56 الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم -رقم 56
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
(ألقاه الأخ: سيف الكعبي)
(ومراجعة الأخ عبدالله المشجري)
بالتعاون مع الأخوة في مجموعات السلام والمدارسة والتخريج رقم 1، والاستفادة
من عنده تعقيب أو تنبيه فليفدنا
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
* عن معاوية بن الحكم السلمي قال: قلت يا رسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان. قال: ((فلا تأتوا الكهان)). قال: قلت كنا نتطير. قال: ((ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم)).
وزاد في طريق أخرى: ومنا رجال يخطون قال: ((كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك)).
* عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الكهان كانوا يحدثوننا بالشيء فنجده حقا قال: ((تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ويزيد فيها مائة كذبة)).
* وعن عائشة سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليسوا بشيء)). قالوا يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)).
* عن عبد الله بن عباس قال أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟) قالوا الله ورسوله أعلم كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ماذا قال قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون). وفي رواية (ولكنهم يرقون فيه ويزيدون) وزاد في أخرى وقال الله عزوجل (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير)
* عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)
باب اجتناب المجذوم ونحوه:
عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)).
——————-
الفوائد:
– ورد في البخاري2210 (إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيذكرون معها مائة كذبة من عند أنفسهم) وفي رواية (إن الله إذا قضى بالأمر ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله … وهناك مسترقة السمع بعضهم فوق بعض فربما سمع الكلمة قبل أن يدركه الشهاب، وربما أدركه الشهاب بعد أن يلقيها).
– قال القاضي رحمه الله كانت الكهانة فى العرب ثلاثة أضرب:
أحدها: يكون للإنسان وليٌّ من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله نبينا صلى الله عليه و سلم.
الثانى: أن يخبره بما يطرأ أو يكون فى أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما ولااستحالة فى ذلك ولابعد فى وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون والنهى عن تصديقهم والسماع منهم عام.
الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب.
ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذى يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعى معرفتها بها وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض فى ذلك بالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم واتيانهم والله أعلم.
– عظمة هذا الدين حيث كثُرَت الشهب على مسترقة السمع بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. فأكثر ما يوحي الشياطين لأوليائهم ما يأخذونه من الأخبار الأرضية.
– قوله (كنا نتطير قال ذاك شيء يجده أحدكم فى نفسه فلا يصدنكم) معناه أن كراهة ذلك تقع فى نفوسكم فى العادة ولكن لا تلتفتوا إليه ولاترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل.
وقد سبق الكلام على الطيرة في الباب السابق
* (كان نبيٌّ من الأنبياء يَخُط فمن وافق خطه فذاك) قال النووي هذا الحديث سبق شرحه فى كتاب الصلاة.
قلت: واستدلال بعضهم بأن إدريس عليه السلام يخط كخطوطهم هذا من أبطل الباطل، لأن كتبهم مليئة بالكفريات والأكاذيب التي يتنزه من له مسكة عقل أن يتفوه بها، ثم إن هذه معجزة لذاك النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل الزجر، وأنه لا يستطيع أحد ذلك. انتهى ملخصا كلام ابن تيميه والخطابي بمعناه
بل قال ابن تيمية: إن هؤلاء جمعوا من الكذب أكثر من كذب اليهود والنصارى، ونحن مأمورون بالحذر من تحريفاتهم، فما ظنك بهؤلاء الأفاكين الدجالين. انتهى باختصار وتصرف.
– قوله (يخطفها الجنى) ومعناه استرقه واخذه بسرعة. قوله (فيقرها في إذن وليه قر الدجاجة) يعني يرددها كصوت الدجاجة، لذا تجد بعض الكهان يردد كلاماً غير مفهوم، كابن صياد؛ قال صلى الله عليه وسلم (لو تركته لبين)، وفي البخاري (فيقرها في إذنه كما تقر القارورة) لكن ذكر الدارقطني أن رواية الزجاجة خطأ والصواب الدجاجة، وأيده ابن حجر.
– قوله (يقرفون) يعني يخلطون فيه الكذب، وفي لفظ (يرقون) يزيدون فيه الكذب، أصله من الصعود.
– فيه فتنة الإنسي بالجني والعكس، قال تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.سورة الأنعام آية: 128.
قوله: “عن بعض أزواج النبي صلي الله عليه وسلم” هي حفصة، ذكره أبو مسعود الثقفي؛ لأنه ذكر هذا الحديث في الأطراف في مسندها.
– المتبوعين بالباطل أعظم جرما لقوله صلى الله عليه وسلم ” لم تقبل له صلاة” وقوله صلى الله عليه وسلم (فقد كفر) فإذا كانت هذه حال السائل، فكيف بالمسؤول؟
– قال النووي وغيره: معناه أنه لا ثواب له فيها، وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه، ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث; فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة. اهـ ملخصا.
– فيه أن إتيان الكهان بغير تصديق من الكبائر إلا إذا أتاهم للإنكار، والكشف عن زيفهم ودجلهم، والإبلاغ عنهم، أو لإظهار عجزهم، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد.
قال القرطبي: ” يجب على من قدر على ذلك من محتسب وغيره أن يقيم من يتعاطى شيئا من ذلك من الأسواق وينكر عليهم أشد النكير، وعلى من يجيء إليهم، ولا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، ولا بكثرة من يجيء إليهم ممن ينتسب إلى العلم؛ فإنهم غير راسخين في العلم، بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور”.
– ورد عن أبي هريرة – عن النبي صلي الله عليه وسلم: ” من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلي الله عليه وسلم “. أخرجه الأربعة
و لا تعارض بين هذا وبين حديث: ” من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة “. هذا على قول من يقول: هو كفر دون كفر.
وظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان. وكان غالب الكهان قبل النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين. فحمل بعض أهل العلم الحديثين على حالين.
– الكاهن والساحر كفار؛ لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، والمصدق لهما يعتقد ذلك ويرضى به، وذلك كفر أيضا. واستثنى بعض الباحثين من صدقه في مسألة معينه لوجود القرائن مع علمه أنه دجال وكاذب. (التوضيح المفيد على كتاب التوحيد)
أما كفر الساحر فسبق بيانه من ستة وجوه كما في الآية.
– قال البغوي: ” العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك”.
– لفظ التبري يدل على أن الفعل من المعاصي العظام حيث ورد من حديث عمران (ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له … ) والحديث ضعيف، وله شواهد لا يتقوى بها، راجع تحقيقنا لكشف الاستار (3044،3043)،المهم لفظ التبري ورد في أعمال أخرى فتصح الفائدة.
– من رضي بذلك وتابع عليه فهو كالفاعل لقبوله الباطل واتباعه.
– الكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.
قوله: “العرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور” ظاهره: أن العراف هو الذي يخبر عن الوقائع كالسرقة وسارقها والضالة ومكانها.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ” إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، كالحازر الذي يدعي علم الغيب أو يدعي الكشف”.
وقال أيضا: ” والمنجم يدخل في اسم العراف، وعند بعضهم هو معناه”.
وقال أيضا: ” والمنجم يدخل في اسم الكاهن عند الخطابي وغيره من العلماء، وحكى ذلك عن العرب. وعند آخرين: هو من جنس الكاهن، وأسوأ حالا منه، فيلحق به من جهة المعنى”.
وقال الإمام أحمد: ” العرافة طَرَف من السحر. والساحر أخبث”.
وقال أبو السعادات: “” العراف المنجم، والحازر الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله تعالى به”.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ” من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سموه عائفا وعرافا”.
والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعي معرفة علم الشيء من المغيبات والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية،
ونعني بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل -عليهم السلام-، كالفلاسفة والكهان والمنجمين، وجاهلية العرب، وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة. (مختصرا من فتح المجيد)
– يدخل في العرافة الأبراج التي في الجرائد، وكل وسيلة مشابهة. قال ابن عباس: رب ناظر في النجوم، ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق. هذا فيمن يدعي بها علم الغيب، وهو الذي يسمى علم الحرف، وهو الذي جاء فيه الوعيد، فأما تعلمها للتهجي وحساب الجمل فلا بأس به.
والعرافون منهم من “ينظرون في النجوم” أي ويعتقدون أن لها تأثيرا.
– وفيه من الفوائد عدم الاغترار بما يؤتاه أهل الباطل من معارفهم وعلومهم، كما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
– عظم الكذب خاصة في تحريف الشريعة، وأن الناس يتكسبون به. وقد أسست مذاهب أهل الباطل على الكذب عن طريق دسائس في الإسلام مثل عبدالله بن سبأ. ثم اتباعه الرافضة اختلقوا أكاذيب وينسبونها لأهل البيت وإلى جعفر الصادق، ولهم في ذلك كلام كثير في منتهى الكفر، والذي لا يعرف ما في كتب القوم، يظن أن الناس تتجنى عليهم وتزيد، واسمع أشرطة الشيخ إحسان إلاهي ظهير وأقرأ الكتب التي ألفت فيهم.
– جواز اطلاق هذا اللفظ (ليسوا بشئ) على ماكان باطلا، ومعناه بطلان قولهم وأنه لاحقيقة له، وقد بوب البخاري؛ باب قول الرجل ليس بشئ، وهو ينوي أنه ليس بحق.
– محاورة السائل للعالم لإزالة اللبس والغموض.
– الخبيثات للخبيثين، فلما خبُثت قلوب هؤلاء العرافين خدمتهم الشياطين. قال تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ) الشعراء،221
– الإيمان بالجن وصفتهم.
– كذب المنجمون ولو صدقوا؛ ليست حديثا ولكنها مقولة، ومعناها صحيح. ومنه حديث (صدقك وهو كذوب). وقال ابن تيمية: المنجمون من أنواع الكهان، وقد علم الخاصة والعامة أن الأحكام التي يحكم بها المنجمون يكون الكذب فيها أضعاف الصدق. انتهى
ويجب الحذر من معرفة بعض الكهان بموعد الكسوف والخسوف لأن هذا عن طريق الحساب، كمعرفتهم متى تغرب الشمس وطلوع الهلال. قاله ابن تيمية. وقال أيضا: وإن كان ذلك العلم قليل المنفعة.
قلت: وتطورت حيلهم في العصر الحديث، ولو ذهبنا لمراكز الشرطة لوجدنا أنواعًا كثيرة من حيل النصب بالتكهن. وتنتشر الكهانة بانتشار الجهل في الناس.
– الذي يرد الحق بالبلاغة يعتبر من اخوان الكهان، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذا من اخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع) وهذا الحديث ذكره البخاري أول حديث في باب الكهانة.
– الحذر من التكلم بالظنون والتخمينات خاصة في العلم، لأنه يكون تشبهاً بالكهان؛ لأن أغلب كلامهم هكذا.
– فيه الرد على من أجاز حل السحر بالسحر، حتى نقل ابن بطال الإجماع على تحريم حلوان الكاهن، كذلك نقل الإجماع الصنعاني.
– التقوى خير زاد لدفع الشرور (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) البقرة، وقال تعالى (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) يونس
– وفي باب اجتناب المجذوب سبق الكلام على الحديث.