56 – التعليق على الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي و أبي علي راشد الحوسني وأبي سالم محمد الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
56 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 141): حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثني ثابت البناني حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم دفع إلى حفصة بنة عمر رجلًا فقال «احتفظي به» قال فغفلت حفصة ومضى الرجل فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقال «يا حفصة ما فعل الرجل » قالت غفلت عنه يا رسول الله فخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «قطع الله يدك» فرفعت يديها هكذا فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال «ما شأنك يا حفصة » فقالت يا رسول الله قلت قبل لي كذا وكذا فقال لها «صفي يديك فإني سألت الله عز وجل أيما إنسان من أمتي دعوت الله عز وجل عليه أن يجعلها له مغفرة».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسنٌ.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (8/ 267): “رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ”.
* قال محققو المسند (19/ 420) إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه الضياء في “المختارة” (1620) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، بهذا الإسناد.
* جاء في مسند أحمد برقم 24259: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسِيرٍ، فَلَهَوْتُ عَنْهُ، فَذَهَبَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ” مَا فَعَلَ الْأَسِيرُ ” قَالَتْ: لَهَوْتُ عَنْهُ مَعَ النِّسْوَةِ فَخَرَجَ، فَقَالَ: ” مَا لَكِ قَطَعَ اللهُ يَدَكِ، أَوْ يَدَيْكِ “، فَخَرَجَ، فَآذَنَ بِهِ النَّاسَ، فَطَلَبُوهُ، فَجَاءُوا بِهِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَأَنَا أُقَلِّبُ يَدَيَّ فَقَالَ: ” مَا لَكِ، أَجُنِنْتِ ” قُلْتُ: دَعَوْتَ عَلَيَّ، فَأَنَا أُقَلِّبُ يَدَيَّ، أَنْظُرُ أَيُّهُمَا يُقْطَعَانِ، فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا، وَقَالَ: ” اللهُمَّ إِنِّي بَشَرٌ، أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ، أَوْ مُؤْمِنَةٍ، دَعَوْتُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَطُهُورًا ”
قال محققو المسند (40/ 304): ” إسناده صحيح على شرط الشيخين. يحيى: هو ابن سعيد القطان، وابن أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب.
وأخرجه إسحاق بن راهوية (1125)، والبيهقي في “السنن” 9/ 89 من طريقين، عن ابن أبي ذئب.
وقد سلف برقم (12431) من طريق حسين بن واقد المروزي، عن ثابت البناقي، عن أنس بن مالك، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى حفصة رجلاً .. فذكر الحديث. وحسين بن واقد، قال ابن حبان: ربما أخطا في الروايات، قلنا: وقد اختلف عليه في تسمية من أُودع عندها الأسير، فقيل: حفصة، وقيل: عند إنسان لم يُسمِّه، والصواب عائشة، كما في هذه الرواية.”
– قال الشيخ سيف عن حديث عائشة في تخريج نضرة النعيم: ” قال الذهبي إسناده جيد: المهذب7/ 3618 وهو في الصحيح المسند 1560، ورد من حديث أنس في الصحيح المسند “.
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1 – تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب البيهقي في السنن الكبرى باب الأسير يوثق، وذكر تحته أحاديث منها حديث عائشة السابق ولم يذكر حديث حفصة.
* بوب الهيثمي في غاية المقصد في زوائد المسند (3/ 300) باب ما جاء فى دعائه واشتراطه فيه صلى الله عليه وسلم.
2 – شرح الحديث:
* قال السندي في حاشيته على المسند (12/ 14): “قوله (دَفَعَ إِلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عُمَرَ رَجُلًا) كان محبوسًا في محل لم يكن له إغلاق، فقال لحفصة: انظري لئلا يخرج من محله، لكن الدعاء على اليد يقتضي أنه جعل في يدها، إلا أن يقال أنه يقال في مثله أنه شرد من يده، فلذلك دعا على يدها (فَرَفَعَتْ يَدَيْهَا) أي: من الرفع، وفي (المجمع): (فَقَالَتْ بِيَدَيْهَا هَكَذَا) أو المراد به: الرفع، ولعلها فعلت كذلك ليترحم عليها النبي – صلى الله عليه وسلم – فيدعو لها (قبلت) هكذا في نسختنا، وهو على بناء المفعول من القبول، أي: دعوتك على، وفي بعض النسخ: (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْتَ: قَبْلُ كَذَا وَكَذَا) وهو الموافق لما في (المجمع) وفي بعض النسخ (صُفِّي) من الصف، بإهمال صاد وتشديد فاء، وفي (المجمع): رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.”
—-
* سبق دراسة الحديث في شرح الصحيح المسند برقم 1560.
وذكرنا تبويب النووي على أحاديث صحيح مسلم باب
: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو سبه، أو دعا عليه، وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة وأجرا، ورحمة
وذكرنا الاحاديث التي أوردها مسلم في صحيحه: عن عائشة قالت * دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فلعنهما وسبهما فلما خرجا قلت يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان قال وما ذاك قالت قلت لعنتهما وسببتهما قال أو ما علمت ما شارطت عليه ربي قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا.
وحديث أبي هريرة وجابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة. لكن في حديث جابر: زكاة وأجرا.
ومن حديث أنس بن مالك قال * كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال آنت هيه لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي …. قال يا أم سليم أما تعلمين أن شرطى على ربي أنى اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة
من فوائد الأحديث:
منها: بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر من بني آدم، فله صفات بني آدم، فيغضب كما يغضبون، ويأسف كما يأسفون، ولكن الله عز وجل عصمه من الوقوع في المعاصي، وإن وقع منه بعض ما يعاقب عليه، فقد ينبهه الله تعالى، فيرجع في الحال.
ومنها بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من كمال الشفقة، وشدة الرحمة، فإذا حصل منه شيء من الصفات التي لا يخلو البشر عنها، من الغضب على بعض الناس لسوء أدبه، فسبه، أو لعنه، أو نحو ذلك، فإنه دعا الله تعالى أن يجعل ذلك له زلفى إلى الله تعالى، وصلاة وزكاة، وهذا مصداق لقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ) [سورة الأنبياء 107]
فإن قيل كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه، أو يسبه، أو يلعنه، ونحو ذلك
فالجواب ما أجاب به العلماء، ومختصره وجهان:
أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى، وفي باطن الأمر، ولكنه في الظاهر مستوجب له، فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
والثاني: أن ما وقع من سبه، ودعائه، ونحوه، ليس بمقصود، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلاهما بلا نية، كقوله (تربت يمينك)، و (عقرى، حلقى)، وفي هذا الحديث (لا كبرت سنك)، وفي حديث معاوية: (لا أشبع الله بطنه)، ونحو ذلك، لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك ساعة إجابة، فسأل ربه عز وجل، ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة، وكفارة، وقربة، وطهورا، وأجرا، وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان، ولم يكن صلى الله عليه وسلم، فاحشا، ولا متفحشا، ولا لعانا، ولا منتقما لنفسه، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا: ادع على دوس، فقال (اللهم اهد دوسا)، وقال: (اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون).
ومنها بيان فضل الأمة المحمدية، حيث جعلها الله تعالى أمة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فإذا حصل لها شيء من التقصير حصل لها منه صلى الله عليه وسلم فضل كبير، حيث يدعو عليها، فتكون تلك الدعوة لها قربة إلى الله تعالى، بخلاف الأمم السابقة، فإنها إذا أساءت إلى أنبيائها دعوا عليها، فهلكت، اللهم لك الحمد على هذه النعماء، ولك الشكر على مزيد الآلاء، اللهم أوزعنا شكرك، وألهمنا ذكرك، ولا تجعلنا من الغافلين، آمين.
المصدر:
شرح صحيح مسلم للشيخ محمد علي الآثيوبي ((40) / (686))
* قال السيوطي في الحاوي (1/ 460 – 461): ” مسألة: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” «اللهم من دعوت عليه بشيء أو سببته أو نحو ذلك فاجعله رحمة له» ” وما التوفيق بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: ” «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق اللهم عليه» ” فإنه ينحل ويؤول إلى الدعاء لهم لا عليهم، وهو لا يدعو لمن يؤذي المسلمين ويشق عليهم.
الجواب: الحديث صحيح أخرجه الشيخان بلفظ: ” «اللهم إني أتخذ عندك عهدا أن لا تخلفنيه، فإنما أنا بشر، فأي المؤمنين آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة وصلاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة» ” وأخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى حفصة رجلا وقال: احتفظي به، فغفلت عنه ومضى فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” قطع الله يدك ” ففزعت فقال: ” إني سألت ربي تبارك وتعالى أيما إنسان من أمتي دعوت الله عليه أن يجعلها له مغفرة» قال ابن العاص من أصحابنا وتبعه إمام الحرمين: من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له الدعاء على من شاء بغير سبب، ويكون فيه من الفوائد ما أشار إليه في الحديث، وبهذا يعرف أنه لا تنافي بين هذا الحديث والحديث المذكور في السؤال؛ لأن الدعاء على الوالي إذا شق ونحوه دعاء بسبب، فلم يدخل في ذلك الحديث، وأيضا فالمقصود بالأول الدعاء على معين وهذا على مبهم
قلت سيف بن دوره:
وعندي اعتراض على قول إمام الحرمين:
من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجوز له الدعاء على من شاء بغير سبب. انتهى
فقضية الرجلان اللذين سبقا للماء إنما سبهما لأنهما خالفا أمره في عدم أخذ شيء من الماء حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو فيه بالبركة.
وقضية يتيمة أم سليم سيأتي ذكرها
وقد اعترض علينا معترض أن كونه يقع منه سب ولعن مخالف لنصوص القرآن وأنه على خلق عظيم
فالجواب:
أيهما أشد القتل عن غضب أم اللعن والسب
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَة مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَاذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَاذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَاذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوّ مُّضِلّ مُّبِين قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرا لِّلْمُجْرِمِينَ)
[سورة القصص 15 – 17]
ومع أن موسى عليه الصلاة والسلام قتله من غير قصد تاب فتاب الله عليه.
وظاهر فعل أخوة يوسف من التآمر على قتله والقائه في البئر أنهم يستحقون اللعن. لذا قال يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوانه (أَنتُمْ شَرّ مَّكَانا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ)
[سورة يوسف 77])
لكن استحقاقهم للصفات السيئة والتقبيح قبل توبتهم أما بعد توبتهم فلا يستحقون
وتابوا أخيرا بل قيل أنهم أنبياء أو علماء أولياء أبرار
والنبي صلى الله عليه وسلم كل من سبه كان قبل أن يتوب المسبوب. أو يستبين أنه لا يستحق
و لم يلعن ولم يسب أحد إلا وهو يستحق في ظاهر الأمر. لكنه لا يعلم ما في القلوب.
وأما قصة اليتيمة فليس فيه لعن، وربما دخلت عليه بغير استئذان. بعد أن كبرت في السن.