقة كتبنا عنه كان كيسًا مغازيه أتم، ليس في الكتب أتم من كتابه “وقال ابن سعد: ” كان ثقة صدوقا، وهو صاحب مغازي محمد بن إسحاق روى عنه “، وقد تابعه أيضا يونس بن بكير صاحب المغازي والسير وقد أكثر عن ابن إسحاق وهو حسن الحديث لكن قال أبو داود: ” ليس هو عندي حجة يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله بالأحاديث، وإبراهيم بن سعد وإن كان أوثق منهما بل قال البخاري: “قال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي إلا أن روايتهما في هذا الباب مقدمة لأن اهتمامهما منصب على أحاديث المغازي، كما أن لهما اختصاصاً بشيخهما ابن إسحاق، وإن كان يونس يُدرج كلام ابن إسحاق في الحديث كما قال أبو داود؛ إلا أن هذا الحديث ليس فيه شيء من ذلك كما دلت عليه الروايات الأخرى، يضاف إلى ذلك أن إبراهيم بن سعد ربما حدث من حفظه فيقع في الوهم قال الإمام أحمد لما ذكر خطأ لإبراهيم من هذا القبيل: ” ربما حدث بالشيء من حفظه) وذكر ابن عدي أخطاء له من هذا القبيل)، يُضاف إلى ذلك أن ابن إسحاق قد توبع على هذا الوجه متابعة قاصرة من أخص الناس بعروة وهو يتيم عروة، كما سبق، ويحتمل أن الخطأ من إبراهيم أو ابنه فربما سلك أحدهما الجادة فغالب روايات عروة عن خالته عائشة، ولم تجر العادة برواية النساء في هذا
الباب، يدل لذلك جميع الأحاديث السابقة، أما الجواب عن اختلاف المتنين فهذا يحصل حتى في الحديث الواحد تجد هناك اختلافاً بين رواته وقد سبقت أمثلة كثيرة، بل في هذا الحديث أيضا وسبق الجواب عنه، هذا وقد ذكر أبوداود ((1236)) بعد حديث أبي عياش الزرقي لله الوارد في الصفة الأولى أن هشام بن عروة رواه عن أبيه عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا بدون ذكر الصحابي، وفيه صفة الخوف بنحو حديث أبي عياش والأحاديث التي بمعناه، ولم أقف على هذه الرواية مسندة.
وبعد فهذا ما توصلت إليه من الصفات الواردة في صلاة الخوف، ومن خلال ما سبق يمكن تلخيص صفات صلاة الخوف في السفر على النحو التالي:
الصفة الأولى: إذا كان العدو جهة القبلة، فإن الإمام يصف المقاتلين صفين فيكبر يهم جميعا ويركع بهم جميعًا فإذا سجد السجدتين سجد معه الصف الأول فإذا قاموا مع الإمام سجد الصف المؤخر سجدتيه، ثم قاموا وتبادلوا الصفوف فيتقدم الصف المؤخر ويتأخر المقدم فيصلي بهم الإمام كالركعة الأولى بحيث يسجد معه الصف الأول الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى ثم يقضي الصف الثاني ويدركوا الجميع في التشهد ويسلم بهم الإمام، وهذا فيه العدل بين الطائفتين. الصفة الثانية: أن يقسم الإمام الجيش إلى طائفتين، فالطائفة الأولى تستفتح الصلاة معه، والأخرى مقابل العدو، فيصلي بالأولى ركعة فإذا قام للثانية انفصلوا عنه، وصلى كل واحد منهم الركعة الباقية، ثم تذهب إلى مقام الطائفة الثانية، وتأتي الثانية فتدرك الإمام في قيامه الذي يطيله لأجل أن يلحقوا به، ثم يصلي بهم ركعته الباقية، فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الركعة الباقية لهم ثم جلسوا للتشهد وسلم بهم الإمام، فتكون الطائفة الأولى أدركوا مع الإمام التحريمة، والثانية أدركوا معه التسليمة. الصفة الثالثة: كالصفة السابقة إلا أنه إذا قام الإمام للثانية انفصلوا عنه وذهبوا إلى مكان الطائفة الأخرى وهم في صلاتهم، وأكملوا الركعة الباقية وهم في الحراسة، ثم تأتي الطائفة الثانية وتصلي مع الإمام ركعة، فإذا سلم الإمام قاموا لقضاء الركعة الباقية لهم. الصفة الرابعة يصلي الإمام بطائفة ركعتين ويسلم، ويصلي بالطائفة الأخرى ركعتين ويسلم، فتكون الثانية للإمام نافلة.
الصفة الخامسة: يُصلي بالطائفة الأولى ركعتين ويسلمون، بينما الإمام يستمر في صلاته وتدركه الطائفة الثانية في الركعة الثالثة بالنسبة له فيصلي بهم ركعتين ويسلم، فكل طائفة صلت ركعتين، بينما الإمام صلى أربعًا، وغايته ترك القصر في السفر، وبعضهم يرى أن هذه الصفة راجعة لما قبلها، وأن الصحيح سلام الإمام من الركعتين. الصفة السادسة: يُصلي الإمام بطائفة ركعة واحدة ويسلمون، ثم تأتي الطائفة الثانية
وتدرك الإمام في ركعته الثانية فيصلي بهم ركعة ويسلم بهم، فتكون للإمام ركعتان، ولكل طائفة ركعة.
الصفة السابعة: يُصلي الإمام بالطائفة الأولى، والطائفة الأخرى مقابل العدو والعدو إلى غير جهة القبلة فتكون ظهور الطائفة الثانية نحو القبلة فيكبر الإمام بهم جميعا، فيصلي بالطائفة التي معه ركعة بركوعها وسجودها، فإذا قام إلى الثانية ذهبت الطائفة التي معه إلى مكان الطائفة الأخرى، وأقبلت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا والإمام قائم كما هو، ثم إذا ادركوا الإمام في القيام صلى بهم ركعة وجلسوا للتشهد ثم أقبلت الطائفة الأخرى وصلوا ركعتهم الباقية، ثم ادركوا الجميع في التشهد فيسلم الإمام بهم جميعًا، فهنا كلا الطائفتين كبروا مع الإمام وسلموا معه.
ثم ليعلم أن محل القصر هو في السفر، وفي الصلاة الرباعية، فقد ذكر بعض العلماء الإجماع على عدم القصر في صلاة المغرب والفجر، قال ابن حزم: «واتفقوا على أن صلاة الصبح للخائف والأمن ركعتان في السفر والحضر، وعلى أن صلاة المغرب للخائف والآمن في السفر والحضر ثلاث ركعات»، لكن قد نقل الخلاف في قصر صلاة الفجر إلى ركعة واحدة، وقال ابن القيم:” وكان من هديه – صلى الله عليه وسلم – في صلاة الخوف أن أباح الله سبحانه وتعالى قصر أركان الصلاة وعددها إذا اجتمع الخوف والسفر، وقصر العدد وحده إذا كان سفر لا خوف معه، وقصر الأركان وحدها إذا كان خوف لا سفر معه ”
فإن لم يمكن صلاتها على الصفات السابقة فإن المقاتلين يكونون من أهل الأعذار فيصلونها على حسب الحال، وفي التنزيل يقول سبحانه: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ ركباناً [البقرة: (239)].
وفي حديث نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر له، كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال: “يتقدم الإمام وطائفة من الناس … وذكر الحديث السابق في الصفة الثالثة، والشاهد هنا قوله في آخره: ” فإن كان خوف هو أشد من ذلك، صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها وفي رواية: ” فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا أو ركبانا”.
وفي حديث جابر بن عبد الله، قال: ” جاء عمر يوم الخندق، فجعل يسب كفار قريش ويقول: يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، فقال النبي وأنا والله ما صليتها بعد قال: فنزل إلى بطحان فتوضأ وصلى العصر بعد ما غابت الشمس، ثم صلى المغرب بعدها ” أخرجه البخاري ((596)) ((598)) ((641)) ((945)) ((4112))، ومسلم ((631)) والترمذي ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم )، والنسائي ((1366)) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر. وقال أنس بن مالك له: “حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر، واشتد اشتعال القتال، فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصل إلا بعد ارتفاع النهار، فصليناها ونحن مع أبي موسى ففتح لنا، وقال أنس بن مالك وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها” أخرجه ابن أبي شيبة ((5) / (7))، وابن سعد في الطبقات كما في تغليق التعليق ( صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم / صلى الله عليه وسلم )
وخليفة بن خياط في الطبقات ((146)) من طريق قتادة بن دعامة وخليفة ((146)) من طريق علي بن زيد بن جدعان، كلاهما (قتادة، وابن جدعان) عن أنس به وعلقه البخاري عن أنس جازما به في أبواب صلاة الخوف، قبل حديث ((945))
فهذه الأحاديث وغيرها تفيد أن المقاتلين ملحقون بأهل الأعذار، حين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفات السابقة، نظرًا لشدة الحال، أو لكونهم في عين العدو ينتظر اجتماعهم، أو غير ذلك فحينئذ يصلون حسب الحال، فقد يستدعي الحال أن يصلوا أفراداً متفرقين خاصة إذا كان اجتماعهم مقصدا للعدو لاسيما في العصر الحاضر حيث الآلآت الحربية التي تحدد الهدف بدقة بالغة، وقد يستدعي الحال صلاتها ركبانا في السيارات أو الدبابات أو الطائرات يومئون إيماء، وقد يستدعي الحال صلاتها إلى غير القبلة كما هو حال المطلوب في القتال، إلى غير ذلك من الأحوال التي يكون فيها المقاتل من أهل الأعذار، فهذا أعظم عذر تراعى فيه الصلاة، حتى أن بعض العلماء أجاز تأخير الصلاة عن وقتها إذا استدعى الأمر كحال المسابقة واستحرار القتل واستدل بعضهم بحديث جابر في غزوة الأحزاب؛ فبعضهم يرى أن الحديث محكم غير منسوخ وهو ظاهر اختيار البخاري، قال ابن كثير: ” احتج بذلك البخاري لمكحول والأوزاعي في ذهابهما إلى جواز تأخير الصلاة العذر القتال، وجنح إليه البخاري، واستدل بقصة الخندق في قوله: «شغلونا عن الصلاة الوسطى، ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا وبقوله يوم بني قريظة: لا يصلين أحد منكم العصر إلا في قريظة»، فأخرها فريق من الناس إلى بعد غروب الشمس ولم يعنفهم “.
قال أبو داود وسمعت أحمد سُئل عن القوم يخافون أن تفوتهم الغارة فيؤخرون الصلاة حتى تطلع الشمس أو يصلون على دوابهم؟ قال: كل أرجو
وفي الباب آثار عن الصحابة والتابعين في إلحاق المقاتلين والخائفين بأهل الأعذار وذكر الفقهاء تفصيلات كثيرة في هذا الباب.
الخاتمة:
في نهاية البحث، أسأل الله حسن الختام، ويمكن تلخيص ما سبق في النقاط التالية: الصلاة ركن عظيم من أركان الإسلام، فهي عمود الدين، لم تسقط عن المكلف بحال من الأحوال، حتى وهو في ميادين القتال وتحت ظلال السيوف وهدير الطائرات وأصوات المدافع، وهي من جملة السلاح؛ بل هي السلاح الروحي فيها يناجي الإنسان ربه ويطلب عونه ونصره. صلاة الخوف من أعظم الدروس التي تدفع المسلم المتهاون في صلاته إلى مراجعة حساباته، كيف لا وهي واجبة في هذه الحال؟ بل وتصلى جماعة إن تيسر الأمر، وأن على الدعاة لفت نظر الناس إلى أهمية الصلاة من خلال هذا الباب، فما عذر النائم الأمن من عدم إقامتها أو التهاون بها، وإخوانه المرابطون يقيمونها في أحلك الظروف، وأشد المواقف. هذه الصلاة بصفاتها المتعددة تؤيد القاعدة الشريعة العظيمة: أن المشقة تجلب التيسير، وأنه كلما ضاق الأمر اتسع؛ حيث خفف في بعض أركانها وشروطها وواجباتها، ورخص عن بعض مبطلاتها؛ فجازت الحركة الكثيرة، وجاز مفارقة الإمام قبل السلام، وجاز استدبار القبلة، وجاز الإيماء للقادر على الركوع والسجود إلى غير ذلك من الأمور التي لا تجوز في حال السلم والأمن، وكل ذلك راجع إلى شدة الخوف من عدمه، بل يستحب التخفيف في الصلاة كلها قال ابن قدامة: “فإن الخوف يقتضي تخفيف الصلاة وقصرها ”
وقال: ” ويستحب أن يخفف بهم الصلاة؛ لأن موضوع صلاة الخوف على التخفيف (1) ”
تبين من خلال البحث أهمية جمع طرق الحديث، وأثر ذلك في تحرير الروايات، وهذا ما أكد عليه جماهير النقاد؛ ومن ذلك مقولة إمام العلل علي بن المديني: “الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطوه ( صلى الله عليه وسلم ) فهناك أحاديث اختلف الرواة فيها سندًا ومتنا، فمن نظر إلى الأسانيد مجردة سيصحح كل إسناد رجاله ثقات وإسناده متصل، وهذا ما جعل بعض أهل العلم يذكر أن صلاة الخوف صحت من وجوه عديدة أوصلها بعضهم إلى سبعة عشر وجها، وهذا المسلك لا يستقيم في نظر النقاد، فهذه الاختلافات على الراوي قد تكون من قبيل المعلل والشاذ، لذا قال ابن القيم: ” وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي، وإنما هو من اختلاف الرواة (1)، كما أن جمع الروايات في بعض الصفات ساعد في ائتلافها وحمل بعضها على بعض وعدم اختلافها، وقد قال الإمام أحمد:” الحديث
إذا لم تجمع طرقه لم تفهمه والحديث يفسر بعضه بعضا ((2))
– ثبت من خلال الدراسة ثبوت سبع صفات لصلاة الخوف، ذكرتها باختصار في آخر المبحث السابق.
– قد لا يستطيع المقاتلون أو الخائفون الصلاة بأي صفة مما سبق نظرا لصعوبة الوضع، وشدة الخوف، واستمرار القتال، ورصد العدو خاصة في وقتنا الحاضر حيث الآلات الحربية التي تصيب الهدف بدقة بالغة، فاجتماع الناس في الصلاة هدف للعدو، فهنا يكون المقاتلون من أهل الأعذار فيصلون حسب القدرة والاستطاعة جماعة أو فرادى، رجالا أو ركبانا، مستقبلين القبلة أو مستدبريها، حتى أن بعض أهل العلم أجاز تأخير الصلاة عند استمرار القتال وعدم القدرة على الصلاة.
وبهذا ينتهي هذا البحث، أسأل الله أن ينصر الإسلام وأهله، وأن يقذف بالحق على الباطل فيدمغه، وأن يهيأ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يُعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية.