561 ‘ 562’ 563 – تحضير سنن الترمذي:
أحمد بن علي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
—–
باب ما جاء في الجَمْعِ بين الصلاتَيْنِ في السَّفَر
561 – حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، قال: حَدَّثَنا اللَّيْثُ بن سعدٍ، عن يَزِيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، عن أبي الطُّفَيْلِ
عن مُعَاذِ بن جَبَلٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في غزوةِ تَبُوكَ إذا ارْتَحَلَ قبلَ زَيْغِ الشمسِ، أخَّر الظُّهرَ إلى أن يَجْمَعها إلى العصرِ، فيصلَّيهما جميعًا، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ زَيْغِ الشمسِ، عَجَّلَ العصرَ إلى الظهرِ، وصلّى الظُّهرَ والعَصْرَ جميعًا، ثُمَّ سَارَ وكان إذا ارْتَحَلَ قبلَ المغرِبِ، أخَّرَ المغرِبَ حتى يصلَّيَها مع العشاءِ، وإذا ارْتَحَلَ بعدَ المَغرب، عَجَّلَ العشاءَ فصلَّاها مع المغربِ.
وفي الباب عن عليًّ، وابن عُمَرَ، وأنسٍ، وعبدِ الله بن عَمْرٍو، وعائشةَ، وابن عباسٍ، وأُسامةَ بن زيدٍ، وجابر. والصحيح عن أسامة.
ورَوَى عليُّ بن المدينيَّ، عن أحمد بن حنبلٍ، عن قُتَيْبَةَ هذا الحديث.
562 – حَدَّثَنا عبدُ الصَّمد بن سليمانَ، قال: حَدَّثَنا زكريَّا اللُّؤلُؤِيُّ، قال: حَدَّثَنا أبو بكرٍ الأَعْيَنُ، قال: حَدَّثَنا عليُّ بن المَدِينيَّ، قال: حَدَّثَنا أحمد بن حنبلٍ، قال: حَدَّثنا قتيبةُ، بهذا.
وحديثُ معاذ حديثٌ حسنٌ غريبٌ، تفرَّد به قتيبةُ، لا نَعرفُ أحدًا رواه عن اللَّيْثِ غيرَه.
وحديثُ اللَّيْثِ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطُّفَيْلِ، عن مُعاذٍ حديثٌ غريبٌ.
والمعروفُ عند أهل العِلم حديثُ معاذ من حديث أبي الزُّبيرِ، عن أبي الطُّفَيْل، عن معاذٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ في غزوة تَبُوكَ بين الظهرِ والعصرِ، وبين المغرب والعِشاء. رواه قُرَّةُ بن خالدٍ وسفيانُ الثوريُّ ومالكٌ وغيرُ واحدٍ، عن أبي الزُّبير المكَّيِّ.
وبهذا الحديث يقولُ الشافعي، وأحمدُ، وإسحاق، يقولون: لا بأسَ أن يَجْمَعَ بين الصلاتين في السفرِ في وقتِ إحداهما.
563 – حَدَّثَنا هنَّادٌ، قال: حَدَّثَنا عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، عن عُبَيد اللهِ بن عمرَ، عن نافعٍ
عن ابنِ عُمَرَ: أنه اسْتُغِيثَ على بعضِ أهلِهِ، فَجدَّ به السَّيْرُ، وأخَّر المغربَ حتى غاب الشَّفَقُ، ثم نزَلَ، فَجَمَعَ بينهما، ثم أخبرهم: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يفعلُ ذلكَ إذا جَدّ به السَّيْرُ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ
————-
قال القاضي عياض:
الجمع بين الصلوات المشتركة الأوقات يكون تارة سنةً، وتارةً رخصةً، فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة، [ولا خلاف فى ذلك]، وأما الرخصة فالجمع فى المرض والسفر والمطر، فمن تمسك بحديث صلاة النبى صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام وقدَّمه لم ير الجمع فى ذلك، ومن خصَّه أثبت جواز الجمع فى السفر بالأحاديث الواردة فيه، وقاس المرض عليه، فيقول: إذا أبيح للمسافر الجمع لمشقة السفر، فأحرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر فى الترخيص له فى الفطر والتيمم، وأما الجمع فى المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته فى المغرب والعشاء، وعنه قولة شاذة: أنه لا يجمع إلا فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى المطر واحتج القائلون بالجمع بالحديث الذى فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة ثمانياً وسبعاً.
قال مالك أرى ذلك فى المطر، وهذا المعنى قاله غيره، فقال بالجمع بين الظهر والعصر على ما جاء فى الحديث، ولم يقل بذلك مالك فى صلاة النهار وخص الحديث بضربٍ من القياس، وذلك أن الجمع للمشقة اللاحقة فى حضور الجماعة، وتلك المشقة إنما تدرك النَّاسَ [فى الليل]؛ لأنهم يحتاجون إلى الخروج من منازلهم إلى المساجد، وفى النهار هم منصرفون فى حوائجهم، فلا مشقة تدركهم فى حضور الجماعة، وتأويل الحديث، على أنه كان فى مطر، يضعّفه ما فى أحد طرق هذا الحديث، وهو قول ابن عباس: ” جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فى المدينة فى غير خوف ولا مطر “، فقد نص ابن عباس على أنه لم يكن فى مطر، قال: وقيل فى تأويله: أن ذلك كان فى الغيم، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم انكشف له فى الحال أنه وقت العصر فصلاها، وهذا يضعفه جمعه فى الليل؛ لأنه لا يخفى دخول الليل حتى يلتبس دخول المغرب مع وقت العشاء ولو كان الغيم، قال ويشبه أن يكون فعل ذلك فى المرض، والذى ينبغى أن يحمل عليه [ما] أعنى يتلوه أو تأويله من أحاديث الجمع عند من لا يقول به: إنه أوقع الصلاة الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها …
وفى هذا الباب أحاديث الجمع بعرفة والمزدلفة يجمع بين الظهر والعصر بعرفة حين زالت الشمس وبين المغرب والعشاء بالمزدلفة بعد مغيب الشفق وفى الموطأ من حديث على بن حسين أن النبى عليه السلام كان إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أن يسير ليلته جمع بين المغرب والعشاء، وفى الموطأ من حديث معاذ فى غزوة تبوك أنه أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فأفادت ألفاظ هذه الأحاديث معانى متفرقة من الفقه تنبنى وتلتئم إن شاء الله تعالى ولا تتنافر.
ففى حديث معاذ هذا جمعه بين هذه الصلوات وهو نازل دون سير ولا كونه على ظهر لقوله: ” ثم دخل ثم خرج ” وهذا هو ظاهر الكلام، وقد قيل: يحتمل أن يكون خرج عن الطريق للصلاة ثم دخل فيها للسير، وهذا بعيد، وقيل: لعله كان هذا مع المطر
وفى حديث ابن عمر وعلى بن حسين أن الجمع مقتضاه مع ارتفاع جد السير، لقوله: ” إذا عجل به السير “، ” إذا أراد أن يسير يومه “، ” وإذا أراد أن يسير ليله “.
وأفاد حديث ابن عباس ومعاذ فى الكتاب الرخصة، ورفع الحرج وهو يدل على جواز ما فعل من ذلك. وأفاد حديث أنس فى الكتاب صلاة الأولى فى وقت الأخرى لمشقة النزول لحلول وقت الأولى، وأنه إن رحل بعد حلول وقت الأولى صلاها وترك الصلاة الأخرى لنزوله فيصليهما جميعاً لوقتهما، وظاهره أن نزوله فى وقت الآخرة. وأفاد حديث معاذ فى كتاب أبى داود بيان صورة الجمع واختلاف أحواله ومضمونه ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى وصلاته كل واحدة فى وقت الأخرى، وهذه هى حقيقة الرخصة والتخفيف. وموضع خلاف العلماء، على أنه لا وجه للخلاف ولا يجوز مع صحة الآثار بذلك وتظاهرها وهو مضمون حديث ابن عمر وفعله فى كتاب مسلم، واحتجاجه بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعله، وأنه كان يؤخر المغرب حتى يصليها مع العشاء
وأفادت أحاديث الجمع بعرفة عند الزوال أن الرحيل إذا كان عند دخول وقت الصلاة الأولى، وكان السير مستمراً والنزول بعد خروج وقت الآخرة أن يكون الجمع فى وقت الأولى [إذ لا نزول لهم فى وقت الآخرة].
وأفاد جمع مزدلفة أن الصلاة الأولى إذا حانت والمسافر على ظهر ونزوله قبل خروج وقت الآخرة أن يكون الجمع فى وقت الآخرة؛ لأن الشمس تغيب عليهم وهم ركبان عاملين عملهم ونزولهم قبل، وهو من معنى حديث أنس ومعاذ فنزَّل بعض شيوخنا مسألة الجمع على مفهوم هذه الأحاديث، فإذا زالت الشمس وهو فى المنهل ويعلم أنه إذا رحل لم ينزل إلا بعد الغروب جمع فى أول وقت الظهر على ظاهر حديث معاذ، وإن كان نزوله قبل الاصفرار لم يجمع وصلى الأولى وأخر الآخرة حتى ينزل، على ظاهر حديث أنس، وإن زالت الشمس وهو على ظهر وكان نزوله قبل الاصفرار أخرهما حتى ينزل وجمعهما على مقتضى حديث معاذ
واختلف إذا كان نزوله بعد الاصفرار وقبل الغروب، وإن كان نزوله بعد الغروب جمع وصلى الأولى فى آخر وقتها والثانية فى أول وقتها، وعليه مجمل قول مالك فى المدونة إذ لابد من نزول لصلاتهما وجمعهما، فكونه فى وقت يمكن أن يصليهما فيه فى وقتهما المختار أولى وهذا نص فعل ابن عمر، وقد قال: ” صنعت مثل ما صنع النبى صلى الله عليه وسلم “، وهى كانت سنة نازلة ابن عمر؛ لأنه قطع فى ليلته تلك مسيرة ثلاث، فلم يأخذ وقت صلاة فيهما وهو نازل فنزل لهما نزولاً واحداً، ويحمل ما جاء فى كتاب مسلم فى فعله هذا، وقول نافع بعد مغيب الشفق [فى الآخرة منهما لبيان الرواية الأولى من صلاته للمغرب قبل مغيب الشفق].
وقوله فى رواية سالم [فى مسلم]: ” أخَّرَ المغرب حتى جمع بينها وبين العشاء ” ولم يقل فى وقت العشاء، وكذلك حكم المغرب والعشاء فى هذه الأحوال، وهذا على مذهب من نظر الحِيطَة للوقت مع الأخذ بالرخصة، وأما غيره فأخذ بمجرد الرخصة ولم يتلفت إلى هذا، وقال أبو الفرج عن مالك: من أراد الجمع بين الصلاتين فى السفر جمع بينهما إن شاء فى آخر وقت الأولى، أو فى أول وقت الآخرة، وإن شاء أخر الأولى فصلاها فى آخر وقتها، وذلك لجواز الصلاة بعرفة والمزدلفة، وهذا قول الشافعى وجمهور العلماء. قال أبو الفرج: وهو أصل هذا الباب، فرأى من قال هذا أن فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك توسعة ورخصه، وأن تقديمه العصر بعرفة كتأخير المغرب بالمزدلفة، وكذلك اختلاف ذلك فى الجمع فى السفر، وقد اختلف العلماء فى الجمع للمسافر على ما تقدم، مع اتفاقهم على الجمع بعرفة ومزدلفة واتفاقهم على منع الجمع بين الصلوات التى لا اشتراك بينها من العصر والمغرب [والعشاء والصبح] والصبح والظهر، فرأى الجمع للمسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء جماعة السلف والشافعى وفقهاء أصحاب الحديث، وهو معروف مذهب مالك
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 3/ 30]
قال النووي:
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتهِمَا شَاءَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَفِي جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ وَالطَّوِيلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ مُعْتَدِلَتَانِ كَمَا سَبَقَ وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ هُوَ فِي الْمَنْزِلِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إِلَيْهَا وَلِمَنْ هُوَ سَائِرٌ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ وَلَوْ خَالَفَ فِيهِمَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَشَرْطُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَهَا وَيَنْوِيَ الجمع قبل فراغه من الأولى وأن لا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَكُونَ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَكْثَرَ فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا نِيَّةٍ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَإِذَا أَخَّرَهَا بِالنِّيَّةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى أَوَّلًا وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ هَذَا مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْجَمْعِ وَبَاقِي فُرُوعِهِ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِاسْتِمْرَارِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ وَشَرْطُ وُجُودِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَالْفَرَاغِ مِنْهَا
وَافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ يَمْشِي إِلَى الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ كِنٍّ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بَلَلُ الْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَخَصَّهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عليه في شرح حديث بن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَلَا الْمَطَرِ وَلَا الْمَرَضِ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ بِسَبَبِ النُّسُكِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِسَبَبِ النُّسُكِ أَيْضًا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في حديث بن عُمَرَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَفِيهِ إِبْطَالُ تَاوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ تَاخِيرُ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ
الثَّانِيَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَوْضَحُ دَلَالَةً وَهِيَ قَوْلُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ بن عُمَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا لِقَضِيَّةٍ جَرَتْ لَهُ فَإِنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَذَهَبَ مُسْرِعًا وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِأَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ رَوَاهُ أَنَسٌ وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ
[شرح النووي على مسلم 5/ 212]
قال ابن رجب:
وقد اختلفت مسالك العلماء في حديث ابن عباس هذا، في الجمع من غير خوف ولا سفر، ولهم فيه مسالك متعددة:
المسلك الاول: أنه منسوخ بالإجماع على خلافه، وقد حكى الترمذي في آخر ” كتابه” أنه لم يقل به أحد من العلماء.
وهؤلاء لا يقولون: إن الإجماع ينسخ، كما يحكى عن بعضهم، وإنما يقولون: هو يدل على وجود نص ناسخ.
المسلك الثاني: معارضته بما يخالفه، وقد عارضه الإمام أحمد بأحاديث المواقيت، وقوله: ” الوقت ما بين هذين”، وبحديث أبي ذر في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وأمره بالصلاة في الوقت، ولو كان الجمع جائزاً من غير عذر لم يحتج إلى ذلك، فإن أولئك الأمراء كانوا يجمعون لغير عذرٍ، ولم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل، ولا صلاة الليل إلى النهار …
المسلك الثالث: حمله على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الظهر إلى آخر وقتها، فوقعت في آخر جزء من الوقت، وقدم العصر في أول وقتها، فصلاها في أول جزء من الوقت، فوقعت الصلاتان مجموعتين في الصورة، وفي المعنى كل صلاة وقعت في وقتها، وفعل هذا ليبين جواز تأخير الصلاة [إلى] آخر وقتها …
والمسلك الرابع: أن ذلك كان جمعا بين الصلاتين لمطر، وهذا هو الذي حمله عليه ايوب السختياني كما في رواية البخاري، وهو الذي حمله عليه مالك – أيضا.
ومن ذهب إلى هذا المسلك فإنه يطعن في رواية من روى: ” من غير خوف ولا مطر” كما قاله البزار وابن عبد البر وغيرهما.
ومن حمل الحديث على هذا فإنه يلزم من قوله جواز الجمع في الحضر للمطر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وقد اختلف في ذلك …
المسلك الخامس: أن الذي نقله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان في السفر لا في الحضر، كما في رواية قرة، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن ذلك كان في غزوة تبوك، وقد خرجه مسلم كما تقدم …
والمسلك السادس: أن جمعه ذلك كان لمرض …
والمسلك السابع: أن جمعه كان لشغل، وفي رواية حبيب بن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، أنه جمع من شغل، كما خرجه النسائي وقد سبق …
المسلك الثامن: حمل الحديث على ظاهره، وأنه يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر بالكلية، وحكي ذلك عن ابن عباس وابن سيرين، وعن أشهب صاحب مالك …
[فتح الباري لابن رجب 4/ 264]
قال الإتيوبي:
المسألة الرابعة: في أقوال أهل العلم في الجمع بين الصلاتين في السفر:
اختلفوا في هذه المسألة على سبعة أقوال:
أحدها: أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في السفر في وقت أحدهما جمعًا حقيقيًا تقديمًا وتأخيرًا مطلقًا، أي سواء كان سائرًا، أم لا، وسواء كان سيرًا مجدًا، أم لا.
وبه قال كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر، وأشهب، وحكاه ابن قدامة عن مالك أيضًا. وقال الزرقاني: وإليه ذهب مالك في رواية مشهورة. قال صاحب المرعاة: وهو مختار المالكية كما في فروعهم.
واختاره الشاه ولي الله الدهلوي، حيث قال في “حجة الله البالغة” جـ 2 ص 18: من رخص السفر الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والأصل فيه ما أشرنا؛ أن الأوقات الأصلية ثلاثة: الفجر، والظهر، والمغرب، وإنما اشتق العصر من الظهر، والمغرب من العشاء، ولئلا تكون المدة الطويلة فاصلة بين الذكرين، ولئلا يكون النوم على صفة الغفلة، فشرع لهم جمع التقديم والتأخير، لكنه لم يواظب عليه، ولم يعزم عليه، مثل ما فعل في القصر. انتهى.
الثاني: أنه يختص الجمع بمن يجد في السير، أي يسرع، قاله الليث، وهو قول مالك في المدونة، واستُدلَّ لهما بما روى في الصحيح عن ابن عمر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بَين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير، وسيأتي الجواب عنه.
والثالث: أنه يختص بما إذا كان سائرًا، لا نازلًا، قاله ابن حبيب من المالكية، واستدل لذلك بقوله. “إذا كان على ظهر سير”.
وأجيب عن ذلك بما وقع من التصريح في حديث معاذ بن جبل المتقدم برقم (587) بلفظ: “فأخر الصلاة يومًا، ثم خرج، فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج، فصلى المغرب والعشاء”
قال الشافعي في الأم قوله: “ثم دخل، ثم خرج” لا يكون إلا وهو نازل، فللمسافر أن يجمع نازلًا ومسافرًا. وقال ابن عبد البر: هذا أوضح دليل في الرد على من قال: لا يجمع إلا من جد به السير. وهو قاطع للالتباس.
وقال الباجي: مقتضى قوله: “ثم دخل، ثم خرج” أنه مقيم غير سائر، لأنه إنما يستعمل في الدخول في المنزل والخِبَاء، والخروج منهما، وهو غالب الاستعمال، إلا أن يريد أنه خرج من الطريق إلى الصلاة، ثم دخله للسير، وفيه بعد، وكذا حكى عياض هذا التأويل عن بعضهم، ثم استبعده، ولا شك في بعده، وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر عادته التفرقة في حال الجمع بين ما إذا كان سائرًا، أو نازلًا، ومن ثم قالت الشافعية: ترك الجمع أفضل.
والرابع: أن الجمع مكروه، قال ابن العربي: إنها رواية المصريين عن مالك.
والخامس: أنه مختص بمن له عذر، حكي ذلك عن الأوزاعي.
والسادس: أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو اختيار ابن حزم، وسيأتي الكلام فيه.
والسابع: أنه لا يجوز الجمع مطلقًا، إلا بعرفة والمزدلفة، وهو قول الحسن، والنخعي، وأبي حنيفة، وصاحبيه. ووقع عند النووي أن الصاحبين خالفا شيخهما، وَرَدَّ عليه السروجي في “شرح الهداية”، وهو أعرف بمذهبه.
وأجاب هؤلاء عما ورد من الإخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري، وهو أنه أخر المغرب مثلًا إلى آخر وقتها، وعجل العشاء في أول وقتها.
وتعقبه الخطابي في “المعالم” جـ 1 ص 264 بما حاصله: أن الجمع من الرخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصهم، فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقًا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلًا عن العامة.
وأما أمره صلى الله عليه وسلم للمستحاضة بالجمع الصوري، فهو وارد في شيء يندر وجوده، على أنه صلى الله عليه وسلم قيد ذلك بقوله: “إن قويت” كما تقدم، فإن قدرت المستحاضة على معرفة أوائل الأوقات وأواخرها، وعلى الاغتسال ثلاث مرات جمعت بين الصلاتين فعلًا صورةً.
ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس. أراد أن لا يحرج أمته. أخرجه مسلم، وهذا يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن النزول للصلاتين، والخروج إليهما مرة واحدة -وإن كان أسهل من النزول مرتين- لكن لا يخلو ذلك عن حرج ومشقة بسبب عدم معرفة أكثر الناس أوائل أوقات الصلاة وأواخرها، بخلاف الجمع الوقتي فهو أيسر وأخف من الجمع الفعلي، وهذا ظاهر.
وأيضًا فإن الإخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وهي نصوص صريحة، لا تحتمل تأويلًا …
قال الجامع: لا إشكال بحمد الله إلا على من يتعصب لبعض الَاراء، فإن الأمر سهل لمن يتبع الدليل، فأدلة الجمع الحقيقي واضحة صريحة كما اعترف بها اللكنوي نفسه سابقًا، فلا يسع إلا القول بها، وترك التعصب للمذهب كما فعل الطحاوي والعيني، وأمثالهما والله المستعان.
وأيضًا المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع هو الجمع الوقتي، لا الفعلي …
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 7/ 495]
قال الراجحي:
في هذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع في السفر بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جمع تأخير، وليس فيها أنه جمع بينهما جمع تقديم.
لكن ثبت في رواية الطبراني في الأوسط بإسناد حسن أنه صلى الظهر والعصر ثم ركب، وهذا جمع تقديم، وكذلك جاء في مستخرج أبي نعيم أنه إذا كان في سفر وزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل.
وعلى هذا: فالجمع بين الصلاتين جائز سواء كان جمع تقديم، أو جمع تأخير، ويختار المسافر ما هو أرفق به.
فمثلًا: إذا جاء وقت الظهر وهو نازل فإن الأرفق أن يجمع جمع تقديم حتى لا يفوته وقت العصر، وإذا جاء وقت الظهر وهو جادٌّ به السير فالأصل في حقه أن يؤخر الظهر مع العصر، وكذلك إذا جاء المغرب وهو نازل فالأفضل أن يصلي المغرب ويقدم العشاء، وإذا جاء المغرب وهو جادٌّ به السير فالأفضل أن يؤخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وهذا هو مذهب الجمهور
[توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم 2/ 403]
قال العباد:
والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً.
وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير.
وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير
[شرح سنن أبي داود للعباد 150/ 3 بترقيم الشاملة آليا]
ج: إن كان المسافر يريد أن يرتحل من مكانه في السفر قبل الزوال شرع له أن يصلي الظهر والعصر جمع تأخير، أما إن كان ارتحاله بعد الزوال فالأفضل له أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، وهكذا الحكم في المغرب والعشاء إن ارتحل قبل الغروب أخر المغرب مع العشاء جمع تأخير، وإن ارتحل بعد الغروب قدم العشاء مع المغرب وصلاهما جمع تقديم، هذه سنته عليه الصلاة والسلام فيما ذكرنا.
أما إن كان مقيمًا فهو مخير إن شاء جمع جمع تأخير وإن شاء جمع جمع تقديم، والأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع فإنه كان يصلي كل صلاة في وقتها؛ لأنه مقيم فإن دعت الحاجة إلى الجمع فلا حرج؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك وهو مقيم، وهكذا المريض يفعل ما هو الأرفق به من الجمع -أعني جمع التقديم أو جمع التأخير- فإن لم يكن عليه مشقة تدعوه إلى الجمع صلى كل صلاة في وقتها هذا هو الأفضل له وإن جمع فلا بأس [1].
من ضمن الفتاوى التي صدرت من مكتب سماحته. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/ 281)
: هل النية شرط لجواز الجمع؟ فكثيرًا ما يصلون المغرب بدون نية الجمع وبعد صلاة المغرب يتشاور الجماعة فيرون الجمع ثم يصلون العشاء؟
ج: اختلف العلماء في ذلك والراجح أن النية ليست بشرط عند افتتاح الصلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وجد شرطه من خوف أو مطر أو مرض [1].
من ضمن الأسئلة الموجهة من بعض طلبة العلم، وطبعها الأخ محمد الشايع في كتاب. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 12/ 294).
أحكام الجمع
قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا قَدْرٌ يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ أَخَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ
الْفَرْضَ عَصَى وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا إذَا مَنَعْنَا قَصْرَ الْمَقْضِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ حال الصلاة والموالاة ففيهما طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا كُلَّهَا صَحَّ الْجَمْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا وَاجِبَاتٌ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لَا يَجُوزُ قَصْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ قَصْرَ مَقْضِيَّةِ السَّفَرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ «دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ عَرَفَةَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
المجموع شرح المهذب – ط المنيرية (4) / (376) — النووي (ت (676))
كتاب الصلاة صلى الله عليه وسلم مسائل تتعلق بجمع المسافر
بَابُ: جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ
سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ،» سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: أَخِّرِ الْمَغْرِبَ حَتَّى تُصَلِّيَهُمَا جَمِيعًا، قَالَ: أَنْعَسُ؟ قَالَ: إِنْ نَعَسْتَ فَتَوَضَّأَ «.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ،» سُئِلَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَكُونُ فِي وَقْتِ الْآخِرِ «.
قُلْتُ:» يَكُونُ فِي السَّرِيَّةِ يُرِيدُ الرُّكُوبَ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، فَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ يَرْكَبُ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ يَكُونُوا هُمْ فِي عُذْرٍ «.
سَمِعْتُ أَحْمَدَ،» سُئِلَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْحَضَرِ مِنْ مَطَرٍ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ؟ قَالَ: أَرْجُو «.
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (1) / (108) — أحمد بن حنبل (ت (241))
باب: من نسي صلاة في السفر فذكرها في الحضر
والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائرًا، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيمًا وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقرًا ونازلًا.
وأما إذا كان سائرًا وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا كان نازلًا إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائرًا قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعًا، أي: جمع تأخير.
وإذا كان نازلًا في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطًا بأن يكون سائرًا وجادًا به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيمًا، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم ، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلًا في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جادًا به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير.
وقد أورد أبو داود صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانيًا وسبعًا، أي: الظهر والعصر ثمانيًا، والمغرب والعشاء سبعًا، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر.
وأيضًا جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر.
وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضًا ذكر أنه لما كان نازلًا في تبوك أخر الصلاة يومًا ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلًا فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله.
شرح سنن أبي داود للعباد (150) / (3) — عبد المحسن العباد (معاصر)
[(150)] صلى الله عليه وسلم ما جاء في الجمع بين الصلاتين صلى الله عليه وسلم شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر
[مَسْأَلَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ أَمْ الْقَصْرُ]
(290) – (206) – مَسْأَلَةٌ:
هَلْ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ أَمْ الْقَصْرُ؟ وَمَا أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ؟ وَمَا حُجَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ؟ وَمَا الرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. بَلْ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلُ، إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الْجَمْعِ، فَإِنَّ غَالِبَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا فِي السَّفَرِ إنَّمَا يُصَلِّيهَا فِي أَوْقَاتِهَا.
وَإِنَّمَا كَانَ الْجَمْعُ مِنْهُ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً.
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2) / (343) — ابن تيمية (ت (728))
كتاب الصلاة صلى الله عليه وسلم مسألة الجمع بين الصلاتين في السفر أفضل أم القصر
ومن ذلك أنه أرخص للمسافر في الجمع بين الصلاتين عند العذر وتعذر فعل كل صلاة في وقتها لمواصلة السير وتعذر النزول أو تعسيره عليه، فإذا قام في المنزل اليومين والثلاثة أو أقام اليوم فجمعه بين الصلاتين لا موجب له لتمكنه من فعل كل صلاة في وقتها من غير مشقة، فالجمع ليس سنة راتبة كما يعتقد أكثر المسافرين أن سنة السفر الجمع سواء وجد عذر أو لم يوجد، بل الجمع رخصة، والقصر سنة راتبة، فسنة المسافر قصر الرباعية سواء كان له عذر أو لم يكن، وأما جمعه بين الصلاتين فحاجة ورخصة، فهذا لون وهذا لون.
الوابل الصيب – ط دار الحديث (1) / (14) — ابن القيم (ت (751))